موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وجب عليه ولا ينفعه الفرار ، بخلاف ما إذا كان ذلك قبل أن يجب عليه أي قبل حلول الحول فإنّه لا شي‌ء عليه منه أي من فراره فهي إذن على خلاف المطلوب أدلّ وتلحق بالطائفة الأُولى الدالّة على السقوط كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن الرواية.

الثالثة : وهي موثّقة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي ، فيه زكاة؟ «قال : لا ، إلّا ما فرّ به من الزكاة» (١).

لوضوح أنّها مطلقة من حيث كون الفرار بعد الحول أم أثنائه ، فتحمل على ما بعد الحول ، بقرينة نصوص الطائفة الأُولى المصرّحة بسقوط الزكاة فيما إذا كان الفرار أثناء الحول.

الرابعة : موثّقة إسحاق بن عمّار : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليه زكاة؟ «فقال : إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» (٢).

وهي مضموناً تقارب سابقتها ، فيجري فيها الجواب المتقدّم من أنّها مطلقة من حيث كون الفرار قبل الحول أم بعده ، فتحمل على ما بعده بقرينة النصوص المتقدّمة النافية للزكاة لو كان الفرار قبله.

وغير خفي أنّ هذه الرواية معتبرة ، لصحّة طريق الشيخ إلى إسحاق بن عمّار المنتهى إلى محمّد بن علي بن محبوب كما ذكره في الفهرست (٣).

نعم ، لم يتعرّض له في المشيخة.

فما في جامع الرواة من أنّ طريق الشيخ إلى إسحاق بن عمّار صحيحٌ في

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٢ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥١ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٥ ح ٣.

(٣) لاحظ الفهرست : ١٥ / ٥٢.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الفهرست والمشيخة (١). سهوٌ من قلمه الشريف ، إذ لم يتعرّض للطريق المزبور في المشيخة.

وقد أكثر الأردبيلي من هذا النوع من الاشتباه ، وقد أحصيناه فبلغ تسعة وثلاثين مورداً ، ذكر فيها أنّ الطريق صحيح في المشيخة والفهرست مع أنّه مذكور في الفهرست فقط ، التي منها طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب ، فإنّه صحيح في الفهرست ، وأمّا في المشيخة فهو وإن كان مذكوراً (٢) إلّا أنّه ليس بصحيح ، لأنّ فيه أحمد بن محمّد بن يحيى ، وفيه كلام.

وبالجملة : فهذه الروايات ما عدا الاولى منها قاصرة الدلالة وإن صحّت أسنادها ، فكيف تكون أقوى وأوضح طريقاً كما ادّعاه السيّد (قدس سره)؟! هذا ، ومع الغضّ عمّا ذكر ، فإن أمكن الجمع بالحمل على الاستحباب كما هو ليس بكلّ البعيد ، نظراً إلى أنّ هذا الجمع وإن ناقشنا فيه سابقاً باعتبار أنّ بين قوله : فيه الزكاة ، و : ليس فيه الزكاة ، تهافتاً في نظر العرف ، فلا يقبل الحمل المزبور ، إلّا أنّه في خصوص المقام غير بعيد ، من أجل التعليل في بعض تلكم النصوص بأنّ ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله ، كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة (٣).

وبالجملة : فإن أمكن هذا الجمع فهو ، وإلّا فقد عرفت فيما مرّ عدم استقامة الحمل على التقيّة.

وعليه ، فبعد تعارض الطائفتين وتساقطهما يرجع إلى إطلاقات أدلّة اعتبار الحول ، التي مقتضاها عدم تعلّق الزكاة فيما لم يمرّ عليه الحول ، سواء أكان ذلك

__________________

(١) جامع الرواة ١ : ٨٢.

(٢) تهذيب الأحكام (المشيخة) ١٠ : ٧٢.

(٣) في ص ٢١٨.

٢٢٢

[٢٦٤١] مسألة ١٠ : إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي‌ء (١) ، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن ، وإن كان بتفريط منه ولو بالتأخير مع التمكّن من الأداء ضمن بالنسبة (*).

نعم ، لو كان أزيد من النصاب وتلف منه شي‌ء مع بقاء النصاب على حاله ، لم ينقص من الزكاة شي‌ء وكان التلف عليه بتمامه مطلقاً على إشكال (**).

______________________________________________________

بقصد الفرار أم بغير ذلك ، ومع الغضّ عن ذلك فالمرجع أصالة البراءة.

(١) تارةً يُفرَض الكلام فيما لو عرض التلف بعد العزل ، وأُخرى قبله.

أمّا الأوّل : فحكمه ظاهر من كون التلف من المالك إن عرض على المعزول عنه ، ومن الزكاة إن عرض على المعزول بشرط عدم التفريط ، وإلّا كان ضامناً ، وسيجي‌ء التعرّض له في كلام الماتن قريباً إن شاء الله تعالى.

والكلام فعلاً متمحّض في الثاني أعني : حكم التلف قبل الإفراز والعزل وهذا قد يفرض فيه عروض التلف على جميع المال الزكوي ، وقد يفرض على مقدارٍ منه ، كشاة واحدة من أربعين شاة.

أمّا الأوّل : فلا ريب أنّ مقتضى القاعدة فيما لو تلف الكلّ بحرقٍ أو غرقٍ أو سرقةٍ ونحوها ولم يكن بتفريط من المالك ولو بالتأخير في الدفع مع وجود المستحقّ هو : عدم الضمان ، على اختلاف المباني في كيفيّة تعلّق الزكاة ، من كونها بنحو الشركة الحقيقيّة أي الإشاعة أو الشركة في الماليّة أو الكلي في

__________________

(*) بمعنى أنّه لا ينقص من الزكاة شي‌ء ، ولا بدّ من أدائها إمّا من العين أو القيمة.

(**) بل بلا إشكال.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المعيّن ، إذ على الأوّل قد تعلّق التلف بالمال المشترك ، وعلى الثاني لا ماليّة ليشترك فيها الفقير ، وعلى الثالث قد تلف مخرج الكلّي.

وعلى الجملة : فالزكاة على التقادير الثلاثة حقٌّ متعلّق بالعين لا موضوع له عند فناء العين وانعدامها غير المستند إلى التفريط حسب الفرض ، فإنّ الزكاة حينئذٍ أمانة شرعيّة في يد المالك ، ومثلها لا ضمان فيها.

نعم ، يتّجه الوجوب على مبنى واحد ، وهو أنّ تعلّقها بالعين من قبيل تعلّق حقّ الرهانة ، فالواجب كلّي في الذمّة ، والعين الخارجيّة وثيقة كما في الرهن لا يجوز التصرّف فيها ما لم تبرأ الذمّة ، إذ على هذا المبنى لم يطرأ التلف على الزكاة ، لأنّ موطنها الذمّة ، ومثله مصون عن التلف.

لكن المبنى المزبور فاسدٌ جدّاً وغير قابل للتصديق بوجه ، لتطابق النصوص طرّاً على أنّ الزكاة كيفما كان حقٌّ متعلّق بالعين الخارجيّة ، فهي الموطن له دون الذمّة ، ونتيجته ما عرفت من عدم الضمان حسبما ذكرناه.

وتؤيّده مرسلة ابن أبي عمير الواردة في مفروض الكلام عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يكون له إبل أو بقر أو غنم فيحول عليه الحول فتموت الإبل والبقر والغنم ويحترق المتاع «قال : ليس عليه شي‌ء» (١).

فإنّها ظاهرة في موت الأنعام أو احتراق المتاع من قبل أنفسها من غير تفريط ، إذ التعبير بالموت والاحتراق ظاهرٌ في ذلك كما لا يخفى ، فلا إطلاق لها يقتضي نفي الضمان ولو مع التفريط ليحتاج إلى التقييد بالإجماع.

وهي دليلٌ على المطلوب ، بناءً على المشهور من أنّ مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد ، وأمّا على المختار من أنّها كمراسيل غيره لا حجّيّة لها فلا تصلح إلّا للتأييد.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ٢.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فالحكم ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، والمسألة موردٌ للإجماع والتسالم.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن مفرّطاً.

أمّا مع التفريط ، فهو ضامن لتمام الزكاة كما هو الحال في سائر موارد التفريط المتعلّق بمال الغير.

وأمّا الثاني أعني : ما لو تلف بعض النصاب كما لو تلف من الأربعين شاة نصفها ـ : فإن لم يكن عن تفريطٍ فلا ضمان على المالك ، بل يقسّط التلف عليهما بالنسبة ، فينقص عن الزكاة في المثال نصف الشاة ، إذ نسبة التلف إلى أحدهما دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجّح ، فلا مناص من التقسيط.

وإن كان بتفريطٍ منه ولو بالتأخير في الأداء مع التمكّن منه ، فقد ذكر في المتن أنّه يضمن بالنسبة ، فإن كان هناك إجماعٌ كما لا يبعد ، وإلّا فلا يتمّ على جميع المباني ، إذ لو بنينا على أنّ تعلّق الزكاة بالعين من قبيل الكلّي في المعيّن كما عليه الماتن لم يطرأ تلف على الزكاة ليحكم بالضمان ، كما لو باع صاعاً من صبرة مشتملة على صياع فتلف بعضها ، فإنّه محسوب من المالك بلا إشكال ، لعدم عروض التلف على الكلّي الذي هو حقّ المشتري ، فيلزم في المقام دفع الزكاة من الباقي.

نعم ، يتّجه ذلك بناءً على الشركة الحقيقيّة أو في الماليّة كما لا يخفى ، ولكن الحكم المزبور موردٌ للإجماع ظاهراً.

هذا كلّه فيما إذا كان الموجود بمقدار النصاب.

وأمّا لو كان أزيد منه وتلف منه شي‌ء مع بقاء النصاب على حاله ، كما لو كان عنده خمسون من الشياه فتلف منها خمسة أو عشرة ، فحينئذٍ كان التلف على المالك ولم ينقص من الزكاة شي‌ء كما ذكره في المتن.

٢٢٥

[٢٦٤٢] مسألة ١١ : إذا ارتدّ الرجل المسلم : فإمّا أن يكون عن ملّة ، أو عن فطرة ، وعلى التقديرين : إمّا أن يكون في أثناء الحول أو بعده (١).

فإن كان بعده وجبت الزكاة سواء كان عن فطرة أو ملّة ، ولكن المتولّي لإخراجها الإمام (عليه السلام) أو نائبه (*).

______________________________________________________

والوجه فيه ما أشرنا إليه فيما مرّ عند التعرّض لدفع الإشكال المعروف في نصاب الغنم ، وملخّصه : أنّ موضوع النصاب وهو أنّ في كلّ أربعين شاة متحقّقٌ في المقام بمقتضى الإطلاق ، لصدقه على الموجود الخارجي ، فيعمّه الحكم.

وبعبارة اخرى : تتألّف الشياه الخمسون في المثال من أربعين وفيها شاة ومن عشرة ولا شي‌ء فيها ، وبما أنّ النصاب أعني : الأربعين ملحوظٌ بنحو الكلّي الطبيعي ، وهو صادق على الموجود الخارجي بعد التلف ، فلا جرم يشمله إطلاق الدليل ، فإنّ كلّيّة النصاب تستدعي سلامته عن التلف بعد وجود مصداقه في الخارج ، ونتيجته احتساب التلف بتمامه على المالك كما ذكرناه.

ومنه تعرف أنّ استشكال الماتن (قدس سره) في غير محلّه ، إذ لم يُعرَف له وجهٌ عدا احتمال كون النصاب الثابت في المجموع المشتمل عليه وعلى الزائد من قبيل الجزء المشاع ، إذ عليه لا وجه لاحتساب التلف من خصوص الزائد ، وقد ظهر جوابه ممّا مرّ ، فلاحظ.

(١) تارةً يفرض الارتداد أثناء الحول ، وأُخرى بعده ، وعلى التقديرين : فإمّا أن يكون عن فطرة أو عن ملّة ، وعلى التقادير : فإمّا أن يكون رجلاً أو امرأة ، فهذه صور لا بدّ من التعرّض لحكمها.

__________________

(*) لا يبعد كون التولية للوارث إذا كان الارتداد عن فطرة.

٢٢٦

وإن كان في أثنائه وكان عن فطرة انقطع الحول ولم تجب الزكاة واستأنف الورثة الحول ، لأنّ تركته تنتقل إلى ورثته.

وإن كان عن ملّة لم ينقطع ووجبت بعد حول الحول ، لكن المتولّي الإمام (عليه السلام) أو نائبه إن لم يتب ، وإن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه ، وأمّا لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجزئ عنه ، إلّا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النية ، أو كان الفقير القابض عالماً بالحال ، فإنّه يجوز له الاحتساب عليه لأنّه مشغول الذمّة بها إذا قبضها مع العلم بالحال وأتلفها ، أو تلفت في يده.

وأمّا المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقاً.

______________________________________________________

أمّا إذا كان بعد الحول : فقد استقرّت عليه الزكاة ، إذ لا يقتضي الارتداد سقوطها بوجه ، فيجب عليه أداؤها ، ولكن بما أنّها عبادة لا تصحّ من الكافر فلا جرم يتصدّى لإخراجها الإمام (عليه السلام) أو نائبه.

وهذا في المرتدّ الملّي واضح ، لتمكّنه من الأداء باختيار التوبة والرجوع إلى الإسلام ، لقبول توبته بلا كلام ، فهو قادر على أداء الزكاة بالقدرة على مقدّمتها وهي التوبة والرجوع فلو لم يرجع دخل في الممتنع ، ولا شكّ أنّ الحاكم الشرعي وليُّ الممتنع في أخذ الزكاة منه ولو قهراً ، كما يشير إليه قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (١) وتبرأ ذمّته بذلك.

ويلحق به الفطري إن كان امرأة ، لقبول توبتها كالملّي بلا إشكال ، فيجري

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٠٣.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليها حكمه.

وأمّا الرجل الفطري : فهو محكوم بأحكام ثلاثة : القتل ، وبينونة الزوجة ، وانتقال ماله إلى الورثة. ولا كلام كما لا إشكال في عدم قبول توبته بالإضافة إلى شي‌ء من هذه الأحكام ، فتنفذ في حقّه ، ولا تنفع التوبة في سقوط شي‌ء منها.

وهل تقبل توبته بالإضافة إلى سائر الأحكام التي منها أداء الزكاة في المقام؟

الظاهر هو القبول.

ويدلّنا عليه مضافاً إلى إطلاقات أحكام الإسلام من كلّ معترف بالشهادتين أنّه لا شكّ في أنّ هذا الشخص أعني : التائب عن الارتداد الفطري مكلّف بالصلاة والصيام ، إذ لا يحتمل أن يبقى مطلق العنان غير مكلّف بشي‌ء كالبهائم ، فإنّ هذا خلاف المقطوع به من الشرع كما لا يخفى ، ولا تكاد تصحّ منه هذه التكاليف إلّا مع افتراض قبول التوبة ، لعدم صحّتها من الكافر.

وعليه ، فحاله حال الملّي في كونه متمكّناً من أداء الزكاة بالرجوع والتوبة واختيار الإسلام ، فلو لم يرجع كان من الممتنع ، وقد عرفت أنّ الحاكم الشرعي وليُّ الممتنع ، فيكون هو المتصدّي للإخراج.

فتحصّل أنّه في جميع هذه الفروض يكون المتولّي هو الإمام أو نائبه.

هذا كلّه فيما إذا لم يتب.

وأمّا لو تاب فإمّا أن يكون قبل الإخراج أو بعده ، ففي الأوّل يتولّى الإخراج بنفسه.

وأمّا الثاني أعني : ما لو أخرجها بنفسه حال الارتداد ثمّ تاب فهو على صور : لأنّه إمّا أن تكون العين باقية في يد الفقير أو تالفة ، وعلى الثاني فإمّا أن

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون الفقير القابض عالماً بالحال أي حالة ارتداد الدافع أو جاهلاً.

فمع بقاء العين يجدّد النيّة ، إذ لا اثر للدفع السابق الصادر حال الارتداد.

وأمّا مع التلف : فإن كان عن علمٍ من القابض جاز الاحتساب عليه ، لأنّه مدين للمالك وضامن للمال ، إذ مع علمه بارتداد المالك المستلزم لعدم اتّصاف المدفوع بالزكاة وبقائه على ملك مالكه فتصرّفه فيه تصرّفٌ في مال الغير ، وليس التسليط من المالك إلّا بعنوانٍ وهو الزكاة يعلم القابض بعدم صحّته من المالك حسب الفرض ، وعليه فلو أتلفها أو تلفت في يده كان الفقير القابض مشغول الذمّة ومديناً ، فيجوز للمالك أن يحتسب هذا الدين من الزكاة ، فلا يجب عليه الدفع ثانياً.

نعم ، يجب ذلك في الصورة الثالثة أعني : ما إذا كان القابض جاهلاً بالحال لعدم ضمانه حينئذٍ بعد أن كان مغروراً من قبل المالك ، إذ هو الذي سلّطه على المال مجّاناً وغرّره في إتلافه ، فكان قرار الضمان عليه لا على الفقير الجاهل ، فلا دين ليحتسب من الزكاة ، فلا مناص من تكرارها ودفعها ثانياً ، فلا حاجة إلى التكرار إلّا في صورة واحدة من هذه الصور الثلاث ، وأمّا في الصورتين الأُخريين فيجدّد النيّة أو يحتسب حسبما عرفت.

وأمّا إذا كان الارتداد أثناء الحول : فإن كان عن فطرة انقطع الحول وسقطت عنه الزكاة ، لخروج المال عن ملكه وانتقاله إلى الورثة ، ووجب استئناف الحول على كلّ وارثٍ بلغت حصّته النصاب. وعلى أيّ حال ، لا موضوع للزكاة بالإضافة إلى المرتدّ نفسه.

وإن كان ملّة أو كان امرأة وإن كان ارتدادها عن فطرة ، فبما أنّ المال باقٍ على ملك المالك حينئذٍ فلا موجب لانقطاع الحول ، بل ينتظر إلى ما بعد حلول

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الحول ، فإن تاب ورجع كان هو المتولّي للإخراج ، وإلّا دخل في الممتنع ، وكان المتصدّي حينئذٍ هو الحاكم الشرعي حسبما عرفت.

وكيفما كان ، فسقوط الزكاة عن الكافر على القول به كما تقدّم يراد به الكافر الأصلي ، وإلّا فالارتداد لا يوجب سقوط الأحكام الثابتة في الإسلام ، لإطلاقات الأدلّة ، مضافاً إلى بعض النصوص الخاصّة الواردة في الموارد المتفرّقة ، غاية الأمر أنّ كفره مانعٌ عن تصدّيه بنفسه ، فيتولّاه الحاكم الشرعي حسب التفصيل الذي عرفت بما لا مزيد عليه.

نعم ، في المرتدّ الفطري لا يبعد القول بأنّ الولاية للوارث دون الحاكم كما أشار إليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة ، نظراً إلى ما تقدّم من أنّ الخيار إنّما هو للمالك لا للساعي ولا للفقير (١) ، بمقتضى صحيحة بريد (٢) المعلّلة بأنّه الشريك الأعظم وإنّ أكثره له ، حيث يستفاد منها أنّ الاختيار في باب الزكاة أي ولاية التطبيق إنّما هي بيد الشريك الأعظم الأوفر نصيباً ، ومصداقه في المقام هو الوارث ، لانتقال المال إليه بعد الارتداد عن فطرة ، فإنّه الشريك فعلاً مع الفقير بدلاً عن المالك قبل الارتداد ، فالمقام نظير الموت الحقيقي ، فكما أنّ المالك لو مات بعد حلول الحول كان الخيار للوارث بلا خلافٍ فيه ولا إشكال وهو موردٌ للإجماع والتسالم ظاهراً ، فكذا في الارتداد الذي هو موتٌ معنوي ، وكيفما كان فشمول النصّ المتقدّم للمقام غير بعيد.

__________________

(١) في ص ١٨٧.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

٢٣٠

[٢٦٤٣] مسألة ١٢ : لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلاً فحال عليه أحوال (١) ، فإن أخرج زكاته كلّ سنة من غيره تكرّرت ، لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب. ولو أخرجها منه أو لم يخرج أصلاً لم تجب إلّا زكاة سنة واحدة ، لنقصانه حينئذٍ عنه.

______________________________________________________

(١) فإمّا أن يكون قد أخرج زكاته كلّ سنة من غير النصاب إمّا من الجنس أو من القيمة أو أخرجها من نفس النصاب ، أو لم يخرج أصلاً.

ففي القسم الأوّل : تتكرّر الزكاة لكلّ سنة ، لعدم نقصان المال عن النصاب بعد فرض الدفع من خارجه ، لكن مبدأ الحول للسنة الثانية إنّما هو من زمان الدفع ، فإنّه الزمان الذي يملك فيه النصاب تامّاً ، إمّا قبله فناقص ، للاشتراك بينه وبين الفقير كما هو ظاهر.

وفي القسم الثاني : لم تجب إلّا زكاة السنة الأُولى ، لنقصه بذلك عن النصاب ، فلا موضوع للزكاة في السنين اللّاحقة.

وكذا الحال في القسم الثالث ، إذ بعد شركة الفقير معه في السنة الأُولى بمقتضى تعلّق الزكاة فقد نقص عن النصاب ، فلا موضوع للوجوب بعدئذ.

وهذا بناءً على الشركة الحقيقيّة أو في الماليّة أو الكلّي في المعيّن واضح ، لتعلّق الزكاة حينئذٍ بالعين على جميع هذه المباني ، فينقص عنها بالنسبة حسبما عرفت.

وأمّا بناءً على أنّها بنحو الكلّي في الذمّة ولا تعلّق لها بالعين إلّا بنحو الوثيقة المتحقّقة في حقّ الرهانة ، فربّما يتوهّم أنّ اللازم حينئذٍ تكرار الزكاة لكلّ سنة ، لعدم نقص شي‌ء من العين بعد تعلّق الحقّ بالذمّة ، فيبقى النصاب على حاله.

ويندفع : بأنّ العين وإن كانت بأجمعها للمالك ولم يكن شي‌ء منها ملكاً للفقير

٢٣١

ولو كان عنده أزيد من النصاب (١) كأن كان عنده خمسون شاة وحال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها ، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب.

فلو مضى عشر سنين في المثال المفروض وجب عشر.

ولو مضى إحدى عشرة سنة وجب أحد عشر شاة ، وبعده لا يجب عليه شي‌ء ، لنقصانه عن الأربعين.

______________________________________________________

على هذا المبنى ، إلّا أنّها متعلّق لحقّه سنخ حقّ الرهانة كما هو المفروض ، فلا يكون الملك طلقاً تامّ التصرّف ، إذ لا يجوز للمالك التصرّف قبل فكّ الرهن وأداء الحقّ ، وقد تقدّم اعتبار الملك الطلق في تعلّق الزكاة (١).

على أنّ هذا المبنى فاسد جدّاً كما سيجي‌ء التعرّض له في محلّه إن شاء الله تعالى.

(١) فيجب في هذه الصورة دفع الزكاة عن كلّ سنة ، لعدم النقص بذلك عن النصاب كما كان كذلك في الصورة السابقة ، فيدفع لو كان عنده أربعون مثقالاً من الذهب عن كلّ سنة ديناراً إلى أن ينقص عن العشرين ، أو كان عنده مائة شاةٍ عن كلّ سنة شاة إلى أن ينقص عن الأربعين ، فلو كان عنده خمسون من الغنم ومضى عليه إحدى عشرة سنة وجب أحد عشر شاةً لكلّ سنة شاة وبعده لا يجب شي‌ء ، لنقصانه حينئذٍ عن الأربعين كما ذكره في المتن.

__________________

(١) في ص ٣٨ ٣٩.

٢٣٢

ولو كان عنده ستٌّ وعشرون من الإبل ومضى عليه سنتان ، وجب عليه بنت مخاض للسنة الأُولى ، وخمس شياه للثانية. وإن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع شياه (*) ، وهكذا إلى أن ينقص من خمس فلا تجب.

______________________________________________________

نعم ، ربّما يتفاوت الحال كما في نصاب الإبل ، فلو كان عنده ستٌّ وعشرون من الإبل ومضى عليه سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الأُولى ، فينتقل حينئذٍ إلى النصاب السابق أعني : خمساً وعشرين فيجب حينئذٍ خمس شياه للسنة الثانية ، ولكنّه يتوقّف على أن تكون قيمة بنت مخاض مساوية لقيمة الواحدة من الإبل أو أقلّ ، إذ لو كانت أزيد لم يملك حينئذٍ خمساً وعشرين تامّات ليجب خمس شياه.

كما أنّه لو مضت ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع شياه التي هي النصاب الرابع ، ولكنّه أيضاً يتوقّف على أن يكون قيمة بنت المخاض وخمس شياه أكثر من قيمة الواحدة ، وإلّا فلو كان في الإبل ما تساوي قيمته ذلك لم يبعد وجوب خمس شياه للسنة الثالثة أيضاً ، لكونه مالكاً حينئذٍ خمساً وعشرين من الإبل تامّة.

وهذا بناءً على المختار في كيفيّة التعلّق من أنّها بنحو الشركة في الماليّة كما سيجي‌ء تحقيقه في محلّه إن شاء الله تعالى (١).

__________________

(*) إذا كان في الإبل ما تساوي قيمته بنت مخاض وخمس شياه لم يبعد وجوب خمس شياه للسنة الثالث أيضاً.

(١) في ص ٢٨٦ ٢٨٧.

٢٣٣

[٢٦٤٤] مسألة ١٣ : إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملكٌ جديد ، إمّا بالنتاج وإمّا بالشراء أو الإرث أو نحوها ، فإن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق (١) فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع إن كمل بها النصاب اللاحق.

وأمّا إن كان في أثناء الحول : فإمّا أن يكون (٢) ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو ولم يكن نصاباً مستقلا ولا مكمّلاً لنصابٍ آخر ، وإمّا أن يكون نصاباً مستقلا ، وإمّا أن يكون مكمّلاً للنصاب.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه (قدس سره) يريد بذلك حصول الملك الجديد في الشهر الثاني عشر الذي هو متوسّط بين الحولين ، بناءً على ما مرّ من تعلّق الوجوب بل استقراره وانتهاء الحول بدخول الشهر الثاني عشر وإن كان ابتداء الحول اللاحق من الشهر الثالث عشر.

ولم يذكر (قدس سره) في هذا القسم إلّا صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الملك الجديد مكمّلاً للنصاب اللاحق ، كما لو كان مالكاً لسبعةٍ من الإبل ، فملك في الشهر الأخير ثلاثة أُخرى ، ولم يتعرّض لما إذا كان عفواً أو نصاباً مستقلا.

وكيفما كان ، فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع فيما إذا كان الملك الجديد في آنٍ تمّ به الحول الأوّل أي مجموع اثني عشر شهراً فيستأنف للجميع حولاً واحداً كما ذكره في المتن ، وهذا ظاهر.

(٢) قسّم (قدس سره) الملك الجديد الحاصل أثناء الحول على ثلاثة أقسام : فإمّا أن يكون بمقدار العفو ، أو النصاب المستقلّ ، أو المكمّل.

أمّا الأوّل : فلا شي‌ء عليه ، وحاله حال ما لو ملك الكلّ ابتداءً ، وهذا كما لو

٢٣٤

أمّا في القسم الأوّل : فلا شي‌ء عليه ، كما لو كان له هذا المقدار ابتداءً ، وذلك كما لو كان عنده من الإبل خمس فحصل له في أثناء الحول أربع أُخرى ، أو كان عنده أربعون شاة ثمّ حصل له أربعون في أثناء الحول.

______________________________________________________

كان عنده خمس من الإبل وبعد ستّة أشهر ملك أربع أُخرى ، فإنّه لا تجب عليه إلّا شاة واحدة.

ونحوه ما لو كان مالكاً في ابتداء الحول أربعين شاةً وبعد ستّة أشهر مثلاً ملك أربعين أُخرى ، فإنّ حاله حال ما لو ملك الثمانين من أوّل الأمر ، وليست فيه إلّا شاة واحدة.

ولكن نُسِبَ إلى الشهيد أنّه استقرب هنا رعاية النصاب المستقلّ ، نظراً إلى أنّ الأربعين الحادث ملكٌ جديد وموضوعٌ آخر غير الأوّل ، فتجب فيه الزكاة ولا ينضمّ إلى السابق ، بل هو نصابٌ برأسه بمقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «في كل أربعين شاة» ، فتجب عليه شاة أُخرى غير الاولى ، مراعياً لكلّ أربعين حولها (١).

واعترض عليه في الجواهر بأنّ العموم ناظرٌ إلى المالك ، وأنّ كلّ فرد من الملّاك لو ملك أربعين فيجب على كلّ أحد أو في كلّ حول شاة ، لا بمعنى أنّ الغنم الموجود عند مالكٍ واحدٍ يُحسَب أربعين أربعين كما ورد في نصاب البقر من أنّه في كلّ ثلاثين تبيع ، وإلّا فقد انعقد الإجماع على أنّه لا شي‌ء بعد الأربعين إلى أن يزيد على مائة وعشرين ، وعليه فلا أثر للأربعين الثاني ، بل هو عفو كما لو وجد الثمانين معاً في ابتداء الحول (٢).

__________________

(١) لاحظ الدروس ١ : ٢٣٢.

(٢) الجواهر ١٥ : ١٠٨ ١٠٩.

٢٣٥

وأمّا في القسم الثاني : فلا يضمّ الجديد إلى السابق ، بل يُعتَبر لكلٍّ منهما حولٌ بانفراده ، كما لو كان عنده خمس من الإبل ، ثمّ بعد ستّة أشهر ملك خمس اخرى ، فبعد تمام السنة الأُولى يخرج شاة ، وبعد تمام السنة للخمس الجديدة أيضاً يخرج شاة ، وهكذا.

وأمّا في القسم الثالث : فيستأنف حولاً واحداً بعد انتهاء الحول الأوّل ، وليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شي‌ء ، وذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر ، فملك في أثناء حولها إحدى عشرة ، أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك في أثناء حولها اثنتين وأربعين.

______________________________________________________

وما ذكره (قدس سره) متين جدّاً ، للتصريح في صحيح الفضلاء بأنّه لا شي‌ء بعد الأربعين إلى أن يبلغ مائة وواحداً وعشرين (١) ، فليس في الثمانين إلّا شاة واحدة ، سواء حصلت دفعةً وفي ابتداء الحول أو تدريجاً ، بمقتضى الإطلاق ، فالصحيحة ناظرة إلى كلّ من يملك الأربعين لا إلى أنّ المالك الواحد يحسب ماله أربعين أربعين.

فما ذكره الماتن تبعاً للمشهور من العفو في المثال هو الصحيح.

وأمّا الثاني أعني : النصاب المستقلّ فاللّازم فيه مراعاة الحول لكلّ نصابٍ بحياله ، أخذاً بإطلاق الدليل في كلٍّ منهما. ولا وجه لانضمام الجديد إلى السابق ، فلو كان له خمسٌ من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر خمساً اخرى وجبت شاة بعد تمام السنة الأُولى ، وشاة اخرى بعد تمام الثانية ، كما ذكره في المتن ، وهذا واضح.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١٦ / أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام في القسم الثالث أعني : ما إذا كان مكمّلاً لنصابٍ آخر ـ : كما لو كان عنده أوّل محرّم أربعون من الغنم ، ثمّ حصل له في شهر رجب اثنان وثمانون ، بحيث بلغ المجموع النصاب الثاني ـ ، أعني : مائة وواحداً وعشرين.

وإنّما أضفنا واحدة رعايةً لإخراجها عن النصاب الأوّل ، وهو الأربعون.

أو كانت له أوّل محرّم اثنتان وعشرون من الإبل فحصلت له أربع أُخرى في شهر رجب البالغ مجموعها ستّ وعشرين التي هي النصاب السادس وفيها بنت مخاض.

فهل يلاحظ الحول بالإضافة إلى النصاب الأوّل وليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شي‌ء؟

أو يلاحظ بالإضافة إلى النصاب الثاني وليس على ما تقدّمه من أجزاء الحول الأوّل شي‌ء؟

أو هناك وجهٌ آخر؟

لا ريب أنّا لو كنّا نحن والأدلّة ولم يكن في البين ما دلّ على أنّ المال الواحد لا يزكّى في عام واحدٍ من وجهين ، كان مقتضى القاعدة رعاية كلا النصابين وأداء كلتا الزكاتين ، عملاً بإطلاق الدليلين كما أفتى به بعضهم.

إلّا أنّه بالنظر إلى ما دلّ على ذلك من الروايات وعمدتها صحيحة زرارة (١) مضافاً إلى الإجماع والتسالم فاللازم حينئذٍ إمّا العمل بدليل النصاب الأوّل بإلغاء بقيّة الحول بالإضافة إلى الملك الجديد أعني : ما بين رجب ومحرّم أو بدليل النصاب الثاني بإلغاء ما تقدّمه من الحول الأوّل ، أعني : ما بين محرّم ورجب.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٢ / أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهل المقام داخل في باب التعارض أو التزاحم؟

الظاهر : أنّه لا ينبغي التأمّل في الأوّل ، لانطباق ضابطه عليه دون الثاني ، فإنّ المناط في التزاحم على ما نقّحناه مفصّلاً في الأُصول (١) عدم قدرة المكلّف على الجمع بين التكليفين في مقام الامتثال من غير تنافٍ بين نفس الحكمين في مرحلة الجعل ، كإزالة النجاسة عن المسجد وأداء الصلاة في ضيق الوقت ، فإنّ كلّاً منهما حكم متعلّق بموضوعه المقدّر وجوده ، وهو البالغ العاقل القادر ، غاية الأمر أنّ المكلّف ليست له إلّا قدرة واحدة لو صرفها في كلٍّ منهما عجز عن امتثال الآخر.

وهذا بخلاف التعارض ، فإنّ مناطه التعاند والتكاذب بين الدليلين في مرحلة الجعل مع قطع النظر عن مقام الامتثال إمّا ذاتاً ، كما لو دلّ دليل على نجاسة العصير العنبي ودليل آخر على طهارته أو عدم نجاسته ، فإنّ النجاسة وعدمها أو هي مع الطهارة متناقضان أو متضادّان لا يعقل اجتماعهما في حدّ أنفسهما.

أو عرضاً نشأ من العلم الإجمالي الحاصل من الخارج ، كما لو دلّ دليلٌ على وجوب القصر في موردٍ ودليلٌ آخر على التمام أو على الظهر ، والآخر على الجمعة ، فإنّه وإن لم يكن أيّ تنافٍ بين نفس الدليلين بالذات لجواز ثبوتهما معاً ، إلّا أنّ القطع الخارجي القائم على عدم وجوب الصلاتين معاً في يومٍ واحد أوجب العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين ، بحيث إنّ صدق كلّ منهما يستلزم كذب الآخر ، نظير البيّنتين القائمتين في الشبهات الموضوعيّة على طهارة الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما إجمالاً ، فالفرق بين البابين واضحٌ جدّاً.

ومن المعلوم انطباق هذا الضابط على المقام دون السابق ، لوضوح قدرة المكلّف على الجمع بين النصابين كما في الجمع بين القصر والتمام مثلاً فليس

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢٠٦.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من باب التزاحم في شي‌ء ، ولكن بما أنّا علمنا من الخارج أنّ المال الواحد لا يزكّى في عام من وجهين فلأجله نعلم إجمالاً بكذب أحد الدليلين وانتفاء الإطلاق في أحد النصابين ، بحيث إنّ صدق كلٍّ منهما مستلزمٌ لكذب الآخر ، فكان بينهما التعاند والتكاذب في مقام الجعل عرضاً وإن لم يكن كذلك ذاتاً.

وعليه ، فلا ينبغي التأمّل في كون المقام من باب التعارض كما ذكرناه.

ومن الغريب ما أفاده شيخنا الأُستاذ (قدس سره) من إدراج المقام في باب التزاحم (١) ، مع أنّه المشيّد لتوضيح الفرق بين البابين.

ثمّ إنّا لو بنينا على أنّ المقام من صغريات هذا الباب كان اللازم الرجوع إلى مرجّحات التزاحم من الأهمّية جزماً أو احتمالاً وغير ذلك ، ومع التكافؤ فالمرجع التخيير بحكومةٍ من العقل على ما هو المقرّر في هذا الباب.

وأمّا بناءً على ما عرفت من إدراجه في باب التعارض ، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات السنديّة إن كانت ، وإلّا فالتساقط دون التخيير ، لضعف مستنده حسبما بيّناه في الأُصول في باب التعادل والتراجيح (٢) ، فيرجع بعد التساقط إلى دليلٍ آخر من إطلاقٍ إن كان ، وإلّا فالأصل العملي ومقتضاه في المقام أصالة الاحتياط ، إذ بعد تساقط الدليلين نعلم إجمالاً بوجوب زكاةٍ في البين مردّدة بين النصاب الأوّل والثاني ، فيلزمنا الجمع بينهما عملاً بالعلم الإجمالي غير المنافي لما دلّ على أنّ المال الواحد لا يزكّى في عام واحد مرّتين ، لعدم التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري كما هو ظاهر.

ولعلّ هذا هو مستند الفتوى بالجمع في المقام كما تقدّم نقله عن بعض (٣) ،

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨٥.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢١٣ ٢١٦.

(٣) في ص ٢٣٧.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا عدم الالتفات إلى دليل عدم تزكية المال الواحد من وجهين الذي تقدّم احتمال استناد هذه الفتوى إليه (١) ، فلاحظ.

وكيفما كان ، فهل اللازم مراعاة كلا النصابين أو خصوص الأوّل ، فيعتبر الحول بالإضافة إليه ويلغى الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل كما اختاره في المتن تبعاً لجماعة كثيرين؟

أو خصوص الثاني ، فيسقط اعتبار النصاب الأوّل عند ملك الزائد ويكون المجموع نصاباً واحداً ابتداء حوله من حين حصول الملك الجديد كشهر رجب مثلاً كما اختار العلّامة في المنتهي (٢)؟

أو يسقط كما عن العلّامة في القواعد (٣) ، فتدفع فريضة النصاب الأوّل عند حلول حوله ، ويجب جزء من فريضة النصاب الثاني عند حلول حوله أيضاً ، فإذا تمّ الحول الثاني للنصاب الأوّل أكمل فريضة النصاب الثاني وهكذا؟ مثلاً : إذا ملك أوّل محرم اثنين وعشرين من الإبل ثمّ ملك في أوّل رجب أربعاً أُخرى مكمّلة للنصاب السادس الذي فيه بنت مخاض فحينئذٍ تجب عليه في أوّل محرم أربع شياه زكاةً عن العشرين ، والثنتان الزائدتان عليها عفو ، ثمّ في شهر رجب تجب عليه بنت مخاض ، لصدق أنّه مضى عليه الحول وهو مالك لستّ وعشرين من الإبل ، ولكن بما أنّه دفع زكاة العشرين منها في شهر محرّم حسب الفرض فلا يجب عليه حينئذٍ إلّا دفع ستّة أجزاء من ستّة وعشرين جزءاً من بنت مخاض ، وفي أوّل محرّم يجب عليه عشرون جزءاً من ستّة وعشرين جزءاً من بنت مخاض ، وهكذا.

__________________

(١) في ص ٢٣٧.

(٢) المنتهى ١ : ٤٩٠.

(٣) القواعد ١ : ٣٣٣.

٢٤٠