موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

والمتولّي لإخراج الزكاة هو الولي (١) ، ومع غيبته يتولّاه الحاكم الشرعي. ولو تعدّد الولي جاز لكلّ منهم ذلك ، ومن سبق نفذ عمله. ولو تشاحّوا في الإخراج وعدمه قُدِّم من يريد الإخراج.

______________________________________________________

المولود الخارجي ، ولا يعمّ الحمل قطعاً ، فلا زكاة عليه وإن كانت له حصّة من المال.

(١) فإنّ الروايات الواردة في استحباب الزكاة في مال اليتيم مع الاتّجار خالية بأجمعها عن تعيين المأمور بهذا الحكم ، ما عدا رواية واحدة ، التي خُوطِب فيها من يتّجر ب : أن يزكّيه (١) ، وإلّا فسائر الروايات تضمّنت : أنّ في ماله الزكاة ، من غير تعيين شخص خاصّ.

ولا ريب أنّ الزكاة مع الاختلاف في كيفيّة تعلّقها بالمال الزكوي من كونها بنحو الكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة كما هو الصحيح ، أو نحو آخر غير ثابتة في جميع أجزاء المال ، بل هي على كلّ حال ثابتة في مجموع هذا المال بنحوٍ من تلك الأنحاء.

وعليه ، فلا يجوز التصرّف في المال لغير الولي ، فبطبيعة الحال يكون المأمور هو الولي من أبيه أو جدّه أو القيّم من قبلهما ، ولو لم يكن ذلك فوليّه الحاكم الشرعي الذي هو وليّ من لا وليّ له.

ولو فُرِض أنّ له وليّين أو قيّمين ، فطبعاً يجوز لكلّ منهما إخراج الزكاة ، عملاً بإطلاق دليل ولايته. كما أنّه لو سبق أحدهما نفذ تصرّفه وإن استنكره الآخر ، لأنّه تصرّفٌ من أهله في محلّه.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٨٨ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢ ح ٣.

٦١

ولو لم يؤدّ الولي إلى أن بلغ المولّى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه (١).

[٢٦١٤] مسألة ٢ : يستحبّ للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره ، من النقدين كان أو من غيرهما (٢).

______________________________________________________

ومنه يظهر أنه لو تشاحّا فأراد أحدهما الإخراج والآخر عدمه ، قُدِّم من يريد الإخراج ، لأنّ منع الآخر لا يصدّ من يريد الإخراج عن العمل ، بدليل الاستحباب الثابت بنحو الإطلاق.

(١) لما عرفت من أنّ مفاد الأخبار : أنّ في هذا المال زكاة ، من غير أن تتضمّن الخطاب بشخصٍ خاصّ.

وإنّما خصصنا الحكم بالولي لأنّه القدر المتيقّن ممّن يجوز له التصرّف في مال اليتيم ، لا لأنّ الخطاب متوجّه إليه ليسقط بانقطاع ولايته بعد بلوغ الصبي.

وعليه ، فمقتضى الإطلاق في تلك الأدلّة : ثبوت الاستحباب للمولّى عليه بعد بلوغه.

(٢) فقد وردت عدّة روايات تضمّنت الأمر بالزكاة في مال التجارة للمجنون كالصبي ، التي عمدتها صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : امرأة من أهلنا مختلطة ، أعليها زكاة؟ «فقال : إن كان عمل به فعليها زكاة ، وإن لم يعمل به فلا» (١) ، ونحوها غيرها ممّا تضمّن التفصيل بين العمل وغيره.

هذا ، وقد ألحق بعضهم المجنون بالصبي في استحباب الزكاة في الغلّات ، وقد

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٠ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٣ ح ١.

٦٢

[٢٦١٥] مسألة ٣ : الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول ، وكذا السكران (١) ، فالإغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ،

______________________________________________________

عرفت عدم ثبوت الحكم في الصبي فضلاً عن أن يتعدّى منه إلى المقام ، لمعارضة دليل الإخراج مع ما دلّ على العدم كما تقدّم (١).

ولو سُلِّم الحكم هناك فالتعدّي يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، فكيف يمكن الحكم بالاستحباب بعد أن لم يكن المجنون مكلّفاً بشي‌ء وليس لأحدٍ أن يتصرّف في ماله كغيره من القاصرين من غير مجوّزٍ شرعي؟! ثمّ إنّ ظاهر صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة : وجوب الزكاة في ماله ، كما تقدّم نظيره في مال الصبي (٢) ، ولكن يُرفَع اليد عن هذا الظهور في كلا الموردين ، ويُحمَل على الاستحباب ، بعين الوجه الذي تقدّم في الصبي ، فإنّ الكلام هنا هو الكلام هناك بمناطٍ واحد ، كما أنّه يثبت الاستحباب للمجنون بعد ما أفاق لو لم يؤدّ وليّه ، كما كان ثابتاً للصبي بعد بلوغه في الفرض المزبور ، لعين الوجه المذكور ثَمّة ، فلاحظ وتذكّر.

(١) فلا ينافي الإغماء والسكر تعلّق الزكاة. وهذا هو المعروف والمشهور بين الفقهاء.

ونُسِب إلى بعضهم إلحاق المغمى عليه بالمجنون ، فلا تجب الزكاة عليهما ، وأمّا النائم فالظاهر أنّه لا خلاف في وجوب الزكاة عليه وأنّ النوم لا يلحق بالجنون كما في سائر التكاليف.

__________________

(١) في ص ٥٥.

(٢) في ص ٥٦.

٦٣

ولا ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلّق في الغلّات.

______________________________________________________

وبيان ذلك : أنّه قد يكون شي‌ءٌ شرطاً للتكليف ابتداءً من أجل تقييد الموضوع به ، وأنّ غيره غير مخاطب بالحكم أصلاً ، وهذا كما في البلوغ والعقل ، حيث إنّ الصبي والمجنون قد وُضِع عنهما قلم التكليف من أوّل الأمر بمقتضى حديث الرفع الوارد فيهما ، فلا يشملهما الخطاب من أصله بتاتاً ، وهذا واضح.

وأُخرى : لا يكون كذلك ، وإنّما يثبت فيه التكليف لأجل العجز وعدم القدرة ، كما في النائم ، وكذلك المغمى عليه والسكران ، بل الغافل والناسي ، فكان غافلاً حين تعلّق التكليف وناسياً أنّ له كذا مقداراً من الغلّة أو الذهب أو الفضّة مثلاً ، ففي هذه الموارد لا تكليف قطعاً ، لأنّه مشروطٌ بالقدرة عقلاً ، المفقودة في هذه الفروض.

وحينئذٍ فإن بنينا على ما بنى عليه غير واحد من الأعلام من أنّ القدرة في أمثال المقام شرطٌ للتكليف عقلاً من غير دخل لها في الملاك ، وأنّ ملاك التكليف موجودٌ فعلاً وإن لم يكن التكليف بنفسه متوجّهاً إلى المخاطب ، نظراً إلى أنّ المانع مانعٌ عنه لا عن ملاكه ، فهو ثابتٌ في حقّه ، ولأجله لا يكون التكليف فعليّاً بعد ارتفاعه فعلى هذا المبنى تثبت الزكاة في هذه الموارد بطبيعة الحال.

وعلى هذا المبنى رتّب شيخنا الأُستاذ (قدس سره) عدم جريان الترتّب فيما كانت القدرة شرطاً شرعاً ، لاختصاص جريانه بما كانت شرطاً عقلاً (١) ، نظراً إلى أنّ القدرة على الأوّل حالها حال سائر الشرائط المأخوذة في الموضوع ، التي ينتفي بانتفائها الحكم بملاكه ، كما في موارد الوضوء والغسل ، حيث إنّ تقييد

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٧٣ ٧٨.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التيمّم بقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا*) (١) يعطينا بمقتضى المقابلة اشتراطهما بالقدرة شرعاً ، فلا ملاك مع العجز ، ولذا لا يجري فيه الترتّب.

بخلافها على الثاني ، حيث إنّ الساقط حينئذٍ ليس إلّا التكليف ، باعتبار أنّ العقل لا يجوّز تكليف العاجز ، وإلّا فالملاك باقٍ على إطلاقه.

وكيفما كان ، فلا ريب في ثبوت الزكاة في المقام على هذا المبنى.

ولكن المبنى في نفسه غير تامّ كما تعرّضنا له في الأُصول ، إذ لا طريق لنا إلى استكشاف الملاكات من غير ناحية الأحكام أنفسها ، فإنّ عدم ثبوت التكليف في موارد دخل القدرة عقلاً كما يمكن أن يكون لأجل الاقتران بالمانع وهو العجز ، كذلك يمكن أن يكون لأجل عدم المقتضي ، لدخل القدرة في الملاك في صقع الواقع وإن لم نعلم به ، فلا يمكن كشف الملاك إلّا بدليلٍ خارجي ، مثل الحكم بالقضاء فيما فات من الصلاة في حال النوم. وأمّا على نحو الكبرى الكلّيّة بحيث يُستكشَف الملاك في كلّ مورد كان التكليف مشروطاً بالقدرة عقلاً فكلّا ، بل دون إثباته خرط القتاد كما لا يخفى.

وربّما يُستدَلّ على وجوب الزكاة في هذه الموارد ب : أنّ القدرة إنّما هي شرطٌ بحكم العقل في التكليف فقط دون الوضع ، لعدم المقتضي للتقييد بالنسبة إليه. وعليه ، فما دلّ من الروايات على الوضع مثل : إنّ في خَمس من الإبل شاة (٢) ، أو : فيما سقته السماء العشر (٣) ، ونحو ذلك عام يشمل أموال المغمى عليه والسكران ونحوهما ، إذ لا يحكم العقل إلّا باشتراط القدرة في التكليف دون الوضع.

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ١٠٨ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٨٢ / أبواب زكاة الغلّات ب ٤.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّه أيضاً لا يتمّ ، لما تقدّم (١) من عدم الإطلاق في أدلّة الوضع ، لأنّها إنّما سيقت لبيان مقدار الزكاة بالنسبة إلى من وجبت عليه الزكاة ، وأمّا أنّها على من تجب وعلى من لا تجب فهي إلى ذلك غير ناظرة ، والدلالة من هذه الناحية قاصرة ، فهي في مقام بيان تعيين المقدار لا في من تجب عليه الزكاة لينعقد لها الإطلاق.

إذن يبقى الإشكال في تعلّق الزكاة في هذه الموارد على حاله.

والذي ينبغي أن يقال : إنّ مورد الإشكال إنّما هي التكاليف الموقّتة المحدودة بما بين الحدّين كالصلاة المقيّدة بما بين الطلوعين فلو عرضه الإغماء أو السكر أو النوم في تمام الوقت فحينئذٍ يتّجه الإشكال في تعلّق القضاء ، نظراً إلى أنّ التكليف لم يثبت في حقّه في الوقت ، لاشتراطه بالقدرة عقلاً ، المنتفية عند إحدى تلك العوارض.

فيجاب عنه باستكشاف الملاك ، أو بنحوٍ آخر مقرّرٌ في محلّه.

وأمّا في المقام ، فلم يكن التكليف مؤقّتاً إلّا من ناحية المبدأ فقط ، وهو بلوغ النصاب ، وأمّا بقاءً ومن حيث المنتهي فلا أمد له. والمفروض أنّ هذا التكليف مشروطٌ بالقدرة بحكم العقل ، فإذا كان عاجزاً أوّل زمان التعلّق ، لكونه نائماً أو مغمىً عليه أو سكراناً ونحو ذلك ، ثمّ ارتفع العذر وتجدّدت القدرة ، فاستيقظ مثلاً بعد ساعة ، فأيّ مانعٍ من التمسّك حينئذٍ بإطلاق الأمر بوجوب الزكاة؟! فإنّ التكليف وإن لم يكن متعلّقاً بهذا الشخص في بدء حدوثه لمكان العجز إلّا أنّه لم يكن مقيّداً بهذا الوقت حسب الفرض ، بل هو باقٍ ومستمرّ ، فلا مانع من شموله له بقاءً بعد أن حصلت له القدرة.

__________________

(١) وتقدّم الإشكال فيه [في ص ١٥ ١٧].

٦٦

[٢٦١٦] مسألة ٤ : كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه (١) ، على المختار من كونه مالكاً. وأمّا على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكّن العرفي من التصرّف فيه.

[٢٦١٧] مسألة ٥ : لو شكّ حين البلوغ في مجي‌ء وقت التعلّق (٢)

______________________________________________________

وهذا نظير سائر التكاليف كوجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، ووجوب أداء الدين ، ووجوب الصلاة على الميّت أو غسله ، ونحو ذلك فإنّه لو كان عاجزاً عن امتثال هذه التكاليف في أوّل زمان تعلّقها ، كما إذا لم يجد ماءً لغسل الميّت ثمّ بعد ساعة أو ساعتين تجدّدت القدرة ، فلا مانع من توجيه التكليف إليه فعلاً وإن كان ساقطاً سابقاً لمكان العجز.

وعليه ، فالتمسّك بهذه الإطلاقات لا مانع منه بوجه.

نعم ، تظهر الثمرة فيما إذا استمرّ العذر من الإغماء أو السكر ونحو ذلك إلى أن مات أو إلى أن جنّ بحيث لم يكن التكليف فعليّاً في حقّه بتاتاً ، فإنّه يقع الإشكال في وجوب الزكاة حينئذٍ حتى لو كان العذر هو النوم ، إلّا إذا كان هناك إجماعٌ محقّق كما لا يبعد ثبوته في النوم ، وإلّا فهو محلٌّ للإشكال ، لأنّه حين تعلّق الزكاة لم يكن مكلّفاً لمكان العجز ، وبعده ارتفع الموضوع ومات ولم يبق في قيد الحياة أو عرضه الجنون المانع عن تعلّق التكليف.

(١) كما تقدّم الكلام فيه مستقصًى (١) ، فلا نعيد.

(٢) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى صور ، إذ :

تارةً : يعلم زمان البلوغ ويشكّ وقتئذٍ : إمّا في أصل التعلّق ، أو في وقته بعد

__________________

(١) في ص ٢١ ٢٣.

٦٧

من صدق الاسم وعدمه أو علم تأريخ البلوغ وشكّ في سبق زمان التعلّق وتأخّره ، ففي وجوب الإخراج إشكال (*) ، لأنّ أصالة التأخّر لا تُثبت البلوغ حال التعلّق ، ولكن الأحوط الإخراج (**).

______________________________________________________

العلم بأصله ، فلا يدري هل كان حدوثه قبل زمان البلوغ فكان يوم الأربعاء مثلاً والمفروض أنّ البلوغ يوم الخميس كي لا تجب عليه الزكاة ، أو كان بعده كيوم الجمعة حتى تجب؟

وقد استشكل (قدس سره) حينئذٍ في وجوب الإخراج ، وأخيراً احتاط فيه لزوماً ، رعايةً لما كان معروفاً ومشهوراً لدى

جماعة من الفقهاء من أصالة تأخّر الحادث بحيث كانت أصلاً برأسها ، بل لعلّ ذلك كان معدوداً عندهم من المسلّمات على ما ذكره الشيخ (قدس سره).

ولكن المتأخّرين لم يلتزموا بذلك ، نظراً إلى أنّ أساس الأصل المزبور إنّما هو الاستصحاب لا غير ، ومن البيّن أنّ الاستصحاب إنّما يترتّب عليه آثار نفس المستصحب دون لوازمه ، لعدم حجّيّة الأُصول المثبتة.

وعليه ، فإذا كان يوم الخميس هو يوم البلوغ كما هو المفروض وشكّ حينئذٍ : إمّا في أصل التعلّق ، أو في تقدّمه على هذا اليوم وتأخّره عنه ، فاستصحاب عدم التعلّق إلى يوم الجمعة لو كان له أثرٌ شرعي ترتّب عليه ، ولكنّه لا أثر له ، وإنّما الأثر ترتّب على الاصفرار أو الاحمرار أي التعلّق بعد البلوغ أو حاله ، ولا يمكن إثبات ذلك بالأصل المزبور أعني أصالة عدم التعلّق

__________________

(*) والأظهر عدم الوجوب.

(**) الاحتياط ضعيفٌ جدّاً.

٦٨

وأمّا إذا شكّ حين التعلّق (١) في البلوغ وعدمه ، أو علم زمان التعلّق وشكّ في سبق البلوغ وتأخّره ، أو جهل التأريخين ، فالأصل عدم الوجوب.

______________________________________________________

ما قبل البلوغ إذ لا يترتّب عليه أنّه أصفر أو أحمر حين البلوغ أو بعده الذي هو الموضوع للأثر.

وحيث إنّه يشكّ وقتئذٍ في تعلّق التكليف بالزكاة ، والمرجع ما لم يحرز موضوع التكليف أصالة البراءة ، فلا موجب للاحتياط الوجوبي بالإخراج كما هو ظاهر عبارته (قدس سره).

(١) وتارةً اخرى : يفرض عكس ذلك ، فكان زمان التعلّق معلوماً ، وشكّ حينئذٍ : إمّا في أصل البلوغ ، أو في تقدّمه وتأخّره. وقد جزم (قدس سره) هنا بعدم الوجوب.

والوجه فيه ظاهر ، لأنّا إذا لم نعتمد على أصالة تأخّر الحادث فالكلام هو الكلام المتقدّم ، وإذا اعتمدنا عليها فكان مقتضى الأصل تأخّر البلوغ وسبق التعلّق عليه ، فعدم الوجوب حينئذٍ واضح.

ومن ذلك يظهر الحال في الصورة الثالثة أعني : ما لو علم بالبلوغ والتعلّق ، وشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر ، لأجل الجهل بالتأريخين فإنّ الكلام هو الكلام المتقدّم ، إذ بعد أن لم يحرز موضوع الوجوب وهو التعلّق بعد البلوغ كان مقتضى الأصل طبعاً هو عدم الوجوب ، فلا تجب الزكاة حينئذ.

ولمزيد التوضيح في المقام نقول : إنّا قد ذكرنا في الأُصول (١) عند التكلّم حول توارد الحالتين والشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر : أنّه لا يفرق في جريان

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٩٩.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحاب بين معلوم التأريخ ومجهوله ، نظراً إلى أنّ المعلوم وإن لم يكن مورداً للشكّ بالإضافة إلى عمود الزمان إلّا أنّه بالقياس إلى الحادث الآخر من حيث التقدّم أو التأخّر عنه فهو مشكوك فيه بالوجدان ، فإنّ الشكّ واليقين حالتان نفسيّتان لا واقع لهما وراء أُفق النفس ، فإذا فرضنا العلم بالبلوغ يوم الخميس والشكّ في حدوث التعلّق قبله أو بعده ، فللبلوغ إضافةٌ إلى الزمان وإضافةٌ أُخرى إلى التعلّق.

ولدي مراجعة أنفسنا نرى أنّا وإن كنّا على يقين من حيث الإضافة الاولى فلا بلوغ يوم الأربعاء جزماً ، كما أنّه قد بلغ يوم الخميس قطعاً ، إلّا أنّه لا يقين بلحاظ الإضافة الثانية بالضرورة ، بل نحن شاكّون في أنّ البلوغ هل هو سابقٌ على الزمان الواقعي للتعلّق الذي هو معلومٌ عند الله أو أنّه لاحق ، ومعه لا مانع من استصحاب بقاء عنوان الصغر إلى زمان التعلّق ، المنتج لعدم وجوب الزكاة ، لأنّه في وقت التعلّق مال الصغير بمقتضى الاستصحاب.

وهذا الاستصحاب جارٍ في جميع الصور الثلاث المتقدّمة أعني : العلم بالبلوغ والشكّ في التعلّق وعكسه والجهل بالتأريخين ولا يعارَض بأصالة عدم التعلّق إلى زمان البلوغ ، ضرورة أنّ الموضوع للأثر إنّما هو صدق التعلّق بعد البلوغ لا عدمه قبله ، ومن البيّن أنّ الأصل المزبور لا يتكفّل بإثباته إلّا على القول بالأصل المثبت.

وهذا بحثٌ كلّي يترتّب عليه أحكامٌ كثيرة في أبواب الطهارات والمواريث والنكاح وغيرها.

فاتّضح أنّ الحكم في جميع الصور هو عدم وجوب الزكاة ، لإحراز موضوع العدم باستصحاب بقاء المال على ملك الصغير إلى زمان التعلّق من غير معارض ، ولا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.

٧٠

وأمّا مع الشكّ في العقل : فإن كان مسبوقاً بالجنون وكان الشكّ في حدوث العقل قبل التعلّق أو بعده ، فالحال كما ذكرنا في البلوغ (١) من التفصيل. وإن كان مسبوقاً بالعقل (٢) : فمع العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب ، ومع العلم بزمان حدوث الجنون والشكّ في سبق التعلّق وتأخّره فالأصل عدم الوجوب (*) ، وكذا مع الجهل بالتأريخين.

______________________________________________________

(١) حيث إنّ العقل العارض بعد الجنون لمّا كان حادثاً مسبوقاً بالعدم فهو إذن كالبلوغ المسبوق بالصبا ، فيجري فيه جميع ما مرّ.

وقد عرفت أنّ الأظهر : عدم وجوب الزكاة في جميع الفروض الثلاثة المتقدّمة ، أعني : صورتي العلم بتأريخ أحد الأمرين من العقل والتعلّق في المقام ، وصورة الجهل بالتأريخين استناداً إلى استصحاب بقاء الجنون إلى زمان التعلّق ، السليم عن المعارض حسبما تقدّم ، على خلاف ما اختاره في المتن من التفصيل.

(٢) وأمّا إذا انعكس الأمر ، فعرضه الجنون بعد ما كان عاقلاً ، وشكّ في تقدّمه على التعلّق كي لا تجب الزكاة ، وتأخّره كي تجب.

فقد فصّل في المتن حينئذٍ :

بين ما إذا علم زمان التعلّق وأنّه في شهر رجب مثلاً وشكّ في تأريخ

__________________

(*) بل مقتضى الأصل هو الوجوب ، فإنّ استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق يترتّب عليه وجوب الإخراج ، وأمّا استصحاب عدم التعلّق إلى زمان الجنون فلا يترتّب عليه كون المال حال التعلّق مال المجنون ، وما لم يثبت ذلك يجب الإخراج ، لأنّ الخارج عن دليل وجوب الزكاة هو ما كان مال المجنون ، ومن ذلك يظهر الحال في مجهولي التأريخ.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الجنون ، ففي مثله يستصحب بقاء العقل إلى هذا الزمان المعلوم ، الذي نتيجته وجوب الزكاة.

وبين عكسه ، بأن علم زمان الجنون وشكّ في وقت التعلّق ، فإنّه حيث يشكّ حينئذٍ في تعلّق التكليف حال العقل ، كان المرجع أصالة عدم الوجوب. ومثله صورة الجهل بالتأريخين.

أقول : بناءً على ما عرفت من جريان الاستصحاب في المعلوم كالمجهول نظراً إلى أنّ معلوميّة التأريخ إنّما تستوجب ارتفاع الشكّ بلحاظ عمود الزمان لا بالقياس إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر يظهر لك الحال في المقام أيضاً ، وأنّ المرجع أصالة عدم الجنون ، وإن شئت فقل : استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق ، الذي نتيجته وجوب الزكاة باعتبار عروض التعلّق في مال من هو محكومٌ بالعقل ببركة الاستصحاب ، سواء أكان تأريخ الجنون معلوماً أم مجهولاً ، وهذا أصلٌ موضوعي يثبت به وجوب الزكاة.

ولا يعارَض بأصالة عدم التعلّق إلى زمان الجنون ، إذ لا يثبت بها التعلّق بعد الجنون كي تنتفي عنه الزكاة ، فإنّ موضوع الاستثناء هو مال المجنون ، ولا يثبت بالأصل المزبور أنّ التعلّق كان بعد الجنون.

وعلى الجملة : الاستصحاب الأوّل يقتضي الوجوب بعد ضمّ الوجدان إلى الأصل ، حيث إنّ الاحمرار متيقّن ، وكونه مال العاقل ثابت بالاستصحاب. والاستصحاب الثاني لا أثر له ، فلا مناص من الالتزام بوجوب الزكاة.

ومنه يظهر الحال في مجهولي التأريخ ، وأن أصالة عدم الاحمرار أو الاصفرار إلى زمان الجنون لا أثر له ، إلّا أن يثبت بها عروض الاحمرار بعد الجنون ، ليكون داخلاً في موضوع مال المجنون ، ولا نقول بالأصل المثبت ، بخلاف العكس ، فإنّه يجري بلا معارض حسبما عرفت.

٧٢

كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة وأنّها الجنون أو العقل كذلك (١).

______________________________________________________

(١) أي يحكم بعدم الوجوب ، استناداً إلى أصالة البراءة.

أقول : قد يُفرَض الكلام فيما إذا لم تكن الحالة السابقة معلومة بوجه ، فكانت هي كالحالة الفعليّة مجهولة بقولٍ مطلق ، كما لو ملك شخصٌ مقداراً من المال وشكّ من أوّل أمره أنّه هل كان عاقلاً أو مجنوناً.

والظاهر حينئذٍ وجوب الزكاة عليه ، سواء أقلنا بأنّ الجنون مانع ، أم أنّ العقل شرط.

أمّا على الأوّل : فلإطلاقات الزكاة بعد دفع الجنون المشكوك بأصالة العدم ، كما ذكرنا (١) نظيره في الميّت الذي يشكّ في إسلامه من وجوب تجهيزه ، استناداً إلى عمومات تجهيز الميّت ، بعد دفع العنوان الخارج عنها وهو الكفر الذي هو بمثابة المانع بأصالة العدم ، فإنّ الكفر وإن كان أمراً عدميّاً كالجنون في المقام إلّا أنّهما من قبيل الأعدام والملكات كما لا يخفى ، فلا جرم كان أمراً حادثاً مسبوقاً بالعدم ، فلا مانع إذن من نفيه بالأصل.

وأمّا على الثاني أعني القول بشرطيّة العقل في وجوب الزكاة ، كشرطيّته في عامّة التكاليف ، وأنّ ما دلّ على أنّه لا زكاة في مال المجنون حكمٌ تأكيدي يراد به شرطيّة العقل لا مانعيّة الجنون ـ : فلاستقرار بناء العقلاء على أصالة السلامة في كافّة الموارد التي يحتمل فيها نقصٌ في الخلقة الأصليّة التي من أبرز مصاديقها الجنون ، فإنّهم لا يزالون يبنون على الصحيح في كلّ مورد دار الأمر بينه وبين المعيب ، فلا يُعتنى باحتمال كون المبيع معيباً ، ولا تعدّ المعاملة غرريّة ، ولو ادّعاه المشتري ليطالب بالفسخ أو الأرش كان عليه الإثبات. كما لا يُصغى

__________________

(١) في ص ٦٢ ٦٧.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى دعوى جنون القاتل أو الجاني أو الشارب للخمر ليدرأ عنه الحدّ أو القصاص ما لم تثبت بحجّة شرعيّة ، وهكذا.

وعلى الجملة : أصالة السلامة من الأُصول العقلائيّة المطّردة في جميع المقامات ، والتي جرى عليها ديدنهم في كافّة الموارد ومنها المقام.

إذن فلا يُعتنى باحتمال جنون من عنده عين زكويّة ، بل يُحكَم بوجوب إخراج زكاته ، استناداً إلى أصالة السلامة ما لم يثبت خلافها.

ومنه يظهر الحال فيما لو فُرِض الكلام في موردٍ عُلِم فيه بالجنون في زمانٍ وشُكّ في تقدّم التعلّق عليه وتأخّره ولم تكن الحالة السابقة معلومة ، فإنّ الأمر حينئذٍ أيضاً كذلك ، إذ أنّ أصالة السلامة تبيّن لنا أنّ الحالة السابقة هي العقل ، فيندرج حينئذٍ في المسألة المتقدّمة ، أي ما كان العقل متيقّناً سابقاً وعُلِم بعروض الجنون والتعلّق مع الشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر ، غاية الأمر أنّ التيقّن بالعقل نشأ هنا من بناء العقلاء على أصالة السلامة ، التي هي بعد الحجّيّة بمثابة العلم الوجداني.

ففي هذين الموردين لم نعرف أيّ وجهٍ لما ذكره (قدس سره) من عدم وجوب الزكاة استناداً إلى أصالة البراءة ، إذ لا تصل النوبة إليها بعد وجود الأصل الموضوعي الحاكم عليها والمقتضي لوجوب الزكاة حسبما عرفت.

والمظنون قويّاً أنّ الماتن أيضاً لا يريد ذلك ، إذ كيف تخفى عليه أصالة السلامة وقد ذكرها مبسوطاً في حاشيته على المكاسب؟! وعليه ، فلا يبعد أن يريد بجهالة الحالة السابقة في المقام مورداً لا تجري فيه أصالة السلامة ، بأن يكون مفروض كلامه صورة توارد الحالتين مع الشكّ في المتقدّم والمتأخّر ، فكان عاقلاً في زمانٍ ومجنوناً في زمانٍ آخر ، وتعلّق الزكاة بعدهما ، ولم يعلم أنّ التعلق كان في زمان الجنون أو العقل.

٧٤

[٢٦١٨] مسألة ٦ : ثبوت الخيار للبائع ونحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة (١) إذا كان في تمام الحول ، ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه ، بناءً

______________________________________________________

فلنفرض أيّاماً ثلاثة : فكان في يوم الثلاثاء عاقلاً أو مجنوناً وكذلك في يوم الأربعاء ، للشكّ في المتقدّم والمتأخّر ، وقد عرض التعلّق في يوم الخميس. وحينئذٍ فبما أنّا نشكّ في المتقدّم من الحالتين والمتأخّر :

فإمّا أن نبني على أنّ الاستصحاب لا يجري من أصله كما هو خيرة صاحب الكفاية (١) ، نظراً إلى عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

أو نبني على جريانه في نفسه وسقوطه بالمعارضة كما هو الأصحّ.

وعلى كلا التقديرين ، لا سبيل إلى استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق ليحكم بوجوب الزكاة ، إمّا لعدم المقتضي ، أو للمعارضة ، فلا جرم تنتهي النوبة إلى أصالة البراءة.

فما أفاده (قدس سره) من عدم الوجوب وجيهٌ في خصوص هذا المورد ، أعني : ما إذا كان قبل زمن التعلّق حالتان وشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر حسبما عرفت.

(١) لأنّها متوقّفة على الملك الحاصل بمجرّد العقد وإن كان خياريّاً ، بناءً على ما هو المعروف المشهور وهو الصحيح من أنّ الخيار المجعول في العقد لا ينافي انتقال الملك ، ولا يتوقّف حصوله على انقضاء زمان الخيار.

نعم ، بناءً على التوقّف المزبور الذي هو مسلك الشيخ الطوسي (قدس

__________________

(١) الكفاية : ٤١٩ ٤٢٢.

٧٥

على المختار من عدم منع الخيار من التصرّف ، فلو اشترى نصاباً من الغنم أو الإبل مثلاً وكان للبائع الخيار ، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه.

______________________________________________________

سره) (١) لا إشكال في عدم الزكاة ما دام الخيار باقياً ، لانتفاء الملك حسب الفرض ، ولا زكاة إلّا في ملك.

لكن المبنى فاسد كما تعرّض له الشيخ الأعظم في المكاسب (٢) ، فإنّ الخيار حقٌّ متعلّقٌ بالعقد يوجب تزلزله وجواز فسخه وإرجاع العين التي انتقلت إلى الطرف الآخر بمجرّد العقد ، كما هو الحال في العقود الجائزة بالذات كالهبة ، فكما أنّ الموهوب له يملك بمجرّد الهبة غاية الأمر أنّ الواهب يجوز له الرجوع ما لم يطرأ ما يقتضي اللزوم من قصد القربة أو كونه ذي رحم ونحو ذلك. فكذا في المقام. نعم ، يفترقان في أنّ الجواز هنا حقّي ، وفي الهبة حكمي لا يكاد يسقط بالإسقاط.

ثمّ إنّه بناءً على حصول الملك ، فهل لمن عليه الخيار أن يتصرّف في المال تصرّفاً مالكيّاً من بيعٍ أو هبةٍ أو وقفٍ ونحو ذلك ، أم لا؟ فيه كلام.

والصحيح كما اختاره في المتن أنّه لا مانع من ذلك ما لم يشترط خلافه كما تعرّضنا له في بحث المكاسب ، فإنّ الخيار متعلّق بالعقد ، ولذا فسّروه بملك فسخ العقد ، ولا تعلّق له بالعين لتكون متعلّقاً لحقّ ذي الخيار ، غاية الأمر أنّه بعد الفسخ إن كانت العين موجودة استردّها الفاسخ ، وإلّا انتقل إلى البدل من

__________________

(١) لاحظ الجواهر ١٥ : ٣٩.

(٢) المكاسب (الخيارات) : ٢١٤ ٢١٥.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مثلٍ أو قيمة.

وعلى هذا ، فلا مانع من تعلّق الزكاة من هذه الناحية أيضاً ، فإنّه ملكٌ طلق يجوز التصرّف فيه ، فتعلّق الخيار بالعقد الواقع على المال الزكوي لا يمنع عن تعلّق الزكاة بوجه.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ بعض أقسام الخيار له نحو تعلّق بالعين ، وهو الخيار المشروط بردّ الثمن ، فيشترط عند البيع أنّه متى جاء بالثمن كان له الفسخ ، ويقال له : بيع الخيار ، الذي هو متعارف حتى في العصر الحاضر ، فإنّ مثل هذا البيع مشروطٌ بحسب الارتكاز بالتحفّظ على العين وعدم التصرّف فيها ، ليتمكّن ذو الخيار من استردادها خلال تلك المدّة المضروبة والأجل المعيّن لو اختار الفسخ وردّ الثمن ، فليس له التصرّف الاعتباري من بيعٍ أو نحوه ، بل يلزمه الإبقاء إلى زمان الانقضاء.

فحينئذٍ يمكن أن يقال : إنّ الملك قاصر ، لكون العين متعلّقاً لحقّ الغير ، كما كان كذلك في حقّ الرهانة ، ولا زكاة في الملكيّة القاصرة كما تقدّم (١).

ويندفع بما أسلفناك في منذور الصدقة (٢) من أنّ الحكم التكليفي المحض لا يستوجب قصراً في الملك ولا نقصاً في الوضع والسيطرة على العين ، بل غايته العصيان لو خالف لا البطلان ، فلو باع المنذور صحّ البيع وإن كان آثماً ، لعدم كون العين المنذورة متعلّقاً لحقّ الفقير ولا لحقّ الله ليمنع عن التصرّف.

وإنّما يتحقّق القصر في مثل الوقف ، حيث لا سلطنة للموقوف عليه على

__________________

(١) في ص ٣٣ ٣٤.

(٢) في ص ٤٢.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الرقبة ليتمكّن من بيعها ، وملكيّته لها محدودة بالانتفاع بها من الأوّل ، ولذا لو مات لا يورث ، بل يتلقّاها البطن اللاحق من نفس الواقف لا بإرث من السابق.

وكذلك الحال في العين المرهونة ، فإنّها وثيقة وتحت سيطرة المرتهن ، وله منع الراهن عن التصرّف فيها ، بل لا يسوغ تصرّفه إلّا بإذنه ، وهذا يستتبع بطبيعة الحال حقّا للمرتهن متعلّقاً بشخص العين ، المستلزم لقصر الملك ونقصه.

وهذا بخلاف المقام ، ضرورة أنّ الشرط الارتكازي المزبور المتعلّق بالمحافظة على العين لا يتضمّن إلّا الحكم التكليفي بوجوب الإبقاء ، وإلّا فالعين تحت يد المشتري وفي قبضته وتصرّفه ، فإنّها ملكه وليس لذي الخيار منعه ولا أخذه منه بغير إذنه ، ولو مات المشتري انتقل إلى وارثه. فجميع أحكام الملك الطلق متحقّق ، غايته أنّه محكومٌ شرعاً بأن لا يخرجه من ملكه بناقلٍ من بيعٍ أو هبة ونحو ذلك ، وهذا كما عرفت حكم تكليفي لا يترتّب على مخالفته سوى العصيان ، وإلّا فالبيع صحيحٌ صادر من أهله في محلّه ، فلو فسخ ذو الخيار بعد أن ردّ الثمن : فإن كانت العين موجودة استردّها ، وإن كانت تالفة بتلفٍ حقيقي أو اعتباري انتقل إلى البدل من المثل أو القيمة ، كما هو الشأن في سائر موارد الخيار.

وبالجملة : فلم يثبت حقّ في المقام متعلّق بالعين ليمنع عن التصرّف كي لا تثبت الزكاة. وعليه ، فلو اشترى كمّيّة من الشياه بالغة حدّ النصاب في بيعٍ مشروطٍ بردّ الثمن وحال عليها الحول ، وجبت الزكاة فيها ، ولا يكون الخيار المزبور مانعاً عنها ، فإنّه كما عرفت ملك فسخ العقد ، فهو متعلّق بالعقد ولا يوجب حقّا في العين بوجه.

٧٨

[٢٦١٩] مسألة ٧ : إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد (١) ، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً.

[٢٦٢٠] مسألة ٨ : لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّاً أو خاصّاً (٢).

______________________________________________________

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال ، ووجهه ظاهر ، كما سيجي‌ء تفصيله إن شاء الله تعالى في المسألة الثالثة من فصل زكاة الأنعام عند تعرّض الماتن له (١).

وملخّصه : أنّ الحكم بوجوب الزكاة كسائر الأحكام انحلاليٌّ متوجّهٌ إلى آحاد المكلّفين ، كما هو ظاهر قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (٢) ، فإذا ضممنا ذلك إلى أدلّة اشتراط النصاب يظهر بوضوح أنّ اللازم مراعاة النصاب في حصّة كلّ مكلّف بخصوصه لا بضميمة غيره ، وإلّا لوجبت الزكاة فيمن ملك درهماً واحداً ، لأنّه بضميمة دراهم غيره يبلغ حدّ النصاب ، فيلغو اعتباره. وهو كما ترى.

وقد صرّح في بعض النصوص : إنّ من ملك تسعة عشر ديناراً ودرهماً لا تجب عليه الزكاة ، لكونها دون النصاب (٣).

(٢) تقدّم أنّ من شرائط الزكاة : الملك (٤) ، وأن يكون الملك طلقاً ، أي

__________________

(١) في ص ١٧٥.

(٢) التوبة ٩ : ١٠٣.

(٣) الوسائل ٩ : ١٥٠ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٥ ح ١.

(٤) في ص ٢٩.

٧٩

ولا تجب في نماء (١) الوقف العامّ (*) ، وأمّا في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب :

______________________________________________________

متمكّناً من تمام التصرّف. وعليه ، فلا زكاة في العين الموقوفة ، من غير فرقٍ بين الوقف العامّ أو الخاصّ ، فإنّ الوقف وإن تضمّن الملك لكن الموقوف عليه ليست له سلطنة على العين إلّا بمقدار الانتفاع منها ، وليس له التصرّف الصادر عن المالك بما هو مالك من بيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك ، ولا يكاد يورث ، بل يتلقّاها البطن اللّاحق من الواقف لا من السابق ، فيعتبر فيه الوقوف والسكون ، ومن هنا فُسِّر بأنّه : تحبيس العين وتسبيل المنفعة ، فلا جرم كانت الملكيّة قاصرة غير تامّة ، ومثلها لا زكاة فيها كما مرّ (١).

هذا كلّه في نفس العين.

(١) وأمّا نماء العين الموقوفة :

فتارةً : يوقف للصرف في جهة معيّنة ، كما لو أوقف البستان ليصرف نخيله في سبيل الله أو في تعزية الحسين (عليه السلام) ونحو ذلك ، ولا شكّ هنا في عدم الزكاة ، فإنّ الجهة وإن كانت مالكة إلّا أنّها غير مكلّفة بشي‌ءٍ كما هو واضح.

وأُخرى : يوقفه على عنوان عامّ ، كالفقراء أو العلماء ، ولا زكاة هنا أيضاً ، لأنّ الموقوف عليه حينئذٍ هو كلّي الفقراء مثلاً فالمالك هو هذا العنوان الكلّي ، ولا زكاة إلّا فيما ملكه آحاد المكلّفين وأشخاصهم ، كما هو ظاهر قوله تعالى :

__________________

(*) المراد به الوقف على العنوان كالفقراء أو العلماء أو ما شاكل ذلك.

(١) في ص ٣٧ ٣٨.

٨٠