موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ فيه : أنّ الفرار عن الزكاة بالاحتيال الشرعي غير عزيز ولا محذور فيه كما في تسبيك النقدين ، على أنّ تلك الحيل مهما كثرت لا تكاد تقوى على إفناء التمر كي تنعدم حصّة الفقير كما لا يخفى.

مع أنّ الاحتيال المزبور قلّما يتحقّق خارجاً ، لاستلزامه تضييع المال وإتلافه وتنقيص القيمة ، فيتضرّر المالك أكثر من المقدار الواجب في الزكاة ، لأنّه لو تحفّظ عليه إلى أن يصير تمراً أو زبيباً ثمّ أدّى زكاته كان نفعه أعظم من الاحتيال المزبور الموجب لتنقيص المال بطبيعة الحال ، فيشبه الفرار من المطر إلى الميزاب كما لا يخفى.

كما أنّ التسبيك في النقدين أيضاً يستلزم نوعاً من الإتلاف والتنقيص.

ومثله الاستدلال بصحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديثٍ قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص» (١) ، فإنّ وقت الخرص حين بدو الصلاح لا زمان التسمية ، فيكشف عن تعلّق الوجوب آن ذاك.

ولكنّه واضح الفساد ، إذ المفروض في السؤال صدق الحنطة والشعير والتمر والزبيب والبلوغ حدّا ينطبق عليه الاسم ، فلا نظر إلى ما قبل حصول التسمية. وحيث لا معنى لإناطة الوجوب بالصرم أو الخرص الذي هو فعل اختياري للمكلّف فلا محالة يكون المراد التوسعة في وقت الأداء ، وأنّه لا يلزم بالإخراج ساعةً صدق الاسم حتى لو كان ذلك جوف الليل مثلاً ، بل له التأخير إلى زمان الصرم لو أراد الإخراج من نفس العين ، أو الخرص والتخمين لو أراد الأداء من القيمة ، فلا دلالة لها بوجه على تعلّق الوجوب حالة الانعقاد والاشتداد وعند بدو الصلاح.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩٤ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٢ ح ١.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وملخّص الكلام : أنّ مقتضى الجمود على ظواهر النصوص إناطة الوجوب بصدق أسماء المذكورات بحيث يطلق عليه عرفاً أنّه حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب ، فلا وجوب قبل ذلك. ومعه لا مانع من التصرّف ، لعدم كونه متعلّقاً لحقّ الفقير ، فإن قام دليلٌ على تعلّق الوجوب من ذي قبل يؤخذ به ، وإلّا فلا موجب لرفع اليد عن ظواهر الأدلّة. وقد عرفت عدم ورود دليل على ذلك حتّى رواية ضعيفة.

نعم ، في خصوص الزبيب وردت روايات دلّت على تعلّق الوجوب منذ اتّصافه بكونه عنباً فيما إذا بلغ النصاب حال صيرورته زبيباً ، فيكون الاعتبار في الوجوب بحال العنبيّة ، وفي النصاب بحال الزبيبيّة ، وبذلك يفترق الزبيب عن سائر الغلّات. ولأجله فصّل الماتن بينهما ، حيث جعل المناط في الزبيب بصدق اسم العنب ، وفيما عداه بصدق أسمائها من الحنطة والشعير والتمر.

وهذه الروايات عمدتها ثلاثة وكلّها معتبرة :

إحداها : صحيحة سعد بن سعد ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن العنب ، هل عليه زكاة؟ أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ «قال : نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» (١).

فإنّ ظاهرها رجوع قوله «نعم» إلى الصدر الذي هو عقد إيجابي ، دون الذيل الذي هو في حكم العقد السلبي كما لا يخفى ، ومقتضاه تعلّق الزكاة من لدن كونه عنباً الذي هو شي‌ءٌ مؤكل.

الثانية : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩٥ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٢ ح ٢.

٣٢٢

[٢٦٥٩] مسألة ٢ : وقت تعلّق الزكاة وإن كان ما ذكر على الخلاف السالف ، إلّا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات (١) ، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف واليبس فلا زكاة.

______________________________________________________

أوساق زبيباً» (١).

الثالثة : معتبرة عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيباً» (٢).

وهذه معتبرة ، فإنّ محمّد بن عبد الله بن زرارة الواقع في السند ثقة على الأظهر وإن ناقش فيه الشهيد الثاني ورماه بالجهالة (٣).

والمراد بالصدقة في الأخيرتين : الزكاة ، وبالنخل : ثمره الذي هو التمر ولو بقرينة سائر الأخبار كما هو ظاهر.

فتحصّل : أنّ ما اختاره الماتن هو الأقوى وإن كان القول المشهور أحوط ، بل الأحوط منه مراعاة أحوط القولين حسبما عرفت.

(١) إجماعاً ، مضافاً إلى ورود النصّ في العنب كما مرّ.

ويدلّ على الحكم قبل الإجماع تحديد النصاب في الغلّات في لسان الروايات بالأوساق والأصواع التي هي من الأكيال ، إذ لا يعدّ شي‌ءٌ من المذكورات من المكيل إلّا بعد اليبس والجفاف وقبله يباع خرصاً أو وزناً ، ولم يعهد ببيع مثل العنب والرطب كيلاً ، فلأجل هذه القرينة القطعيّة يعلم بأنّ المناط في النصاب

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٧٧ / أبواب زكاة الغلّات ب ١ ح ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ١٧٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ١ ح ١١.

(٣) تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : ٢١.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بمراعاة حال اليبس ، فهذا هو المستند دون الإجماع كما لا يخفى.

بقي شي‌ءٌ لا بدّ من التنبيه عليه ، وهو أنّ النصوص قد تضمّنت تحديد النصاب بالكيل وأنّه خمسة أوسق ، وكلّ وسق ستّون صاعاً كما تقدّم (١).

وقد عرفت أنّهم ذكروا لدى تطبيق الكيل على الوزن : أنّ كلّ صاع تسعة أرطال عراقيّة أو ستّة مدنيّة واثني عشر مكّيّة ، وأنّ العامّة أيضاً يرون ذلك وإن ذكر بعضهم أنّ الصاع خمسة أرطال وثلثي الرطل ، الذي يريد به ظاهراً الرطل المدني ، فيكون قريباً ممّا ذكر ، لكون الاختلاف جزئيّاً وهو الثلث وإن كان فاحشاً في المجموع.

وأنّهم ذكروا أيضاً : أنّ كلّ رطل مائة وثلاثون درهماً ، على خلافٍ بينهم وبين العلّامة ، وأنّ كلّ عشرة دراهم خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع حسبما تقدّم كل ذلك مستقصى (٢).

إلّا أنّ الظاهر أنّ تطبيق الكيل على الوزن على نحو الكلّيّة والاطّراد بأن يقال : إنّ كذا كيلاً يعادل كذا وزناً أمرٌ لا ينضبط ، بل لا يكاد يتيسّر خارجاً ، لاختلاف الأجسام خفّةً وثقلاً وإن تساوت حجماً ، فالصاع من التراب أو الجصّ ولا سيّما الرمل أثقل وأكثر وزناً من الصاع من الحنطة بالضرورة وإن تساويا في الحجم ، بل أنّ نفس الحنطة والشعير مختلفتان وتتفاوتان بمقدار الثلث تقريباً ، فلو فرضنا مكيالاً معيّناً كلنا به الحنطة ثمّ كلنا الشعير بنفس المكيال ثمّ وزنّاهما كانت الحنطة أكثر وزناً بما يقرب من الثلث كما شاهدناه عياناً.

وأوضح حالاً مقايسة التمر مع الحنطة مثلاً ، فإنّ الأوّل أخفّ وزناً ، لما بين

__________________

(١) في ص ٣١٣.

(٢) في ص ٣١٦.

٣٢٤

[٢٦٦٠] مسألة ٣ : في مثل البربن وشبهه من الدَّقَل الذي يؤكل رطباً ، وإذا لم يؤكل إلى أن يجف يقلّ تمرة أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضاً المدار فيه على تقديره يابساً ، وتتعلّق به الزكاة إذا كان بقدرٍ يبلغ النصاب بعد جفافه (*) (١).

______________________________________________________

أفراده من الخلل والفرج الناشئ من أطوليّة التمر من حبّة الحنطة ، فلا يستوعب فضاء المكيال مثل ما يستوعبه من حبّات الحنطة ، والمفروض أنّ المكيال في جميع الغلّات شي‌ءٌ واحد.

وعلى الجملة : فتطبيق الكيل على الوزن على نحو يطّرد في الغلّات الأربع بنسقٍ واحد غير ممكن ، وقد عرفت خلوّ النصوص المعتبرة عن التعرّض للوزن ولم يرد فيها إلّا التحديد بالكيل ، أعني : خمسة أوسق المعادلة لثلاثمائة صاعاً.

وعليه ، فإن أحرزنا أنّ الكمّية الموجودة من الغلّات بالغة هذا المقدار من الصاع بالصاع المتعارف في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقد أحرزنا النصاب ، وإلّا فمع الشكّ بما أنّ الشبهة موضوعيّة كان المرجع أصالة البراءة.

(١) تعرّض (قدس سره) لبعض أقسام التمر ممّا تعارف أكله رطباً كالبربن ، بل وبعضها بسراً ، ولا ينتظر حالة الجفاف إمّا لأنّه يقلّ تمره عندئذ ، أو لا يصدق عليه اسم التمر بوجه ، بل هو بمثابة خشبة يابسة لا تصرف إلّا للوقود أو لأكل الحيوانات ، فلا ينتفع به إمّا أصلاً أو إلّا نادراً.

فذكر (قدس سره) أنّ الاعتبار في مثل ذلك أيضاً بحال اليبس فإن ثبت بالخرص أنّه لو قُدِّر جافّاً يبلغ حدّ النصاب تعلّقت به الزكاة ، وإلّا فلا.

ولكنّك خبيرٌ بأنّ هذا لا يستقيم على ما بنى (قدس سره) عليه وقوّيناه من

__________________

(*) هذه المسألة والمسألتان بعدها مبنيّة على مسلك المشهور في وقت تعلّق الزكاة.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الإناطة بالتسمية وعدم تعلّق الزكاة قبل صدق اسم التمر ، فإن لازم ذلك إنكار الزكاة هنا رأساً إلّا فيما صدق عليه الاسم ، فبعد الصدق يجب لو كان بالغاً حدّ النصاب ، وقبله لا وجوب أصلاً.

وذلك لأنّه حال كونه رطباً أو بسراً لا وجوب على الفرض ، وبعد الجفاف لا يطلق عليه التمر ، فلا يتّصف بعنوان التمريّة في شي‌ءٍ من الحالات ، ولا زكاة إلّا في التمر ، لا في الرطب أو الخشب ، إلّا إذا عُدّ حينئذٍ من التمر ولو من القسم الردي‌ء منه حسبما عرفت.

نعم ، يتّجه ما في المتن على المسلك المنسوب إلى المشهور من التعلّق قبل التسمية وحال الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار.

بل يمكن منعه حتّى على هذا المبنى فيما لم يصدق اسم التمر على اليابس منه ، نظراً إلى أنّ التعلّق في هذه الحالات وقبل صدق الاسم لم يثبت إلّا بالإجماع كما ادُّعي ، ومورده ما لو صدق اسم التمر على اليابس منه دون ما لم يصدق ، لحصر الزكاة في الأربع من الغلّات بمقتضى النصوص الحاصرة لها في التسعة ، وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك ، فإنّ المقام مندرج فيما سوى ذلك.

فتحصّل : أنّ الرطب المزبور لا زكاة فيه على المختار. وأمّا على المسلك المشهور فيفصّل بين ما يصدق على يابسه التمر ففيه الزكاة ، وإلّا فلا.

نعم ، لو فرض مثل ذلك في العنب بأن لم ينتفع بالجافّ منه ولم يطلق عليه اسم الزبيب ، تعلّقت به الزكاة على القولين ، لما عرفت من أنّ العبرة فيه بصدق العنب ، بمقتضى النصوص الخاصّة الواردة فيه ، غير المنافية للنصوص الحاصرة في التسعة التي منها الزبيب ، إذ الزبيب لغةً ليس إلّا العنب الجافّ ، سواء انتفع به وكان من قسم المأكول أم لا.

٣٢٦

[٢٦٦١] مسألة ٤ : إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات (١) بُسراً أو رُطباً أو حِصرِماً أو عنباً بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن وجب عليه ضمان حصّة الفقير،

______________________________________________________

نعم ، تظهر الثمرة بين القولين حال كونه حصرماً ، فإنّه متعلّق للزكاة عندئذٍ على المشهور دون القول المختار حسبما عرفت.

(١) لا ريب في جواز التصرّف في هذه المذكورات بالمقدار المتعارف ممّا جرت السيرة عليه ، كصرفه لنفسه أو أهله أو ضيفه ونحو ذلك ممّا يحتاج إليه ، فإنّه محسوب من المؤن المُستثناة عن تعلّق الزكاة بلا كلام كما سيجي‌ء إن شاء الله (١).

وأمّا الزائد على المقدار المتعارف كبيع الرطب أو الحصرم ونحوه ممّا لا يعدّ من المؤن ، فهل يكون سائغاً؟

لا ينبغي التأمّل في جوازه ، بناءً على المختار من القول بالتسمية ، إذ لم يكن بعدُ متعلّقاً للزكاة ، فله أن يفعل في خالص ماله ما يشاء.

وأمّا على القول المشهور من كون زمان التعلّق عند الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار وإن كان زمان وجوب الأداء عند التصفية أو الاجتذاذ والاقتطاف كما ستعرف فالظاهر هو الجواز أيضاً ، لما سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى من أنّ العين الزكويّة وإن كانت مشتركة بين المالك والفقير إلّا أنّها شركة في الماليّة وللمالك ولاية التطبيق كما أنّ له الإخراج من مالٍ آخر ، وليست بنحو الشركة الحقيقيّة كي لا يجوز التصرّف قبل إخراج حصّة الشريك.

__________________

(١) في ص ٣٥٠.

٣٢٧

كما أنّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذٍ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (١).

______________________________________________________

فالتصرّف في العين جائز على المختار من الشركة في الماليّة ، وكذا على مختار الماتن من كونها بنحو الكلّي في المعيّن إلى أن يبقى مقدار حصّة الفقير.

نعم ، يضمن المالك حصّة الفقير ، بمعنى : أنّ المقدار الذي يتصرّف فيه محسوب من النصاب ولا تسقط الزكاة عنه بالتصرّف ، فيجب عليه أن يدفع العشر أو نصف العشر من مجموع الباقي والتالف ، وهذا من ثمرات الخلاف بين القول بالتسمية والمسلك المنسوب إلى المشهور.

ثمّ إنّ في عبارة الماتن حيث قال : وجب عليه ضمان حصّة الفقير مسامحة ظاهرة ، لعدم كون الضمان الذي هو حكم وضعي متعلّقاً للوجوب الذي هو حكم تكليفي كما هو واضح ، والأولى التعبير باحتساب الزكاة من مجموع الباقي والمقدار المتصرّف فيه حسبما عرفت.

(١) هذا أيضاً مبني على المسلك المشهور من التعلّق حال الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار ، إذ ما دلّ على جواز الإخراج إلى زمان التصفية أو اجتذاذ التمر أو اقتطاف الزبيب خاصّ بما إذا بقي على الشجر إلى أن يصير تمراً أو زبيباً ، وأمّا لو لم يتحفّظ عليه فاقتطفه بسراً أو رطباً أو حصرماً فلا دليل على جواز التأخير حينئذٍ بعد تعلّق الزكاة بها حسب الفرض ، بل ربّما لا تتّصف بعدئذٍ بالتمريّة والزبيبيّة كما قيل.

وأمّا على المختار من القول بالتسمية فلا تجب الزكاة في محلّ الكلام أبداً ، لعدم صدق التمر أو الزبيب على ما اقتطفه من البسر أو الرطب أو الحصرم ، وهذا من ثمرات الخلاف بين القولين.

٣٢٨

[٢٦٦٢] مسألة ٥ : لو كانت الثمرة مخروصة على المالك (١) فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس ، لم يجب عليه القبول ، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسراً أو حصرماً مثلاً فإنّه يجب على الساعي القبول.

______________________________________________________

نعم ، في خصوص العنب تجب الزكاة بعد الاقتطاف ، لكفاية صدق اسم العنب من غير حاجة إلى صدق الزبيب ، بمقتضى النصوص الخاصّة كما تقدّمت (١) ، مع بلوغ اليابس حدّ النصاب كما هو المفروض في المسألة في جميع المذكورات على ما مرّ (٢).

(١) فصّل (قدس سره) فيما لو كانت الثمرة مخروصة على المالك قبل يبسها كما لو كانت بسراً أو حصرماً بين مطالبة الساعي للزكاة ، وبين بذل المالك الزكاة ابتداءً.

ففي الأوّل : لم يجب القبول على المالك ، وهذا واضح ، لما سيأتي في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى من تأخّر وقت الإخراج إلى زمان التصفية أو الاجتذاذ والاقتطاف ، فلم يكن المالك ملزماً بالدفع قبل هذا الزمان ليجب عليه القبول.

وأمّا في الثاني : فيجب على الساعي القبول ، لمشروعيّة الدفع من المالك من لدن زمان التعلّق وحصول الشركة بينه وبين الفقير ، وإن ساغ له التأخير إلى وقت الإخراج إرفاقاً عليه فله التأدية وتفريغ الذمّة خلال هذه المدّة إمّا عيناً أو قيمةً ، ليكون الثمر بتمامه ملكاً طلقاً له ، إذ لا دليل على وجوب حفظ مال الغير أعني : حصّة الفقير وتربيته وتنميته ثمّ التسليم إليه ، فالدفع الصادر منه

__________________

(١) في ص ٣٢٢ ٣٢٣.

(٢) في ص ٣٢٣.

٣٢٩

[٢٦٦٣] مسألة ٦ : وقت الإخراج الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه وإذا أخّرها عنه ضمن ، عند تصفية الغلّة (١) واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلّق.

______________________________________________________

واقع في محلّه فلا محيص للساعي من القبول.

أقول : هذا وجيه على المسلك المشهور من تعلّق الزكاة لدى الانعقاد أو الاصفرار والاحمرار ، دون المسلك المختار من القول بالتسمية ، لعدم صدق اسم التمر والزبيب على البسر والحصرم ، فلم تتعلّق الزكاة بعدُ كي يصحّ فيه البذل.

بل أنّ لازم مقالة المشهور الالتزام بتطرّق الإضرار نوعاً ما بمال الفقير ، ضرورة أنّ قيمة البسر أو الحصرم أقلّ غالباً من قيمة التمر أو العنب ، فلو أدّى الزكاة فعلاً قلّت حصّة الفقير طبعاً ، فيتوجّه الإضرار به قهراً ، ولا يظنّ منهم الالتزام بذلك ، بل لعلّه مقطوع الفساد ، وليكن هذا من موهنات المبنى ، فلاحظ.

(١) قد عرفت الخلاف في وقت التعلّق وأنّه زمان التسمية أو قبل ذلك حسبما مرّ.

وأمّا وقت الإخراج أي الزمان الذي يتعيّن فيه الأداء بحيث لو أخّر عنه ضمن وللساعي حقّ المطالبة فلا خلاف في أنّه متأخّر عنه ، فوقت التعلّق أي زمان حصول الشركة التي هي حكم وضعي شي‌ء ، ووقت الإخراج والأداء الذي هو زمان تعيّن الحكم التكليفي شي‌ء آخر.

فوقت وجوب الزكاة موسّع يمتدّ عن زمان التعلّق إلى أن يتضيّق في وقت الإخراج. وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف كما عرفت.

وأنّه في التمر والزبيب زمان الاجتذاذ والاقتطاف فلا يلزم الإخراج قبل ذلك.

٣٣٠

[٢٦٦٤] مسألة ٧ : يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

[٢٦٦٥] مسألة ٨ : يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو من قيمته.

______________________________________________________

وتدلّ عليه السيرة القطعيّة المتّصلة إلى زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، إذ لم يعهد منه (صلّى الله عليه وآله) ولا ممّن بعده من المتصدّين للأمر إرسال الساعي لمطالبة الزكاة قبل هذا الوقت.

مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى صحيحة سعد بن سعد الأشعري ، قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على صاحبها؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص» (١).

فإنّ زمان الصرم هو زمان الجذّ والقطف ، فلا تجب أي لا تتعيّن الزكاة قبل ذلك.

هذا ، وما في بعض الكلمات من أن وقت الإخراج في التمر هو بعد التيبيس والتشميس والجفاف ، غير واضح ، لعدم الدليل عليه ، فإن كان هناك إجماع كما ادّعي فهو ، وإلّا فالتأخير إلى هذا الوقت خروجٌ عن ظاهر صحيح سعد من غير شاهد.

ونحوه الكلام في الزبيب.

وأمّا في الحنطة والشعير فلا كلام في أنّه بعد التصفية ، فلا تجب قبل ذلك لا عند الحصاد ولا بعده وهو في سنبله.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩٤ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٢ ح ١.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ عليه مضافاً إلى السيرة وصحيحة سعد المتقدّمة نفس الأدلّة المتكفّلة لتحديد النصاب بالكيل أعني : الوسق والصاع ضرورة عدم الاتّصاف بالكيليّة إلّا بعد التصفية.

وتدلّ عليه أيضاً معتبرة أبي مريم الأنصاري الذي هو من أجداد الشيخ الأنصاري (قدس سره) عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في قول الله عزّ وجلّ (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (١) «قال : تعطي المسكين يوم حصادك الضغث ، ثمّ إذا وقع في البيدر ، ثمّ إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر» (٢).

دلّت على أنّ المراد بالحقّ في الآية المباركة الصدقة المستحبّة ، فيعطي للمسكين يوم الحصاد ضغثاً من الحنطة وهي في السنبلة. وأمّا الصدقة الواجبة المكنّى عنها بالعشر ونصف العشر أعني الزكاة فوقتها ما لو وقع في البيدر والصاع ، أي بعد التصفية.

فهي واضحة الدلالة ، كما أنّها معتبرة السند كما عرفت ، فإنّ الحسين بن محمد الذي هو شيخ الكليني ثقة على الأظهر ، وكذلك معلّى بن محمّد وإن قال النجاشي : إنّه مضطرب الحديث (٣). فإنّ الظاهر أنّ المراد به أنّه يروي المناكير وغيرها وعن الضعيف وغيره ، فيحدّث بكل ما سمع ، ولأجله كان حديثه مضطرباً ، أي لم يكن مستقيماً وعلى نسق واحد ، فهذا التعبير لا يوجب قدحاً في الرجل نفسه كي يعارض به التوثيق العامّ المستفاد من وقوعه في إسناد كامل الزيارات.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٤١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٩٦ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٣ ح ٣.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧.

٣٣٢

[٢٦٦٦] مسألة ٩ : يجوز دفع القيمة حتّى من غير النقدين (*) (١) من أيّ جنس كان ، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلاً وتسليمها بتسليم العين إلى الفقير.

[٢٦٦٧] مسألة ١٠ : لا تتكرّر زكاة الغلّات بتكرّر السنين إذا بقيت أحوالاً ، فإذا زكّى الحنطة ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي‌ء ، وكذا التمر وغيره (٢).

______________________________________________________

(١) تقدّم في زكاة الأنعام أنّه لا دليل على هذه الكلّيّة (١) ، فإنّ الشركة وإن كانت في الماليّة دون العين نفسها ومتعلّق حقّ الفقير هو ماليّة العين الزكوية ، إلّا أنّ مقتضاها ليس إلّا التعدّي إلى ما هو متمحّض في القيمة والماليّة من الدراهم والدنانير وما شاكلها من النقود المتمحّضة في الثمنيّة ، إذ ليس للدليل المتكفّل للولاية على التبديل إطلاق يتمسّك به ، بل المتيقّن منه ما عرفت ، فالتعدّي إلى غير النقدين من أيّ جنس كان من الأعيان مشكلٌ فضلاً عن التعدي إلى المنافع كسكنى الدار أو الأعمال كخدمة الفقير أو البناية له مثلاً بما يساوي قيمة الزكاة ، فإنّ هذا كلّه لا دليل عليه كما مرّ فيه الكلام في زكاة الأنعام.

(٢) تحصّل من مطاوي ما تقدّم أنّه يشترط في وجوب الزكاة في الغلّات تملّك الزرع وما أنبتته الأرض قبل وقت التعلّق ، فموضوع الحكم ملكيّة الزرع ، فلو لم يصدق هذا العنوان كما لو اشترى كمّيّة من الحنطة أو الشعير أو التمر والزبيب بعد التصفية أو بعد الاجتذاذ والاقتطاف وبعد أن أدّى البائع زكاته لم تجب على المشتري ، إذ لا يقال : إنّه مالك للزرع وما أنبتته الأرض ، فلا تشمله

__________________

(*) تقدّم الإشكال فيه.

(١) في ص ١٩١ ١٩٣.

٣٣٣

[٢٦٦٨] مسألة ١١ : مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلّات هو العُشر فيما سقي بالماء الجاري أو بماء السماء (١) أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل والشجر بل الزرع أيضاً في بعض الأمكنة ، ونصف العُشر فيما سقي بالدلو والرشاء والنواضح والدوالي ونحوها من العلاجات.

______________________________________________________

الأدلّة ، فلو فرضنا أنّ المالك بنفسه أصبح كذلك كما لو أدّى زكاة الغلّة وبقيت عنده سنة فإنّه لا تجب عليه الزكاة في السنة الآتية ، لما عرفت من عدم صدق كونه مالكاً للزرع عندئذ ، فلا يكون مشمولاً للنصوص.

ومنه تعرف أنّه لا تتكرّر الزكاة بتكرّر السنين ، لعدم الدليل ، ومقتضى الأصل البراءة ، فالحكم مطابق للقاعدة.

مضافاً إلى أنّه مورد للنصّ ، وهو صحيح زرارة وعبيد بن زرارة جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي‌ء وإن حال عليه الحول عنده إلّا أن يحوّل مالاً ، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه وإلّا فلا شي‌ء عليه وإن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه ، فإنّما عليه فيها صدقة العُشر ، فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شي‌ء عليه فيها حتّى يحوّله مالاً ويحول عليه الحول وهو عنده» (١).

(١) ما ذكره (قدس سره) من التفصيل بين السقي بالعلاج كالدلو والنواضح ففيه نصف العشر وبين السقي بغيره كالماء الجاري أو المطر ومصّ العروق ففيه العشر بكامله موردٌ للتسالم والاتّفاق كما ادّعاه غير واحد وإن وقع الكلام في بعض الصغريات كما سنبيّن.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٤٩ / أبواب زكاة الغلّات ب ١١ ح ١.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وتدلّ عليه جملة وافرة من النصوص ، كصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «في الصدقة فيما سقت السماء والأنهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلاً العُشر ، وما سقت السواني والدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر» (١).

وصحيحة زرارة وبكير جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في الزكاة : «ما كان يعالج بالرشاء والدوالي والنضح ففيه نصف العُشر ، وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العُشر كاملاً» ، ونحوهما غيرهما (٢).

فالحكم ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الكلام فيما لو توقّف السقي على شقّ النهر أو حفر العين أو تنظيف المجرى ونحو ذلك من المقدّمات ، فهل يعدّ ذلك من السقي بالعلاج ، أو بدونه؟

الظاهر هو الثاني ، فإنّ المنسبق إلى الذهن من النصوص أنّ التقسيم ملحوظ في نفس السقي لا في مقدّمته ، وبما أنّ السقي بعد الشقّ أو الحفر يكون بطبعه وليس مثل ما بالنواضح والدوالي بحيث يحتاج إلى الاستعانة والعلاج في نفس العمل ، فلا جرم كان السقي المزبور من صغريات غير العلاج ، كما يشهد له التمثيل للسقي من غير علاج في صحيحة زرارة المتقدّمة بالسقي من النهر أو العين ، مع أنّ إطلاقه يشمل ما لو أحدثهما بشقٍّ أو حفرٍ ونبشٍ ونحو ذلك ، فيكشف عن أنّ الاعتبار بنفس السقي لا بمقدّمته كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٨٣ / أبواب زكاة الغلّات ب ٤ ح ٢.

والسانية : الناضحة ، وهي الناقة التي يُستقى عليها الصحاح ٦ : ٢٣٨٤ (سنا).

والغرب : الدلو العظيمة الصحاح ١ : ١٩٣ (غرب).

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٤ / أبواب زكاة الغلّات ب ٤ ح ٥.

٣٣٥

ولو سقي بالأمرين فمع صدق الاشتراك في نصفه العُشر وفي نصفه الآخر نصف العشر ، ومع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (١).

______________________________________________________

(١) ما صنعه (قدس سره) من دوران الحكم مدار الصدق لأحد الأمرين بحيث يندكّ في جنبه الآخر فإن كان فالحكم لما غلب ، وإلّا بحيث اشتركا في الصدق فالتنصيف أحسن ممّا في جملة من الكلمات من التعبير بالتساوي وعدمه ، لعدم الاعتبار بهما كما سنبيّن.

وكيفما كان ، فالحكم المزبور متسالم عليه بينهم من غير خلاف.

ويستفاد ذلك بمتقضى الفهم العرفي من نفس نصوص الباب ، إذ ما من مزرعة تسقى بالعلاج إلّا وتستسقى من ماء السماء وجبة أو وجبتين على الأقلّ إلّا نادراً ، لنزول المطر أيّام الزراعة التي تدوم ثلاثة أو أربعة أشهر مرّة أو مرّتين غالباً ، ومع ذلك فقد حكم في النصوص بأنّ فيه نصف العُشر.

فيظهر من ذلك أنّ السقي القليل المستهلك في جنب السقي بالعلاج لا أثر له ولا يغيّر حكمه ، وإلّا لم يتحقّق مصداق لهذه الكبرى أعني : السقي بالعلاج محضاً أبداً إلّا في غاية الندرة كما عرفت.

ويستفاد من ذلك حكم العكس بمناط واحد ، وأنّه لو كان السقي بماء النهر أو المطر ونحوهما ممّا لم يكن بالعلاج فاتّفق السقي مرّة أو مرّتين بالنواضح أو الدوالي الذي هو مندكّ في جنب ذلك النوع من السقي لا أثر له وملحق بالعدم ، فالحكم طبعاً يتبع لما هو الغالب في الصدق من أحد الأمرين.

وأمّا لو اشتركا في الصدق وتساويا في الإسناد بحيث كان كلّ نوع من السقيين دخيلاً في الإنبات ومؤثّراً في نموّ الزرع ويستند النبت إلى كلّ من النوعين بنسبة واحدة ، فبطبيعة الحال يفهم العرف من نفس الدليلين إعمال كلا

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكمين في مجموع ما تحصّل وتكوّن من السقيين بنسبة واحدة ، وهي المناصفة ، فيكون العُشر في نصف المجموع ونصفه في النصف الآخر ، أي جزء من خمسة عشر جزءاً من المجموع الذي هو متوسّط بين المقدارين ، بل أنّ دقيق النظر يقضي بأن يكون فيه ثلاثة أرباع العُشر الحاصلة من ضمّ العُشر من النصف إلى نصف العُشر من النصف الآخر. فلو فرضنا أنّ مجموع الغلّة أربعون وسقاً كانت زكاته ثلاثة أوسق التي هي ثلاثة أرباع العشر ، لأنّ الأربعين مؤلّف من عشرينين في أحدهما عُشر وهو اثنان ، وفي الآخر نصف العشر وهو واحد فيصير المجموع ثلاثة التي هي ثلاثة أرباع العشر من الأربعين كما نبّه عليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في بعض رسائله العمليّة ومنتخب الرسائل (١) وهذا المقدار كما ترى يقلّ من جزء من خمسة عشر جزءاً بمقدار الثمن ، لأنّ الثلاثة إنّما تكون جزءاً من الخمسة عشر جزءاً إذا كان المجموع خمسة وأربعين ، والمفروض أنّه أربعون ، فينقص خمسة التي هي ثُمن الأربعين.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ المراد بالمساواة : التساوي في الصدق والإسناد ، إذ هو المناط بمقتضى الفهم العرفي المزبور ، دون التساوي في العدد ، فلو كان أحدهما أكثر كما لو سقي عشر مرّات من السماء وتسع مرّات أو ثمانية مثلاً بالدوالي كان الصدق مشتركاً قطعاً والإسناد إليهما معاً ، فيجري ما عرفت من التنصيف ، نظير ما لو اشترك شخصان في قتل ثالث بالسكّين مثلاً بحيث كانت الضربة الصادرة من كلّ منهما دخيلة في القتل بنحو الجزء من العلّة إلّا أنّ ضربات أحدهما كانت أكثر من الآخر ، فإنّ هذه الأكثريّة لا أثر لها ولا توجب اختصاص الإسناد بأحدهما ، بل القتل مستند إليهما معاً بنسبة واحدة بعد كون كلّ منهما جزء من العلّة كما هو المفروض.

وكيفما كان ، فهذا الحكم مطابق للقاعدة حسبما عرفت.

__________________

(١) المسائل المنتخبة : ١٨٢.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المؤيّدة برواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ـ : فقلت له : فالأرض تكون عندنا تُسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء وتُسقى سيحاً «فقال : إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟» قلت : نعم «قال : النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر» إلخ (١).

وهي صريحة في المطلوب ، كما أنّ ذيلها قد تضمّن أنّ السقية أو السقيتين سيحاً خلال ثلاثين أو أربعين ليلة لا أثر له في جنب السقي بالدوالي ستّة أو سبعة أشهر وأنّ فيه نصف العشر كما ذكرناه ، فلاحظ.

غير أنّ السند مخدوش بمعاوية نفسه ، سواء أُريد به معاوية بن ميسرة بن شريح بأن كان شريح جدّه ، أو معاوية بن شريح وكان والده ، إذ لم يوثّق على التقديرين.

ولا أدري لماذا عبّر في الجواهر عن الرواية بالحسنة (٢) ، ولا يخطر بالبال شي‌ء عاجلاً عدا أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير الذي قيل في حقّه أنّه لا يروي إلّا عن الثقة ، ولكنّا أشرنا مراراً إلى ما في هذه الدعوى ، لأنّا عثرنا على روايته عن الضعاف أيضاً ، فلا أساس لهذه الكبرى.

وكيفما كان ، فالرواية ضعيفة ولا تصلح إلّا للتأييد.

وملخّص الكلام في المقام : أنّ الفعل الصادر من شخصين أو المعلول الحاصل من سببين قد يكون مركّباً وأُخرى بسيطاً ، ففي الأوّل كعمارة دار مثلاً يمكن أن يكون استناده إلى الفاعلين مختلفاً حسب اختلافهما في مقدار التصدّي لأجزاء المركّب ، فلو كانت الدار ذات طوابق ثلاثة قد بنى أحدهما طابقاً والآخر طابقين ، يستند ثلث المركّب إلى فاعل والثلثان إلى فاعل آخر.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٨٧ / أبواب زكاة الغلّات ب ٦ ح ١.

(٢) الجواهر ١٥ : ٢٣٨.

٣٣٨

ولو شكّ (١) في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي الأقلّ والأحوط الأكثر.

______________________________________________________

وأمّا لو كان بسيطاً فحيث إنّه غير قابل للتبعيض والتوزيع فلا جرم يستند إلى الشخصين بنسبة واحدة وإن كان التصدّي للمقدّمات في أحدهما أكثر من الآخر ، فلو اشترك شخصان في القتل الذي هو أمر وحداني بسيط استند إليهما معاً وإن طعنه أحدهما بسهم والآخر بسهمين ، فيقتصّ منهما أو تؤخذ الدّية منهما بالمناصفة.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ نموّ الزرع ونبته من الأرض أمر بسيط لا يتجزّأ ولا سبيل في مثله إلى التوزيع ، فلا محالة يستند إلى السقي بالعلاج وبدونه بنسبة واحدة وإن كان العدد في أحدهما أكثر. وعليه ، لا بدّ من التنصيف حسبما عرفت.

(١) للشكّ المزبور صور :

إذ تارةً : يتردّد بين العُشر ونصف العُشر ، للشكّ في أنّ المزرعة هل سقيت بالعلاج أم بدونه ، كما لو لم يعلم بأنّ وكيله مثلاً كيف سقاها ولم يمكن الاستعلام منه لموته فرضاً.

وأُخرى : يتردّد بين العُشر وثلاثة أرباع العُشر ، كما لو علم أنّ نصفها سقي بغير العلاج ولم يدر أنّ النصف الآخر هل سقي بغير العلاج أيضاً ليكون المجموع محكوماً بالعُشر ، أم أنّه سقي بالعلاج ليكون فيه نصف العشر الذي هو بضميمة العشر الثابت في النصف الأوّل يبلغ ثلاثة أرباع العشر في مجموع الغلّة.

وثالثةً : يتردّد بين نصف العشر وثلاثة أرباع العشر ، كما لو علم أنّ نصفها سقي بالعلاج ففيه نصف العشر ولم يدر أنّ النصف الآخر هل سقي كذلك ليتّحد معه في الحكم ، أم أنّه سقي بغير العلاج ليكون فيه العشر البالغ بضميمة ما في

٣٣٩

[٢٦٦٩] مسألة ١٢ : لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي ومع ذلك سقي بها من غير أن يؤثّر (١) في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العُشر ، وكذا لو كان سقيه بالدوالي وسقي بالنهر ونحوه من غير أن يؤثِّر فيه فالواجب نصف العُشر.

[٢٦٧٠] مسألة ١٣ : الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه (٢) ، إلّا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلاً ، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة فحينئذٍ يتبعهما الحكم.

______________________________________________________

النصف السابق ثلاثة أرباع العشر في المجموع.

ورابعةً : يتردّد بين الكل أعني : العشر ونصفه والثلاثة أرباع ، كما لو لم يعلم أنّ المزرعة هل سقيت كلّها بالعلاج أم كلّها بغير العلاج ، أم نصفه بالعلاج ونصفه بغيره ليجب نصف العشر في الأوّل والعشر في الثاني وثلاثة أرباع العشر في الثالث.

والحكم في جميع هذه الصور ما ذكره في المتن من الاقتصار على الأقلّ الذي هو المتيقّن ، والرجوع في الزائد المشكوك إلى استصحاب بقاء الملك الذي كان ثابتاً يقيناً قبل تعلّق الزكاة ، على الخلاف المتقدّم في وقت التعلّق من كونه الانعقاد والاشتداد أو التسمية ، فإنّ المتيقّن خروجه عن الملك لدى التعلّق هو الأقلّ ، فيرجع فيما عداه إلى استصحاب الحالة السابقة أعني : عدم الخروج عن الملك ومع الغضّ عنه فأصالة البراءة وإن كان الأكثر أحوط.

(١) لأنّ المنسبق من النصوص خصوص السقي المؤثّر في زيادة النمو وما يحتاج إليه الزرع ، لا مطلق السقي كيفما اتّفق كما هو واضح.

(٢) كيف؟! وإلّا لم يبق مصداق للسقي بالدوالي ، لعدم خلوّ المزارع عن هذه

٣٤٠