موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

حسبما عرفت.

ثمّ إنّا لو بنينا على اعتبار هذا القيد أعني : اعتبار الجذع في الضأن فتفسير الجذع بما ذكر أي ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية غير ظاهر ، فإنّ هذا وإن كان قد ذكره جماعة من الأصحاب ، إلّا أنّه معارَضٌ بتفاسير أُخر ذكرها جماعة آخرون :

منها : أنّه ما كمل السبع ودخل في الثمان.

ومنها : أنّه ما كمل الستّ ودخل في السبع.

ومنها : أنّه ما كمل الثمان وفي في التسع.

ومنها : التفصيل بين المتولّد من هرِمين والمتولّد من شابّين أو من مختلفين.

إلى غير ذلك ممّا يوجد في كلمات الفقهاء واللغويّين.

ومع هذا الاختلاف الفاحش والمعارضة الظاهرة في كلمات القوم في تفسير اللفظ كيف يبقى لنا وثوق بالمعنى المتقدّم؟! فلا جرم يصبح اللفظ مجملاً دائراً مفهومه بين الأقلّ والأكثر.

وقد تقرّر في الأُصول (١) لزوم الاقتصار في المخصِّص المنفصل المجمل الدائر بين الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن ، إذ العامّ حجّة لا يُرفَع اليد عنه إلّا بحجّة أقوى ودليل قاطع ، ولا حجّيّة للمجمل المزبور إلّا في المقدار المتيقّن الذي يقطع معه بالتخصيص فيقتصر عليه بطبيعة الحال.

وهذا من غير فرق فيه بين العام والخاصّ والمطلق والمقيّد ، لوحدة المناط حسبما بيّناه أيضاً في الأُصول (٢).

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٤٥٤ ٤٥٧.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٤٥٦ ، ٤٥٧.

١٨١

ولا يتعيّن عليه أن يدفع الزكاة من النصاب ، بل له أن يدفع شاةً أُخرى (١) ، سواء كانت من ذلك البلد أو غيره ، وإن كانت أدون قيمةً من أفراد ما في النصاب ، وكذا الحال في الإبل والبقر.

______________________________________________________

والمتيقّن ممّا لا يطلق عليه الجذع هو الذي لم يكمل الستّ ، فهذا المقدار ممّا يقطع بخروجه عن تحت الإطلاقات ، وأمّا الزائد على ذلك ممّا يُشَكّ في صدق المفهوم عليه فهو مشكوك الخروج ، ومعه كان المرجع أصالة الإطلاق.

ومع الغضّ عن هذا أيضاً وتسليم عدم جواز الرجوع إلى الإطلاق ، أو عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة كما ربّما يظهر من صاحب الجواهر في غير هذا المقام (١) فتكفينا أصالة البراءة عن التقييد الزائد على المقدار المعلوم الشرعيّة والعقليّة ، أو الشرعيّة فقط ، على الخلاف المقرّر في محلّه ، فإنّ تقيد الشاة بعدم كونها دون الستّ معلوم ، وأمّا الزائد على ذلك بأن يكون قد أكملت السنة مثلاً فهو كلفة زائدة يُشكّ في اعتبارها ، والمرجع في نفيها أصالة البراءة ، بناءً على ما هو المحقّق في محلّه من عدم الفرق في الرجوع إليها في الأقلّ والأكثر بين الاستقلالي والارتباطي.

وملخّص الكلام : أنّ التقييد بالجذع غير ثابت ، فهو مشكوك فيه من أصله ، فيتمسّك في نفيه بأصالة الإطلاق. ومع التسليم فحدّ المفهوم مجمل يُقتَصر فيه على المتيقّن ، ويُتمسّك في الزائد بأصالة الإطلاق إن أمكن ، وإلّا فبأصالة البراءة حسبما عرفت.

(١) أمّا إذا كانت الشاة المدفوعة زكاةً عن نصاب الإبل فظاهر ، وأمّا إذا

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٣١.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كانت عن نصاب الشياه فكذلك فيما إذا اعتبرنا دفع الجذعة وفسّرناها بما دون السنة كإكمال السبع مثلاً لاعتبار حلول الحول في تعلّق الزكاة ، فلا يمكن دفع الجذعة بالمعنى المتقدّم من نفس النصاب ، فلا مناص من دفع شاةٍ أُخرى من غير الشياه التي فيها الزكاة.

فمحلّ الكلام ما إذا فُسِّرت الجذعة بما أكملت السنة أو لم نعتبرها أو كان المدفوع ثنيّاً في المعز ونحو ذلك ممّا يمكن الدفع من نفس النصاب وتمكن دعوى التقييد به.

وحينئذٍ فلا ينبغي التأمّل في جواز الإخراج من غير النصاب بعنوان القيمة ، للنصوص الآتية الدالّة على ذلك ، بناءً على عدم الفرق في المدفوع قيمةً بين النقدين وغيرهما كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (١).

إنّما الكلام في جواز إخراج جنس النصاب من غيره بدون اعتبار القيمة ، فقد ناقش فيه في الجواهر (٢) ، نظراً إلى عدم الدليل على كفاية مطلق الجنس ولو من غير عين النصاب ، فإنّ الإطلاقات لا يثبت بها إلّا كفاية المطلق ممّا في العين التي تعلّقت بها الزكاة لا المطلق ولو من غيره.

ولكن الظاهر جواز الدفع من غير العين حتى بعنوان نفس الواجب دون القيمة ، لعدم قصورٍ في الإطلاقات عن الشمول لذلك ، فإنّ قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاةٍ شاةٌ» مطلقٌ يشمل الشاة المدفوعة من نفس الأربعين ومن غيرها ، لعدم دلالتها على التقييد بالأوّل بوجه.

فإنّ هذا التعبير بعينه مثل التعبير في قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمسٍ من

__________________

(١) في ص ١٨٩.

(٢) الجواهر ١٥ : ١٦٧ ، ١٦٨.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الإبل شاةٌ» ، أفهل يحتمل أن يكون المراد الشاة التي في الإبل الخمسة التي هي خالية عنها بالمرّة؟ فوحدة اللسان واتّحاد السياق يكشف عن الإطلاق وعدم التقييد بالعين الزكويّة في كلا المقامين بمناطٍ واحد.

ومنه تعرف عدم الفرق في الشاة المدفوعة من خارج النصاب بين ما إذا كانت من ذلك البلد أو من غيره ، كما لا فرق أيضاً بين ما كانت مساوية لأفراد ما في النصاب على اختلاف قيمتها أم كانت أدون منها في القيمة ، كلّ ذلك للإطلاق.

وملخّص الكلام في المقام : أنّ الشاة المدفوعة من خارج النصاب قد تكون ملحوظة بعنوان القيمة المترتّب عليها لزوم التتميم إن كانت أقلّ ، وجواز استرجاع الزائد إن كانت أكثر.

وأُخرى : بعنوان أنّها بنفسها مصداق للزكاة.

أمّا الأوّل : ففيه خلافٌ وإشكال ، نظراً إلى أنّ المتيقّن من دفع القيمة هو النقدان دون غيرهما ، وسيجي‌ء البحث حول ذلك قريباً إن شاء الله تعالى (١) ، فهذا خارجٌ عن محلّ الكلام.

وكلامنا فعلاً متمحّضٌ في الثاني ، وقد عرفت أنّ المشهور جواز الدفع كذلك ، بل ادُّعي عليه الإجماع ، غير أنّه نُسِب الخلاف إلى شاذّ ، فحَكَم بلزوم الدفع من نفس النصاب ، باعتبار أنّ هذا هو مقتضى تعلّق الزكاة بالعين.

ولكن الأقوى ما عليه المشهور ، عملاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة» وغيره من سائر الأدلّة ، إذ لم يتقيّد شي‌ءٌ منها بلزوم كون الشاة المدفوعة من نفس النصاب ، بل قد لا يعقل ذلك كما في قوله (عليه السلام) : «في

__________________

(١) في ص ١٨٩.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

خمس من الإبل شاة» مع وحدة اللسان واتّحاد السياق.

ولا ينافي ذلك تعلّق الزكاة بالعين الذي هو مستفاد من دليل آخر مثل ما دلّ على المنع عن المضاربة قبل دفع الزكاة ، وما دلّ على أنّه إذا اشترى النصاب قبل دفع الزكاة وجب دفعها على المشتري ورجع بها إلى البائع ، الكاشف عن عدم نفوذ البيع في مجموع العين ، لأجل تعلّق الزكاة بها ، وغير ذلك ممّا سيجي‌ء إن شاء الله تعالى إذ لا تنافي بين ذلك وبين جواز التبديل بعينٍ اخرى ، كما ثبت ذلك في القيمة نقداً بلا إشكال.

وعلى الجملة : فالزكاة وإن كانت متعلّقة بالعين بنحوٍ من أنحاء التعلّق كما ستعرف ، إلّا أنّ هذا لا يستلزم أن يكون الدفع أيضاً من نفس العين ، بل مقتضى الإطلاق جواز الدفع ولو من خارج النصاب ، كما يعضده لزوم دفع الجذعة المفسّرة في كلام المشهور بما أكمل السبع ، فإنّه غير موجود في النصاب المعتبر فيه الحول.

ويعضده أيضاً : أنّه قد لا يمكن مراعاة الإخراج من العين في سائر النُّصُب ، كالتبيع المعتبر في نصاب البقر ، وبنت المخاض أو بنت اللبون في نصاب الإبل ، فيما إذا لم يوجد شي‌ء من ذلك فيما عنده من البقر أو الإبل المتعلّقين للزكاة.

وممّا ذكرنا يظهر عدم الفرق في الشاة المدفوعة بين ما كانت من نفس البلد أو من خارجه ، لما عرفت من الإطلاق.

وما عن الشيخ من اعتبار الأوّل ، نظراً إلى لزوم الاتّحاد مع ما فيه الزكاة في الخصوصيّات كالمكّيّة والعربيّة والبَخاتيّة ونحو ذلك (١).

مدفوعٌ بأنّ بين الأمرين عموماً من وجه ، فقد لا يوجد في البلد من خارج

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٧ ، المبسوط ١ : ١٩٦.

١٨٥

فالمدار في الجميع الفرد الأوسط من المسمّى (١) ، لا الأعلى ولا الأدنى ، وإن كان لو تطوّع بالعالي أو الأعلى كان أحسن وزاد خيراً.

______________________________________________________

النصاب ما يتّحد معه ، وقد يوجد المتّحد من خارج البلد ، فمراعاة الاتّحاد المزبور لا تستلزم التقييد بالبلد.

مضافاً إلى عدم الدليل على لزوم التطابق والاتّحاد في هذه الخصوصيّات ، بل مقتضى الإطلاق جواز دفع كلّ ما صدق عليه عنوان الشاة ما لم تكن الشاة المدفوعة متّصفةً بشي‌ءٍ من العناوين الممنوعة من هَرَمٍ أو مرضٍ ونحو ذلك ممّا سيجي‌ء إن شاء الله (١).

كما أنّ ما نُسِب إلى المسالك وغيره من التفصيل بين فريضتي الإبل والغنم ، فيجوز من خارج البلد في الأوّل دون الثاني ، إلّا مع التساوي في القيمة (٢).

غير قابل للتصديق ، لما عرفت من اتّحاد لسان الدليل في الموردين ، فإن بُني على الدلالة على اعتبار كون المدفوع من البلد ففيهما معاً ، وإلّا ففيهما أيضاً بمناطٍ واحد ، والأقوى عدم الاعتبار لإطلاق الدليل حسبما عرفت.

وعلى الجملة : فكلّما صدق عليه عنوان الشاة يجوز احتسابه من الزكاة ، ولا تلزم مراعاة الخصوصيّات المشتمل عليها النصاب ، بشهادة دفع الجذعة المفسّرة في كلام المشهور بما أكمل السبع كما مرّ.

(١) أمّا إذا كان المدفوع من نفس النصاب فلا ينبغي التأمّل في جواز دفع الأدنى بعد فرض صدق الطبيعة عليها كصدقها على المتوسّط ، فمقتضى الإطلاق

__________________

(١) في ص ٢٠٠.

(٢) نسبهُ إليه في الجواهر ١٥ : ١٦٦.

١٨٦

والخيار للمالك لا الساعي أو الفقير (١) ، فليس لهما الاقتراح عليه.

______________________________________________________

جواز الاجتزاء به ولا موجب للتقييد بالمتوسّط بوجه.

بل الحال كذلك في المدفوع من خارج النصاب أيضاً ، فإنّ الإطلاق غير قاصر الشمول له كالمتوسّط والأعلى بمناطٍ واحد.

ودعوى الانصراف إلى المتوسّط لا نعرف لها وجهاً أبداً ، فإنّ الاجتزاء بالأدنى لم يكن من أجل ملاحظة القيمة ليُدّعى انصرافها إلى الأفراد المتعارفة ، بل من أجل الإطلاق والانطباق وكونه مصداقاً للطبيعة المأمور بها.

ولا ريب في عدم الفرق في هذه المرحلة بين كلّ فرد تصدق عليه الطبيعة ما لم يكن من الأفراد الممنوعة التي قام الدليل على عدم الاجتزاء بها بالخصوص كما مرّت الإشارة إليه (١).

وبالجملة : بعد فرض الاجتزاء من خارج النصاب فلا فرق بينه وبين الداخل في جواز دفع كلّ فرد شاءه المكلّف ممّا تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها ، سواء كان من الأفراد المتوسّطة أو الأدنى أو الأعلى ، لوحدة المناط.

(١) فليس للساعي معارضة المالك ، سواء أكان تعلّق الزكاة بنحو الشركة في الماليّة أو الكلّي في الذمّة أو الكلّي في المعيّن ، إذ الواجب على جميع التقادير حقٌّ في عهدة المكلّف ، فله الخروج عنه بالتطبيق على أيّ فردٍ شاء ، فالخيار ثابتٌ له بمقتضى القاعدة.

نعم ، بناءً على القول بالشركة الحقيقيّة وأنّ المال مشتركٌ فيه بنحو الإشاعة بين المالك وبين مصرف الزكاة ، فلا خيار حينئذٍ له ولا للساعي ، كما هو الحال

__________________

(١) في ص ١٨٦.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في كلّ مالٍ مشترك ، حيث لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف فيه بدون إذن الآخر ، بل لا بدّ من التراضي إن أمكن ، وإلّا فإلى القرعة التي هي لكلّ أمرٍ مشكل.

ولكن المبنى ضعيفٌ غايته ، كما سيجي‌ء التعرّض له إن شاء الله تعالى (١).

بل الظاهر ثبوت الخيار للمالك حتى بناءً على هذا المبنى الفاسد ، لأنّه الشريك الأعظم ، فله الحكم والأمر بمقتضى صحيحة بريد الناطقة بذلك في خصوص المقام ، وبها يخرج عمّا تقتضيه قاعدة الشركة قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدّقاً من الكوفة إلى باديتها ... إلى أن قال (عليه السلام) : فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه ، فإنّ أكثره له ، فقل : يا عبد الله ، أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّطٍ عليه فيه ولا عَنِفٍ به ، فاصدع المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرض له ، ثمّ اصدع الباقي صدعين ، ثمّ خيّره فأيّهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاءً لحقّ الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه ، وإن استقالك فأقله ، ثمّ اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلاً حتى تأخذ حقّ الله في ماله» (٢).

فإنّها صريحة في امتياز هذا الشريك لمكان أوفريّة حظّه عن بقيّة موارد الشركة في ثبوت الخيار له ، حتى أنّه يقال : إن استقال فلا يزال الخيار باقياً حتى بعد الإفراز.

إذن فلا ينبغي التأمّل في عدم جواز معارضة الساعي على جميع المباني في تعلّق الزكاة.

__________________

(١) في ص ١٩٥ و ٢٠١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

١٨٨

بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقيّة من النقدين أو غيرهما (*) (١) ، وإن كان الإخراج من العين أفضل.

______________________________________________________

فما عن الشيخ من أنّ له المعارضة واقتراح القرعة (١) ليس له وجهٌ ظاهر.

هذا كلّه في الساعي.

وأمّا في الفقير ، فالأمر أوضح ، لعدم كونه مالكاً ، بل هو مصرف محض ، والمالك إنّما هو الكلّي دون الشخص ، فليس له المطالبة فضلاً عن المعارضة.

وعلى الجملة : دعوى الخيار للساعي لها وجه ، باعتبار أنّه يمثّل الإمام (عليه السلام) أو نائبه الذي هو وليٌّ عن المالك ، فكأنه يمثّل المالك وإن كان ضعيفاً كما مرّ.

وأمّا في الفقير ، فلا وجه لها أصلاً ، إذ ليس هو إلّا مصرفاً صرفاً لا يكاد يملك إلّا بعد التسليم ، باعتبار كونه مصداقاً للطبيعي ، فلا علاقة له بالمال قبل ذلك كي يكون له حقّ المعارضة ، فلو سلّمناه في الساعي لا نسلّمه في الفقير أبداً.

(١) لا ريب في جواز إخراج الجنس من غير النصاب ودفعه بعنوان الزكاة على ما تقدّم (٢).

وأمّا الإخراج من غير الجنس بعنوان القيمة ، فيقع الكلام :

تارةً : فيما هو متمحّض في الماليّة ، أعني : أعيان الأثمان كالدرهم والدينار

__________________

(*) جواز الإخراج من غير النقدين وما بحكمهما محلّ إشكال ، بل لا يبعد عدم جوازه.

(١) المبسوط ١ : ١٩٤ ، ١٩٥.

(٢) في ص ١٨٥.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وما في حكمهما كالأوراق النقديّة المتداولة في هذه الأعصار.

وأُخرى : في التقويم بجنسٍ آخر ، كأن يدفع عن قيمة التبيع فرساً أو عن قيمة الشاة كتاباً وهكذا.

أمّا الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف فيه بالإضافة إلى الغلّات والنقدين ، للنصّ فيهما كما ستعرف ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد.

وأمّا الأنعام ، فهي وإن لم يرد فيها نصٌّ خاصٌّ إلّا أنّ الظاهر أنّها أيضاً كذلك ، حيث يستفاد حكمها من النصّ المشار إليه ، بعد القطع بمقتضى الفهم العرفي بعدم خصوصيّةٍ للمورد ، وأنّ الحكم عامٌّ لمطلق الأعيان الزكويّة.

ففي صحيحة محمّد بن خالد البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : هل يجوز أن أُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو العشير وما يجب عليه الذهب دراهم قيمته ما يسوى؟ أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجاب : «أيّما تيسّر يخرج» (١).

والمراد بأحمد بن محمّد الواقع في السند هو أحمد بن محمّد بن عيسى لا ابن خالد ، وإلّا لقال : عن أبيه ، بدل قوله : عن محمّد بن خالد ، وإن كان ثقة على التقديرين.

وصحيحة علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك؟ «قال : لا بأس به» (٢).

فإنّ موردهما وإن كان هو الحنطة والشعير والدراهم والدنانير ، لكن سياقهما

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٦٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ٢.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بمقتضى الفهم العرفي ربّما يشرف الفقيه على القطع بعدم خصوصيّةٍ للمورد ، وأنّ الاعتبار في الانتقال إلى القيمة نفياً وإثباتاً بمطلق الجنس الزكوي من غير خصوصيّةٍ للحنطة والشعير وما شاكلهما ، وكان هذا هو المنقدح في ذهن السائل أيضاً ، ولذا عبّر بصيغة العموم في صحيحة البرقي حيث قال : أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه. أي يخرج من كلّ جنسٍ من الأجناس الزكويّة ما فيه عيناً دون أن ينتقل إلى القيمة.

وإن أبيتَ إلّا الجمود على ظاهر النصّ فلازمه الاقتصار على مورده من الحنطة والشعير وعدم التعدّي لا إلى الأنعام ولا إلى غيرهما من سائر الغلّات أعني : التمر والزبيب مع أنّ الأصحاب قد تعدّوا إلى سائر الغلّات قولاً واحداً.

وعلى الجملة : لا نعرف وجهاً للتفكيك بين الأنعام وبين التمر والزبيب ، فإن بُني على التعدّي فإلى الكلّ ، وإلّا فلا يتعدّى أبداً ، وليقتصر على مدلول النصّ فحسب.

وحيث إنّ الأظهر الأوّل فاللازم سريان الحكم للأنعام أيضاً حسبما عرفت.

وأمّا الثاني أعني : إخراج القيمة من جنسٍ آخر غير النقدين ـ : فالمشهور جوازه كما ذكره في المتن ، بل ادُّعي الإجماع عليه ، استناداً إلى ما رواه في قرب الإسناد عن محمّد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : عيال المسلمين ، أُعطيهم من الزكاة ، فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً ، وأرى أنّ ذلك خيرٌ لهم ، قال : «فقال : لا بأس» (١).

أمّا من حيث السند ، فالظاهر هو الاعتبار ، فإنّ المراد بمحمّد بن الوليد هو

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٨ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ٤ ، قرب الإسناد : ٤٩ / ١٥٩.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخزّاز البجلي الذي له كتاب ووثّقه النجاشي صريحاً (١) بقرينة روايته عن يونس ، دون الشباب الصيرفي الغير الثقة وإن كان في نفس الطبقة ، لعدم روايته عن يونس ، مضافاً إلى معروفيّة الأوّل واشتهاره ، الموجب لانصراف اللفظ عند الإطلاق إليه ، فلا مناقشة في السند.

إنّما الكلام في الدلالة ، والظاهر أنّها قاصرة وأجنبيّة عن محلّ الكلام ، فإنّها ناظرة إلى ما إذا عيّن زكاته وأفرزها خارجاً وعزلها ليعطيها لعائلة من عوائل المسلمين.

وبما أنّ العيال يتضمّن النساء والقاصرين بطبيعة الحال ، ولا يتيسّر لهم غالباً الانتفاع من عين الزكاة التي هي من النقدين في غالب الأحوال إلّا بالتبديل بطعامٍ أو ثيابٍ ونحوهما ، ومن المعلوم عدم جواز التصرّف في الزكاة بعد الإفراز والعزل إلّا بإذن ممّن بيده الأمر.

فلأجل ذلك احتاج السائل إلى الاستجازة من الإمام (عليه السلام) في التصرّف المزبور ، ولذا قال : فأشتري لهم منها أي من تلك الزكاة لا أن يشتري لهم من ماله فيعطيه زكاةً كما هو محلّ الكلام ، فلم يقل : فاشتري لهم من مالي ، بل قال : منها أي من الزكاة فهو بيانٌ لكيفيّة الإعطاء ممّا عيّنه في الزكاة ، لا إعطاء نفس الزكاة.

وعلى الجملة : فرقٌ واضحٌ بين إعطاء القيمة بعنوان الزكاة ، وبين تبديل الزكاة المتعيّنة المفرزة خارجاً بجنسٍ آخر ، ومحلّ الكلام هو الأوّل ، ومورد الرواية الثاني ، فأحدهما أجنبي عن الآخر ، فلا يمكن الاستدلال بها للمطلوب بوجه.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١.

١٩٢

[٢٦٣٧] مسألة ٦ : المدار في القيمة على وقت الأداء (١) سواء كانت العين موجودة أو تالفة (*) لا وقت الوجوب ، ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة ، وإن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد التي هي فيه.

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّه كما يمكن دفع الزكاة من نفس النصاب يمكن دفعه من خارجه من نفس الجنس بلا حاجة إلى مراعاة القيمة ، ولو قصدها يلغو القصد ، إذ لا أثر له بعد أداء نفس الواجب. كما يمكن دفعه أيضاً من غير النجس بعنوان القيمة إذا كان من النقدين أي متمحّضاً في أعيان الأثمان دون غيرهما من سائر الأجناس ، بل ولا من نفس الجنس بهذا العنوان لو بنينا على عدم كفايته من خارج النصاب ، وإن كان المبنى خلاف التحقيق كما مرّ.

ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين أنحاء الأجناس الزكويّة من الأنعام والغلّات والنقدين حسبما عرفت بما لا مزيد عليه. كما لا فرق بين القدرة على الإخراج من نفس العين وعدمها بمقتضى الإطلاق.

(١) بعد ما تقدّم من جواز الإخراج بالقيمة بمقتضى صحيحة البرقي إمّا من خصوص النقدين أو ولو من غيرهما (١) ، تعرّض (قدس سره) لتعيين القيمة من

__________________

(*) هذا في فرض عدم الإفراز ، وأمّا في فرض الإفراز وكون التلف موجباً للضمان فالعبرة إنّما هي بقيمة يوم التلف ، كما أنّ المناط في الضمان قيمة البلد الذي تلفت العين فيه ، وأمّا إذا كانت العين موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد الذي هي فيه وإن كان الأحوط أعلى القيمتين.

(١) الوسائل ٩ : ١٦٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ١.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث الزمان والمكان وأنّ الاعتبار هل هو بوقت الأداء ، أم بزمان الوجوب وتعلّق الزكاة؟ وبالنظر إلى المكان ، هل المدار ببلد الإخراج ، أم ببلد العين؟ إذ لا ريب في جواز اختلاف القيمة باختلاف الأزمنة والأمكنة.

فذكر (قدس سره) أنّ الاعتبار من حيث الزمان بزمان الأداء سواء أكانت العين موجودة أم تالفة ، ومن حيث المكان ببلد العين إن كانت موجودة ، وببلد الإخراج إن كانت تالفة.

أقول : يقع الكلام في موردين ، والظاهر أنّ المتن ناظر إلى أوّلهما ، ونذكرهما معاً تتميماً للفائدة :

أحدهما : لحاظ القيمة قبل إفراز الزكاة وعزلها خارجاً.

والثاني : بعد العزل.

أمّا المورد الأوّل : فقد يفرض أنّ العين موجودة ، وأُخرى تالفة.

فإن كانت موجودة ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ الاعتبار بوقت الأداء كما ذكره في المتن ، لأنّ متعلّق الزكاة من مال الفقير أو غيره من سائر المصارف الثمانية موجودٌ في العين الخارجيّة ، فإنّ ذلك وإن لم يكن على نحو الشركة الحقيقيّة إلّا أنّه بالآخرة ليس المال بأجمعه ملكاً للمالك ، بل مقدارٌ منه للزكاة ، فإذا كانت العين الخارجيّة متعلّقة للزكاة فهو الآن مكلّفٌ بأداء نفس العين وإلّا فقيمتها ، فلا بدّ بطبيعة الحال من ملاحظة القيمة الفعليّة التي هي بدل عن العين الموجودة ، ولا عبرة بملاحظة القيمة السابقة التي قد تكون أكثر أو أقلّ.

وعلى الجملة : يجب عليه أن يعطي فعلاً شاةً واحدة ، فإمّا أن يعطيها بنفسها أو يؤدّي قيمتها ، ومن المعلوم أنّ مراعاة قيمة الشاة الفعليّة تستدعي لحاظ القيمة الحاليّة ، ولا اعتبار بما سبق ، فاحتمال كون العبرة بزمان الوجوب لو فرضنا وجود القائل به وهو غير معلوم لا نعرف له وجهاً أبداً.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا باعتبار البلد ، فلم يُعرَف وجهٌ لما ذكره الماتن من جعل العبرة ببلد وجود العين ، إذ بعد ما تقدّم من أنّه لا يجب الإخراج من عين المال الزكوي ، بل يجوز الدفع من خارج النصاب (١) ، وأنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون من ذاك البلد أو بلد آخر كما صرّح به (قدس سره) ، فمال الفقير بناءً على هذا وإن كان موجوداً في العين الخارجيّة إلّا أنّه لا يجب الإعطاء من نفسها ، بل الواجب دفع الشاة الكلّيّة ، الأعمّ من أن تكون من النصاب أو من غيره ، فله أن يدفع شاة أُخرى من بلدٍ آخر ، فإذا جاز جاز دفع قيمته بمقتضى صحيحة البرقي المتقدّمة.

وعلى الجملة : فما ذكره (قدس سره) من لزوم مراعاة قيمة بلد العين لا يجتمع مع ما تقدّم منه من جواز الإعطاء من خارج النصاب.

ومقامنا هذا أشبهُ شي‌ءٍ بإرث الزوجة من البناء وغيره ممّا لا ينقل ، حيث إنّ المعروف أنّها ترث قيمةً لا عيناً ، بمعنى : أنّ للوارث ولاية التبديل بالقيمة ، لا أنّها ترث القيمة ابتداءً ، لوضوح أنّ الميّت لم يترك إلّا العين دون القيمة ، فالزوجة ترث من نفس العين ، إلّا أنّ للورثة ولاية التبديل بالقيمة كما عرفت ، فلا جرم تكون العبرة بقيمة يوم الأداء ، فما لم تستوف حصّتها فهي شريكة مع سائر الورثة في ماليّة العين ، بداهة أنّها لم تأخذ القيمة مجّاناً ، بل بعنوان الإرث ، فشركتها معهم شركة في الماليّة لا في العين.

فهي أشبهُ شي‌ءٍ بالفقير وغيره من مصارف الزكاة فيما نحن فيه ، فإنّ الزكاة وإن كانت ملكاً له إلّا أنّ للمالك الذي هو الشريك الأعظم ولاية التبديل بالقيمة ، أو من مالٍ آخر من نفس الجنس.

__________________

(١) في ص ١٨٢ ، ١٨٩.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فحينما يريد الإعطاء لا بدّ من ملاحظة القيمة حال الأداء ليكون بدلاً عمّا هو ملك الفقير ، فكما أنّ العبرة من جهة الزمان بزمان الأداء فكذا من ناحية المكان ، فما ذكره (قدس سره) من أنّ العبرة ببلد العين إنّما يتّجه لو وجب الإخراج من نفس العين ، وليس كذلك ، بل الواجب الجامع بين أحد أُمور ثلاثة : من نفس النصاب ، وخارجه ، والقيمة. ومع التخيير بين هذه الأُمور لا موجب لمراعاة بلد العين بوجه.

هذا كلّه مع وجود العين.

وأمّا مع التلف ، فقد لا يوجب الضمان ، كما لو كان بآفة سماويّة من غير تفريط ، فلا كلام ، إذ لا يجب حينئذٍ شي‌ءٌ ليبحث عن تعيين القيمة.

وأُخرى يوجب ، لتفريط ، أو لاستناد التلف إليه.

وقد ذكر (قدس سره) أنّ العبرة حينئذٍ بقيمة وقت الأداء وبلد الإخراج ، وهو الصحيح كما ظهر وجهه ممّا مرّ ، فإنّ متعلّق الزكاة وإن كان هو العين الخارجيّة والفقير شريكٌ مع المالك شركة ما ، إلّا أنّ الواجب ليس هو الأداء من خصوص هذه العين ، فكما أنّه كان مخيّراً حال وجود العين في إعطاء شاة أُخرى من خارج النصاب فكذا الآن ، إذ لا أثر للتلف من هذه الناحية.

وبعبارة اخرى : فرقٌ واضحٌ بين ما يملكه الفقير أو غيره من سائر أصناف الزكاة وبين ما يجب على المالك ، فالذي يملكه الفقير هو ما يتعلّق بالعين الخارجيّة بنحوٍ من الشركة ، ولكن الواجب على المكلّف ليس العطاء من نفس هذه العين بالخصوص كما عرفت في إرث الزوجة من جواز التبديل بالقيمة وإن كان حقّها متعلّقاً بالعين ، فالوجوب المتوجّه بمن عليه الزكاة قد تعلّق بالأعمّ من دفع الشاة من عين النصاب أو من خارجه أو من القيمة ، ولم يتغيّر هذا الوجوب ولم يتبدّل بالتلف ، فيجوز عليه الآن أيضاً دفع شاة أُخرى ، فإذا جاز

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك جاز دفع القيمة أيضاً بمقتضى صحيحة البرقي كما تقدّم.

إذن تكون العبرة بزمان الأداء ووقت تفريغ الذمّة من الزكاة.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّه في مقام الأداء لا بدّ من مراعاة القيمة الفعليّة من جهة الزمان والمكان ، بلا فرقٍ في ذلك بين أن يكون المال الزكوي موجوداً أو تالفاً.

وأمّا المورد الثاني أعني : ما لو كان قد عزل الزكاة وأفرزها خارجاً وبعدئذٍ أراد دفع القيمة ـ : فقد يفرض أنّه موجود وأُخرى تالف ، وهذا أمر آخر أجنبي عن مورد كلام الماتن كما مرّ ، وسيجي‌ء إن شاء الله : أنّ للمالك الإفراز ورفع الشركة بالعزل لغايةٍ من الغايات ، وبعد ما عزل تتعيّن الزكاة فيه ، وهو أمانة شرعيّة في يده لا يجوز التصرّف فيه ولا التبديل بالقيمة ، لأنّ دليل التقويم منصرفٌ عن المقام ، فإنّه ناظرٌ إلى جعل القيمة زكاةً لا جعل الزكاة قيمةً كما لا يخفى.

وإذا فرضنا في موردٍ جواز التصرّف كما ذكرناه في الصحيحة المتقدّمة (١) المرويّة عن قرب الإسناد كانت العبرة بقيمة وقت التبديل بطبيعة الحال ، لأنّ شخص المال ملك الفقير ، غايته أنّه جاز له التصرّف فيه فيخرجه بقيمته الفعليّة لا محالة.

وكيفما كان ، فليس له التبديل بالقيمة بعد العزل ما لم يقم عليه دليل من الخارج ، وليس له الإعطاء من الخارج لا من الجنس ولا من غيره.

هذا إذا كان موجوداً.

وأمّا مع التلف ، فإن لم يستند إليه ولم يفرّط فلا ضمان أصلاً ، وإلّا فيجري

__________________

(١) في ص ١٩١.

١٩٧

[٢٦٣٨] مسألة ٧ : إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأُنثى وبالعكس (١) ، كما أنّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن وبالعكس وإن اختلفت في القيمة ، وكذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء ، كما أنّ في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر وبالعكس ، وكذا في الإبل يجوز دفع البَخاتي عن العِراب وبالعكس ، تساوت في القيمة أو اختلفت.

______________________________________________________

فيه ما ذكروه في ضمان المثلي والقيمي :

فيضمن المثل في الأوّل ، ولا تلاحظ معه القيمة أبداً ، فلو كانت العين الزكويّة التالفة بعد العزل خمسة دنانير مثلاً ضمن خمسة أُخرى مثلها.

ويضمن القيمة في الثاني ، كما في مثل الحنطة والشعير ، ويجري فيه ما ذكروه في القيميّات من أنّه هل العبرة بزمان التلف أو زمان الأداء كما اختاره الماتن في حاشية المكاسب (١) ، أو أعلى القيم من التلف أو الأداء.

وقد ذكرنا في محلّه : أنّ الأحوط مراعاة أعلى القيم ، ولكن الأظهر ضمان يوم الغصب ويوم الخيانة ، وفي المقام ضمان يوم التفريط والتفويت ، وذلك لصحيحة أبي ولّاد الدالّة على أنّ العبرة بقيمة بغل يوم خالفته ، الذي هو يوم الضمان ، على تفصيلٍ ذكرناه في بحث المكاسب (٢).

(١) لا ريب انّ عنوان الشاة المأخوذة في قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة» كلّي طبيعي صادق على الذكر والأُنثى والمعز والضأن بمناطٍ واحد.

__________________

(١) حاشية السيد اليزدي على المكاسب : ٩٩.

(٢) مصباح الفقاهة ٣ : ١٧٦ ١٨٤.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ، وقد تقدّم عدم وجوب الدفع من نفس النصاب (١) ، بل يجوز إعطاء الشاة الكلّيّة المأمور بها من خارج النصاب ، بل حتى من بلدٍ آخر كما مرّ (٢).

ونتيجة ذلك : أنّ النصاب في الغنم لو كان جميعه من الذكور جاز دفع الأُنثى وبالعكس.

وكذلك الحال بالنسبة إلى المعز والضأن.

وكذا الحال في صورة الاختلاف من غير ملاحظة القيمة في شي‌ءٍ من ذلك ، فله الدفع من أيّ الصنفين شاء كما ذكره في المتن.

وكذلك الحال في البقر والجاموس ، فيجوز دفع كلّ منهما عن الآخر ، لأنّ الدليل الأوّلي الحاصر للزكاة في التسعة وإن خصّ الحكم بالبقر مصرّحاً بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) وضع الزكاة فيها وعفا عمّا عداها (٣) ، إلّا أنّ صحيحة زرارة المتضمّنة : أنّ في الجاموس مثل ما في البقر (٤) ، كشفت عن أنّهما طبيعة واحدة في هذا الحكم وإن اختصّ أحدهما باسم خاصّ نظير المعز والضأن ، ومقتضى ذلك إجزاء كلّ منهما عن الآخر ، ومعه لا حاجة إلى ملاحظة التقسيط في القيمة كما ذكره في الجواهر (٥) ، إذ لا وجه له بعد ما عرفت من اتّحادهما في الحكم بمقتضى الصحيح المتقدّم ، فيجزئ تبيع الجاموس في نصاب البقر وبالعكس.

وما ذكره في الجواهر من أنّ هناك خطابين تعلّق أحدهما بالبقر والآخر بالجاموس ، فلكلّ منهما نصاب مستقلّ ، فمع التلفيق يتّجه التقسيط ومراعاة

__________________

(١) في ص ١٨٣.

(٢) في ص ١٨٥.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٧ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨ ح ١٠.

(٤) الوسائل ٩ : ١١٥ / أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ١.

(٥) الجواهر ١٥ : ١٥١ ١٥٢.

١٩٩

[٢٦٣٩] مسألة ٨ : لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشاب والهرم في الدخول في النصاب والعدّ منه (١).

لكن إذا كانت كلّها صحاحاً لا يجوز دفع المريض ، وكذا لو كانت كلّها سليمة لا يجوز دفع المعيب ، ولو كانت كلّ منها شابّاً لا يجوز دفع الهرم ، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط إخراج الصحيح ، من غير ملاحظة التقسيط.

______________________________________________________

الأمرين (١).

غير ظاهر الوجه ، كيف؟! ولازم تعدّد الخطابين واستقلال النصابين عدم وجوب شي‌ء أصلاً لدى التلفيق ، لكون كلّ من الجنسين دون النصاب ، فلو كان عنده خمسة عشر من البقر ومثلها من الجاموس ، فحيث لم يكمل بعدُ شي‌ء من النصابين لا زكاة عليه بتاتاً ، كما لو كان عنده عشرون من الشياه وعشرون من البقر ، فلازمه سقوط الزكاة دون التقسيط.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في الإبل البخاتي والعرابي ، فيجوز دفع كلّ منهما عن الآخر ، سواء تساوت القيمة أو اختلفت.

(١) فالكلّ محسوب من النصاب بلا خلاف ، لإطلاق الأدلّة.

وأمّا في مقام الدفع والأداء ، فهل يعتبر أن يكون المدفوع من قسم الصحيح فلا يجزئ المريض أو المعيب؟

للمسألة صورٌ ثلاث ، إذ :

تارةً : تكون الشياه أو غيرها ممّا يتألف منها النصاب كلّها شباباً صحاحاً.

وأُخرى : كلّها مراضاً أو معيبة.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٥٢.

٢٠٠