موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٦٥٥] مسألة ٨ : لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة ،

______________________________________________________

ولكن الظاهر جواز الاقتصار على الأقلّ قيمةً وهو الفضّة ، فإنّ الزكاة وإن كانت حقّا متعلّقاً بشخص العين الخارجيّة إلّا أنّها على سبيل الشركة في الماليّة ، وللمالك ولاية التبديل والإخراج من غير العين بعنوان القيمة ، فهو مخيّر بين الأمرين أي دفع العين والقيمة فالحقّ وإن كان متعلّقاً بالعين إلّا أنّ الواجب هو الجامع بين الأمرين ، وبما أنّ القيمة التي هي عدل الواجب التخييري مردّدة بين الأقلّ والأكثر لتردّدها بين قيمة الذهب التي هي أكثر ، والفضّة التي هي أقلّ فلا علم باشتغال الذمّة إلّا بالمقدار المتيقّن ، وهو الأقلّ ، وأمّا الزائد عليه فتعلّق التكليف به مشكوك من أوّل الأمر ، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة ، فيكون المقام مثل ما لو لم يكن عنده من أوّل الأمر إلّا مقدار النصاب وكان مردّداً بين الذهب والفضّة الذي يقتصر فيه على الأقلّ قيمةً ويدفع الزائد بأصالة البراءة.

فما ذكره في المتن من لزوم دفع الأكثر عملاً بالعلم الإجمالي مبنيٌّ على قصر النظر على ما في العين ، الذي هو دائر بين المتباينين أعني : نفس الذهب والفضّة ولا مناص حينئذٍ من الاحتياط رعايةً لتنجيز العلم الإجمالي كما أفاده (قدس سره) ، وأمّا بملاحظة القيمة وجواز دفعها بدلاً عن العين الموجب لقلب التكليف من التعييني إلى التخييري وتعلّقه بالجامع بينهما ، فالواجب حينئذٍ دائر بين الأقلّ والأكثر باعتبار تردّد القيمة بينهما ، المحكوم بلزوم الاقتصار على الأقلّ ودفع الزائد بالأصل ، لا أنّه دائر بين المتباينين ليجب الاحتياط ، فإخراج الأكثر مبنيٌّ على الاحتياط الاستحبابي.

٣٠١

وعلم أنّ الغش ثلثها (١) مثلاً على التساوي في أفرادها يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص ، وأن يخرج سبعة ونصف من المغشوش.

وأمّا إذا كان الغشّ بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع لا على التساوي فيها فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة : إمّا بإخراج الخالص ، وإمّا بوجهٍ آخر.

______________________________________________________

(١) فبما أنّ الثلثين الباقيين فضّة خالصة بالغة حدّ النصاب فتجب زكاتها وهي خمس دراهم ، بناءً على تعلّق الزكاة بمثل هذه الدراهم بملاحظة ما فيها من خالص النقدين كما عليه الماتن (قدس سره) ، وحينئذٍ فإن أدّى الزكاة من الخارج أي من الدراهم الخالصة فلا كلام.

وأمّا لو أراد الأداء من نفس العين المغشوشة :

فإن كان الغشّ في الدراهم على التساوي وبنسبة واحدة أي كان المزيج في كلّ درهم بمقدار الثلث أجزأه دفع سبعة دراهم ونصف ، لأنّ نسبتها إلى الثلاثمائة نسبة الخمسة إلى المائتين ، أي الواحد إلى الأربعين.

وأمّا لو كانت الدراهم مختلفة الغشّ ، فكان المزيج في بعضها ثلثاً وفي بعضها ربعاً أو نصفاً أو خمساً وهكذا ، فليس له حينئذٍ دفع سبعة ونصف ، لجواز كونها أكثر غشّاً ، الموجب لعدم تساويها مع خمسة دراهم خالصة ، بل اللازم الدفع بوجهٍ آخر ، أي بمقدارٍ يقطع باشتماله على خمسة خالصة ، تحصيلاً للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم ، لرجوع الشكّ حينئذٍ إلى مرحلة الامتثال بعد القطع بالاشتغال.

هذا ، ولكنّ الظاهر جواز دفع سبعة دراهم ونصف حتى في فرض الاختلاف

٣٠٢

[٢٦٥٦] مسألة ٩ : إذا ترك نفقة لأهله ممّا يتعلّق به الزكاة ، وغاب وبقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب ، لم تجب عليه (١) ، إلّا إذا كان متمكّناً من التصرّف فيه طول الحول مع كونه غائباً.

______________________________________________________

وعدم التساوي فيما إذا دفعها بعنوان القيمة وكانت قيمتها مساوية مع خمسة دراهم خالصة ، ولو لأجل السكّة التي تتّصف الدراهم المغشوشة بها ، وإن كان وزنها أقلّ من الخمسة الخالصة ، إذ الاعتبار في التقويم بالماليّة لا بالكمّيّة.

(١) كما هو المشهور ، ولم يُنسَب الخلاف إلّا إلى ابن إدريس ، حيث لم يفرّق في الوجوب بين الغيبة والحضور (١).

وتشهد للمشهور روايات ، منها : موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) ، قال : قلت له : رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين ، عليها زكاة؟ «قال : إن كان شاهداً فعليه زكاة ، وإن كان غائباً فليس عليه زكاة» (٢) ، ونحوها مرسلة ابن أبي عمير (٣) ورواية أبي بصير (٤).

وقد ناقش في إسنادها صاحب المدارك ورماها بالضعف (٥). وهو وجيهٌ بناءً على مسلكه من تخصيص الحجّيّة بالصحيح الأعلائي ، أي ما كان راويه عدلاً إماميّاً ، فإنّ إسحاق فطحي وإن كان موثّقاً ، بل من أجلّاء الثقات.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٤٧.

(٢) الوسائل ٩ : ١٧٢ / أبواب الزكاة الذهب والفضّة ب ١٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ١٧٣ / أبواب الزكاة الذهب والفضّة ب ١٧ ح ٢.

(٤) الوسائل ٩ : ١٧٣ / أبواب الزكاة الذهب والفضّة ب ١٧ ح ٣.

(٥) المدارك ٥ : ١٢٦.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بناءً على المشهور المنصور من عدم اعتبار العدالة والاكتفاء في الحجّيّة بمطلق الوثاقة ، فالتشكيك في السند في غير محلّه.

وإنّما الكلام في الدلالة ، فنقول : لا ينبغي التأمّل بحسب الفهم العرفي في أنّ الشبهة المنقدحة في ذهن السائل الباعثة له على السؤال ليست هي احتمال أن تكون للغيبة بما هي غيبة خصوصيّة في سقوط الزكاة لكي يكون تعلّقها منوطاً بالحضور ، ضرورة أنّ هذين الوصفين بما هما لا علاقة بينهما وبين الزكاة نفياً ولا إثباتاً كما هو واضح ، كما لا يحتمل أن يكون للمصرف الخاصّ أي الإنفاق على العيال ، الذي هو مورد هذه الروايات خصوصيّةٌ في هذا الحكم بحيث لو كان بدل ذلك مصرفٌ آخر كما لو عيّنه لشراء الدار أو الكتب أو الزواج ونحو ذلك لم يثبت الحكم ، فشي‌ء من الغيبة والإنفاق لا مدخل لهما بحسب الفهم العرفي في تعلّق الحكم بتاتاً.

بل الذي دعا الراوي على السؤال هو كون المالك منقطعاً عن ماله غير متمكّن من التصرّف فيه طول الحول ولو كان ذلك مستنداً إلى اختياره بترك النفقة عند الأهل واختيار السفر ، فإنّ الذي يسافر سفراً طويل المدّة ولا سيّما في الأزمنة السابقة التي لم تحدث فيها الطائرات ولا وسائل المخابرات ممّا هو دارج في هذا العصر كأنه منقطعٌ عن ماله ، خارجٌ عن تحت سلطنته ، غير متمكّن من التصرّف فيه ، فلم يكن ماله عنده.

وعليه ، فيكون مفاد هذه النصوص مساوقاً لما دلّت عليه الروايات الكثيرة التي تقدّمت في محلّها من اشتراط التمكّن من التصرّف في تعلّق الزكاة وأن يكون المال عنده وتحت تصرّفه في تمام الحول ، ولا تتضمّن حكماً جديداً مخالفاً لمقتضى القواعد.

٣٠٤

[٢٦٥٧] مسألة ١٠ : إذا كان عنده أموالٌ زكويّة من أجناس مختلفة ، وكان كلّها أو بعضها أقلّ من النصاب ، فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر (١) ، مثلاً : إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً ، ومائة وتسعون درهماً ، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم ، ولا العكس.

______________________________________________________

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال ، بل هو مورد للإجماع على ما ادّعاه غير واحد.

ويدلّ عليه مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على اعتبار النصاب في كلّ جنس ، المقتضي لعدم الاجتزاء بالناقص وإن بلغ النصاب بالضمّ ، فالحكم مطابق للقاعدة ، لعدم الدليل على كفاية الضمّ النصوص الخاصّة ، وهي عدّة روايات ، منها : صحيحة زرارة : أنّه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهماً وتسعة عشر ديناراً ، أيزكّيها؟ «فقال : لا ، ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتمّ» (١) ، ونحوها غيرها.

فالحكم واضح لا غبار عليه.

هذا تمام الكلام في زكاة النقدين.

وبه ينتهي ما أردنا إيراده في هذا الجزء ، ويتلوه الجزء الثاني مبتدأً بفصل زكاة الغلّات الأربع إن شاء الله تعالى.

والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٠ / أبواب الزكاة الذهب والفضّة ب ٥ ح ١.

٣٠٥

فصل

في زكاة الغلّات الأربع

وهي كما عرفتَ : الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وفي إلحاق السُّلت الذي هو كالشعير في طبعه وبرودته وكالحنطة في ملاسته وعدم القشر له إشكال ، فلا يُترَك الاحتياط فيه ، كالإشكال في العَلَس الذي هو كالحنطة ، بل قيل : إنّه نوع منها في كلّ قشر حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء فلا يُترَك الاحتياط فيه أيضاً.

ولا تجب الزكاة في غيرها ، وإن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن من الحبوب ، كالماش والذّرة والأرز والدُّخن ونحوها ، إلّا الخضر والبقول.

وحكمُ ما يُستحَبّ فيه حكمُ ما يجب فيه في قدر النصاب وكمّية ما يخرج منه وغير ذلك.

______________________________________________________

لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الزكاة في الغلّات الأربع المذكورة في المتن كما دلّت عليه النصوص المستفيضة التي تقدّمت سابقاً (١).

__________________

(١) في ص ١٣٤.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لا إشكال أيضاً في عدم الوجوب فيما عداها ، لما في بعض تلك النصوص من الحصر في التسعة الأنعام الثلاثة ، والغلّات الأربع والنقدين وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك.

وما في بعض النصوص من الأمر بالإخراج ممّا سوى ذلك ممّا تنبته الأرض محمولٌ على الاستحباب أو التقيّة على كلامٍ قد تقدّم (١).

وإنّما الكلام والخلاف في موردين :

أحدهما : السُّلت بالضمّ فالسكون وهو طعام يشبه الشعير في طبعه وبرودته وطعمه وخاصّيّته ، والحنطة في ملاسته وعدم القشر له.

ثانيهما : العَلَس بالتحريك الذي هو كالحنطة ، أو قسم ردي‌ء منه في كلّ كمام حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء ، وتستعمله أهالي باكستان غالباً.

فقد ذهب جمعٌ من الأصحاب منهم الشيخ (قدس سره) (٢) إلى الوجوب.

واختار جماعة آخرون منهم المحقّق في الشرائع (٣) عدم الوجوب ، بل عن كشف الالتباس والمصابيح : نسبته إلى المشهور.

ومنشأ الخلاف : الاختلاف في اندراجهما في مفهوم الحنطة والشعير والخروج عنه ، فقد اختلفت في ذلك كلمات اللغويين.

فيظهر من جماعة منهم : أنّهما ضرب منهما والمفهوم يشملهما ، وأنّ العَلَس نوع من الحنطة ، كما أنّ السّلت نوعٌ من الشعير.

ففي القاموس : السّلت بالضمّ الشعير أو ضربٌ منه. وفيه أيضاً العلس

__________________

(١) في ص ١٣٥ ١٣٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٧.

(٣) الشرائع ١ : ١٨٠.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

محرّكة ـ : ضربٌ من البُرّ يكون حبّتان في قشر وهو طعام صنعاء (١).

ونحوه ما عن الصحاح ونهاية ابن الأثير وغيرهما (٢).

ويظهر من جماعة آخرين : أنّهما خارجان عن الحقيقة ، غير أنّهما يشبهان الحنطة والشعير.

فعن ابن دريد ان السُّلت : حَبٌّ يشبه الشعير (٣).

وعن المغرب : إنّ العَلَس حبّةٌ سوداء إذا أجدب الناس طحنوها وأكلوها (٤).

وقيل : هو مثل البُرّ إلّا أنّه عسر الاستنقاء ، تكون في الكمامة حبّتان.

وعن المحيط : العَلَس : شجرة كالبُرّ (٥).

وعن الفائق : السُّلت : حَبٌّ بين الحنطة والشعير لا قشر له (٦).

هذا ، ولو كان اللغويون متّفقين على المعنى الأوّل لأمكن أن يقال بكشف ذلك عن التوسعة في مفهوم الحنطة والشعير بحيث يشمل هذين الفردين أيضاً.

ولا يُصغى إلى ما ادّعاه المحقّق الهمداني (قدس سره) من منع التعويل على قول اللغويين في مثل المقام ، بزعم أنّ اللغة إنّما يُرجَع إليها في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيتها (٧).

__________________

(١) القاموس ١ : ١٥٠ سلت و ٢ : ٢٣٢ علس.

(٢) الصحاح ١ : ٢٥٣ سلت و ٣ : ٩٥٢ علس ـ ، والنهاية لابن الأثير ٢ : ٣٨٨.

(٣) جمهرة اللغة ١ : ٣٩٨ سلت.

(٤) المغرب ٢ : ٥٥ علس.

(٥) المحيط في اللغة ١ : ٣٦٦ علس.

(٦) لاحظ الفائق في غريب الحديث ٢ : ١٩٢ و ١٩٣ سلت.

(٧) مصباح الفقيه ١٣ : ٣٣٠.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا إشكال هاهنا في تفسير مفهوم السُّلت والعَلَس ، ولا في مفهوم الحنطة والشعير ، فإنّه معروف ومبيّن لدى أهل كلّ لغةٍ بلغته ، فليس الإجمال هنا في مدلول اللّفظ وشرح الاسم الذي بيانه وظيفة أهل اللغة.

وإنّما الإشكال في أنّ الماهيّتين هل هما متّحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف بالحنطة والشعير؟ أم أنّهما متغايرتان بالذات وإن تشابهتا في الصورة وبعض الخواص؟

وقول اللغوي في هذه المرحلة اجتهادٌ منه ولا دليل على حجّيّته ، إذ فيه ما عرفت من أنّ قول اللغوي كاشفٌ عن أنّ المفهوم واسع ، ومدلول اللفظ عامٌّ يشمل الفردين أيضاً وإن كانا خفيّين ، والأفراد الشائعة غير هذين. فليس هذا تحقيقاً منه واجتهاداً ، بل إخبارٌ عن المراد كما في سائر موارد شرح اللفظ.

لكن الذي يهوّن الخطب أنّهم بأنفسهم مختلفون وأقوالهم معارضة بالمثل كما سمعت ، فلا يمكن التعويل عليها لهذه العلّة.

وبالجملة : فلم يتحصّل لدينا شي‌ء من أقوال اللغويّين.

كما أنّ المفهوم بحسب الصدق العرفي أيضاً غير واضح.

ودعوى انصراف الحنطة والشعير عن السُّلت والعَلَس عُهدتها على مدّعيها.

نعم ، الأفراد الشائعة منهما غير هذين ، إلّا أنّ الشيوع والغلبة شي‌ء ، والانصراف شي‌ءٌ آخر ، ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى ، فاللفظ غير بيّن ولا مبيَّن لا لغةً ولا عرفاً.

نعم ، ربّما يستشعر المغايرة من المقابلة بينهما في بعض الأخبار ، حيث تضمّن صحيح ابن مسلم عطف السّلت على الشعير ونحوه غيره (١).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٦٢ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٤.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّه مجرّد استشعار ، ومن الجائز أن يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ، كما في مثل قوله تعالى (فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ) (١) غايته أنّ المعطوف في الآية فردٌ جلي وهنا فردٌ خفي.

وكيفما كان ، فلم يحصل الوثوق من شي‌ءٍ ممّا ذكر بحيث يتناولهما إطلاق الاسم.

إذن تصل النوبة إلى مرحلة الشكّ والرجوع إلى ما تقتضيه الأُصول ، لتضارب الأقوال وعدم وضوح الحال.

وبما أنّنا نشكّ وجداناً في تعلّق الزكاة بما يسمّى بالسلت والعلس زائداً على الأفراد المتيقّنة من الحنطة والشعير ، فيتمسّك في نفيه بأصالة البراءة كما نصّ عليه غير واحد ، منهم المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢).

غير أنّ دقيق النظر يقضي بوجوب الزكاة فيهما وإن شككنا في تناول اسم الحنطة والشعير لهما ، وذلك من أجل أنّ هناك إطلاقاتٌ تضمّنت وجوب الزكاة في كلّ ما يكال ، التي منها صحيحة زرارة : «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ...» إلخ ، ونحوها غيرها ممّا مرّت الإشارة إليها في محلّها (٣).

وقد ورد التقييد عليها بما دلّ على حصر الزكاة في الغلّات الأربعة وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك.

فإنّ هذا المقيّد ينحل إلى عقدين :

عقد إيجابي ، وهو تعلّق الزكاة بالأربعة.

وعقد سلبي ، وهو عدم التعلّق بما سوى ذلك.

__________________

(١) الرّحمن ٥٥ : ٦٨.

(٢) مصباح الفقيه ١٣ : ٣٣١.

(٣) الوسائل ٩ : ٦٣ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٦.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وواضحٌ أنّه لا تقييد بلحاظ العقد الأوّل ، لكونهما متوافقين ، بل لو لم يرد مثل هذا الدليل لكانت الإطلاقات وافية لإثبات تعلّق الزكاة بالغلّات ، لكونها ممّا يكال كما هو ظاهر.

وإنّما التقييد بلحاظ العقد السلبي الذي هو مخالف للمطلقات ، أعني قوله : «عفا عمّا سوى ذلك» ، أي ما سوى الحنطة والشعير وغيرهما من التسعة.

وبما أنّ هذا المفهوم أي مفهوم ما سوى الحنطة والشعير مردّدٌ بين ما يشمل السلت والعلس وما لا يشمل ، نظراً للتردّد في مفهوم الحنطة والشعير ، فهو بطبيعة الحال مجملٌ دائرٌ بين الأقلّ والأكثر ، والمخصّص متّصل حسب الفرض وقد تقرّر في الأُصول أنّ المخصّص المتصل المجمل مفهوماً الدائر بين الأقلّ والأكثر يقتصر في التخصيص به على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عموم العامّ ، لعدم العلم بالخروج عن تحت العموم زائداً على المقدار المعلوم.

وعليه ، فلا مناص من الحكم بوجوب الزكاة في السُّلت والعَلَس ، تمسّكاً بالمطلقات المتقدّمة الناطقة بوجوب الزكاة في كلّ ما يكال ، لعدم العلم بخروجهما عن هذه الإطلاقات زائداً على الأفراد المتيقّنة من الحنطة والشعير.

فتحصّل : أنّا وإن كنّا نصافق الشيخ وجماعة ممّن التزموا بوجوب الزكاة فيهما ، إلّا أنّنا نفارقهم في أنّهم استظهروا شمول لفظي الحنطة والشعير لهما ، ونحن نكتفي بمجرّد الشكّ من غير حاجة إلى الاستظهار المزبور ، الذي هو عريٌّ عن الشاهد حسبما عرفت.

وملخّص الكلام في المقام : أنّه لا ريب ولا خلاف في أنّ السلت والعلس بعنوانهما غير متعلّقين للزكاة ، للاتّفاق على عدم تعلّقها بغير الغلّات الأربع كما مرّ (١).

__________________

(١) في ص ٣٠٧.

٣١١

ويعتبر في وجوب الزكاة في الغلّات أمران :

الأوّل : بلوغ النصاب (١)

______________________________________________________

وإنّما الخلاف في اندراجهما في مفهوم الحنطة والشعير ليتناولهما الخطاب المتعلّق بهما ، فالقائل بالوجوب يدّعي الاندراج ، والقائل بالعدم أمّا يدّعي عدم الاندراج ، أو يكتفي بالشكّ فينكر الوجوب حينئذٍ ، استناداً إلى أصالة البراءة.

وقد عرفت عدم تحقّق شي‌ء من الدعويين ، وإنّا لا نزال في شكّ من الاندراج وعدمه. ومع ذلك فالأقوى هو الوجوب ، نظراً إلى أنّ العمومات المتضمّنة لتعلّق الزكاة بكلّ ما يكال قد خُصِّصت بما دلّ على عدم وجوبها فيما سوى الغلّات الأربع ، وبما أنّ المفروض إجمال مفهومي الحنطة والشعير من حيث الشمول لما يسمّى بالسلت والعلس ، الموجب لدورانه بين الأقل والأكثر ، فبطبيعة الحال يسري هذا النوع من الإجمال إلى عنوان المخصّص أعني مفهوم ما سوى الحنطة والشعير فيكون المقام من صغريات المخصّص المنفصل ، المجمل ، الدائر بين الأقلّ والأكثر ، المحكوم بلزوم الاقتصار فيه على المتيقّن وهو الأقلّ والتعلّق فيما عداه بعموم العامّ كما هو موضّح في محلّه.

ففي المقام يتمسّك بعموم تعلّق الزكاة بكلّ ما يكال في الحكم بوجوبها في السلت والعلس ، للشكّ في خروجهما عن العموم زائداً على المقدار المعلوم ، فتدبّر جيّداً.

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال ، فلا زكاة في غير البالغ حدّ النصاب ، كما نطقت به النصوص المتظافرة ، التي لا يبعد فيها دعوى التواتر الإجمالي ، بل المعنوي ، وقد تضمّنت تحديده بخمسة أوساق ، وأنّ كلّ وسق ستّون صاعاً ، فيكون المجموع ثلاثمائة صاعاً ، وهذا أيضاً ممّا لا خلاف فيه نصّاً وفتوى.

فمن تلك النصوص : صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : ما

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ، والوسق ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة ، ففيه العشر» إلى أن قال : «وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء» إلخ (١) ، ونحوه غيره ، وهو كثير جدّاً فيه الصحيح والموثّق ، فلاحظ.

والظاهر عدم الخلاف في ذلك حتّى من العامّة وإن لم نلاحظ ما عدا كتاب عمدة العدّة لبعض الحنابلة المتضمّن للتصريح بذلك (٢).

نعم ، يظهر من المغني مخالفة أبي حنيفة ومجاهد وأنّهما يريان الزكاة في القليل والكثير ، الراجع إلى إنكار النصاب رأساً وأنّ المشهور بين العامّة هو التحديد بخمسة أوساق كما يراه الأصحاب (٣).

وبإزائها روايات دلّت على خلاف ذلك ، وهي بين ما تدلّ على تعلّق الزكاة بكل ما خرج قليلاً كان أو كثيراً ، الذي مرجعه إلى نفي النصاب رأساً ، كرواية إسحاق بن عمار المتضمّنة لقوله : «زكّ ما خرج منه قليلاً كان أو كثيراً» (٤).

وما تدلّ على التحديد بوسق واحد ، كمرسلة ابن سنان (٥).

وما تدلّ على التحديد بوسقين ، كروايتي يحيى بن القاسم وأبي بصير (٦).

ولكنّها بأجمعها ضعيفة السند أمّا بعلي بن السندي أو بمحمّد بن علي المردّد بين الثقة والضعيف أو بالإرسال ، ما عدا رواية واحدة ، وهي صحيحة الحلبي

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٧٦ / أبواب زكاة الغلّات ب ١ ح ٥.

(٢) العدّة شرح العمدة : ١٣١.

(٣) المغني ٢ : ٥٥٢ ٥٥٣ / ١٨٢٧.

(٤) الوسائل ٩ : ١٨١ / أبواب زكاة الغلّات ب ٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٩ : ١٨١ / أبواب زكاة الغلّات ب ٣ ح ٤.

(٦) الوسائل ٩ : ١٨٠ ، ١٨١ / أبواب زكاة الغلّات ب ٣ ح ١ ، ٣.

٣١٣

وهو بالمنّ الشاهي (١) وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً صيرفيّاً مائة وأربعة وأربعون منّاً إلّا خمسة وأربعين مثقالاً ، وبالمنّ التبريزي الذي هو ألف مثقال مائة وأربعة وثمانون منّاً وربع مَنّ وخمسة وعشرون مثقالاً ، وبحقّة النجف في زماننا سنة ١٣٢٦ وهي تسعمائة وثلاثة وثلاثون مثقالاً صيرفيّاً وثلث مثقال ثمان وزنات وخمس حقق ونصف إلّا ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال ، وبعيار الإسلامبول وهو مائتان وثمانون مثقالاً سبع وعشرون وزنة وعشر حقق وخمسة وثلاثون مثقالاً ،

______________________________________________________

عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر؟ «قال : في ستّين صاعاً» (١) ، فجعل الاعتبار فيها بالوسق الواحد.

وحيث إنّها رواية واحدة شاذّة غير صالحة للمقاومة مع هاتيك النصوص المتظافرة بل المتواترة كما عرفت فلتطرح ويردّ علمها إلى أهله.

ولا بأس بالحمل على الاستحباب بإرادة الثبوت من الوجوب ، حذراً من الطرح ، وجمعاً بين الأخبار الذي هو مهما أمكن أولى.

وأمّا التقيّة فلا سبيل إليها لمجرّد فتوى أبي حنيفة ومجاهد بعد أن كان المشهور بين العامّة موافقتهم معنا حسبما عرفت.

(١) قد عرفت أنّ النصاب بحسب الكيل خمسة أوسق ، التي هي عبارة عن ثلاثمائة صاعاً.

وأمّا تطبيق ذلك على الوزن : فقد ذكر غير واحد من الأصحاب : أنّ الصاع تسعة أرطال عراقيّة ، كما أنّها ستّة مدنيّة ، واثني عشر مكّيّة ، حسبما مرّ التعرّض

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٧٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ١ ح ١٠.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لذلك مستقصًى في مباحث الكرّ (١) ، وذكرنا : أنّ الأصحاب تلقّوا الوزن هكذا يداً بيد وخلفاً عن سلف ، فلا بدّ من تصديقه ، للعناية بشأنه بعد أن كانت الزكاة واجبة في جميع الأعصار والأدوار ، مضافاً إلى التصريح بذلك في بعض النصوص أيضاً وإن كنّا في غنى عن الاستدلال بها كما عرفت.

وذكروا أيضاً : أنّ كلّ رطل يعادل مائة وثلاثين درهماً ، غير أنّ العلّامة ذكر في التحرير : أنّ وزنه مائة وثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع الدرهم (٢) ، ولكنّه سهو من قلمه الشريف ، أو أنّه تبع فيه بعض العامّة كما احتمله بعض الأصحاب.

ويستفاد ذلك من روايتين وإن كانتا ضعيفتين ، ولا حاجة إلى التمسّك بهما بعد أن كان المتلقّى عن الأصحاب يداً بيد وجيلاً بعد جيل هو التحديد بالمائة والثلاثين كما عرفت.

هذا ، وقد ذكروا أيضاً : أنّ كلّ عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع المثقال ، وهذا أيضاً موردٌ للاتّفاق الذي لا بدّ من تصديقه بالبيان المتقدّم.

وعلى هذا ، فالرطل الواحد يحتوي على ثمانية وستّين مثقالاً وربع المثقال ، لأنّ المائة والثلاثين تتضمّن من العشرات ثلاث عشرة مرّة ، فإذا ضربنا هذا الرقم في الخمسة والربع كانت النتيجة ما ذكرناه.

وبما أنّ الصاع الواحد يشتمل على تسعة أرطال عراقيّة ، فهو إذن يتضمّن ستمائة وأربعة عشر مثقالاً صيرفيّاً وربع المثقال ، الحاصلة من ضرب التسعة في الثمانية والستّين مثقالاً وربع المثقال الذي كان هو وزن الرطل الواحد كما عرفت وحينئذٍ فلو ضربنا هذا العدد في الثلاثمائة أصوع التي هي حدّ النصاب كيلاً

__________________

(١) شرح العروة ٢ : ١٥١ ١٥٧.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٦٢ ٦٣.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما تقدّم فإنّ المجموع مائة وأربعة وثمانين ألف مثقال ومائتين وخمسة وسبعين مثقالاً كما هو واضح.

ولمزيد التوضيح لاحظ هذا الفرمول :

حدّ النصاب بحسب المثقال الصيرفي.

وهذا الحدّ هو الأساس في التطبيق على سائر الأوزان من المنّ الشاهي الذي هو ١٢٨٠ مثقالاً ، والمنّ التبريزي الذي هو نصفه في اصطلاحٍ وألف مثقال في اصطلاحٍ آخر ، ولعلّه المسمّى بالعطّاري ، وحقّة النجف التي هي ١٣ ٩٣٣ مثقالاً ، وحقّة الإسلامبول التي هي ٢٨٠ مثقالاً ، وقد حسبناه موزّعاً على هذه الأوزان فوجدنا الحساب كما أثبته في المتن بالضبط.

٣١٦

ولا تجب في الناقص عن النصاب ولو يسيراً (١) ، كما أنّها تجب في الزائد عليه يسيراً كان أو كثيراً (٢).

______________________________________________________

(١) لمنافاته لنفس أدلّة النصاب ، الظاهرة في التحديد ، كما كان هو الحال في النقدين والأنعام.

مضافاً إلى التصريح به في غير واحدٍ من النصوص ، بل لا يجزئ الناقص ولو بلغ بالضمّ إلى جنسٍ آخر حدّ النصاب ، لظهور مثل قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة وبكير : «... وليس في شي‌ء من هذه الأربعة أشياء شي‌ء حتّى تبلغ خمسة أوساق» (١) في اعتبار لحاظ النصاب في كلٍّ من الأجناس الزكويّة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب بحياله ، فلا يكفي الضمّ والتلفيق.

مضافاً إلى التصريح به في صحيحة زرارة الواردة في محلّ الكلام ، قال : قلت لأبي جعفر ولابنه (عليهما السلام) : الرجل تكون له الغلّة الكثيرة من أصنافٍ شتّى ، أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة ، هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ «فقال : لا ، إنّما تجب عليه إذا تمّ ، فكان يجب في كلّ صنف منه الزكاة ، يجب عليه في جميعه في كلّ صنفٍ منه الزكاة» إلخ (٢).

هذا ، ومقتضى إطلاق الأدلّة : عدم الفرق في الناقص عن النصاب بين ما كان النقص يسيراً أو كثيراً كما هو ظاهر.

(٢) لإطلاق الأدلّة ، إذ لا تعرّض فيها للتحديد إلّا من ناحية النقص دون الزيادة ، فمتى بلغ الحدّ وجب إخراج العشر أو نصفه من المجموع ، سواء وقف عليه أم زاد ، فليس للغلّات إلّا نصاب واحد ، على خلاف النقدين والأنعام وهذا النصاب ملحوظٌ بالإضافة إلى الزائد على نحو اللااقتضائيّ بشرط.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٧٧ / أبواب زكاة الغلّات ب ١ ح ٨.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٠ / أبواب زكاة الغلّات ب ٢ ح ١.

٣١٧

الثاني : التملّك بالزراعة فيما يزرع (١) ، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة ، وكذا في الثمرة ، كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلّق ، أو انتقالها إلى ملكه منفردة ، أو مع الشجر قبل وقته.

[٢٦٥٨] مسألة ١ : في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف (٢) ، فالمشهور على أنّه في الحنطة والشعير عند انعقاد حبّهما ، وفي ثمر النخل حين اصفراره واحمراره ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حِصرماً.

______________________________________________________

(١) كما هو واضح ، ضرورة أنّ الخطاب بالزكاة متوجّهٌ إلى الملّاك حال التعلّق ، سواء أكان التملّك بالزراعة أم بالانتقال إلى الملك قبل وقت التعلّق ، فمن لم يكن مالكاً آن ذاك كالذي أخرجه عن ملكه قبل الوقت ببيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك فهو غير مشمول للخطاب ، كما أنّ من عرضت له الملكيّة بعد هذا الوقت خارجٌ أيضاً ، فلو كان حال التعلّق ملكاً لزيد ، فأدّى زكاته ، ثمّ باعه من عمرو ، لم يجب على عمرو ، لتأخّر ملكيّته عن زمان التعلّق ، والمال الواحد لا يزكى في عام مرّتين.

ولعلّ هذا الشرط كان غنيّاً عن التعرّض ، لوضوحه ، بل استدراكه كما لا يخفى.

(٢) اختلفت الأنظار في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات بعد الاتّفاق على أنّ وقت الإخراج إنّما هو عند الحصاد والجذاذ ، أي بعد التصفية على قولين :

فالمنسوب إلى المشهور بل ادُّعي عليه الإجماع ـ : أنّه في الحنطة والشعير عند انعقاد الحبّ واشتداده ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً ، وفي ثمر النخل عند الاصفرار أو الاحمرار. فالاعتبار إنّما هو ببدو الصلاح إمّا بالاشتداد أو بالاصفرار والاحمرار وإن كان الاعتبار في النصاب باليابس منها.

٣١٨

وذهب جماعة إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة والشعير والتمر ، وصدق اسم العنب في الزبيب. وهذا القول لا يخلو عن قوّة وإن كان القول الأوّل أحوط ، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقاً ، إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط.

______________________________________________________

واختار جماعة منهم المحقّق في الشرائع (١) ـ : أنّ المناط صدق الاسم وانطباق العنوان ، فمتى تحقّقت التسمية واندرج في مسمّى الحنطة والشعير والتمر والزبيب تعلّقت به الزكاة ، ولا وجوب قبل ذلك.

واختار الماتن هذا القول وذكر أنّ الأوّل أحوط ، بل الأحوط منه مراعاة أحوط القولين ، إذ قد يكون القول الثاني أحوط ، كما لو كان عند انعقاد الحبّ ملكاً للصغير ، فمات وانتقل إلى الوارث الكبير ، فإنّ الأحوط وجوب الزكاة عليه متى صدق عليه الاسم وإن لم يكن مالكاً حال الانعقاد.

وكما لو ملك نصفين من النصاب بعد الانعقاد بشراءٍ أو إرث ونحوهما ، بحيث لم يكن كلّ منهما مستقلا متعلّقاً للزكاة لكونه دون النصاب ، فإنّ الأحوط أداء الزكاة بعد صدق الاسم.

وهذا القول هو الأقوى ، لتعليق الحكم في لسان الروايات بأجمعها على نفس هذه الأسماء والعناوين ، ولم يرد في شي‌ء منها ولا في رواية ضعيفة الإناطة بما قبل هذه الحالة من بدو الصلاح ونحوه.

ودعوى صدق اسم التمر حال الاحمرار أو الاصفرار والحنطة والشعير حال الانعقاد ، خاطئةٌ جدّاً ، إذ لا يساعدها اللفظ لا لغةً ولا عرفاً ، لتنصيص غير واحد من اللغويّين بأنّ التمر اسمٌ لليابس من ثمر النخل ، بل عن المصباح : أنّه

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨١.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

موردٌ لإجماع اللغات. وفي الصحاح : إنّ ثمر النخل أوّله طلعٌ ثمّ خلالٌ ثمّ بسرٌ ثمّ رطبٌ ثمّ تمر.

وأمّا العرف ، فلا ينبغي التأمّل في انصراف إطلاق أساميها في محاوراتهم وغيرها إلى اليابس منها ، بحيث لا ينسبق من اللفظ غير ذلك.

وكذا الحال في الحنطة والشعير ، فإنّهما لا يعمّان حالة الانعقاد بوجه ، إذ هي مادّة الحنطة والشعير فيها لين يشبه العجين ومقدّمة لتكوّنهما ، وليست فعلاً منهما في شي‌ء.

وعلى الجملة : فالظاهر من اللفظ هو اليابس من المذكورات ولا يعمّ ما قبله من سائر الحالات.

ومع التنزّل فغايته الشكّ ، والمرجع حينئذٍ أصالة البراءة.

ومن المعلوم أنّها حالة الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار لا تعدّ عرفاً من قسم المكيل وإن أمكن كيلها خارجاً ، لجريان الاكتيال في جميع الأجسام ليصحّ التعلّق بإطلاقات ثبوت الزكاة في كلّ ما يكال في صورة الشكّ ، كما كنّا نتمسّك بها في السلت والعلس بالبيان المتقدّم فيهما (١).

والحاصل : أنّ اللفظ إمّا ظاهرٌ في اليابس منها ، أو لا أقلّ من الشكّ ، وليس له ظهورٌ قطّ في الانعقاد أو الاشتداد ، وعلى التقديرين لا وجوب قبل صدق الاسم.

هذا ، ويستدلّ للمشهور بعدّة وجوه مزيّفة لا يرجع غالبها إلى محصّل ، مثل ما ذكروه من أنّ الزكاة لو كانت مقصورة على التمر والزبيب لأدّى ذلك إلى ضياع الزكاة وإتلاف حقّ الفقراء ، لأنّهم كانوا يحتالون بجعل العنب والرطب دبساً وخلّاً ، وكانوا يبيعونها كذلك تفصّياً عن الزكاة.

__________________

(١) في ص ٣٠٦ ٣١٢.

٣٢٠