أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٣

ببيان فضائل أهل البيت والتعريف بهم ، والتصريح بأسمائهم على وجه يظهر من الجميع اتفاقهم على نزول الآية في حق العترة الطاهرة ، وسيوافيك نزر من شعرهم في مختتم البحث.

كل ذلك يعرب عن أنّ الرأي العام بين المسلمين في تفسير أهل البيت هو القول الاَوّل ، وانّ القول بأنّ المقصود منهم زوجاته كان قولاً شاذاً متروكاً ينقل ولا يعتنى به ، ولم ينحرف عن ذلك الطريق المهيع إلاّ بعض من اتخذ لنفسه تجاه أهل البيت موقفاً يشبه موقف أهل العداء والنصب.

قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتعريف أهل البيت بطرق ثلاثة نشير إليها :

١. صرّح بأسماء من نزلت الآية في حقّهم حتى يتعين المنزول فيه باسمه ورسمه.

٢. قد أدخل جميع من نزلت الآية في حقّهم تحت الكساء ، ومنع من دخول غيرهم ، وأشار بيده إلى السماء وقال : «اللّهم إنّ لكل نبي أهل بيت وهوَلاء أهل بيتي» كما سيوافيك نصه.

٣. كان يمر ببيت فاطمة عدة شهور ، كلّما خرج إلى الصلاة فيقول : الصلاة أهل البيت : (إنَّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

وبهذه الطرق الثلاثة حدّد أفراد أهل البيت وعين مصاديقهم على وجه يكون جامعاً لهم ومانعاً عن غيرهم ، ونحن ننقل ما ورد حول الطرق الثلاثة في التفسيرين : الطبري والدر المنثور للسيوطي ، ثم نأتي بما ورد في الصحاح الستة حسب ما جمعه ابن الاَثير الجزري في كتابه «جامع الا َُصول» وأخيراً نشير إلى

٢١

الجوامع التي جمعت فيها أحاديث الفريقين حول نزول الآية في حق الخمسةالطيبة ، ونترك الباقي إلى القارىَ الكريم ، فإنّ البحث قرآني لا حديثي والاستيعاب في الموضوع يحوجنا إلى تأليف مفرد.

الطائفة الاَولَى : التصريح بأسمائهم

١. روى الطبري : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ ، وفي عليّ رضي‌الله‌عنه ، وحسن رضي اللّهعنه ، وحسين رضي‌الله‌عنه ، وفاطمة رضي‌الله‌عنها : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)».

٢. عن أبي سعيد ، عن أُم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ هذه الآية نزلت في بيتها (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت : أنا يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟ قال : «إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» قالت : وفي البيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي‌الله‌عنهم.

وفي «الدر المنثور» ما يلي :

٣. روى السيوطي عن ابن مردويه ، عن أُم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) وفي البيت سبعة : جبريل ، وميكائيل عليهما‌السلام ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين رضي‌الله‌عنهم؛ وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟ قال : «إنّك إلى خير ، إنّك من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

٤. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري ـ

٢٢

رضي‌الله‌عنه ـ ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ ، وفي علي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

الطائفة الثانية : إدخالهم تحت الكساء

إدخالهم تحت الكساء أو «مرط أو ثوب» أو «عباءة أو قطيفة» : فقد وردت حوله هذه الروايات :

٥. أخرج الطبري قال : قالت عائشة : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مِرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

٦. أخرج الطبري قال : عن أُمّ سلمة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجعلت لهم خزيرة فأكلوا وناموا وغطّى عليهم عباءة أو قطيفة ثم قال : «اللّهمّ هوَلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

٧. أخرج الطبري : عن أبي عمار قال : إنّي لجالس عند واثلة بن الاَسقع إذ ذكروا عليّاً رضي‌الله‌عنه فشتموه ، فلمّا قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا ، انّي عند رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال : اللّهم هوَلاء أهل بيتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

٨. أخرج الطبري : عن أبي عمار قال : سمعت واثلة بن الاَسقع يحدث قال : سألت عن علي بن أبي طالب في منزله ، فقالت فاطمة : قد ذهب يأتي برسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ جاء ، فدخل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخلت ، فجلس رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الفراش

٢٣

وأجلس فاطمة عن يمينه وعليّاً عن يساره وحسناً وحسيناً بين يديه ، فلفع عليهم بثوبه ، وقال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) اللّهم هوَلاء أهلي اللّهم أهلي».

٩. أخرج الطبري : عن أبي سعيد الخدري عن أُمّ سلمة قالت : لمّا نزلت هذه الآية (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) دعا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، فجلّل عليهم كساءً خيبرياً ، فقال : «اللّهم هوَلاء أهل بيتي ، اللّهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» ، قالت : أُمّ سلمة قلت : ألست منهم؟ قال : «أنت إلى خير».

١٠. أخرج الطبري : عن أبي هريرة ، عن أُم سلمة : قالت : جاءت فاطمة إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق ، فوضعته بين يديه فقال : «أين ابن عمك وابناك؟» فقالت : «في البيت» فقال : «ادعيهم» ، فجاءت إلى علي فقالت : «أجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت وابناك» ، قالت أُمّ سلمة : فلما رآهم مقبلين مدَّ يده إلى كساء كان على المنامة فمدّه وبسطه وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الاَربعة بشماله فضمه فوق روَوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربِّه ، فقال : «هوَلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

١١. أخرج الطبري : عن عمر بن أبي سلمة ، قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أُمّ سلمة : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فأجلسهم بين يديه ، ودعا علياً فأجلسه خلفه ، فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال : «هوَلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» ، قالت أُم سلمة : أنا معهم ، قال : «مكانك ، وأنت على خير».

٢٤

١٢. أخرج الطبري : قال عامر بن سعد ، قال : قال سعد : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين نزل عليه الوحي فأخذ علياً وابنيه وفاطمة ، وأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : «رب هوَلاء أهلي وأهل بيتي».

١٣. أخرج الطبري : عن حكيم بن سعد قال : ذكرنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عند أُم سلمة ، قالت : فيه نزلت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قالت أُم سلمة : جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بيتي فقال : لا تأذني لاَحد ، فجاءت فاطمة فلم استطع أن أحجبها عن أبيها ، ثم جاء الحسن فلم استطع أن أمنعه أن يدخل على جدّه وأُمّه ، وجاء الحسين فلم استطع أن أحجبه ، فاجتمعوا حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بساط فجللهم نبي اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال : «هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط. قالت فقلت : يا رسول اللّه : وأنا؟ قال : «إنّك إلى خير».

١٤. روى السيوطي : وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أُم سلمة رضي‌الله‌عنهما زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري ، فجاءت فاطمة رضي‌الله‌عنها ببرمة فيها خزيرة ، فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً» ، فدعتهم ، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضلة أزاره فغشاهم إياها ، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال : «اللّهم هوَلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» ، قالها ثلاث مرات ، قالت أُم سلمة رضي‌الله‌عنها : فأدخلت رأسي في الستر ، فقلت : يا رسول اللّه وأنا

٢٥

معكم؟ فقال : «إنّك إلى خير» مرّتين.

١٥. روى السيوطي : وأخرج الطبراني عن أُم سلمة رضي‌الله‌عنها انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة رضي‌الله‌عنها : «إئتني بزوجك وابنيه» ، فجاءت بهم ، فألقى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم كساءً فدكياً ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللّهم إنّ هوَلاء أهل محمد وفي لفظ : آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد». قالت أُم سلمة رضي‌الله‌عنها : فرفعت الكساء لاَدخل معهم فجذبه من يدي وقال : «إنّك على خير».

١٦. روى السيوطي : وأخرج الطبراني عن أُم سلمة رضي‌الله‌عنها قالت : جاءت فاطمة رضي‌الله‌عنها إلى أبيها بثريدة لها ، تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه ، فقال لها : «أين ابن عمك؟» قالت : «هو في البيت». قال : «اذهبي فادعيه وابنيك» ، فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي رضي‌الله‌عنه يمشي في أثرهما حتى دخلوا على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجلسهما في حجره وجلس علي رضي‌الله‌عنه عن يمينه وجلست فاطمة رضي‌الله‌عنها عن يساره ، قالت أُمّ سلمة رضي‌الله‌عنها : فأخذت من تحتي كساء كان بساطناً على المنامة في البيت(١).

١٧. روى السيوطي : وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : كان يوم أُمّ سلمة أُم الموَمنين رضي‌الله‌عنها فنزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قال : فدعا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب ، والحجاب على أُم سلمة مضروب ، ثم قال :

__________________

١. واجمال الحديث وابهامه يرتفع بالرجوع إلى سائر ما روي عن أُم سلمة في ذلك المضمار.

٢٦

«اللّهم هوَلاء أهل بيتي ، اللّهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» ، قالت أُم سلمة رضي‌الله‌عنها : فأنا معهم يا نبي اللّه؟ قال : «أنت على مكانك ، وأنّك على خير».

١٨. روى السيوطي : وأخرج الترمذي وصحّحه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه والبيهقي في سننه ، من طرق ، عن أُمّ سلمة رضي‌الله‌عنها قالت : في بيتي نزلت : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجلّلهم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال : «هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

١٩. روى السيوطي : وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، ومسلم ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : خرج رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما فأدخلها معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

٢٠. روى السيوطي : وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه ، عن سعد قال : نزل على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي ، فأدخل علياً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال : «اللّهم هوَلاء أهلي وأهل بيتي».

٢١. روى السيوطي : وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن واثلة ابن الاَسقع رضي‌الله‌عنه قال : جاء رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي ، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه

٢٧

وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ، ثم تلا هذه الآية : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

الطائفة الثالثة : تعيينهم بتلاوة الآية على بابهم

٢٢. أخرج الطبري : عن أنس ، انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة ، فيقول : الصلاة أهل البيت : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)».

٢٣. أخرج الطبري : أخبرني أبو داود ، عن أبي الحمراء ، قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة فقال : الصلاة الصلاة : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

٢٤. أخرج الطبري : عن يونس بن أبي إسحاق باسناده ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله.

٢٥. روى السيوطي : أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، عن أنس رضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرّ بباب فاطمة رضي‌الله‌عنها إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول : «الصلاة يا أهل البيت : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)».

٢٦. روى السيوطي : أخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : لما دخل علي رضي‌الله‌عنه بفاطمة رضي‌الله‌عنها جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين

٢٨

صباحاً إلى بابها يقول : «السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ، الصلاة رحمكم اللّه (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم».

٢٧. روى السيوطي : أخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن أبي الحمراء رضي‌الله‌عنه قال : حفظت من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلاّ أتى إلى باب علي رضي‌الله‌عنه فوضع يده على جنبّتي الباب ثم قال : «الصلاة الصلاة : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)».

٢٨. روى السيوطي : وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : شهدنا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عند وقت كل صلاة ، فيقول : «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) الصلاة رحمكم اللّه» كل يوم خمس مرّات.

٢٩. روى السيوطي : وأخرج الطبراني عن أبي الحمراء رضي‌الله‌عنه ، قال : رأيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) (١).

جولة حول ما رواه العلمان

قد تعرفت على أكثر ما رواه الطبري والسيوطي في تفسيرهما ، وتركنا بعض ما

__________________

١. لاحظ للوقوف على مصادر هذه الروايات تفسير الطبري : ٢٢ / ٥ ـ ٧ ، والدر المنثور : ٥ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

٢٩

نقلاه في ذلك المجال عن أعلام التابعين ، وما رويناه ينتهي اسناده إلى أقطاب الحديث من الصحابة وعيون الاَثر ، وهم :

١. أبو سعيد الخدري.

٢. أنس بن مالك.

٣. ابن عباس.

٤. أبو هريرة الدوسي.

٥. سعد بن أبي وقاص.

٦. واثلة بن الاَسقع.

٧. أبو الحمراء ، أعني : هلال بن الحارث.

٨. أُمّهات الموَمنين : عائشة وأُم سلمة.

أيصح بعد هذا لمناقش أن يشك في صحة نزولها في حق العترة الطاهرة؟! وليس الطبري والسيوطي فريدين في نقل تلك المأثورة ، بل سبقهما ، أصحاب الصحاح والمسانيد فنقلوا نزول الآية في حقهم صريحاً أو كناية ، ولا بأس بنقل ما جاء في خصوص الصحاح حتى يعضد بعضه بعضاً فنقول :

٣٠. أخرج الترمذي : عن سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنه ، قال : لمّا نزلت هذه الآية : (فَقُلْ تَعالَوا نَدعُ أبناءَنا وأبناءَكُمْ ونساءَنا ونساءَكُمْ) (١) الآية ، دعا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : «اللّهم هوَلاء أهلي».

__________________

١. آل عمران : ٦١.

٣٠

٣١. أخرج الترمذي : عن أُم سلمة رضي‌الله‌عنها : قالت إنّ هذه الآية نزلت في بيتي (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قالت : وأنا جالسة عند الباب فقلت : يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟ فقال : «إنّك إلى خير ، أنت من أزواج رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، قالت : وفي البيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين ، فجلّلهم بكسائه وقال : «اللّهم هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

وفي رواية انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة ثم قال : «اللّهم هوَلاء أهل بيتي وحامَّتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت أُم سلمة : وأنا معهم يا رسول اللّه؟ قال : «إنّك إلى خير».

٣٢. أخرج الترمذي : عن عمر بن أبي سلمة قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) في بيت أُم سلمة ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً ، فجلّلهم بكساء ، وعليٌّ خلف ظهره ، ثم قال : «اللّهم هوَلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت أُم سلمة : وأنا معهم يا نبي اللّه؟ قال : «أنت على مكانك وأنت على خير».

٣٣. أخرج الترمذي : عن أنس بن مالك : انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرُّ بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريباً من ستة أشهر يقول : الصلاة أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).

٣٤. أخرج مسلم : عن عائشة قالت : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه مِرط مُرَحَّل أسود ، فجاءه الحسن فأدخله ، ثم جاءه الحسين فأدخله ، ثم جاءت فاطمة

٣١

فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس) الآية.

٣٥. أخرج مسلم : عن زيد بن أرقم : قال يزيد بن حيان : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصلّيت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : يا ابن أخي ، واللّه لقد كبرت سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما حدثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلّفونيه ، ثم قال : قام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى : خماً ، بين مكة والمدينة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : «أمّا بعد : ألا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما : كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه ، واستمسكوا به ، فحث على كتاب اللّه ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساوَه من أهل بيته؟ قال : نساوَه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال : ومن هم؟ قال : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس ، قال : كل هوَلاء حرم الصدقة؟ قال : نعم ، زاد في رواية «كتاب اللّه فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل».

وفي أُخرى نحوه : غير أنّه قال : «وإنّي تارك فيكم ثقلين أحدهما : كتاب اللّه وهو حبل اللّه فمن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيها فقلنا : من أهل بيته؟ نساوَه قال : لا وأيم اللّه انّ المرأة تكون مع الرجل العصر من

٣٢

الدهر ، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته : أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده(١).

هذا ما رواه أصحاب الصحاح حول نزول الآية في حق العترة الطاهرة وتركنا ما رواه الاِمام أحمد في مسنده روماً للاختصار ، وفي هذا غنى وكفاية لمن رام الحق واتبعه وعرف الباطل فاجتنبه ، ومن أراد التوسع فعليه الرجوع إلى المصادر التالية :

١. العمدة للمحدث الحافظ يحيى بن سعيد المتوفّى عام ٦٠٠ هـ الطبعة الحديثة(٢).

٢. بحار الاَنوار : ٣٥ / ٢٠٦ ـ ٢٢٦.

٣. غاية المرام : ٢٨٧ و ٢٩٤ ، فقد أورد فيه واحداً وأربعين حديثاً من كتب أهل السنّة ، وأربعاً وثلاثين من كتب الشيعة.

٤. تفسير البرهان : ٣ / ٣٠٩ ـ ٣٢٥ ، فقد أورد فيه خمساً وستين حديثاً.

٥. نور الثقلين : ٤ / ٢٧٠ ـ ٢٧٧ ، أورد فيه خمسة وعشرين حديثاً.

٦. إحقاق الحق : ٢ / ٥٠٢ ـ ٥٤٤ ، فقد نقل نزول الآية في حق العترة الطاهرة عن كتب أهل السنة حديثاً وتفسيراً ، ثم استدرك ما فاته في الجزء التاسع والرابع عشر.

__________________

١. راجع للوقوف على هذه المأثورات جامع الا َُصول لابن الاَثير : ١٠ / ١٠٠ ـ ١٠٣ ، وصحيح مسلم : ٧ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

٢. حُقّق تحقيقاً أنيقاً ونشر من قبل موَسسة الاِمام الصادق عليه‌السلام في عام ١٤١٢ هـ.

٣٣

٧. آية التطهير في حديث الفريقين فقد استقصى في جزء خاص الاَحاديث الواردة حول الموضوع من طريق الفريقين شكر اللّه مساعي الجميع.

وبعد هذا ، حان حين البحث عن دلائل القول الآخر : وهو نزول الآية في نسائه.

نزولها في نسائه عليه الصلاة والسلام

قد تعرفت على دلائل القول وقرائنه وموَيداته وأحاديثه المتواترة التي أطبق على نقلها تسع وأربعون (١) صحابياً وصحابية من أُمهات الموَمنين ، وقد تلقته الا َُمّة بالقبول في القرون الماضية ، وأمّا القول الثاني أعني نزولها في نسائه وزوجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد نسب إلى أشخاص نقل عنهم ، منهم :

١. ابن عباس.

٢. عكرمة.

٣. عروة بن الزبير.

٤. مقاتل بن سليمان.

أمّا الاَوّل : فقد نقل عنه تارة ، عن طريق سعيد بن جبير ، وأُخرى عن طريق عكرمة ، قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس عن قوله : (إنّما يريد اللّه ...) قال : نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال أيضاً : أخرج ابن مردويه عن طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس

__________________

١. سيوافيك مصدره.

٣٤

قال : نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا الثاني : أعني عكرمة ، فقد نقله عنه الطبري ، عن طريق «علقمة» وانّ عكرمة كان ينادي في السوق : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس ...) نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ونقل في الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن عكرمة في قوله : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم ...) إنّه قال ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا الثالث : أعني : عروة بن الزبير ، فقال السيوطي : وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير انّه قال : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قال : أزواج النبي نزلت في بيت عائشة.

وأمّا الرابع : فقد نقل عنه في أسباب النزول(١).

تحليل هذه النقول

أمّا نقله عن ابن عباس فليس بثابت ، بل نقل عنه خلاف ذلك ، فقد نقل السيوطي في «الدر المنثور» قال : وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : شهدنا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول : «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)».

وليس ابن مردويه فريداً في هذا النقل ، فقد نقله عنه الحاكم الحسكاني في

__________________

١. تفسير الطبري : ٢٢ / ٧ و ٨؛ والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي : ٥ / ١٩٨؛ وأسباب النزول للواحدي : ٢٠٤.

٣٥

شواهد التنزيل (١) بسند ينتهي إلى أبي صالح ، عن ابن عباس : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) نزلت في رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين. والرجس : الشك.

كما نقله الحافظ الحسين بن الحكم الحبري في «تنزيل الآيات» عن أبي صالح بمثل ما سبق(٢).

وممن رواه عن ابن عباس صاحب أرجح المطالبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٥٤ طبع لاهور ، والعلاّمة إسماعيل النقشبندي «في مناقب العترة».

أضف إلى ذلك أنّ من البعيد أن يخفى على ابن عباس حبر الا َُمّة ما اطّلع عليه عيون الصحابة وأُمّهات الموَمنين ، وقد أنهى بعض الفضلاء السادة (٣) عدد رواة الحديث من الصحابة إلى تسعة وأربعين صحابياً. وجمعها من مصادر الفريقين في الفضائل والمناقب.

وأمّا عكرمة

فقد ثبت تقوّله بذلك كما عرفت ، لكنّ في نفس كلامه دليلاً واضحاً على أنّ الرأي العام يوم ذاك في شأن نزول الا َُمّة هو نزولها في حق فاطمة ، وانّما تفرّد هو بذلك ، ولاَجله رفع عقيرته في السوق بقوله : ليس بالذي تذهبون إليه وإنّما هو نساء النبي. أضف إلى ذلك : انّ تخصيص هذه الآية بالنداء في السوق وانّها نزلت في نساء النبي يعرب عن موقفه الخاص بالنسبة إلى من اشتهر نزول الآية في حقهم ،

__________________

١. شواهد التنزيل : ٢ / ٣٠.

٢. تنزيل الآيات : ٢٤ «مخطوط» منه نسخة في جامعة طهران. لاحظ إحقاق الحق : ١٤ / ٥٣.

٣. آية التطهير في حديث الفريقين.

٣٦

وإلاّ فالمتعارف بين الناس أن الجهر بالحقيقة بشكل معقول لا بهذه الصورة المعربة عن الانحراف عنهم.

هذا كله حول ما نقل عنه ، وأمّا تحليل شخصيته وموقفه من الاَمانة والوثاقة ، وانحرافه عن علي وانحيازه إلى الخوارج وطمعه الشديد بما في أيدي الا َُمراء فحدث عنه ولا حرج ، ولاَجل إيقاف القارىَ على قليل مما ذكره أئمّة الجرح والتعديل في حقه نأتي ببعض ما ذكره الاِمام شمس الدين الذهبي نقّاد الفن في كتابيه : «تذكرة الحفاظ» ، و «سير أعلام النبلاء» ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب الجرح والتعديل.

نقل الاِمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفّى ٧٤٨ هـ في «سير أعلام النبلاء» هذه الكلمات في حق عكرمة :

١. قال أيوب : «قال عكرمة : إنّي لاَخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلّم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم ...» ما معنى هذه الكلمة؟ وهل يقولها إنسان يملك شيئاً من العقل والوقار؟!

٢. قال ابن لهيعة : وكان يحدّث برأي نجدة الحروري (١) وأتاه ، فأقام عنده ستة أشهر ، ثم أتى ابن عباس فسلّم ، فقال ابن عباس : قد جاء الخبيث.

٣. قال سعيد بن أبي مريم ، عن أبي لهيعة ، عن أبي الاَسود قال : كنت أوّل من سبّب لعكرمة الخروج إلى المغرب وذلك أنّي قدمت من مصر إلى المدينة فلقيني عكرمة وسألني عن أهل المغرب ، فأخبرته بغفلتهم ، قال : فخرج إليهم وكان أوّل ما أحدث فيهم رأي الصفريّة(٢).

__________________

١. هو نجدة بن عامر الحروري الحنفي من بني حنيفة رأس الفرقة النجدية ، انفرد عن سائر الخوارج بآرائه.

٢. هم فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الاَصفر.

٣٧

٤. قال يحيى بن بكير : قدم عكرمة مصر ونزل هذه الدار وخرج إلى المغرب ، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.

٥. قال علي بن المديني : كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري.

٦. وقال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين يقول : إنّما لم يذكر مالك عكرمة ـ يعني في الموطأ ـ قال : لاَنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفريّة.

٧. وروى عمر بن قيس المكي ، عن عطاء قال : كان عكرمة أباضياً(١).

٨. وعن أبي مريم قال : كان عكرمة بيهسياً(٢).

٩. وقال إبراهيم الجوزجاني : سألت أحمد بن حنبل عن عكرمة ، أكان يرى رأي الاَباضية؟ فقال : يقال : انّه كان صفرياً ، قلت : أتى البربر؟ قال : نعم ، وأتى خراسان يطوف على الا َُمراء يأخذ منهم.

١٠. وقال علي بن المديني : حكى عن يعقوب الحضرمي عن جده قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال : ما فيه إلاّ كافر. قال : وكان يرى رأي الاباضية(٣).

وقال في «ميزان الاعتدال» (٤) : وقد وثقه جماعة ، واعتمده البخاري ، وأمّا مسلم فتجنّبه ، وروى له قليلاً مقروناً بغيره ، وأعرض عنه مالك ، وتحايده إلاّ في حديث أو حديثين.

عفان ، حدثنا وهيب قال : شهدت يحيى بن سعيد الاَنصاري ، وأيوب ، فذكرا عكرمة فقال يحيى : كذاب ، وقال أيوب : لم يكن بكذاب.

__________________

١. هم أتباع عبد اللّه بن أباض ، رأس الاَباضية.

٢. فرقة من الصفرية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبغي رأس الفرقة البيهسية من الخوارج.

٣. لاحظ سير أعلام النبلاء للذهبي : ٥ / ١٨ ـ ٢٢.

٤. ميزان الاعتدال : ٣ / ٩٣ ـ ٩٧.

٣٨

عن عبد اللّه بن الحارث : دخلت على علي بن عبد اللّه بن عباس فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش فقلت : ألا تتقي اللّه؟ قال : إنّ هذا الخبيث يكذب على أبي.

سئل محمد بن سيرين عن عكرمة؟ فقال : ما يسوَني أن يكون من أهل الجنة ولكنّه كذّاب.

هشام بن عبد اللّه المخزومي : سمعت ابن أبي ذئب يقول : رأيت عكرمة وكان غير ثقة.

وعن بريد بن هارون قال : قدم عكرمة البصرة ، فأتاه أيوب ويونس وسليمان التيمي ، فسمع صوت غناء فقال : اسكتوا ، ثم قال : قاتله اللّه لقد أجاد.

وعن خالد بن أبي عمران قال : كنّا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال : وددت أن بيدي حربة فاعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً.

وعن يعقوب الحضرمي عن جده قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال : ما فيه إلاّ كافر. قال : ويرى رأي الاَباضية ، انّ عكرمة لم يدع موضعاً إلاّ خرج إليه : خراسان والشام واليمن ومصر وافريقية ، كان يأتي الا َُمراء فيطلب جوائزهم.

وقال عبد العزيز الدراوردي : مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فما شهدهما إلاّ سودان المدينة.

وعن ابن المسيب أنّه قال لمولاه «برد» : لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.

أفبعد هذه الكلمات المتضافرة الحاكية عن انحراف الرجل عن جادة الحق ،

٣٩

وتكفيره عامّة المسلمين ، وتمنّيه أن يقتل كل من شهد الموسم ، يصح الاعتماد عليه في تفسير الذكر الحكيم؟ والاَسف أنّ المفسرين نقلوا أقواله وأرسلوها ولم يلتفتوا إلى أنّ الرجل كذّاب على مولاه وعلى المسلمين ، فواجب على عشاق الكتاب العزيز وطلاب التفسير ، تهذيب الكتب عن أقوال وآراء ذلك الدجال ومن يحذو حذوه.

عروة بن الزبير

وأمّا عروة بن الزبير فيكفي في عدم حجية قوله ، عداوَه لعلي وانحرافه عنه ، ففي هذاالصدد يقول ابن أبي الحديد : روى جرير بن عبد الحميد ، عن محمد بن شيبة قال : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً عليه‌السلام فنالا منه ، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه‌السلام ، فجاء حتى وقف عليهما ، فقال : أما أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لاَبي على أبيك ، وأمّا أنت يا زهري فلو كنت بمكة لاَريتك كير أبيك.

وقد روي من طرق كثيرة : أنّ عروة بن الزبير كان يقول : لم يكن أحد من أصحاب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزهو إلاّ علي بن أبي طالب ، وأُسامة بن زيد.

وروى عاصم بن أبي عامر البجلي ، عن يحيى بن عروة قال : كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه ، وقال لي مرّة : يا بني واللّه ما أحجم الناس عنه إلاّ طلباً للدنيا ، لقد بعث إليه أُسامة بن زيد أن أبعث إلي بعطائي فواللّه انّك لتعلم انّك لو كنت في فم أسد لدخلت معك. فكتب إليه : إنّ هذا المال لمن جاهد عليه ، ولكن لي مالاً بالمدينة ، فأصب منه ما شئت.

٤٠