أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٣

بل قصرّوا شيئاً فيهما.

ج : سابق بالخيرات بإذن اللّه : هم الجماعة المثلى أدّوا وظائفهم بالحفظ والعمل على النحو الاَتم ، فلذلك سبقوا إلى الخيرات كما يقول سبحانه : (سابِقُوا إلى الخَيرات بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).

وعلى هذا ورثة الكتاب في الحقيقة هم الطائفة الثالثة أعني الذين سبقوا بالخيرات.

وأمّا ما هو المراد من الطائفة الثالثة فيتكفَّل الحديث لبيان ملامحها.

روى الكليني عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية انّه قال : «السابق بالخيرات الاِمام ، والمقتصد العارف بالاِمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الاِمام».

وروي نفس الحديث عن الاِمام الرضا عليه‌السلام.

وهناك روايات أُخرى توَيد المضمون فمن أراد فليراجع(١).

ثمّ إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوضح ورثة الكتاب في حديثه المعروف الذي اتّفق على نقله أصحاب الصحاح والمسانيد.

أخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه ، قال : قام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً ، بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد اللّه تعالى ، وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال :

«أمّا بعد : ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه استمسكوا به» ، فحثّ على كتاب اللّه ورغبَّ فيه؛ ثمّ قال : «وأهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل

__________________

١. البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٦٣.

١٢١

بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي» (١).

هذا ما أخرجه مسلم ، ومن الواضح انّه لم ينقل على وجه دقيق وذلك؛ لاَنّ مقتضى قوله : أوّلهما ، أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثانيهما : أهل بيتي مع أنّه لم يذكر كلمة «ثانيهما».

وقد رواها الاِمام أحمد بصورة أفضل ممّا سبق كما رواه النسائي في فضائل الصحابة كذلك.

أخرج أحمد في مسنده عن أبي الطفيل ، عن زيد بن الاَرقم ، قال : لما رجع رسول اللّه عن حجّة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمن ، ثمّ قال : «كأنّي قد دعيت فأجبت : إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

ثمّ قال : «إنّ اللّه مولاي ، وأنا ولي كلّ موَمن» ، ثمّ أخذ بيد عليّ ، فقال : «من كنت وليه فهذا وليه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» (٢).

هذه إلمامة سريعة بحديث الثقلين ، ومن أراد أن يقف على أسانيده ومتونه فعليه أن يرجع إلى الكتب الموَلفة حوله ، وأبسط كتاب في هذا الموضوع ما ألفه السيد المجاهد مير حامد حسين حيث خص أجزاءً من كتابه «العبقات» لبيان تفاصيل أسانيده ومضمونه وقد طبع ما يخصَّ بالحديث في ستَّة أجزاء.

كما بسط الكلام في أسانيده وأسانيده غيره سيد مشايخنا البروجردي (١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ هـ) في كتابه «جامع أحاديث الشيعة» ، فقال بعد استيفاء

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ١٨٧٣ برقم ٢٤٠٨ ، ط عبد الباقي.

٢. مسند أحمد : ١ / ١١٨.

١٢٢

نصوص الحديث وأسانيده : وقد ظهر ممّا ذكرنا انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب على الاَُمّة قاطبة التمسُّك بالعترة الطيبة في الاَُمور الشرعية والتكاليف الاِلهية ، وأكَّد وجوبه وشدَّده وأوثقه وكرَّره بكلمات عديدة وألفاظ مختلفة بحيث لا يمكن إنكاره ولا يجوز تأويله ، وقد اكتفينا بذلك وأنّ كثيراً من طرق الحديث قد ضمن مضافاً إلى المذكورات ، ما يدل على حجّية أقوالهم ووجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم(١).

والجدير بالمسلمين التركيز على مسألة تعيين المرجع العلمي بعد رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا يسوغ في منطق العقل أن يترك صاحب الرسالة ، الاَُمّة المرحومة بلا راع ، وهويعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برحيله سوف يواجه المسلمون حوادث مستجدة ووقائع جديدة تتطلب أحكاماً غير مبيّنة في الكتاب والسنَّة ، فلا محيص من وجود مرجع علمي يحُلُّ مشاكلها ويذلّل أمامها الصعاب ، وقد قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيان من يتصدّى لهذا المنصب بحديث الثقلين.

ومن العجب انّكثيراً من المسلمين يطرقون كلّباب إلاّباب أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر شيئاً ممّا يرجع إلى غير هوَلاء ، فلا أدري ما هو وجه الاِقبال على غيرهم والاِعراض عنهم؟!

قال السيد شرف الدين العاملي : والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابياً متضافرة. وقد صدع بها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى.

تارة يوم غدير خم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجّة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، ومرّة على منبره في المدينة ، وأُخرى في حجرته المباركة في

__________________

١. جامع أحاديث الشيعة : ١ / ١٣١ ـ ١٣٢.

١٢٣

مرضه ، والحجرة غاصَّة بأصحابه ، إذ قال : «أيّها الناس يوشك أن ُأقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب اللّه عزّوجلّ وعترتي أهل بيتي» ، ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، فقال : «هذا علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض».

وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور ، حتى قال ابن حجر : ثم اعلم انّ لحديث التمسك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً.

قال : ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق انّه قال : ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أُخرى انّه قاله بالمدينةفي مرضه ، وقد امتلاَت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرى انّه قال : ذلك بغدير خم ، وفي أُخرى انّه قال : ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف.

قال : ولا تنافي إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

وحسب أئمّة أهل العترة الطاهرة أن يكونوا عند اللّه ورسوله بمنزلة الكتاب ، لا يأتيه ا لباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكفى بذلك حجة تأخذ بالاعناق إلى التعبُّد بمذهبهم ، فانّ المسلم لا يرتضي بكتاب اللّه بدلاً ، فكيف يبتغي عن اعداله حولاً(١).

__________________

١. المراجعات : المراجعة رقم ٨.

١٢٤

من سمات أهل البيت عليهم‌السلام

٨

حرمة الصدقة عليهم

اتّفق الفقهاء على أنّه لا تحل الصدقة المفروضة على بني هاشم الواردة في الآية المباركة ، أعني : قوله سبحانه : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقة تُطهِّرهُمْ وَتَزَّكِيهِمْ بِها وَتُصلِّ عليهم انَّ صَلاتكَ سَكنٌ لَهُمْ) (١). وذلك لاَنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلَّق بما فيه وسخ وأهل البيت أعلى من أن يعيشوا بأوساخ الناس.

قال ابن قدامة : «لا نعلم خلافاً في أنّ بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة» (٢).

وقد تضافرت الروايات على ذلك وجمعها ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام ، نقتبس منها ما يلي :

١. عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ النّاس» (٣).

وفي رواية : «وانّها لا تحلُّ لمحمد ولا لآل محمد» رواه مسلم(٤).

__________________

١. التوبة : ١٠٣.

٢. المغني : ٢ / ٥٤٧.

٣. بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥.

٤. بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥.

١٢٥

٢. روى أبو هريرة ، قال : أخذ الحسن بن علي عليهما‌السلام تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كخٍ ، كخٍ» ليطرحها ، ثمّ قال : «أما شعرت انّا لا نأكل الصدقة» ، رواه الشيخان البخاري ومسلم.

ولمسلم : أما علمت انّا لا تحل لنا الصدقة(١).

٣. عن أنس انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّبتمرة في الطريق ، وقال : «لولا أن تكون من الصدقةلاَكلتها».

رواه مسلم وأبو داود(٢).

٤. عن عائشة ، قالت : أُتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحم ، فقلت : هذا ما تصدّق به على بريرة ، فقال : «هو لها صدقة ، ولنا هدية».

رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود(٣).

٥. كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه ، فإن قيل : هدية أكل منها ، وإن قيل : صدقة ، لم يأكل منها.

رواه الترمذي ومسلم(٤).

٦. عن عبد اللّه بن حرث الهاشمي ، وساق حديثاً حتى قال : إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس وانّها لا تحل لمحمّد ولا لآل محمّد.

رواه مسلم والنسائي(٥).

٧. عن أبي رافع أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم ، فقال لاَبي رافع : اصحبني فإنّك تصيب منها ، قال : حتى آتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال : مولى القوم من أنفسهم وإنّا لا تحلُّلنا الصدقة.

أخرجه أبو داود والترمذي وصححه(٦).

__________________

١. التاج الجامع للاَُصول : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، ط الثانية.

٢. التاج الجامع للاَُصول : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، ط الثانية.

٣. التاج الجامع للاَُصول : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، ط الثانية.

٤. التاج الجامع للاَُصول : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، ط الثانية.

٥. التاج الجامع للاَُصول : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، ط الثانية.

٦. التاج الجامع للاَُصول : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، ط الثانية.

١٢٦

الفصل الثالث

حقوق أهل البيت عليهم‌السلام في القرآن الكريم

قد عرفت من هم أهل البيت عليهم‌السلام في الآيات والروايات الواردة على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جادت به القرائح العربية حولهم من قصائد وأراجيز كما عرفت سماتهم وخصوصياتهم.

وحان البحث لبيان حقوقهم على المسلمين الَّتي نزل بها الوحي في الكتاب العزيز ، وها نحن نذكر بعض حقوقهم :

١٢٧
١٢٨

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

١

ولاية أهل البيت عليهم‌السلام

قد دلّت الروايات المتضافرة على انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتحل وقد نصب عليّاً عليه‌السلام للولاية والخلافة ، فأبان ولايته وولاية من بعده من الاَئمّة في مواقف مختلفة ، نذكر منها موقفين :

الاَوّل : انّ سائلاً أتى مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام راكع ، فأشار بيده للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي ، فنزل قوله سبحانه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون) (١).

وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ علي عليه‌السلام ونقلها الحفاظ ، منهم : ابن جرير الطبري (٢) والحافظ أبو بكر الجصاص الرازي (٣) والحاكم النيسابوري (٤) والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري (٥) وجار اللّه الزمخشري (٦) إلى غير ذلك من أئمّة الحفاظ وكبار المفسِّرين ربما ناهز عددهم السبعين. وهم بين

__________________

١. المائدة : ٥٥.

٢. تفسير الطبري : ٦ / ١٨٦.

٣. أحكام القرآن : ٢ / ٥٤٢.

٤. معرفة أُصول الحديث : ١٠٢.

٥. أسباب النزول : ١١٣.

٦. الكشاف : ١ / ٤٦٨.

١٢٩

محدِّث ومفسّر وموَرِّخ.

والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده.

المراد من الولي في الآية هو الاَولوية الواردة في قوله سبحانه : (النَّبيُّ أولى بِالمُوَْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١).

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من الموَمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما انّه زعيم المسلمين ووليّهم ، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الاِسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الاِسلام.

وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي حفظ مصالح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشخصية ، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الاِسلام والمسلمين.

فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه : (إِنَّما وَليّكُمُ اللّهَ وَرَسُولُه) والقرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة ، نذكر منها ما يلي :

الاَوّل : إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها باللّه سبحانه ورسوله ومن أعقبه ، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر والمحب ، فهو ليس مختصاً بهوَلاء ، لاَنّ كلّموَمن محب للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه : (وَ المُوَْمِنُونَ وَ المُوَْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَولياءُ بَعْضٍ) (٢).

الثاني : انّ ظاهر الآية انّ هناك أولياء وهناك مولى عليهم ، ولا يتحقّق التمايز إلاّ بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتى يتميّز الزعيم عن غيره ، وهذا بخلاف ما فسرناه بمعنى الحب والود أو النصر ، فتكون الطوائف الثلاث على حد سواء

__________________

١. الاَحزاب : ٦.

٢. التوبة : ٧١.

١٣٠

الثالث : إذا كان المراد من الولي هو الزعيم ، يصحّ تخصيصه بالموَمن الموَدّي للزكاة حال الصلاة ، وأمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة ، فانّ شرط الحب هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة ، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحب والنصرة ، وهذا دليل على انّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ الموَمنين.

الرابع : انّ الآية التالية تفسر معنى الولاية ، يقول سبحانه : (ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون) (١).

فانّ لفظة (الّذين آمنوا) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدمة ، أعني : (وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً وولياً بشهادة انّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم.

إلى هنا تبيّن انّ الاِمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفّسر معنى الولي وتعّين المعنى وتثبت انّ المقصود هو الزعيم ، لكن من نكات البلاغة في الآية انّه سبحانه صرح بولايته وولاية رسوله ومن جاء بعده وعلى ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول إنّما أولياوَكم يصيغة الجمع لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة ، وهي انّ الولاية بالاَصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكن هذه الولاية لا تنفك من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها :

١. (أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الاََمْرِ مِنْكُمْ) (٢).

فانّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم ، فالزعيم

__________________

١. المائدة : ٥٦.

٢. النساء : ٥٩.

١٣١

يجب أن يكون مطاعاً.

٢. (وَماكانَ لِمُوَْمِنٍ وَلا مُوَْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (١).

فينفذ قضاوَه سبحانه والَّذي هو من آثار الزعامة ، ونظيره قوله سبحانه : (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ) (٢).

٣. (فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ) (٣). فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم.

فهذه الحقوق ثابتة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص القرآن الكريم ولمن بعده بحكم انّهم أولياء بعد النبي فانّ ثبوتها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاَجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرة بعده فيتمتع كلّوليٍّ بهذه الحقوق.

وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية علي عليه‌السلام وانّها حقّ من حقوقهم لصالح الاِسلام والمسلمين.

نعم بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيت عليهم‌السلام وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد ، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار.

غير انّا نركز على نكتة وهي انّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال :

__________________

١. الاَحزاب : ٣٦.

٢. النساء : ١٠٥.

٣. النور : ٦٣.

١٣٢

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيد

ويا خير شار ثمّ يا خير بايع

فانزل فيك اللّه خير ولاية

وبينّها في محكمات الشرائع (١)

والظاهر ممّا رواه المحدّثون انّ الاَُمّة الاِسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية علي عليه‌السلام ، حيث ورد السوَال في تفسير قوله سبحانه : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) (٢).

روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب «الفردوس» في قافية الواو ، باسناده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) عن ولاية علي بن أبي طالب(٣).

ونقله ابن حجر عن الديلمي ، وقال : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) أي عن ولاية علي وأهل البيت ، لاَنّ اللّه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى ، والمعنى انّهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة(٤).

الثاني (٥) : من تلك المواقف هو يوم الغدير وهو أوضحها وآكدها وأعمّها وقد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع ، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض ، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما ، بقوله : «الثقل الاَكبر ، كتاب اللّه ، والآخر الاَصغر : عترتي؛ وانّ اللطيف

__________________

١. مناقب الخوارزمي : ١٧٨؛ كفاية الطالب للكنجي : ٢٠٠؛ تذكرة ابن الجوزي : ٢٥.

٢. الصّافات : ٢٤.

٣. شواهد التنزيل للحسكاني : ٢ / ١٠٦.

٤. الصواعق المحرقة : ١٤٩.

٥. مضي الاَوّل : ٢٤٥.

١٣٣

الخبير نبَّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ، ثمّقال : «أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : «إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى الموَمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه» ، ثمّ قال : «اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».

ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبي ولاية علي عليه‌السلام للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين ، ونزل أمين الوحي بآية الاِكمال ، أعني : قوله سبحانه : (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي) (١).

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي».

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير الموَمنين عليه‌السلام وممَّن هنَّأه في مقدم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول :

بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّموَمن وموَمنة.

وقد تلقّى الصحابة الحضور انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب ولايته على الموَمنين ، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول ، في قصيدته وقال :

فقال له قم يا عليّ فانّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق موالياً

قد ذكرنا مصادر الخطبة والاَبيات عند البحث عن الاِمامة فراجع(٢).

__________________

١. المائدة : ٣.

٢. راجع مفاهيم القرآن : الجزء العاشر.

١٣٤

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

٢

أهل البيت عليهم‌السلام وضرورة إطاعتهم

أمر سبحانه باطاعة الرسول وأُولي الاَمر ، وقال : (يا أَيُّهَاالّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الاََمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً) (١).

تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول وأُولي الاَمر لكن بتكرار الفعل ، أعني : (وأَطيعُوا الرَّسُول) وما هذا إلاّ لاَنّ سنخ الاِطاعتين مختلف ، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات ، وإطاعة النبي وأُولي الاَمر واجبة بإيجابه سبحانه.

والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الاَمر ، فقد اختلف فيه المفسرون على أقوال ثلاثة :

١. الاَُمراء ، ٢. العلماء ، ٣. صنف خاص من الاَُمّة ، وهم أئمّة

__________________

١. النساء : ٥٩.

١٣٥

أهل البيت عليهم‌السلام.

وبما انّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الاَمر إطاعة مطلقة ، غير مقيدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية يمكن استظهار أنّ أولي الاَمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الاِطلاق ، معصومون من المعصية والزلل ، كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية.

وبعبارة أُخرى : انّه سبحانه أوجب طاعتهم على الاِطلاق ، كما أوجب طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن توجب طاعة أحد على الاِطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والاَمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الاَُمراء ، ولا العلماء سواهم ، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أوبالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لانّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه(١).

وقد أوضحه الرازي في تفسيره ، وذهب إلى أنّ المقصود من أُولي الاَمر هم المعصومون في الاَُمّة ، وإن لم يخض في التفاصيل ، ولم يستعرض مصاديقهم ، لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة ، وقال :

والدليل على ذلك انّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الاَمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه ، فهذا يُفضي إلى اجتماع الاَمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وانّه

__________________

١. مجمع البيان : ٣ / ١٠٠.

١٣٦

محال.

فثبت انّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الاَمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّكلّمن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم ، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الاَمر المذكور في هذه الآية لابدّ وأن يكون معصوماً(١).

وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أُولي الاَمر ببيان رائق وإليك نصّه ، قال : الآية تدل على افتراض طاعة أُولي الاَمر هوَلاء ، ولم تقيده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله : (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الاََمْر مِنْكُمْ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الاَمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة وليس هذا معنى قوله : (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الاََمْرِمِنْكُمْ).

مع أنّ اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ، كقوله في الوالدين : (وَوَصَّيْنَا الاِِنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي مالَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) (٢). فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة اعراق السعادة الاِنسانية.

على أنّ الاَية جمع فيها بين الرسول وأُولي الاَمر ، وذكر لهما معاً طاعة واحدة ، فقال : (وأطيعوا الرسول وأُولي الاَمر منكم) ، ولا يجوز على الرسول أن يأمر

__________________

١. التفسير الكبير : ١ / ١١٤.

٢. العنكبوت : ٨.

١٣٧

بمعصية أو يغلط في حكم ، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الاَمر ، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الاَمر ، كما اعتبر في جانب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير فرق(١).

وبذلك تبَّين انّ تفسير أُولي الاَمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح ، لاَنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهوَلاء ، فلابدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب ، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة.

ونظيره حديث السفينة : «مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» (٢).

إلى غير ذلك من الاَحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة ، فإذاً هذه الاَحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أُولي الاَمر هم العترة أحد الثقلين.

بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الاِمعان في آية التطهير ، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة.

وعلى ضوء ذلك فآية التطهير ، وحديث الثقلين ، وحديث السفينة إلى غيرها من الاَحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة كلّها تدل على عصمتهم.

هذا من جانب ومن جانب آخر دلَّت آية الاِطاعة على عصمة أُولي الاَمر ،

__________________

١. الميزان : ٤ / ٣٩١.

٢. الحاكم : المستدرك : ٣ / ١٥١ أخرجه مسنداً إلى أبي ذر.

١٣٨

فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتضح المرادمن أُولي الاَمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعة الرسول.

وأمّا الرواية عن النبيّ : فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد انّهذه الآية نزلت في أمير الموَمنين عليه‌السلام حين خلّفه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، فقال : «يا رسول اللّه ، أتخلفّني بين النساء والصبيان؟» فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، حين قال له : (اخلفني في قومي وأصلح) ، فقال أبلى واللّه ؛ (وأولي الاَمر منكم) قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولاّه الله أمر الأمّة بعد محمّد حين خلّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه» (١).

وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام حول الآية فحدث عنها ولا حرج ، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق باسناده عن جابر بن عبد اللّه الاَنصاري ، قال :

لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا أيّها الّذين آمنوا أَطيعوا اللّه وأَطيعُوا الرسول وأُولي الاََمْر منكم) قلت : يا رسول اللّه ، عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أولوا الاَمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، ثمّالحسن ، ثمّالحسين ، ثمّعلي بن الحسين ، ثمّ محمد بن علي المعروف في التوارة بالباقر ستدركه ياجابر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سَمِيِّ محمّد

__________________

١. المناقب لاِبن شهراشوب : ٣ / ١٥ ، ط المطبعة العلميّة.

١٣٩

وكنيتي ، حجة اللّه في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الاَرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للاِيمان».

قال جابر : فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب.

يا جابر هذا من مكنون سر اللّه ومخزون علم اللّه ، فاكتمه إلاّ عن أهله» (١).

__________________

١. البرهان في تفسير القرآن : ١ / ٣٨١.

١٤٠