أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٣

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

٥

دفع الخمس إليهم

الاَصل في ضريبة الخمس ، قوله سبحانه : (وَاعْلَمُوا انّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَانّ للّه خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِين وَابْنِ السَّبيل إِنْكُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَّقَى الجَمْعانِ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شيَْيءٍ قَدِير ...) (١).

نزلت الآية يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى ، واختلف المفسرون في تفسير الموصول في «ما غنمتم» هل هو عام لكلّما يفوز به الاِنسان في حياته ، كما عليه الشيعة الاِمامية ، أو خاص بما يظفر به في الحرب ، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله ، لاَنّه خارج عّما نحن بصدده ، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا «الاعتصام بالكتاب والسنة» وأثبتنا بفضل القرآن والاَحاديث النبوية انّالخمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به الاِنسان في حياته ، وانّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصص الحكم الكلي(٢).

__________________

١. الاَنفال : ٤١.

٢. الاعتصام بالكتاب والسنَّة : ٩١ ـ ١٠٥.

١٦١

إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس ، وقد قسم الخمس في الآية إلى ستة أسهم ، أعني : للّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.

فالسهمان الاَولان واضحان ، إنّما الكلام في السهم الثالث ومن بعده ، فالمراد من ذي القربى هم أقرباء النبي وذلك بقرينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد سبق منّا القول في تفسير آية المودة : انّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربما يراد منها أقرباء الناس ، مثل قوله : (وَإِذا قُلتُمْ فاعْدِلُوا وَلَو كانَذا قُربى) (١).

المراد أقرباء المخاطبين ، بقرينة قوله : (قلتم فاعدلوا) نظير قوله : (وإِذا حضر القسمة ذوي القربى) والمراد أقرباء الميت.

وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ «الرسول» يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية (للرسول ولذي القربى) ، ومثله قوله : (ما أفاءَ اللّهُ عَلى رسولهِ من أهلِ القُرى فللّهِ ولِلرَّسول وَلِذِى القُربى وَ اليَتامى وَالمَساكِين وَابْن السَّبِيل) (٢). وقوله : (فَآت ذَا القُرْبَى حَقّهُ والمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) (٣). فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني «فآت».

ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس ، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم.

هذا هو المفهوم من الآية ، وعلى ما ذكرنا فكلّما يفوز به الاِنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين ، يُقسم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.

__________________

١. الاَنعام : ١٥٢.

٢. الحشر : ٧.

٣. الروم : ٣٨.

١٦٢

ويوَيده الروايات التالية :

١. روي عن ابن عباس : كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم الخمس على ستة : للّه وللرسول سهمان وسهم لاَقاربه ، حتى قبض(١).

٢. وروي عن أبي العالية الرياحي : كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوَتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه ، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه ، ثم يقسَّم ما بقي ، على خمسة أسهم : فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل. قال : والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه(٢).

وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلاَجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس.

أخرج الطبري عن مجاهد ، انه قال : كان آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس (٣)

وأخرج ايضاً عنه : قد علم اللّه أنّفي بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (٤).

كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام أنّ السهام الاَربعة من الخمس ، لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

__________________

١. تفسير النيسابوري : ١٠ / ٤ ، المطبوع بهامش الطبري.

٢. تفسير الطبري : ١٠ / ٤؛ أحكام القرآن : ٣ / ٦٠.

٣. الظاهر زيادة لفظ «خمس» بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.

٤. تفسيرالطبري : ١٠ / ٥.

٥. الوسائل : ٦ / الباب ٢٩ من أبواب المستحقّين للزَّكاة.

١٦٣

هذا ظاهر الآية ويا للاَسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وظهرت أقوال لا توافق النص القرآني ، وإليك مجملاً من آرائهم :

١. قالت الشافعية والحنابلة : تقسم الغنيمة ، وهي الخمس إلى خمسة أسهم : واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم بالابوة من غير فرق بين الاَغنياء والفقراء ، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.

٢. وقالت الحنفية : إنّسهم الرسول سقط بموته ، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.

٣. وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الاِمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.

٤. وقالت الاِمامية : إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الاِمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين ، والاَسهم الثلاثة الباقية تعطى لاَيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم(١).

٥. وقال ابن قدامة في المغني بعد ما روى أنّأبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم : وهو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته ، قالوا : يقسم الخمس على ثلاثة : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته وسهم قرابته أيضاً.

٦. وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.

٧. وقال الثوري : والخمس يضعه الاِمام حيث أراه اللّه عزّوجلّ.

__________________

١. الفقه على المذاهب الخمسة : ١٨٨.

١٦٤

وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإنّ اللّه تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً ، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب ، وأمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى ، في سبيل اللّه ، فقد ذُكر لاَحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أنّ قول ابن عباس ومن وافقه أولى ، لموافقته كتاب اللّه وسنة رسوله(١).

وقد أجمع أهل القبلة كافة على أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه ، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختار اللّه له الرفيق الاَعلى.

فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنع بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.

قال الزمخشري عن ابن عباس : الخمس على ستة أسهم : للّه ولرسوله سهمان ، وسهم لاَقاربه ، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء ، قال : وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس(٢).

وقد ارسلت فاطمة عليها‌السلام ، تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستة أشهر ،

__________________

١. الشرح الكبير على هامش المغني : ١٠ / ٤٩٣ ـ ٤٩٤.

٢. الكشاف : ٢ / ١٢٦.

١٦٥

فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوَذن بها أبا بكر وصلّى عليها(١).

وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز ، قال : كتب نجدة بن عامر (الحروري الخارجي) إلى ابن عباس ، قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه ، وقال ابن عباس : واللّه لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه ، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ ، قال : فكتب إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم اللّه من هم؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا(٢).

__________________

١. صحيح البخاري : ٣ / ٣٦ باب غزوة خيبر.

٢. صحيح مسلم : ٢ / ١٠٥ ، كتاب الجهاد و ١٦٧ السير ، باب النساء الغازيات.

١٦٦

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

٦

الفيء لاَهل البيت عليهم‌السلام

الفيء عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب ، فإنّ هذه الاَموال تقع تحت تصرّف الرسولص باعتباره رئيساً للدولة الاِسلامية ، وكان الفيء في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمراً هاماً في تنمية الثروة في المجتمع الاِسلامي ولا سيما إنتقال الثروة من يد الاَغنياء إلى يد الفقراء.

والاَساس فيه قوله سبحانه : (وَما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍوَلكِنَّ اللّه يُسَلّطُ رُُُسُلهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) (١).

(ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِين وَابْن السَّبيلِ ِكَيْ لا يَكُونَ دَولَةً بَيْنَ الاََغْنياء مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقاب) (٢).

بَّين سبحانه أحكام الفيء ، وقال : (وَما أفاءَ اللّه عَلى رَسُولهِ مِنْهُمْ)

__________________

١. الحشر : ٦.

٢. الحشر : ٧.

١٦٧

الضمير يرجع إلى اليهود ، ولكن الحكم سار على جميع الكفّار.

(فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا مِنْ رِكاب) أي الفيء عبارة عن الاَموال التي استوليتم عليها بلا إيجاف خيل ولا إبل ولم تسيروا إليها على خيل ولا إبل.

هذا هو الفيء ، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية ، وقال : (ما أَفاءَ اللّه عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْل القُرى) ، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك اللّه إيّاهم ذلك ، (فللّه) و (للرَّسُول) و (لذي القُربى) ، فهو للّه بالذات وللرسول ولذي القربى بتمليك اللّه إيّاه.

والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول اللّه وقرابته ، وهم بنو هاشم.

(واليتامى والمساكين وابن السبيل) أي منهم ، بقرينة الرسول ، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم.

وعلى ذلك فالفيء يقسم على ستة أسهم :

١. سهم للّه المالك لكلّشيء غير محتاج لشيء ، جعل نفسه قريناً لسائر الاسم تكريماً السهام.

٢. سهم الرسول وهو يوَمن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الاِسلامية.

٣. سهم ذوي القربى أي أقرباء الرسول ، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه.

٤. سهم اليتامى.

٥. سهم المساكين.

٦. سهم أبناء السبيل.

١٦٨

وبكلمة جامعة

«الغنيمة» ـ كلّما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الاِسلام ، ومالا يمكن نقله إلى دار الاِسلام ـ لجميع المسلمين ينظر فيه الاِمام ، ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.

«الفيء» ـ كلّما أخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها ـ للنبي ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، ولمن قام مقامه من الاَئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين(١).

__________________

١. التبيان : ٩ / ٥٦٤.

١٦٩

من حقوق اهل البيت عليهم‌السلام

٧

الاَنفال لاَهل البيت عليهم‌السلام

وردت لفظة «الاَنفال» في القرآن مرتين في آية واحدة ، قال سبحانه : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاََنْفالِ قُلِ الاََنْفالُ للّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللّهَوَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُوَْمِنين) (١).

أقول : إنَّ الضرائب الواردة في القرآن الكريم لا تتجاوز الاَربع :

أ : الزكاة ومقسمها ثمانية.

ب : الخمس ومقسمه هو الستة.

ج : الفيء ومقسمه مقسم الخمس كما عرفت.

د : الاَنفال ومقسمها اثنان ، وهما ما ذكر في الآية من قوله : (للّهِ والرَّسُول) ، لكن الكلام في بيان المراد من الاَنفال.

اختلف المفسّرون في تفسير الاَنفال اختلافاً كثيراً ، والذي يمكن أن يقال انّالاَنفال من النفل وهو الزائد من الاَموال ، فيشمل كلّ زائد عن حاجات

__________________

١. الاَنفال : ١.

١٧٠

الحياة ، ولكن السنة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام فسرته بالنحوالتالي :

١. روى حفص البختري عن الاِمام الصادق عليه‌السلام قال : «الاَنفال مالم يوجف عليه بخيل أو ركاب(١) ، أوقوم صالحوا ، أو قوم أُعطوا بأيديهم ، وكلّ أرض خربة ، وبطون الاَودية ، فهو لرسول اللّه ، وهو للاِمام بعده يضعه حيث يشاء» (٢).

٢. وروى حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن الاِمام الكاظم عليه‌السلام في حديث : «والاَنفال كلّأرض خربة باد أهلها ، وكلّأرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله روَوس الجبال وبطون الاَودية والآجام وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها ، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، لاَنّ الغصب كلّه مردود ، وهو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له» (٣).

٣. موثقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير القمي قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن الاَنفال ، فقال عليه‌السلام : «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها ، فهي للّه وللرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان للملوك فهو للاِمام ، وما كان من الاَرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّأرض لا ربّلها ، والمعادن منها ، من مات وليس له مولى فماله من الاَنفال» (٤).

إلى غير ذلك من الروايات.

وعلى الرواية الاَُولى يكون الفيء من أقسام الاَنفال ، ولم نجد في تفاسير أهل السنة من يوافق الشيعة الاِمامية في تفسير الاَنفال إلاّ شيئاً قليلاً ، فقد عقد أبو

__________________

١. وعلى هذا يكون الفيء قسماً من الاَنفال.

٢. وسائل الشيعة : ٦ ، الباب الاَوّل من أبواب الاَنفال ، الحديث ١ ، ٤ ، ٢٠.

٣. وسائل الشيعة : ٦ ، الباب الاَوّل من أبواب الاَنفال ، الحديث ١ ، ٤ ، ٢٠.

٤. وسائل الشيعة : ٦ ، الباب الاَوّل من أبواب الاَنفال ، الحديث ١ ، ٤ ، ٢٠.

١٧١

إسحاق الشيرازي باباً للاَنفال وفسرها بقوله : يجوز لاَمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدو ، كالتجسيس ، والدلالة على طريق أو قلعة ، أو التقدم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها بعد خروج الجيش منها(١).

__________________

١. المهذب في فقه الاِمام الشافعي : ٢ / ٢٤٣.

١٧٢

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

٨

ترفيع بيوتهم

لقد أذن اللّه تعالى في ترفيع البيوت التي يذكر فيها اسمه ويسبِّح له بالغدوِّ والآصال في آية مباركة ، وقال : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَاقام الصَّلاة وإيتاءِالزَّكاة يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالاََبْصار) (١).

وتفسير الآية رهن دراسة أمرين :

الاَوّل : ما هو المقصود من البيوت؟

الثاني : ما هو المراد من الرفع؟

أمّا الاَوّل فربما قيل انّالمراد من البيوت هو المساجد.

قال صاحب الكشّاف : (في بيوت) يتعلّق بما قبله ، مثل نوره كمشكاة في بعض بيوت اللّه ، وهي المساجد(٢).

ولكن الظاهر أنّ التفسير غير صحيح ، لاَنّ البيت هو البناء الذي يتشكَّل

__________________

١. النور : ٣٦ ـ ٣٧.

٢. الكشاف : ٢ / ٣٨٩.

١٧٣

من جدران أربعة وعليها سقف قائم ، فالكعبة بيت اللّه لاَجل كونها ذات قوائم أربعة وعليها سقف ، والقرآن يعزّ عن اليت بالمكان المسقَّف ، ويقول : (وَلَولا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سَقْفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمعارِج عَلَيْها يَظهَرُون) (١).

فالمستفاد من الآية أنّ البيت لا ينفك عن السقف ، هذا من جانب. ومن جانب آخر : لا يشترط في المساجد وجود السقف ، هذا هو المسجد الحرام تراه مكشوفاً تحت السماء ودون سقف يظلّله.

وقد ورد لفظ البيوت في القرآن الكريم (٣٦ مرّة) بصور مختلفة ، واستعمل في غير المسجد ، يقول سبحانه : (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّعِالسُّجُود) (٢). (وَاذْكُرُن ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّه وَالحِكْمَة) (٣).

إلى غير ذلك من الآيات ، فكيف يمكن تفسيره بالمساجد؟

وبما أنّ جميع المساجد ليس على هذا الوصف ، التجأ صاحب الكشاف بإقحام كلمة «بعض» ، وقال : في بعض بيوت اللّه وهي المساجد ، وهو كما ترى ، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر الباقر عليه‌السلام يوَيد ما ذكرنا.

حضر قتادة في مجلس الاِمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال له الاِمام : من أنت؟

قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.

فقال أبو جعفر : أنت فقيه أهل البصرة؟

فقال : نعم. قال قتادة : أصلحك اللّه ، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ، ما اضطرب قدامك!

__________________

١. الزخرف : ٣٣.

٢. البقرة : ١٢٥.

٣. الاَحزاب : ٣٤.

١٧٤

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : ما تدري أين أنت؟ أنت بين يدي (بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وإقام الصَّلاة وإيتاءِالزَّكاة) ونحن أُولئك.

فقال له قتادة : صدقت ، واللّه جعلني فداك ، واللّه ماهي بيوت حجارة ولا طين(١).

ويوَيّد ما رواه الصدوق في الخصال عن النبيّص : ان اللّه اختار في البيوتات أربعة ثم قرأ هذه الآية : (إنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ لِلْعالَمِينَ ذُرِّيَةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٢) (٣).

وعلى هذا الحوار فالمراد من البيت ، بيت الوحي وبيت النبوَّة ، ومن يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الاَوصاف المذكورة في الآية الكريمة.

هذا كلّه حول الاَمر الاَوّل.

وأمّا الاَمر الثاني ، أعني ما هو المراد من الرفع؟ فيحتمل وجهين :

الاَوّل : أن يكون المراد الرفع المادي الظاهري الذي يتحقق بإرساء القواعد وإقامة الجدار والبناء ، كما قال سبحانه : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِد مِنْ البَيْت وَإِسماعيل) (٤). وعلى هذا تدل الآية على جواز تشييد بيوت الاَنبياء والاَولياء وتعميرها في حياتهم بعد مماتهم.

الثاني : أن يكون المراد الرفع المعنوي والعظمة المعنوية ، وعلى هذا تدل الآية بتكريم تلك البيوت وتبجيلها وصيانتها وتطهيرها مما لا يليق بشأنها.

__________________

١. البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٣٨.

٢. آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

٣. الخصال : ١ / ١٠٧.

٤. البقرة : ١٢٧.

١٧٥

قال الرازي : المراد من رفعها ، بنائها لقوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها وفَسَوّاها) (١) وثانيها (ترفع) اي تعظم(٢).

هذا كلّه حسب ما تدل عليه الآية ، وأمّا بالنظر إلى الروايات فنذكر منها ما يلي :

١. روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك وبريدة ، انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ قوله تعالى : (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْترفَع) فقام إليه رجل وقال : أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بيوت الاَنبياء.

فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول اللّه ، وهذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما‌السلام.

فقال النبيص : نعم من أفاضلها(٣).

٢. روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد وأبي يوسف ، يعقوب بن سفين ، قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) (٤): إنّدحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة ، فنزل عند احجار الزيت ، ثمّضرب بالطبول ليوَذن الناس بقدومه ، فمضوا الناس إليه إلاّعلي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً يخطب على المنبر ، فقال النبيص : قد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا

__________________

١. النازعات : ٢٨.

٢. تفسيرالفخرالرازي : ٢٤ / ٣.

٣. تفسير الدر المنثور : ٥ / ٥٠.

٤. الجمعة : ١١.

١٧٦

هوَلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاَضرمت المدينة على أهلها ناراً ، وحُصُّبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم تجارة(١).

وقد وصف الاِمام أمير الموَمنين عليه‌السلام هوَلاء الرجال الذين يسبِّحون في تلك البيوت؛ عند تلاوته : (رِجالٌ لا تُلهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِاللّه) : وإنّ للذكر لاَهلاً أخذوه من الدُّنيا بدلاًً ، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنَّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاِقامة فيه ، وحقَّقت القيامة عليهم عِداتهُا ، فكشفوا غطاء ذلك لاَهل الدنيا ، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون(٢).

__________________

١. البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٣٩.

٢. نهج البلاغة : الخطبة ٢٢٢.

١٧٧

خاتمة المطاف

أهل البيت

في كلام الاِمام علي عليه‌السلام

إلى هنا تمّ ما أردنا استعراضه من سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم ، ولو حاول الباحث أن يستعرض أوصافهم وخصوصيّاتهم الواردة في الاَحاديث النبوية لاحتاج إلى تأليف مفرد ، وبما انّمحور بحوثنا هو القرآن الكريم اقتصرناعلى ذلك ، وهذا لا يمنعنا أن نذكر ما روي عن علي عليه‌السلام في ذلك المجال :

١. يقول في حقّهم : «... فَإنّهم عيش العلم ، وموت الجهل ، هم الذين يُخبركم حُكمُهم عن علمهم ، وصَمتُهم عن منطقهم ، وظاهرهُم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ، ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهدُ صادق ، وصامت ناطق» (١).

٢. وفي خطبة أُخرى : «لا يقاس بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الاَُمّة أحد ، ولا يُسوَّى بهم مَن جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساسُ الدين ، وعمادُ اليقين ، إليهم يفيءُ الغالي ، وبهم يُلحق التالي ، ولهم خصائص حقِّ الولاية ، وفيهم الوصيةوالوراثة ، الآن إذا رجع الحقّ إلى أهله ، ونُقل إلى منتقله» (٢).

__________________

١. نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧.

٢. نهج البلاغة : الخطبة ٢.

١٧٨

٣. وقال عليه‌السلام : «نحنُ الشعار والاَصحاب ، والخزنة والاَبواب ، ولا توَتى البيوتُ إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقاً».

فيهم كرائمُ القرآن ، وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا (١).

٤. وقال عليه‌السلام : «ألا إنّ مثل آل محمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كَمَثَلِ نجوم السَّماء : إذا خوى نجم ، طَلَعَ نَجم ، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون» (٢).

٥. وقال عليه‌السلام : «ألا وإنّ لكلِّ دمٍ ثائراً ، ولكلِّ حقٍّ طالباً وإنَّ الثّائِرَ في دمائِنا كالحاكِمِ في حقِّ نفسِهِ ، وهُوَ اللّهُ الذي لا يُعجِزُهُ من طَلَبَ ، ولا يفُوتُهُ من هرب» (٣).

٦. وقال عليه‌السلام : «أيّهاالناس ، خذوها عن خاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميِّت ، ويبلى من بَلي منَّا وليس ببال» ، فلا تقولوا بما لا تعرِفُون ، فإنّ أكثرَ الحقِّ فيما تُنكِرون ، واعذِروا من لا حُجّة لكم عليه ـ وهو أنّا ـ ألم أعمل فيكم بالثَّقل الاَكبر ، وأترُك فيكم الثَّقل الاَصغر ، قد ركْزتُ فيكُمْ راية الاِيمانِ ، ووقفتُكُم على حُدودِ الحلالِ والحرام ، وألبستُكُمُ العافيةَ من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي ، وأريتُكُم كرائمَ الاَخلاقِ من نفسي ، فلا تستعملوا الرأيَ فيما لا يُدْرِكُ قعرَهُ البصرُ ، ولا تتغلغل إليهِ الفِكر» (٤).

إلى غير ذلك الكلمات الناصعة في خطبه ورسائله وقصار كلمه مما نقله

__________________

١. نهج البلاغة : الخطبة ١٥٤.

٢. نهج البلاغة : الخطبة ١٠٠.

٣. نهج البلاغة : الخطبة ١٠٥.

٤. نهج البلاغة : الخطبة ٨٧.

١٧٩

الرضي في «نهج البلاغة» وغيره في الكتب الحديثية والتاريخية ، ولنقتصر على ذلك فانّ الاِفاضة في القول في هذا المضمار يوجب الاِطالة.

* * *

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين

جعفر السبحاني

قم ـ موَسسه الاِمام الصادق عليه‌السلام

في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق لـ ١٢ من شهر رمضان المبارك

من شهور عام ١٤٢٠ هـ

١٨٠