مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات المستبصرين

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩

الشيعة؟!

قلت : تهمة لا أنكرها ، وشرف لا أدّعيه ، فما كان منه إلاَّ أن أرعد وأزبد وثارت ثائرته.

قلت له ـ وقد تجمَّع بعض أقارب صديقي حولنا ـ : إذا كان لديك إشكال تفضَّل بطرحه بأدب ، ولنجعله مناظرة مصغَّرة أو حواراً ـ وهو سلاحهم الذي يهدِّدون به الآخرين اغتراراً منهم بقوَّة مقدرتهم على الاحتجاج ـ.

وافق المغرور ، فقلت له : من أين نبدأ؟ ما رأيك أن نبدأ بالتوحيد الذي تتمشدقون به ، وبسبب فهمكم الخاطئ له تضعون كل الناس في جبهة المشركين؟

التوسل وتعظيم الأولياء ليسا من الشرك في شيء

فوافق أيضاً ، وبدأ الحوار والجميع يستمع ، قلت : ما تقولون في الله خالق الكون وصفاته؟

قال : نحن نقول : لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، ولا تجوز عبادة غيره.

قلت : وهل يختلف اثنان من المسلمين في ذلك؟

قال : الجميع يقول بذلك ، ولكن تطبيقهم خلاف قولهم ؛ إذ أنهم في الواقع مشركون ؛ لأنهم يتوسَّلون بالأموات ، ويخضعون لغير الله ، ويشركون به في طلب الحاجات ، والخضوع لغير الله ، وغيرها من الأشياء التي ذكرتها تعني عبادة غيره تعالى.

قلت : حسناً ، طالما الجميع يقول بأن الله واحد أحد فرد صمد ، ولا يجوز عبادة غيره بأيِّ حال من الأحوال فهذا جَيّد ، ويخرج الجميع من دائرة الشرك ، إلاَّ

٢٤١

إذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أنهم يعبدون غير الله ، أو يشركون بعبادته أحداً ، حينها يكونون مشركين.

أمَّا ما يفعلونه من أفعال مثل التوسُّل وتعظيم الأولياء واحترامهم فهذا ليس من الشرك في شيء ؛ لأن العبادة تعني الخضوع والتذلُّل لمن نعتقد أنه إله مستقلّ في فعله لا يحتاج إلى غيره ، أمَّا مجرَّد الخضوع والتذلُّل والاحترام فلا يعتبر عبادة ، وقد أمرنا به القرآن ؛ كالتذلُّل للوالدين والمؤمنين ، بل إن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه‌السلام ، بناء على ذلك لا يكون احترام الأولياء وزيارة قبورهم والتوسُّل بهم وتعظيمهم شركاً بالله ؛ لأنهم لا يرون أن هؤلاء آلهة مستقلّون عن الله ، بل هم عباد أكرمهم الله بفضله ، فعطاؤهم من الله ، وليس لهم قدرة ذاتيّة مستقلّة.

قال : ولماذا لا يسألون الله مباشرة؟ هل هناك مانع وهو القائل : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١)؟

قلت : أيضاً قال تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (٢) ، ثمَّ إنك عندما تمرض لماذا تذهب إلى الدكتور؟ ألم يقل الله تعالى في كتابه : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (٣)؟ أليس من أسمائه الشافي؟

قال : هذه ضرورة في الحياة.

قلت : أيضاً تلك سنّة ، وسبب به تبتغى الحاجات ، والتفتُّ إلى الحاضرين وقلت : هل تجدون في كلامي هذا خطأ؟

__________________

١ ـ سورة غافر ، الآية : ٦٠.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣٥.

٣ ـ سورة الشعراء ، الآية : ٨٠.

٢٤٢

فأقرُّوا بما قلت ، وزاد أحدهم ـ وكان صوفيّاً ـ : هذه الأشياء موجودة من زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسار عليها الصحابة والتابعون ، وكل المسلمين إلى أن جاء ابن تيميّة وتلميذه محمّد بن عبد الوهاب ببدعهم الجديدة هذه.

النقاش في مسألة التجسيم

قال الوهابي : إنكم تتحدَّثون بلا علم ، والوقت ضيِّق الآن ، فلنأخذ من الموضوع شيئاً نتناقش حوله ، وفي وقت آخر أكون مستعدّاً لنتحاور أكثر من ذلك.

قلت : عندي سؤال أخير حول التوحيد : ماذا تقولون في صفات الله؟

قال : نحن لا نقول ، إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن.

قلت : وبماذا وصف نفسه؟ هل قال بأنه جسم يتحرَّك؟ أو أن له يداً وساقاً وعينين؟

قال : نحن نقول بما جاء في القرآن ، لقد قال تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (١) ، وكثير من الآيات الأخرى التي تصف الله لنا ، فنقول : إن لله يداً بلا كيف.

قلت : إن قولك هذا يستلزم التجسيم ، والله ليس بجسم ، وهو ليس كمخلوقاته ، ثمَّ ما هو الفرق بينكم وبين مشركي مكة؟ أولئك نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها ، وأنتم نحتم أصناماً بعقولكم ، وظلَّت في أذهانكم تعبدونها ، لقد جعلتم لله يداً وساقاً وعينين ومساحة يتحرَّك فيها ( مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ

__________________

١ ـ سوره الفتح ، الآية : ١٠.

٢٤٣

وَقَاراً ) (١) ، وبكلمة : إن الآيات التي ذكرتها مجازيّة ، وترمز لمعان أخرى.

قال : نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن؟

قلت : ما رأيك فيمن يكون في الدنيا أعمى؟ هل يبعث كذلك أعمى؟

قال : لا!

قلت : كيف وقد قال تعالى : ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) (٢) ، وأنتم تقولون : لا مجاز في القرآن ، ثمَّ إنه بناء على كلامك إن يد الله ستهلك ، وساقه ، وكل شيء مما زعمتموه ـ والعياذ بالله ـ عدا وجهه ، ألم يقل البارئ جلَّ وعلا : ( كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (٣) ، و ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ ) (٤).

قال : هذه الأشياء لا ربط بينها وبين ما نقوله.

قلت : كلام الله وحدة واحدة لا تتجزَّأ ، وإذا استدللتم به على صحَّة قولكم يحقُّ لي أن أنطلق منه لتفنيد هذا القول ، وأنتم تستدلّون على مجي الله مع الملائكة صفّاً يوم القيامة ، كما فهمتم من القرآن.

قال : ذلك ما قاله الله تعالى في القرآن.

قلت : المشكلة تكمن في فهمك للقرآن ، إن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات ، فلا تتّبع المتشابهات فتزيغ ، وإلاَّ أين كان الله حتى يأتي؟

قال : هذه أمور لا يجب أن تسأل عنها.

__________________

١ ـ سورة نوح ، الآية : ١٣.

٢ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٧٢.

٣ ـ سورة القصص ، الآية : ٨٨.

٤ ـ سورة الرحمن ، الآية : ٢٦.

٢٤٤

قلت : دعك من هذا ، ألا تقولون إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ليستجيب الدعاء؟

قال : نعم ، ذلك ما جاءنا عبر الصحابة والتابعين من أحاديث.

قلت : إذن أين هو الله الآن؟!

قال : فوق السماوات.

قلت : وكيف يعلم بنا ونحن في الأرض.

قال : بعلمه.

قلت : إذن الذات الإلهيَّة شيء ، وعلمه شيء آخر.

قال : لا أفهم ماذا تقصد!

قلت : إنك قلت إن الله في السماء ، وبعلمه يعلم بنا ونحن في الأرض ، إذن الله شيء ، وعلمه شيء آخر.

سكت متحيِّراً ... واصلت حديثي : أو تدري ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني الشرك الذي تصفون به الآخرين ؛ لأن الفصل بين الذات الإلهيَّة والعلم واحد من اثنين ، إمَّا أن العلم صفة حادثة فأصبح الله عالماً بعد أن كان جاهلا ، وإمَّا أنها صفة قديمة وهي ليست الذات كما تدّعون فيعني الشرك ؛ لأنكم جعلتم مع الله قديماً ، أو يأخذنا قولكم هذا إلى أن الله مركَّب ، والتركيب علامة النقص ، والله غنيٌّ كامل ، سبحانه وتعالى عمَّا يصفه الجاهلون.

عندما وصلت إلى هذا الموضع من الكلام قال أحد الحاضرين : إذا كانوا يقولون بذلك فالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم براء ، ثمَّ التفت إليَّ قائلا : ما تقول أنت حول هذا الموضوع؟ ومن أين لك بذلك؟

٢٤٥

كلام أهل البيت عليهم‌السلام حول التوحيد

بيَّنت لهم أن ما أقوله هو كلام أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو كلام واضح تقبله الفطرة ، ولا يرفضه صاحب العقل السليم ، ويؤكِّد عليه القرآن ، وأتيتهم ببعض خطب الأئمَّة حول التوحيد ، منها خطبة الإمام علي عليه‌السلام ، يقول : أوَّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلِّ صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنَّاه ومن ثنَّاه فقد جزَّأه ، ومن جزَّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدَّه ، ومن حدَّه فقد عدَّه ، ومن قال : فيم فقد ضمَّنه ، ومن قال : علام فقد أخلى منه ...(١).

ثمَّ شرحت لهم مقصود الخطبة ، قال بعض الحاضرين : والله إنه كلام بليغ سلس ومحكم.

ثمَّ اتفقت كلمتهم حول هذا الشابِّ المسكين أنه مخطئ في اعتقاده ، ويجب عليه مراجعة حساباته حتى لا يذهب إلى نار جهنم.

ثمَّ دار النقاش حول الرسالة والرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذي يدّعون أنهم أولى الناس به ، وقد ثبت لي أنهم أبعد ما يكون عن نبيِّ الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن معرفته ، فكيف يكونون أولى الناس به؟

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام : ١/١٥ ـ ١٦.

٢٤٦

انقطاع حجة المُحاوِر وتعنته

وبالحوار انقطعت حجّته ، وأصبح محلَّ تهكُّم الآخرين ، وقبل أن نختم الحوار سألني محاولا استفزازي : شيخنا! ما رأيكم في الصحابة الذين نعتبرهم نحن من أولياء الله الصالحين؟

فقلت له : يا شيخ! أول الدين معرفته ، وأنت لم تعرف الله فكيف تعرف أولياءه؟! وتواعدنا لمواصلة الحوار يوماً آخر.

وفي ذلك اليوم جاء بوجه آخر ، ويبدو أنه أخذ جرعة قويَّة من مشايخه ، وابتدأ هذه المرَّة بالشتم والسبِّ أمام جمع من الحاضرين ، وطالبهم بعدم الجلوس معي ، ولا أبالغ إذا قلت إنه ظلَّ ما يقارب الساعتين يسبُّ ويشتم ويصرخ ، ويلوِّح بيده مهدِّداً ومتوعِّداً بقتلي جهاداً في سبيل الله ، ولا أدري من أين تعلَّم الجهاد ، وهو عمليّاً محرَّم عندهم ، خصوصاً ضدَّ الطواغيت ، ولعلّه لم يكن ملتفتاً إلى أن دم الحسين عليه‌السلام ما زال يغلي في عروق الشيعة.

مع ذلك ـ ويعلم الله ـ فإنني لم أردَّ عليه ؛ لأنني على بصيرة من ديني ، وتعلَّمت من سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف أنه صبر على أذى كفار قريش ، وكيف أمروا صبيانهم بملاحقته وإيذائه ، وطلبوا من الناس ألا يستمعوا إليه ، وهكذا التاريخ يعيد نفسه.

لأجل ذلك ـ عزيزي القارئ ـ أقدِّم كتابي هذا ، إنه الحق يصرخ لنصرته ، لقد رأيت في عيون الذين حضروا حواري هذا التلهُّف لمعرفة الحقيقة ، وما زلت أراها في عيون كل الأحرار ، الذين يدفعون ثمن التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق.

٢٤٧

وعندما يشعر الإنسان قبل ذلك بلذَّة الانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء ، ويبصر نور الحقّ شعلة برَّاقة أمام ناظريه ... يتمنَّى أن يشاركه الآخرون هذا النور ، فيبيِّن لهم طريق ذلك ... وهذا الكتاب ما هو إلاَّ إثارة لدفائن العقول ، وتحفيز الآخرين للبحث عن الحقيقة ، التي كادت أن تضيع بين مطرقة اقتفاء آثار الآباء والأجداد ، وسندان سياسة التجهيل التي مارسها العلماء في حقّ الأبرياء ، مثل هذا الشابّ الذي أجريت معه الحوار ، إن هنالك الكثير ما يزال على فطرته يريد الحقَّ ، ولكن يلتبس عليه الأمر فيتمسَّك بما اعتقده من باطل ، وأصبح جزء من كيانه يدافع عنه بتعصُّب ، مانعاً الحقيقة أن تتسرَّب إلى عقله.

لقد منَّ الله عليَّ بالهداية بفضله ، وأدخلني برحمته إلى حيث نور الحقّ ، وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصَّلت إليه.

لذلك أسطِّر هذه المباحث ، وأكتب هذا الكتاب، إنه شعلة حقٍّ أخذتها من فاطمة الزهراء عليها، وأقدِّمها لكل طالب حقٍّ، ولكل باحث عن الحقيقة ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٥ ـ ٢٣.

٢٤٨

المناظرة الخامسة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعض السلفيَّة في حديث أن الأئمة اثنا عشر

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أوَّل الكتاب ، وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالّته ، وفاجأني بسؤال معتقداً أنه سيضعني في زاوية حرجة .. سؤال من ظنَّ أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر؟ ولماذا هذا العدد بالذات؟ وضحك!!

قلت له : يا أخي! بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجرُّ إليك أسئلة لا قبل لك بها ، فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربِّه ولم يكونوا ثمانين؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعاً من الأرض ، ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا؟ ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثني عشر؟ ولماذا يقول تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ) (١) ولم يكونوا خمسة عشر؟ ... وهكذا.

__________________

١ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٥٨.

٢٤٩

الأئمة اثنا عشر في صحاح وكتب السنة

أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام كافية لتوجِّهنا للأخذ منهم ، ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسِّكة بهم ، وهنالك تعلم بعدد الأئمة ، ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم ؛ لأن الموضوع فرعىٌّ ، ومع ذلك ـ وبلطف من الله تعالى لإظهار الحقّ ولإقامة الحجّة ـ لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدِّد عدد الأئمَّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وصدفة كنت أحمل أحد مجلَّدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث ، وفتحت باب الإمارة ، وقرأت عليه : عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلُّهم من قريش ، وقلت له : هل سمعت؟ فبهت الذي كفر.

وانتفض انتفاضة قويَّة وكأنه قد مسَّ بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث؟!

فذكرت له المصادر ، وأذكرها هنا تتمَّة للفائدة :

صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، ج٩ ، ص ٧٢٩.

صحيح مسلم ، ج٣ ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش.

صحيح الترمذي ، ج٤ ، ص ٥٠١.

سنن أبي داوود ، كتاب المهدي ، ص ٥٠٨.

مسند أحمد بن حنبل ، ج١ ، ص ٣٩٨.

٢٥٠

ماذا قال علماء السنة في الحديث

وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبُّط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ، ولن يجدوا لها حلاًّ إلاَّ عند أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم الشيعة المعروفون بـ : الاثني عشريَّة ... ولقد حاول البعض أن يجد تفسيراً معقولا للحديث على أرض الواقع ، فمنهم من عدَّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً عليه‌السلام وتوقَّف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي عليهما‌السلام ثمَّ تحيَّر ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفَّق لضبط العدد ، وآخر أصبح انتقائيّاً يختار كما يتراءى له ... وهكذا.

والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، ذلك بعد أن علمنا حقَّهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم ، وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، الباب ( ٩٤ ) عن المناقب ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جابر! إن أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوَّلهم عليٌّ ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ علي بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر! فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمَّ جعفر بن محمّد ، ثمَّ موسى بن جعفر ، ثمَّ عليُّ بن موسى ، ثمَّ محمّد بن علي ، ثمَّ علي بن محمّد ، ثمَّ الحسن بن علي ، ثمَّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي المهدي ، ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

أمَّا النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يدّع أحد من الأمَّة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت عليهم‌السلام عن أنفسهم ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤٧ ـ ١٤٩.

٢٥١

المناظرة السادسة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم

في حديث أصحابي كالنجوم

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحاً أفلا يعتبر عليعليه‌السلاممنهم فيحقّ لي اتبّاعه؟

قال : عليٌّ عليه‌السلام من أكابر الصحابة!

قلت له : إذن أنا أقتدي بعليٍّ عليه‌السلام ، الذي رفض بيعة أبي بكر ، وقاتل عائشة وطلحة والزبير ، ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع عليٍّ عليه‌السلام لو كنت حاضراً في حرب صفّين ولو تمكَّنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعليٍّ عليه‌السلام حتى لا يقتله! أليس من حقي أن أقتدي بأيِّ صحابيٍّ كما تدّعون؟! ... ألا ساء ما يحكمون (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٦٣.

٢٥٢

المناظرة السابعة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم السوداني وبعض الشيعة

مع بعض السلفيّة في أمر معاوية ويزيد

قال الأستاذ عبد المنعم السوداني : في إحدى المرَّات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابيّة صدفة ، وكنت موجوداً ، ولم تكن الرؤية واضحة لديَّ وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابيّة كان لهم حوار سابق مع الشيعة ، فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين عليه‌السلام وكربلاء ، ورأيت الوهابيّة وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال.

تحدَّث أحد الشيعة عن عدم أحقّيّة معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين ، فذكر اسم معاوية مجرَّداً من الترضّي عليه ، فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : قل : رضي الله عنه ، هل هو أخوك حتى تذكره مجرَّداً؟!

فردَّ عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من عليٍّعليه‌السلاموأكثر فهماً منه؟ فشمَّر أحدهم عن ساعديه ، وكأنه ينوي ضربه ، وهو يقول : اسمعوا ، هذا هو ديدن الشيعة ، يشكِّكون في كل شيء ، وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهياً والإجابة عنه واضحة ، فلا أحد يرى أن هنالك أفضل من عليٍّ سوى الخلفاء الثلاثة ، رضي الله

٢٥٣

عنهم جميعاً وأرضاهم.

فالتفت إليه الشيعي وقال : أولا : فليتكلَّم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثمَّ تحدَّث ، وثالثاً : إذا كان علي عليه‌السلام أفضل منّا ـ وهو كذلك بلا شك ـ فهو أدرى منا بالأصول ، أليس كذلك؟!

قالوا بحذر : نعم.

فقال لهم : عليٌّ عليه‌السلام حارب معاوية ، ليس فقط لم يترضَّ عليه كما تطالبوني ، بل قاتله أشدَّ قتال ، ولو ظفر به لألحقه بأجداده.

قال أحدهم وهو يمضغ مسواكاً : نقول كما قال السلف : تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيّاً جليلا ، وأنه فعل خيراً عندما نصب يزيد ، ونرى أن خروج الحسين بن علي عليه‌السلام كان خطأ منه ، وقد تاب يزيد.

قال الشيعي : قولك : فنعصم منها ألسنتنا ، لا ينطبق عليك ؛ لأنك الآن تقول إن معاوية صحابيٌّ جليل ، إذن لقد أخطأ عليٌّ في حربه لمعاوية ، ثمَّ من قال لك : إنك لن تسأل عن تلك الدماء؟ لابدّ أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان : إحداهما على حقٍّ ، والأخرى على باطل ، ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك ( الفتنة ) كما تدّعي.

أمَّا عن الحسين بن علي عليه‌السلام فهو لم يخطئ كما تقول ، فهو كما قال عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: سيِّد شباب أهل الجنة (١) ، وهو من أهل بيت النبوَّة ، وتعلَّم من

__________________

١ ـ روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.

٢٥٤

جدِّه كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلَّم من أبيه ما تعلَّم كما نقلت إلينا كتب التأريخ.

قاطعه أحد الوهابيّة ، وساق كلاماً سيّئاً خارجاً عن حدود الأدب في الحوار والمناظرة ، كما هي عادة أمثاله وشاكلته ، بدل أن يدلي بحجّة أو برهان.

فقال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائماً كان أعداء الشيعة ، باسم الحقّ يقتلون الحقّ ، وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق ، وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيراً ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبنَّاه معاوية ويزيد وآل أميَّة ومن إليهم.

وبعد مشادّة كلاميّة عنيفة حصلت بينهم .. يقول الأستاذ عبد المنعم فقال له بعضهم : على كل حال يجب ألا تتأثَّر بكلام هؤلاء ، فإن في حديثهم سحراً يؤثِّر.

ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرَّة أخرى قائلا له : دعنا من كل ذلك ، فأنا أسألك حول قضيّة الحسين بن علي عليهما‌السلام كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها؟

سكت وكأنه يبحث عن إجابة ، ثمَّ قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء؟!

قلت : أجب على سؤالي ، ودع عنك السبب.

قال : معاوية صحابيٌّ جليل ، ويزيد كان أميراً على المسلمين ، والحسين

__________________

وروى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن حذيفة قال : أتيت النبي 6 فصلَّيت معه المغرب ، ثمَّ قام يصلّي حتى صلى العشاء ، ثمَّ خرج فاتبعته ، فقال : ملك عرض لي ، استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ ، ويبشِّرني أن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.

راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٥١٢ ، سنن الترمذي : ٥/٣٢١ ح ٣٨٥٦ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٤١٣ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١٦٧ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٣٥ ـ ٣٨ ح ٢٥٩٩ وح ٢٦٠٨ وح ٢٦١١ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٢٩.

٢٥٥

خرج على وليِّ أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربَّما يكون قد تاب ، فلا داعي لأن نتحدَّث حوله ونشهِّر به.

قلت مختتماً هذا الحوار الذي لن يثمر عن شيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهَّرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري .. وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ، وبقولك هذا تبرِّر لكل مخطئ في هذه الدنيا ؛ لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقليّة تعطِّل الدين ، ويصبح كل التأريخ بلا فائدة.

كلمة أخيرة أقولها لك : أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء ؛ لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء ، وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيّاً فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر.

وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال ، نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ، ونحن سنكون بالمرصاد لهم.

قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم ، وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلاناً منهم.

وتركته وانصرفت راجعاً إلى الإخوة ، فوجدت أن الوهابيّة لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية ، فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفاً على حال هؤلاء المساكين الذين يردِّدون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : ١٨٩ ـ ١٩٢.

٢٥٦

المناظرة الثامنة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعضهم في الافتراء على الشيعة وأثر أدعية أهل البيتعليهم‌السلام

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : ولأهل البيت عليهم‌السلام تراث عظيم ، كان من الممكن أن تستفيد منه الأمَّة ، ولكنها أبت إلاَّ نفوراً ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ذلك المنهج في الدعاء، وكيفيَّة التقرُّب إلى الله تعالى ، والأدب الرفيع في مخاطبة الربِّ سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجّاديّة ـ وهي صحيفة كلُّها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد عليه‌السلام ـ يتعجَّب لماذا لم يهتمَّ علماء السنة بهذه الصحيفة ، هل لأنها واردة عن أحد الأئمَّة أهل البيت؟ أم ماذا؟! (١).

__________________

١ ـ يقول الدكتور أسعد الفلسطيني أحد المتشيعين فيما وجده أيضاً ولمسه في أدعية أهل البيت عليهم‌السلام : وأمَّا على صعيد الأخلاق والتربية الروحيّة فما عليك إلاَّ أن تنظر في مفاتيح الجنان ، والصحيفة السجّاديّة ، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات المأثورة لترى سموَّ المستوى الذي أراد أهل البيت : أن يهذِّبوا به نفوس أتباعهم. المتحوِّلون : ٤٧٦.

ويقول الدكتور محمّد المغلي ( النمسا ) ـ وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا ، وقد تشيَّع وأخذ بمذهب أهل البيت : ـ : إن أحد الأسباب التي جعلته يتشيَّع هو تأثُّره البالغ بالأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وضرب أمثلة على ذلك وقال : مثل دعاء كميل ، ودعاء الافتتاح

٢٥٧

استبصار البعض بفضل الحوار وأدعية أهل البيت عليهم‌السلام

أحد الإخوة الذين استبصروا كان يميل للوهابيَّة بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس معهم تماماً منَّ الله عليه بأحد الأصدقاء ، والذي أعطاه بعض مؤلَّفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحُذِّر منهم ، فطلب منّي ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيُّع وما إليه ، فرحَّبنا به وجلسنا ، فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفَّس قائلا : هذا الكلام حقٌّ لا لبس فيه ، ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل؟!

قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلاَّ على باطل.

قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثُّر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة ، كان وقت صلاة المغرب قدحان فقلت: الآن بإمكانك أن تصلّي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدّعون.

توضَّأنا وصلَّينا ، وكان اليوم يوم خميس ، وبعد الصلاة ـ وكما هو معروف عند الشيعة ـ يستحبُّ قراءة دعاء كميل ، وهو دعاء علَّمه أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام لأحد أصحابه ، وهو كميل بن زياد النخعي ، والشيعة يواظبون على قراءته.

قرأنا ذلك الدعاء ، وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألَّمت

__________________

الذي يقرأ في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ودعاء الصباح للإمام علي عليه‌السلام ، وأدعية الإمام زين العابدين عليه‌السلام في الصحيفة السجادية ، وغيرها من الأدعية التي لا مثيل لها عند المذاهب الإسلامية الأخرى.

راجع كتاب المتحولون ، هشام آل قطيط : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

٢٥٨

لهذه الأمّة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت : ، خصوصاً فيما يختصُّ بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربَّه.

بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه ، وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا : إن الشيعة لا يعرفون الصلاة ، والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : ٢١٠ ـ ٢١١.

٢٥٩

المناظرة التاسعة والثلاثون

مناظرة

الشيخ هشام آل قطيط السوري مع مجموعة من مشايخ السنّة

وتساؤلاته حول عقائد الشيعة ورحلته في البحث عن الحقيقة

قال الشيخ هشام آل قطيط : عندما كنت في القرية وأنا طالب في الجامعة أتردَّد على بعض المساجد في المنطقة ، فأجد الخطاب عند العلماء متشابهاً تماماً ، بحيث لا يختلف عالم عن آخر بطريقة الخطاب من حيث المقدِّمة والموضوع والخاتمة والدعاء ، أشعر بأن علماءنا يتبعون طريقة روتينية في إلقاء الكلام ، بحيث إذا غاب إمام المسجد لمرض أو لظرف معيَّن يكلّف أحد الإخوة المصلّين بإلقاء الخطبة ، يصعد على المنبر ويقرأ علينا بطريقة الدرج والسرعة ، فأنظر ممن حولي أجد قسماً من الناس نياماً ، والقسم الآخر كأنه مسافر في حافلة.

هذا من جهة الخطاب ، وأمَّآ من جهة الحوار الموضوعي والانفتاح الفكري فهو مفقود تماماً ، لماذا؟ لأننا ترعرعنا على طريقة التفكير التقليدي الموروث غير القابل للتطوُّر ، رغم أن الإسلام دين التطور ، ودين المرونة ، ودين الانفتاح ، ودين المعاملة ، ودين النصيحة ، ودين الأخلاق ، ودين الإنسانيّة ، دين السماحة والعزّة والكبرياء والأنفة ، هذه هي مبادئ ديننا الحنيف الذي نزل به

٢٦٠