مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات المستبصرين

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩

المناظرة الثالثة والعشرون

مناظرة

الدكتور التيجاني مع بعض السلفيّة

في مشروعيّة زيارة القبور

قال الدكتور التيجاني : والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ملأت كتب الصحاح عند أهل السنّة وعند الشيعة (١).

ولكن الوهابيّة تنكرها ولا تقيم لها وزناً وقد قال لي بعضهم عندما حاججتهم بهذه الأحاديث فقال : أنَّها نسخت.

فقلت : بالعكس التحريم هو المنسوخ ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، الآن فزوروها فإنها تذكّركم بالموت (٢).

قال : هذا الحديث يعني به الرّجال دون النساء.

قلت : قد ثبت في التأريخ وعند المحققين من أهل السنّة بأنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت في كل يوم تزور قبر أبيها فتبكي وتقول :

__________________

١ ـ يعني الأحاديث المصرحة بجواز زيارة القبور.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/١٤٥ ، صحيح مسلم : ٣/٦٥ ، سنن ابن ماجة : ١/٥٠١ ح ١٥٧١ ، سنن الترمذي : ٢/٢٥٩ ح ١٠٦٠ ، المستدرك ، الحاكم : ١/٣٧٤ ـ ٣٧٦ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٥/٨٢ ح ٤٦٤٨.

١٨١

صُبَّت عليّ مصائبٌ لو أنها

صُبّت على الأيام صرن لياليا (١)

والمعروف بأن عليّاً عليه‌السلام بنى لها بيتاً يسمى بيت الأحزان فكانت تقضي جلّ أوقاتها في البقيع (٢).

قال : وعلى فرض صحة الرّواية فهي تخص فاطمة عليها‌السلام وحدها.

إنّه التعصّب الأعمى مع الأسف ، وإلاّ كيف يتصوّر مسلمٌ أن يمنع الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرأة المسلمة من زيارة قبر أبيها ، أو قبر أخيها ، أو قبر ولدها ، أو قبر أمّها ، أو قبر زوجها ، فتترحّم عليهم وتستغفر لهم ، وتسيل عليهم دموع الرّحمة ، وتتذكر هي الأخرى الموت والآخرة ، كما يتذكر الرّجل ، إنّه ظلمٌ للمرأة المسلمة المسكينة ، ولا يرضاه الله ، ولا يرضاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يرضاه أهل العقول السليمة (٣).

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ١/٢٠٨ ، نظم درر السمطين ، الزرندي : ١٨١ ، أعلام النبلاء ، الذهبي : ٢/١٣٤.

٢ ـ بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٣/١٧٧ ـ ١٧٨.

٣ ـ كل الحلول عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدكتور التيجاني : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

١٨٢

المناظرة الرابعة والعشرون

مناظرة

الدكتور أسعد القاسم الفلسطيني مع دكتور أردني

في حديث ( الخلفاء إثنا عشر )

يقول الدكتور أسعد القاسم (١) : من الحوادث أذكر منها مناقشتي لدكتور معروف في كليَّة الشريعة بالجامعة الأردنية ، لا داعي لذكر اسمه ، حيث زار مانيلا قبل عشر سنوات ، وألقى محاضرة للطلبة العرب ، تعرَّض فيها لأحوال المسلمين عموماً ، وكان مما قاله : أن معركة المسلمين مع الشيعة معركة عقيدة.

وبعد انتهاء المحاضرة طلبت مناقشته فيما قال ، فكان همُّه معرفة إن كنت شيعيّاً أم سنّياً ، وعندما حاصرته بالأدلّة القويّة حاول في البداية تبريرها بقوله : ومن منّا لا يحب أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

١ ـ هو : الدكتور أسعد وحيد القاسم ، من مواليد فلسطين ١٩٦٥ م ، حاصل على بكالوريوس في الهندسة المدنيَّة ، وما جستير في إدارة الإنشاءات ، ودكتوراة في الإدارة العامة ، دفعه اطّلاعه على بعض كتب السلفيّة التي تهاجم مذهب أهل البيت عليهم‌السلام إلى قراءة كتاب المراجعات وكتباً أخرى ، ثمَّ تحقَّق مما جاء فيها من صحاح السنة ، وهو الأمر الذي قاده إلى إعلان تشيُّعه بعد بحث مستفيض طال سنتين ، له كتاب : تحليل نظم الإدارة العامة في الإسلام ، وهي رسالة الدكتوراة ، وكتاب : حقيقة الشيعة الاثني عشرية ، وكتاب : أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة. عن كتاب : المتحوِّلون : ٤٨٥.

١٨٣

وعندما واجهته بالأحاديث التي توجب اتبّاعهم بالعمل ، وليس بمجرِّد الادّعاء حاول أن ينهي النقاش ، وعندما ذكرت له الأحاديث الدالّة على عدد الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، وسألته : من هم هؤلاء الأئمَّة أو الأمراء كما ذكر البخاري؟ كان جوابه :

هذا الحديث من عقلك ، وليس له وجود عندنا ، ثمَّ سحب نفسه من المناقشة تاركاً الطلبة يهزّوا رؤوسهم استغراباً.

وكان لهذه الحادثة الأثر الكبير في تحفيزي للمزيد من البحث ما دامت المسألة على هذه الدرجة من الخطورة (١).

السبب الذي دعاني إلى التشيع

ويقول الدكتور أسعد في بيان السبب الذي دعاه إلى التشيُّع: إن الدافع كان واحداً ليس له ثاني ، وهو رؤيتي ـ بما لا يقبل الشك ، والدليل والبرهان القاطع ـ وجوب اتّباع أهل البيتعليهم‌السلامالذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، فماذا بعد التمعُّن بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمفي خطبة حجة الوداع : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٢).

فهذا القول المعروف بحديث الثقلين يرسم المنهاج بإطاره العام ، ثمَّ يخصّص بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه (٣) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ

__________________

١ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

٢ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٣ ـ روى أحمد بن حنبل في مسنده : ٤/٢٨١ : عن البراء بن عازب قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ،

١٨٤

بعدي (١) ، وغير ذلك الكثير من التوجيهات النبوّيّة التي تضع النقاط على الحروف ، فكلمة « بعدي » توضح أن علياً عليه‌السلام كان وصيّاً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما كان هارون ليكون خليفة له وإماماً على الأمة بعده.

وهناك العديد من الروايات الموثَّقة أيضاً في الصحاح ، تشير إلى أن عدد الأئمة عليهم‌السلام اثنا عشر ، وكان علماء أهل السنة على مرّ التأريخ مازالوا في حيرة أمام هذا الرقم الصعب دون أن يجدوا له تفسيراً (٢).

__________________

فنزلنا بغدير خمٍّ ، فنودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين ، فصلَّى الظهر ، وأخذ بيد علي عليه‌السلام فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي ، فقال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه. قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب! أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك : ٣/١٠٩ عن زيد بن أرقم مثله ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.

وروى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده : ١/١١٨ عن سعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثيع قالا : نشد علي عليه‌السلام الناس في الرحبة : من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم إلاَّ قام ، قال : فقام من قبل سعيد ستة ، ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي عليه‌السلام يوم غدير خم : أليس الله أولى بالمؤمنين؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.

وهذا الحديث من المتواترات ، وقد ذكرته جلَّ المصادر ، ونذكر منها مايلي :

فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ١٥ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٤٩٩ ح ٢٨ و٥٠٣ ح ٥٥ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/٤٥ ح ٨١٤٨ و١٣٤ ح ٨٤٧٨ ، مسند أبي يعلى الموصلي : ١/٤٢٩ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٣٧٦ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٢/٣٥٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٢٨٩ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ١/٩ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٦٧.

١ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٢ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

١٨٥

المناظرة الخامسة والعشرون

مناظرة

السيّد حسين الرجا السوري مع بعض علماء العامّة

في أن الخليفة عمر شهر سيفه بعد وفاة رسول الله 6

وقال إنَّ رسول الله 6 لم يمت

قال السيِّد حسين الرجا (١) : أبلغني ذات يوم أحد المحبّين الغيارى أنّه يعتزم عقد لقاء بيني وبين أحد العلماء ، فقلت له : ياليت ، فإن وضح الحق وشفيت نفسي لك الأجر والثواب ، وإنني خائف من زلّة القدم ، ولكنني أطلب منك أن يحضر ندوة الحوار بعض المثقَّفين ؛ لأنهم أقدر على الفهم فيحكموا لي أو عليَّ.

وبعد أيام أبلغني بأنَّه عيَّن العالم والزمان والمكان ، فذهبنا في الوقت المحدَّد ، ووجدنا الشيخ بالانتظار ، وقد حضر أحد المثقَّفين ، وكان عدد الحضور سبعة رجال ، وما أن استقرَّ بنا المجلس إلاَّ ونطق أحدهم قائلا : شيخنا! هذا السيِّد الذي كلَّمناك بشأنه ، وعندها بدأنا الكلام ، وإليك عزيزي القارئ نصَّ الحوار بكامله.

أشاح الشيخ بوجهه ناظراً إلى وجهي فقال : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ

__________________

١ ـ من منطقة دير الزور حطلة ، ومؤلِّف كتاب : دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة.

١٨٦

صَادِقِينَ ) (١).

فقلت له : شيخنا! أصحيح أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجده ميِّتاً مسجَّى ببردته ، فأغلق الباب عليه ، وشهر سيفه ، يهدِّد الناس ، ويمنعهم من القول بأن محمّداً قد مات ، ويقول : من قال إن محمّداً قد مات ضربته بسيفي هذا ، محمّد لم يمت ، إنما ذهب إلى ميقات ربِّه كموسى بن عمران ، وسيرجع بعد أربعين يوماً ، فيقطع أيدي رجال وأرجلهم؟ (٢)

فقال : نعم ، هذا الحديث صحيح لا غبار عليه.

فقلت له : شيخنا! هل الله قال : إن محمَّداً لم يمت؟

قال : لا.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٢ ـ جاء في صحيح البخاري : ٤/١٩٣ : قال عمر : والله ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وليبعثنَّه الله ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.

وفي رواية تاريخ اليعقوبي : ٢/١١٤ : قال : وخرج عمر فقال : والله ما مات رسول الله ولا يموت ، وإنما تغيَّب كما غاب موسى بن عمران أربعين ليلة ، ثمَّ يعود ، والله ليقطعن أيدي قوم وأرجلهم ، وقال أبو بكر : بل قد نعاه الله إلينا فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) فقال عمر : والله لكأني ما قرأتها.

وفي رواية الآحاد والمثاني للضحاك : ٣/١٣ ، قال : ثمَّ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض ، فقال عمر : والله لا أسمع أحداً يذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض إلاَّ ضربته بسيفي هذا.

وراجع أيضاً : السنن الكبرى ، النسائي : ٤/٢٦٣ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٢/٢٤٨ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٤٠.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١/١٧٨ : لمَّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشاع بين الناس موته ، طاف عمر على الناس قائلا : إنه لم يمت ، ولكنه غاب عنّا كما غاب موسى عن قومه ، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، يزعمون أنه مات ، فجعل لا يمرُّ بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعَّده ، حتى جاء أبو بكر ، فقال : أيُّها الناس! من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد ربَّ محمّد ، فإنه حيٌّ لم يمت .. إلخ.

١٨٧

قلت : فهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني لم أمت؟

قال : لا.

قلت : فهل جبرئيل نزل على عمر فقال له : إن محمَّداً لم يمت؟

قال : لا.

قلت : أما كان عمر يقرأ قول الله : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (١) معنى ذلك أن عمر تكلَّم بما لا يتطابق مع الواقع ، بل تكلَّم ضدَّ الله ورسوله وجبرئيل والقرآن.

ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، ووجه الشيخ يتغيَّر ، وقبل أن يتكلَّم قلت : اللّهم إلاَّ أن يقال : إن عمر كان يهجر ، وحتى هذا الاعتذار ساقط من الحسبان ؛ لأن الرجل عندما يهجر يختلُّ كلامه لفظاً ومعنى ؛ لأنه فاقد الشعور ، لا يدرك ما يقول ، وعلى عكس ما يقوله عمر ، حيث تكلَّم بكلام فصيح ، فلا ركّة في المعنى ، ولا هجر في القول.

ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، وإذا بالشيخ ينظر إلى الساعة في يده قائلا : عندي موعد ، يا الله ، فنهض قائماً فتفرَّقنا بلا عودة.

ثمَّ التقيت بالرجل المثقَّف ، فقلت له : بماذا حكمت؟

فقال : إذا كان دليل الشيعة هكذا ، وعلماء السنة هكذا ، فعلى هذا الأساس اعتبرني شيعيّاً ، وبعد مدّة استبصر ذلك المثقَّف ، والحمد لله (٢).

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٢ ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا : ٢٦ ـ ٢٨ ، المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

١٨٨

المناظرة السادسة والعشرون

مناظرة

السيّد حسين الرجا مع بعض مشايخ السنّة

في صحّة مذهب الشيعة من كتب السنّة وأنهم على حق

قال السيِّد حسين الرجا : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبّين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الاستشفاء ، فاستقبلنا ورحَّب بنا ، فقبَّلت يده ، ولمَّا استقرَّ بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين! أصحيح ما سمعناه عنك؟

فقلت له : نعم شيخنا.

فقال : تكلَّم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة ، هي المصيبة في الدين؟

فقلت له : شيخنا! لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخصّ صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة. وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم.

ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكّي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيُّع ، وفي مثل هذه القضايا تزلُّ الأقدام ، فخفت على نفسي من زلَّة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاَّ عند العلماء ، وإلاَّ فمرضي لا

١٨٩

ترجى براءته.

فأطرق الشيخ دقيقة صمت ، ثمَّ نظر إليَّ نظر العالم المتمكِّن والمتحدّي ، فقال : يا حاج حسين! لا يمكن أن الصحابة يغلطون أو يزلّون ، وإذا الصحابة يغلطون أو يزلّون ، أو يأثمون ويجرمون ، أو يتعاطون المعاصي فأنا أشرط عمامتي وأضعها في بيت الماء ـ يعني يمزِّقها ويضعها في المرحاض.

ولمَّا أنهى الشيخ كلامه أطرقت رأسي ، ولم أردَّ جواباً ، وشرع ذهني يتجوَّل بين ثلاثة محاور ، تارة في مكتبة الشيخ التي تضمُّ صحيحي مسلم والبخاري ، وتارة في عمامته التي أصيغت على طراز أبدع ما تصاغ به العمائم ، وثالثة أفكِّر في المرحاض الذي لا يبعد كثيراً عن مجلس الحوار ، فأخذني صراع داخلي ، فتارة تحمل عليَّ نفسي فأكاد أن أقول للشيخ : آتني بمجلَّد كذا ورقم كذا وباب كذا وكذا في مسلم والبخاري ، وتارة أحمل عليها فأسكتها ، فو الله ما منعني عن ردّ التحدّي إلاَّ شيمي وأخلاقي ، ولأن الردَّ خطير.

وبعد الحوار الذي هو أقرب إلى كونه صبياني تفرَّقنا ، ولمَّا دخلت بيتي وأخذت مضجعي أدركتني بركة الشيخ ، فاستفدت كثيراً ، غير أنها من نوع سلبي ونتيجة عكسيَّة ، حيث قرَّرت أن لا أموت إلاَّ شيعيّاً على طريق محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلمت أن الشيخ مأسور الفكر والدراسة ، وأدركت أن كثيراً ما يوجد في العالم الإسلامي من عالم بلا علم ، وعمامة بلا معمَّم ، وأيقنت أن طلب العلم للعلم هو غيره عن طلب العلم للوظيفة والاكتساب (١).

__________________

١ ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا : ٢٨ : ٣٠ ، المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

١٩٠

المناظرة السابعة والعشرون

مناظرة

الكاتب الأستاذ إدريس الحسني المغربي

مع بعضهم في معاوية والحجّاج

قال الأستاذ إدريس الحسيني (١) : جاءني يوماً أحد أصدقائي الطلبة ، يسألني عن معاوية وقتاله لعلي عليه‌السلام في صفين ، وقبل أن أباشر في الجواب نطق أحد الحاضرين قائلا : اللعنة عليه ، فخزرت فيه ، ثم قلت : أعوذ بالله ، لماذا تلعنه؟

قال : لأنه قاتل علياً عليه‌السلام (٢).

__________________

١ ـ هو : الأستاذ الكاتب والصحافي السيّد إدريس بن محمّد بن أحمد العشاقي المغربي الحسيني الإسماعيلي ، من نسل إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، من مواليد نكسة ١٩٦٧ ، بمدينة مولاي إدريس ، ويحضر حالياً بحوث الخارج في الحوزة العلميّة في منطقة السيِّدة زينب 3 في الشام ، وله عدة مؤلَّفات منها : كتاب لقد شيَّعني الحسين عليه‌السلام ، وكتاب الخلافة المغتصبة ، وله كتاب رد على أحمد الكاتب ( المتحوِّلون : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ).

٢ ـ قال ابن أبي الحديد : وكان معاوية على أسّ الدهر مبغضاً لعلي عليه‌السلام ، شديد الانحراف عنه ، وكيف لا يبغضه ، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمَّه في جدِّه وهو عتبة ، أو في عمِّه وهو شيبة ، على اختلاف الرواية ، وقتل من نبي عمِّه عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم وأماثلهم ،

١٩١

قلت له : ومع ذلك ، فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا تسبّوا أصحابي.

وبهذه الكلمة البائسة الغبيّة المصحوبة بتماوج كاريكاتوري يختزل وقاراً مصطنعاً .. استطعت أن أسكت صديقنا (١).

قال إدريس الحسيني في موضع آخر : وذات مرَّة قلت لأحد المشائخ الكبار : عجباً! لست أدري كيف يقبل المسلمون بأمثال الحجاج بن يوسف الثقفي ، ذلك السفاح ، ما وقَّر عالماً ولا عاميّاً؟ (٢)

فقال شيخنا الموقَّر : أعوذ بالله ، نحن السنة والجماعة نعتقد في إيمانه وإسلامه ، وقد قال فيه العلماء خيراً رغم كل ذلك ، فهو من الصالحين ، لأنه شكل القرآن؟ (٣).

ويقول السيد إدريس الحسيني في كتابه القيِّم ( لقد شيَّعني الحسين عليه‌السلام ) في سبب تشيُّعه وأخذه بمذهب أهل البيتعليهم‌السلام: ما إن خلصت من قراءة مذبحة

__________________

ثمَّ جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان ، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه ، وانضواء كثير من قتلته إليه عليه‌السلام ، فتأكَّدت البغضة ، وثارت الأحقاد ، وتذكرت تلك الترات الأولى ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.

وقد كان معاوية مع عظم قدر علي عليه‌السلام في النفوس ، واعتراف العرب بشجاعته ، وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدَّده ـ وعثمان بعد حيٌّ ـ بالحرب والمنابذة ، ويراسله من الشام رسائل خشنة.

إلى أن قال : ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا ، يرمى بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرُّض لرسول الله 6 ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ، ولو لم يكن شيءٌ من ذلك لكان في محاربته الإمام عليه‌السلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفِّرها التوبة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ١/٣٣٨ ـ ٣٤٠.

١ ـ كتاب لقد شيعني الحسين عليه‌السلام ، الكاتب والصحفي إدريس الحسيني : ٤٦.

٢ ـ راجع جملة من أخبار الحجاج في التأريخ وموبقاته بعد هذه المناظرة.

٣ ـ كتاب لقد شيَّعني الحسين عليه‌السلام ، الكاتب إدريس الحسيني : ٤٩.

١٩٢

كربلاء بتفاصيلها المأساويّة حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ، ومن هنا بدأت نقطة الثورة ؛ الثورة على كل مفاهيمي ومسلَّماتي الموروثة ؛ ثورة الحسيني عليه‌السلام داخل روحي وعقلي ، إلى أن يقول : فكربلاء مدخلي إلى التأريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام ، فكيف لا أجذب إليها جذبة صوفي رقيق القلب ، أو جذبة أديب مرهف الشعور؟! وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت عليهم‌السلام ، وظروف الجريمة التأريخية ضدَّ نسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : من قتل الحسين عليه‌السلام؟ أو بتعبير أدقّ من قتل من؟ نحن لا نشك في أن مقتل الحسين عليه‌السلام هو نتيجة وضع يمتدُّ بجذوره إلى السقيفة ، إلى أخطر قرار صدر بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان ضحيَّته الأولى : آل البيت عليهم‌السلام ، ونلاحظ من خلال حركة التاريخ الإسلامي أن محاولة تهميش آل البيت ، وقمع رموزهم بدأ منذ السقيفة ، ورأيي لو جازف الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما‌السلام لكان فعلا أحرقوا عليهم الدار ، ولكان شيء أشبه بعاشوراء وكربلاء الحسين عليه‌السلام (١).

والجدير بالذكر هنا هو ما أنشده القاضي أبو بكر بن أبي قريعة ( المتوفَّى ٣٦٧ ) في هذا المعنى ، حيث يقول :

يَا مَنْ يُسَائِلُ دائباً

عن كلِّ مُعضِلَة سخيفه

لاَ تَكْشِفَنَّ مُغَطَّأً

فَلَرَبَّما كَشَّفْتَ جِيْفَه

وَلَرُبَّ مَستُور بَدَا

كالطبلِ مِنْ تَحْتِ القطيفه

__________________

١ ـ نفس المصدر : ٣١٥ و٣١٧.

١٩٣

إِنَّ الجَوَابَ لَحَاضِرٌ

لكنَّني أُخفِيْهِ خِيْفَه (١)

لو لا اعتذارُ رَعِيَّة

ألغى سِيَاسَتَها الخليفه

وَسُيُوفُ أعْدَاء بها

هَامَاتُنا أبداً نقيفه

لَنَشَرْتُ مِنْ أَسْرَارِ

آلِ محمَّد جُمَلا طريفه

تُغنِي بِها عمَّا رَوَاهُ

مَالِكٌ وأبو حنيفه

وَأَرَيْتُكُمْ أَنَّ الحُسَيْنَ

أُصيِبَ في يَوْمِ السقيفه

وَلاَِيِّ حَال أُلْحِدَتْ

باللَّيلِ فَاطِمَةُ الشريفه

وَلِما حَمَتْ شَيْخَيْكُمُ

عَنْ وَطْيِ حُجْرَتِها المنيفه

آه لِبِنْتِ محمَّد

ماتت بِغُصَّتِها أسيفه (٢)

جملة من أخبار الحجاج في التأريخ

جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : فأمَّا الكعبة فإن الحجاج في أيام عبدالملك هدمها ، وكان الوليد بن يزيد يصلّي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة ، فقيل له ، فقرأ : ( فَأَيْنََما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (٣).

وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورمَّة بالية! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله! (٤)

__________________

١ ـ كشف الغمة ، الإربلي : ٢/١٢٧ ـ ١٢٨.

٢ ـ كتاب الوافي بالوفيات ، الصفدي : ٣/٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١٥.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٥/٢٤٢.

١٩٤

وروى أبو داود في سننه بسنده عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج يخطب ، فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلِّي خلفك صلاة أبداً ، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنَّك معهم (١).

وقال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم (٢).

وقال أبو بكر بن عياش : عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلاَّ وقد ارتكبها الحجاج.

وقال عبد الرزاق : عن معمّر ، عن ابن طاووس أن أباه لما تحقَّق موت الحجاج تلا قوله تعالى : ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٣) (٤).

وقال ابن حجر في ترجمته : حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي ، الأمير الشهير ، ولد سنة ( ٤٥ ) أو بعدها بيسير ، ونشأ بالطائف ، وكان أبوه من شيعة بني أمية ، وحضر مع مروان حروبه ، ونشأ ابنه مؤدِّب كتّاب ، ثمَّ لحق بعبد الملك بن مروان ، وحضر مع قتل مصعب بن الزبير ، ثمَّ انتدب لقتال عبدالله بن الزبير بمكة ، فجهَّزه أميراً على الجيش ، فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير.

__________________

١ ـ سنن أبي داود : ٢/٤٠٠ ، رقم : ٤٦٤٢ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٩/١٥١.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ١٢/١٨٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦/٢٦٧.

٣ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٤٥.

٤ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦/٢٦٧.

١٩٥

وقال جماعة : إنه دسَّ على ابن عمر من سمَّه في زجّ رمح (١) ، وقد وقع بعض ذلك في صحيح البخاري ، وولاَّه عبدالملك الحرمين مدّة ، ثمَّ استقدمه فولاَّه الكوفة وجمع له العراقين ، فسار بالناس سيرة جائرة واستمرَّ في الولاية نحواً من عشرين سنة ، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرومه ، ويجادل على ذلك ، وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقرَّاء من أهل البصرة وغيرها ، فحاربه حتى قتله ، وتتبَّع من كان معه فعرضهم على السيف ، فمن أقرَّ له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ، ومن امتنع قتله صبراً ، حتى قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.

وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان : أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً.

وقال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسمّيه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي .. وغيرهم.

وقالت له أسماء بنت أبي بكر: أنت المبير الذي أخبرنا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وروى ابن أبي الدنيا بسنده ، عن زيد بن أسلم قال: أغمي على المسور بن مخرمة ، ثمَّ أفاق فقال : أشهدأن لاإله إلاَّ الله ، وأن محمّداً رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إلى أن قال : وعبدالملك والحجاج يجرّان أمعاء هما في النار.

قال : قلت : هذا إسناد صحيح ، ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ، ولا كان عبدالملك ولي الخلافة بعد ؛ لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد

__________________

١ ـ الزُجّ بضمِّ الزاي المعجمة : الحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم.

١٩٦

ابن معاوية من الشام ، وذلك في ربيع الأول سنة ( ٦٤ ) من الهجرة.

وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة.

وقال موسى بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه : ليس بثقة ولا مأمون.

وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بأهل أن يروى عنه.

ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن : ( اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ) مات سنة ( ٩٥ ) بواسط وهو الذي بناها ، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلاَّ يسيراً.

وقال الأصمعي : عن أبي عمرو بن العلاء : لمَّا مات الحجاج ، قال الحسن : اللهم أنت أمتّه فأمت سنَّته.

وعن أشعث الحداني ـ وكان يقرأ للحجاج في رمضان ـ قال : رأيته في منامي بحالة سيئة ، فقلت : يا أبا محمّد! ما صنعت؟ قال : ما قتلت أحداً بقتلة إلاَّ قتلت بها ، قلت : ثمَّ مه؟ قال : ثمَّ أمر به إلى النار .. (١).

__________________

١ ـ تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ٢/١٨٤ ـ ١٨٧.

١٩٧

المناظرة الثامنة والعشرون

مناظرة

الشيخ مروان خليفات الأردني مع صديقه الشيعي

في حديث رزيّة الخميس وآثارها

قال الشيخ مروان خليفات (١) : في وقت الغروب ، وفي إحدى طرق القرية كنت مع صديقي الشيعي ، كان لا يأتي علينا يوم إلاَّ ويحتدُّ النقاش بيننا ، تمنَّيت في وقتها أن يصبح هذا الصديق سنّيّاً ، وعزمت أن أنقله من مذهبه إلى المذهب الشافعي ، وجرت الأيام ، والتحقت بكليَّة الشريعة ، وفي الدروس كان مشايخنا يتطرَّقون إلى الشيعة ، وكان البعض منهم يكفِّرهم ، ومع أني كنت على المذهب الشافعي إلاَّ أني بدأت أتأثَّر بما يطرحه أساتذتي السلفيَّة خاصة في العقيدة ، فقمت أردِّد معالم العقيدة السلفيَّة وكأني مقتنع بها ، وكنت أعرض هذه العقيدة مع ذكر الأدلّة على صديقي الشيعي ، وكذا ما يقال عن الشيعة في قاعة الدرس ، وذلك كي أبدأ بهدايته ، لكنَّه كان يردُّ عليَّ بكلِّ قوَّة.

وفي أثناء مسيرنا ، وبينما كنت أحدِّثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني

__________________

١ ـ ولد عام ١٩٧٣ في كفر جايز من توابع مدينة إربد في الأردن ، تخرَّج من جامعة اليرموك ، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية سنة ١٩٩٥ م ، له كتاب : وركبت السفينة.

١٩٨

قائلا كالمنتصر : رزيَّة الخميس.

قلت : خيراً! ماذا تقصد؟

قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأيام ، حيث قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إن النبيَّ غلبه الوجع أو يهجر ، حسبنا كتاب الله.

فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قط؟

قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم.

عندئذ يئست من جوابه ، وشعرت بالهزيمة ، وقلت فوراً : وإن قال ذلك يبقى صحابيّاً ، أسأل الله الغفران ، عبارة لم تأت صدفة ولكنها تعبير عن عقيدة ترسَّخت في أذهاننا ، وأردفت : في أيِّ كتاب قرأت هذه الحادثة؟ لأنني وان وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أتعصَّر ألماً.

فقال : في كتاب ( ثمَّ اهتديت ) لأحد علمائكم الذين تشيَّعوا.

قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيَّع؟!

قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيَّع ، وأسباب تشيُّعه وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزيَّة الخميس تدور في ذهني ، وأتوجَّس خيفة لعلي أجدها ، فأخذتني قصَّة الكاتب الممتعة ، وأسلوبه الجذَّاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت عليهم‌السلام ، ومخالفات الصحابة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورزيَّة الخميس ، والمؤلِّف يوثِّق كلَّ قضيَّة من صحاحنا المعتبرة ، فدهشت لما أقرأ ، وشعرت أن كلَّ طموحاتي انهارت وسقطت أرضاً ، وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.

١٩٩

رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري

وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة ، وبدأت برزيَّة الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدّة طرق ، وكان أمامي احتمالان : إمَّا أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهجر والعياذ بالله ، وبهذا أدفع التهمة عن عمر ، وإمَّا أن أدافع عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرُّ بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحقِّ النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى طردهم ، وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما ردَّدتها ، وافتخرت بها أمامه.

وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحّة ما في الكتاب ، فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح.

بقيت فترة حائراً ، تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً ، وعرض عليَّ صديقي كتاب ( لأكون مع الصادقين ) لمؤلِّفه التيجاني ، وكتاب ( فاسألوا أهل الذكر ) وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة ، وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق ، لكنَّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها ، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها ، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها ، إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار عليهم‌السلام ، أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشقّاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ، ورحمة الله للملأ ، بكل قناعة واطمئنان قلب.

وها أنا الآن ـ وبعد تخرُّجي من كليَّة الشريعة ـ على يقين تام بصحّة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمرُّ بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي ، وفَّقه الله.

٢٠٠