بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

القبض موضوعاً لبعض الاحكام الشرعية « كتلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه » بمعنى أنه يوجب انفساخ البيع بحيث يكون التلف على البائع ويرجع الثمن على المشتري ، و« ككون القبض في الصرف في المجلس مصححاً للمعاملة الصرفية » بمعنى التقابض قبل التفرق في مجلس العقد ، وهذه الاحكام قد وردت على موضوع القبض بما هو مفهوم حقيقي خارجي ، فلا يقوم مقامه التحقق من القدرة على التقابض ، فما نحن فيه أيضاً كذلك.

٢ ـ وكذا مفهوم التأمين على بضاعة السَلَم فهو مباين لمفهوم القبض ، إذ التأمين على البضاعة السلمية يجعل المشتري مطمئناً بوصولها إلى يده أو وصول المبلغ الذي تدفعه شركة التأمين على فرض عدم وصوله إلى يده فهو شيء مفروض يؤول إلى التحقق ، يغاير القبض الذي يجعل المشتري متسلطاً على بضاعته السلمية ويطبق عليها قانون « الناس مسلطون على اموالهم » بحيث يتمكن ان يبيع أو يهب أو يأكل العين التي قبضها أو يتلفها ، فالقبض يحوّل ما في الذمة الذي هو دين إلى عين خارجية حيث ان الدين الذي في الذمّة لا يتعيّن الا بتعيين البائع أو قبض المشتري ، فيكون ما في الذمّة تحوّل إلى عين خارجية يمكن تلفها وأكلها ، وهذا بخلاف التأمين على البضاعة السلمية فهو وإن كان يمكّن المؤمّن له على هبته أو بيعه ، الا أنه لا يتمكن من اكله واتلافه فهو ليس مسلطاً عليه كما في السلعة المقبوضة ، ولهذا الفارق لا يرى العرف قيام التأمين على البضاعة السلمية مقام القبض.

وبعبارة أخرى قد يكون التأكد من قدرت البائع في السلم على توفير السلعة والتأمين على السلعة المسلم فيها ، هو بمثابة الضمان للبائع على دفع البضاعة السلمية ، ومن الواضح ان الضمان يختلف عن القبض.

٣ ـ كما لا يقوم مقام القبض وجود السلعة في المخازن العمومية المنظَّمة إذ يكون هذا الوجود غير مفيد لمشتري السلعة السلمية ، وإنما المفيد له قبضها بحيث

٢٢١

يتحول ماله في ذمة الغير إلى عين خارجية يتسلط عليها ، وكم فرق بين ان يتسلط الانسان على ذمة الغير فيكون دائناً لها ، وهو شيء اعتباري فرضي وبين ان يتسلط على عين خارجية قد قبضها فهو تسلط حقيقي. فوجود السلعة في المخازن لا يجعله متسلطاً عليها حقيقة ، بل يبقى يطلب الذمة التي هي وعاء اعتباري اخترعه العقلاء للاموال الكلية التي لا وجود لها في الخارج. نعم وجود السلعة في المخازن العمومية يحقق القدرة على التسليم ، وهذا ليس قبضاً للمسلم فيه.

هل هناك تصرفات في المكيل والموزون ( السلمي أو غيره ) صحيحة قبل القبض ؟

اقول : قد انتهينا سابقاً إلى عدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه حتى في بيع السلم ، فهل هناك معاملات اخرى تجوز التصرفات في السلم بغير البيع مرابحة ؟ وكذا يأتي هذا البحث في التصرفات الصحيحة للبضاعة السلمية قبل حلول الأجل ، فنقول :

هناك عدة معاملات للتصرف في المكيل والموزون قبل القبض ، وللبضاعة السلمية قبل حلول الأجل وهي :

١ ـ التولية.

٢ ـ الشركة فيه بربح.

٣ ـ الاقالة فيه.

فقد تقدمت الروايات الدالة على صحة الشركة والتولية في بيع مالم يقبض فيما تقدم :

الأولى : صحيحة منصور بن حازم عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : « اذا

٢٢٢

اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلاّ أن توليه ... » (١).

الثانية : موثقة سماعة ، قال : « سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة ، وقد كان اشتراها ولم يقبضها ؟ قال : لا حتى يقبضها إلا أن يكون معه قوم يشاركهم فيخرجه بعضهم عن نصيبه من شركته بربح أو يوليه بعضهم فلا بأس » (٢).

فهاتان الروايتان جوزتا بيع الثمرة والمتاع على غير بائعه تولية ، كما جوزت موثقة سماعة بيع نصف الحصة التي لم يقبضها من البائع فيشترك معه غيره.

وأما الاقالة : فقد دلّ الدليل العام على جوازها في كل بيع قبل القبض أو بعده سلماً أو غيره للحديث عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : « أيما عبد أقال مسلماً في بيع أقاله الله عثرته يوم القيامة » (٣) وقد ارسلها في الفقيه عن الامام الصادق عليه‌السلام لكن قال : « أيما مسلم اقال مسلماً بيع ندامة اقاله الله عزوجل عثرته يوم القيامة » (٤). وفي استحبابها ورد عن سماعة بن مهران عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : « أربعة ينظر الله عزّ وجلّ اليهم يوم القيامة : من اقال نادماً أو أغات لهفان أو اعتق نسمة أو زوّج عزوباً » (٥).

والاقالة في الحقيقة : هي فسخ في حق المتعاقدين برضاهما ، وليست بيعاً ، لعدم قصد معنى البيع ولا غيره من المعاوضات الموجبة ملكاً جديداً ، بل هي تفيد ردّ الملك بفسخ العقد الذي اقتضى خلافه. ولهذا لا تجوز الاقالة بزيادة عن الثمن ، لعدم ما يصلح مملّكاً للزيادة المفروضة ، كما لا تجوز الاقالة بنقصان لعدم ما يصلح

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، باب ١٦ من أحكام العقود ، ح ١.

(٢) المصدر السابق ، ح ١٥.

(٣) المصدر نفسه ، باب ٣ من أبواب آداب التجارة ، ح ٢.

(٤) المصدر نفسه ، باب ٣ من أبواب آداب التجارة ، ح ٤.

(٥) المصدر نفسه ، باب ٣ من أبواب آداب التجارة ، ح ٥.

٢٢٣

مملِّكاً لما بقي من الثمن بعد فسخ العقد فيما قابله تماماً. وقد صرح صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه‌السلام بذلك فقال : « سألته عن رجل اشترى ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً فكرهه ثم ردّه على صاحبه فأبى ان يقبله إلاّ بوضيعة ، قال عليه‌السلام : لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة ، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الاول مازاد » (١) بناء على ان مبنى ذلك فساد الاقالة وبقاء الثوب على ملك المشتري.

وقد ذهب الى هذه النتيجة التى انتهينا اليها الامام مالك ، فقد جوّز البيع تولية والمشاركة فيه بربح في مالم يقبض ، فقد جاء في المدونة : « قلت : أرأيت إن اشتريت سلعة من رجل بنقد ، فلم اقبضها حتى أشركت فيها رجلاً أو وليتها رجلاً أيجوز ذلك ؟

قال : لا بأس بذلك عند مالك.

قلت : وإن كان طعاماً اشتريته كيلاً ، ونقدت الثمن فوليته رجلاً أو أشركته فيه قبل ان اكتاله من الذي اشتريته ؟

قال مالك : لا بأس بذلك وذلك الحلال إذا انتقد مثل ما نقد.

قلت : لم جوزه مالك وقد جاء في الحديث الذي يذكره مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام قبل ان يُستوفى ؟

قال : قد جاء هذا ، وقد جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى إلاّ ما كان من شرك أو اقالة أو تولية.

قال سحنون : وأخبرني ابن القاسم عن سليمان بن بلال عن ربيعة عن أبي عبدالرحمن عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه الا ماكان من شرك أو اقالة أو تولية.

__________________

(١) المصدر نفسه ، باب ١٧ من احكام العقود ، ح ١.

٢٢٤

قال مالك : اجتمع أهل العلم على أنّه لا بأس بالشرك والإقالة والتولية في الطعام قبل أن يستوفى إذا انتقد الثمن ممن يشركه أو يقيله أو يوليه » (١).

٤ ـ الصلح : اقول : لقد تقدم دليل المنع من بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ، أو المنع من بيع بضاعة السلم قبل حلول الأجل ، فهل الصلح الذي يذكر على أساس أنه عقد مستقل يختلف عن البيع والاجارة ، « وإن كانت نتيجته البيع أو الاجارة ». هل يشمله المنع المتقدم ؟

الجواب : بالعدم وذلك للتباين بين البيع والمصالحة التي تتحمل من المسامحة أكثر مما يتحمل البيع. هذا بالاضافة الى عدم وجود نص من الكتاب او السنة يمنع من التصرف في البضاعة السلمية ( حتى وإن كانت مكيلة او موزونة ) على أساس المصالحة قبل القبض ، فلا مناص من القول بصحة الصلح على المكيل أو الموزون قبل قبضه ، ومن القول بصحة المصالحة على البضاعة السلمية قبل حلول اجلها ولكن بشرط ان ينقد الثمن حالاًّ ، اما إذا كان نسيئة فيكون من باب بيع الدين بالدين على تفسير مشهور.

٥ ـ الحوالة : وهو ما يسمى بفكرة السلم الموازي الذي تكلّمنا عليه سابقاً فلا نعيد ، بل نؤكد على ان عقد الحوالة عقد مستقل له شروطه الخاصة ومواصفاته فلا يمكن ان يكون داخلاً في عقد البيع ، ولذلك لا يشترط في عقد الحوالة التقابض حتى ولو كان الدينان من النقود ، ولا يدخل في بيع الدين بالدين الذي يمنعه الفقهاء.

ونفس هذا الكلام قلناه في الوكالة في السلم الموازي فلا نعيد.

٦ ـ الحطيطة : وإذا نهت الروايات المتقدمة عن بيع المكيل أو الموزون مالم يقبض ، أو قام الاجماع على عدم جواز بيع مالم يحل أجله ، فهل تجوز الحطيطة عن

__________________

(١) المدونة ٤ ، ٨٠ ـ ٨١.

٢٢٥

رأس المال وانهاء هذه المعاملة ؟ أي بمعنى بيعها بأنقص من ثمنها.

والجواب : إذا كانت علة النهي في بيع المكيل أو الموزون قبل القبض هو أن لا يربح بدون ضمان ، فلابد من تجويز الحطيطة ، لأنّها ليست ربحً بدون ضمان ، ولكن لم يتّضح لنا أنّ المانع هو ذلك لانتقاضه بالسلعة السلمية إذا لم تكن مكيلة أو موزونة ، بالاضافة إلى أن بعض الروايات لم تجوّز الا البيع تولية أو الشركة بربح. وبما ان الحطيطة ليست تولية ولا شركة فلا تجوز. ولا يجوز بيعها قبل الاجل بالاولوية. إلاّ أنه يمكن القول في خصوص الروايات القائلة : « لا يجوز البيع الى تولية » بان المقصود هو العقد الاضافي اي بالاضافة الى المرابحة ، فحينئذ يكون المعنى بأن البيع بنحو المرابحة قبل القبض لا يجوز ، بل يلزم ان يكون تولية ، وليس المقصود أن الحطيطة لا تجوز. وعليه فيمكن الحكم بجواز الحطيطة تمسكاً بقاعدة : ( تجارة عن تراض ).

هذا كلّه في بيع المكيل والموزون قبل قبضه على غير بائعه ، اما إذا كان المشتري يريد بيع سلعته على نفس البائع بحطيطة ، لأنَّ سعر الحنطة الذي اشتراه قد تنزل فاصبح بعد الاجل قبل القبض أقل مما اشتراه إلى الاجل فهو جائز بل كلام لما سيأتي من جواز معاوضة السلعة المكيلة او الموزونة قبل قبضها بسعر يومها إذا وافق البائع على المعاوضة. وفي الحقيقة إنّ هذه ليست حطيطة عن الثمن ، بل هي معاوضة بسعر اليوم قبل القبض ، على مَنْ تكون السلعة المكيلة أو الموزونة في ذمته ، بل هي معاوضة بعد القبض لان ما في الذمة يكون مقبوضاً للمدين وان لم يكن مقبوضاً للدائن أو لفرد آخر. وقد ذكر الامام مالك جواز ذلك أيضاً فقال : « وما سلفت فيه من العروض إلى اجل من الآجال ، فاردت ان تبيعه من صاحبه فلا بأس ان تبيعه منه بمثل الثمن الذي دفعته إليه أو ادنى منه قبل محل الأجل ... » (١). اقول : ان هذا يختلف عن الاقالة بحطيطة لأنّه بيع ، بينما الحطيطة

__________________

(١) المدونة الكبرى ، ٤ / ٨٨.

٢٢٦

قبل الاجل على البائع اقالة ، والاقالة بوضيعة ممنوعة كما تقدم ذلك (١).

٧ ـ الاجارة : إذا كانت الروايات قد نهت عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ، فهل يجوز لنا ان نؤجره إذا كان قابلاً للاجارة بان كان يستفاد من عينه مع بقاء العين بدون تلف ؟ وإذا كان الاجماع قد منع من بيع السلعة السلمية قبل حلول اجلها ، فهل نتمكن ان نؤجرها قبل ذلك على ان تكون مدة الاجارة بعد الحلول والقبض ؟

والجواب : إن القاعدة تقتضي ذلك ، فيصح عقد الاجارة على المكيل أو الموزون قبل قبض المشتري له وقبل حلول الاجل ، ولكن لا يجب على المستأجر لهذه العين تسليم الاجرة الا بعد تسلم العين المؤجرة ، الا مع الشرط فإذا اشترط المستأجر تسليم الاجرة قبل تسلّم العين المؤجرة فيمكن ان تدخل الاجارة للعين السلمية قبل حلول أجلها أو قبل القبض مورد الاستثمار.

وربما يقال : بعدم فائدة هذا البحث لعدم وجود ما يكون سلعة سلمية مكيلة أو موزونة وتكون قابلة للاجارة. لأن شرط صحة الاجارة إمكان الإنتفاع بالشيء مع بقاء عينه ، والمكيل والموزون لا يمكن الانتفاع به عادة الا بانعدام عينه.

ولكن يقال : اننا نتكلم كلاماً عاماً ، سواء كان له مصداق في الخارج أو لا ، على انه يمكن ان نوجد مصداقاً له في الخارج الآن ، كما إذا افترضنا أن الالبسة ومجموعة ما يفرش على الارض كالسجاد ، وما يكون ملحفاً يلتحف به الانسان ، والحديد مما يباع بالكيل أو الوزن ، وحينئذ يمكن افتراض اجرتها مع بقاء عينها قبل القبض بشرط أن تُسلّم الاجرة مقدماً. على ان الزمان قد يوجد سلعاً تباع بالكيل أو الوزن مما تقبل الاجارة ، وقد قيل سابقاً ليس من دأب المحصل المناقشة في المثال.

__________________

(١) لا بأس بالتنبيه إلى ان هذا البحث يختلف عن اخذ المسلم اقل ما شرط في المعاملة السلمية فان هذا امر جائز ومنصوص يراجع ج ١٣ من وسائل الشيعة ، باب ١١ من السلم ، ح ١.

٢٢٧

عجز البائع عن تسليم البضاعة عند حلول الاجل في السلم : ( استبدال المسلَم فيه )

إنَّ المشتري لما كان مالكاً في ذمة البائع سلعة معينة موصوفة ، فإذا حلّ الاجل ولم تكن هذه السلعة موجودة لآفة سماوية ونحوها فمقتضى القاعدة هو تخيّر المشتري بين امور :

١ ـ فسخ المعاملة واستعادة الثمن الاولي لتخلف الوفاء بالشرط.

٢ ـ ينتظر وجود السلعة لحين توفرها في السوق.

٣ ـ يعاوض البائع عليها بجنس آخر غير الثمن الاولي إذا رضي البائع بذلك.

٤ ـ يأخذ قيمة المتاع حين الاستحقاق إذا رضي البائع بذلك.

٥ ـ يعاوض البائع بجنس الثمن الاولي بزيادة (١) عنه أو نقيصة إذا رضي البائع بذلك.

وواضح ان الامور الثلاثة الاخيرة لا تتعين على البائع كما اشرنا إلى ذلك ، وذلك لعدم وجود خطاب بدفع العين المتعذرة إلى المشتري ، وحينئذ لا تتعين قيمتها عند تعذرها ، بل إن تعذر العين يسقط أصل خطاب الدفع.

وهذا الذي تقدم بالاضافة إلى أنه على طبق القاعدة في تعذر مال السلم ، قد وردت فيه روايات خاصة منها :

١ ـ صحيحة الحلبي عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس بالسلم في الحيوان اذا سميت الذي تسلم فيه ، فوصفته ، فان وفيته والا فأنت

__________________

(١) في هذه الصورة يوجد خلاف ، فقد خالف الشيخ الطوسي رحمه‌الله استناداً الى خبر علي بن جعفر ( المتقدم الضعيف ) عن الامام موسى بن جعفر قال :

« سألته عن رجل له على آخر تمر ، أو شعير ، أو حنطة ، أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : اذا قوّمه دراهم فسد ، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم ... » وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، باب ١١ من السلم ، ح ١٣.

٢٢٨

أحق بدراهمك » (١).

٢ ـ موثقة عبدالله بن بكير قال : « سألت الامام الصادق عليه‌السلام عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوفِ سلفه ، قال عليه‌السلام : فليأخذ رأس ماله او لينظره » (٢).

٣ ـ صحيحة العيص بن القاسم عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل اسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى اذا حضر الاجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دواباً ومتاعاً ورقيقاً ، أيحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ؟ قال عليه‌السلام : نعم يسمي كذا وكذا بكذا وكذا صاعاً » (٣).

٤ ـ ابان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن الامام الصادق عليه‌السلام : « في الرجل يسلم الدراهم في الطعام الى أجل ، فيحلّ الطعام فيقول ليس عندي طعام ، ولكن انظر ما قيمته فخذ منّي ثمنه ؟ قال عليه‌السلام : لا بأس بذلك » (٤) وعن علي بن محمد قال : « كتبت اليه : رجل له على رجل تمر أو حنطة او شعير او قطن ، فلما تقاضاه قال : خذ بقيمة مالك عندي دراهم ، أيجوز له ذلك أم لا ؟ فكتب : يجوز ذلك عن تراض منهما إن شاء الله » (٥).

ولا يقال في الصور الثلاثة الاخيرة بان هذه بيع للمكيل او الموزون قبل القبض وهو منهي عنه.

والجواب ( كما تقدم ) ان المنع في بيع المكيل او الموزون قبل قبضه انما هو على غير البائع ، اما بيعه والمعاوضة عليه مع بائعه فلا بأس بذلك. وبعبارة اُخرى ان

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، باب ١١ من السلف ، ح ١٧.

(٢) المصدر السابق ، ح ١٤.

(٣) المصدر السابق ، ح ٦.

(٤) المصدر السابق ، ح ٥.

(٥) المصدر السابق ، ح ١١.

٢٢٩

هذا الادلة الدالة على جواز المعاوضة مع البائع قبل ان يتسلم المشتري البضاعة تقيّد الروايات المانعة من بيع المكيل اوالموزون قبل قبضه بالبيع على غيرالبائع هذا ( كله بناءاً ) على أن الاستبدال ( في صورة ما اذا لم يوجد المسلَم فيه ) بيع ، وهو غير مسلَّم.

وفي حكم تعذر المبيع في السلم عند الحلول ، موت البائع قبل الأجل وقبل وجود المبيع ، حيث ان الموت يجعل الدين حالاًّ. وهناك صورة اخرى مختصة بما اذا كان البائع قد أحضر في الاجل قسماً من بضاعة السلم ولم يوجد القسم الآخر ، فهنا في حالة كون عدم القبض لا بتفريط من المشتري يكون بالخيار في أخذ المهيأ له ورأس ماله المقابل لغير الموجود او الفسخ بالجميع او الانتظار لحين وصول الباقي ، واما حالة ما اذا كان عدم القبض بتقصير من المشتري فلا خيار له ، بل يجب عليه اخذ الموجود وانتظار الباقي.

وقد يقال في الحالة الاولى ـ عندما يأخذ المشتري الموجود ويفسخ في غير الموجود ـ بوجود خيار للبائع وهو خيار تبعض الصفقة ، كما هو ليس ببعيد لو لم يكن التقصير في تبعض الصفقة قد نشأ من البائع نفسه ويدل على الصورة الاخيرة صحيحة الحلبي عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك الى أجل مسمى ؟ قال عليه‌السلام : لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه ، ( له ) ان يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم ، ويأخذ دون شروطهم ... » (١).

وصحيحة عبدالله بن سنان قال : « سألت الامام الصادق عليه‌السلام عن الرجل يسلم في الطعام ( الى ان قال ) : أرأيت إن اوفاني بعضاً وعجز عن بعض أيصلح إن آخذ بالباقي رأس مالي ؟ قال : نعم ما أحسن ذلك » (٢) ومعنى ذلك

__________________

(١) المصدر نفسه ، ح ١.

(٢) المصدر نفسه ، ح ٢.

٢٣٠

وجود اشياء جائزة ايضاً كالفسخ او الانتظار لحين وصول الباقي ، كما تقدم ذلك في صورة عدم تقصير المشتري في عدم القبض.

صحة الشرط الجزائي عن تأخير تسليم البضاعة :

لقد عرف الفقه الامامي الشرط الجزائي في عقد الاجارة ، فقد روى الحلبي في الصحيح قال : « كنتُ قاعداً الى قاض وعنده ابوجعفر ( الامام الباقر عليه‌السلام ) جالس ، فجاءه رجلان فقال احدهما : إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً الى بعض المعادن ، فاشترطتُ عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنَّها سوق أخاف أن يفوتني ، فان احتبستُ عن ذلك حططت من الكراء لكل يوم احتَبسته كذا وكذا ، وأنه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً ؟ فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفِّهِ كراه ». فلما قام الرجل أقبل اليَّ ابوجعفر عليه‌السلام فقال : « شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه » (١).

اقول : فان لم تكن خصوصية لعقد الاجارة في صحة الشراط الجزائي ، فيكون الشرط الجزائي صحيحاً في جميع العقود إن لم يكن هناك نهي عنه ، هذا بالاضافة الى الحديث الصحيح : « المسلمون عند شروطهم » فاذا اشترط المشتري لبضاعة السلم أنّ أيّ تأخير يحصل في تسليم البضاعة يستوجب نقصان قيمة البضاعة بمقدار ١٠ % من الثمن الاصلي ، او أن البضاعة السلمية اذا تأخّرت شهراً عن الاجل المحدد نقصت قيمة البضاعة ١٠ % من الثمن الاصلي ، فان تأخرت شهرين نقصت ٢٠ % ، فان هذا الشرط يكون صحيحاً ونافذاً حسب قاعدة « المؤمنون عند شروطهم » وما لم يحط بجميع السعر حسب « ما لم يحط بجميع كراه » او حسب ما تسالم عليه الارتكاز العقلائي من عدم صحة هكذا شرط يكون مؤداه

__________________

(١) المصدر نفسه ، باب ١٣ من الاجارة ، ح ٢.

٢٣١

اشتريت البضاعة السلمية بلا ثمن. بل إن ( أوفوا بالعقود ) يوجب علينا العمل بالعقد الذي اشترطت فيه الشرط الجزائي اذا كان معنى العقد موجوداً معه ، فانه بعمومه يدل على وجوب الوفاء بالعقد الذي شرط فيه الشرط الجزائي. ثم ان هذا الشرط الجزائي الذي يذكر في متن العقد له صورتان صحيحتان :

الصورة الاولى : ان يكون على نحو شرط النتيجة : ومثاله ما تقدم ، اذ يكون المشروط له ( على تقدير مخالفة الشرط ) قد ملك مقدار النقصان على ذمة المشروط عليه.

الصورة الثانية : ان يكون على نحو شرط الفعل : وهو ان يقول له : اذا تخلفت عن تسليم البضاعة في وقتها المحدد الى شهر فعليك ان تدفع لى مقدار عشرة دنانير ، فان تخلفت الى شهرين فعليك ان تدفع عشرين ديناراً ، ففي هذه الصورة لا يوجد اشتغال ذمة المشروط عليه عند التخلف ، بل يجب عليه تمليك المقدار المعين حسب الشرط ، فان لم يفعل فقد فعل حراماً فقط.

وهناك صورة ثالثة : كما لو قال : إذا تأخرت عن تسليم البضاعة في الوقت المحدد فينقص الثمن ( ولم يحدد النقصان ) ففي هذه الصورة تبطل المعاملة لجهالة الثمن على تقدير التأخير (١).

والتحقيق : إننا نستثني من صحة الشرط الجزائي في البيوع ما اذا كان الثمن نسيئة او المثمن مؤجلاً ( كلياً في الذمة ) لما ثبت من أن بيع النسيئة الذي يكون الثمن في ذمة المشتري لا يجوز فيه تأجيل الثمن وتأخيره في مقابل المال لانه داخل ربا

__________________

(١) تعرضنا للشرط الجزائي بصورة اوسع في بحث المناقصات ، فمن اراد التوسع فليراجع بحثنا في المناقصات. وقد يقال : إن الثمن في مقابل العين في البيع ، واما الشرط فهو إن تخلف فيوجب خيار الفسخ ولا يقسّم عليه الثمن ، وهذا القول صحيح ولكننا ندعي أن الشرط الجزائي الذي شرطه المشتري وقبله البائع يوجب عليه العمل به وهو يوجب ان يملك المشتري مقداراً المثمن او يملّك من قبل البائع ، فان لم يفعل بهذا الشرط الثاني كان الخيار للمشتري بالفسخ.

٢٣٢

الجاهلية « أتقضي ام تُربي » فكذا لا يجوز الزيادة في أجل المثمن في البيع السلمي في مقابل المال لانه مصداق من مصاديق الربا الجاهلي.

نعم لنا طريق واحد لضبط تصرف البائع ، وهو أن يشترط المشتري على البائع كمية من المال اذا تخلف عن تنفيذ العقد ، وهذا هو السعر العربون الذي أجازه المجمع في دورة سابقة. ولكن هذا لا يكون بديل للشرط الجزائي في صورة تأخر البائع عن تسليم البضاعة.

والخلاصة : إن الشرط الجزائي في صورة تأخير تسليم البضاعة باطل لانه شرط مخالف للسُنة.

اصدار سندات سَلَم قابلة للتداول وضوابط ذلك في حال الجواز :

اذا كانت هناك شركة لبيع الحديد او الرصاص أو اي متاع من الامتعة أو أي طعام من الاطعمة التي يصح فيها السلم ، وقد عقدت الشركة عقد سلم مع شخص معين الى أجل محدد ، فقد تقدم انه لا يجوز له بيع بضاعة السلم قبل حلول الاجل ، وكذا لا يصح بيع المكيل او الموزون بعد الاجل قبل القبض الا تولية او شركة ، وقد قلنا فيما سبق بجواز ايجاد الوكالة في استلام البضاعة السلمية او الحوالة فيها بعد ايجاد ما يسمى بالسلم الموازي ، وجواز المصالحة والاقالة والاجارة قبل الاجل او قبل القبض. اما هنا فنريد ان نفتش عن امكان ان تقوم الشركة او الحكومة باصدار صك سلم قابل للتداول ، فنطرح هنا هذه الافكار للتداول والمناقشة وخلاصتها :

١ ـ ان تقوم الجهة ( حكومة او شركة او غيرهما ) باصدار صك ( وثيقة ) تفيد أنها تبيع البضاعة السلمية المعينة الى من يشتريها على ان تسلم له بعد سنة مثلاً ولكن الشركة لا تكون مسؤولة الا امام من يبرز هذه الوثيقة عند حلول الاجل. وهنا من يشتري هذه البضاعة السلمية ويتسلم الوثيقة لا يمكنه ان يبيع

٢٣٣

البضاعة السلمية قبل الاجل او لا يمكنه من بيع المكيل او الموزون قبل القبض ، وهذا شيء صحيح الا أنّه هل يتمكن ان يهب هذه البضاعة السلمية لشخص آخر بشرط أن يهب الآخر له شيئاً معيناً ( وليكن كمية من المال ) ؟

الجواب : ذكرنا ان الهبة عقد مستقل يختلف عن البيع حتى وان كانت الهبة مشروطة بهبة الآخر له شيئاً آخر ، لان الهبة المعوضة ( المشروط فيها هبة الآخر كمية من المال ) عبارة عن التمليك الذي اشترط فيه العوض فهي ليست انشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة ، لذا لا يكون تملك للعوض بمجرد هبة الواهب الى الموهوب له وتملكه ما وهب له ، بل غاية الامر ان الموهوب له بعد ان تملّك ما وهب له يجب عليه ان يعمل بالشرط فيملّك العوض ، فان لم يفعل كان للواهب الرجوع في هبته نتيجة اقتضاء عدم العمل بالشرط.

وعلى هذا فان التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط في الهبة ، يكون عبارة عن تمليك جديد يُقصد به وقوعه عوضاً ، لا ان حقيقة المعاوضة والمقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الاولى.

ولو كانت الهبة المعوضة هي تمليك بعوض على جهة المقابلة ، فلا يعقل تملّك احدهما لاحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر ، مع ان ظاهر الفقهاء في الهبة المعوضة هو عدم تملّك العوض بمجرد تملّك الموهوب له الهبة كما تقدم.

اذن قد اتضح أن البيع يختلف عن الهبة المعوضة اختلافاً اساسياً حيث أن حقيقة البيع : تمليك العين بالعوض ، وهذا لا يكون هبة معوضة وإن قصدها. وحقيقة الهبة المعوضة : هي التمليك المستقل مع اشتراط العوض في تمليك مستقل يقصد به العوضية. وهذا ليس معاوضة حقيقية مقصودة في كل من العوضين ، وبهذا يبطل ما يقال من أن الهبة المعوضة هي بيع للاختلاف الحقيقي في معنييهما.

ولكن الذي يقف في وجه هذه العملية : ان الهبة لابدّ في صحتها من القبض ،

٢٣٤

والقبض للبضاعة لا يحصل بقبض الوثيقة ، بل يحصل بقبض مصداق الوثيقة وهي العين الخارجية.

ولكن : أليس من حقنا ان نتساءل في ان الاعلان عن كون الشركة مسؤولة عمن يبرز هذه الوثيقة عند الاجل يكون قد جعل للوثيقة قيمة عرفية ؟ وعلى هذا فهل يمكن ان يهب صاحب الوثيقة القيمة العرفية لهذه الورقة بما تحمل من قدرتها على تحقق البضاعة السلمية ويكون تسليمها هو تسليم لقيمتها بما تحمل من قدرة على البضاعة كهبة الدينار والدرهم ؟

٢ ـ إنّ المشتري للوثيقة يتمكن أن يوكل شخصاً في استلامها في اجلها ، مع اسقاط حق عزله من الوكالة في عقد لازم ويجعل وكالته مطلقة بحيث يتمكن ان يفعل الوكيل بالبضاعة السلمية كل ما يحلوله حتى بيعها او هبتها او اكلها أو اتلافها وما الى ذلك ، وبما ان هذه الوكالة بهذه الصفة لها ثمن ، فيتمكن الموكِّل ان يأخذ ثمن هذه الوكالة ، وهكذا يفعل الثاني والثالث ، وحينئذ لم يصدق ان المشتري قد نقلها قبل الأجل او قبل القبض مع تحقق فكرة تداول صكوك السلم ودخولها في الاسثمار ، فهل تكون هذه الفكرة كافية لتداول صكوك السلم ؟

وعيب هذه الفكرة الثانية هو فيما اذا مات أحد الأفراد قبل حلول الأجل فقد سقطت الوكالة ، وحينئذ يستحق البضاعة السلمية ورثة الميت ( لا من بيده الوثيقة وورثته ) ، وهذا مما يُلَكِّأ هذا الطريق.

٣ ـ قد نقول بان التداول لصكوك السلم يحصل فيما اذا اقترض صاحب السلعة ( صاحب الوثيقة والصك ) مقدار هذه البضاعة من المال ، ثم يقوم صاحب السلعة بمصالحة الدائن عما في ذمته من الدين بما في ذمة بائع السلم ، فاذا كانت المصالحة عقداً مستقلاً ولا ارتباط لها بالبيع ، فهل تكون هذه العملية كافية لتداول صكوك السلم ؟

٤ ـ وقد تأخذ الشركة بقانون الجعالة بان تقول الشركة : « مَنْ وهب لي كذا

٢٣٥

مقداراً من النقود فله البضاعة التي ترد بعد شهر » يقول الواهب الذي استحق البضاعة بعد الأجل وهكذا.

خلاصة البحث

وتلخيص البحث يكون بذكر عدة نقاط :

١ ـ عُرف السَلَم بانه : « ابتياع مال مضمون الى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه ».

٢ ـ دلّت على مشروعيته العمومات القرآنية مثل : ( أحل الله البيع ) والروايات المتواترة واجماع المسلمين.

٣ ـ اتضح لدينا ان مشروعية السلم أصلية وليست استثناء ، وقد استدللنا على ذلك بروايات صحيحة دلّت على جواز بيع النخل والفاكهة سنتين أو أكثر ، وجواز بيع ثمرة الحائط إذا كان فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها ولم يدرك الآخر ، وجواز بيع ما يجزّ ، جزّتين أو ثلاث جزات وما يخرط خرطة أو خرطات ، وجواز الاجارة التي هي بيع منفعة معدومة.

كما استدللنا على أن المشروعية للسلم أصليّة بجواز بيع الحصة المشاعة والكلي في المعين ، حيث ان الكلي في الذمة لا يختلف في اصله عنهما.

٤ ـ شروط السلم ستة هي : « اذكر الجنس والوصف الرافعين للجهالة ، وقبض رأس المال قبل التفرق وتقدير المسلم فيه ، والثمن بأحد المقادير الرافعة للجهالة ، وتعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقيصة ، وان يكون المسلم فيه موجوداً غالباً بحسب العادة وقت الحلول ». وقد تبين اخيراً أن شرطين اساسيين هما الشروط الخاصة بالسلم وهما ان يكون المسلَم فيه مؤجلاً ويعين الاجل وان يقبض رأس المال قبل التفرق.

٥ ـ ان المعاملات التي يجوز فيها السلم هي كما يلي :

٢٣٦

أ ـ بيع السلم المعروف الذي يكون الثمن فيه هو النقد والمثمن عبارة عن سلعة من السلع.

ب ـ اسلاف الاعراض في الاعراض إذا اختلفت.

ج ـ اسلاف الاعراض في الاعراض إذا اتفقت ولم تكن مقدرة بالكيل أو الوزن ، كالثياب في الثياب.

د ـ اسلاف الاثمان في الاعراض ، وقد يقال له بيع النسيئة باعتبار آخر.

ه‍ ـ اسلاف الاوراق النقدية بالاوراق النقدية إذا كانا من جنسين مختلفين على القول المشهور القائل : بعدم وجوب التقابض فيها.

و ـ يجوز أن يكون ما في الذمة ثمناً في السلم إذا كان حالاً.

ز ـ يمكن تجزئة تسليم السلم على اوقات متفرقة معلومة.

٦ ـ ان السلم يجري في كل سلعة تنضبط في الوصف على وجه ترتفع الجهالة ولا يؤدي إلى عزة الوجود ، وهذا هو الضابط في انواع السلع التي يجري فيها السلم.

٧ ـ ان كل شيء لا يمكن ضبطه بالوصف بحيث تبقى بعد بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره جهالة فاحشة مقتضية إلى التنازع ، لا يصحّ فيه السلم.

٨ ـ ان الماركة المعينة إذا كانت توجِد في السلعة ( ذات العنوان المشترك ) خصوصيات معينة تجعلها متميزة في خصوصياتها أو في تصنيعها عن بقية السلع بدون هذه الميزة ، فهي صنف مستقل عن بقية الماركات. كما ان اشتراط المشتري ماركة معينة لغرض عقلائي يوجب ان تكون هذه الماركة صنفاً مستقلاً عن بقية الماركات التي يشترك افرادها في الخصوصيات.

٩ ـ لا يجوز بيع البضاعة السلمية قبل حلول الاجل الا على البائع تولية أو بأقل من ثمنها.

١٠ ـ لا يجوز بيع بضاعة السلم « إذا كانت مكيلة أو موزونة » بعد حلول

٢٣٧

الاجل وقبل القبض ، على غير بائعه الا تولية أو شركة. وهذا هو معنى اشتراط قبض المكيل أو الموزون في جواز بيعه على غير بائعه مرابحة.

١١ ـ ان اشتراط قبض المكيل أو الموزون قبل بيعه على غير بائعه هو امر تعبدي لم نجد له حكمة معقولة.

١٢ ـ يجوز بيع بضاعة السلم ( إذا لم تكن مكيلة أو موزونة ) على غير بائعها بعد حلول الاجل وقبل القبض ، استناداً إلى قاعدة الناس مسلطون على اموالهم ، بل وورود الرخصة في ذلك في النصوص المتقدمة.

١٣ ـ يجوز لمن اشترى سلماً ان يبيع صفقة سلمية قبل الاجل أو قبل القبض ثم يحوّل المشتري الجديد على بائعه بنفس المقدار الذي اشتراه أو يوكله في القبض وهذه هي فكرة السلم الموازي التي نطقت بها بعض النصوص المتقدمة وهي خارجة عن حريم المنع الذي تقدم في بيع المكيل أو الموزون قبل القبض أو بيع البضاعة السلمية قبل الأجل.

١٤ ـ يجوز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه على البائع ما لم يستلزم الربا ، وذلك لتصريح الروايات بذلك.

١٥ ـ ان التحقق من قدرة البائع في بيع السلم على توفير السلعة لا يقوم مقام القبض كما ان التأمين على السلعة المسلم فيها أو وجودها في مخازن عمومية منظمة لا يغني عن القبض ، كل ذلك للتباين بين القبض الذي اشترط في بيع السلعة المكيلة أو الموزونة وبين هذه الأمور التي غاية ما تفيد ضمان السلعة السلمية ، وهو يختلف عن القبض الذي هو مفهوم محسوس.

١٦ ـ تجوز عدة تصرفات في المكيل والموزون السلمي قبل القبض كما تجوز عدّة تصرفات في البضاعة السلمية قبل حلول الاجل وهي :

١ ـ التولية في البضاعة السلمية قبل الاجل ، أو قبل القبض.

٢ ـ الشركة بربح في البضاعة السلمية قبل الاجل أو قبل القبض.

٢٣٨

٣ ـ الاقالة.

٤ ـ الصلح.

٥ ـ الحوالة أو الوكالة.

٦ ـ الحطيطة ، على بعض الآراء.

٧ ـ الاجارة.

١٧ ـ إذا عجز البائع عن تسليم البضاعة عند حلول الاجل في السلم فيتمكن المشتري من اتباع عدة خطوات :

١ ـ فسخ المعاملة واستعادة الثمن الاولي لتخلف الشرط.

٢ ـ ينتظر وجود السلعة لحين توفرها في السوق.

٣ ـ يعاوض البائع عليها بجنس آخر غير الثمن الاولي إذا رضي البائع بذلك.

٤ ـ يأخذ قيمة المتاع حين الاستحقاق اذا رضي البائع بذلك.

٥ ـ يعاوض البائع بجنس الثمن الاولي بزيادة عنه أو نقيصة إذا رضي البائع بذلك.

كل ذلك دلت عليه النصوص المتقدمة.

١٨ ـ إن الشرط الجزائي في صورة تأخير تسلم البضاعة ، إذا كان معيناً بنقصان الثمن أو بدفع مبلغ من المال أقل من الثمن فهو شرط صحيح يجب الوفاء به ، للنص الوارد في عقد الاجارة ولصحة الشروط مالم تكن مخالفة لكتاب الله وسنة نبيّه. اما إذا كان الشرط الجزائي يجعل البضاعة السلمية بدون ثمن أو كان النقصان من الثمن غير معلوم فهو شرط باطل.

١٩ ـ طرحنا هنا فكرة اصدار سندات سلميّة قابلة للتداول خلاصتها : هو ان تصدر الشركة وثيقة ( صكاً ) يفيد بيع كمية من السلع المعينة بثمن معين ، يباع لمن اراد على ان يكون حامل الصك هو المالك له. ثم يقوم الحامل للصك بهبته بشرط ان يهب له الموهوب له شيئاً آخر. وعيب هذه الفكرة هو ان الهبة يشترط في

٢٣٩

صحتها القبض ولم يكن هناك قبض للبضاعة السلمية. ولكن تساءلنا عن امكان أن يهب حامل الوثيقة القيمة العرفية لهذه الوثيقة بما تحمل من قدرتها على تحقق البضاعة السلميّة ، ويكون تسليمها هو تسليم لقيمتها كهبة الدينار والدرهم ؟

كما طرحنا فكرة ان يوكِّل صاحب الصك شخصاً في استلام البضاعة السلمية في وقتها وكالة غير قابلة للعزل ويوكّله في التصرف فيها بأي أنواع التصرف حتى الاتلاف والاكل والبيع ، وهذه الوكالة بهذه الصورة لها قيمة ، فيتمكن الموكل ان يأخذ قيمة هذه الوكالة فهل بهذه الفكرة نتمكن ان نجعل صكوك السلم قابلة للتداول ؟

وهناك فكرة ثالثة عبارة عن اقتراض صاحب السلعة مقداراً من المال يساوي ثمن البضاعة السلمية ، ثم يقوم صاحب السلعة بمصالحة الدائن عما في ذمته من الدين بما في ذمة بائع السلم ، فان كانت المصالحة عقداً مستقلاً لا ارتباط له بالبيع ، فهل تكون هذه العملية كافية لتداول صكوك السلم ؟

* * *

٢٤٠