مكارم الاخلاق

رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي

مكارم الاخلاق

المؤلف:

رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي


المحقق: محمد الحسين الاعلمي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٦
الصفحات: ٤٨٠

١

٢

٣

٤

المؤلف والكتاب في سطور

المؤلف :

هو الحسن الملقب برضي الدين والمكنى بأبي نصر نجل الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (١) ، من أعلام القرن السادس الهجري.

كان من أكابر علماء الامامية ، وأجلاء هذه الطائفة وثقاتهم ، روى عن والده أمين الدين الفضل الطبرسي ، وعنه مهذب الدين الحسين بن أبي الفرج ردة النيلي. من اسرة علمية تسلسل فيها العلم والفضل.

فأبوه صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن الذي لا يزال حتى اليوم مرجعا لكل طالب تفسير ، وصاحب أعلام الورى بأعلام الهدى ، وجوامع الجامع وغير ذلك من المؤلفات القيمة.

وولده علي بن الحسن كان من العلماء المؤلفين وهو صاحب كتاب « مشكاة الانوار » المطبوع في النجف الاشرف سنة ١٣٧٠ ، ويمكن اعتبار كتابه تتميما لكتاب والده ( مكارم الاخلاق ).

كل الذين تحدثوا عنه لم يذكروا لا مكان ولادته ولا تاريخها ، ولا مكان وفاته ولا تاريخها ، رغم من العلماء البارزين ، واكتفوا بالقول بأنه كان من أعلام القرن السادس الهجري ، وإنما ذكر المقدس السيد محسن الامين العاملي في أعيان الشيعة ج ٢٣ ص ٩ ـ ١٥ ، انه توفي في سبزوار سنة ٥٤٨ هـ ونقلت جنازته إلى المشهد الرضوي ،

__________________

١ ـ منسبوب إلى طبرستان وهي بلاد واسعة مجاورة لبلاد مازندران ، وجيلان ، وجرجان في إيران ، راجع معجم البلدان للحموي حرف الطاء المهملة.

٥

ودفن هناك في موضع يعرف بقتلكاه ، وانه كان قبل انتقاله إلى سبزوار يسكن المشهد الرضوي ، وانه انتقل إلى سبزوار سنة ٥٢٣ ، وعلى هذا يكون قد أقام في سبزوار خمسا وعشرين سنة.

هذا كل ما أمكننا أن نعرفه عن حياته. على أن بعضهم يناقش تاريخ الوفاة المذكور ومحل دفنه المذكور في أعيان الشيعة ، وينسبون كل ذلك إلى والده صاحب التفسير حيث ان والده مدفون بخراسان ( المشهد الرضوي ) في شارع الموسوم بشارع الطبرسي وقبره مزار لحد اليوم. ومهما كان الامر فان ما وصلنا من أخباره العلمية كله ثناء عليه.

فقد وصفه صاحب أمل الامل (١) بأنه كان محدثا فاضلا ، ووصفه في رياض العلماء (٢) بالمحدث الجليل.

ووصفه في مستدرك الوسائل : بالفقيه النبيل المحدث الجليل.

وقال المجلسي ( ره ) في مقدمة البحار : بأنه قد أثنى عليه جماعة من الاخيار. إلى غير ذلك من الصفات التي ذكرها هؤلاء وغيرهم.

الكتاب :

هو مكارم الاخلاق ومعالم الاعلاق ، الحاوي لمحاسن الافعال والاداب ، من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآدابه وأخلاقه ، وأوصافه ، وسائر حالاته ، وحالات الائمة المعصومين عليهم‌السلام وما روت في ذلك عنه وعن أهل بيته صلوات الله عليه وعليهم.

قال المجلسي ( ره ) في مقدمة بحاره : وكتاب المكارم في الاشتهار كالشمس في رائعة النهار.

__________________

١ ـ للشيخ المحدث أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي صاحب ( وسائل الشيعة ) المتوفى سنة ١١٠٤ هـ.

٢ ـ للفاضل المتتبع الميرزا عبد الله بن عيسى بن محمد صالح التبريزي الشهير بالافندي المعاصر للعلامة المجلسي.

٦

وقال غيره من العلماء : إن مكارم الاخلاق قد ألف في حياة والده ، وهو كتاب نفيس نافع مشهور ، حسن الترتيب ، كثير الجمع ، اشتهر وانتشر في عصر مؤلفه.

طبع هذه الكتاب القيم مرات ومرات في كل من مصر إيران. فقد طبع لاول مرة في مصر في مطبعة عبد الواحد الطوبي وعمر حسين الخشاب في شعبان سنة ١٣٠٣ ه وانتشر واشتهر وكثر الاقبال عليه ، ثم اعيد طبعه في مطبعة بولاق ، وفي مطبعة أحمد البابي الحلبي سنة ١٣٠٦ ، ولكنه مع الاسف الشديد حرف في جميع الطبعات المصرية تحريفا فظيعا وتغييرا شنيعا. ولما كانت نسخ هذا الكتاب المخطوطة كثيرة في كل من العراق وإيران ، واطلع عليها جماعة من العلماء والفضلاء ، جمعوا عدة نسخ من مخطوطة الكتاب وقاموا بتصحيحه وتدقيقه وطبعه في إيران. وطبع بعد ذلك عدة طبعات في كل من إيران والعراق. ونظرا لاهمية الكتاب ، ونفاذ نسخه من الاسواق التجارية ، وكثرة الطلب ، قامت هذه المؤسسة الثقافية بإعادة طبعه ونشره بعد التصحيح الدقيق والتعليق اللازم خدمة للعلم ، والله من وراء القصد.

بيروت في ١٥ / ٤ / ١٩٧٢ م

محمد الحسين الأعلمي

٧

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الاحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، والصلاة والسلام على محمد عبده المجتبى ، ورسوله المصطفى ، أرسله إلى كافة الورى ، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وعلى أهل بيته أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والسلام على من اتبع الهدى.

وبعد فإن الله سبحانه وتعالى لما جعل التأسي بنبيه مفتاحا لرضوانه وطريقا إلى جنانه ، بقوله عزوجل : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ) واتباعه واقتفاء أثره سببا لمحبته ، ووسيلة إلى رحمته بقوله عز من قائل : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) حداني هذا الفوز العظيم إلى جمع كتاب يشتمل على مكارم أخلاقه ومحاسن آدابه وما أمر به أمته ، فقال عليه‌السلام : إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق. لان العلم بالشيء مقدم على العمل به ، فوجدت في كلام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ما يحتوي على حقيقة سير الانبياء وهي الانقطاع بالكل عن الناس إلى الله في الرجاء والخوف وعن الدنيا إلى الاخرة.

وخص من جملتهم نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكمال هذه السيرة وحثنا ورغبنا على الاقتداء به فقال عليه‌السلام بعد كلام له طويل لمدع كاذب يدعي بزعمه أنه يرجو الله : كذب والعظيم ما باله [ و ] لا يتبين رجاؤه في عمله وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلا رجاء الله فإنه مدخول ، وكل خوف متحقق إلا خوف الله فإنه معلول ، يرجو الله في الكبير

٨

ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب ، فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع بعباده؟ أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا ، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا؟ وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا ، وخوفه من خالفه ضمارا (١) ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه ، آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها ، ولقد كان في رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاف لك في الاسوة ودليل على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها ، إذ قبضت عنه أطرافها ووطأت لغيره أكنافها وفطم عن رضاعها وزوى عن زخارفها ، وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير والله ما سأله إلا خبزا يأكله ، لانه كان يأكل بقلة الارض ، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه ، لهزاله وتشذب (٢) لحمه ، وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة ، فلقد كان يعمل من سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه : أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها ، وإن شئت قلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الارض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله ، دابته رجلاه وخادمه يداه. فتأس بنبيك الاطيب الاطهر صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لاثره ، قضم الدنيا قضما ولم يعرها طرفا ، أهضم أهل الدنيا كشحا (٣) وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها ، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه وحقر شيئا فحقره ، وصغر شيئا فصغره ، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله.

__________________

١ ـ الضمار الوعد المسوف.

٢ ـ الصفاق ككتاب : هو الجلد الاسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر أو جلد البطن وهو المراد ههنا. والتشذب : التفرق.

٣ ـ قضم الشيء : كسره بأطراف أسنانه وأكله ، والمراد الزهد في الدنيا والرضا منها بالدون. والهضم : خمص البطن وخلوها. والكشح ، ما بين السرة ووسط الظهر.

٩

ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل على الارض ، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العاري ، ويردف خلفه ويكون الستر على باب بيته تكون فيه التصاوير فيقول : يا فلانة ـ لاحدى أزواجه ـ غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها ، فأعرض عن الدنيا بقلبه وأمات ذكرها من نفسه وأحب أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتخذ منها رياشا (١) ولا يعتقدها قرارا ولا يرجو فيها مقاما ، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيبها عن البصر وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده.

ولقد كان في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يدلك على مساوئ الدنيا وعيوبها ، إذ جاع فيها مع خاصته ، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته ، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله بذلك محمدا أم أهانه؟ فإن قال : أهانه فقد كذب والله العظيم ، وأتى بالافك العظيم ، وإن قال : أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه.

فإن تأسى متأس بنبيه واقتص أثره وولج مولجه وإلا فلا يأمن الهلكة فإن الله جعل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علما للساعة ومبشرا بالجنة ومنذرا بالعقوبة ، خرج من الدنيا خميصا وورد الاخرة سليما ، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله وأجاب داعي ربه ، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه وقائدا نطأ عقبه والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قال لي قائل : ألا تنبذها؟! فقلت : اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى.

فهذه الخطبة كافية في مقصودنا على طريق الجملة ونحن نذكر تفصيل مكارم أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أحواله وتصرفاته وجلوسه وقيامه وسفره وحضره وأكله وشربه خاصة وجميع ما روي عنه وعن الصادقين عليهم‌السلام في أحوال الناس عامة ونسأل الله التوفيق في إتمامه ، إنه على ما يشاء قدير ، وتيسير العسير عليه سهل يسير.

__________________

١ ـ الرياش : ما كان فاخرا من اللباس والاثاث.

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب الاول

في خلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلقه وسائر أحواله ، وفيه خمسة فصول :

الفصل الاول

في خلقه وخلقه وسيرته مع جلسائه

برواية الحسن والحسين عليهما‌السلام من كتاب محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن ثقاته ، عن الحسن بن علي عليه‌السلام قال : سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي (١) وكان وصافا عن حلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخما مفخما يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع وأقصر من المشذب (٢) ، عظيم الهامة ، رجل الشعر (٣) ، إذا انفرقت عقيصته قرن (٤) وإلا فلا يجاوز شعره شحمه أذنيه إذا هو وفرة ، أزهر اللون واسع الجبين ، أزج الحواجب (٥) سوابع في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب

__________________

١ ـ هو أخو فاطمة عليها‌السلام من قبل أمه ، وكان رجلا فصيحا ، قتل مع علي عليه‌السلام يوم الجمل.

٢ ـ المشذب كمعظم : الطويل.

٣ ـ أي ليس كثير الجعودة ولا شديد السبوطة ، بين الجعودة والاسترسال.

٤ ـ العقيصة : الفتيلة من الشعر وفي الشعر كثرته.

٥ ـ « وفرة » كدفعة. و « أزج الحواجب » أي الدقيق الطويل. السوابع : الاتصال بين الحاجبين.

١١

أقنى العرنين (١) ، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم (٢) ، كث اللحية (٣) ، سهل الخدين ، أدعج ، ضليع الفم (٤) ، أشنب مفلج الاسنان (٥) ، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية (٦) في صفاء الفضة ، معتدل الخلق بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس (٧) ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط (٨) ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، أعلى الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، سبط القصب ، شثن الكفين والقدمين (٩) ، سائل الاطراف ، خمصان الاخمصين (١٠) ، مسيح القدمين (١١) ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعا ، يخطو تكفئا ويمشي هونا ، سريع المشية ، إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت إلتفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.

قال : قلت له : صف لي منطقه؟

قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواصل الاحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ،

__________________

١ ـ العرنين : الانف. أقنى العرنين أي محدب الانف.

٢ ـ الشمم : ارتفاع في قصبة الانف مع استواء أعلاه.

٣ ـ يعني كثيف الشعر في لحيته. رجل سهل الوجه : قليل لحمه.

٤ ـ الدعج : سواد العين. وضليع الفم واسعه وعظيمه.

٥ ـ شنب الرجل فهو أشنب : كان أبيض الاسنان ، والمفلجة من الاسنان : المنفرجة.

٦ ـ المسربة : الشعر وسط الصدر إلى البطن. والدمية بالضم : الصورة المزينة فيها حمرة كالدم.

٧ ـ الكردس : الوثاق المفصل.

٨ ـ اللبة : موضع القلادة من الصدر.

٩ ـ « رحب الراحة » : وسيع الكف كناية عن الرجل الكثير العطاء. القصب : كل عظم ذي مخ أي ممتد القصب. وشثن الاصابع غليظها.

١٠ ـ لم يصب باطن قدمه الارض.

١١ ـ مقدم قدمه ومؤخره مساو.

١٢

ولا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (١) ويتكلم بجوامع الكلم ، فصلا لا فضولا ولا قصيرا فيه ، دمثا (٢) ليس بالجافي ولا بالمهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا ، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث أشار بها ، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح (٣) ، وإذا فرح غض من طرفه ، جل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام (٤).

قال الحسن عليه‌السلام : فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه ، فسألته عمن سألته فوجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منها شيئا.

قال الحسين بن علي : سألت أبي عن دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء ، جزءا لله عزوجل ، وجزءا لاهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر ـ أو قال لا يدخر ـ عنهم شيئا.

فكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الامة من مسألته عنهم ، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون زوارا ، ولا يفرقون إلا عن ذواق ، ويخرجون أدلة فقهاء.

قال فسألته من مخرجه كيف كان يصنع فيه؟

__________________

١ ـ الاشداق : جوانب الفم ، والمراد أنه لا يفتح فاه كله ، وفي بعض النسخ ( بابتدائه ).

٢ ـ الدماثة : سهولة الخلق.

٣ ـ أشاح : أظهر الغيرة ، والشائح : الغيور.

٤ ـ الغمام : السحاب ، والمراد أنه تبسم ويكثر حتى تبدو أسنانه من غير قهقهة.

١٣

قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ، ويؤلفهم ولا يفرقهم ـ اوقال ولا ينفرهم ـ ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس الفتن ، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الاسر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

قال : فسألته عن مجلسه؟

فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه ، ولا يوطن الاماكن وينهي عن إيطانها (١) وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، يعطي كلا من جلسائه نصيبه ، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الاصوات ولا يوهن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته (٢) ، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى ، متواضعون ، يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون ـ أو قال يحوطون الغريب.

قال : قلت : كيف كانت سيرته مع جلسائه؟

قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب (٣) ولا فحاش ، ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والاكثار ومما

__________________

١ ـ يعني لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.

٢ ـ نثوته نثوا من باب قتل : أظهرته. والفلتات : الهفوات أو الامر فجأة.

٣ ـ الصخاب من الصخب وهو شدة الصوت.

١٤

لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا. ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوليهم ، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصير للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته ، حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم (١) ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه (٢) ، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.

قال : قلت : كيف كان سكوته؟

قال : كان سكوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أربعة : على الحلم والحذر والتقدير والتفكر ، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم والصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستنفره ، وجمع له الحذر في أربعة : أخذه بالحسن ليقتدي به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده فيما أصلح امته ، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والاخرة.

الفصل الثاني

في نبذ من أحواله وأخلاقه من كتاب شرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره

في تواضعه وحيائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك ، ويركب الحمار ، وكان يوم خيبر ويوم قريضة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف تحته إكاف من ليف (٣).

__________________

١ ـ يعني أنهم يستجلبوا الفقير لئلا يؤذي النبي.

٢ ـ الرفادة. الضيافة وورود المدعو على الداعي. والرفد بكسر الرا : الهبة والعطية.

٣ ـ المخطوم : من خطم الحمار بحبل أي جعله على أنفه. والاكاف : برذعة الحمار وجله.

١٥

عن أنس بن مالك قال : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته لذلك.

عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس على الارض ويأكل على الارض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك.

عن أنس بن مالك قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر على صبيان فسلم عليهم وهو مغذ.

عن أسماء بنت يزيد قالت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مر بنسوة فسلم عليهن.

عن ابن مسعود قال : أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل يكلمه فأرعد ، فقال : هون عليك فلست بملك ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد (١).

عن أبي ذر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل ، فطلبنا إلى النبي أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ونجلس بجانبيه.

سئلت عائشة ما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع إذا خلا؟ قالت : يخيط ثوبه ، ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله.

وعنها : أحب العمل إلى رسول الله الخياطة.

من كتاب النبوة عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول : مرت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة بذية وهو جالس يأكل ، فقالت : يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويحك! وأي عبد أعبد مني ، فقالت : أما لي فناولني لقمة من طعامك فناولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقمة من طعامه فقالت : لا والله إلى التي في فيك قال : فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فما أصابت بداء حتى فارقت الدنيا.

عن أنس بن مالك قال : خدمت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسع سنين فما أعلمه قال لي قط : هلا فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط.

__________________

١ ـ القد بالكسر : الشيء المقدود ، وبالفتح جلد السخلة ، وبالضم : سمك بحري.

١٦

عن أنس بن مالك قال : صحبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع وما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قط وما قعد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل قط فقام حتى يقوم.

عن أنس بن مالك قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه (١) جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال له : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضحك وأمر له بعطاء.

عن أبي سعيد الخدري يقول : كان رسول الله حييا ، لا يسئل شيئا إلا أعطاه.

وعنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد حياءا من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.

عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.

في جوده صلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجود الناس كفا وأكرمهم عشرة (٢) من خالطه فعرفه أحبه.

من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شيء أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.

__________________

١ ـ جبذه : أي جذبه.

٢ ـ العشرة : بالكسر وفي بعض النسخ ( العشيرة ) وهما بمعني واحد.

( مكارم الاخلاق ـ ٢ )

١٧

و برواية اخرى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه كان إذا وصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : كان أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، لم أر قبله ، ولا بعده مثله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

عن ابن عمر قال : ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا قط فيقول : لا.

عن إبن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال : نعم ، قال : عندي أحسن العرب وأجملهم ام حبيبة أزوجكها ، قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ، قال : نعم ، قال : وتؤمرني حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، قال : نعم ، قال ابن زميل : ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أعطاه إياه لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال : نعم.

عن عمر قال : إن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله فقال : ما عندي شيء ولكن اتبع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه قال عمر : فقلت : يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه قال : فكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله [ ذلك ] فقال الرجل : أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا ، قال فتبسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرف السرور في وجهه.

في شجاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن علي عليه‌السلام قال : لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ (١) بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.

وعنه عليه‌السلام قال : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم إتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.

عن أنس بن مالك قال : كان في المدينة فزع فركب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرسا لابي طلحة

__________________

١ ـ اللوذ : الاستتار والاحتصان به. ولاذ به : أي استتر والتجأ إليه.

١٨

فقال : ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا.

وبرواية أخرى عن أنس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشجع الناس وأحسن الناس ، وأجود الناس ، قال : لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت ، قال : فتلقاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سبقهم ، وهو يقول : لم تراعوا وهو على فرس لابي طلحة وفي عنقه السيف قال : فجعل يقول للناس : لم تراعوا وجدناه بحرا أو إنه لبحر.

في علامة رضاه وغضبه صلى‌الله‌عليه‌وآله

عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرف رضاه وغضبه في وجهه ، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر وجهه (١) وإذا غضب خسف لونه واسود.

عن كعب بن مالك قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سره الامر استنار وجهه كأنه دارة القمر.

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى ما يحب قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

عن عبد الله بن مسعود يقول : شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الارض من شيء ، قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا غضب احمر وجهه.

عن ابن عمر قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرف رضاه وغضبه في وجهه ، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه وإذا غضب خسف لونه واسود.

قال أبوالبدر : سمعت أباالحكم الليثي يقول : هي المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار يعني قوله : يلاحك الجدر.

في الرفق بأمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن أنس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له ، وإن شاهدا زاره ، وإن كان مريضا عاده.

__________________

١ ـ لحك بالشيء : شد التيامه وألزقه به وسيجئ توضيحها في المتن أيضا.

١٩

عن جابر بن عبد الله قال : غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إحدى وعشرين غزوة بنفسه شاهدت منها تسع عشر غزوة وغبت عن إثنتين ، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل فبرك ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اخريات الناس يزجي الضعيف ، ويردفه ويدعو لهم ، فانتهى إلي وأنا أقول : يا لهف اماه ما زال لنا ناضح سوء (١) ، فقال : من هذا؟ فقلت : أنا جابر بأبي وامي يا رسول الله ، قال : وما شأنك؟ قلت : أعيا ناضحي ، فقال : أمعك عصا؟ فقلت : نعم ، فضربه ، ثم بعثه ، ثم أناخه ووطئ على ذراعه وقال : إركب ، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبقه فاستغفر لي تلك الليلة خمسة وعشرين مرة ، فقال لي : ما ترك عبد الله من الولد؟ ـ يعني أباه ـ قلت : سبع نسوة ، قال : أبوك عليه دين؟ قلت : نعم ، قال : فإذا قدمت المدينة فقاطعهم فإن أبوا فإذا حضر جداد نخلكم (٢) فآذني ، فقال : هل تزوجت؟ قلت : نعم ، قال : بمن؟ قلت : بفلانة بنت فلان بايم (٣) كانت المدينة ، قال : فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك؟ قلت : يا رسول الله ، كن عندي نسوة خرق ـ يعني أخواته ـ فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء ، فقلت : هذه أجمع لا مرى ، قال : أصبت ورشدت ، فقال : بكم اشتريت جملك؟ قلت : بخمس أواق من ذهب ، قال : بعنيه ولك ظهره إلى المدينة ، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل ، فقال : يا بلال ، أعطه خمس أواق من ذهب يستعين بها في دين عبد الله ، وزده ثلاثا ، ورد عليه جمله ، قال : هل قاطعت غرماء عبد الله؟ قلت : لا يا رسول الله ، قال : أترك وفاء؟ قلت : لا ، قال : [ لا عليك ] فإذا حضر جداد نخلكم فآذني ، فآذنته فجاء فدعا لنا فجددنا واستوفى كل غريم ما كان يطلب تمرا وفاء وبقي لنا ما كنا نجد وأكثر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارفعوا ولا تكيلوا ، فرفعناه وأكلنا منه زمانا.

عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه.

__________________

١ ـ نضح الماء : حمله من البئر او النهر. هذا أصله ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.

٢ ـ أجد النخل : حان وقت جداده ، أعني قطعه.

٣ ـ أيم وزان كيس : المرأة التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.

٢٠