الروايات ، ممّا يحصل رد فعلٍ غير مناسب لديهم ، فإمّا أن يسقط الخطيب من أنظارهم ، وإمّا أن يتجرّأوا على الحرام ، بعنوان : أنّ أصحاب الأئمّة عليهمالسلام ، كانوا يعملون الحرام فلماذا لا نعمله ، وتكون الخطيئة في النتيجة في ذمّة الخطيب الناقل للرواية.
ويحسن بنا الآن أن نذكر لهذا الأمر مثالين يخطران على البال ؛ لأجل التدليل بهما أوّلاً ، ولأجل التعرّض إلى فلسفتهما وأسبابهما ثانياً :
المثال الأوّل : قولهُ عن نساء الحسين عليهالسلام في وصف حالهنّ بعد مقتله ، وذلك في زيارة الناحية : «فخرجنَ من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العزّ مُذلّلات ، وإلى مصرعك مُبادرات» (١).
حيث إنّ الظاهر الأوّلي لقوله : ناشرات الشعور ، كونهنّ كذلك أمامَ الرجال الأجانب من المعسكر المعادي ، وهو ممّا لا شكّ في حُرمته في الشريعة المقدّسة ، فيكون ذكرهُ من نسبة المحرّم إلى نساء الحسين عليهالسلام.
وجوابُ ذلك من وجوه :
الوجهُ الأوّل : ضعف هذه الرواية سنداً ، فهي لا تقوم كدليلٍ معتبر على أيّ شيء فيها ، فينتفي الأمر من أصله.
الوجه الثاني : لو تنزّلنا وفرضناها معتبرة ، فالدليل إنّما يكون معتبراً في حدود ما يمكن تصديقه والأخذ به من المعاني والأفكار ، وأمّا ما لا يمكن فيه ذلك فلا يكون الدليل معتبراً أو حجّة فيه ، فإذا نَسَبت أيّة رواية إلى هؤلاء الأجلاّء أيّ محرّم ـ والعياذ بالله ـ كانت هي الساقطة عن الحجيّة ، لا أنّ التصديق بمضمونها يكون ممكناً ، وليست هذه الرواية ببدَعٍ عن ظواهر القرآن الكريم ، حيث ثبتَ في علم الأصول أنّها إنّما تكون حجّة ، إذا لم تكن منافية للدليل القطعي.
__________________
(١) زيارة الناحية المقدّسة المرويّة عن الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه).