بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قوم خيانةً فانبذ اليهم على سواء إنّ الله لا يحب الخائنين ) (١) ، والخوف هنا بمعنى اليقين بالنبذ من ظهور أماراته الكاشفة عنه مثل قوله تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع ) (٢).

وما هذه المعاهدات التي تحصل بين الدول الإسلامية أو غيرها إلاّ كنموذج ومصداق للمعاهدات النبوية مع المشركين ، لذا فهي تقتضي عرفاً وقانوناً الالتزام بما نصّت عليه المعاهدة فيما إذا لم تكن مخالفة للقوانين الإسلامية وذلك لقاعدة « المسلمون عند شروطهم إلاّ شرطاً خالف كتاب الله تعالى أو إلاّ شرطاً حرم حلالا أو حلّل حراماً ».

ونحن لا نرى أي ملزم للمسلمين في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الالتزام بالقرارات الواقعة بينهم إلاّ التعاهد ، وهذا هو معنى وجوب الوفاء بالوعد إذا كان بمعنى العهد.

وإذا كان معنى الوعد هو العهد بواسطة قرائن الأحوال فيجب الوفاء به كما تقدّم.

ولعلّه لهذا كان المشركون يتحرزون من قول : « لا إله إلاّ الله » حينما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لهم : « قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ».

ب ـ السنّة :

لقد وردت النصوص (٣) الشرعية الدالّة على إلزامية الوعد الذي بمعنى الالتزام والتعهد :

١ ـ روايات جعلت مخالفة العهد والوعد من خصال النفاق ، فقد قال

__________________

(١) الأنفال : ٥٨.

(٢) النساء : ٣٤ ، وراجع تفسير القرطبي : ج ٥ ، ص ١٧٠ ، وتفسير الميزان : ج ٤ ، ص ٣٤٥.

(٣) وبما أن هذه النصوص متواترة ـ ولو معنىً ـ فلا حاجة إلى البحث في سندها ، حيث إنّنا نقطع بصدورها من المشرِّع الأقدس فهي حجّة بمضمونها الضيّق.

١٢١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أربع مَنْ كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر » (١).

٢ ـ روايات جعلت الوعد ( العهد ) من قسم النذر الذي ليس فيه كفارة ، فقد روى هشام بن سالم في الصحيح قال : سمعت الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : عدة المؤمن آخاه نذر لا كفارة له ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرّض وذلك قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) (٢).

٣ ـ روى علي بن عقبة عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله ، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يعده عدةً فيخلِفه » (٣).

٤ ـ موثّق سماعة بن مهران عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت اُخوّته » (٤).

وهذه النصوص المتقدّمة وان كانت مطلقة لمخالفة كل وعد حتى إذا لم يكن بمعنى العهد إلاّ أن معلومية عدم حرمة مخالفة الإخبار عن إنشاء معروف في المستقبل تخصّص حرمة المخالفة بالوعد الذي هو بمعنى العهد.

٥ ـ صحيحة عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : « حدثني أبو جعفر الثاني ( الإمام الجواد عليه‌السلام ) قال : سمعت أبي الإمام الرضا عليه‌السلام يقول : سمعت أبي

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الايمان : ج ١ ، ص ٨٩ ، صحيح مسلم ، كتاب الايمان : ج ١ ، ص ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٨ ، ب ١٠٩ من أحكام العشرة ، ح ٣.

(٣) المصدر السابق : ب ١٢٢ من أحكام العشرة ، ح ٦.

(٤) المصدر السابق : ب ١٥٢ من أحكام العشرة ، ح ٢.

١٢٢

موسى بن جعفر الإمام الكاظم عليه‌السلام يقول : دخل عمرو بن عبيد على الإمام الصادق عليه‌السلام فلمّا سلّم وجلس وتلا هذه الآية ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) ثم أمسك. فقال له الإمام الصادق عليه‌السلام : ما أسكتك ؟ قال : اُحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزّوجلّ. فقال : نعم يا عمرو ، أكبر الكبائر الشرك بالله يقول الله تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ) ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله عزّوجلّ يقول عليهم‌السلام ( لهم اللعنة ولهم سواء الدار ... ) » (١).

٦ ـ وفي حديث الحسين بن مصعب الهمداني قال : سمعت الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : « ثلاثة لا عذر لاحد فيها : أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرِّ والفاجر ، وبرِّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين » (٢).

ورويت الرواية المتقدّمة عن عنبسة بن مصعب أيضاً إلاّ أنّه قال : « لم يجعل الله لاحد من الناس فيهن رخصة ».

٧ ـ ويؤيد ما ذكرنا في سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول ابن القيّم :

أ ـ ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأبي رافع وقد أرسلته إليه قريش فأراد المقام عنده وأنّه لا يرجع إليهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرد ولكن ارجع إلى قومك ... » وثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ردّ إليهم أبا جندل للعهد الذي كان بينه وبينهم « أن يردّ إليهم مَنْ جاء منهم مسلماً » (٣).

ولا يمكن أن يقال بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما ردّ من أسلم إليهم لعمله بالراجح الذي هو الوفاء بالوعد.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١١ ، ب ٤٦ من جهاد النفس ، ح ٢ ، والآية القرآنية إشارة إلى قوله تعالى : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) الرعد : ٢٥.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١٣ ، ب ٢ من أحكام الوديعة ، ح ١.

(٣) زاد المعاد : ج ٥ ، ص٨٧ ـ ٨٨.

١٢٣

ب ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلّن عقداً ولا يشدّنه حتى يمضي أمده أو ينبذ اليهم على سواء » قال الترمذي : حديث حسن صحيح (١).

ج ـ ولما أسَّرَتْ قريش حذيفة بن اليمان وأباه أطلقوهما وعاهدوهما أن لا يقاتلاهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانوا خارجين إلى بدر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « انصرفا نَفِي لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم » (٢).

وعلى هذا الذي تقدّم تبيّن لنا أنّ الوعد ( إذا كان بمعنى العهد ) الذي يعطيه إنسان لآخر في الحالات الاعتيادية ويقبل به الآخر ويرتب عليه أثراً يكون من العقود الواجبة الوفاء بها حسب الأدلّة المتقدّمة ، وإن نوقش في بعضها فإنّ في ما لا نقاش فيه كفاية.

أمّا الوعد الذي يكون بمعنى العهد الذي يعطيه إنسان لآخر ولم يقبله أو قبله ولم يرتب عليه أثراً ـ بمعنى أنّه لم يصل إلى حدّ العقد ـ فلا يسمى عقداً ولا عهداً ، فلا يجب الوفاء به ، بمعنى أن الموعد أو المعاهد يتمكّن أن يرجع عن عهده وعِدته.

الضمان والكفالة :

نتمكّن أن نقول : إنّ عقد الضمان العرفي الارتكازي القائل : « بأنّ المدين إذا لم يفِ بدينه إلى الدائن فأنا ملزم بالوفاء به » أو القائل : « إذا لم يفِ فلان بالشروط والالتزامات التي عليه والتي لها مالية عرفية عقلائية فأنا مسؤول عنها » أو القائل : « أطلقوا فلاناً من السجن وأنا مسؤول عن الاتيان به في الوقت المطلوب الذي يكون لاتيانه مالية عقلائية أو عرفية » نتمكّن أن نقول : إنّ هذه العقود المقبولة

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

١٢٤

عرفاً وارتكازاً وقد افتى على وفقها علماء كبار هي مصاديق للوفاء بالعهد الذي ندّعي إلزاميته ولو كان ابتدائياً.

إذن فمن قال لزيد : « إذا اشتريت هذا البيت فأنا مستعد لاقراضك الف دينار من المال ، وقد أقدم زيد على الشراء مستنداً إلى الوعد الذي قدّم له من الموعِد » يجب عليه الوفاء والالتزام بما قال تكليفاً ، ويجب عليه وضعاً رفع الضرر عن الطرف الآخر فيما إذا لم يفِ له بما التزم وتعهد ، كل ذلك لوجود وعد بينهما وصل إلى مرحلة العقد الواجب الوفاء.

أما الشرط :

فله معان متعدّدة :

الأول : الشرط بالمعنى الحدثي الذي يشتق منه ، وهو الالتزام بالعمل أو بثبوت الحقّ للغير (١) ويحصل منه الزام بالعمل أو بثبوت الحقّ للغير.

الثاني : « ما يلزم من عدمه عدم الشيء » مثل أن يقال : إن الوضوء شرط للصلاة.

الثالث : « أن يقع بعد أداة الشرط مثل : إنّ جاء زيد فاكرمه » وهذا اصطلاح أدبي للشرط وهو مأخوذ من المعنى الثاني للشرط.

الرابع : « أحد أجزاء العلّة » وهو ما يكون به الأثر الذي يختلف عن السبب

__________________

(١) أما تعريف صاحب القاموس للشرط بأنّه الزام والتزام في البيع ونحوه فهو لا مبرر له إذ اُطلق الشرط على الالتزام الابتدائي وان كان حكماً شرعياً كما في خبر بريرة حيث قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما اشترت عائشة بريرة وأعتقتها وقد اشترط مواليها الولاء لهم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الولاء لمن اعتق وشرط الله اوثق » ، فقد اطلق الشرط على حكم الله كما اطلق على خيار الحيوان حيث قالت الروايات : الشرط في الحيوان ثلاثة أيام » ، كما اطلق الشرط على النذر والعهد والوعد في الأخبار ، راجع وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ب ٢٠ من المهور.

١٢٥

الذي يكون منه الأثر ، ويختلف عن المانع الذي يمنع الأثر. وهذا المعنى منقول من المعنى الثاني أيضاً (١).

أقول : الظاهر أن الشرط في جميع الموارد قد استعمل بمعنى الربط والاناطة وهذا الربط قد يكون تكوينياً ، وقد يكون تشريعياً ، وعلى كل حال فنحن نتكلم في الشرط بالمعنى الأول وان كانت كلمة « الشرط » إذا جاءت في لسان الشارع أو لسان العرف فلا يراد بها المعنى الأدبي للشرط ، ولا المعنى الفلسفي للشرط اللذان هما اصطلاحان لأهل الأدب والفلسفة ، إذ الشارع لا يخاطب العرف بلسان أهل الاختصاص ، وحينئذ إذا كانت هناك قرينة على إرادة المعنى الأوّل الذي نحن نتكلّم عنه أو كانت هناك قرينة على إرادة المعنى الثاني فهو ، وإلاّ أصبح الكلام مجملا من ناحية أن الربط تكويني أو شرعي.

وقد ذكر الشيخ الأنصاري قدس‌سره : أن الشرط قد اُطلق على حكم الله وعلى النذر ( أي اطلق على الالتزام الابتدائي ) كما اُطلق على الالتزام في البيع فيكون مشتركاً اشتراكاً معنوياً وهو مقدّم على المجاز. كما أنّ المتبادر من قول الإنسان : شرطتُ على نفسي كذا هو الالتزام (٢) ، فيكون معنى الشرط العرفي هو الالتزام ولو كان ابتدائياً. بالاضافة إلى صحيحة منصور بن يونس بن برزج عن العبد الصالح ( موسى بن جعفر عليهما‌السلام ) قال : قلت له : « إنّ رجلاً من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزويج بعد ذلك كيف يصنع ؟ فقال عليه‌السلام : بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ؟ قل له فليف للمرأة بشرطها فإنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المؤمنون

__________________

(١) مكاسب الشيخ الأنصاري : ج ٢ ، ص ٢٧٥ طبعة حجرية.

(٢) المصدر السابق.

١٢٦

عند شروطهم » (١).

وفي هذه الرواية فقد اُطلق الشرط على النذر وأوجب الوفاء به بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

ولنا أن نضيف موثّقة اسحاق بن عمار عن جعفر ( الإمام الصادق عليه‌السلام ) عن أبيه ( الإمام الباقر عليه‌السلام ) أن عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فإنَّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً » (٣).

وقد ذكر الشيخ الأنصاري فقال : « وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف بينهم في أن مقتضى عموم أدلّة الشرط ، الصحة في الكلّ ( أي صحة الشرط ووجوب الوفاء به في كل مورد سواء كان عقداً أوْ لا ) وإنّما الاخراج لمانع ، ولذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ الطوسي قدس‌سره : « أنّه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان : المؤمنون عند شروطهم » (٤).

إذن تبين أن الشرط معناه لغةً وشرعاً هو مطلق الالتزام ، سواء كان في ضمن معاملة أو ابتدائياً ، وتبيّن وجوب الوفاء به مطلقاً نتيجة عموم الأدلّة التي هي في خصوص ما إذا رَتَّب الآخر أثراً على هذا الالتزام.

وبهذا تبيّن أن ما ذهب إليه مشهور العلماء من عدم وجوب الوفاء بالوعد ( العهد ) وعدم وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي ليس له دليل واضح إلاّ ادّعاء

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ب ٢٠ من أبواب المهور ، ح ٤.

(٢) مكاسب الشيخ الأنصاري : ج ٢ ، ص ٢٧٥.

(٣) وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ب ٤٠ من أبواب المهور ، ح ٤ ، وإنّما قلنا : إنّها موثّقة لأن الشيخ وثّق غياث بن كلوب في العدّة.

(٤) مكاسب الشيخ الأنصاري : ج ٢ ، ص ٢٣٣.

١٢٧

الإجماع على عدم وجوب الوفاء بمطلق الوعد وبالشرط إذا لم يكن في ضمن العقد ، بل الأدلّة دالة على وجوب الوفاء بهما في صورة ما إذا رتّب الآخر على الوعد والشرط أثراً بحيث يكون عدم الوفاء بهما غشاً وخداعاً وخيانة محرمة. بالاضافة إلى أن هذا الوعد والشرط يكون عقداً عرفاً فيجب الوفاء به.

ونتمكّن أن نقول : بأنّ الإجماع المدّعى على عدم وجوب الوفاء بمطلق الوعد وبالشرط في غير متن العقد هو دليل لبّي على تقدير ثبوته ، فيقتصر فيه على صورة ما إذا كان الوعد أو الشرط لم يرتّب عليه الطرف الآخر شيئاً ولم يصدق عليه العهد والالتزام ، وبهذا يكون التفصيل هو المتّبع لثبوت دليل على كل شقّ منه. وينبني على هذا أن التفاهم السابق على العقود إذا ترتّب عليه مع العقود أمرٌ محظور كالجهالة والغرر والربا فانه يعدّ محظوراً شرعاً ، وإن لم يرتّب عليه أمرٌ محظور فيجب الوفاء به وفقاً لما تقدم من الأدلّة السابقة.

١٢٨

١٢٩
١٣٠

المقدّمة

نتكلم في هذه المقدّمة عن أقسام البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن وعدمه ثم نتكلم عن بيع المرابحة بالخصوص جوازاً وكراهةً وشرائط.

أقسام البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن وعدمه :

وقد عدّ الفقهاء هذه الأقسام الى خمسة ، وتوضيح ذلك : أنّ البائع إِمّا أن يخبر بالثمن أولاً ، فعلى الثاني يكون البيع مساومة ، وعلى الأول : فإمّا أن يبيع برأس المال ، أو بزيادة عليه ، أو بنقصان عنه ، والأول هو بيع التولية ، والثاني هو بيع المرابحة ، والثالث هو المراصعة ، وهنا قسم رابع وهو : ما إذا باع بالتشريك ( وهو اعطاء بعض المبيع برأس المال مع علمهما بقدر رأس المال ) كأن يقول : أشركتك بالنصف فحينئذ يلزمه نصف مثل الثمن ، وهذا في الحقيقة عبارة عن بيع الجزء المشاع برأس المال.

بيع المرابحة :

وموضوع بحثنا هو بيع المرابحة ، ومعناها ـ كما تقدّم ـ هو « البيع مع الإخبار

١٣١

برأس المال مع الزيادة عليه » ، وهذا البيع جائز بين جميع أهل العلم وعليه الإجماع.

ومع هذا قد وردت الروايات الكثيرة على جواز بيع المرابحة ، منها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يبيع السلعة ويشترط أنَّ له نصفها ، ثم يبيعها مرابحةً أيحل ذلك ؟ قال : لا بأس » (١).

ورواية علي بن سعيد قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل يبتاع ثوباً فيطلب منّي مرابحة ، ترى ببيع المرابحة بأساً إذا صدق في المرابحة وسمّى ربحاً دانقين أو نصف درهم ؟ قال : لا بأس » (٢).

كراهة المرابحة :

هذا وقد وردت الروايات دالّة على كراهة بيع المرابحة ، منها : موثّقة محمد بن مسلم قال : قال الصادق عليه‌السلام : « إنّي أكره بيع عشرة بإحدى عشرة ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة ، وقال : أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم عليّ ، فبعته مساومة » (٣).

شروط بيع المرابحة :

ويشترط في بيع المرابحة شروط كثيرة ، راجعة الى تحقّق هذا البيع في الخارج على وجه الامانة والصدق في الإخبار ، وهذه الشروط التي تذكر هنا هي غير الشروط العامّة في كل البيع. والشروط الخاصة هي :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٢ ، ب ١٢ من أحكام العوقد ح ٣.

(٢) المصدر السابق : ح ١.

(٣) المصدر السابق : ب ١٤ من أحكام العقود ح ٤.

١٣٢

١ ـ علم المتبايعين بقدر الثمن وقدر الربح والغرامة ( كالضرائب الحكومية ) والمؤن ( وهي المصاريف التي تصرف على السلعة للاسترباح ) إن ضمها الى رأس المال.

٢ ـ يجب على البائع أن يذكر ما طرأ من موجب النقص ( كما إذا عرض خلل أو عيب في المبيع بحيث أوجب النقص ).

٣ ـ يجب على البائع أن يذكر الاجل إذا كان الثمن مؤجّلا ، لأنّ للأجل قسطاً من الثمن.

٤ ـ إذا زاد المبيع بفعل البائع أخبر بالواقع بأن يقول : « اشتريته بكذا وعملتُ فيه عملاً يساوي كذا » ، وكذا الأمر لو عمل فيه متطوع يزيد في قيمته.

٥ ـ إذا استأجر الكيّال أو الوزّان أو الحارس أو الصبّاغ أو الرفّاء أو القصّار أو الدلاّل وأشباه ذلك فيقول : تقوّم عليّ بكذا ، ولا يقول : اشتريتُ بكذا ، لأنّ الشراء لا يدخل فيه إلاّ الثمن ، بخلاف « تقوّم عليّ » ، فإنّه يدخل في الثمن وما يلحقه من الاُجرة.

٦ ـ إذا أخذ البائع أرشاً بسبب البيع أسقطه من الثمن ، لأنّ الأرش جزء من الثمن ، فكأنّ البائع اشترى المبيع بما عدا الأرش (١). أمّا إذا كان الأرش بسبب جناية فهو لا يسقط من الثمن ، لأنّ الأرش هنا حقّ متجدّد لا يقتضيه العقد كنتاج الدابة ، وهذا بخلاف العيب وإن حدث بعد العقد ( حيث يضمن ) ، فإنّه كالموجود حالة العقد.

٧ ـ إذا اشترى أشياء جملةً واحدةً فلا يجوز له أن يبيع بعضها ويخبر بما

__________________

(١) ويوجد هنا قول آخر ( وهو الأصح ) يقول بأنّ الأرش ليس جزءاً من الثمن وإنّما هو غرامة شرعية ، وعلى هذا الأساس لا يسقط من الثمن ، ولكن بنظري لابدّ من أن يبيّن الحقيقة للمشتري.

١٣٣

يقتضيه التقسيط من الثمن وإن كانت الاجزاء متساوية ، لأنّ المبيع المقابَل بالثمن هو المجموع ، وليست الأفراد ، وإن كانت الافراد يقسّط عليها الثمن في بعض الموارد ، كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقاً للغير.

بالإضافة الى أنّ بيع جملة أشياء متساوية بثمن واحد قد يختلف عن بيع كل واحد من الأشياء لوحده منفرداً.

٨ ـ لا يجوز أن يخبر بما اشتراه ممّن يرتبط به سبب أو نسب حيلةً ، كما لو اشترى الشيء من زوجته أو ولده بمائة وكانت قيمته في السوق ثمانين فإنّ هذا خديعة وتدليس فلا يجوز.

٩ ـ لا يجوز أن يخبر بأنّ ثمن السلعة هو ما قوّمه عليه التاجر من غير عقد على أن يكون الزائد له ، لأنّ مجرد التقويم لا يوجب البيع.

١٠ ـ إذا اشترى دابةً حاملةً فولدت وأراد بيعها منفردةً عن الولد مرابحةً فلا يجوز ، نعم ، إذا أخبر بالواقع فيجوز.

وكل هذه الشروط تقتضيها الامانة التي هي مفروضة في هذا العقد بين الطرفين ، فكل شيء يخالف هذه الأمانة فهو لا يجوز ، وعلى هذا فإن ظهر كذب البائع أو تدليسه وخديعته بأيّ شكل من الأشكال فيكون آثماً ، ولكنّ البيع صحيح يتخيّز فيه المشتري إذا علم بذلك بين الردّ والأخذ بالثمن.

ولهذه الشروط الكثيرة وتوابعها كان بيع المساومة أفضل ، لأنّه خال من هذه الشروط فلا يوقع الإنسان في محذور مخالفة الأمانة ، إذ لا نأمن من هوى الإنسان وجشعه في الربح الذي يؤدّي به الى غلط أو تأويل.

إذا عرفنا بيع المرابحة فيما تقدّم فهنا نتساءل هل أنّ مسألتنا « المرابحة للآمر بالشراء » هي من هذا القبيل ، أو هي شيء آخر ؟ ثمّ نبحث عن حكم المسألة.

١٣٤

المرابحة للآمر بالشراء

الصورة الاُولى :

وهي المشهورة المعروفة ، بأن يتقدّم العميل إلى البنك طالباً منه شراء سلعة معينة بأوصاف معينة ، ويَعِدُ العميل البنك بشراء تلك السلعة مرابحةً مقسطة بنسبة يتّفق عليها مع البنك.

وبعبارة اُخرى : أنّ العملية تتكوّن من خمس مراحل هي :

١ ـ طلب العميل من البنك شراء سلعة معينة موصوفة.

٢ ـ البنك يَعِدُ العميل بأنّه سوف يشتريها ويبيعها له.

٣ ـ العميل يَعِدُ البنك بأنّه سوف يشتري السلعة مرابحةً بنسبة معينة بالأقساط.

٤ ـ يشتري البنك السلعَة المعينة.

٥ ـ يبيعها إلى العميل مرابحة.

وهذه الصورة المعروفة نتكلم عنها أولاً حسب القاعدة الأوليّة ، ثم ننظر في ما إذا كان هناك نص يُدّعى على حرمة هذه المعاملة.

أمّا القاعدة الأوليّة فهي تقتضي صحة هذه المعاملة إذا جرت ، وكان كلّ من البنك والعميل بالخيار في البيع والشراء وعدمهما بعد أن يشتري البنك السلعة. أمّا إذا أراد البنك أن يلزم العميل بالشراء ، أو أراد العميل أن يلزم البنك بالشراء فهل تكون المعاملة صحيحة أيضاً على القاعدة ؟

وبعبارة اُخرى : أنّ الإلزام والالتزام في المرحلة الثانية والثالثة إذا أوجدناه بصورة من الصور فهل تبطل المعاملة ؟

١٣٥

الجواب : أنّ أكثر المعاملات التي يكون المتعامل فيها حرّاً بالبيع والشراء قد يأتي فيها الإلزام ، ومع هذا تكون المعاملة صحيحة ، واليك بعض الأمثلة.

١ ـ إذا أردتُ أن أشتري منك سيارةً فأنا بالخيار في عقد صفقة الشراء وعدمه ، وأنت أيها البائع أيضاً كذلك بالخيار في عقد صفقة البيع وعدمه ، ولكن إذا أردنا أن نلتزم بإحداث صفقة بيع تقع فيما بعد بثمن معين فيمكننا أن نوجد معاملة ثانية غير معاملة السيارة ، كأن أبيعك ثلاجةً واشترط عليك في ضمن البيع أن تبيعني سيارتك بثمن معيّن ، فإن قبلت بيع الثلاجة أصبحت الثلاجة لك ، ولكنّك ملزم من ناحية شرعية ببيع سيارتك لي بثمن معيّن.

وهذه العملية ليس فيها بأس ، لأنّ البيع الثاني أصبح شرطاً في البيع الأول ، والحديث الشريف الصحيح يقول : « المسلمون عند شروطهم إلاّ شرطاً خالف كتاب الله عزّوجلّ فلا يجوز » (١) ، وبما أنّ القاعدة الأوليّة تقول : إنّ هذا الشرط ليس مخالفاً للكتاب فهو نافذ.

٢ ـ قد يكون الإلزام ـ من قبل البنك بالبيع للعميل ، والالتزام من قبل العميل بالشراء ـ قد حدث بواسطة يمين من الطرفين بإحداث العقد ، وكذا الأمر في نذر كلّ واحد منهما هذا الأمر مع تحقّق متعلّق النذر.

وبهذه الاُمور الثلاثة يكون كلّ من البنك والعميل مُلزَماً من ناحية شرعية باجراء المعاملة. إذن قد اتّضح أنّ الإلزام الذي يأتي إلى البنك أو إلى المشتري بصورة من الصور المتقدّمة لا يغيّر من صحة المعاملة.

ولكن هنا نريد أن نبيّن أنّ مجرد المواعدة من قبل البنك للعميل ، أو من قبل العميل للبنك هل هي كافية في الإلزام ؟

__________________

(١) صحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وسائل الشيعة : ج ١٢ ، ب ٦ من أبواب الخيار ، ح ٢.

١٣٦

نقول : إنّ معنى الوعد على قسمين :

أ ـ وعد ابتدائي ، كما إذا وعدتُ شخصاً بأن أدفع له ديناراً غداً.

ب ـ الوعد الذي هو عبارة عن معنى التعهّد والالتزام ، كما إذا واعدت البنك بأنّ أشتري منه سلعةً معينةً إذا أقدم بشرائها ، وقد أقدم البنك على شرائها وجلبها إلى المكان الذي فيه يقيم الواعد بالشراء ، ففي مثل هذا الوعد ـ الذي هو بمعنى التعهد ـ يكون الوفاء به واجباً ، والدليل على ذلك هو :

١ ـ الفهم العرفي من التزام الواعد بأنّه ينجّز هذه المعاملة ، فإنّ العرف يفهم من هذا الالتزام معنى الوجوب ، لأنّ الوعد ـ في الكسب التجاري الذي هو تداول السلعة بالثمن والربح ـ يكون بمعنى الالتزام والتعهد ، وهذا يكون موضوعاً لوجوب العمل على وفقه. وهذا الوعد يختلف عن الوعد بالمعنى الأول الذي يكون سبيله الإرفاق ، فإنَّه بمعنى « إنشاء المخبر معروفاً في المستقبل » ، وهذا هو الذي اختلف فيه الفقهاء بالوجوب وعدمه.

إذن الفهم العرفي لهذا الوعد ـ في الكسب التجاري ـ هو موضوع الحكم الشرعي ، وهذا الحكم الشرعي هو وجوب الوفاء بهذا الوعد الذي متعلقه هو « فعل ما التزم به وما واعد به » وليس معنى هذا الوجوب هو الحكم الوضعي « وهو ترتب أثر متعلّق الالتزام ».

وبهذا يتّضح سقوط مَن استدل على عدم وجوب الوفاء بهذا الوعد ـ كالجمهور ـ « بأنّ الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء » (١) ؛ حيث أن الموعود لا يضارب لأنّه ليس عنده شيء هنا ، وإنّما الواعد يجب عليه الوفاء بالتزامه ، وهذا شيء آخر غير استحقاق الموعود بمجرد وعد الواعد.

وكذلك اتّضح سقم الاستدلال ـ على عدم الوفاء بالوعد ـ بالاولوية من

__________________

(١) المرابحة للآمر بالشراء ، د. بكر بن عبد الله أبو زيد : ص ٦.

١٣٧

الهبة ، حيث قال الجمهور : إذا كانت الهبة لا تتمّ إلاّ بالقبض فكيف بالهبة لو وعده بها مجرد وعد ؟! (١).

والجواب : هو أنَّ الهبة حكم وضعي وقد رتّبها الشارع على القبض ، أمّا الالتزام بالهبة فهو حكم شرعي ، كما لو حلف على أن يهب فيجب عليه أن يوقع متعلق الحلف وهو الهبة ، إلاّ أنّ الهبة لا تقع ولا يترتب حكمها من الصحة إلاّ بعد القبض.

٢ ـ الستدلال بالاية القرانية ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) (٢). وهذه الآية مسوقة لتوبيخ المؤمنين على « مطلق تخلف الفعل عن القول وخلف الوعد ونقض العهد ».

ثم إذا نظرنا الى سياق الآيات التي منها : ( إنّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً ... ) (٣) و ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله ... ) (٤) فإنّه يفيد أنّ متعلق التوبيخ هو تخلف بعضهم عمّا عاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الثبات في القتال وعدم الانهزام والفرار ، ولكنهم لم يفوا بعهدهم فأوجب هذا العمل التوبيخ الذي أعقبه حكم عملهم هذا ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ، وهذا الحكم الصارم يدل على أنَّ الوعد ( العهد ) الذي كان يصدر من المؤمنين يجب الوفاء به ، فعدم الوفاء به مقتٌ عند الله كبير ، وهذا كاف للدلالة على حرمة عدم الوفاء بالوعد الذي نحن بصدده ، فإنّ المقت هو البغض الشديد ، وليست الحرمة إلاّ هذا.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الصف : ٢ ـ ٣.

(٣) الصف : ٤.

(٤) الصف : ١٠ ـ ١١.

١٣٨

وفي الحقيقة : أنّ هذا الوعد ( العهد ) عبارة عن عقد بين اثنين أحدهما يعطي والآخر يأخذ ، أو كل واحد يعطي ويأخذ ، وحينئذ تشمله ( أوفوا بالعقود ) (١) او ( وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً ) (٢).

ولا بأس بالتنبيه على أنّ هذين الدليلين يُلزمان الواعد بالوفاء بوعده ، وليسا ناظرَين الى تضرر الموعود نتيجة عدم الوفاء بالوعد ، وكيفية رفع ضرره ، فإنّ هذا شيء آخر لسنا الآن بصدده.

٤ ـ أمّا الوعد الابتدائي المتقدّم فهو ينقسم الى قسمين :

أ ـ وعد ابتدائي لا يترتب عليه أثر.

ب ـ وعد ابتدائي يترتب تعليه أثر ، كما إذا كان الموعود يتضرر فيما لو لم يفِ الواعد بوعده فهنا يأتي « لا ضرر ولا ضرار » المتفق عليه بين أهل الإسلام ، يقول للواعد : يجب عليك الالتزام بوعدك الابتدائي ، لأنّك إن لم تلتزم بما وعدت به يقع أخاك في ضرر بسبب وعدك ، وعدم الوفاء به ، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

ولا يرد علينا القول بأنّ حديث « لا ضرر » يشمل الواعد ، ووجوب الوفاء بالوعد ينبغي أن لا يكون ضررياً بالنسبة إلى الواعد ، فإنّنا نقول بأنّ حديث لا ضرر لا يجري في حقّ الواعد ؛ لأنّه هو الذي أقدم على الوعد لغيره ، وهو الذي ضرّر نفسه لو كان في الوفاء بوعده ضرر عليه.

وقد يقال : صحيح أن القاعدة الأوليّة تقتضي صحّة هذه المعاملة ، وإن وجد فيها إلزام والتزام من الطرفين بإيقاعها إلاّ أن المانع هو الأدلّة الخاصة في المقام التي تقول بتحريم هذا الإلزام في هذه المعاملة بالخصوص. وقد اختلف علماء العامة (٣)

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الاسراء : ٣٤.

(٣) المرابحة للآمر بالشراء ، محمد أمين الضرير : ص ٦.

١٣٩

ببيان هذا المانع ، توضيح ذلك :

١ ـ ذهب قسم منهم الى أنّ المانع من صحة المعاملة هو دخولها تحت عنوان بيع العينة المنهيّ عنه (١).

٢ ـ وذهب قسم آخر الى أن المانع هو دخول المعاملة تحت عنوان « لا تبع ما ليس عندك » (٢).

٣ ـ وذهب قسم ثالث الى أن الالزام في هذه المعاملة يدخلها تحت النهي الوارد عن بيعتين في بيعة (٣).

٤ ـ وذهب قسم رابع الى أن الالزام يجعل المعاملة مخاطرة (٤).

٥ ـ وذهب قسم خامس الى أن الالزام يجعل المعاملة داخلة تحت عنوان « السلف والزيادة » (٥).

والآن يجب علينا أن نفحص أنّ هذه الموانع التي ذكرت هل هي كافية في دخول معاملتنا التي نحن بصددها تحت أحد هذه الموانع ، أو لا ؟ فنقول :

أولاً : أنّ ما نحن فيه مغاير لبيع العينة ، التي معناها : هو أن تباع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها البائع من المشتري بثمن معجّل أقل ممّا باع به.

وهذه الصورة لبيع العينة هي المعروفة عند أبناء العامّة ، وقد تصور بصورة ثانية ، وهي : أن يبيع صاحب السلعة سلعته نقداً ، ثم يشتريها من المشتري نسيئةً بمقدار أكثر قيمة ، فيكون البائع في البيع الأوّل هو المشتري في البيع الثاني وبالعكس ، وهذه الصورة لبيع العينة هي التي ورد فيها أكثر روايات الإمامية.

__________________

(١) ذهب الى هذا الباجي ، المنتقى : ج ٥ ، ص ٣٨ و ٣٩.

(٢) ذهب الى هذا الشافعي والباجي.

(٣) ذهب الى هذا الباجي.

(٤) ذهب الى هذا الشافعي.

(٥) ذهب الى هذا الباجي.

١٤٠