نشأة الشيعة الامامية

نبيلة عبد المنعم داود

نشأة الشيعة الامامية

المؤلف:

نبيلة عبد المنعم داود


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

فهذه أهم المبادئ التي بنت عليها الشيعة الإمامية نظرية الإمامة فيما بعد.

وقد أثبتت الشيعة الإمامية إمامة محمد بن الحسن بن علي ( المهدي ) بعدة أدلة ونصوص منها ما رواه الكليني.

فقد أورد عن علي بن محمد ... عن ضوء بن علي العجلي عن رجل من أهل فارس قال أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد ( الحسن العسكري ) فدعاني من غير أن استأذن ، فلما دخلت وسلمت قال لي : يا أبا فلان ما الذي أقدمك؟ قلت : رغبة في خدمتك قال : فقال : فألزم الدار قال : فكنت في الدار مع الخدم ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال ، فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل ، فخرجت علي جارية معها شيء مغطى ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها : أكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ... فقال : هذا صاحبكم ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد ( الحسن العسكري ) » (١).

كما روي أيضاً عن علي بن محمد عن محمد بن علي بن بلال قال « خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده » (٢).

وعن علي بن يحيى ... عن أبي هاشم الجعفري قال « قلت لأبي محمد : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟ فقال : سل قلت : يا سيدي هل لك ولد؟ فقال : نعم قلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه قال : بالمدينة » (٣).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٨.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٢٨.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٢٨.

٢٨١

وعن علي بن محمد ... عن عمرو الأهوازي قال « أراني أبو محمد ابنه وقال هذا صاحبكم بعدي » (١).

وبالإضافة إلى هذا يفرد الكليني باباً خاصاً في تسمية من رأى المهدي.

فروي عن علي بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر وكان أسن شيخ من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعراق فقال : رأيته بين المسجدين وهو غلام (٢). وعن علي بن محمد عن فتح مولى الرازي قال : سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه قد رآه ووصف له قده (٣).

ولكن بالرغم من كل هذه التأكيدات على شخصية المهدي ووجوده وكونه ابن الحسن العسكري ، إلا أنه قد نهي عن ذكر اسمه.

فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن العسكري يقول : الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك؟ قال : إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت : « فكيف نذكره؟ فقال : قولوا الحجة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

كما أن الحسن العسكري قد مهد السبيل لغيبة ابنه ولجعل الغيبة شيئاً مألوفاً فيذكر المسعودي : « إن أبا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عدد يسير من خواصه فلما أفضى الأمر إلى أبي محمد كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان وأن ذلك كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والإستتار » (٥).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٨.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٣٠.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٣١.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٣٣.

(٥) المسعودي : إثبات الوصية ص ٢٢٥.

٢٨٢

وبالإضافة إلى ما مر أحاديث تشير إلى إمامة المهدي بوصية إبيه الحسن العسكري فقد استدلت الشيعة على إمامته أيضاً بالحديث المأثور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن الأئمة اثنى عشر إماماً ، فقد ذكر سليم بن قيس « أن علياً سأل رسول الله عن الأوصياء بعده فأخبره أنهم اثنا عشر إماماً منهم المهدي » (١).

ويورد الصدوق عن جابر الأنصاري قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم » (٢).

ويذكر النص على القائم من أمير المؤمنين علي عن كميل بن زياد النخعي قال « قال لي أمير المؤمنين : لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه ظاهر أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته »(٣).

كما يذكر أيضاً أن القائم قد نص عليه في اللوح الذي أهداه الله إلى رسول ودفعه إلى فاطمة (٤).

وعن الحسين بن علي عن رجل من همدان قال : « سمعت الحسين بن علي يقول : قائم هذه الأمة التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة يقسم ميراثه وهو حي » (٥).

وعن الباقر عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر ( الباقر ) : شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج فقال : يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحشوة من أذنيك والله ما أنا بصاحبكم قلت : فمن صاحبنا قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم » (٦).

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ٩٤.

(٢) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ٤٠٣ وانظر الكنجي : البيان في أخبار صاحب الزمان ص ١٠٢ وما بعدها.

(٣) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ٤١٠.

(٤) ن. م ج ١ ص ٤٢٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٤٣٤.

(٦) الصدوق : كمال الدين ج ١ ص ٤٤١.

٢٨٣

وعن الصادق قال « إذا اجتمعت ثلاثة إسامِ متوالية محمد وعلي والحسن فالرابع القائم » (١).

وعن موسى بن جعفر وقد سأله دواد بن كثير الرقي عن صاحب هذا الأمر فقال : « هو الطريد الوحيد الغريب الغايب عن أهله الموتور بأبيه » (٢).

وعن الرضا عن الريان بن الصلت قال سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عن القائم فقال : لا يرى جسمه ولايسمى باسمه » (٣).

وعن محمد الجواد قال « إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر فقيل له : لم سمي المنتظر قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها » (٤).

وعن الإمام علي الهادي عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن ( علي الهادي ) يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت : ولم فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر اسمه » (٥).

وهكذا تؤكد الشيعة الإمامية إمامة القائم بالنصوص الواردة في إمامته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة.

أما الشيخ المفيد فيستدل على إمامته « ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالإستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم ... وعدم هذه الصفات من كل أحد سوى من أثبتت إمامته أصحاب الحسن بن علي وهو ابنه المهدي » (٦).

ويستدل الطوسي على إمامته بكونه معصوماً لا يجوز عليه الغلط (٧).

__________________

(١) الصدوق : كمال الدين ج ٢ ص ٣.

(٢) ن. م ج ٢ ص ٣٠.

(٣) ن. م ج ٢ ص ٤١.

(٤) ن. م ج ٢ص ٥٠.

(٥) ن. م ج ٢ ص ٥٣.

(٦) المفيد : الإرشاد ص ٣٤٧.

(٧) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ٢١٧.

٢٨٤

ولما كان القول بالغيبة قد ظهر في فترة سابقة لهذه الفترة عند بعض فرق الشيعة ، فلذلك تبطل الشيعة الإمامية قول كل من ادعى الغيبة وتؤكد أنها وقعت في محمد المهدي ( ابن الحسن العسكري ).

وقد مر بنا دعوى السبأية التي قالت بعودة علي بن أبي طالب بعد موته ، فيقول الطوسي والذي يفسد قول هؤلاء : « بما ذللنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته ، وبما بينا أن الأئمة اثنا عشر وصحة إمامة ابن الحسن » (١).

ويبطل كذلك إمامة محمد بن الحنفية ، وكذلك من ذهب إلى القول بأنه المهدي ، ويقول : « إذا بينا أن المهدي من ولد الحسين بطل قول المخالف في إمامته (٢) ، كما يقول أن الإمامة لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين ، ولا يكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (٣).

ويبطل قول الناووسية الذين وقفوا على إمامة جعفر الصادق وقالوا إنه المهدي ، « لصحة إمامة ابنه موسى بن جعفر وما ثبت من إمامة الاثنى عشر ، ويؤكد ذلك ما ثبت من صحة وصيته إلى من أوصى إليه » (٤).

وكذلك يبطل قول الواقفة على موسى بن جعفر لنفس الأسباب ، وقول المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي العسكري ، ويقول : ثبت أن محمداً مات في حياة أبيه (٥).

ثم يرد على من قال بأن الإمام الحسن العسكري حي ، وعلى من قال بأنه مات ويرجع بعد موته ، ومن قال بإمامة جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ، كما يرد من قال بأنه لا ولد له ، وأن الإمامة انقطعت بعد وفاة الحسن العسكري (٦).

__________________

(١) الطوسي : الغيبة ص ١١٧.

(٢) ن. م ص ١١٨.

(٣) ن. م ص ١١٨.

(٤) ن. م ص ١١٩.

(٥) الطوسي : الغيبة ص ١٢٠.

(٦) ن. م ص ١٣٠ ـ ١٣٥.

٢٨٥

وهكذا يؤكد الطوسي أن الإمامة في المهدي بن الحسن العسكري وأنه القائم ، إلا أنه غائب مستور.

وتعلل الشيعة الغيبة بالتقية ولما كان المهدي عند الشيعة هو الإمام المنتّظر لدولة الحق الذي سيملأ الارض عدلاً فقد غاب حتى يخرج « وليس لأحد في عنقه بيعة » (١).

أما المرتضى فيذكر أن « السبب في الغيبة ، هو إخافة الظالمين له ومنعهم يده من التصرف فيما جعل إليه التصرف فيه لأن الإمام إنما ينتفع به النفع الكلي إذا كان متمكناً مطاعاً مخلى بينه وبين أغراضه يقود الجنود ويحارب البغاة ... وكل ذلك لا يتم إلا مع التمكن فإذا حيل بينه وبين أغراضه سقط عنه فرض القيام بالإمامة ، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته والتحرز من المضار واجب عقلاً وسمعاً ».

ثم يضرب مثلاً باستتار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشعب والغار وأن هذا الإستتار سببه الخوف.

كما يذكر أنه لا فرق بين قصر الغيبة وطولها لأنها مقرونة بسببها فتقصر بقصره وتزول بزواله (٢).

ويعلل المفيد سبب الغيبة ويقول « إن استتار ولادة المهدي بن الحسن ( العسكري ) عن جمهور أهله وغيرهم وخفاء ذلك واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف ولا مخالفاً لحكم العادات. ويقول : من الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد فلا يزال مستوراً حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه » (٣).

ويفسر الطوسي سبب الغيبة بالتقية ويقول : « وإمام الزمان كل الخوف عليه لأنه يظهر بالسيف ويدعو إلى نفسه ويجاهد من خالف عليه » (٤).

__________________

(١) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ٤٣٩.

(٢) المرتضى : مسألة في الغيبة ( نفائس المخطوطات المجموعة الرابعة ص ١١ ).

(٣) المفيد : الفصول العشرة في الغيبة ص ٦ ـ ٧.

(٤) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ٢١٧.

٢٨٦

فنلاحظ هنا التأكيد على الظهور بالسيف ، بعد أن امتنعت الشيعة الإمامية عن إشهار السيف بوجه الظالم في الفترة السابقة.

كما يذكر الطوسي « لا علة تمنع من ظهوره ( المهدي ) إلا خوفه على نفسه من القتل لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الإستتار ، وكان يتحمل المشاق والأذى ، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء إنما تعظم لتحملهم المشاق العظمية في ذات الله تعالى » (١).

كما تذكر الشعية أن للقائم غيبة صغرى وأخرى طويلة الأمد ، فقد ذكر النعماني عن محمد بن يعقوب ... عن إسحاق بن عمار قال قال : أبو عبد الله : « للقائم غيبتان إحداهما طويلة والاُخرى قصيرة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصته من شيعته والاُخرى لا يعلم يمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه » (٢).

كما تروي الشيعة أن للقائم أيام غيبته سفراءاً بينه وبين شيعته وهؤلاء من خاصة الشيعة الموثوق بهم وعن طريقهم يجري الإتصال بين المهدي وشيعته (٣).

كما كانت تصدر منه ( المهدي ) توقيعات إلى شيعته فيما يشكل عليهم من أمور الدين ويذكر الطوسي عدداً من هذه التوقيعات ، ومن جملة ما ذكره عن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي : قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزّ وجلّ فوض إلى الأئمة أن يخلقوا أو يرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ ... وتنازعوا في ذلك ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه مع أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ( من السفراء أيام الغيبة ) فخرج إليهم من جهته ( المهدي ) توقيع نسخة :

__________________

(١) الطوسي : الغيبة ص ١٩٩.

(٢) النعماني : الغيبة ص ٨٩.

(٣) الطوسي : الغيبة ص ٢١٤ وما بعدها وانظر الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص ٤٢٤ وما بعدها.

٢٨٧

« إن الله تعالى خلق الأجسام وقسم الأرزق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، وأما الأئمة فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق أيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم » (١).

وبالرغم من غيبة المهدي إلا أن الشيعة تعتقد بظوره وعودته وأنه سيحيي العدل ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتستدل على هذا بعدة أدلة منها ما بشر به النبي من ظهور القائم ، كما وتؤكد هذا بآيات من القرآن تفسرها بقيام القائم ، وما ورد من أحاديث عن آبائه الأئمة بظهوره.

فيروي الصدوق عن جابر الأنصاري قال قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي من ولدي اسمه إسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (٢).

كما تروي الشيعة الإمامية عدداً من الآيات وتفسرها بقيام المهدي منها ما ذكره فرات عن أبي جعفر ( الباقر ) في قول الله تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) (٣) ، قال : نحن وشيعتنا قال أبو جعفر : ثم شيعتنا أهل البيت ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) (٤) يعني من شيعة علي بن أبي طالب ( ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ) (٥) فذاك

__________________

(١) الطوسي : الغيبة ص ١٨٧ وما بعدها وانظر الجزائري : الأنوار النعمانية ج ٢ ص ٢١ وانظر أيضاً الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص ٤٣٥ وما بعدها ، كما يذكر ابن طاووس في مهج الدعوات ومنهج العبادات أدعية للإمام المهدي انظر ص ١٩٤ ـ ٢٩٥.

(٢) الصدوق : كمال الدين ج ١ ص ٤٠٣ ، والنظر لطف الله : منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص ٥٨ وما بعدها وأكثرها أحاديث عن النبي تنشر بظهر القائم.

(٣) سورة الواقعة ٥٦ : ٢٧.

(٤) سورة المدثر ٧٤ : ٤٢.

(٥) سورة المدثر ٧٤ : ٤٤.

٢٨٨

يوم القائم وهو يوم الدين ( وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) (١) أيام القائم » (٢).

ويذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسير الآية ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ) (٣) ، قال أيام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة » (٤).

كما يذكر رواية عن أبي عبد الله ( الصادق ) في تفسير قوله تعالى : ( اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) (٥) قال إن العامة يقولون : نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أخرجته قريش من مكة ، وإنما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين (٦).

وعن أبي الجارود في قوله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (٧) فهذه لآل محمد إلى آخر الأئمة والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر به الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهاء الحق حتى لا يرى أين الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر » (٨).

كما يفسر قوله تعالى ( واقتربت الساعة ) (٩) يعني خروج القائم (١٠).

ويرد في تفسير العياشي عدداً من الأيام تتعلق بظهور القائم كما يفسرها. فيذكر عن جابر عن أبي جعفر ( الباقر ) في قول الله ( وأذان من الله

__________________

(١) سورة المدثر ٧٤ : ٤٦.

(٢) فرات : تفسير فرات نقلاً عن بحار الأنوار للمجلسي ج ٥٩ ص ٦١ ( طبع إيران باجزاء لم تتم بعد ) ولم أجد هذا في التفسير المطبوع.

(٣) سورة إبراهيم ١٤ : ٥.

(٤) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٢٢١.

(٥) سورة الحج ٢٢ : ٣٩.

(٦) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٢٧٤.

(٧) سورة الحج ٢٢ : ٤١.

(٨) القمي : تفسير القمي ص ٢٧٤.

(٩) سورة القمر ٥٤ : ١.

(١٠) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٣٤٣.

٢٨٩

ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) (١) ، قال : خروج القائم و « أذان » دعوته إلى نفسه (٢)، ويذكر عن زرارة قال : قال أبو عبد الله ( الصادق ) : سئل أبي عن قول الله : ( قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) (٣).

حتى لا يكون مشرك ( ويكون الدين كله لله ) ، ثم قال : إنه لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قد قام قائمنا سيرى من سيدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله (٤).

وبالإضافة إلى هذا تؤكد الشيعة ظهور المهدي بما ورد من أحاديث عن الأئمة فيذكر النعماني عن أم هانئ عن أبي جعفر الباقر في معنى قول الله « فلا أقسم بالخنس » فقال : يا أم هانئ امام يخنس نفسه حتى ينقطع عن الناس علمه سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء فإن أدركت ذلك الزمان قرت عينيك (٥).

وعن أبي عبد الله الصادق عن آبائه قال « زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين علي فركب هو وابناه الحسن والحسين فمر بثقيف فقالوا : قد جاء علي يرد الماء فقال علي : أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ... وليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد من حاجة » (٦).

كما جعلت الشيعة الإمامية لظهور القائم علامات ودلائل ، وإنه سيخرج في فترة تسوء فيها الأوضاع ويعود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً (٧).

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٣.

(٢) العياشي : تفسير العياشي ج ٢ ص ٧٦.

(٣) سورة التوبة ٩ : ٣٦.

(٤) العياشي : تفسير العياشي ( عن المجلسي في بحار الأنوار ج ٥١ ص ٦٦ ) وانظر أيضاً الطبسي الشيعة والرجعة ج ٢ ص ٤٨ ـ ١٧٤ حيث ذكر ٧٦ آية فسرها بظهور المهدي.

(٥) النعماني : الغيبة ص ٧٥.

(٦) ن. م ص ٧٠.

(٧) ن. م ص ١٧٤.

٢٩٠

كما أن من علائم ظهوره قيام دولة بني العباس ، والصيحة في شهر رمضان وظهور النجم وظهور السفياني في البصرة ومصر ، وأن المهدي لا يخرج حتى تباع المرأة بوزنها طعاماً ، وأن المهدي سيظهر بعد اليأس منه ويخرج في جيش عظيم يطالب بثأر آل البيت (١).

إلا أن الشيعة لم تعين الوقت الذي سيظهر فيه المهدي ونهت عن التوقيت كما نهت عن التسمية (٢).

ويقول المرتضى : « وطول الغيبة كقصرها لأنها متعلقة بزوال الخوف الذي ربما تقدم أو تأخر ».

كما يعلل زيادة عمر الغائب عن المعتاد بأن هذا قد يجوز للأئمة والصالحين (٣).

وهكذا نشأت فكرة المهدي عند الشيعة الإمامية ، والذي سيعود ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأصبحت هذه من أهم عقائد الإمامية.

وقد دفع إليها طبيعة « الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم ، مع الإيمان بصحة هذا الدين وأنه الخاتمة للأديان يقتضي انتظار هذا المصلح لإنقاذ العالم مما هو فيه » (٤).

كما ترى الشيعة الإمامية أنه ليس معنى انتظار المهدي ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه ... بل المسلم مكلف أبداً بالعمل بما أنزل من الأحكام ... وأن انتظار المهدي لا يسقط تكليفاً ولا يؤجل عملاً ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم » (٥).

__________________

(١) ابن طاووس : الملاحم والفتن ص ١٧ ، ٢٢ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٣٥ ، ٣٩ ، ٤١ .... وانظر القمي : الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية ص ٣٥١ ، ٣٥٢ ، ٣٥٣.

(٢) النعماني : الغيبة ١٥٧.

(٣) المرتضى : جمل العلم والعمل ص ٤٦.

(٤) المظفر : عقائد الإمامية ص ٧٨.

(٥) المظفر : عقائد الإمامية ص ٧٩.

٢٩١

وهكذا كانت حصيلة هذه التطورات والانقسامات بين الشيعة ظهور الشيعة الإمامية التي اصبحت فرقة خاصة لها أصولها ومبادؤها المعروفة ثم تطورت هذه الأفكار الأولى حتى كونت النظرية الخاصة بالشيعة الإمامية والتي بنيت على الإمامة التي هي مدار الخلاف.

٢ ـ عقائد الإمامية :

وهكذا كانت التطورات السابقة هي الأساس الذي بنت عليه الشيعة الإمامية عقائدها ، وأهمها مسألة الإمامة فقد تكونت نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما اتصلت بها أمور اُخرى كالعصمة والتقية والرجعة.

( أ ) الإمامة :

فالإمامة عند الشيعة الإمامية « رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

كما تؤكد الشيعة الإمامية أن الإمامة واجبة وأن الأرض لا تخلو من حجة (٢).

كما تقول الإمامية أن الإمامة لطف واللطف واجب في الحكمة (٣).

والذي يدل على أن الإمامة لطف « أن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد ، قاهر عادل ، يردع المعاندين ، ويقمع المتغلبين ، وينتصف للمظلومين الظالمين. اتسقت الأمور ، وسكنت الفتن وردت المعائش ، وكان الناس ـ مع وجوده ـ إلى الصلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد. ومتى خلوا من رئيس ـ صفته ما ذكرناه ـ تكدرت معائشهم وتغلب القوي على الضعيف وانهمكوا في المعاصي ووقع الهرج والمرج وكانوا إلى الفساد

__________________

(١) السيوري : النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص ٦١ وانظر البرسي مشارق أنوار اليقين ص ١٦٢ ، الجزائري : المبسوط ص ٩.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ١٧٨.

(٣) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٤٧ ، المرتضى : الشافي ص ٢ جمل العلم والعمل ص ٤٥ ، نصير الدين الطوسي فصول العقائد ص ٣٦.

٢٩٢

أقرب ومن الصلاح أبعد. وهذا أمر لازم لكمال العقل » (١).

وترى الشيعة الإمامية أن النبوة لطفاً (٢) ، ولما كانت الإمامة لطف ، فلذلك كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها إلا في تلقي الوحي الالهي بلا واسطة (٣).

كما ترى الشيعة الإمامية أن الإمامة عهد من الله إلى الأئمة وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا ولكنه عهد من الله إلى الأئمة ». وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا ولكنه عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (٤).

كما أن الإمامة بالنص من الله ورسوله وأن الأئمة منصوص عليهم وقد بينا ذلك سابقاً.

ثم إن الإمامة محصورة في أولاد الحسين بن علي ، وأنها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرها من القرابات ، بعد الحسنين (٥).

فهذه هي أهم الخطوط الرئيسية لنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية ولما كانت الإمامة ذات منزلة كمنزلة النبوة فلذلك يجب أن يتولاها من يكون أهلاً لذلك فكان ذلك للإمام الذي له « الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٦).

وتجعل الشيعة الإمامية صفات وشروطاً للإمام ، فالإمام يجب أن يكون معصوماً لأنه لو جازعليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده ، كما أنه

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٧٠.

(٢) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٣٩.

(٣) السيوري : النافع يوم الحشر ص ٦٢.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٧٧.

(٥) ن. م ج ١ ص ٢٨٥.

(٦) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٤٧.

٢٩٣

لو جاز عليه فعل الخطيئة ( فإن ) وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب (١).

ولما كان الإمام حافظاً للشرع ، لو لم يكن معصوماً لم تؤمن منه الزيادة والنقصان(٢).

ويقول الطوسي ومما يدل على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً : « ما ثبت من كونه مقتدى به. ألا ترى أنه إنما سمي إماماً لذلك ، لأن الإمام هو المقتدى به » (٣).

ويقول ابن المطهر بوجوب عصمة الإمام لأن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك كحال النبي (٤).

ولما كانت الحاجة إلى الإمام « للإنتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن وأن الامام لطف يمنع القاهر من التعدي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرئض ويؤاخذ الفساق ويعذر من يستحق التعذير فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر ... » (٥).

ويذكر ابن المطهر دلائل العصمة ويكثر في الكلام في هذا الباب ، فيذكر في عصمة الإمام « وهي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكناً منها ولا يمتنع منها مع عدمها » (٦).

ويروي ابن المطهر في هذا الباب عدة أدلة فيذكر أن الإمامة لما كانت عهد من الله فكل إمام ينصبه الله فهو معصوم (٧).

__________________

(١) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٤٨.

(٢) ن. م ص ٤٩.

(٣) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٠١.

(٤) ابن المطهر : احقاق الحق ج ١ ص ١٩٧.

(٥) ن. م ج ١ ص ١٩٧.

(٦) ابن المطهر : الألفين ص ٥٠.

(٧) ن. م ص ٥٢.

٢٩٤

ثم إن الإمام لو كان غير معصوم « لزوم تخلف المعلول عن علته التامة لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن تجيز على المكلف موجب لإيجاب كونه مرؤوساً لإمام والإمام لا يكون مرؤوساً لإمام وإلا لكان هو الإمام من غير احتياج إليه » (١).

ثم إن الله هو الناصب للإمام ... وأن الله تعالى لا يفعل القبيح فلا بد أن يكون الإمام معصوماً (٢).

وان قول الله تعالى ( أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ... ) وكل من أمر الله بطاعته فهو معصوم لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم (٣).

كما أن في قوله تعالى : ( إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالين ) فغير المعصوم ضال فلا يسأل إتباع طريقة قطعاً (٤).

وهكذا تستدل الشيعة على عصمة الأئمة وتجعل العصمة شرطاً من شروط الإمامة وصفة أساسية للإمام.

دكما أن الإمام عند الشيعة الإمامية يجب أن يكون أفضل من كل واحد من رعيته لأنه مقدم على الكل (٥).

ويقول الطوسي والكلام في كون الإمام أفضل من رعيته ينقسم إلى قسمين ، أحدهما يجب أن يكون أفضل منهم بمعنى أنه أكثر ثواباً عند الله.

والقسم الآخر أنه يجب أن يكون أفضل منهم في الظاهر في جميع ما هو إمام فيه (٦).

__________________

(١) ابن المطهر : الألفين ص ٥٧.

(٢) ن. م ص ٦٠.

(٣) ن. م ص ٦٠.

(٤) ن. م ص ٦٠ وما بعدها كثير من الأدلة التي لا مجال لذكرها هنا فقد ذكر ابن المطهر ٢٠٠٠ دليل ولكن الموجود فقط أقل من هذا العدد.

(٥) السيوري : النافع يوم الحشر ص ٦٧.

(٦) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٠٩.

٢٩٥

فأما ما يدل على القسم الأول : ما قد ثبت من أنه يستحق التعظيم والتبجيل ما لا يستحقه أحد من رعيته.

وتقصد الإمامية بالتبجيل والتعظيم ما يجب عليهم من الطاعة له ( الإمام ) والإنقياد لجميع أوامره ونواهيه ، والإتباع لجميع أقواله وأفعاله ، والانطواء له على منزلة عظيمة (١).

وأما ما يدل على القسم الآخر ، ما تقرر في عقول العقلاء من قبح جعل المفضول رئيساً وإماماً في شيء بعينه على الفاضل فلا يجوز أن يكون إماماً إلا من كملت فيه صفات العلم والكمال (٢).

وهكذا كما تعتقد الإمامية بأن الإمام يجب أن يكون أفضل رعيته في جميع صفات الكمال من العلم والكرم والشجاعة والعفة والرأفة والرحمة وحسن الخلق والسياسة ، ولا بد من تمييزه بالكمالات النفسانية والكرامات الروحانية بحيث لا يشاركه في ذلك أحد من الرعية (٣).

كما ترى الشيعة الإمامية أن الإمام يجب أن يكون عالماً بما إليه الحكم فيه والذي يدل : إن الإمام إمام في سائر أمور الدين ومتولي الحكم فيه جميعة جليلة ودقيقة ظاهره وغامضه كما يجب أن يكون عالماً بجميع أحكام السياسة والشريعة (٤).

كما أن الإمام يجب أن يكون أشجع من رعيته ، ويدل على ذلك : انه قد ثبت أنه رئيس عليهم فيما يتعلق بجهاد الأعداء وحرب أهل البغي وذلك متعلق بالشجاعة ، فيجب أن يكون أقواهم حالاً (٥).

وأما كونه أعقلهم ، المرجع فيه إلى جودة الرأي وقوة العلم بالسياسة

____________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢١٠ـ ٢١١.

(٢) ن. م ج ١ ص ٢١٥ ـ ٢١٧.

(٣) الجزائري : المبسوط ص ٢٦ وانظر عن علوم الأئمة ما ذكره الكليني في الكافي ج ١ ص ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٢٢١ ، ٢٢٣ ... الخ. وانظر كذلك البرسي : مشارق أنوار اليقين ص ١٦٥.

(٤) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٤٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٢٧٤.

٢٩٦

والتدبير (١).

وأما كونه أصبح الناس وجهاً ، « فلا يجب بعد أن يكون مشنأ الصورة ، فاحش الخلقة ، لأنه ينفر عنه » (٢).

ومن شروط الإمام أيضاً أن يكون منصوصاً عليه وقد بينا النص على كل إمام ودلائل إمامته في الفصل الثالث والخامس.

ولما كانت هذه هي شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية ، فلا تعقد الإمامة إلا لمن توفرت فيه هذه الشروط ، ولما كانت هذه الشروط غير متوفرة إلا في آل بيت النبي فلذلك كانت الإمامة لهم.

( ب ) العصمة :

ومن الأمور التي اتصلت بنظرية الإمامة عند الشيعة العصمة .. وقد بينا رأي الإمامية في العصمة وإيجابها للإمام وقد أصبحت العصمة من أهم عقائد الإمامية.

قال المفيد : « العصمة من الله لحججه هي التوفيق واللطف والإعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى » (٣).

كما أن العصمة « فضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمة ... وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ولا ملجئة له إليه ، بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له (٤) وأن العصمة انحصرت بالصفوة والأخيار ، قال الله تعالى : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) وقوله تعالى : ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) فالأنبياء والأئمة من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٧٤.

(٢) ن. م ج ١ ص ٢٧٤ وقد اقتصرت في ذكر الإمامة على الخطوط الرئيسية لنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية.

(٣) المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦٠ ( طبع مع كتاب أوائل المقالات للمفيد ).

(٤) ن. م ص ١٦.

٢٩٧

والصغائر (١).

( ج ) التقية :

ومن الأمور الاُخرى التي اتصلت بالإمامة عند الشيعة التقية ، وهي « كتمان الحق وستر الأعتقاد فيه ومكاتمه المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا »(٢).

وتجب التقية عند الشيعة الإمامية وتكون فرضاً وتجوز أحياناً من غير وجوب ، كما تكون في وقت أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذوراً أو معفواً عنه متفضلاً عليه بترك اللوم عليها (٣).

ويرى الشيخ المفيد « أنها جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الإستصلاح » (٤).

كما أنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها « لضرب من اللطف والاستصلاح وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يعلم أو يغلب أنه استفساد في الدين » (٥).

وهكذا كانت التقية من أهم عقائد الشيعة الإمامية فرضتها الظروف السياسية وما صاحبها من اضطهاد الشيعة فاتقوا السلطان حفظاً للأرواح وقد أصبحت التقية صفة خاصة للشيعة الإمامية وقد دانوا بذلك امتثالاً لأمر أئمتهم فقد ورد عن الصادق قوله : « من لا تقية له لا دين له » (٦).

( د ) الرجعة :

ومن الأمور التي اتصلت بالإمامة أيضاً « الرجعة » فتعتقد الشيعة

__________________

(١) المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦١ وانظر عن العصمة أيضاً معاني الأخبار للصدوق ص ١٣٢ حيث ذكر أحاديث عن العصمة ودلائلها.

(٢) المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦٦.

(٣) المفيد : أوائل المقالات ص ٩٦.

(٤) المفيد : أوائل المقالات ص ٩٦.

(٥) ن. م ص ٩٧.

(٦) الطبرسي : مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ص ٣٩ وما بعدها.

٢٩٨

الإمامية أن الله يرد قسماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها « فيعز منهم فريقاً ويذل فريقاً ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين » (١).

أما زمان الرجعة فهي عند قيام المهدي من آل محمد ، ويقسم المفيد الراجعين إلى الدنيا إلى فريقين أحدهما من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات ، فيعزه الله ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه.

أما الفريق الآخر فقد بلغ الغاية في الفساد واقتراف السيئات ، فسينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات ، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت والنشور (٢).

ويقول المظفر في هذا الصدد « وعلى كل حال فالرجعة ليست من الأصول التي يجب الإعتقاد بها والنظر إليها ، وإنما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت عليهم‌السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها » (٣) وهكذا فهذه أهم المبادئ التي اعتقدت بها الإمامية والتي كان لها صلة بنظرية الإمامة عندهم.

__________________

(١) المفيد : أوائل المقالات ص ٥٠.

(٢) المفيد : أوائل المقالات ص ٥٠ وانظر رسالة للصدوق في الإعتقادات طبعت مع كتاب النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر.

(٣) المظفر : عقائد الإمامية ص ٨٤.

٢٩٩
٣٠٠