بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ومعنى خطاب الضمان : أن يكون البنك كفيلاً وضامناً بقبول دفع مبلغ معين لدى المستفيد من ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزمات معينة قبل المستفيد (١) ولكن لا بمعنى الكفالة الاصطلاحي التي هي عبارة عن احضار المكفول ، ولا بمعنى الضمان الاصطلاحي الشرعي الذي هو عند طائفة : ضم ذمة الى ذمة ، وعند طائفة : النقل من ذمة الى ذمة ، بل بمعنى اداء البنك شرط المشترط في حالة عدم قيام المشترط عليه باداء الشرط مثل ضمان الاعيان المغصوبة التي لا تكون الذمّة مشغولة بها ما دامت العين موجودة ، فيكون معنى ضمان الاعيان المغصوبة هو ما نحن فيه من التعهد بادائها (٢).

ويترتب على هذا التعهد بالاداء اشتغال ذمة المتعهد بقيمتها عند تلفها.

ويتحقق تلف الشرط على المشترِط : بامتناع المشروط عليه عن اداء الشرط الذي هو تلف للفعل على مستحقه ، وبذلك تتحوّل العهدة الجعلية ( التعهد باداء الشرط ) الى اشتغال ذمة البنك بقيمة ذلك الفعل ( اداء الشرط ) لإنه من

__________________

استبعدت هذه الصورة حيث يكون الشرط والحوالة أداة وفاء وليس اداة ائتمان.

٣ ـ ضمان بالاقتطاع من مبالغ مستحقة ( للمناقص الذي تمت المناقصة له ) لدى الداعي الى المناقصة ، وقد استبعدت هذه الصورة لأنها تؤدي الى تجميد النقد من التداول والاستثمار.

٤ ـ ضمان بخطاب ضمان مصرفي يدفع لدى الطلب الى الجهة الداعية الى المناقصة ، دون التفات الى معارضة قد تصدر من صاحب العرض.

٥ ـ ضمان بتعهد من شركة وتأمين واجب الدفع عند أول طلب من الجهة الداعية الى المناقصة دون اعتبار لأيّ معارضة يمكن ان تصدر من صاحب العرض. اما الصور الثلاث الاولى فليس فيها اي مشكلة سوى استبعادها عن مجال الضمان ، أما الصورتان الاخيرتان فهما اللَّتان عليها العمل وقد اخترنا هنا خطاب الضمان المصرفي.

(١) راجع البنك اللاربوي في الاسلام ، الشهيد الصدر ، ص ١٢٨.

(٢) غاية الامر أن وقوع العين المغصوبة في عهدة الغاصب قهري ، اما وقوع اداء الشرط في عهدة البنك فهو بسبب انشاء البنك لمثل هذا التعهد المفروض كونه نافذاً بحسب الارتكاز العقلائي الممضى شرعاً. وهذا البحث يأتي في صورة ضمان البنك او الفرد اداء دين شخص معين.

٣٦١

اللوازم العقلائية لدخول ذلك الشرط في العهدة.

وعلى ما تقدم : فاذا تخلف المقاول عن الوفاء ، اضطر البنك الى دفع القيمة المحددة في خطاب الضمان ، ويرجع في استيفائها على الشخص الذي صدر خطاب الضمان اجابة لطلبه. وسيأتي زيادة توضيح في تكييف هذا التعهد شرعاً فيما بعد.

أما النقطة الثانية : فان خطاب الضمان ينقسم إلى قسمين :

١ ـ خطاب الضمان الابتدائي.

٢ ـ خطاب الضمان النهائي.

اما خطاب الضمان الابتدائي : فهو تعهد بنكي لضمان دَفع مبلغ من النقود من قيمة العملية يطلبه من يتنافس على العملية إلى المستفيد الذي يدعو إلى المناقصة ، ويستحق المستفيد الدفع له عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم عند رسوّ العملية عليه.

واما خطاب الضمان النهائي : فهو تعهد بنكي لضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة من قيمة العملية التي استقرت على عهدة العميل ، يطلبه من رست عليه العملية ونفّذ معه العقد لصالح المستفيد ، ولا يكون دفع المبلغ واجباً على البنك الاّ عندك تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية التي عقدت بين المقاول والمستفيد من خطاب الضمان (١).

لماذا خطابات الضمان ؟

ثم إن الفكرة الاساسية في خطابات الضمان تكمن في نقاط ، أهمها :

١ ـ ان الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج إلى التأكد من جدية عرض خدمات

__________________

(١) يمكن أن يكون خطاب الضمان الابتدائي والنهائي لصالح المقاول اذا شعر بأن الجهة المقابلة قد لا تلتزم بالعقد او قد لا تؤدي ما عليها من مال في الوقت المحدد ، كما يمكن أن يكون خطاب الضمان الابتدائي والنهائي من كل منهما لصالح الآخر اذا لم يلتزم احدهما بالعقد او بشروطه.

٣٦٢

كل شخص من المشتركين. وهذا يحصل بفكرة خطابات الضمان الابتدائية.

٢ ـ إنَّ الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج الى الزام المناقص بابرام العقد اذا رست المناقصة عليه.

٣ ـ ان الجهة الداعية الى المناقصة تحتاج الى الزام المقاصد بتنفيذ العقد.

٤ ـ كما انها تحتاج الى التحفظ على عدم التورط في خسائر أو مضاعفات عند الاتفاق مع أحد المشتركين ورسوّ العملية عليه ، فيما إذا تخلف عن الوفاء بالتزاماته. وهذا يحصل بفكرة خطابات الضمان النهائية.

وعلى العموم فان فكرة خطابات الضمان فيها حماية للمصلحة العامة ( التي تقوم بالمناقصات عادة ) أو الفرد ، وتقطع على المتهاونين سبل الخلل والاهمال ، ولكل احد الحق في سلوكها.

اما النقطة الثالثة : اما ( حكم خطابات الضمان ) فينبغي ان نتكلم في كل من القسمين بصورة مستقلة.

اما خطاب الضمان الابتدائي : فقد يقال إن الطالب للضمان الابتدائي من البنك وهو المقاول أو المشترك في المناقصة لم يرتبط مع الجهة التي تجري المناقصة بأي ارتباط عقدي ، وإذا كان كذلك فلا يمكن الزامه بشرط لكي يتمكن البنك ان يضمن وفاء ذلك الشرط. فلو فرضنا ان هذا المقاول الذي يريد ان يتنافس على الوصول إلى رسوّ العملية عليه قد التزم للجهة الداعية للمناقصة بأن يدفع مبلغاً معيناً من المال إذا لم يتخذ الاجراءات اللازمة عند رسوّ العملية عليه ، فهو من الوعد الابتدائي غير الملزم. وعلى هذا فلو تعهد البنك لدفع هذا المبلغ عند عدم دفع المقاول فهو من التعهد غير الملزِم أيضاً وإن كان جائزاً (١).

ولكن : ألا يمكن أن يقال ان المقاول إذا التزم بدفع مبلغ معين عند عدم القيام

__________________

(١) راجع البنك اللاربوي في الاسلام ، ص ١٣١.

٣٦٣

بالاجراءات اللازمة عند رسوّ العملية عليه يكون متعهداً وملزماً بذلك ، استناداً إلى قوله تعالى : ( يا أيا الذين آمنوا اوفوا بالعقود ) الذي معناه اوفوا بالعهود ، ونتيجة ذلك الزام البنك بتعهده إذا حصل نتيجة طلب المقاول لصالح المستفيد. على أن هذا الضمان من قبل البنك لمن اشترك في المناقصة يمكن ان يكون عربوناً ، وهو لا يحق اخذه في جميع الاحوال ، بل يؤخذ في صورة عدم التزام مَنْ رست عليه العملية بالمقررات اللازمة. وعلى هذا ، فسوف يكون دفع المبلغ المعين عند عدم القيام بالاجراءات اللازمة شرطاً في فسخ المعاملة المذكورة ، فالمعاملة إذا رست على احد فهي لازمة ولا يحق فسخها الاّ إذا دفع المقدار المعين من المال المتمثل في خطاب الضمان الابتدائي. وبهذا يكون اخذه من قبل الجهة الداعية إلى المناقصة عند عدم القيام بالاجراءات اللازمة لمن رست عليه العملية جائزاً كما يمكن أن يشترط الداعي الى المناقصة في عقد بيع المعلومات الى من يريد الاشتراك في المناقصة ، يشترط عليه اخذ مبلغ معين من المال اذا لم يلتزم بالعقد حين رسوّ العملية عليه ، وهذا شرط في ضمن عقد ، فيكون ملزِماً.

خطاب الضمان النهائي : وهو الخطاب الذي يكون بعد وجود عقد قائم ( بين من دعى إلى المناقصة ـ وهي الجهة المستفيدة من الخطاب ـ وبين المقاول الذي طلب اصدار الخطاب من البنك لصالح المستفيد ) ، وهذا العقد ينصّ على شرط على المقاول لصالح من دعى إلى المناقصة ، وخلاصة هذا الشرط هو أن يدفع المقاول نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلفه عن الوفاء بالتزاماته.

فهل هذا الشرط صحيح ولازم ؟

الجواب : نعم انه شرط صحيح ولازم مادام واقعاً في عقد صحيح كعقد الايجار مثلاً أو البيع ، وحينئذ يصح لمن أعلن عن المناقصة الحق في تملك هذه

٣٦٤

النسبة من قيمة العملية في حالة التخلف (١).

ثم ان هذا الحق قابل للتوثيق والتعهد من قبل طرف آخر ، وهو نظير تعهد طرف ثالث للدائن بوفاء الدين عند عدم قيام المدين بما هو عليه ، وعلى هذا يصح أن يرجع المستفيد على البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وعدم دفع ما شرط عليه.

ولما كان تعهد البنك وضمانه للشرط بطلب من المقاول فيكون المقاول ضامناً لما يخسره البنك نتيجة لتعهده ، فيحق للبنك ان يطالب المقاول بقيمة ما دفعه إلى المستفيد.

اذن هنا بحثان نحتاج إلى ادلة شرعية عليهما :

البحث الاول : صحة الشرط على المقاول.

البحث الثاني : صحة تعهد البنك ( خطاب الضمان ).

البحث الاول : صحة الشرط بدفع مبلغ من المال عند تخلفه عن التزاماته :

وقد ذكر السيّد الشهيد الصدر أن صحة الشرط المتقدم على المقاول يتصور صياغته بأحد انحاء ثلاثة ، يكون الصحيح منها شرعاً هو الثاني والثالث.

__________________

(١) قد يقال بصورة مبسّطة : إن في طلب الضمان من قبل الجهة الداعية الى المناقصة لمواجهة حالات التعدي والتقصير وما ينشأ عنها من اضرار ، وهذا بنفسه يحث المشتري أو المتعاقد عن القيام بالتزاماته ، ونرى أنَّ هذا الطلب مشروعاً ولا يرد عليه أنّه ضمان مالم يجب لأننا فقهاء لا فلاسفة. أي أنَّ اشكال ( ضمان مالم يجب ) مبني على منهج الفلسفة ، وهي علم المعاني المجردة والمفاهيم الكلية ولا شأن له بالحياة اليومية والعامة للناس والمجتمع وعلاقة بعضهم ببعض ، وهو منهج ـ اي منهج الفلسفة ـ لا علاقة له بالفقه الذي هو المنهج المستمد من اللغة ودلالاتها وحياة الناس الواقعية وعلاقات بعضهم ببعض ومع الطبيعة ايضاً ، وهو منهج الفهم العرفي. فعلى المنهج العرفي لا نرى أي اشكال في طلب المناقِص من المناقَص خطاب ضمان ابتدائي أو انتهائي لمواجهة احتمال حالات التعدّي والتقصير وما ينشأ من اضرار عنهما. أما على المنهج الفلسفي يظهر الاشكال ولا سبيل الى ردّه ، ولكن بما أننا نلتزم المنهج الفقهي فلا اشكال في طلب خطاب الضمان.

٣٦٥

الاول : أن يكون ( الشرط ) بنحو شرط النتيجة بحيث تشترط الجهة الخاصة على المقاول أن تكون مالكة لكذا مقداراً في ذمته إذا تخلف عن تعهداته.

الثاني : ان يكون بنحو شرط الفعل ، والفعل المشترط هو أن تملَّك الجهة الخاصة كذا مقداراً ، لا ان تكون مالكه.

الثالث : أن يكون بنحو شرط الفعل ، والفعل المشترط هو أن يملِّك المقاول تلك الجهة كذا مقداراً. والفرق بين هذا النحو وسابقه مع أن الشرط في كل منهما شرط الفعل : هو ان الشرط في هذا النحو فعل خاص وهو تمليك المقاول مالاً للجهة الخاصة. واما في النحو السابق فالمشترط وإن كان هو عملية التمليك أيضاً ولكن المراد بها جامع التمليك القابل للانطباق على تمليك نفس المقاول وعلى تمليك غيره ... وإذا اتضحت هذه الانحاء الثلاثة ، للشرط فنقول : إن النحو الاول ( أي شرط النتيجة ) غير صحيح في المقام ، لان النتيجة المشترطة في المقام وهي اشتغال ذمة المقاول بكذا درهماً ابتداءً ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة ، وادلة نفوذ الشرط ليست مشرِّعة لأصل المضمون ، وانما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لأن تُنشأ به المضامين المشروعة في نفسها ... وأما النحو ان الآخران من الشرط فهما معقولان (١).

ولكن لا يبعد أن يقال : بان قاعدة « المسلمون عند شروطهم » حيث أنها تشمل الشرط إذا كان فعلاً أو كان الفعل مترتباً على الشرط ، كما إذا اشتريت بيتاً بشرط أن تكون الثلاجة المعينة ملكاً لي ، والملكية لها اسباب مختلفة منها الاشتراط ، فالمسلمون عند شروطهم يقول : ادفع السلعة إلى فلان ، وهو معنى صحة شرط النتيجة ، وعلى هذا فالمسلمون عند شروطهم يشمل المشروط الذي يكون حصوله وانشائه بغير الشرط صحيحاً وبالشرط لازماً. كما يمكن ان يكون :

__________________

(١) النبك اللاربوي في الاسلام ، للشهيد السيد الصدر ، ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

٣٦٦

الاستدلال على صحة شرط النتيجة ب‍ ( اوفوا بالعقود ) حيث أن البيع الذي شرط فيه ملكية الثلاجة المعينة معناه الالتزام بأصل المعاملة والالتزام بالامر الوضعي ، وبما أن الشرط قد دخل تحت عنوان العقد ، فأوفوا بالعقود يقول فِ بالعقد والشرط ، فيكون الشرط صحيحاً (١).

وعلى هذا فيمكن ان يكون شرط دفع مبلغ من المال على المقاول عند تخلفه بصياغاته الثلاثة المتقدمة عن السيد الشهيد صحيحاً ، والفرق بين شرط الفعل وشرط النتيجة هو الوجوب التكليفي على المشروط عليه في ان يملِّك. أما في شرط النتيجة فيكون المشروط عليه ضامناً للشرط وضعاً ، ويترتب عليه الحكم التكليفي بوجوب الدفع.

البحث الثاني : صحة خطاب الضمان الذي يصدره البنك عند طلب المقاول لصالح المستفيد :

ويمكن ان نصحح خطاب الضمان الذي يصدره البنك بطلب من المقاول لصالح المستفيد :

على اساس الضمان بالمعنى المتقدم ، حيث قلنا ان المراد بالضمان ليس هو المعنى الاصطلاحي عند أهل السنة أو الامامية ، بل هو ما تعارف عند العرف من ضمان أن يفي المقاول بالشرط ، وبعبارة اخرى هو التعهد باداء المقاول الشرط ، وهذا الضمان كالضمان (٢) المعروف من قبول البنك للكمپيالة بمعنى تحمل البنك

__________________

(١) لا بأس بالاشارة إلى أن شرط النتيجة الذي يُحكم بصحته ، هو خصوص تحصيل الغاية التي لا يشترط في ايجادها سبب خاص كالنكاح والطلاق الذي اشترط الشارع فيهما صيغة خاصة. اما هذه الغايات التي اشترط الشارع فيها صيغة خاصة فلا يمكن ان تحصل في الخارج الاّ بصيغتها الخاصة ولا ينفع في تحققها شرط النتيجة.

(٢) يوجد فرق غير فارق بين ضمان البنك للكمپيالة وضمان البنك لخطاب الضمان وهو : أن المضمون في موارد

٣٦٧

مسؤولية أمام المستفيد من تلك الكمپيالة ، وهو كما حُرر ضمان جائز شرعاً على أساس أنه : تعهد بوفاء المدين بدينه. ونتيجة هذا التعهد من الناحية الشرعية هو فيما إذا تخلف المدين عن الوفاء ، فيمكن ان يرجع المستفيد من الكمپيالة على البنك لقبض قيمتها.

وتوضيح ذلك من الناحية الفنية : ان يقال ان البنك تعهد تعهداً إنشائياً وجعل نفسه مسؤولاً ( باداء المقاول للشرط عند تخلفه عن التزاماته ) وهذا التعهد نافذ بحسب ارتكاز العقلاء ، وحينئذ يكون ممضى من قبل الشارع المقدس.

وقد تقرّب هذه المسؤولية من قبل البنك بمسؤولية الغاصب عن العين المغصوبة حيث تكون العين بعهدته ومسؤولاً عنها ما دامت موجودة ، فإذا تلفت العين المغصوبة تتحول هذه العهدة إلى اشتغال ذمة الغاصب بقيمة العين المغصوبة ، فما نحن فيه أيضاً كذلك حيث ان البنك جعل نفسه مسؤولاً عن اداء الشرط الذي على المقاول عند تخلفه عن التزاماته من عملية الارساء عليه ، ومعنى هذا ان البنك مسؤول عن تسليم الشرط بوصفه فعلاً له مالية ، فإذا تلف أداء الشرط على المشترط عند تخلف المقاول عن التزاماته وعن اداء الشرط بسبب امتناع المقاول عن اداء ما شرط عليه نتيجة تخلفه ، فقد تلف الفعل الذي له مالية على مستحقه ، وعندها تتحول عهدة البنك الجعلية إلى اشتغال ذمة البنك بقيمة ذلك الفعل ( اداء الشرط ) ، لأنَّ اشتغال الذمة بقيمة المال ( سواء كان عيناً أو فعلاً ) عند تلفه من اللوازم العقلائية لدخول ذلك المال في العهدة.

ونحن بعد فرضنا إمضاء الشارع لهذا الضمان الجعلي العقلائي ، يترتب عليه اشتغال ذمة البنك بقيمة ( ضمان اداء الشرط ) على تقدير تلف اداء الشرط.

__________________

قبول البنك للكمپيالة هو المدين ، والمضمون في خطاب الضمان هو المشروط عليه ( المقاول ) وهذا فرق غير فارق إذ كما يصح للبنك أن يتعهد للدائن باداء الدين كذلك يصح للبنك ان يتعهد للمشروط له باداء الشرط ، وهذا مقبول ارتكازاً عند العقلاء.

٣٦٨

وعلى هذا الاساس يصح خطاب الضمان من البنك في المقام (١).

ويمكن توضيح الضمان بالمعنى المتقدم بصورة عرفية : بأنْ ندعي أنَّ معنى الضمان من قبل البنك للمقاول هو تحمّل البنك للعمل بالشرط إذا تخلف المقاول عن التزاماته وعن الشرط معاً ، ولا يفهم العرف الاّ هذا التحمل عند ضمان البنك لاداء المقاول الشرط الذي له مالية ، عند تخلف المقاول.

ولكنّا نلاحظ كما ذكر السيّد الشهيد الصدر : وجود فرق دقيق بين توضيح الضمان بالوجه الفني وتوضيح الضمان بالوجه العرفي ، والفرق هو :

ان صاحب الشرط ( الداعي إلى المناقصة ) بناء على المعنى العرفي ليس له مطالبة البنك باقناع المقاول بالاداء وانما له على تقدير امتناع المقاول أن يُغرِّم البنك قيمة ما تعهد به. اما بناء على المعنى الفني ، فلصاحب الشرط مطالبة البنك باقناع المقاول بالاداء (٢).

ولعل وجه هذا الفرق يكمن في أن المعنى الفني للضمان انما يتم عند تلف الشرط على المشروط له ، ولا يتحقق التلف إلاّ عند امتناع المقاول عن الاداء رغم الحث على اقناعه بالعمل بالشرط.

ملاحظة : لا حاجة الى التنبيه الى عدم صحة خطاب الضمان لو كان بقدر قيمة العملية او اكثر منها ، لانه يؤول الى حصول الداعي الى المناقصة الى العوض والمعوّض وهو بمعنى الشراء او الحصول على الخدمة بدون ثمن.

هل يصح للبنك أن يأخذ عمولة على خطاب الضمان ؟

تقدم أن التأمين المالي الذي يأخذه الداعي إلى المناقصة مثلاً قد تطور إلى الضمان البنكي المتمثل في خطاب الضمان الذي يصدره البنك ويتحمل فيه مسؤولية

__________________

(١) راجع للتوسع البنك اللاربوي في الاسلام ، للشهيد الصدر ، ص ٢٣٩ مع تعمق اكثر.

(٢) المصدر نفسه ، ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.

٣٦٩

ما ينجم من تقصير المناقص تجاه مسؤوليته وواجباته حيال الطرف الآخر.

ولكن البنك إنما يصدر خطاب الضمان ويتحمل المسؤولية في مقابل نسبة مثوية يحصل عليها من صاحب الخطاب ، وعلى هذا يتولد لهذا الاجراء جانبان :

الجانب الأول : العلاقة بين من يدعو إلى المناقصة ومن يدخل في المناقصة ، فالاول الذي يكون هنا هو المشتري للسلعة أو المؤجر للعمل أو المشتري لما يصنعه المقاول ، له أن يشترط في العقد ما يضمن حقوقه ومصلحته سواء كان في صورة ضمان أو رهن أو غير ذلك استناداً إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المسلمون عند شروطهم. فإذا طالب المقاول بضمان بنكي فهو حق له لا اشكال فيه.

الجانب الثاني : العلاقة بين المناقص ( المقاول ) والبنك الذي يصدر خطاب الضمان ، فان البنك هنا يأخذ نسبة مئوية من صاحب الخطاب الذي صدر الخطاب بطلبه ، فهل لهذه النسبة المأخوذة وجه شرعي ؟

الجواب : لقد ذكر الشهيد الصدر رحمه‌الله جواز ذلك معبِّراً عنها : « عمولة على خطاب الضمان هذا ، لان التعهد الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزز قيمة التزامات الشخص المقاول ، وبذلك يكون عملاً محترماً يمكن فرض جعالة عليه أو عمولة من قبل ذلك الشخص » (١).

اقول :

١ ـ ان الارتكاز العرفي والعقلائي يقول بان عملية الضمان المجردة من قبل البنك للمقاول باداء شرط المشترط ليست مما تقابل بالمال ، وانما الذي يقابل بالمال هو نفس خسارة البنك عند عدم قيام المقاول بالتزاماته مطلقاً ، نتيجة لضمان البنك ، فالعملية التي قام بها البنك من ضمان شرط المقاول فيها جانبان ، الاول : نفس عملية الضمان كالفاظ معينة. والثاني : تحمل البنك الخسارة على تقدير عدم

__________________

(١) المصدر نفسه ، ص ١٣١.

٣٧٠

التزام المقاول بالتزاماته مطلقاً. والذي يكون مهماً في تعزيز التزامات المقاول كلا الامرين الذي يكون الثاني منهما هو لبّ الاول ، والاول يكون كاشفاً عن الثاني ، فإذا اخذ البنك على عملية الضمان المجرد مالاً بنحو الالزام كان من أكْلِ المال بالباطل. اما إذا آل الضمان اللفظي إلى خسارة البنك في حالة معينة ( وهي حالة : عدم سداد المقاول ما عليه من الشرط عند التخلف عن اداء التزاماته ) فهو مضمون على المقاول بلا اشكال فلا يتمكن أن ياخذ عمولة عليها.

اننا لو تحررنا من الارتكاز العقلائي المتقدم ، وصرّحنا بان العمولة ياخذها البنك في مقابل نفس عملية الضَمان ، فحينئذ نقول :

ان العمولة إنما يصح اخذها شرعاً في خصوص ما قابلها من عمل قابل للضمان ( كالخياطة والحلاقة واشباهها ) بخلاف ضمان البنك لوحده ( من دون دخل الاجراءات الادارية في ذلك الذي تستوجب اخذ المال عليها ) فان ضمان البنك لوحده من قبيل الالفاظ والاعمال التي ليست قابلة للضمان لعدم مالية له الانفس مالية المال المعطى من قبل البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وما شرط عليه ، وهذا المال مضمون على المقاول ، ولا يوجد عمل آخر له مالية حتى يصح ضمانه ليأخذ اجراً عليه.

٣ ـ ان عقد الضمان الذي يسمى خطاب الضمان : هو من العقود الارفاقية للمقاول كالقرض ، فاذا كان الضمان يعزز قيمة التزامات المقاول ، فان قيام البنك بالتعهد باقراض شخص معين عند حاجته أيضاً يعزز قيمة التزاماته ، فهل يجوز اخذ اجرة على قيام البنك بتعهده لعملية الاقراض ؟

وان ادعي الفرق بين القرض والضمان بحرمة اخذ الزيادة في عملية القرض دون عملية الضمان فاننا نقول ليس الكلام في اخذ الزيادة في مقابل المال المقترض في القرض ، وانما الكلام في تعزيز التزامات الانسان لقيام البنك بعملية الاقراض ، فهي واحدة في اصدار خطاب الضمان أو عملية الاقراض عند الحاجة ، وإذا كان

٣٧١

يجوز اخذ البنك اجرة على قيامه بعملية الاقراض متى احتاج إلى المال فقد جوّزنا الربا بصورة ملتوية.

وعلى ما تقدم نتمكن ان نقول : ان خطاب الضمان الصادر من البنك بطلب من المقاول لصالح المستفيد ( سواء كان مغطى من حساب المقاول فيكون حوالة أو غير مغطى فيكون ضماناً ) لا يجوز اخذ الاجر عليه.

نعم اذا عممنا جواز أخذ الاجرة على كل خدمة يقدمها شخص لآخر بشرط ان لا يكون منهيّاً عن أخذها ، فحينئذ يكون أخذ الاجرة على الضمان جائزاً. وهذا هو الذي ذهب اليه بعض كبار علماء الامامية المعاصرين.

نعم : ان المصاريف الادارية التي يسلكها البنك تبعاً للقوانين الدولة لأجل إصدار خطاب الضمان ( الابتدائي والنهائي ) فهي جائزة شرعاً.

وعلى كل حال : فان المناقص إذا طلب من البنك إصدار خطاب الضمان لصالح المشتري فان هذا التعاقد بين المناقَص والمشتري يكون صحيحاً مادام يحصل على ضمان حقوق المشتري بطريقة شرعية ولم يكن للمشتري علاقة فيما حصل بين المناقَص والبنك.

٦ ـ تضمين عقد المناقصة شرطاً جزائياً في حالة التأخير

قد يقال : إن البحث قد تعرضنا له في صورة طلب الجهة الداعية الى عقد المناقصة خطاب ضمان نهائي لصالح المستفيد منه عند عدم القيام بما يجب على الطرف الآخر من التزامات وشروط شرطت عليه في العقد.

ولكن نقول : يوجد فرق بين هذا البحث وما تقدم من خطاب الضمان النهائي ، حيث أن ما تقدم كان في صورة تخلف المقاول عن الالتزامات او الشروط المشترطة عليه بصورة عامة في العقد ، أما هذا البحث فهو في صورة عدم تخلفه عن

٣٧٢

اي التزام او شرط ، سوى شرط التسليم في الموعد المقرر حيث حصل التأخير الذي فيه ضرر على المستفيد. وحينئذ يكون الشرط الجزائي عبارة عن غرامة ، وهي تختلف عن التعويض إذا الغرامة يكون العذر فيها مفترضاً ولا يلزم اثباته على الداعي الى المناقصة ولا يستطيع المتعاقد الاحتجاج بعدم وقوعه ، وهذا بخلاف التعويض الذي يجب فيه اثبات الضرر ومقدار هو يستطيع المتعاقد اثبات عدم وقوعه.

وحينئذ نقول : إن الشرط الجزائي المتصور في كل عقد على أنحاء ثلاثة ولنأخذ الاجارة مثالاً للعقد :

١ ـ التنقيص من الاجرة بمقدار معين :

لقد تعرض الفقه الامامي لهذه الحالة في بحث الاجارة ، فقد ذكر العلماء في مسألة : « ما لو استأجره ليحمل له متاعاً إلى موضع معين باجرة معينة واشترط عليه وصوله في وقت معين فان قصّر عنه نقص عن اجرته شيئاً معيناً ، جاز وفاقاً للاكثر نقلاً وتحصيلاً ، بل المشهور كذلك ، للاصل وقاعدة : المؤمنون عند شروطهم والصحيح أو الموثق أو الخبر (١) المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي قال : كنتُ قاعداً عند قاض من القضاة وعنده أبو جعفر ( الامام الباقر عليه‌السلام ) جالس ، فأتاه رجلان فقال احدهما : إني تكاريتُ إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن واشترطتُ عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لانها سوق أتخوف أن يفوتني فإن احتبستُ عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته كذا وكذا ،

__________________

(١) انما عبّر صاحب الجواهر بهذا التعبير لان هذه الرواية لها ثلاثة أسناد :

الاول : سند الشيخ الكليني وفيه ( محمد بن أحمد ) وهو مجهول فالرواية تكون ضعيفة فعبّر عنها بالخبر :

الثاني : سند الشيخ الطوسي وهو سند صحيح.

الثالث : سند الشيخ الصدوق وهو سند صحيح أيضاً.

اقول : بعد وجود الطريق الصحيح لا معنى للتعبير بالخبر.

٣٧٣

وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً. فقال القاضي هذا شرط فاسد ، وفِّهِ كراه ، فلما قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر ( الامام الباقر عليه‌السلام ) فقال : شرط هذا جايز مالم يحط بجميع كراه » (١) (٢) (٣).

ومقابل قول الاكثر : من أشكل في صحة هذا الشرط الجزائي لكونه يوجب تعليقاً وجهالة وإبهاماً وأنه كالبيع بثمنين نقداً ونسيئة مثلاً ، ولذا ذهب المحقق الثاني في « جامع المقاصد » وغيره من المتاخرين إلى البطلان في ذلك وطرح الرواية أو حملها على الجعالة أو نحو ذلك.

اقول : ان ما ذهب إليه مخالف الاكثر هو كالاجتهاد في مقابلة النص الذي لا يقبل الحمل على الجعالة. ثم اننا لا نرى تعليقاً في الاجارة لانه لم يستأجره بالناقص لو لم يصل في اليوم المعين ، بل وصل بعده ، بل الاجرة معينة إن وصل في اليوم المعين ، فإنْ تأخر نقص من الاجرة ، وهو شرط في متن العقد على نحو شرط النتيجة او شرط الفعل ، والفرق بينهما واضح ، اذ على النحو الاول : يكون المشروط له ( على تقدير مخالفة الشرط ) قد ملك مقدار النقصان على ذمة المشروط عليه ، بينما على النحو الثاني لا يوجد اشتغال ذمة المشروط عليه ، بل يجب عليه تمليك مقدار النقصان ، فإن لم يفعل ، فعلَ حراماً فقط.

نعم : هناك جهالة في الشرط ولكن لا تضرّ هذه الجهالة التي ليست راجعة الى أحد العوضين. كما ان التشبيه بالبيع بثمنين ليس بصحيح ، لان المشابهة للبيع

__________________

(١) جواهرالكلام ، ج ٢٧ ، ص ٢٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، باب ١٣ من الاجارة ، ح ٢.

(٣) لقد ثبتت الروايات المتواترة عن الأئمة : بان قولهم ليس من الرأي أو الاجتهاد وانما هو عن آبائهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ ، فيكون قولهم حسب هذه الروايات المتواترة حجة وكاشفاً عن السنة النبوية ، فيلزمنا العمل بها إذا كان السند صحيحاً. راجع كتاب الحلال والحرام في الاسلام الامر الخامس من مقدمة المحقق ، ص ٢٣.

٣٧٤

بثمنين ان يقول مثلاً ، إن خطته روميّاً فلك درهم وفارسياً نصفه ، اما ما نحن فيه فهو ليس كذلك ، ولذا صرح بالصحة هنا من لم يقل بها في مثال الخياطة بالرومية والفارسية وذلك لان المستأجر عليه فيما نحن فيه معيناً ولكن اشترط عليه التنقيص على تقدير المخالفة. وهذا شرط صحيح لعموم « المسلمون عند شروطهم » واطلاق الرواية المعتضدة بفتوى الاكثر.

٢ ـ التنقيص من الاجرة بدون تعيين :

نعم لو كان الشرط الجزائي هو التنقيص بدون ذكر لمقداره لو أوصله متأخراً ، فيكون الشرط هنا باطلاً لجهالة الاجرة على تقدير الايصال المتأخر ، وحينئذ تبطل الاجرة ، واذا بطلت الاجرة ننتقل الى اجرة المثل في هذه الصورة.

ويدلّ عليه : كونه على مقتضى القواعد القائلة بصحة الاجارة وبطلان الاجرة لجهالتها ، فننتقل الى اجرة المثل. ويؤيده ما ورد في كتاب دعائم الاسلام عن الامام الصادق عليه‌السلام « أنه سئل عن الرجل يكتري الدابة او السفينة على أن يوصله الى مكان كذا يوم كذا ، فان لم يوصله يوم كذا كان الكرى دون ما عقده ؟ قال عليه‌السلام : الكرى على هذا فاسد ، وعلى المكتري أجر مثل حمله » (١).

٣ ـ سقوط الاجرة باكملها :

ثم لو كان الشرط الجزائي هو سقوط الاجرة باكملها إن لم يوصله في الوقت المعين ، فهو شرط باطل لكونه شرطاً منافياً لمقتضى الاجارة ، لانه يرجع الى استحقاق المستأجر العمل بعقد الاجارة بلا اجرة ، فهو مثل قوله : آجرتك بلا اجرة ، وحينئذ فان فسد الشرط فسد العقد على رأي ، لانه شرط اساسي بني عليه العقد ، ويدلّ على بطلان الشرط نفس الرواية المتقدمة عن الحلبي بقول الامام

__________________

(١) المستدرك ، ج ١٤ ، باب ٧ من الاجارة ، ح ١ ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٧٥

الباقر عليه‌السلام : « وشرط هذا جائز مالم يحط بجميع كراه » وعلى قول آخر ان الشرط اذا كان فاسداً لا يُبطل العقد ، ولكن لا بأس بالتنبيه الى أن المؤجر يستحق اجرة مثله على كلا التقديرين ( من بطلان عقد الاجارة او عدم بطلانه ) ، لانه عمل عملاً بدون تبرع بطلب من صاحب السلعة ، فيستحق اجرة المثل لما عمل ، ولقاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) ، والاجارة عقد مضمون لو كان صحيحاً بالاجرة المسماة ، فلو كان فاسداً فهو مضمون باجرة المثل (١).

اقول : هذا الكلام في الشرط الجزائي قد ورد فيه الحديث المتقدم في الاجارة ، فان لم نرَ فرقاً بين عقد الاجارة وبقية العقود ( غير القرض ) (٢) فيكون دليل الشرط الجزائي غير منحصر بعقد الاجارة ، فيصح الشرط الجزائي على النحو الاول في كل عقد ، ومنه عقد المناقصة التي نحن بصددها والتي تكون الاجارة قسماً منها ، فيتمكن الداعي الى المناقصة ان يشترط على منْ رست عليه المناقصة نقصان أجرته او ثمنه بمقدار معين إن لم يكمِّل المشروع الصناعي او لم يسلم المبيع في مدته المعينة. كما يمكن ان يكون الدليل على صحة الشرط الجزائي هو قاعدة « المسلمون عند شروطهم » التي توجب الوفاء بالشرط اذا كان في ضمن عقد مالم يكن مخالفاً للكتاب او السنة.

ولو قيل : إنَّ الثمن في البيوع يكون مقابل الاعيان ، وأما الشرط : فتخلفه يوجب فسخ ولا يقسَّم عليه الثمن ، اجبنا : أننا ندّعي أنَّ الشرط الجزائي الذي شرطه المشتري وقبله البائع يوجب عليه العمل به ، وهو يوجب ان يملك المشتري

__________________

(١) هنا أبحاث معمقة آثرنا تركها لاجل ان لا يطول بنا المقام.

(٢) إن الشرط الجزائي في القرض سواء كان الغرض منه حث المقترض على الوفاء بدينه في الميعاد فيكون تهديداً مالياً للتنفيذ العيني ، او كان شرطاً جزائياً حقيقياً وهو خلاف التهديد المالي حيث أنه يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني ، وعدم صحته في القرض واضحة حيث أنَّ كل زيادة للمقرِض جاءت من قبل الشرط في عقد القرض هي ربا.

٣٧٦

مقداراً من الثمن أو يملَّك من قبل البائع إن لم يفعل بهذا الشرط الثاني كان الخيار للمشتري بالفسخ.

اقول : والتحقيق اننا وإن قلنا أنَّ الشرط الجزائي صحيح في الاجارة على الاعمال وفي البيوع ، إلاّ اننا نستثني من البيوع ( السلم والتوريد ) الذي يكون المثمن كلياً في الذمة ومؤجلاً الى أجل ، وبما أن الثمن كان مؤجلاً لا يجوز الزيادة في الاجل في مقابل المال لأنه ربا ( اتقضي ام تربي ) فكذا لا يجوز الزيادة في أجل المثمن في البيع السلمي في مقابل المال وهو تنقيص الثمن ، وبما أنَّ الشرط الجزائي تكون نتيجته هو رضا المشتري في تأخير المثمن في مقابل المال الذي هو نقصان في الثمن فهو ربا جاهلي. يبقى لنا طريق واحد لضبط تصرف البائع ، وهو أن يشترط المشتري على البائع كمية من المال اذا تخلّف عن تنفيذ العقد ، وهذا هو العربون الذي أجازه المجمع الفقهي في دورة سابقة ، ولكن هذا لا يكون بديلاً للشرط الجزائي في صورة تأخر البائع عن تسليم البضاعة.

والخلاصة : فإنَّ الشرط الجزائي في صورة تسليم البضاعة باطل لأنه شرط مخالف للستة ، ولولا هذا المانع لكان جائزاً (١).

__________________

(١) وقد أقرَّ مجمع الفقه الاسلامي في دورته السابعة بجدة/ رقم ٦٥ / ٢ / ٧ بشأن البيع بالتقسيط الفقرة ٥ الشرط الجزائي في حالة اتفاق المتداينين على حلول سائر الاقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الاقساط المستحقة عليه مالم يكن معسراً ، ومما يؤيد قرار المجمع ( كما ذكر ذلك د. رفيق المصري في بحثه حول المناقصات ص ٤١ ) ما جاء في حاشية ابن عابدين ٤ / ٥٣٣ :

« عليه ألفٌ ثمنٌ ، جعله رُبُّهُ نجوماً = اقساطاً ، إن أخلَّ بنجم حلَّ الباقي ، فالأمر كما شرطا ... ».

وقد أقرَّ ـ ايضاً ـ صورة اخرى من الشرط الجزائي في الدورة الثامنة في بروناي ، وهي العربون في صورة عدول احد الطرفين عن عقد البيع أو الاجارة أو مضت الفترة المحددة لانتظار امضاء العقد ، فحينئذ يكون مبلغ العربون من حق الطرف الآخر.

وقد وردت بعض النصوص في حلية الشرط الجزائي منها : ١ ـ عن ابن سيرين قال : قال رجل لكريِّه

٣٧٧

٧ ـ مدى حرية الجهة الداعية الى المناقصة في اختيار احد من العروض او التقيد بالانقص منها ؟ (١)

إن التعريف المتقدم للمناقصات كان يلزم الداعي الى المناقصة الى إختيار احسن من يتقدم للتعاقد معه ، وهذا التعريف قد إستُل من العرف التجاري لعقد المناقصات ، فاذا وصل هذا العرف الى حدّ التعهد من قبل المشتري ومن يدخل في المناقصة فلا يبعد ان يُلزم المشتري شرعاً باختيار أقل العروض لهذا التعهد الذي يكون ملزِماً حسب « اوفوا بالعقود ». وبعبارة أخرى : ان الغرض من المناقصة هو اختيار الانقص من العروض ، والمناقصة من شأنها ذلك. فلو اُختير غير الانقص لكان هذا مدعاة لاتهام المناقص برشده اذا كان يشتري لنفسه أو اتهام الجهة الوكيلة والمتولية بعدم الامانة أو نفوذ رشوة في المعاملة.

ونستطيع أن نتخلص من هذا العرف التجاري في صورة واحدة وهي ما اذا اشترط المشتري على المتناقصين عدم الالتزام باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معه ، ففي هذه الصورة يكون المشتري مختاراً في اختيار احد المتقدمين للمناقصة حسب الشرط. ولكن في هذه الصورة قد لا تنجح المناقصة ولا يقدم عليها أحد ، لأن المناقصة تكون تحكماً وتشهيّاً ، وبهذا يفوت الوقت والكلفة على المتناقصين.

واما اذا لم يكن الزام للداعي الى المناقصة في اختيار افضل العروض كما في

__________________

( المكاري ، المؤجر ) ارحل ركابك ( اي شد رحلك على ظهر دابتك ) فإن لم ارحل مع يوم كذا وكذا فلك مائة درهم ، فلم يخرج ؟ فقال شريح : من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه. راجع صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٥٩ باب ما يجوز من الاشتراط. ومصنف عبدالرزاق ، باب الشرط في الكراء ج ٨ ص ٥٩ وفتح الباري ج ٥ ص ٣٥٤ ، واعلام الموقعين ج ٣ ص ٤٠٠.

(١) هذا البحث مفروض فيه تساوي المتناقصين في الشروط والمواصفات.

٣٧٨

المناقصات البدائية التي تحصل مشافهة ، فحينئذ يكون الحكم هو حرية الجهة الداعية الى المناقصة في اختيار احد العروض وان لم يكن أحسنها ما لم يشترط تقييد الداعي الى المناقصة بافضل العروض. ولكن هذه طريقة بدائية للمناقصة يسلكها من لا يقدّم ضمان خطاب ابتدائي ونهائي ولا يشتري دفتر الشروط ولا يصرف وقتاً لدراسة المشروع ، ولا يعدّ الخطط لذلك ، وكلٌ منها مهم في المناقصة التي يحسب فيها للوقت وللتكلفة ولخطاب الضمان حسابه المهم في العرف.

خلاصة البحث :

وخلاصة ما سبق من البحث نذكره على نقاط :

١ ـ بعد تعريف المناقصات وبيان علاقة الضد بين المزايدة والمناقصة ، واشتراكهما في الاجراءات تبيّن أن المناقصات هي قسم من المقاولات التي تكون ملزِمة للطرفين.

٢ ـ المناقصات على انواع ( مناقصات البيع ، والاستصناع والسلم والاجارة والاستثمار باقسامه المختلفة من مزارعة ومضاربة ومساقاة ) وتبين ان المناقصة كما تكون قسماً من البيع والسلم والاستصناع والاجارة والاستثمار تكون ايضاً اعم من البيع لشمولها لهذه العقود.

٣ ـ لا تعارض بين صحة عقود المناقصات والنهي عن الدخول في سوم الاخ لأنَّ حديث النهي ناظر الى المعاملة الخاصة الجارية بين طرفين خاصين ، ولا يشمل بيع المناقصة المبنية على عدم السوم مع شخص واحد بل مع جماعة.

٤ ـ الدخول في المناقصة قد يكون لمن لا يمتلك السلعة وهو يكون من قبيل بيع السلم او الاستصناع او بيع الكلي او الاجارة او الاستثمار باقسامه المختلفة الشرعية ، اما بيع ما ليس عند الانسان الذي ورد فيه النهي فانه مختص ببيع السلعة الخارجية لمن لا يملكها ، وقد تبين ايضاً أن المناقصة ليست من المواعدة التي لا تكون ملزمة للطرفين.

٣٧٩

٥ ـ بيع وثائق المناقصة بالتكلفة او باي ثمن آخر عقد صحيح لدخول ذلك تحت حلّية البيع والتجارة عن تراض.

٦ ـ إن خطاب الضمان الابتدائي الذي يأخذه الداعي الى المناقصة عند تخلف من رست عليه من القيام بمقررات المناقصة أمر جائز لانه عبارة عن شرط في حق فسخ المعاملة المذكورة.

٧ ـ ان خطاب الضمان النهائي الذي يكون لصالح الداعي الى المناقصة الذي يكون عبارة عن دفع نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف المقاول عن الوفاء بالتزاماته هو شرط صحيح ولازم مادام واقعاً في عقد صحيح سواء كان بنحو شرط النتيجة او شرط الفعل. كما يمكن أن يقوم البنك بضمان هذا الشرط والعمل به عند تخلف المقاول عن التزاماته وبالشرط معاً.

٨ ـ ان العمولة التي يأخذها البنك على خطاب الضمان التي هي عمل لفظي ليس قابلاً للضمان ، غير جائزة لانها من قبيل اكل المال بالباطل. الا اذا جوزنا أخذ الاجرة على كل خدمة يقدمها شخص لآخر لم يكن منهيّاً عنها.

٩ ـ ان الشرط الجزائي في حالة التأخير عن وقت التسليم يكون صحيحاً اذا كان معيناً ، ولم يكن المثمن نسيئة ، اما اذا كان غير معين فهو غير صحيح ويؤثر على صحة العقد ، وحينئذ ننتقل الى ثمن المثل ، وكذا اذا كان المثمن نسيئة ( كما في عقد التوريد او الاستصناع ) حيث يؤول هذا الشرط الجزائي الى اتقضي ام تربي وهو ربا الجاهلية.

اما اذا كان الشرط الجزائي عبارة عن سقوط الثمن باكمله فهو شرط باطل لكونه منافياً لمقتضى العقد ، وقد كان دليل هذا كله الرواية المعتبرة عن الامام الباقر عليه‌السلام بالاضافة الى قاعدة « المسلمون عند شروطهم ».

١٠ ـ ان الجهة الداعية الى المناقصة تكون ملزمة باختيار أقل العطاءات الا في صورة اشتراط عدم الالزام في متن شراء وثيقة المناقصة اما في المناقصات البدائية التي ليس فيها التزام باختيار أقل العروض فالعكس هو الصحيح.

٣٨٠