موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الثالث : الخيل الإناث ، دون الذكور ، ودون البغال والحمير (١)

______________________________________________________

عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذر» (١).

وهاتان الطائفتان كما ترى متعارضتان ، لأنّ قوله (عليه السلام) : «فيه الزكاة» وقوله : «ليس فيه الزكاة» متهافتان في نظر العرف ، وغير قابلين للتصرّف بالحمل على الاستحباب.

وإنّما التزمنا به أي بالاستحباب فيما تقدّم من الحبوب لدليل التصديق الثابت من الخارج كما مرّ (٢) ، ولم يرد مثل ذلك الدليل في المقام.

إذن تستقرّ المعارضة هنا ، فإمّا أن يُحمل ما دلّ على الزكاة على التقيّة كما لا يبعد أو تسقطان ، وعلى التقديرين فلم يثبت الاستحباب الشرعي بعنوان الزكاة.

نعم ، لا بأس بعنوان مطلق البرّ والتصدّق كما مرّ في الثمار (٣).

(١) بلا خلافٍ فيه كما تشير إليه صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) جميعاً : «قالا : وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البرازين ديناراً» (٤).

وصحيحة زرارة : هل في البغال شي‌ء؟ «فقال : لا» ، فقلت : فكيف صار

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٧٤ / أبواب ما تجب عليه الزكاة ب ١٤ ح ١.

(٢) في ص ١٣٧.

(٣) في ص ١٣٩.

(٤) الوسائل ٩ : ٧٧ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ١.

١٤١

والرقيق (١).

______________________________________________________

على الخيل ولم يصر على البغال؟ «فقال : لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء» قال : قلت : فما في الحمير؟ «قال : ليس فيها شي‌ء» (١).

لوضوح قصور دلالتهما على الوجوب :

أمّا الاولى : فلأنّ إسناد الوضع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يوعز إلى عدم ثبوته في أصل الشرع ، وإلّا لأسنده إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) كما في بقيّة الأعيان الزكويّة ، فلعلّ ذلك منه (عليه السلام) كان لمصلحةٍ وقتيّة وسياسة اقتضتها آن ذاك.

وأمّا الثانية : فلأنّ غايتها الدلالة على التفرقة بين إناث الخيل وذكورها بالانتاج ، وهو كما يصلح فارقاً للوجوب يصلح فارقاً للاستحباب أيضاً.

ولو سُلّم دلالتهما على الوجوب فتحملان على الاستحباب ، جمعاً بينهما وبين النصوص المستفيضة المتقدّمة الحاصرة للزكاة الواجبة في الحيوانات في الأنعام الثلاثة وأنّه (صلّى الله عليه وآله) عفا عمّا سوى ذلك ، فتدبّر.

(١) فلا زكاة فيها إلّا إذا اتّجر بها ، كما تضمّنته موثّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : ليس على الرقيق زكاة ، إلّا رقيق يبتغي به التجارة ، فإنّه من المال الذي يزكّى» (٢) ، فيستحبّ بذاك العنوان لو قلنا به.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٧٨ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٧٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٧ ح ٢.

١٤٢

الرابع : الأملاك والعقارات التي يراد منها الاستنماء ، كالبستان ، والخان ، والدكان ونحوها (١).

[٢٦٣١] مسألة ١ : لو تولّد حيوان بين حيوانين ، يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة وعدمها (٢) ، سواء كانا زكويّين أو غير زكويّين أو مختلفين ، بل

______________________________________________________

وأمّا ما في صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) : أنّهما سُئلا عمّا في الرقيق «فقالا : ليس في الرأس شي‌ءٌ أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول ، وليس في ثمنه شي‌ء حتى يحول عليه الحول» (١).

فيمكن حمله على الاستحباب ، كما يمكن حمل الصاع على زكاة الفطرة. ويراد من حلول الحول : مضيّ رمضان وحلول عيد الفطر الذي قد يُعبّر عنه بابتداء سنة جديدة ، وهذا غير بعيد كما لا يخفى.

(١) هذا وإن كان معروفاً إلّا أنّه لا دليل عليه كما اعترف به غير واحد ، عدا ما ذكره في الجواهر من دخولها في مال التجارة (٢) ، نظراً إلى أنّ التكسّب والاتّجار كما يكون بنقل العين كذلك قد يكون باستنمائها مع بقائها.

ولكنّه كما ترى ، لظهور مال التجارة في نفس الأعيان ، فلا يصدق على النماءات بوجه ، ولا سيّما إذا كان الاستنماء بقصد التعيّش بالنماء لنفسه وعائلته وضيوفه ونحو ذلك.

(٢) فإن أُطلق عليه اسم الحيوان الزكوي وجبت فيه الزكاة ، وإلّا فلا ، سواء

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٧٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٧ ح ١.

(٢) الجواهر ١٥ : ٢٩١.

١٤٣

سواء كانا محلّلين أو محرّمين أو مختلفين ، مع فرض تحقّق الاسم حقيقةً لا أن يكون بمجرّد الصورة ، ولا يبعد ذلك ، فإنّ الله قادر على كلّ شي‌ء.

______________________________________________________

وافق في ذلك أبويه أو أحدهما أم خالفهما وسواء تولّد من محلّلين أو محرّمين أو مختلفين.

وعن المسالك : إنّ المتولّد من حيوانين محرّمين محرّم الأكل وإن خالفهما في الاسم.

ولكنّه غير ظاهر ، لعدم الدليل على التبعيّة في الأحكام ، إلّا فيما عُدَّ من الأجزاء ولو بنحوٍ من التوسعة ، كما في البيض الذي ورد فيه أنّه من محلّل الأكل محلّل ومن محرّمه محرّم.

وأمّا المولود الذي هو موجودٌ مستقلّ ولا يكاد يعدّ بعد الولاة جزءً ممّن تولّد منه بتاتاً فلا دليل على متابعته لوالديه في الأحكام أبداً ، بل مقتضى القاعدة حينئذٍ : ملاحظة الاسم كما هو الشأن في جميع الأحكام المتعلّقة بموضوعاتها الدائرة مدار صدق عناوينها ، سواء طابق من تولّد منه أم خالف.

نعم ، ربّما لا يقع الفرض خارجاً في المتخالفين إلّا إذا كانا متقاربين في الجنس ، كأن يتولّد من الفرس والحمار بغل ، أو من الكلب والذئب ما يشبه بعض أجزائه لهذا والبعض الآخر لذاك ، دون أن يتولّد من الكلب والخنزير شاة مثلاً ، فإنّ مثل هذا الفرض لعلّه لا وقوع له خارجاً وإن كان الله تعالى قادراً على كلّ شي‌ء.

وكيفما كان ، فلا نزاع لنا في المصداق والاعتبار على تقدير التحقّق بصدق الاسم في ترتّب الأحكام بأجمعها من تعلّق الزكاة أو حلّيّة الأكل وغيرهما.

١٤٤

فصل

في زكاة الأنعام الثلاثة

ويشترط في وجوب الزكاة فيها مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة أُمور :

الأوّل : النصاب ، وهو في الإبل اثنا عشر نصاباً (١) :

الأوّل : الخمس ، وفيها شاة.

الثاني : العشر ، وفيها شاتان.

الثالث : خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : العشرون ، وفيها أربع شياه.

الخامس : خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

السادس : ستّ وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

السابع : ستّ وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ، بل عليه إجماع المسلمين كما ادّعاه غير واحد ، تشرع من

١٤٥

الثامن : ستّ وأربعون ، وفيها حقّة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع : إحدى وستّون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

العاشر : ستّ وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

الحادي عشر : إحدى وتسعون ، وفيها حقّتان.

______________________________________________________

الخمس فلا زكاة فيما دونه وفيه شاة ، وفي العشر شاتان ، وهكذا إلى خمس وعشرين وفيها خمس شياه ، ثمّ ستّ وعشرون وفيها بنت مخاض ، إلى آخر ما ذكره في المتن.

ويدلّ عليه غير واحد من النصوص ، وجملة منها صحاح ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة ، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقّة وإنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها إلى ستّين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت فحقّتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون» (١).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠٨ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوها صحيحة أبي بصير (١) وعبد الرّحمن بن الحجّاج (٢) وغيرها.

هذا ، وقد نسب الخلاف إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد في النصاب السادس وهو الستّ والعشرون بإنكاره رأساً وإسقاطه ، وإيجاب بنت المخاض في النصاب الخامس ، وهو الخمس والعشرون (٣).

ولكن النسبة وإن صحّت في ابن أبي عقيل إلّا أنّها غير تامّة بالإضافة إلى ابن الجنيد ، فإنّه لم ينكر النصاب السادس ، وإنّما خلافه مع المشهور فيما يجب في النصاب الخامس ، فذكر أنّ الواجب حينئذٍ بنت مخاض إن أمكن وإلّا فابن لبون وإن لم تكن فخمس شياه ، خلافاً للمشهور حيث ذهبوا إلى وجوب خمس شياه ابتداءً ، فهو مذعن بالنصاب السادس ، والمنكر لموضوعه هو ابن أبي عقيل خاصّة كما صرّح به العلّامة في المختلف عل ما حكاه في الحدائق (٤).

وكيفما كان ، فمستندهما في ذلك أي في إيجاب بنت مخاض في النصاب الخامس صحيحة الفضلاء ، عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) : «قالا في صدقة الإبل : في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً وثلاثين ، فإذا بلغت خمساً وثلاثين ففيها ابنة لبون» إلخ (٥).

وقد أُجيب عنها :

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٠ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤.

(٣) المدارك ٥ : ٥٣.

(٤) المختلف ٣ : ٤٣ وفي الحدائق ١٢ : ٤٤.

(٥) الوسائل ٩ : ١١١ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تارةً : بالحذف والإضمار بتقدير جملة : وزادت واحدة ، بعد قوله : «فإذا بلغت ذلك» وإنّما لم يذكر في اللفظ للعلم بفهم المخاطب.

وأُخرى : بالحمل على ضربٍ من التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة.

وأورد المحقّق في المعتبر على الثاني بأنّه كيف يُحمَل على التقيّة ما صار إليه جماعةٌ من محقّقي الأصحاب وما رواه أحمد بن محمّد البزنطي (١)؟! أقول : لم يتّضح لنا المراد من الإيراد ، فإنّ مضمون الصحيحة لم يُنسَب إلّا إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد كما سمعت ، فكيف يسنده (قدس سره) إلى جماعة من محقّقي الأصحاب؟! على أنّ رواية البزنطي لها كيف تمنع عن الحمل على التقيّة بعد أن عرفت من موافقتها لمذهب العامّة كما يفصح عنه ما في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج بعد ذكر النصاب السادس من قوله : وقال عبد الرّحمن هذا فرق بيننا وبين الناس (٢).

والظاهر أنّه لا بدّ من الالتزام بالحذف والإسقاط ، لأنّه هب أنّا عالجنا هذه الفقرة بالحمل على التقيّة ، ولكن ما هو العلاج في بقيّة الفقرات من سائر النصب حيث جعل الحدّ فيها أيضاً خمساً وثلاثين وخمساً وأربعين وستّين وهكذا؟ مع أنّه يعتبر في جميع هذه النصب زيادة واحدة باتّفاق الخاصّة والعامّة ، فلا مناص من الالتزام بالسقط في جميعها ، لسهوٍ من الراوي أو من الكتّاب والنسّاخ.

والذي يكشف عنه أو يؤيّده : أنّ الصدوق في معاني الأخبار روى نفس هذه الرواية بعين السند والمتن إلّا أنّه قال على ما في بعض النسخ الصحيحة ـ : «فإذا بلغت خمساً وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض إلى أن قال : ـ

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٠٠.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٠ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا بلغت خمساً وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون» وهكذا زيدت هذه الجملة في جميع تلك الفقرات ، فلاحظ الوسائل (١).

وعليه ، فلا ينبغي التأمّل في ضعف ما نسب إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

ثمّ إنّ هناك خلافاً آخر في النصاب العاشر أعني : ستّاً وسبعين منسوباً إلى الصدوقين ، وهو أنّهما ذكرا أنّها إذا بلغت إحدى وستّين التي فيها جذعة ليس بعد ذلك فيها شي‌ء إلى أن تبلغ ثمانين ، فإن زادت واحدة ففيها ثني (٢).

وهذا لم يُعرَف له مستندٌ عدا الفقه الرضوي ، ولكن في حجّيّته بل في كونه رواية تأمّل ، بل منعٌ كما مرّ مراراً ، فلا يصلح لمعارضة ما سبق.

نعم ، روى المحقّق الهمداني (٣) مضمونه عن خبر الأعمش المرويّ عن الخصال في حديث شرائع الدين ، لكن الرواية غير مذكورة لا في الحدائق ولا الجواهر ، وكأنهما غفلا عن مراجعة الوسائل أو لم يجداها فيه ، كما أنّ صاحب الوسائل أيضاً غفل عن أن يذكرها في هذا الباب المناسب أعني : تقدير نصب الإبل بل ذكرها في الباب العاشر من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح ١ ، من غير أن يشير هنا إلى ما تقدّم مع أنّ الأولى ذكرها هنا ، ولا أقلّ من الإشارة إلى ما مضى ، وهي مذكورة في الخصال (٤).

وكيفما كان ، فهي ضعيفة السند كما أشار إليه المحقّق الهمداني (قدس سره) ، لاشتمال طريق الصدوق إلى الأعمش على عدّة من المجاهيل.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١٢ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٧ ، معاني الأخبار ٣٢٧ / ١ (انظر الهامش رقم ١ منه).

(٢) الحدائق ١٢ : ٤٨ ٤٩.

(٣) مصباح الفقيه ١٣ : ١٢٧ ١٢٨.

(٤) الخصال : ٦٠٥ / ٩.

١٤٩

الثاني عشر : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ، بمعنى : أنّه يجوز أن يحسب أربعين أربعين (*) (١) وفي كلٍّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلٍّ منها حقّة ، ويتخيّر بينهما مع المطابقة لكلٍّ منهما أو مع عدم المطابقة لشي‌ءٍ منهما ، ومع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها ، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفواً ، ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقّق المطابقة لكلٍّ منهما ، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار الخمسين ، وفي المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين ، وفي المائتين وستّين يكون الخمسون أقلّ عفواً ، وفي المائة وأربعين يكون الأربعون أقلّ عفواً.

______________________________________________________

(١) لا ريب بمقتضى النصوص المتقدّمة في أنّ الواجب في النصاب الأخير وهو ما زاد على المائة والعشرين في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون. إنّما الكلام في تفسيره ، وقد فسّره في المتن بالتخيير بين الاحتسابين وجواز لحاظ كلٍّ منهما.

وتفصيل الكلام في المقام : أنّ هذا النصاب ينقسم على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون الزائد على المائة والعشرين قابلاً للانقسام على كلٍّ من الخمسين والأربعين ، وهذا كالمائتين فإنّه يتضمّن أربع خمسينات وخمس أربعينات ، ولا إشكال كما لا خلاف في جواز الاحتساب بكلٍّ منهما شاء ، فيجوز أن يحسب أربعين أربعين وفي كلٍّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلٍّ منها

__________________

(*) بل بمعنى أنّه يتعيّن عدّها بما يكون عادّاً لها من خصوص الخمسين أو الأربعين ، ويتعيّن عدّها بهما إذ لم يكن واحدٌ منهما عادّاً له ، ويتخيّر بين العدّين إذا كان كلٌّ منهما عادّاً له ، وعليه فلا يبقى عفو إلّا ما بين العقود.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

حقّة ، ومن الواضح عدم وجوب الجمع بأن يحسب تارةً بهذا النحو وتارةً اخرى بذاك النحو ، ضرورة أنّ المال الواحد لا يزكّى في العام الواحد إلّا مرّة واحدة ، وهذا واضح لا سترة عليه ، فهو مخيّر بين العدّين فيما إذا كان كلٌّ منهما عادّاً له.

ثانيها : أنّ يكون قابلاً للانقسام على أحدهما دون الآخر ، فيكون العادّ له خصوص الخمسين أو خصوص الأربعين ، وهذا كالمائة والخمسين المتضمّنة لثلاث خمسينات أو المائة والستّين المتضمّنة لأربع أربعينات ، وقد ذكر الماتن أنّ الأحوط مراعاة المطابقة لأحدهما ، فيحسب بما هو عادّ له كي لا يبقى شي‌ء لا يزكّى ، ففي المثال الأوّل يحاسب في كلّ خمسين خمسين ، وفي الثاني في كلّ أربعين أربعين ، فهو (قدس سره) يرى جواز الاحتساب بكلٍّ منهما إلّا أنّ مراعاة المطابقة أحوط.

ثالثها : أن لا يكون قابلاً للانقسام على شي‌ءٍ منهما ، وهذا كالمائة والسبعين ، حيث إنّه لو قُسِّم على الخمسين يزيد عشرون ، ولو قُسِّم على الأربعين يزيد عشرة ، وقد ذكره (قدس سره) أنّ الأحوط هنا مراعاة الأقلّ عفواً ، فيختار الأربعين في المثال الذي عفوه أقلّ من الآخر ، هكذا ذكره الماتن وصاحب الجواهر (١) وغيرهما.

ولكن غير واحدٍ من الأعلام ذكروا : أنّ اللّازم في مثل ذلك أي فيما لم ينطبق على شي‌ءٍ منهما التلفيق ، بأن يلاحَظ مقدارٌ بحساب الخمسين ومقدارٌ آخر بحساب الأربعين ، الذي لازمه انتفاء موضوع العفو ، لعدم تصور الزيادة حينئذٍ في العقود أي العشرات أبداً.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٨٠ ٨١.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجه عدم الزيادة ظاهر ، لأنّ هذا النصاب أعني : مائة وواحدة وعشرين يتألف من ثلاث أربعينات ، فإن كان الزائد عشرة تضاف على واحد منها فيصير خمسيناً وأربعينين ، وإن كان عشرين يضاف على اثنين منها فيصير أربعين وخمسينين ، وإن كان ثلاثين يضاف على كلٍّ منها فيصير ثلاث خمسينات ، وإن كان أربعين فيحاسب بحياله في قبال تلك الثلاثة ، فلا تُتصوّر زيادة عقدٍ ليُتكلّم في العفو عنه ويراعَى الأقلّ عفواً ، اللهمّ إلّا الزيادة فيما بين العقود أعني : من الواحد إلى التسعة كما لو كان المجموع ١٦٥ مثلاً ، إلّا أنّ ذلك معفوٌّ قطعاً وعلى أيّ تقدير ، للنصّ الخاصّ الدالّ عليه كما ستعرف (١) ، وإلّا فلا تكاد تُتصوّر الزيادة في نفس العقود ، فلو كان المجموع ١٧٠ فهو مؤلّف من ثلاث أربعينات وخمسين ، ولو كان ١٣٠ فمؤلّف من خمسين وأربعينين وهكذا.

وهل تلزم مراعاة التلفيق أو أنّه مخيّر بين الاحتسابين زاد أم لا؟

الظاهر أنّه لا بدّ من التلفيق. وعليه لا يمكن فرض الزيادة إلّا فيما بين العقود كما عرفت.

والوجه فيه : أنّا لو فرضنا أنّ الإبل الموجود مائة وأربعون ، بحيث لو حاسب بحساب الأربعين لزاد عشرون ، ولو حاسب بحساب الخمسين لزاد أربعون ، أفهل يمكن في مثله المصير إلى التخيير وإن استلزم زيادة الأربعين مع أنّ هذا الأربعين الزائد بنفسه مصداقٌ لقوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين ابن لبون»؟ فكيف لا يزكّى هذا العدد مع ذاك العموم؟! ولا وجه لتخصيص الحساب في هذا المثال بالأربعين ليكون الزائد عشرين ، فإنّه مخالفٌ لفرض التخيير المدّعى كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ١٥٥ في قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء (وليس على النيِّف شي‌ء ولا على الكسور).

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فمن هذا نستكشف أنّه لا يلزم أن يكون الحساب بأحدهما فقط ، بل هذه كبرى كلّيّة مجعولة كسائر الأحكام الشرعيّة على سبيل القضايا الحقيقيّة المتعلّقة بالموضوع المقدّر وجوده ، وأنّ فيما زاد على المائة والعشرين لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون ، أي كلّ فرد فُرِض في الخارج وكان مصداقاً لذلك فهو محكومٌ بهذا الحكم ، إلّا أن يكون قد عرضه المُسقِط من ناحيةٍ أُخرى ، كما لو كان العددان كلّيهما عادّين مثل المائتين ، فإنّه لو حاسب بحساب الخمسين فقد عرض المسقط بهذا العنوان ، فلم يبق مجال للحساب بملاحظة الأربعين ، لما عرفت من أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين ، وكذا الحال في العكس.

ونحوه ما لو كان أحدهما خاصّة عادّاً كالمائة والخمسين مثلاً فإنّه لو حاسب بحساب الخمسين فقد استوعب وسقط ولم يبق بعدُ مجال لملاحظة الأربعين ، لما عرفت من أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين ، وهذا بخلاف ما لو حاسب الأربعين ، لأنّه يزيد حينئذٍ ثلاثون ، فبأيّ مسوّغ لا يدفع زكاة هذا العدد بعد أن كان يمكنه دفع زكاته بعنوان كلّ خمسين وكان مشمولاً للإطلاق؟! وفي المائة والستّين بعكس ذلك ، أي يتعيّن الحساب بملاحظة الأربعين دون الخمسين.

وأمّا إذا لم يكن مُسقِطٌ في البين ، كما إذا لم يكن شي‌ء من العددين عادّاً كالمائة والسبعين ، فإنّه لا مناص في مثله من التلفيق ليستوعب كلّ خمسين أو أربعين يمكن فرضه فيها.

وعلى الجملة : يكفي في إثبات التلفيق عموم قوله (عليه السلام) : «لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون» ، فإنّه يدلّنا على أنّ كلّ فَرضٍ فُرِض في الخارج وكان مصداقاً لذلك فهو محكومٌ بهذا الحكم ، فلو فرضنا أنّ عدد الإبل مائة وثلاثون ، وقد قسّمناها في الخارج ثلاثة أقسام ، فوضعنا في جانبٍ خمسين ،

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي جانبٍ آخر أربعين ، وفي جانبٍ آخر أيضاً أربعين ، كان هذا التقسيم مصداقاً لذلك العام ، فيشمله لا محالة ، ولأجله يجب دفع حقّة وبنتي لبون ، ومع هذا كيف يسوّغ لنا أن ندفع عن كلّ خمسين حقّة ولا ندفع الزكاة عن الثلاثين الباقية ، إذ بعد أن شملها العموم بذاك العنوان أي بعنوان أربعين وأربعين وخمسين فبأيّ موجب يحاسب بحساب كلّ خمسين كي لا يدفع زكاة هذه الكمّيّة أعني : الثلاثين؟! فإنّ سقوط الزكاة يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل هنا ، وإنّما الدليل كان في الفرضين الأوّلين أعني : ما لو كان كلّ منهما أو أحدهما عادّاً باعتبار أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين كما عرفت ، فقد عرض المسقط هناك بعنوانٍ آخر ولا مسقط في المقام.

والحاصل : أنّ مقتضى العموم المزبور المجعول على سبيل القضيّة الحقيقيّة : لزوم الدفع عن كلّ خمسين حقّة وعن كلّ أربعين بنت لبون ، وهذا تختلف مصاديقه وتطبيقاته خارجاً حسب اختلاف الموارد من حيث كون العددين عادّاً وعدمه.

فقد ينتج التخيير ، كما لو كانا معاً عادّين كالمائتين ، فيجوز الدفع بأيّ عنوانٍ شاء ، ولا يبقى بعدُ مجال للدفع بالعنوان الآخر ، بل ربّما يجوز له الجمع بين العنوانين بالتقسيط ، كما لو كان عدد الإبل أربعمائة ، فإنّه كما يجوز له دفع ثمان حقّق أي عن كلّ خمسين حقّة أو دفع عشرة بنات لبون أي عن كلّ أربعين بنت لبون كذلك يجوز له التنصيف بأن يدفع في نصفه عن كلّ خمسين حقّة وفي نصفه الآخر عن كلّ أربعين بنت لبون ، فيدفع أربع حقق وخمس بنات لبون ، كلّ ذلك للإطلاق.

وقد ينتج لزوم العدّ بأحدهما خاصّة فيما إذا كان هو عادّاً دون الآخر ، كما في المائة والخمسين أو المائة والستّين ، فيتعيّن لحاظ الخمسين في الأوّل والأربعين

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في الثاني المستوعب للجميع ، ولا مجال للعكس ، للزوم إلغاء الثلاثين في الأوّل والعشرة في الثاني من غير موجبٍ يقتضيه ، ولا دليل يدلّ على السقوط.

وقد ينتج التلفيق أي لزوم العدّ بهما معاً كما إذا لم يكن شي‌ءٌ منهما عادّاً حسبما عرفت ، وفي جميع التقادير لا تلزم زيادة في نفس العقود أبداً ، فلا موضوع للعفو ليراعى الأقلّ عفواً.

وممّا يؤكّد ما ذكرناه واستظهرناه من جواز التلفيق : قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء : «وليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور» (١).

فإنّ الاقتصار في العفو على التعرّض للنيف وهو ما بين العقود ، أي من الواحد إلى التسع وترك التعرّض لنفس العقود أقوى شاهد على صحّة التلفيق ، إذ عليه لا موضوع لتصوّر الزيادة في نفس العقود ليتعرّض للعفو ، وإلّا فعلى القول الآخر لماذا أهملها مع أنّها أولى بالتعرّض ممّا بينها كما لا يخفى؟!

فإن قلت : لزوم الاحتساب بخصوص العدد المستوعب فيما إذا كان أحدهما عادّاً وانتفاء التخيير لا ينطبق على النصاب الأخير الذي هو مورد الصحيح أعني : مائة وواحداً وعشرين إذ عليه كان اللازم الاقتصار على ذكر الأربعين فقط ، وإلّا لزم تخصيص المورد المستهجن ، فانطباق التخيير على المورد يدلّنا على جواز الاحتساب بحساب كلّ خمسين ، المستلزم للعفو عن العشرين الزائد.

قلت : لو كان النصاب الأخير مختصّاً بما ذكر لاتّجه ما أُفيد ، ولكنّه كلّي يشرع من مائة وواحد وعشرين فما زاد ، وهذا العدد فردٌ من ذاك الكلّي لا أنّه بنفسه مورده المختصّ ، وعليه فالواجب فيما قبله من سائر النصب شي‌ءٌ مشخّص معيّن كبنت مخاض أو ابن لبون أو جذعة وهكذا ، وأمّا في هذا النصاب فالواجب

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١١ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

١٥٥

[٢٦٣٢] مسألة ١ : في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزئ عنها ابن اللبون (١) ، بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختياراً أيضاً (*) ، وإذا لم يكونا معاً عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء.

______________________________________________________

عنوانٌ كلّي وهو أنّ في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين ابن لبون ، وهذا مطّرد في جميع أفراد الكلّي من هذا النصاب على اختلاف مراحل التطبيق ونتائجها ، التي هي التخيير فيما كان كلٌّ منهما عادّاً ، وتعيّن عدّها بهما إذا لم يكن شي‌ء منهما عادّاً ، وتعيّن عدّها بخصوص ما يكون عادّاً من الخمسين أو الأربعين ، وهذا لا ينافي انطباق مبدأ الشروع على الأربعين ولزوم عدّه به كما هو ظاهر جدّاً.

ولا ينافي ما ذكرناه الاقتصار على الخمسين في بعض النصوص ، المستلزم لجواز الاحتساب في مائة وواحد وعشرين عن كلّ خمسين حقّة والعفو عن العشرين الزائد ، وذلك للزوم تقييدها بالنصوص الأُخر المشتملة على ضمّ الأربعين إلى الخمسين ، والناطقة بأنّ في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون.

وعلى الجملة : فما ذكرناه واستظهرناه من الروايات من تفسير «لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون» بما بيّناه هو الظاهر المتفاهم عرفاً من مثل هذه العبارة ، دون التخيير الذي ذكره الماتن وصاحب الجواهر (١) وغيرهما كما لا يخفى.

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال كما نطقت به صحيحتا زرارة وأبي بصير المصرّحتان بأنّه : «إن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» (٢).

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) الجواهر ١٥ : ٨١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٠٨ و ١٠٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١ ، ٢.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا صحيحة زرارة الأُخرى ، قال (عليه السلام) فيها : «ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه» (١).

وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في جهات :

الاولى : هل الحكم خاصّ بمن لم تكن عنده بنت مخاض فالبدليّة طوليّة. أو أنّ أحدهما في عرض الآخر فيجزئ عنها حتى اختياراً ومع كونه واجداً لها؟

المشهور هو الثاني كما اختاره في المتن ، ولكن ظواهر النصوص المتضمّنة للجملة الشرطيّة وتعليق ابن اللبون بما إذا لم تكن عنده بنت مخاض هو الأوّل ، ومن هنا صرّح جماعة بعدم الإجزاء مع الاختيار.

وعلّل في الجواهر (٢) ما اختاره المشهور بعد أن قوّاه ـ :

تارةً : بقيام علوّ السنّ مقام الأنوثة.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّه مجرّد استحسان لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكمٍ شرعي ، ولعلّ في الأنوثة خصوصيّة لا نعرفها ، فالاكتفاء بغيرها يشبه الاجتهاد في مقابلة النصّ.

وأُخرى : بأنّ الشرط المذكور في النصوص يراد به صورة الشرط لا حقيقته ليدلّ على المفهوم ، وإلّا كان اللازم عدم جواز دفع بنت المخاض فيما إذا لم تكن موجودة عنده حال الوجوب ثمّ حصلت عنده بعدئذٍ بيومٍ أو يومين مثلاً لأنّ التكليف قد انتقل إلى ابن اللبون آن ذاك حسب الفرض فكيف يجزئ عنه دفع بنت المخاض؟! مع انّها تجزى بلا إشكال ، بل صرّح في المدارك بتعيّنها

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٣ ح ١.

(٢) الجواهر ١٥ : ١١٩ ١٢٠.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذٍ وعدم كفاية ابن اللبون (١).

ويندفع أوّلاً : بابتنائه على أن يكون الشرط عدم كونه واجداً لبنت المخاض حالة تعلّق الوجوب خاصّة ، وهو غير ظاهر ، بل الشرط عدم وجدانه لها في مجموع الوقت إلى زمان الدفع ، وعليه فلا موجب لرفع اليد عن ظهور القضيّة الشرطيّة في كونها شرطاً حقيقيّا دالّاً على المفهوم.

وثانياً : سلّمنا أنّ الشرط صوري وأنّه لا دلالة له على المفهوم ، بل لنفرض أنّ القضيّة لم تكن على صيغة الجملة الشرطيّة ، إلّا أنّه لا ريب في أنّها إنّما دلّت على البدليّة في تقديرٍ خاصّ ، وهو أن لا تكون عنده بنت المخاض ، لا في كلّ تقدير ، لعدم تضمّنها الإطلاق جزماً ، فغاية ما هناك أنّها لا تدلّ على عدم الإجزاء مع التمكّن ، لفرض أنّها لا تدلّ على المفهوم ، إلّا أنّه ما هو الدليل على الإجزاء بعد أن كانت الوظيفة الأوّلية هي بنت المخاض؟! ولم يثبت إجزاء ابن اللبون بمقتضى تلك النصوص إلّا فيما إذا لم تكن عنده بنت المخاض ، لا حتى فيما إذا كانت عنده ، فما ذكره جماعة من عدم الإجزاء مع الاختيار لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط ، لخلوّ ما عليه المشهور عن مستندٍ صحيحٍ حسبما عرفت.

الثانية : إذا لم تكن عنده بنت المخاض ولكن كان متمكّناً من شرائها ، لم يجب وجاز دفع ابن اللبون الذي هو عنده لأنّ الشرط المذكور في تلك النصوص هو أن لا تكون عنده بنت المخاض ، لا أن لا يكون متمكّناً من تحصيلها ليجب الشراء من باب المقدّمة ، كما في سائر المقامات التي علّق الحكم فيها على العجز الغير الصادق مع القدرة على المقدّمة ، إذ الشرط هنا كما

__________________

(١) المدارك ٥ : ٨٢.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفت أن لا تكون عنده ، الظاهر في نفي الفعليّة ، والصادق حتى مع التمكّن من الشراء.

الثالثة : لو لم تكن عنده لا بنت المخاض ولا ابن اللبون ، فهل هو مخيّر في شراء أيّهما شاء ، أو أنّه يتعيّن شراء بنت المخاض؟

اختار الماتن وغيره : الأوّل ، نظراً إلى الإطلاق في دليل البدليّة.

واعترض عليه في الجواهر بأنّ دليل البدليّة على تقدير كون الشرط حقيقيّا لا صوريّاً ناظرٌ إلى فرض وجود ابن اللبون كما هو المنساق من النصّ ، فلا بدليّة في فرض عدمهما ، بل اللّازم حينئذٍ وجوب شراء بنت المخاض ، عملاً بإطلاق دليل الإلزام بها (١).

وأُجيب عنه : بأنّه بعد شرائه يصدق أنّه واجدٌ له أي لابن لبون وليس واجداً لبنت مخاض ، فيندرج حينئذٍ في النصّ ويشمله دليل البدليّة.

وردّه في الجواهر بأنّ الكلام في أنّ الواجب عليه قبل شرائه ماذا ، فإذا كان الواجب عليه آن ذاك شراء بنت المخاض لقصور دليل البدليّة كما سمعت فبأيّ مسوّغ يجوز له تركه وشراء ابن اللبون ليدّعى البدلية حينئذ (٢)؟! أقول : الظاهر صحّة ما أفاده في المتن من التخيير ، عملاً بالإطلاق في دليل البدليّة. ولا يُصغى إلى ما ذكره في الجواهر من اختصاصه بصورة وجود ابن اللبون ، إذ لا موجب للاختصاص بعد إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحتي

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١١٧.

(٢) الجواهر ١٥ : ١١٧.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة وأبي بصير : «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» (١) ، فإنّه يعمّ صورتي وجود ابن اللبون وعدمه.

نعم ، صحيحة أُخرى لزرارة مقيّدة بالوجود ، قال (عليه السلام) فيها : «... ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون» (٢).

إلّا أنّ من الواضح أنّها ناظرة إلى مقام الامتثال والدفع والأداء خارجاً ، بقرينة قوله (عليه السلام) : «فإنّه يقبل منه» ، ولا شكّ في لزوم فرض الوجود حينئذ ، وإلّا فأيّ شي‌ء يقبل منه ، فالقيد مسوق لبيان تحقّق الموضوع ، ومثله لا مفهوم له أبداً ، فلا يدلّ بوجه على اختصاص البدليّة بما إذا كان واجداً لابن اللبون من الأوّل ، بل يعمّ ما لو شراه في مقام الأداء بعد أن كان فاقداً له سابقاً.

فتلحق هذه الصحيحة بالصحيحتين المتقدّمتين في الدلالة على الإطلاق ، ولا أقلّ من عدم الدلالة على التقييد.

فظهر أنّ الأقوى : التخيير في شراء أيّهما شاء كما ذكره في المتن ، ويترتّب عليه أنّه بناءً على جواز دفع القيمة بدلاً عن العين على ما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى (٣) يجوز له دفع القيمة عن أيّ منهما شاء ، فإنّ التخيير بين العينين يستدعي التخيير بين القيمتين بعد البناء على جواز التقويم بطبيعة الحال.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠٨ و ١٠٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٣ ح ١.

(٣) في ص ١٨٩.

١٦٠