بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

رأي الاُستاذ الصدر والاُستاذ الجواهري في المخاطرة

في الصفحة ٢٣ من الورقة (١) ذهب الأستاذ حسن إلى أن المخاطرة ليست من عوامل الكسب في النظرية الإسلامية ، حيث انها ليست سلعة اقتصادية حتى يطلب ثمنها ، وليست عملا أنفق على مادة ليكون من حقه تملكها أو المطالبة بأجر على ذلك من مالكها.

ومرجعه في ذلك ما رآه الأستاذ محمد باقر الصدر في كتابه المعروف « اقتصادنا » فالمخاطرة ، كما صوّرها الصدر هي : « حالة شعورية خاصة تغمر الانسان ، وهو يحاول الاقدام على أمر يخاف عواقبه ، فإما أن يتراجع انسياقاً مع خوفه ، وإما أن يتغلب على دوافع الخوف ، ويواصل تصميمه ، فيكون هو الذي رسم لنفسه الطريق واختار بملء ارادته تحمل مشاكل الخوف ، بالاقدام على مشروع يحتمل خسارته مثلا ، فليس من حقه أن يطالب بعد ذلك بتعويض مادي عن هذا الخوف ما دام شعوراً ذاتياً ، وليس عملاً مجسداً في مادة ولا سلعة منتجة. صحيح أن التغلب على الخوف بعض الأحيان قد يكون ذا أهمية كبيرة من الناحية

__________________

(١) المقصود الصفحة ٢٣ من النسخة الأصلية من بحث بيع التقسيط أما في هذا الكتاب فقد تغيرت الصفحة وأصبحت الصفحة ٦٨.

٤٢١

النفسية والخلقية ، ولكن التقييم الخلقي شيء ، والتقييم الاقتصادي شيء آخر » (١).

وظن الأستاذ الصدر أن الاعتراف بالمخاطرة ضرب من التأثر بالفكر الرأسمالي « الذي يتجه إلى تفسير الربح وتبريره على أساس المخاطرة » (٢) وانتقد الرأسماليين « الذين يحاولون أن يضفوا على المخاطرة سمات البطولة ، ويجعلوا منها سبباً للحصول على كسب في مستوى هذه البطولة » (٣).

وخطّأ الصدرُ قولَ الذين قالوا : « ان الربح المسموح به لصاحب المال في عقد المضاربة ، يقوم على أساس المخاطرة » (٤). ثم قال : « ولكن الحقيقة ... هي أن الربح الذي يحصل عليه المالك ، نتيجة لاتجار العامل بأمواله ، ليس قائماً على أساس المخاطرة ، وانما يستمد مبرره من ملكية صاحب المال للسلعة التي اتجر بها العامل » (٥).

ثم ذهب الأستاذ الجواهري ـ مثل الصدر ـ مضيفاً أن في الشريعة الإسلامية عدة ظواهر تبرهن على الموقف السلبي من المخاطرة في تسويغ الكسب ، فمن ذلك حرمة القمار ، وحرمة الشركة في الأبدان ، فإن القمار يرتكز على أساس المخاطرة وحدها ...

وفي الصفحة ٢١ من الورقة (٦) ، ذكر الأستاذ الجواهري أن الإسلام لم ير للمخاطرة قيمة اقتصادية ، فلم يجعلها طريقاً من طرق الكسب التجاري ، حيث ان طرق الكسب في التشريع الإسلامي هي إما العمل المباشر من الأفراد ، أو العمل

__________________

(١) اقتصادنا : ص ٦٣٣.

(٢) اقتصادنا : ص ٦٣٤.

(٣) اقتصادنا : ص ٦٣٥.

(٤) اقتصادنا : ص ٦٣٤.

(٥) اقتصادنا : ص ٦٣٤.

(٦) المقصود الصفحة ٢١ من النسخة الأصلية من بحث بيع التقسيط ، أما في هذا الكتاب فقد تغيرت الصفحة ، راجع بحث بيع التقسيط في هذا الكتاب.

٤٢٢

المختزن الذي هو بصورة سلعة أو عين أنفق عليها عمل من الآخرين ، لذا حرّم القرآن والسنّة النبوية أخذ الفائدة على القرض الذي هو ليس إلاّ احساناً أو مخاطرة بالمال ، بتعريضه للتلف ، أو ايثار الآخرين على النفس ، وانما المخاطرة حالة شعورية ذاتية تستحق التقدير والاعجاب في أكثر الحالات ، فيستحق صاحبها ثواباً من الله تعالى.

خلاصة رأي الصدر والجواهري

العمل والمال ـ في غير صورة القرض ـ في الإسلام لهما قيمة اقتصادية ، وهما من عوامل الكسب.

أما المخاطرة فعلى العكس : ليس لها قيمة اقتصادية ، وليست من عوامل الكسب. مستندهما في ذلك :

١ ـ القمار.

٢ ـ شركة الأبدان.

٣ ـ شركة المضاربة.

٤ ـ ربا القرض.

مناقشة هذا الرأي

أولا ـ المخاطرةُ الأصلُ فيها أنها حلال

١ ـ مخاطرة القمار :

الأصل في القمار أنه محرم في الإسلام ، دلت على ذلك الآية ٢١٩ من سورة البقرة ، والآية ٩٠ من سورة المائدة. ومن ثم فالمخاطرة التي في القمار حرام مثله. غير

٤٢٣

أن الفقهاء استثنوا من القمار المحرم : السباق والنضال والقرعة ( في حالات محددة ).

المهم هنا أنه حتى مخاطرة القمار ليست كلها حراماً في الإسلام ، وقد يكون السبق على مال ، فتفيد هذه المخاطرةُ كسباً.

٢ ـ المخاطرة في شركة الأبدان :

شركة الأبدان ، كما عرفها الأستاذ الجواهري ( ص٢٣ من الورقة ) ، هي اتفاق بين اثنين أو أكثر على ممارسةِ كلِ واحد منهم عملَه الخاص ، والاشتراك فيما يحصلون عليه من مكاسب. ومثَّل لها بطبيبين يمارس كل منهما عمله في عيادته الخاصة ، ويتقاسمان في نهاية كل شهر ـ مثلا ـ مجموع الاُجور التي حصلا عليها معاً.

ويبدو أن تحريم هذه الشركة عند من حرمها ( الشافعية ، والظاهرية ، والإمامية ) يأتي من أن عمل كل من الطبيبين منفصل عن الآخر ، فأين العمل المشترك ، أو المال المشترك ، الذي يسوّغ الايراد المشترك ، أو الربح المشترك ؟ فالكسب الاضافي الذي قد يحصل عليه أحد الشريكين ، نتيجة هذه الشركة ، مَردُّه الغرر أو القمار ، أي المخاطرة المحرمة.

وأيا ما كانت الحال ، فإن تحريم الكسب بالمخاطرة التي في شركة الأبدان لا يعني تحريم الكسب بمخاطرات أخرى مشروعة.

٣ ـ المخاطرة في شركة المضاربة :

شركة المضاربة هي اتفاق بين رب مال وعامل على اقتسام الربح بنسبة معلومة. وفي هذه الشركة يقدِّم رب المال مالا ويتحمل مخاطرةَ خسارةِ ماله ، كله أو بعضه ، ويقدّم العامل المضارب عملا ويتحمل مخاطرة خسارةِ عمله ، كله أو بعضه.

ومن هنا فإنَّ رب المال يكسب الربح بماله ومخاطرته ، والعامل يكسب الربح بعمله ومخاطرته. ولا نتفق مع الذين قالوا بأن رب المال يكسب الربح بمخاطرته ، ولا مع الذين قالوا بأن رب المال يكسب الربح بماله ، انما كسب الربح هنا من

٤٢٤

العنصرين معاً : المال ، والمخاطرة. ومن قال أن رب المال يكسب الربح بماله فانما يعني ضمناً أنه يكسب الربح بمخاطرته أيضاً ، لأن رب المال يملك المال ويتحمل مخاطرة الملك.

كذلك العامل يكسب ربحه من عنصري العمل والمخاطرة ، ولا ريب أن هذه المخاطرة تعطيه حقاً في زيادة كسبه. فلو عمل عامل بأجر شهري مضمون قدره ٥٠٠٠ ريال ، فانه لا يرضى بأن يعمل مضارباً مُخَاطِراً إذا توقع أن يكون عائده الشهري ٥٠٠٠ ريال فقط ، ويرضى إذا زاد العائد المتوقع على هذا المبلغ زيادة مُرْضِية.

٤ ـ المخاطرة في القرض الربوي :

القرض الربوي حرام في الإسلام ، فلا يجوز التذرع بالمخاطرة التي يتعرض لها المقرض ، لاستباحة الربا على القرض. فالمخاطرة هنا ليست مصدراً للكسب ، لأن الربا حرام. ولكن حرمة الربا كحرمة القمار لا تعني أن كل مخاطرة حرام ، ولا أن كل مخاطرة لا تفيد كسباً.

ثانياً ـ رأينا في المخاطرة : مُنتجة ولها عائد

١ ـ المخاطرة لا غنى عنها في كل الأنشطة الاقتصادية النافعة ، من زراعة وصناعة وتجارة ونقل ... الخ ، بل هي مهمة جداً في الانتاج والتنمية. وكلما زادت المخاطرة في المشروعات وجب أن تزيد أرباحها المتوقعة ، وإلاّ أحجم الناس عنها ، ولو عظمت منفعتها العامة.

٢ ـ المال والعمل من عوامل الانتاج ، ولكن في حين أن المال والعمل هما من عوامل الانتاج المستقلة ، فإن المخاطرة من عوامل الانتاج التابعة ، أعني بهذا أن المخاطرة لا تستقل في الكسب ، بل تنضاف إلى مال أو عمل ، فتزيد في الكسب. فمن أَجَّر مالا ( آلة مثلا ) بأجر مضمون ، فانه إذا أجَّره بحصة من الايراد أو من الربح ،

٤٢٥

فانما يتوقع الحصول على عائد أكبر من العائد المضمون. وكذلك العامل بأجر مضمون ، والعامل بأجر احتمالي غير متيقن.

٣ ـ يؤيد هذا قول الفقهاء بأن الربح يُستحق بالمال والعمل والضمان. ويجب الانتباه هنا إلى أن الضمان يعني المخاطرة. ولكن الضمان كما قلنا لا يستحق الربح على وجه الاستقلال ، بل على وجه التبعية للمال أو للعمل.

٤ ـ جاء في النصوص الشرعية النهي عن ربح ما لم يضمن ( رواه أحمد وأصحاب السنن ). والضمان هنا هو المخاطرة أيضاً. ويستفاد من هذا أن الربح يستحق بالضمان ، وهذا هو أصل القاعدة التي ذكرها الفقهاء : يستحق الربح بالمال والعمل والضمان.

ومرة أخرى نقول أن الضمان لا يستقل في الربح ، انما هو تابع للمال أو للعمل ، فيزيد في مقدار الربح المحتمل.

٥ ـ كذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الخراج بالضمان » ( رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن ) يفيد أن الغلة يستحقها المالك ، لأنه يملك المال ويضمنه ، أي يتعرض لمخاطرة الملك. فهذا ضمان ملك ، وليس ضماناً محضاً. المهم هنا أن مالك الشيء يملك خراجه ، لأنه مالك ومُخاطِر ، يتحمل مخاطر ملكه.

ثالثاً : علماء قدامى صحت آراؤهم في المخاطرة

١ ـ العز بن عبد السلام ( ٦٦٠ ه‍ )

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سَلَبُه » ، رواه الشيخان وغيرهما.

قال العز : « كذلك جعل الأسلاب للقاتلين المخاطرين ، لقوة تسببهم إلى تحصيلها ، ترغيباً لهم في المخاطرة بقتل المشركين » ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ).

٢ ـ ابن تيمية ( ٧٢٨ ه‍ )

قال : « المجاهدة في سبيل الله عزّ وجلّ فيها مخاطرة ، قد يَغلِب وقد يُغلَب.

٤٢٦

وكذلك سائر الأمور ، من الجعالة والمزارعة والمساقاة والتجارة والسفر » ( مختصر الفتاوى المصرية ص٥٣٥ ).

وقال أيضاً : « ليس في الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة » ( مختصر الفتاوى المصرية ص٥٣٢ ).

٣ ـ ابن القيم ( ٧٥١ ه‍ )

قال : « المخاطرة مخاطرتان : مخاطرة التجارة ، وهو أن يشتري السلعة بقصد أن يبيعها ويربح ويتوكل على الله في ذلك ، والخطر الثاني هو الميسر ( القمار ) ، وهو بخلاف التجارة ... » (١).

٤ ـ ابن خلدون ( ٨٠٨ ه‍ )

قال : « كذلك نقل السلع من البلد البعيد المسافة ، أو في شدة الخطر في الطرقات ، يكون أكثر فائدة للتجار وأعظم أرباحاً ... ، لأن السلعة المنقولة تكون حينئذ قليلة مُعْوِزة ( = عزيزة ، نادرة ) ، لبعد مكانها ، أو شدة الغَرَر ( = الخطر ) في طريقها ، فيقل حاملوها ( = ناقلوها ) ، ويعزّ وجودها ، وإذا قلَّت وعزّت غلت أثمانها » (٢).

رابعاً : معاصرون نبهوا على مسألة المخاطرة

سبق لي أن نبهت على أن المخاطرة مخاطرتان : حلال وحرام ، وعلى أهمية المخاطرة في الأنشطة الاقتصادية ، وعلى ادراجها ضمن عوامل الانتاج « التابعة » ، وعلى دورها في الكسب والتوزيع ، خلافاً للأستاذ الصدر ، وذلك في موضعين :

١ ـ في كتابي « أصول الاقتصاد الإسلامي » ( ١٤٠٩ ه‍ ـ ١٩٨٩ م ) ص ٩٧ و ص ٢١٨.

__________________

(١) زاد المعاد ٣ / ٢٦٣.

(٢) المقدمة ٢ / ٩٣٠.

٤٢٧

٢ ـ في ورقتي المقدمة إلى ملتقى الفكر الإسلامي الرابع والعشرين في الجزائر ، ( ١٤١١ ه‍ = ١٩٩٠ م ) ، بعنوان : « الادخار المصرفي والاستثمار في اقتصاد اسلامي » ص ٧.

هذا ما بدا لي التعليق عليه ، وبالله التوفيق.

توضيح لما كتبه الدكتور رفيق يونس المصري

بعد أن اطَّلعنا على ما كتبه الدكتور رفيق المصري حول المخاطرة التي منعنا أن تكون مصدر كسب ، رأينا أن بحثه يستحق الجواب والتوضيح فنقول : إنَّ المخاطرة لها معنيان :

المعنى الأول : وهو المعنى الذي قصدناه في بحثنا تبعاً لما ذكره السيد الشهيد الصدر وهو : ان المخاطرة هي حالة شعورية نفسية قبل الاقدام على حالة معينة ، وهذه الحالة الشعورية حالة اخلاقية نفسية تغمر الانسان قبل اقدامه على أمر معين ، فمثلا إذا صمم انسان على بيع بيته لعالم ديني محاباة ( أقل من السعر السوقي ) أو صمم انسان على اقراض جاره مبلغاً من المال مع تمكنه من تشغيله مضاربة ، أو صمم انسان على بيع سلعته لرجل مستحق نسيئة بثمنها الحال ، فيكون هذا الانسان قد تغلب على نوازع نفسه في الربح وقَبِل بالخسارة في هذه المعاملات ، فهنا نقول : ليس لهذا الانسان أن يأخذ شيئاً من المال في مقابل هذه المخاطر التي تغلَّب عليها وهي حالات شعورية نفسية مثل تخوفه من التخلف عن سداد الدين أو التأخر عن سداده أو مخاطرة تقلبات الاسعار. نعم هذه الحالات النفسية الناشئة من التخوفات المتقدمة قد تغلب عليها وهذا أمر يستحق عليه المدح من قبل الناس.

المعنى الثاني : المخاطرة التي تحمل الخسارة للمال أو للسلعة حين حصول

٤٢٨

التلف ، كما أن الربح يكون له إن حصل ، وهذه هي حالة توقّع الخسارة والربح من المعاملة في ظلّ النظام السليم ، وهو معنى تملّكه للسلعة أو المال.

وهذا المعنى الثاني هو الذي قصده الدكتور رفيق حين جوّز الربح على أساس المخاطرة بينما قصدنا ـ تبعاً للشهيد الصدر ـ المعنى الأول للمخاطرة حينما منعنا الربح استناداً إلى المخاطرة في إقراض المال أو البيع المحاباتي أو البيع نسيئة.

فقد ذكر الدكتور رفيق : ان المخاطرة سبب للكسب في المضاربة وقصد من المخاطرة تحمل خسارة مال المضارب إن حصلت فقال : « وفي هذه الشركة يقدّم رب المال مالا ويتحمل مخاطرة خسارة ماله كله أو بعضه ... ومن هنا فإن رب المال يكسب الربح بماله ومخاطرته ».

وفي الحقيقة أنّ هذا الكلام معناه أنّ الربح يكون لملكية المال إن وجد ، كما أنّ الخسارة تكون عليه إن حصلت ، وهذا شيء واضح ، فمن قال : إن الربح يكون للمال وللمخاطرة في المضاربة يكون قصده أن الربح يكون لمالك المال ، كما أن الخسارة تكون عليه ، إذ معنى ملكية المال هو هذا.

ولهذا نسب الدكتور رفيق إلى الفقهاء أنّ الربح يُستحَقُ بالمال والعمل والضمان ، وقال : يجب الانتباه هنا إلى أن الضمان يعني : المخاطرة ، ومعنى كلامه أنّ الربح يُستحَقُ بالمال الذي يضمنه صاحبه بحيث تكون خسارته عليه ، وهذا شيء واضح لا ينكره أحد فضلا عن الشهيد الصدر ، وعلى هذا الأساس يتبين ( على رأي الدكتور رفيق ) أنّ الربح إنما يستحقه الإنسان بما أنه مالك للسلعة أو للمال والخسارة تكون عليه ( المخاطرة تكون عليه ) فيتمكن المالك أن يزيد في سعر السلعة عند بيعها نسيئة ، ومعنى هذا : أن الربح يكون في مقابل العين ، كما أنه لو تلفت فهو الذي يخسرها ، فقوله : إن الربح إنما يُستحَقُ بالمال والمخاطرة هو نفس ما نقوله من أن الربح إنما يُستحَقُ في مقابل العين لأن تلفها عليه لو حصل.

ثم إن هذه المخاطرة ( بالمعنى الثاني ) تنقسم إلى قسمين كما ذكر ذلك الدكتور

٤٢٩

رفيق : ( حلال وحرام ) فالمخاطرة في المضاربة حلال وكذلك في الانشطة التجارية ، فإن كل من يملك سلعة أو مالا يكون نتاجه له ، وهو الذي يتحمل خسارته عند التلف. والمخاطرة في القمار ( الميسر ) حرام بالنص القرآني ، فإنّ الربح في القمار لا يتبع المال ، كما أن الخسارة فيه لا تقع على مالك المال.

والمخاطرة في القرض الربوي حرام بالنص القرآني كذلك.

ولكن لنا أن نقول : إن القمار لا تصدق عليه المخاطرة بالمعنى الثاني ؛ لأن الربح في القمار ليس ربحاً تجارياً « في مقابل إعطاء شيء » حتى يكون لصاحب المال ، والخسارة أيضاً ليست خسارة تجارية « في مقابل أخذ شيء » ولهذا سوف يكون تعليل النهي عن القمار هو أكل المال بالباطل الذي نهت عنه الآية القرآنية ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ).

أما القرض : فهو ما دام مضموناً على المقترض يكون ربحه للمقترض وخسارته عليه. نعم المقِرض : أقدم على القرض بعد أن حصلت عنده المخاطرة التي هي حالة شعورية نفسية قد تغلَّب عليها باقراضه المال مع تمكنه من الاستفادة منه ، وهذه الحالة النفسية الاخلاقية ليست هي من طرق الكسب عند الشارع المقدس.

وعلى هذا اتّضح أن المخاطرة التي لم يجعلها الشهيد الصدر من طرق الكسب التجاري هي ( المعنى الأول ) الحالة الشعورية النفسية في التصميم على الاقدام على البيع المحاباتي أو الاقراض بنفس المال أو بيع السلعة نسيئة بمثن حال ، وهذه الحالة يمدحُ عليها صاحبها ، ولكن لا تكون مصدراً للكسب ، لأن مصدر الكسب هو أما المال المختزن أو العمل.

وعلى هذا اتضح أن رأي الدكتور رفيق لا يعارض رأي الشهيد الصدر ولا يعارض ما كتبناه حول بحث المخاطرة من بيع التقسيط ، وقد حصل التباس عند الدكتور رفيق من لفظ المخاطرة إذ يقصد منها معنىً لم يكن مقصوداً عند الشهيد الصدر ولم يكن مقصوداً من بحثنا « بيع التقسيط » ، بل المقصود هو المعنى الأول

٤٣٠

للمخاطرة وهو بحق لم يكن من طرق الكسب عند الشارع المقدّس.

واتّضح أيضاً أن معنى المخاطرة ( الثاني ) الذي يجوّز للمالك أن يربح بسلعته ويخسرها إذا تلفتَ يجوّز للمالك أن يبيع سلعته باكثر من سعرها الحالي. نسيئة ، ومردّ هذا إلى أن الربح يكون في مقابل العين لا في مقابل الأجل وأن كان الداعي إلى ذلك هو تأجيل الثمن.

ردود سريعة وايضاحات لما كتبه الدكتور « رفيق » :

١ ـ قلنا : إن الربح الذي يحصل عليه المالك عند اتجار العامل بامواله مضاربة يستمد مبرره من ملكية صاحب المال للمال الذي أخذ العامل يتجرّ به وذلك لقاعدة الثبات في الملكية القائلة : بأن مال الفرد مهما تغيّر ولو بعمل عامل يبقى على ملك مالكه الأول ، وأما عمل العامل واستحقاقه نسبة من الربح انما يكون بالاتفاق السابق الذي تنازل فيه المالك عن نسبة من ربحه على تقدير حصولها للعامل مقابل عمله.

٢ ـ ذكر الدكتور رفيق أن تأجير السلع بحصة من الايراد أو الربح يجوز ، والصحيح عدم الجواز ، لأن السلعة هي عمل مختزن ، وهو يدخل في الاجارة فقط ، ولابدّ من تحديد الاجرة لتصح الاجارة ، أما النسبة فهي ليست محدّدة ، فتدخل في الغرر ، ولذلك ذكروا أن من دفع شبكة لغيره على أن يكون الصيد بينهما فالصيد للعامل ، ولصاحب الشبكة اُجرة المثل.

٣ ـ إن قاعدة الخراج بالضمان والنهي عن بيع ما لم يضمن معناهما واحد ، وهو : أن المالك له حق النماء والربح بشرط أن تكون السلعة داخلة في ضمانه بحيث يخسرها لو تلفت ، وما لم يدخل المال أو السلعة في ضمانه وخسارتها عند تلفها فلا يستحق نماءها وربحها ، ومعنى ذلك وجود تلازم بين الملك والتلف وبين النماء والملك ( أي بين الضمان والنماء ).

٤٣١

ولكن توجد استثناءات لهذه القاعدة هي :

١ ـ « قاعدة التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له » وهذه وإن اختصت بخيار الحيوان والشرط إلاّ أنها تخصّ قاعدة الخراج بالضمان حيث يكون الضمان في خيار الحيوان والشرط على غير مَن ملك المبيع.

٢ ـ « قاعدة تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه » فمع أن الملك يكون للمشتري والنماء له ، لكن التلف لو حصل فهو على غير مالكه وهو البائع.

٣ ـ الغاصب للمال ، فمع كونه ضامناً للمال إلاّ أن النماء لا يكون له بل يكون للمالك ، ويكون التلف على الغاصب لا على المالك.

والحمد الله رب العالمين.

٤٣٢

محتويات الكتاب

المقدمة......................................................................... ٥

الائمة : ودورهم في حفظ السنة النبوية

١ ـ السنة النبوية........................................................... ١١

تمهيد :.................................................................. ١١

تحديد السنّة :............................................................ ١٢

حجّية السنّة النبوية :...................................................... ١٣

اتجاهان مختلفان حول السنّة النبوية :........................................ ١٣

لماذا لم يكن لروايات كتاب علي ( الجامعة ) ذكر في كتب أهل السنّة ؟........ ٢٢

٢ ـ الأئمة عليهم‌السلام وتشريع الأحكام............................................ ٢٦

١ ـ معنى تشريع الحكم :................................................. ٢٧

حدود منطقة الفراغ :.................................................. ٢٩

المشرِّع هو الله سبحانه وتعالى :.......................................... ٢٩

٢ ـ تفويض الأمر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :................................... ٣٠

٣ ـ روايات التفويض الى الأئمة عليهم‌السلام :................................... ٣٢

٤٣٣

خطأ فظيع :............................................................. ٣٥

الفرق بين الأئمة : وغيرهم كأئمة المذاهب والرواة :......................... ٣٦

خلاصة البحث :......................................................... ٣٨

بيع التقسيط ( بيع المؤجّل أو بيع النسيئة )

بيع التقسيط :.............................................................. ٤١

أهميته :.................................................................. ٤٢

النقطة الاُولى : ما هو الدليل على صحة بيع النسيئة ؟......................... ٤٣

مصاديق بيع النسيئة :.................................................. ٤٤

النقطة الثانية : كيف نفسر التأجيل في بيع النسيئة مع الزيادة ؟................ ٤٨

الشراء نسيئة ( مع قدرته على الشراء نقداً ) هل هو مكروه ؟................. ٤٩

الفروق بين بيع النسيئة وغيره من البيوعات :................................ ٥٠

١ ـ هل يوجد فرق بين بيع النسيئة وبيع المرابحة للآمر بالشراء ؟........... ٥٠

٢ ـ ما هو الفرق بين بيع النسيئة وبيع العينة ؟........................... ٥٢

٣ ـ ما هو الفرق بين بيع التقسيط والبيع الايجاري ؟...................... ٥٣

تنبيه :................................................................ ٥٧

٤ ـ الفرق بين بيع النسيئة والربا :...................................... ٥٨

النتيجة من التحقيق والتحليل وبيان النظرية الإسلامية :....................... ٦٧

تسويغات خاطئة لصحة بيع النسيئة :....................................... ٦٧

تفسير عملية المضاربة وأخذ الربح في مقابل المال :............................ ٦٩

أثر الموت في حلول الأجل

أولا : إذا مات المدين :...................................................... ٧٤

٤٣٤

إشكالات :.............................................................. ٧٤

جواب الإشكالات :...................................................... ٧٥

ثانياً : إذا مات الدائن :...................................................... ٧٧

الدائن للميت اذا وجد عين ماله في التركة :................................. ٧٩

اذا كان الدين على شخص موثقاً ( برهن أو غيره ) فهل يحل الدين بالموت ؟.... ٨١

خصم الأوراق التجارية

تحليل الواقع الخارجي :....................................................... ٨٨

تحفُّظ :.................................................................. ٩٣

تنبيه :................................................................... ٩٦

الفرق بين بيع الدينار بمثله في الذمة وما نحن فيه ( بيع الدين بأقل منه لشخص غير المدين ) ٩٦

الفرق بين بيع الدينار بالدولار في الذمة وبيع الدين باقل منه بغير جنسه :....... ٩٨

حط وتعجل ( ضع وتعجل )

ادلة المُحرّمين :............................................................ ١٠٣

الدليل الاول ( القياس ) :................................................ ١٠٣

مناقشة القياس :........................................................ ١٠٤

الروايات الدالة على صحة ( حطّ وتعجل )................................ ١٠٨

الدليل الثاني : ( الروايات ).............................................. ١١٠

مناقشة هذه الروايات :.................................................. ١١٢

ما هو العمل عند تعارض الروايات في عملية حط وتعجل :.................. ١١٥

٤٣٥

التداين ونظرة الإسلام اليه

١ ـ التداين ونظرة الاسلام إليه من الناحية الاقتصادية :....................... ١٢١

السنهوري وما فهمه من فقه السنة ( بالنسبة لحوالة الدَين والحق ) :.......... ١٢٤

مصطفى الزرقاء :....................................................... ١٢٨

المفهوم الغربي للدّيْن :.................................................... ١٣٠

الموازنة بين النظرية الاسلامية والنظرية المقابلة :............................. ١٣٢

٢ ـ التداين ونظرة الاسلام اليه من الناحية الاخلاقية.......................... ١٣٦

أ ـ الدَّين بما أنه قد صدر من المدين :..................................... ١٣٧

ب ـ الدَّين اذا صدر من الدائن :........................................ ١٤٠

النظرية الغربية للتداين :................................................. ١٤٤

نظرية الذمّة في الفقه الإسلامي

١ ـ نظرية الذمّة عند علماء غير الشيعة :................................... ١٤٩

٢ ـ الذمّة عند فقهاء الشيعة............................................... ١٥٤

الذمّة عند الشيخ النائيني :................................................ ١٥٧

الذمّة عند السيد الشهيد الصدر :......................................... ١٥٧

٣ ـ الذمّة لا تموت بموت الانسان.......................................... ١٥٩

خصائص الذمّة :....................................................... ١٦١

ضابط الاعسار الذي يوجب الانظار

العسر لغة :............................................................ ١٦٨

روايات الاعسار :...................................................... ١٦٨

٤٣٦

تنبيهان :............................................................... ١٧٠

هل يجب على المدين المعسر ان يقتصر على ما يمسك رمقه ؟.................... ١٧١

هل يجب على المدين المعسر التكسب وأن يؤاجر نفسه ؟....................... ١٧٢

السلم وتطبيقاته المعاصره

تعريف بيع السلم :........................................................ ١٧٦

مشروعيته :............................................................... ١٧٧

هل مشروعية السلم اصلية او استثناء ؟....................................... ١٧٨

روايات جواز بيع المعدوم ( الخاص ) :..................................... ١٨٠

شروط صحة السلم :...................................................... ١٨٤

حكمة السلم :............................................................ ١٨٧

بيان انواع المعاملات التي يجوز فيها السلم :................................... ١٨٨

بيان انواع السلع التي يجري فيها السلم :..................................... ١٩٠

مفهوم صفة التعيين في السلع التي يمتـنع معها السلم :....................... ١٩١

الصنف الواحد والاصناف المتعددة :....................................... ١٩٣

اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها والحكمة في ذلك :...................... ١٩٥

البحث الأول : هل يجوز بيع بضاعة السلم قبل حلول الأجل ؟............... ١٩٥

البحث الثاني : هل يجوز بيع بضاعة السلم بعد حلوله وقبل قبضه ؟........... ١٩٧

البيع قبل القبض عند المذاهب السُنيّة :.................................... ١٩٨

البيع قبل القبض عند الامامية :........................................... ٢٠٠

هل هناك حكمة من اشتراط القبض قبل البيع.............................. ٢٠٢

تنبيهات :.............................................................. ٢٠٦

فكرة السلم الموازي :.................................................... ٢٠٧

٤٣٧

الوسيلة الاولى :......................................................... ٢٠٨

الوسيلة الثانية ( الحوالة )................................................. ٢١١

الاشكال على الحوالة بدين السلم أو على دين السلم :...................... ٢١٢

آراء بقية المذاهب في بيع المكيل والموزون قبل قبضه......................... ٢١٦

النتيجة من البحث السابق :.............................................. ٢١٩

ماذا يقوم مقام القبض ؟.................................................... ٢٢٠

هل هناك تصرفات في المكيل والموزون ( السلمي أو غيره ) صحيحة قبل القبض ؟. ٢٢٢

عجز البائع عن تسليم البضاعة عند حلول الاجل في السلم : ( استبدال المسلَم فيه ) ٢٢٨

صحة الشرط الجزائي عن تأخير تسليم البضاعة :............................. ٢٣١

اصدار سندات سَلَم قابلة للتداول وضوابط ذلك في حال الجواز :................ ٢٣٣

خلاصة البحث............................................................ ٢٣٦

بطاقات الائتمان

نبذة تاريخية للبطاقات المصرفية :............................................. ٢٤٣

ماهي بطاقات الائتمان ؟................................................... ٢٤٤

اطراف بطاقات الائتمان :.................................................. ٢٤٦

اقسام بطاقات الائتمان :................................................... ٢٤٧

فائدة بطاقات الائتمان :.................................................... ٢٤٨

الف ـ فائدة البطاقة للعميل :............................................ ٢٤٩

ب ـ فائدة البطاقة للتاجر :............................................. ٢٥٠

ج ـ فائدة البطاقة للبنك :.............................................. ٢٥٠

٤٣٨

كيف تتم المعاملات التجارية ببطاقة الائتمان ؟................................ ٢٥١

تنبيه :................................................................. ٢٥٢

التكييف الشرعي لبطاقات الائتمان :........................................ ٢٥٤

١ ـ رسم العضوية ( الاشتراك ) :....................................... ٢٥٤

٢ ـ رسم التجديد :................................................... ٢٥٥

٣ ـ رسم التجديد المبكر :.............................................. ٢٥٥

٤ ـ رسم استبدال البطاقة عند الضياع او التلف او السرقة :................ ٢٥٦

٥ ـ اخذ البنك نسبة من ثمن البضاعة او الخدمة :.......................... ٢٥٦

٦ ـ فرق تحويل العملة :................................................ ٢٦٩

٧ ـ اجرة نقل وحفظ المال :............................................ ٢٧٠

٨ ـ الفائدة :.......................................................... ٢٧١

٩ ـ اجرة استخدام الجهاز الآلي او نظام التحويل الالكتروني :............... ٢٧١

١٠ ـ اجرة الاتصالات الخارجية للحصول على تفويض :.................. ٢٧٢

تنبيه :................................................................. ٢٧٢

« العمليات البنكية الترغيبية ».............................................. ٢٧٣

١ ـ جوائز البنك :..................................................... ٢٧٣

٢ ـ التأمين على الحياة :................................................ ٢٧٤

الخصم من التاجر للعميل :.................................................. ٢٧٦

تنبيهات :.............................................................. ٢٧٦

خلاصة البحث :....................................................... ٢٧٨

بحث في حرمة ربا القرض

١ ـ مع الدكتور النمر.................................................... ٢٨٣

٤٣٩

العصمة للأنبياء عند الشيعة.............................................. ٢٨٤

النظرية في تحريم ربا القرض.............................................. ٢٩٠

الفرق بين العقارات وأدوات الانتاج ورأس المال :.......................... ٢٩٤

المسوغ للفائدة :........................................................ ٢٩٥

٢ ـ مع الدكتور جمال مرسي بدر.......................................... ٢٩٧

٣ ـ مع الدكتور محمد سيد طنطاوي........................................ ٣٠١

الفرق بين الربا والمضاربة الشرعية :....................................... ٣٠٢

هل ينمو الانتاج بأخذ الفائدة ؟........................................... ٣٠٦

وماذا بعد تحريم الفائدة يا مفتي الجمهورية المصرية ؟......................... ٣٠٩

لماذا خلاف القرآن الصريح بين الحين والآخر ؟............................. ٣١٠

الأدلة المذكورة على حرمة ربا القرض :................................... ٣١٠

ربا القرض والربا الجاهلي :.............................................. ٣١٢

تغيير خطة البحث :.................................................. ٣١٤

فقهاء الامامية :...................................................... ٣١٧

ربا القرض عند الامامية :................................................ ٣١٧

الأدلة على حرمته :.................................................. ٣١٨

الأدلة الاقتصادية على حرمة ربا القرض :................................. ٣٢١

الكسب بدون عمل حرام :........................................... ٣٢٤

الأثر الفطري للربا :.................................................. ٣٢٧

المناقصات ( عقد الاحتياط ودفع التهمة )

١ ـ ما هي المناقصة ؟..................................................... ٣٣٥

العلاقة بين المزايدة والمناقصة :............................................ ٣٣٨

٤٤٠