مسائل خلافية حار فيها أهل السنة

الشيخ علي آل محسن

مسائل خلافية حار فيها أهل السنة

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الميزان
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

كما نصَّتْ عليه الآية المباركة في هارون عليه‌السلام.

وقال الإيجي في الرد على ذلك : الجواب : منع صحة الحديث ، أو المراد استخلافه على قومه في قوله ( اخلفني في قومي ) لاستخلافه على المدينة ، ولا يلزم دوامه بعد وفاته ... كيف والظاهر متروك ، لأن من منازل هارون كونه أخاً ونبيَّاً (١).

والجواب : أن الحديث صحيح السند ، بل هو متّفق عليه ، بل هو متواتر ، ويكفي في الدلالة على أنه صحيح ومتَّفق عليه أنه مروي في الصحيحين ، ونص على صحَّته كثير من حفاظ الحديث كالترمذي والحاكم والذهبي وغيرهم ، حتى ابن تيمية وابن حزم اللذان أنكرا كل فضيلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام لم يسعهما إنكار هذا الحديث ، ونص على تواتره السيوطي في ( قطف الأزهار المتناثرة ) والكتاني في ( نظم المتناثر ) ، والزبيدي في ( لقط اللآلئ المتناثرة ) وغيرهم.

وأما قوله : « لا يلزم دوامه بعد وفاته » فهو مكابرة ، لأن النبي لم يقيد هذه المنزلة بحال الحياة ، أو بتلك الواقعة ، بل هي في الحديث مطلقة شاملة لكل الأزمنة ، وفي كل الوقائع.

وقوله : ( كيف والظاهر متروك ، لأن من منازل هارون كونه أخاً ونبيَّاً ) مردود بأن الظاهر صحيح ، أما كونه أخاً فهي صفة ثابتة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بنص حديث المؤاخاة (٢) واعتراف علماء أهل السنة به (٣).

__________________

(١) المواقف ، ص ٤٠٦.

(٢) أخرج الترمذي في سننه ٥ / ٦٣٦ ح ٣٧٢٠ وحسَّنه ، عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ، فجاء علي تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله آخيت بين اصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أخي في الدنيا والآخرة. المستدرك ٣ / ١٤. مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٢٠ ح ٦٠٨٤. البداية والنهاية ٧ / ٣٤٨. فضائل الصحابة ٢ / ٦١٧ ح ١٠٥٥ وغيرها.

(٣) قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات ١ / ٣٤٤ ت ٤٢٩ في ترجمة أمير المؤمنين

٨١

وأما النبوة فقد صرَّح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث المنزلة باستثنائها ، حيث قال : « إلا أنه لا نبي بعدي » ، فلا تكون النبوة ثابتة لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقال ابن تيمية : (والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما شبَّه عليّاً بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله ) (١) يريد به أن هارون لم يخلُف موسى بعد موته ، بل خلَفَه يوشع ابن نون ، والمطلوب هو الدلالة على الاستخلاف بعد الموت ، لا حال الحياة فقط.

والجواب : أن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمذكر أن منزلة علي عليه‌السلام منه هي منزلة هارون من موسى ، وهذه المنزلة أوضحها القرآن الكريم ، وليس المراد بالحديث هو المشابهة بين علي وهارون من جميع الجهات. وأما أن هارون عليه‌السلام لم يخلف موسى عليه‌السلام بعد وفاته فما ذلك إلا لأنه مات في حياة موسى عليه‌السلام ، ولو كان حيّاً لَخلَفَه بعد وفاته كما خلَفَه في حياته ، لأنه لا يصح أن يكون خليفة موسى عليه‌السلام غير نبي مع وجود النبي.

٤ ـ علي مع الحق : وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مع الحق ، والحق مع علي.

فقد أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد ـ في حديث ـ أن علي بن أبي طالب مرَّ ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحق مع ذا ، الحق مع ذا (٢).

وعن حذيفة أنه قال : انظروا إلى الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها ، فإنها على الهدى (٣).

__________________

عليه‌السلام : ( وهو أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمؤاخاة وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين ). وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ، ص ١٣٢ : ( وعلي رضي‌الله‌عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمؤاخاة ).

(١) المنتقى من منهاج الاعتدال ، ص ٢١٢.

(٢) مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ قال الهيثمي : رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات. المطالب العالية ٤ / ٦٦ ح ٣٩٧٤. مختصر إتحاف السادة المهرة ٩ / ١٧٥ ح ٧٤٣٠.

(٣) مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٦ قال الهيثمي : رواه البزار ، ورجاله ثقات.

٨٢

وأخرج الحاكم عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أدِر الحق معه حيث دار (١).

قال الفخر الرازي : ومَن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه‌السلام : اللهم أدِر الحق مع علي حيث دار (٢).

وعليه ، فمن كان مع الحق والحق معه ، فهو المتعين للاتباع دون غيره ، كما قال جل وعلا ( أفمَن يهدي إلى الحق أحق أن يُتَّبَع أمَّن لا يَهِدِّي إلا أن يُهدَى فما لكم كيف تحكمون ) (٣).

٥ ـ علي مع القرآن : وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يتفرقا حتى يرِدا عليَّ الحوض (٤).

وقد وردت أحاديث كثيرة تدل أيضاً على أنه عليه‌السلام مع الحق والقرآن وأنهما معه :

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني ، ومن عصى عليّاً فقد عصاني (٥).

وذلك لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الحق ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك ، فمن أطاعه فقد أطاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن عصاه فقد عصى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١٢٤ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. سنن الترمذي ٥ / ٦٣٣ ح ٣٤١٧. در السحابة ، ص ٢٢٨.

(٢) التفسير الكبير ١ / ٢٠٥.

(٣) سورة يونس ، الآية ٣٥.

(٤) المستدرك ٣ / ١٢٤ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤. تاريخ الخلفاء ، ص ١٣٧. كنز العمال ح ٣٢٩١٢. الصواعق المحرقة ٢ / ٣٦١ عن الطبراني في الاوسط. در السحابة ، ص ٢٢٨.

(٥) المستدرك ٣ / ١٢١ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. در السحابة ، ص ٢٢٧.

٨٣

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : أنت تبيِّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي (١).

ولا يكون مبيَّناً لهم ما اختلفوا فيه ، إلا إذا كان مع الحق ، فيكون قوله رافعاً للاختلاف.

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني (٢).

وذلك لأن مَن فارق علياً عليه‌السلام فقد فارق الحق ، فيكون حينئذ مفارقاً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن يريد أن يحيى حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنَّة الخلد التي وعدني ربّي ، فليتولَّ علي بن أبي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة (٣).

وهذه الأحاديث وغيرها تدل على أنه عليه‌السلام هو الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن مَن بايع غيره واتبع سواه فقد فارقه ، ومن فارقه فارق الحق كما مر في الأحاديث المتقدمة.

نصوص صريحة :

قد يلتبس الأمر على بعضهم فيقول : إن مسألة الخلافة التي هي من أهم المسائل تتطلَّب أن يُنَص على الخليفة الحق بنصوص صريحة واضحة لا تحتاج

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١٢٢ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. در السحابة ، ص ٢٢٨.

(٢) المستدرك ٣ / ١٢٤ قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. در السحابة ، ص ٢٢٦ قال الشوكاني : أخرجه البزار بإسناد رجاله ثقات.

(٣) المستدرك ٣ / ١٢٨ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. در السحابة ، ص ٢٢٨.

٨٤

إلى تأويل وشرح وبيان وما شاكل ذلك ، فأين هذه النصوص الدالة على خلافة علي عليه‌السلام؟

وتحرير الجواب عن ذلك يتحقق بأمور :

١ ـ أن النصوص الصريحة الدالة على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، رواها الشيعة بطرق كثيرة جداً ، تفوق حد الحصر ، وهي مبثوثة في كتب الأحاديث المعتبرة عند الشيعة الإمامية ، وقد رواها الثقات عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وعن غيرهم ، وفيها غنى وكفاية ، إلا أن أهل السنّة يردّونها ويحكمون عليها بأنها مكذوبة ، لمخالفتها لأحاديثهم ، فلذا رأينا أن نحتج عليهم بما في كتبهم لا بما في كتب الشيعة.

٢ ـ أن النصوص الصريحة مروية أيضاً في كتب أهل السنة ، إلا أن علماءهم ردّوا تلك الأحاديث إما بأنها منكرة ، فلا تكون حجَّة ، أو اتهموا راويها بالتشيع والرفض ، فأسقطوا كل مروياته عن الاعتبار.

فإذا كان الحديث الدال على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام أو أفضليته حديثاً منكَراً عندهم ، وراويه إما أن يكون كذَّاباً أو شيعياً أو رافضياً ، فلا غرابة حينئذ في أن لا يسلم حديث واحد يدل على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام؟

٣ ـ مع كل ذلك فقد روى أهل السنة نصوصاً واضحة صريحة تدل على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأفضليته :

منها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (١).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣١. المستدرك ٣ / ١٣٣ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد ٩ / ١١٩ قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين.

٨٥

وعند البوصيري عن أبي يعلى ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفة من بعدي (١).

ومنها : ما أخرجه الحاكم وأبو نعيم والخطيب البغدادي والهيثمي وغيرهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب (٢).

ومنها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أُوحي إليَّ في علي ثلاث : أنه سيّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغُر المُحجّلين (٣).

ومنها : ما أخرجه ابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مَن ناصَبَ علياً الخلافة بعدي فهو كافر ، وقد حارب الله ورسوله ، ومن شكَّ في علي فهو كافر (٤).

ومنها : ما أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن مسعود قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة وفد الجن ، قال : فتنفّس فقلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : نُعِيَت إليَّ نفسي. قلت : فاستخلِف. قال : مَن؟ قلت : أبا بكر. قال : فسكت ثم مضى ثم تنفّس. قلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. قلت : فاستخلِف. قال : مَن؟ قلت : عمر. فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفّس. قال : فقلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن

__________________

(١) إتحاف الخيرة المهرة ٩ / ٢٥٩ ح ٨٩٤٤. مختصر إتحاف السادة المهرة ٩ / ١٨٠ ح ٧٤٤٣.

(٢) المستدرك ٣ / ١٢٤ ، ١٣٨ وقال الحاكم : حديث صحيح الإسناد. حلية الأولياء ١ / ٦٣. تاريخ بغداد ١١ / ٨٩. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر ٢ / ٢٦١. در السحابة ، ص ٢١٤. مجمع الزوائد ٩ / ١١٦.

(٣) المستدرك ٣ / ١٣٧ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر ٢ / ٢٥٦ ـ ٢٥٨. حلية الأولياء ١ / ٦٣. در السحابة ، ص ٢٢٩.

(٤) مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ص ٩٣.

٨٦

مسعود. قلت : فاستخلِف. قال : مَن؟ قلت : علي بن أبي طالب. قال : أما والذي نفسي بيده ، لئن أطاعوه ليدخلُنَّ الجنة أجمعين أكتعين (١).

ومنها : ما أخرجه ابن عساكر عن بريدة الأسلمي ، قال : أمَرَنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسلِّم على علي بأمير المؤمنين (٢).

ومنها : ما أخرجه الترمذي والحاكم وأبو نعيم والخطيب البغدادي عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه (٣).

ومنها : ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال : هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب (٤) المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين (٥).

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٣٧٤.

(٢) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٢ / ٢٦٠.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٣٦٣ ح ٣٧٢١. المستدرك ٣ / ١٣٠ ـ ١٣٢ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً ، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة. خصائص النسائي ح ١٠. مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ـ ١٢٦ قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني باختصار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة ، وهو ثقة. حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩. تاريخ الإسلام ٢ / ٦٣٣ قال الذهبي : له طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها ، وبعضها على شرط السنن. تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ ، ٨ / ٣٨٢ ، ٩ / ٣٦٩ ، ١١ / ٣٧٦. المعجم الكبير للطبراني ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ أبن عساكر ٢ / ١٠٥ ـ ١٥١. البداية والنهاية ٧ / ٣٦٣ ـ ٣٦٦. المطالب العالية ٤ / ٦١ ح ٣٩٦٢ ، ٣٩٦٤. مختصر إتحاف السادة المهرة ج ٩ ح ٧٤٤٦ ـ ٧٤٥٠.

(٤) اليعسوب : هو السيد والرئيس.

(٥) عن در السحابة للشوكاني ، ص ٢٠٥ قال الشوكاني : أخرجه الطبراني في الكبير

٨٧

شبهة وجوابها :

قد يقال : إنا إذا أخذنا بهذه الأحاديث فلازم ذلك أن تخطِّئ كل الصحابة ونفسِّقهم ، وهذا لا يصح.

والجواب :

١ ـ أنا قد أوضحنا فيما تقدم أن صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم من لم يبايع أبا بكر ، ومنهم من أُكرِه على البيعة ، منهم من لم يكن راضياً لكنه لا يستطيع أن ينكر على من تولّوها في شيء ، ومنهم من رأى أن صلاح أمر المسلمين في ترك الخلاف ، ومنهم من شايع وبايع. وهؤلاء منهم المعذور عند الله بلا شك ولا ارتياب.

وعليه فالأخذ بتلك النصوص الدالة على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يستلزم تفسيق كل صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو واضح.

٢ ـ أنا لو سلمنا أن الأخذ بتلك النصوص يستلزم تفسيق كل الصحابة ، فهذا لا يوجب ترك النصوص الصحيحة الثابتة ، وذلك لأن الحجّة إنما ثبتت لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا حجة لقول أو فعل شخص غيره ، ولا سيما إذا عارض الأحاديث الثابتة.

٣ ـ أن الأحاديث الصحيحة دلَّت على أن الأمّة ستغدر بعلي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ذلك الغدر إلا إقصاؤه عليه‌السلام عن منصبه الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ونص به عليه.

ومن تلك الأحاديث ما رواه الحاكم في المستدرك ، وابن حجر في المطالب العالية ، والبوصيري في مختصر الإتحاف وغيرهم ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : إن مما عهد إليَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الأمّة ستغدر بي بعده (١).

__________________

بإسناد رجاله ثقات.

(١) المستدرك ٣ / ١٤٠ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ٣ / ١٤٢ قال الحاكم : صحيح. ووافقه الذهبي أيضاً. المطالب العالية ٤ / ٥٦

٨٨

وعنه عليه‌السلام قال : والله إنه لعهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم سيغدرون بك من بعدي (١).

وأخرج الهيثمي وابن حجر والبوصيري عن علي عليه‌السلام ـ في حديث ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجهش باكياً ، قال : قلت : يا رسول الله ما يبكيك؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ... (٢)

فإذا عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك فلا وجه لتبرئة مَن حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه بالغدر.

خلاصة البحث :

والخلاصة أن خلافة أبي بكر لم تكن منصوصاً عليها كما اعترف به علماء أهل السنة ، ودلَّت عليه الأحاديث الصحيحة ، وكذلك لم تكن بالإجماع كما أوضحناه فيما مرّ ، ولم تدل على صحَّتها أحاديث صحيحة ، والنصوص التي تمسّكوا بها مع التسليم بصحّتها لا تدل على الخلافة.

ثم إنها لم تكن بالشورى ، لأنها كانت فلتة كما نصَّ عليه عمر في حديث السقيفة ، ولم تكن ببيعة أهل الحل والعقد ، لأن عامة المهاجرين لم يكونوا في السقيفة ، ومَن بايع بعد ذلك كان إما عن اجتهاد لا يكون مُلزِماً لغيره ، وإما عن إكراه ، وإما عن ضغن لعلي عليه‌السلام ، وإما لغير ذلك مما لا يكون حجة على أحد من الناس.

__________________

ح ٣٩٤٧ ، ٣٩٤٨. مختصر إتحاف السادة المهرة ٩ / ٧٤١٥ قال البوصيري : رواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد حسن.

(١) المطالب العالية ٤ / ٥٦ ح ٣٩٤٦.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١١٨ ، المطالب العالية ٤ / ٦٠ ح ٣٩٦٠ ، مختصر إتحاف السادة المهرة ٩ / ١٧٦ ح ٧٤٣٣. قال البوصيري : رواه أبو يعلى الموصلي والبزار والحاكم وصححه.

٨٩

ومن ذلك كله يتضح أنه لا يوجد مصحِّح معتبر لخلافة أبي بكر ، والله العالم بحقائق الأمور.

( لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين )

يونس : ٩٤.

٩٠

(٣)

لماذا لم يتمسَّك أهل السنة بأهل البيت عليهم‌السلام؟

تمهيد :

إن الأحاديث الصحيحة الدالة على لزوم التمسك بأهل البيت عليهم‌السلام كثيرة مستفيضة ، وقد رُويت بطرق صحيحة في كتب الحديث عند أهل السنة ، وصحَّحها كثير من حفَّاظ الحديث في كتبهم.

بل إن تلكم الأحاديث تدل بما لا يقبل الشك على أن النجاة من الوقوع في الضلال لا تتحقق إلا باتباع أئمة الهدى من أهل البيت عليهم‌السلام دون سواهم.

ومع ذلك فإن أهل السنّة تركوا التمسك بأهل البيت عليهم‌السلام واتّبعوا غيرهم ، ومالوا إلى سواهم ، فتركوا اتّباع من أُمروا باتباعهم بمقتضى الروايات الصحيحة عندهم ، واتّبعوا مَن لا دليل عندهم على صحَّة اتّباعه.

هذا ما سنكشف النقاب عنه في البحوث الآتية :

حديث الثقلين :

إن الأحاديث الدالة على لزوم اتّباع أهل البيت عليهم‌السلام كثيرة ، ومن أتمها دلالة وأصحَّها سنداً هو حديث الثقلين ، المروي عن جمع من الصحابة ، كجابر بن عبد الله ، وزيد بن أرقم ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم. وصحَّحه جمع من حفَّاظ الحديث من أهل السنة كما سيأتي بيانه مفصَّلاً إن شاء الله تعالى.

٩١

طرق حديث الثقلين :

١ ـ أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم ـ في حديث طويل ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر ، يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيك ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسِكوا به. فحثَّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي (١).

٢ ـ وأخرج الترمذي وغيره عن جابر بن عبد الله ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حَجّته يوم عرفة ، وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٢).

٣ ـ وأخرج أيضاً عن زيد بن أرقم وأبي سعيد ، قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلِّفونّي فيهما (٣).

٤ ـ وأخرج أحمد في المسند ، والحاكم في المستدرك ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم عن زيد بن أرقم ، قال :

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ / ١٨٧٣ كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ كتاب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي. وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذكر في مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٣٥ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٥٦ وقال الالباني : الحديث صحيح.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦٦٣. قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب. وذكر في مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٣٥ ، صحيح الجامع الصغير ١ / ٤٨٢ حديث ٢٤٥٨ وصحححه الألباني أيضاً.

٩٢

لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقُمِمْن (١) ، فقال : كأني دُعِيتُ فأجبـتُ ، إني قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض ... (٢).

٥ ـ وأخرج الحاكم في المستدرك أيضاً عن زيد بن أرقم ، قال : نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام ، فكنس الناس ما تحت الشجرات ، ثم راح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشية فصلى ، ثم قام خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه وذكَّر ووعظ ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : أيها الناس ، إني تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتَّبعتموهما ، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ... (٣).

٦ ـ وأخرج الحاكم في المستدرك ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة وغيرهما عن زيد بن أرقم أيضاً ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض (٤).

٧ ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والسيوطي في الجامع الصغير ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، والمتقي

__________________

(١) الدوحات : الأشجار العظيمة. وقممن : أي كنس ما تحتهن.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٣ / ١٤ ، ٢٦. المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩ ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، شاهده حديث سلمة بن كهيل ، عن أبي الطفيل ، وهو أيضاً صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي. كتاب السنة ٢ / ٦٣٠. البداية والنهاية ٥ / ١٨٤ ، وقال : قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : هذا حديث صحيح.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٨ ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. كتاب السنة ٢ / ٦٣٠.

٩٣

الهندي في كنز العمال وغيرهم ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتى يرِدا علي الحوض (١).

٨ ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، والبغوي في شرح السنة وغيرهم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي الثقلين : أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض (٢).

٩ ـ وأخرج أحمد في المسند ، وابن سعد في الطبقات ، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم ، عن أبي سعيد أيضاً ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : إني أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض ، فانظروني بم تخلّفونّي فيهما (٣).

١٠ ـ وأخرج ابن حجر في المطالب العالية ، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة ، والطحاوي في مشكل الآثار وغيرهم ، عن علي عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ قال : وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا :

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ١٨١ ، ١٨٩. مجمع الزوائد ٩ / ١٦٢ قال الهيثمي : رواه أحمد وإسناده جيد. ٢ / ١٧٠ وقال : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. الجامع الصغير ١ / ٤٠٢ حديث ٢٦٣١ ورمز له السيوطي بالصحة. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ١ / ٤٨٢ حديث ٢٤٥٧.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٣ / ٥٩ ، وراجع ص ١٤ ، ١٧ ، ٢٦. كتاب السنة ، ص ٦٢٩. شرح السنة ١٤ / ١١٩ وقال : حسن غريب.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٣ / ١٧. الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤. كنز العمال ١ / ١٨٥. قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٥٧ : وهو إسناد حسن في الشواهد.

٩٤

كتاب الله ، سببه بيده ، وسببه بأيديكم ، وأهل بيتي (١).

١١ ـ وأخرج البوصيري في مختصر الإتحاف عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك معكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله عز وجل وعترتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (٢).

وأخرج هذا الحديث بنحو ما تقدم وبألفاظ أخرى متقاربة : أحمد بن حنبل في المسند (٣) وفي فضائل الصحابة (٤) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٥) ، والسيوطي في تفسيره الدر المنثور (٦) ، وفي إحياء الميت (٧). والمتقي الهندي في كنز العمال (٨) ، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (٩) ، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام (١٠) ، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (١١) ، وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده (١٢) ، والدارمي في السنن (١٣) ، والبيهقي في السنن

__________________

(١) المطالب العالية ٤ / ٦٥ وقال : هذا إسناد صحيح. مختصر إتحاف السادة المهرة ٩ / ١٩٤ ، وقال : رواه إسحاق بسند صحيح. مشكل الآثار ٢ / ٣٠٧.

(٢) مختصر إتحاف السادة المهرة ٨ / ٤٦١ ، وقال : رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد ، ورواته ثقات.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٣ / ١٤ ، ٤ / ٣٧١.

(٤) فضائل الصحابة ١ / ١٧٢ ، ٢ / ٥٧٢ ، ٥٨٥ ، ٦٠٣ ، ٧٧٩ ، ٧٨٦.

(٥) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٢ وما بعدها.

(٦) الدر المنثور ٧ / ٣٤٩ في تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى.

(٧) إحياء الميت ، ص ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٨ ، ٥٥ ، ٥٦.

(٨) كنز العمال ١ / ١٧٢ وما بعدها.

(٩) حلية الأولياء ١ / ٣٥٥.

(١٠) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ص ٩٦.

(١١) الفردوس بمأثور الخطاب ١ / ٦٦.

(١٢) مسند ابن أبي شيبة ١ / ١٠٨.

(١٣) سنن الدارمي ٢ / ٤٣٢.

٩٥

الكبرى (١) ، وابن الأثير في جامع الأصول (٢) ، والطبراني في المعجم الكبير والصغير (٣) ، وغيرهم.

وذكره كثير من الأعلام في مصنَّفاتهم : كالسيوطي في الخصائص الكبرى (٤) ، وابن تيمية في منهاج السنة (٥) ، والنووي في رياض الصالحين (٦) ، والقاضي عياض في الشفا (٧) ، والطبري في ذخائر العقبى (٨) ، وابن الأثير في أسد الغابة (٩) ، والذهبي في سير أعلام النبلاء (١٠) ، وابن حجر في الصواعق المحرقة (١١) ، والدولابي في الذرية الطاهرة (١٢) ، والتفتازاني في شرح المقاصد (١٣) ، وابن حزم في الإحكام (١٤) ، وابن المغازلي في المناقب (١٥) وغيرهم.

وذكره من أصحاب المعاجم اللغوية ابن منظور في لسان العرب (١٦) ،

__________________

(١) السنن الكبرى ٢ / ١٤٨ ، ١٠ / ١١٤.

(٢) جامع الأصول ١ / ١٨٧.

(٣) المعجم الكبير للطبراني ٣ / ٦٢ ـ ٦٥ ح ٢٦٧٨ ـ ٢٦٨١ ، ٢٦٣٨ ، ٥ / ١٥٤ وما بعدها ح ٤٩٢٢ ، ٤٩٢٣ ، ٤٩٨٠ ـ ٤٩٨٢ ، ٥٠٢٥ ـ ٥٠٢٨ ، ٥٠٤٠. المعجم الصغير ١ / ١٣٥.

(٤) الخصائص الكبرى ٢ / ٢٦٦.

(٥) منهاج السنة ٢ / ٢٥٠ ، ٤ / ١٠٤.

(٦) رياض الصالحين ١ / ٢٦٤.

(٧) شرح الشفا ٢ / ٨٢.

(٨) ذخائر العقبى ، ص ٤٧ ـ ٤٨.

(٩) اُسد الغابة ٢ / ١٧.

(١٠) سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٦٥.

(١١) الصواعق المحرقة ٢ / ٤٣٧ ، ٤٣٨ ، ٦٥٢ ، ٦٥٣ ( ط محققة ).

(١٢) الذرية الطاهرة ، ص ١٦٦.

(١٣) شرح المقاصد ٥ / ٣٠٢.

(١٤) الإحكام في أصول الاحكام ٦ / ٢٦٧.

(١٥) مناقب علي بن أبي طالب ، ص ١٥٦ ـ ١٥٧ ، ط اُخرى : ص ٢١٤.

(١٦) لسان العرب ١١ / ٨٨.

٩٦

والفيروز آبادي في القاموس المحيط (١) ، والزبيدي في تاج العروس ، والزمخشري في الفائق في غريب الحديث (٢) ، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (٣) وغيرهم.

صحة سند الحديث :

صحَّح هذا الحديث جمع من أعلام أهل السنة ، وقد ذكرنا تصحيح بعضهم فيما تقدم : منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك ، والذهبي في التلخيص ، والسيوطي في الجامع الصغير ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والذهبي كما في البداية والنهاية ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وصحيح الجامع الصغير ، وحسَّنه الترمذي في سننه ، والبغوي في شرح السنة ، وقد مرَّ ذلك كله.

مضافاً إلى ذلك فقد صحَّحه أيضاً ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ، وابن كثير في البداية والنهاية وتفسير القرآن العظيم ، والمناوي في فيض القدير وغيرهم.

قال ابن حجر : ومن ثم صحَّ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي (٤).

وقال : وفي رواية صحيحة : كأني دُعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما آكد من الآخر : « كتاب الله عز وجل وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » ... ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً ، لا حاجة لنا ببسطها (٥).

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ / ٣٥٣ ، ط جديدة ، ص ٨٧٥ مادة ( ثقل ).

(٢) الفائق في غريب الحديث ١ / ١٥٠.

(٣) النهاية في غريب الحديث ١ / ٢١٦.

(٤) الصواعق المحرقة ، ص ١٤٥.

(٥) المصدر السابق ، ص ٢٢٨.

٩٧

وقال المناوي : قال الهيثمي : « رجاله موثقون ». ورواه أبو يعلى بسند لا بأس به ... ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي (١).

وقال ابن كثير بعد أن ساق رواية النسائي المتقدمة : قال شيخنا الذهبي : هذا حديث صحيح (٢).

وقال في تفسيره : وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في خطبته بغدير خم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض (٣).

وقد ذكر الألباني هذا الحديث ضمن أحاديث سلسلته الصحيحة ، وخرَّج بعض طرقه وأسانيده الصحيحة والحسنة ، وذكر بعض شواهده وحسَّنها ، ووصف من ضعَّف هذا الحديث بأنه حديث عهد بصناعة الحديث ، وأنه قصَّر تقصيراً فاحشاً في تحقيق الكلام عليه ، وأنه فاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة ، فضلاً عن الشواهد والمتابعات ، وأنه لم يلتفت إلى أقوال المصحِّحين للحديث من العلماء ، إذ اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة دون غيرها ، فوقع في هذا الخطأ الفادح في تضعيف الحديث الصحيح (٤).

تأملات في حديث الثقلين :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني تارك » أو « إني مخلِّف » : فيه إشعار بعِظم وأهمية ما سيخلَّفه أو سيتركه للأمّة من بعده ، لأن ما يخلّفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأمّة لا بد أن يكون نفيساً وخطيراً.

__________________

(١) المصدر السابق ٩ / ١٦٢.

(٢) البداية والنهاية ٥ / ١٨٤.

(٣) تفسير القرآن العظيم ٤ / ١١٣.

(٤) سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٥٥ ، حديث ١٧٦١.

٩٨

ثم إنه ـ بقرينة ما سيأتي ـ لا بد أن يكون منبعاً من منابع العلم ، ومصدراً من مصادر الحكمة ، لأن الأنبياء لا يورِّثون للأمَّة دراهم أو دنانير ، وإنما يورِّثون لهم العلم والحكمة.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورَّثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الثقلين » : بيَّنهما فيما سيأتي من كلامه بأنهما الكتاب والعترة.

قال ابن حجر : سَمَّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن وعترته ـ وهي الأهل والنسل والرهط الأدنون ـ ثقلين ، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية ، والأسرار والحكم العلية ، والأحكام الشرعية. ولذا حث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاقتداء والتمسك بهم ، والتعلم منهم ، وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت. وقيل : سُمِّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما (٢).

قلت : وهذا المعنى للثقلين ذكره أرباب المعاجم اللغوية ، ومنهم ابن منظور في لسان العرب ، وابن الأثير في النهاية ، والهروي في غريب الحديث ، وغيرهم.

قال ابن منظور : قال ثعلب : سُمِّيا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل ، قال : وأصل الثَّقَل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون : ثَقَل. فسمَّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما (٣).

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه ١ / ٢٧ ، سنن الترمذي ٥ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٣ / ٣١٧ ، سنن أبن ماجة ١ / ٨١ ، سنن الدرامي ١ / ٩٨ ، مسند أحمد ٥ / ١٩٦ ، صحيح ابن حبان ١ / ٢٨٩ ، مشكل الآثار ١ / ٤٢٩ ، شرح السنة ١ / ٢٧٦ وغيرهم.

(٢) الصواعق المحرقة ، ص ١٥١ ، ٢ / ٤٤٢ ( ط محققة ).

(٣) لسان العرب ١١ / ٨٨ مادة ( ثقل ).

٩٩

وقريب من ذلك كلام ابن الأثير (١) والفيروزأبادي في القاموس (٢).

وقال القاري في مرقاة المفاتيح : سمَّى كتاب الله وأهل بيته بهما لِعِظم قدرهما ، ولأن العمل بهما ثقيل على تابعهما (٣).

وقال الزمخشري في الفائق : الثقل المتاع المحمول على الدابة ، وإنما قيل للجن والإنس الثقلان ، لأنهما ثقال الأرض ، فكأنهما أثقلاها ، وقد شبَّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين (٤).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعترتي أهل بيتي :

قال ابن منظور في لسان العرب : عِتْرَة الرجل : أقرباؤه من ولد وغيره ... وقال أبو عبيد وغيره : عِتْرَة الرجل وأُسرَته وفصيلته : رهطه الأدنون. [ وقال ] ابن الأثير : عِتْرَة الرجل أخصّ أقاربه. وقال ابن الأعرابي : العِتْرة : ولد الرجل وذرّيّته وعَقِبه من صُلبه ، قال : فعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد فاطمة البتول عليهما‌السلام. وروي عن أبي سعيد قال : العترة ساق الشجرة ، قال : وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد المطلب وولده. وقيل : عترته أهل بيته الأقربون ، وهم أولاده وعلي وأولاده. وقيل : عترته الأقربون والأبعدون منهم ... إلى آخر ما قال (٥).

وأقول : إن مسألة بيان مَن يكون التمسّك به منقذاً من الضلال لا تحتمل الإبهام من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا لكان ذِكرها كإهمالها ، ولا سيما مع علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الأمة ستختلف من بعده إلى فِرَق وطوائف كثيرة.

ولذا فسَّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المراد بعِتْرته في كل الأحاديث التي سقناها إليك وغيرها بأنهم أهل بيته ، والأحاديث الأخرى الكثيرة أوضحت ببيان شافٍ أن

__________________

(١) راجع النهاية في غريب الحديث ١ / ٢١٦.

(٢) القاموس المحيط ، ص ٨٧٥ ( ط جديدة ).

(٣) مرقاة المفاتيح ١٠ / ٥١٦.

(٤) الفائق في غريب الحديث ١ / ١٥٠.

(٥) لسان العرب ٤ / ٥٣٨ مادة ( عتر ).

١٠٠