نهج البلاغة - ج ٣

محمد عبده

نهج البلاغة - ج ٣

المؤلف:

محمد عبده


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: مطبعة الإستقامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

١

بسم الله الرحمن الرحيم

باب المختار من كتب (١) مولانا أمير المؤمنين عليه السلام

إلى أعدائه وأمراء بلاده

ويدخل فى ذلك ما اختير من عهوده (٢) إلى عماله ، ووصاياه لأهله وأصحابه

١ ـ من كتاب له عليه السلام

لأهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة إلى البصرة

من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار (٣) وسنام العرب.

__________________

(١) قال ابن أبى الحديد : وقد أورد فى هذا الباب ما هو بالباب الأول أشبه : نحو كلامه عليه السلام لشريح القاضى لما اشترى دارا ، وكلامه لشريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام اه‍

(٢) قال ابن أبى الحديد : وسمى ما يكتب للولاة عهدا اشتقاقا من قولهم «عهدت إلى فلان» أى : أوصيته

(٣) شبههم بالجبهة من حيث الكرم ، وبالسنام من حيث الرفعة ، وقال ابن أبى الحديد : قوله «جبهة الأنصار» يمكن أن يريد به جماعة الأنصار ، فان الجبهة فى اللغة الجماعة ، ويمكن أن يريد به سادة الأنصار ، لأن جبهة الانسان أعلى أعضائه ، وليس يريد بالأنصار ههنا الأوس والخزرج ، بل الأنصار ههنا الأعوان ، وقوله «وسنام العرب» أى : أهل الرفعة والعلو منهم ، لأن السنام أعلى أعضاء البعير اه‍

٢

أمّا بعد ، فإنّى أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه ، إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه (١) وأقلّ عتابه ، وكان طلحة والزّبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف ، وكان من عائشة فيه فلتة غضب (٢) ، فأتيح له قوم فقتلوه ، وبايعنى النّاس غير مستكرهين ولا مجبرين ، بل طائعين مخيّرين. واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها (٣) ، وجاشت [جيش] المرجل ، وقامت الفتنة على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم ، إن شاء اللّه.

__________________

(١) استعتابه : استرضاؤه ، والوجيف : ضرب من سير الخيل والأبل سريع ، وجملة «أهون سيرهما الوجيف» خبر «كان» أى : إنهما سارعا لاثارة الفتنة عليه. والحداء : زجر الأبل وسوقها.

(٢) قيل : إن أم أمير المؤمنين أخرجت نعلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقميصه من تحت ستارها ، وعثمان رضى اللّه عنه على المنبر ، وقالت : هذان نعلا رسول اللّه وقميصه لم تبل ، وقد بدلت من دينه ، وغيرت من سنته ، وجرى بينهما كلام المخاشنة ، فقالت : اقتلوا نعثلا ، تشبهه برجل معروف ، «فأتيح» أى : قدر له قوم فقتلوه

(٣) دار الهجرة : المدينة ، وقلع المكان بأهله : نبذهم فلم يصلح لاستيطانهم. وجاشت : غلت ، والجيش : الغليان. والمرجل ـ كمنبر ـ : القدر ، أى : فعليكم أن تقتدوا بأهل دار الهجرة فقد خرجوا جميعا لقتال أهل الفتنة. والقطب : هو نفس الامام قامت عليه فتنة أصحاب الجمل.

٣

٢ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إليهم ، بعد فتح البصرة

وجزاكم اللّه من أهل مصر (١) عن أهل بيت نبيّكم أحسن ما يجزى العاملين (٢) بطاعته ، والشّاكرين لنعمته ، فقد سمعتم وأطعتم ، ودعيتم فأجبتم.

٣ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

[كتبه] لشريح بن الحارث (٣) قاضيه

روى أن شريح بن الحارث قاضى أمير المؤمنين عليه السلام اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا فبلغه ذلك ، فاستدعاه وقال له : بلغنى انك ابتعت دارا بثمانين دينارا وكتبت [لها] كتابا وأشهدت [فيه] شهودا ، فقال [له] شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين ، قال : فنظر إليه نظر مغضب ثم قال له :

__________________

(١) قال ابن الحديد : موضع قوله «من أهل مصر» نصب على التمييز ، ويجوز أن يكون حالا ، فان قلت : كيف يكون تمييزا وتقديره : وجزاكم اللّه متمدنين أحسن ما يجزى المطيع ، والتمييز لا يكون إلا جامدا؟ قلت : إنهم أجازوا كون التمييز مشتقا فى قولهم يا جارتا ما أنت جارة وقولهم يا سيدا ما أنت من سيد اه‍

(٢) قال ابن أبى الحديد : و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، أى : أحسن جزاء العاملين ، ويجوز أن تكون بمعنى الذى ويكون قد حذف العائد إلى الموصول ، وتقديره : أحسن الذى يجزى به العاملين اه‍ قلت : وتقديره غير صحيح ، فان العائد المجرور بالحرف لا يحذف إلا أن يكون الموصول قد جر به ، والصواب فى تقديره : جزاكم اللّه أحسن ما يجزيه

(٣) هو شريح بن الحارث المنتجع بن معاوية بن جهم بن ثور ، الكندى ، وقيل : إنه حليف لكندة من بنى الرائش ، وقال ابن الكلبى : ليس اسم ابيه الحارث ، وإنما هو شريح بن معاوية بن ثور ، وقال قوم : هو شريح بن هانئ ، وقال قوم : هو شريح

٤

يا شريح ، أما إنّه سيأتيك من لا ينظر فى كتابك ، ولا يسألك عن بيّنتك ، حتّى يخرجك منها شاخصا (١) ويسلمك إلى قبرك خالصا ، فانظر يا شريح لا تكون ابثعت هذه الدّار من غير مالك ، أو نقدت الثّمن من غير حلالك! فإذا أنت قد خسرت دار الدّنيا ودار الآخرة! أما إنّك لو كنت أتيتنى عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على هذه النّسخة ، فلم ترغب فى شراء هذه الدّار بدرهم فما فوق ، والنّسخة [هذه] : هذا ما اشترى عبد ذليل ، من عبد قد أزعج للرّحيل ، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين ، وخطّة الهالكين (٢) ، وتجمع هذه الدّار حدود أربعة : الحدّ الأوّل : ينتهى إلى دواعى الآفات ، و [الحدّ] الثّانى ينتهى إلى دواعى المصيبات ، والحدّ الثّالث ينتهى إلى الهوى المردى ، والحدّ الرّابع ينتهى إلى الشّيطان المغوى ، وفيه يشرع باب هذه الدّار!! (٣)

__________________

ابن شراحيل ، والصحيح ما قدمناه أولا : استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين فى فتنة ابن الزبير امتنع فيها من القضاء ، ثم استعفى الحجاج من العمل فأعفاه ، ولزم داره إلى أن مات

(١) ذاهبا مبعدا. وتقول «شخص من بلد إلى بلد» إذا ذهب ، وبابه خضع ، وأشخصه غيره؟؟؟

(٢) خطة ـ بكسر الخاء ـ هى فى الأصل الأرض التى يختطها الانسان لنفسه ، أى : يعلم عليها علامة بالخط ليعمرها

(٣) «يشرع» أى : يفتح فى الحد الرابع

٥

اشترى هذا المغترّ بالأمل ، من هذا المزعج بالأجل ، هذه الدّار بالخروج من عزّ القناعة ، والدّخول فى ذلّ الطّلب والضّراعة (١) ، فما أدرك هذا المشترى فيما اشترى منه من درك فعلى مبلبل أجسام الملوك ، وسالب نفوس الجبابرة ، ومزيل ملك الفراعنة ، مثل كسرى وقيصر ، وتبّع وحمير ، ومن جمع المال على المال فأكثر ، [ومن بنى] وشيّد ، وزخرف ونجّد ، وادّخر واعتقد ، ونظر بزعمه للولد ، إشخاصهم جميعا (٢) إلى موقف العرض والحساب ، وموضع الثّواب والعقاب ، إذا وقع الأمر بفصل القضاء «وَخَسِرَ هُنٰالِكَ اَلْمُبْطِلُونَ» شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى ، وسلم من علائق الدّنيا.

٤ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى بعض أمراء جيشه

فإن عادوا إلى ظلّ الطّاعة فذلك الّذى نحبّ ، وإن توافت الأمور بالقوم

__________________

(١) الضراعة : الذلة ، والدرك ـ بالتحريك ـ : التبعة. والمراد منه ما يضر بملكية المشترى أو منفعته بما اشترى ، ويكون الضمان فيه على البائع ، ومبلبل الأجسام : مهيج داءاتها المهلكة لها ، ونجد ـ بتشديد الجيم ـ أى : زين ، واعتقد المال : اقتناه

(٢) إشخاصهم : مبتدأ مؤخر خبره «على مبلبل الأجسام الخ» أى : إذا لحق المشترى ما يوجب الضمان فعلى مبلبل الأجسام إرساله هو والبائع إلى موقف الحساب الخ.

٦

إلى الشّقاق والعصيان (١) فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك ، واستغن بمن انقاد معك عمّن تقاعس عنك ، فإنّ المتكاره (٢) مغيبه خير من مشهده ، وقعوده أغنى من نهوضه.

٥ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى الأشعث بن قيس ، وهو عامل أذربيجان

وإنّ عملك ليس لك بطعمة (٣) ولكنّه فى عنقك أمانة [و] أنت مسترعى لمن فوقك. ليس لك أن تفتات فى رعية (٤) ولا تخاطر إلاّ بوثيقة ، وفى يديك مال من مال اللّه عزّ وجلّ ، وأنت من خزّانه حتّى تسلّمه إلىّ ، ولعلّى أن لا أكون شرّ ولاتك [لك] ، والسّلام (٥).

__________________

(١) توافى القوم : وافى بعضهم بعضا حتى تم اجتماعهم ، أى : وإن اجتمعت أهواوهم إلى الشقاق ، «فانهد» أى : انهض

(٢) المتكاره : المتثاقل بكراهة الحرب ، وجوده فى الجيش يضر أكثر مما ينفع

(٣) «عملك» أى : ما وليت لتعمله فى شؤون الأمة. ومسترعى : يرعاك من فوقك ، وهو الخليفة

(٤) «تفتات» أى : تستبد ، وهو افتعال من الفوت ، كأنه يفوت آمره فيسبقه إلى الفعل قبل أن يأمره ، والخزان ـ بضم فتشديد ـ : جمع خازن

(٥) الولاة : جمع وال ، من «ولى عليه» إذا تسلط ، يرجو أن لا يكون شر المتسلطين عليه ، ولا بحق الرجاء إلا إذا استقام

٧

٦ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى معاوية

إنّه بايعنى القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشّاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار. فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك [للّه] رضا ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أتى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه اللّه ما تولّى. ولعمرى ـ يا معاوية ـ لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّى أبرأ النّاس من دم عثمان ، ولتعلمنّ أنّى كنت فى عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّى (١) [فتجنّ] ما بدا لك ، والسّلام.

٧ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إليه أيضا

أمّا بعد ، فقد أتتنى منك موعظة موصّلة (٢) ، ورسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالك ،

__________________

(١) تجنى ـ كتولى ـ : ادعى الجناية على من لم يفعلها ، و «تجن ما بدا لك» اى : تستره وتخفيه

(٢) موصلة ـ بصيغة المفعول ـ : ملفقة من كلام مختلف ، وصل بعضه ببعض على التباين ، كالثوب المرقع ، و «محبرة» أى : مزينة ، ونمقتها : حسنت كتابتها ، وأمضيتها : أنفذتها وبعثتها ، و «كتاب» عطف على «موعظة»

٨

وأمضيتها بسوء رأيك! وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ، ولا قائد يرشده ، قد دعاه الهوى فأجابه ، وقاده الضّلال فاتّبعه ، فهجر لاغطا (١) [وضلّ] خابطا

منه : لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النّظر (٢) ولا يستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، والمروّى فيها مداهن

٨ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى جرير بن عبد اللّه البجلى ، لما أرسله إلى معاوية

أمّا بعد ، فإذا أتاك كتابى فاحمل معاوية على الفصل (٣) وخذه بالأمر الجزم ، ثمّ خيّره بين حرب مجلية ، أو سلم مخزية ، فإن اختار الحرب فانبذ إليه ، وإن اختار السّلم فخذ بيعته ، والسّلام

__________________

(١) هجر : هذى فى كلامه ولغا ، وقد هجر ـ من باب نصر ـ فهو هاجر ، والكلام مهجور ، وبه فسر مجاهد وغيره قوله تعالى : «إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هٰذَا اَلْقُرْآنَ مَهْجُوراً» أى : باطلا ، واللغط : الجلبة بلا معنى

(٢) لا ينظر فيها ثانيا بعد النظر الأول ، ولا خيار لأحد فيها يستأنفه بعد عقدها ، والمروى : هو المتفكر هل يقبلها أو ينبذها ، والمداهن : المنافق

(٣) الفصل : الحكم القطعى ، و «حرب مجلية» أى : مخرجة له من وطنه ، والسلم المخزية : الصلح الدال على العجز والخطل فى الرأى الموجب للخزى ، فانبذ إليه أى : اطرح إليه عهد الأمان وأعلنه بالحرب ، والفعل من باب ضرب

٩

٩ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى معاوية

فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا (١) وهمّوا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرّونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم اللّه لنا على الذّبّ عن حوزته (٢) ، والرّمى من وراء حرمته : مؤمننا يبغى بذلك الأجر ، وكافرنا يحامى عن الأصل ، ومن أسلم من قريش خلوا ممّا نحن فيه بحلف يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان أمن (٣). وكان رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، إذا احمرّ البأس (٤) ، وأحجم

__________________

(١) يحكى معاملة قريش للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى أول البعثة ، والاجتياح : الاستئصال والاهلاك و «هموا الهموم» : قصدوا نزولها ، والأفاعيل : جمع أفعولة ، وهى الفعلة الرديئة ، والعذب : هنى العيش ، وأحلسونا : ألزمونا ، واضطرونا : ألجأونا ، والجبل الوعر : الصعب الذى لا يرقى إليه ، كناية عن مضايقة قريش لشعب أبى طالب حيث جاهروهم بالعداوة وحلفوا لا يزوجونهم ولا يكلمونهم ولا يبايعونهم وكتبوا على ذلك عهدهم عداوة للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم

(٢) عزم اللّه : أراد لنا أن نذب عن حوزته ، والمراد من الحوزة هنا : الشريعة الحقة ، ورمى من وراء الحرمة : جعل نفسه وقاية لها يدافع السوء عنها فهو من ورائها أو هى من ورائه.

(٣) كان المسلمون من غير آل البيت آمنين على أنفسهم : إما بتحالفهم مع بعض القبائل ، أو بالاستناد إلى عشائرهم

(٤) احمرار البأس : اشتداد القتال ، والوصف لما يسيل فيه من الدماء. وحر الأسنة ـ بفتح الحاء ـ : شدة وقعها.

١٠

النّاس قدّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسّيوف ، فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر (١) ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر يوم مؤتة ، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذى أرادوا من الشّهادة (٢) ، [و] لكن آجالهم عجّلت ، ومنيّته أجّلت ، فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى (٣) ، ولم تكن له كسابقتى ، [الّتى] لا يدلى أحد بمثلها إلاّ أن يدّعى مدّع ما لا أعرفه ، ولا أظنّ اللّه يعرفه ، والحمد للّه على كلّ حال وأمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فانّى نظرت فى هذا الأمر فلم أره يسعنى دفعهم إليك ولا إلى غيرك ، ولعمرى لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك (٤) ، لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ، لا يكلّفونك طلبهم فى برّ ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل ، إلاّ أنّه طلب يسوءك وجدانه ، وزور لا يسرّك لقيانه (٥) والسّلام لأهله

__________________

(١) عبيدة ابن عمه ، وحمزة عمه ، وجعفر أخو الامام. ومؤتة ـ بضم الميم ـ : بلد فى حدود الشام

(٢) «من لو شئت» : يريد نفسه ، وانظر (ص ٦٤ و ٦٥ من الجزء الثانى من هذه المطبوعة)

(٣) بقدم مثل قدمى جرت وثبتت فى الدفاع عن الدين ، والسابقة : فضله السابق فى الجهاد ، وأدلى إليه برحمه : توسل ، وبمال : دفعه إليه ، وكلا المعنيين صحيح

(٤) تنزع ـ كتضرب ـ أى : تنته

(٥) الزور ـ بفتح فسكون ـ : الزائرون ، وإفراد الضمير فى لقيانه باعتبار اللفظ

١١

١٠ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إليه أيضا

وكيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهّجت بزينتها (١) وخدعت بلذّتها ، دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتّبعتها ، وأمرتك فأطعتها. وإنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينحيك منه مجنّ (٢) فاقعس عن هذا الأمر ، وخذ أهبة الحساب ، وشمّر لما [قد] نزل بك ، ولا تمكّن الغواة من سمعك ، وإلاّ تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك (٣) فإنّك مترف قد أخذ الشّيطان منك مأخذه ، وبلغ فيك أمله ، وجرى منك مجرى الرّوح والدّم ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة (٤) وولاة أمر الأمّة ، بغير قدم سابق ، ولا شرف باسق ، ونعوذ باللّه من لزوم سوابق الشّقاء! وأحذّرك أن تكون

__________________

(١) الجلابيب : جمع جلباب ، وهو الثوب فوق جميع الثياب كالملحفة ، وتبهجت : تحسنت ، والضمير فيه وفيما بعده للدنيا

(٢) المجن : الترس ، أى : يوشك أن يطلعك اللّه على مهلكة لك لا تتقى منها بترس ويروى «على ما لا ينجيك منه منج» اسم فاعل من «أنجى» واقعس : تأخر. والأهبة : كالعدة ـ بالضم ـ وزنا ومعنى. والغواة : قرناء السوء يزينون الباطل ويحملون على الفساد

(٣) أى : أنبهك بصدمة القوة إلى ما لم تنتبه إليه من نفسك فتعرف الحق وتقلع عن الباطل ، والمترف : من أطغته النعمة

(٤) ساسة : جمع سائس ، والباسق : العالى الرفيع

١٢

متماديا فى غرّة الأمنيّة (١) مختلف العلانية والسّريرة

وقد دعوت إلى الحرب فدع النّاس جانبا واخرج إلىّ ، وأعف الفريقين من القتال ليعلم أيّنا المرين على قلبه (٢) والمغطّى على بصره ، فأنا أبو حسن قاتل جدّك (٣) وخالك وأخيك شدخا يوم بدر ، وذلك السّيف معى ، وبذلك القلب ألقى عدوّى! ما استبدلت دينا ، ولا استحدثت نبيّا ، وإنّى لعلى المنهاج الّذى تركتموه طائعين (٤) ودخلتم فيه مكرهين. وزعمت أنّك جئت ثائرا بعثمان (٥) ولقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا ، فكأنّى [قد] رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيح الجمال بالأثقال (٦) ، وكأنّى بجماعتك تدعونى ـ جزعا من الضّرب

__________________

(١) الغرة ـ بالكسر ـ : الغرور ، والأمنية ـ بضم الهمزة ـ : ما يتمناه الانسان ويؤمل إدراكه.

(٢) المرين ـ بفتح فكسر ـ : اسم مفعول من «ران ذنبه على قلبه» غلب عليه فغطى بصيرته ، وفى التنزيل : «كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ مٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ»

(٣) جد معاوية لأمه : عتبة بن ربيعة ، وخاله : الوليد بن عتبة ، وأخوه : حنظلة بن أبى سفيان. و «شدخا» أى : كسرا ، قالوا هو الكسر فى الرطب ، وقيل : فى اليابس.

(٤) المنهاج : هو طريق الدين الحق ، لم يدخل فيه أبو سفيان ومعاوية رضى اللّه عنهما إلا بعد الفتح كرها

(٥) ثأر به : طلب بدمه ، ويشير بحيث وقع دم عثمان إلى طلحة والزبير

(٦) تفرس فيما سيكون من معاوية وجنده ، وكان الأمر كما تفرس الامام. والحائدة : العادلة عن البيعة بعد الدخول فيها

١٣

المتتابع ، والقضاء الواقع ، ومصارع بعد مصارع ـ إلى كتاب اللّه وهى كافرة جاحدة ، أو مبايعة حائدة ،

١١ ـ ومن وصيّة له عليه السّلام

وصى بها جيشا بعثه إلى العدو

فإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم فى قبل الأشراف (١) وسفاح الجبال ، أو أثناء الأنهار ، كيما يكون لكم ردءا ودونكم مردّا ، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء فى صياصى الجبال (٢) ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدوّ من مكان مخافة أو أمن ، واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم ، وعيون المقدّمة طلائعهم ، وإيّاكم والتّفرّق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا ، وإذا غشيكم اللّيل فاجعلوا الرّماح كفّة (٣) ، ولا تذوقوا النّوم إلاّ غرارا أو مضمضة.

__________________

(١) «قبل الأشراف» قدام الجبال ، والأشراف : جمع شرف ـ محركة ـ وهو : العلو والعالى ، وسفاح الجبال : أسافلها ، والأثناء : منعطفات الأنهار ، والردء ـ بكسر فسكون ـ العون ، والمرد ـ بتشديد الدال ـ مكان الرد والدفع

(٢) صياصى : أعالى ، والمناكب : المرتفعات ، والهضاب : جمع هضبة ـ بفتح فسكون ـ : الجبل لا يرتفع عن الأرض كثيرا مع انبساط فى أعلاه.

(٣) مثل كفة الميزان ، فانصبوها مستديرة حولكم محيطة بكم كأنها كفة الميزان والغرار ـ بكسر الغين ـ : النوم الخفيف ، والمضمضة : أن ينام ثم يستيقظ

١٤

١٢ ـ ومن وصيّة له عليه السّلام

لمعقل بن قيس الرياحى حين أنفذه إلى الشام فى ثلاثة آلاف مقدمة له

اتّق اللّه الّذى لا بدّ لك من لقائه ، ولا منتهى لك دونه ، ولا تقاتلنّ إلاّ من قاتلك ، وسر البردين (١) وغوّر بالنّاس ، ورفّه فى السّير ، ولا تسر أوّل اللّيل (٢) فإنّ اللّه جعله سكنا ، وقدّره مقاما لا ظعنا ، فأرح فيه بدنك ، وروّح ظهرك ، فاذا وقفت حين ينبطح السّحر (٣) أو حين ينفجر الفجر ، فسر على بركة اللّه ، فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا ، ولا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس ، حتّى يأتيك أمرى ، ولا يحملنّكم شنآنهم (٤) على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم

١٣ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى أميرين من أمراء جيشه

وقد أمّرت عليكما وعلى من فى حيّزكما مالك بن الحارث الأشتر (٥) فاسمعا

__________________

ثم ينام ، تشبها بمضمضة الماء فى الفم يأخذه ثم يمجه

(١) الغداة والعشى

(٢) «وغور» أى : انزل بهم فى الغائرة ، وهى القائلة ونصف النهار ، أى : وقت شدة الحر ، «ورفه» أى : هون ولا تتعب نفسك ولا دابتك ، والظعن : السفر

(٣) ينبطح : ينبسط ، مجاز عن استحكام الوقت بعد مضى مدة منه وبقاء مدة

(٤) الشنآن : البغضاء ، والاعذار إليهم : تقديم ما يعذرون به فى قتالهم

(٥) الحيز : ما يتحيز فيه الجسم ، أى : يتمكن ، والمراد منه مقر سلطتهما

١٥

له وأطيعا ، واجعلاه درعا ومجنّا (١) ، فإنّه ممّن لا يخاف وهنه ، ولا سقطته ، ولا بطؤه عمّا الاسراع إليه أحزم ، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل

١٤ ـ ومن وصيّة له عليه السّلام

لعسكره قبل لقاء العدو بصفين

لا تقاتلوهم حتّى يبدءوكم ، فإنّكم ـ بحمد اللّه ـ على حجّة ، وترككم إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة أخرى لكم عليهم ، فاذا كانت الهزيمة باذن اللّه فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تصيبوا معورا (٢) ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تهيجوا النّساء بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم ، فإنّهنّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول ، إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ لمشركات (٣) وإن كان الرّجل ليتناول المرأة فى الجاهليّة بالفهر أو الهراوة (٤) فيعيّر بها وعقبه من بعده.

__________________

(١) الدرع : ما يلبس من مصنوع الحديد للوقاية من الضرب والطعن ، والمجن : الترس ، أى : اجعلاه حاميا لكما ، والوهن : الضعف ، والسقطة : الغلطة. وأحزم : أقرب للحزم ، وأمثل : أولى وأحسن

(٢) المعور ـ كمجرم ـ : الذى أمكن من نفسه وعجز عن حمايتها ، وأصله «أعور» أى : أبدى عورته ، وأجهز على الجريح : تمم أسباب موته

(٣) هذا حكم الشريعة الاسلامية ، لا ما يتوهمه جاهلوها من إباحتها التعرض لأعراض الأعداء ، نعوذ باللّه

(٤) الفهر ـ بالكسر ـ : الحجر على مقدار ما يدق به الجوز أو يملأ الكف والهراوة ـ بالكسر ـ : العصا أو شبه الدبوس من الخشب ، و «عقبه» عطف على الضمير المستتر فى «يعير» ، وقد وقع الفصل بالجار والمجرور وذلك كاف

١٦

١٥ ـ وكان عليه السلام يقول

إذا لقى العدو محاربا :

الّلهمّ أفضت [إليك] القلوب (١) ومدّت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، ونقلت الأقدام ، وأنضيت الأبدان. الّلهمّ قد صرّح مكتوم الشّنآن (٢) ، وجاشت مراجل الأضغان الّلهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا ، وكثرة عدوّنا ، وتشتّت أهوائنا «رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنٰا وَبَيْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ اَلْفٰاتِحِينَ»

١٦ ـ وكان يقول عليه السلام

لأصحابه عند الحرب

لا تشتدّنّ عليكم فرّة بعدها كرّة (٣) ، ولا جولة بعدها حملة ، وأعطوا السّيوف حقوقها ، ووطّئوا للجنوب مصارعها (٤) واذمروا أنفسكم على الطّعن

__________________

(١) أفضت : انتهت ، ووصلت. وأنضيت : أبليت بالهزال والضعف فى طاعتك

(٢) صرح القوم بما كانوا يكتمون من البغضاء ، وجاشت : غلت ، والمراجل : القدور ، واحدها مرجل. والأضغان : جمع ضغن ، وهو الحقد

(٣) لا يشق عليكم الأمر إذا انهزمتم متى عدتم للكرة ، ولا تثقل عليكم الدورة من وجه العدو إذا كانت بعدها حملة وهجوم عليه

(٤) وطئوا : مهدوا للجنوب جميع جنب ، مصارعها : أماكن سقوطها ، واحدها مصرع. أى : إذا ضربتم فأحكموا الضرب ليصيب ، فكأنكم مهدتم للمضروب مصرعه ، واذمروا ـ على وزن اكتبوا ـ أى : حرضوا «٥ ـ ن ـ ج ـ ٣»

١٧

الدّعسى (١) ، والضّرب الطّلحفى ، وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل ، فو الّذى فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة ، ما أسلموا ، ولكن استسلموا ، وأسرّوا الكفر ، فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه!!

١٧ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى معاوية ، جوابا عن كتاب منه إليه

فأمّا طلبك إلىّ الشّام (٢) ، فإنّى لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس ،

__________________

(١) الدعسى : اسم من الدعس ـ أى : الطعن الشديد ـ ، وتقول : دعست الوعاء ـ من باب منع ـ إذا حشوته ، أى : الطعن الذى يحشى به أجواف الأعداء والطلحفى ـ بفتحتين فسكون ففتح ، وضبطه ابن أبى الحديد بكسر الطاء وفتح اللام ، وذكر أن اللام زائدة ، والضبطان صحيحان ، وقال فى القاموس : كبرطيل وسمند وجردحل وسبحل وحبركى وقرطاس ، أى : ضربا شديدا ... واللام أصلية لذكرهم الطلحفى فى باب فعلى مع حبركى ، ووهم الجوهرى اه‍ ـ : أشد الضرب ، وإماتة الأصوات : انقطاعها بالسكوت ، وإنما أمرهم باماتة الأصوات لأن شدة الضوضاء فى الحرب أمارة الخوف والوجل والاضطراب

(٢) كتب معاوية إلى على يطلب منه أن يترك له الشام ويدعوه للشفقة على العرب الذين أكلتهم الحرب ولم يبق منهم إلا حشاشات أنفس ، جمع حشاشة ـ بالضم ـ : وهى بقية الروح ، ويخوفه باستواء العدد فى رجال الفريقين ، ويفتخر بأنه من أمية وهو وهاشم من شجرة واحدة ، فأجابه أمير المؤمنين بما ترى. ويقال : طلبت إلى فلان كذا ، والتقدير طلبت كذا راغبا إلى فلان ، كما قال تعالى : «فِي تِسْعِ آيٰاتٍ إِلىٰ فِرْعَوْنَ» أى : مرسلا إليه ، وقوله «ألا ومن أكله الحق فالى الجنة» هكذا هو فى أكثر النسخ ، والمراد بها من مات فى سبيل نصرة الحق فيكون الحق هو الذى عرضه لأكل الباطل إياه ، فنسب الأكل إليه تجوزا ، وجعله ابن أبى الحديد على تقدير «من أكله أعداء الحق» وفى بعض النسخ «من أكله الحق فالى النار» ولا تجوز

١٨

وأمّا قولك «إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت» ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة ، ومن أكله الباطل فإلى النّار. وأمّا استواؤنا فى الحرب والرّجال فلست بأمضى على الشّكّ منّى على اليقين ، وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة. وأمّا قولك «إنّا بنو عبد مناف» فكذلك نحن ، ولكن ليس أميّة كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبى طالب ، ولا المهاجر كالطّليق (١) ، ولا الصّريح كاللّصيق ، ولا المحقّ كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، ولبئس الخلف [خلفا] يتبع سلفا هوى فى نار جهنّم. وفى أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتى أذللنا بها العزيز ، ونعشنا بها الذّليل (٢).

__________________

(١) الطليق : الذى أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية ، وأبو سفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح ، والمهاجر : من آمن فى المخافة وهاجر تخلصا منها ، والصريح : صحيح النسب فى ذوى الحسب ، واللصيق : من ينتمى إليهم وهو أجنبى عنهم ، والصراحة والالتصاق ههنا بالنسبة إلى الدين ، فالصريح فيه : من أسلم اعتقادا وإخلاصا لم يلجئه إلى ذلك ملجىء من خوف أو نحوه ، واللصيق فيه : من أسلم تحت السيف أو رغبة فى الدنيا ، وقد صرح بذلك فى قوله «كنتم ممن دخل فى الدين إما رغبة وإما رهبة» والمدغل : المفسد ، وقوله «ولبئس الخلف خلفا» فان «خلفا» ساقط من أكثر النسخ ، وذكره من باب الجمع بين فاعل «نعم وبئس» والتمييز ، والجمهور على منعه ، وأجازه المبرد وجماعة ، ومثله نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت وكثير من أمثاله

(٢) نعشنا : رفعنا.

١٩

ولمّا أدخل اللّه العرب فى دينه أفواجا ، وأسلمت له هذه الأمّة طوعا وكرها كنتم ممّن دخل فى الدّين إمّا رغبة وإمّا رهبة على حين فاز أهل السّبق بسبقهم ، وذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا ، ولا على نفسك سبيلا

١٨ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى عبد اللّه بن عباس ، وهو عامله على البصرة (١)

اعلم أنّ البصرة مهبط إبليس ومغرس الفتن (٢) فحادث أهلها بالإحسان إليهم ، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم (٣) وقد بلغنى تنمّرك لبنى تميم (٤) وغلظتك عليهم ، [و] إنّ بنى تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع لهم آخر (٥) ، وإنّهم لم يسبقوا بوغم فى جاهليّة ولا إسلام ،

__________________

(١) كان عبد اللّه بن عباس قد اشتد على بنى تميم ، لأنهم كانوا مع طلحة والزبير يوم الجمل : فأقصى كثيرا منهم ، فعظم على بعضهم من شيعة الامام ، فشكا له.

(٢) «مهبط» موضع هبوطه. و «معرس» يروى بالغين المعجمة من الغرس ، أى : موضع غرس الفتن ، ويروى «معرس» بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فراء مشددة ـ من التعريس ، وهو نزول القوم ليلا للاستراحة ، والمعرس : مكان ذلك

(٣) «حادث أهلها» أى : تعهدهم بالاحسان من قولك «خادثت السيف بالصقال»

(٤) «تنمرك» أى : تنكر أخلاقك

(٥) غيبوبة النجم : كناية عن الضعف ، وطلوعه : كناية عن القوة ، والوغم ـ بفتح فسكون ـ : الحرب والحقد ، والثأر ، أى : لم يسبقهم أحد فى البأس ، وكان بين بنى تميم وهاشم مصاهرة ، وهى تستلزم القرابة بالنسل

٢٠