أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٣

قال يحيى : فكنت أعجب من وصفه إياه بما وصفه به ومن عيبه له وانحرافه عنه(١).

مقاتل بن سليمان

وهو رابع النقلة لنزول الآية في نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكفي في عدم حجية قوله ما نقله الذهبي في حقه في «سير أعلام النبلاء» قال : قال ابن عيينة : قلت لمقاتل : زعموا أنّك لم تسمع من الضحاك؟ قال : يغلق علي وعليه باب فقلت في نفسي : أجل باب المدينة.

وقيل : إنّه قال : سلوني عمّا دون العرش ، فقالوا : أين أمعاء النملة؟ فسكت ، وسألوه لما حج آدم من حلق رأسه؟ فقال : لا أدري. قال وكيع : كان كذّاباً.

وعن أبي حنيفة قال : أتانا من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطل (٢) ومقاتل مشبّه ، مات مقاتل سنة نيف وخمسين ومائة ، وقال البخاري : مقاتل لا شيء البتة. قلت : اجمعوا على تركه(٣).

تجد اتفاق المتكلمين من الاَشاعرة والمعتزلة ومن قبلهم على أنّ القول بالتشبيه انّما تسرب إلى الاَوساط الاِسلامية من مقاتل ، فهو الزعيم الركن بالقول

__________________

١. شرح النهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١٠٢؛ وراجع سير أعلام النبلاء : ٤ / ٤٢١ ـ ٤٣٧ ما يدل على كونه من بغاة الدنيا وطالبيها ، وقد بنى قصراً في العقيق وأنشد شعراً في مدحه ، وكان مقرباً لدى الاَمويين خصوصاً عبد الملك بن مروان.

٢. التعطيل : هو انّ لا تثبت للّه الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتشبيه : أن يُشبَه اللّه سبحانه وتعالى بأحد من خلقه.

٣. سير أعلام النبلاء : ٧ / ٢٠٢.

٤١

بأنّ له سبحانه أعضاء مثل ما للاِنسان من اليد والرجل والوجه وغير ذلك ، قاتل اللّه مقاتل ، كيف يفتري على اللّه سبحانه كذباً ويُفسر آياته بغير وجهها؟!

وقال الذهبي أيضاً في «ميزان الاعتدال» (١) ، ما هذا تلخيصه : قال النسائي : كان مقاتل يكذب.

وعن يحيى : حديثه ليس بشيء. وقال الجوزجاني : كان دجّالاً جسوراً.

وقال ابن حبان : كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان يشبّه الرب بالمخلوقات ، وكان يكذب في الحديث.

وعن خارجة بن مصعب : لم استحل دم يهودي ، ولو وجدت مقاتل بن سليمان خلوة لشققت بطنه.

وقال ابن أبي حاتم : حديثه يدل على أنّه ليس بصدوق.

مشكلة السياق؟!

قد تعرفت على ما هو المراد من أهل البيت في الآية الشريفة من خلال الامعان فيها وفي ظل الروايات الواردة في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير انّهناك مشكلة باسم مشكلة السياق وهي انّالآية وردت في ثنايا الآيات المربوطة بنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه يكون قبلها وبعدها راجعاً إليهنّ ومع ذلك كيف يمكن أن تكون هذه الآية راجعة إلى أهل البيت بالمعنى الذي عرفت؟

وبعبارة أُخرى : إنّ آية التطهير جزء من الآية الثالثة الثلاثين ، التي يرجع صدرها وذيلها إلى نساء النبي ، فعندئذ كيف يصح القول بأنّها راجعة إلى

__________________

١. ميزان الاعتدال : ٤ / ١٧٢ ـ ١٧٥.

٤٢

غيرهنّ ، فإنّ وحدة السياق قاضية على أنّ الكل راجع إلى موضوع واحد ، وإرجاعها إلى غير نسائه يستلزم التفكيك بين أجزاء آية واحدة ، نعم لو كانت آية التطهير آية مستقلة لكان الاَمر سهلاً إذ كان الاِشكال أضعف ، ولكنّها جزء من آية واحدة نزلت في نساء النبي.

والجواب : لا شك أنّ السياق من الاَُمور التي يستدل بها على كشف المراد ويجعل صدر الكلام ووسطه وذيله قرينة على المراد ، ووسيلة لتعيين ما أُريد منه ، ولكنه حجة إذا لم يقم دليل أقوى على خلافه ، فلو قام ترفع اليد عن وحدة السياق وقرينيّته.

وبعبارة أُخرى : إنّ الاعتماد على السياق إنّما يتم لو لم يكن هناك نص على خلافه ، وقد عرفت النصوص الدالة على خلافه.

أضف إليه أنّ هناك دلائل قاطعة على أنّ آية التطهير آية مستقلة نزلت كذلك ووقعت في ثنايا الآية المربوطة بأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمصلحة كان صاحب الشريعة أعرف بها(١). وإليك الدلائل الدالة على استقلالها :

الدليل الاَُوّل

أطبقت الروايات المنتهية إلى الاَصحاب وأُمّهات الموَمنين والتابعين لهم بإحسان على نزولها مستقلة ، سواء أقلنا بنزولها في حق العترة الطاهرة أو زوجات النبي أو أصحابه ، فالكل ـ مع قطع النظر عن الاختلاف في المنزول فيه ـ اتفقوا

__________________

١. نقل السيوطي عن ابن الحصّار : إنّ ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ضعوا آية كذا في موضع كذا. لاحظ الاِتقان : ١ / ١٩٤ ، الفصل الثامن عشر في جمع القرآن وترتيبه من طبعة مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

٤٣

على نزولها مستقلة ، وقد مضت النصوص عن الطبري و «الدر المنثور» والصحاح ترى أنّ أُمَّ سلمة تقول : نزلت في بيتي (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

ويروي أبو سعيد الخدري ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نزلت هذه الآية في خمسة : فيَّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)».

وروت عائشة : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ، ثم جاء الحسين فأدخله معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). إلى غير ذلك من النصوص.

حتى انّ ظاهر كلام عكرمة وعروة بن الزبير نزولها مستقلة بقول السيوطي : كان عكرمة ينادي في السوق (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) نزلت في نساء النبي.

وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير أنّه قال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قال : أزواج النبي ، نزلت في بيت عائشة(١).

فالموافق والمخالف اتفقا على كونها آية مستقلة إمّا نزلت في بيت أُمّ سلمة أو بيت عائشة ، وإمّا في حق العترة أو نسائه.

وعلى ذلك تسهل مخالفة السياق ، والقول بنزولها في حق العترة الطاهرة ، وانّ الصدر والذيل راجعان إلى نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ما ورد في ثناياها ، فهو راجع إلى غيرهن.

__________________

١. لاحظ : ٣٨٩ ـ ٤٠٢ من هذا الجزء.

٤٤

ولا غرو في أن يكون الصدر والذيل راجعين إلى موضوع وما ورد في الاَثناء راجعاً إلى غيره فإنّ ذلك من فنون البلاغة وأساليبها ، نرى نظيره في الذكر الحكيم وكلام البلغاء ، وعليه ديدن العرب في محاوراتهم ، فربما يرد في موضوع قبل أن يفرغ من الموضوع الذي كان يبحث عنه ثم يرجع إليه ثانياً.

يقول الطبرسي : من عادة الفصحاء في كلامهم انّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه ، والقرآن من ذلك مملوء ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم(١).

قال الشيخ محمد عبده : إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالاِنسان من شأن إلى شأن ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة(٢).

وروي عن الاِمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «إنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء» (٣).

ولاَجل أن يقف القارىَ على صحة ما قاله هوَلاء الاَكابر نأتي بشاهد ، فنقول : قال سبحانه ناقلاً عن «العزيز» مخاطباً زوجته : (إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِين) (٤). نرى أنّ العزيز يخاطب أوّلاً امرأته بقوله : (إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ) وقبل أن يفرغ من كلامه معها ، يخاطب يوسف بقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) ... ثم يرجع إلى الموضوع الاَوّل ويخاطب زوجته بقوله : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) ... فقوله (يُوسُفُ

__________________

١. مجمع البيان : ٤ / ٣٥٧.

٢. تفسير المنار : ٢ / ٤٥١.

٣. الكاشف : ٦ / ٢١٧.

٤. يوسف : ٢٨ ـ ٢٩.

٤٥

أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) جملة معترضة وقعت بين الخطابين ، والمسوّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين ، وكانت له صلة تامّة بالواقعة التي رفعت إلى العزيز.

والضابطة الكليّة لهذا النوع من الكلام هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الاَوّل إلى الثاني ، ثم منه إلى الاَوّل ، وهي أيضاً موجودة في المقام ، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخطابات التالية :

١(يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين).

٢(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن ...).

٣(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاَُولى).

فعند ذلك صح أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وذلك لوجهين :

١. تعريفهنّ على جماعة بلغوا في التورع والتقى ، الذروة العليا ، وفي الطهارة عن الرذائل والمساوىَ ، القمة. وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في مجال العمل ، فيلزم عليهن أن يقتدين بهم ويستضيئنّ بضوئهم.

٢. التنبيه على أنّ حياتهنّ مقرونة بحياة أُمّة طاهرة من الرجس ومطهرة من الدنس ، ولهن معهم لحمة القرابة ووصلة الحسب ، واللازم عليهن التحفّظ على شوَون هذه القرابة بالابتعاد عن المعاصي والمساوىَ ، والتحلّي بما يرضيه سبحانه ولاَجل ذلك يقول سبحانه : (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) ، وما هذا إلاّ لقرابتهن منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلتهن بأهل بيته. وهي لا تنفك عن المسوَولية الخاصة ، فالانتساب للنبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولبيته الرفيع ، سبب المسوَولية ومنشوَها ، وفي ضوء

٤٦

هذين الوجهين صح أن يطرح طهارة أهل البيت في أثناء المحاورة مع نساء النبي والكلام حول شوَونهن.

ولقد قام محقّقو الاِمامية ببيان مناسبة العدول في الآية ، نأتي ببعض تحقيقاتهم ، قال السيد القاضي التستري : «لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات من الاَزواج إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام على معنى أنّ تأديب الاَزواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد ، من توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فالحاصل نظم الآية على هذا : انّ اللّه تعالى رغب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى العفة والصلاح بأنّه إنّما أراد في الاَزل أن يجعلكم معصومين يا أهل البيت واللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفاً صالحاً كما قال : (والطّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) (١) (٢).

وقال العلاّمة المظفر : وإنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذكر الاَزواج وخطابهن للتنبيه على أنّه سبحانه أمرهن ونهاهن وأدّبهن إكراماً لاَهل البيت وتنزيهاً لهم عن أن تنالهم بسببهن وصمة ، وصوناً لهم عن أن يلحقهم من أجلهن عيب ، ورفعاً لهم عن أن يتصل بهم أهل المعاصي ، ولذا استهل سبحانه الآيات بقوله : (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) ضرورة أنّ هذا التميّز انّما هو للاتصال بالنبي وآله ، لا لذواتهن فهن في محل ، وأهل البيت في محل آخر ، فليست الآية الكريمة إلاّ كقول القائل : يا زوجة فلان لست كأزواج سائر الناس فتعفّفي ، وتستّري ، وأطيعي اللّه تعالى ، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد اللّه حفظهم من الاَدناس وصونهم عن النقائص(٣).

__________________

١. النور : ٢٦.

٢. إحقاق الحق : ٢ / ٥٧٠.

٣. دلائل الصدق : ٢ / ٧٢.

٤٧

الدليل الثاني

إنّ لسان الآيات الواردة حول نساء النبي لسان الاِنذار والتهديد ، ولسان الآية المربوطة بأهل بيته لسان المدح والثناء ، فجعل الآيتين آية واحدة وإرجاع الجميع إليهن ممّا لا يقبله الذوق السليم ، فأين قوله سبحانه : (يا نساء النبي من يأت منكنَّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب) من قوله : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)؟!

كما انّ لسان القرآن في أزواج النبي ، لسان المدح والانذار ويكفيك الاِمعان في آيات سورة التحريم فلاحظ.

الدليل الثالث

إنّ قوله سبحانه : (إنّما يريد اللّه ...) في المصاحف جزء من الآية الثالثة والثلاثين فلو رفعناه منها لم يتطرق أيّ خلل في نظم الآية ومضمونها وتتحصل من ضم الآية الرابعة والثلاثين إلى ما بقيت ، آية تامة واضحة المضمون ، مبينة المرمى منسجمة الفاصلة ، مع فواصل الآيات المتقدمة عليها ، وإليك تفصيل الآية في ضمن مقاطع :

ألف. (وقرن في بيوتكن ولا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الاَُولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن اللّه ورسوله).

ب. (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) (١).

__________________

١. الاَحزاب : ٣٣.

٤٨

ج. (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه والحكمة إنّ اللّه كان لطيفاً خبيراً) (١).

فلو رفعنا قوله : (إنّما يريد اللّه) وضممنا ما تقدم عليه بما تأخر ، جاءت الآية تامة من دون حدوث خلل في المعنى والنظم ، وهذا دليل على أنّ قوله تعالى : (إنّما يريد اللّه) آية مستقلة وردت في ضمن الآية لمصلحة ربما نشير إليها.

إنّ الاَحاديث على كثرتها صريحة في نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزولها في ضمن آيات نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن حسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها ، وانّما وضعت إمّا بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة.

ويوَيده أنّ آية (وقرن في بيوتكن) باقية على انسجامها واتصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها(٢).

وليس هذا أمراً بدعاً فله نظير في القرآن الكريم.

فقد تضافرت السنّة ، وروى الفريقان أن قوله سبحانه : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلاَمَ دِيناً) (٣) نزلت في غدير خم عندما نصّب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً إماماً للا َُمّة وولياً للموَمنين ، مع أنّه في المصاحف جزء الآية الثالثة من «سورة المائدة» التي تبيّن أحكام اللّحوم ، وإليك نفس الآية في مقاطع

__________________

١. الاَحزاب : ٣٤.

٢. الميزان : ١٦ / ٣٣٠.

٣. سورة المائدة : ٣.

٤٩

ثلاثة :

ألف. (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ الْسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) (١).

ب. (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام ديناً).

ج. (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِف لاِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).

فإذا رفعنا الجزء الثاني يحصل من ضم الاَوّل إلى الثالث آية تامة من دون طروء خلل في مضمونها ونظمها ، وذلك دليل على أنّ الجزء الثاني آية مستقلة وردت في ضمن آية أُخرى بتصويب صاحب الشريعة الغراء أو بتصويب من جامعي القرآن بعد رحلته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أضف إلى ذلك أنّ مضمون الآية ـ أعني : أحكام اللحوم ـ قد ورد في آيات أُخر من دون أن تشتمل على هذه الزيادة ، فهذه قرينة على أنّ ما ورد في الاَثناء ليس من صميم الآية في سورة المائدة ، وإنّما وضع في أثنائها بأمر من النبي الاَكرم لمصلحة عامة نشير إليها.

ما هو السر في جعلها جزءاً من آية أُخرى

قد اتضح مما ذكرنا أن القرآن الكريم إنّما انتقل إلى موضوع أهل البيت

__________________

١. سورة المائدة : ٣.

٢. سورة المائدة : ٣.

٥٠

وخطابهم لاَجل إعلام نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّهن في جوار هوَلاء المطهرين فيجب عليهن القيام بأداء حقوق هوَلاء العظماء ، الذين ميّزهم اللّه تعالى عن غيرهم من هذه الا َُمّة بالتطهير والعصمة والاقتداء بهم في القول والسلوك.

ولكن يبقى هنا سوَال آخر ، وهو أنّه إذا كانت الآية ، آية مستقلة فلماذا جاءت في المصحف جزءاً من آية أُخرى ، ولم تكتب بصورة آية تامّة في جنب الآيات الا َُخرى؟

الجواب : التاريخ يطلعنا بصفحات طويلة على موقف قريش وغيرهم من أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّ مرجل الحسد ما زال يغلي والاتجاهات السلبية ضدهم كانت كالشمس في رابعة النهار ، فاقتضت الحكمة الاِلهية أن تجعل الآية في ثنايا الآيات المتعلّقة بنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أجل تخفيف الحساسية ضد أهل البيت ، وان كانت الحقيقة لا تخفى على من نظر إليها بعين صحيحة ، وأنّ الآية تهدف إلى جماعة أُخرى غير نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما بيّناه قبل قليل.

وللسيد عبد الحسين شرف الدين هنا كلام ربّما يفصل ما أجملناه فإنّه ـ قدّس اللّه سرّه ـ بعد ما أثبت أنّ قوله سبحانه : (إنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (١) منزل في حق الاِمام أمير الموَمنين عليه‌السلام طرح سوَالاً ، وهو أنّه إذا كان أمير الموَمنين عليه‌السلام هو المراد من الآية فلماذا عبر عن المفرد بلفظ الجمع؟

فقال : إنّ العرب قد تعبّر عن المفرد بلفظ الجمع لنكتة التعظيم حيث يستوجب ، ثم قال : وعندي في ذلك نكتة ألطف وأدق ، وهي أنّه إنّما أُتي بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بُقياً منه تعالى على كثير من الناس ، فإنّ شانئي علي وأعداء

__________________

١. المائدة : ٥٥.

٥١

بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في التمويه ولا ملتمس في التضليل فيكون منهم بسبب يأسهم حينئذ ما تخشى عواقبه على الاِسلام فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتقاء من معرتهم ، ثم كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة ومقامات متعددة وبث فيهم أمر الولاية تدريجاً حتى أكمل اللّه الدين وأتمَّ النعمة جرياً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم ، ولو كانت الآية بالعبارة المختصة بالمفرد لجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكباراً ، وهذه الحكمة مطردة في كل ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير الموَمنين وأهل بيته الطاهرين كما لا يخفى ، وقد أوضحنا هذه الجمل وأقمنا عليها الشواهد القاطعة والبراهين الساطعة في كتابينا «سبيل الموَمنين» و «تنزيل الآيات» والحمد للّه على الهداية والتوفيق والسلام(١).

__________________

١. المراجعات : المراجعة : ٤٢ ص ١٦٦.

٥٢

نظريات أُخرى في تفسير أهل البيت

قد عرفت القولين المعروفين حول الآية ، كما عرفت الحق الواضح منهما ، فهلم معي ندرس سائر الاَقوال الشاذة التي لا تعتمد على ركن وثيق وإنّما هي آراء مختلقة لاَجل الفرار من المشاكل المتوجهة إلى ثاني القولين ، ونحن نذكرها واحداً بعد آخر على نحو الاِيجاز :

١. المراد من «البيت» هو بيت اللّه الحرام والمراد من أهله هم المقيمون حوله.

٢. المراد من «البيت» هو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد من أهله هم القاطنون حوله ، وكان لبيوتهم باب إلى المسجد.

٣. المراد من تحرم عليهم الصدقة وهم ولد أبي طالب : علي ، جعفر ، وعقيل ، وولد العباس.

٤. المراد من البيت بيت النسب والحسب ، فيعم أبناء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونساءه(١).

وهذه الوجوه كلّها عليلة ، أمّا الاَوّل والثاني ، فلاَنّ إطلاق «أهل البيت» واستعماله في أهل مكة والمدينة استعمال بعيد لا يحمل عليه الكلام إلاّ بقرينة قطعية ، والمتبادر منه هو أهل بيت الرجل ، وعلى ذلك جرى الذكر الحكيم في موردين أحدهما في قصة إبراهيم قال سبحانه : (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٢). وثانيهما في قصة موسى قال سبحانه : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ) (٣).

أضف إليه أنّ الآية واقعة في سياق البحث عن نساء النبي ، فصرف الآية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإرجاعها إلى من جاور بيت اللّه أو من بات حول مسجده لا يساعد عليه

__________________

١. لاحظ في الوقوف على هذه الاَقوال تفسير الطبري : ٢٢ / ٥ ـ ٧؛ وتفسير القرطبي : ١٤ / ١٨٢؛ ومفاتيح الغيب للرازي : ٦ / ٦١٥؛ والكشاف : ٢ / ٥٣٨؛ وغيرها.

٢. هود : ٧٣.

٣. القصص : ١٢.

٥٣

ظاهر الآيات أبداً.

ويتلوهما الثالث : فإنّ تفسير «أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» بمن تحرم عليه الصدقة من صلب أبي طالب والعباس تفسير بلا شاهد ، وكأنّه حمل البيت على البيت النسبي ، أضف إليه أنّ الصدقة غير محرمة على خصوص أبنائهما ، بل هي محرمة على أبنائهما وكل من كان من نسل عبد المطلب.

قال الشيخ الطوسي في الخلاف : تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم من ولد أبي طالب العقيليين والجعافرة والعلويين ، وولد العباس بن عبد المطلب ، وولد أبي لهب ، وولد الحارث بن عبد المطلب ، ولا عقب لهاشم إلاّ من هوَلاء ، ولا يحرم على ولد المطلب ، ونوفل ، وعبد شمس بن عبد مناف ، قال الشافعي : تحرم الصدقة المفروضة على هوَلاء كلهم وهم جميع ولد عبد مناف(١).

وقال بمثله أيضاً في كتاب قسمة الصدقات : ٢ / ٣٥٣ ، المسألة ٢٦.

وعلى ذلك فليس لهذه النظرية دليل سوى ما رواه مسلم عن زيد بن أرقم ، وقد قدمنا نصّه عند ذكر الاَحاديث الواردة حول الآية(٢).

وأمّا النظرية الرابعة : فقد ذهب إليها بعضهم ، جمعاً بين الاَحاديث المتضافرة الحاكية عن نزول الآية في العترة الطاهرة ، وسياق الآيات الدالة على رجوعها إلى نسائه ، فحاول القائل الجمع بين الدليلين بتفسير الآية بأولاده وأزواجه ، وجعل عليّاً أيضاً منهم بسبب معاشرته وملازمته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال الرازي : والاَولى أن يقال هم : أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعلي معهم ، لاَنّه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بيت النبي وملازمته(٣).

وقال البيضاوي : والتخصيص بهم أولاده لا يناسب ما قبل الآية

__________________

١. الخلاف : ٢ / ٢٢٧ ، المسألة ٤ كتاب الوقوف والصدقات.

٢. لاحظصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٣٩٨ ، الحديث ٣٥.

٣. مفاتيح الغيب : ٦ / ٦١٥.

٥٤

وما بعدها ، والحديث يقتضي أنّهم من أهل البيت لا أنّ غيرهم ليس منهم(١).

وقال المراغي : أهل بيته من كان ملازماً له من الرجال والنساء والاَزواج والاِماء والاَقارب(٢).

وهذه النظرية موهونة أيضاً

أوّلاً : انّ اللام في «أهل البيت» ليس للجنس ولا للاستغراق ، بل هي لام العهد وهي تشير إلى بيت معهود بين المتكلم والمخاطب ، وهو بيت واحد ، ولو صح ذلك القول لوجب أن يقول «أهل البيوت» حتى يعم الاَزواج والاَولاد وكل من يتعلّق بالنبي نسباً أو حسباً أو لعلاقة السكنيّة مثل الاِماء.

والحاصل : انّه لو أُريد «بيت النبي» المادي الجسماني لا يصح ، إذ لم يكن له بيت واحد ، بل كان لكل واحدة من نسائه بيت مشخص ، فكان النبي صاحب البيوت لا البيت الواحد.

ولو أُريد منه بيت النسب ، كما يقال : بيت من بيوتات «حمير» أو «ربيعة» ، فلازمه التعميم إلى كل من ينتمي إلى هذا البيت بنسب أو سبب ، مع أنّه كان بعض المنتمين إليه يوم نزول الآية من عبدة الوثن وأعداء النبي ، فإنّ سورة الاَحزاب نزلت سنة ست من الهجرة ، وقد ورد فيها زواج النبي من زينب بنت جحش ، وهو حسب ما ذكره صاحب «تاريخ الخميس» من حوادث سنة الخمس ، وعلى ذلك فلا تتجاوز الآيات النازلة في نساء النبي عن هذا الحد وكان عند ذاك ، بعض من ينتمي إلى النبي بالنسب مشركاً ، كأبي سفيان بن عبد المطلب ابن عم رسول اللّه ، وعبد اللّه بن أُمية بن المغيرة ابن عمته ، وقد أسلما في عام الفتح ، وأنشد الاَوّل قوله في إسلامه واعتذر إلى النبي ممّا كان مضى منه فقال :

__________________

١. أنوار التنزيل : ٤ / ١٦٢.

٢. تفسير المراغي : ٢٢ / ٧.

٥٥

لعمرك إنّي يوم أحمِلُ رايةً

لتَغْلِبَ خَيلَ اللات ، خيلُ محمد

لكالمُدلج الحيرانِ أظلم ليلُهُ

فهذا أواني حين أُهدي وأهْتدى (١)

ولو أُريد منه «بيت الوحي» فلازمه الاختصاص بمن بلغ من الورع والتقوى ذروتهما ، حتى يصح عدّه من أهل ذلك البيت الرفيع المعنون ، ومثله لا يعم كل من ينتمي بالوشائج النسبية أو الحسبية إلى هذا البيت ، وإن كان في جانب الاِيمان والعمل في درجة نازلة تلحقه بالعاديين من المسلمين.

ثانياً : قد عرفت أنّ الاِرادة الواردة في الآية تكوينية تعرب عن تعلّق إرادته الحكيمة على عصمة أهل ذلك البيت ، ومعه كيف يمكن القول بأنّ المراد كل من ينتمي إلى ذلك البيت بوشائج النسب والحسب؟!

ثالثاً : انّ النظرية في جانب مخالف للاَحاديث المتضافرة الدالة على نزول الآية في حق العترة الطاهرة ، وقد قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتفسيرها بوجوه مختلفة أوعزنا إليها عند البحث عن القول الاَوّل ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المبين الاَوّل لمفاد كتابه الذي أرسل معه قال سبحانه : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢).

فليست وظيفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القراءة والتلاوة بل التبيين والتوضيح من وظائفه التي تنص الآية عليها.

هذا هو موجز القول في تفسير الآية ولا بأس بإكمال البحث بنقل بعض ما أنتجته قريحة الشعراء الاِسلاميين حول أهل البيت وفضائلهم ، على وجه يعرب عن أنّ المتبادر من ذلك اللفظ في القرون الاِسلامية لم يكن إلاّ العترة الطاهرة ، أعني : فاطمة وأباها وبعلها وابنيها سلام اللّه عليهم أجمعين ، وإليك نزراً يسيراً في هذا المجال.

__________________

١. السيرة النبوية : ٢ / ٤٠١.

٢. النحل : ٤٤.

٥٦

خاتمة المطاف

أهل البيت في الاَدب العربي

ما حقَّقناه حول الآية كان أمراً واضحاً لا لبس فيه عند المسلمين في الصدر الاَوّل فقد فهموا في الآية الكريمة وبفضل الروايات من هم أهل البيت من دون تردّد أو تريّث ، وصاغوا ما فهموه في قوالب شعرية رائعة ، نقتطف منها هذه الشذرات.

قال عمرو بن العاص في قصيدته الجلجلية المعروفة يمدح بها الاِمام علي ابن أبي طالب ، وفيها هذا البيت في حق العترة الطاهرة :

فوال مواليه يا ذا الجلال

وعاد معادي أخ المرسل

ولا تنقضوا العهد من عترتي

فقاطعهم بي لم يوصل (١)

وقال الكميت بن زيد الاَسدي في قصيدة له :

__________________

١. الغدير : ٢ / ١١٥.

٥٧

ألم ترني من حب آل محمد

أروح وأغدو خائفاً أترقب

فإن هي لم تصلح لحي سواهم

فإنّ ذوي القربى أحق وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثه

لقد شركت فيها بكيل وأرحب (١)

قال العبدي الكوفي (المتوفّى ١٢٠ هـ) :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم اللّه في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل اللّه وهو ولاوَهم

كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل (٢)

قال الاِمام الشافعي :

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

__________________

١. الغدير : ٢ / ١٩١.

٢. الغدير : ٢ / ٢٩٠ ـ ٣٢٦.

٥٨

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له (١)

وذكر ابن الصباغ المالكي في «الفصول» لقائل :

هم العروة الوثقى لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وانزال

مناقب في شورى وسورة هل أتى

وفي سورة الاَحزاب يعرفها التالي

وهم آل بيت المصطفى فودادهم

على الناس مفروض بحكم وإسجال (٢)

وذكر الشبلنجي في «نور الاَبصار» عن أبي الحسن بن جبير :

أحب النبيّ المصطفى وابنَ عمه

علياً وسبطيه وفاطمة الزهرا

هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم

وأطلعهم أفق الهدى أنجماً زهرا

موالاتهم فرض على كل مسلم

وحبهم أسنى الذخائر للاَُخرى

__________________

١. الغدير : ٢ / ٣٠٣.

٢. الغدير : ٢ / ٣١٠ ـ ٣١١ ، نقلاً عن الفصول : ١٣.

٥٩

وما أنا للصحب الكرام بمبغض

فإنّي أرى البغضاء في حقهم كفرا (١)

وقال العبدي :

يا سادتي يا بني علي

يا «آل طه» و «آل صاد»

من ذا يوازيكم وأنتم

خلائف اللّه في البلاد

أنتم نجوم الهدى اللواتي

يهدي بها اللّه كل هاد

لولا هداكم إذاً ضللنا

والتبس الغي بالرشاد

لازلت في حبكم أوالي

عمري وفي بغضكم أعادي

وما تزودت غير حبي

إياكم وهو خير زاد

وذاك ذخري الذي عليه

في عرصة الحشر اعتمادي

__________________

١. الغدير : ٢ / ٣١١ ، نقلاً عن نور الاَبصار : ١٣.

٦٠