منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٣

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٣

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٣٧٣

الفصـل الثاني

في غير الحيوان

مسألة ٩١٠ : يحرم تناول الاعيان النجسة وكذا المتنجسة ما دامت باقية على تنجسها مائعة كانت أم جامدة.

مسألة ٩١١ : إذا وقعت النجاسة في الجسم الجامد ـ كالسمن والعسل الجامدين ـ لزم رفع النجاسة وما يكتنفها من الملاقي معها برطوبة ويحل الباقي ، وإذا كان المائع غليظاً ثخيناً ـ بأن كان بحيث لو أخذ منه شيء بقي مكانه خالياً حين الاخذ وإن امتلاَ بعد ذلك ـ فهو كالجامد ، ولا تسري النجاسة الى تمام اجزائه إذا لاقت بعضها بل تختص النجاسة بالبعض الملاقي لها ويبقى الباقي على طهارته.

مسألة ٩١٢ : يحرم استعمال كل ما يضر ضرراً بليغاً بالانسان ، سواء أكان موجباً للهلاك كتناول السموم القاتلة وكشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين ، أم كان موجباً لتعطيل بعض الاعضاء أو فقدان بعض الحواس ، كاستعمال ما يوجب شلل اليد أو عمى العين ، والاَحوط عدم استعمال الرجل أو المرأة ما يجعله عقيماً لا يقدر على التناسل والانجاب وان كان جوازه في حد ذاته لا يخلو عن وجه.

مسألة ٩١٣ : لا فرق في حرمة استعمال المضر ـ بالحدّ المتقدم ـ بين معلوم الضرر ومظنونه بل ومحتمله ايضاً إذا كان احتماله معتداً به عند العقلاء ولو بلحاظ الاهتمام بالمحتمل بحيث أوجب الخوف عندهم ، وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتب عليه عاجلاً أو بعد مدة.

٣٠١

مسألة ٩١٤ : يجوز للمريض ان يتداوى بما يحتمل فيه الضرر البليغ ويؤدي اليه احياناً اذا استصوبه له الطبيب الموثوق به بعد موازنته بين درجتي النفع والضرر احتمالاً ومحتملاً ، بل يجوز له المعالجة بما يؤدي الى الضرر البليغ إذا كان ما يدفع به أعظم ضرراً وأشد خطراً ، ومن هذا القبيل قطع بعض الاعضاء دفعاً للسراية المؤدية الى الهلاك ، ولكن يشترط في ذلك ايضاً أن يكون الاقدام عليه عقلائياً ، بان يكون العمل صادراً برأي الطبيب الحاذق المحتاط غير المتسامح ولا المتهور.

مسألة ٩١٥ : ما كان كثيره يضر ضرراً بليغاً دون قليله يحرم كثيره دون قليله ، ولو فرض العكس كان بالعكس ، وكذا ما يضر منفرداً لا منضماً مع غيره يحرم منفرداً لا منضماً ، وما كان بالعكس كان بالعكس.

مسألة ٩١٦ : ما لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلاً ، ولكن يضر ادمانه وتكرر تناوله والتعود به يحرم تكراره المضر خاصة.

مسألة ٩١٧ : يحرم استعمال الترياق ومشتقاته وسائر انواع المواد المخدرة إذا كان مستتبعاً للضرر البليغ بالشخص سواء أكان من جهة زيادة المقدار المستعمل منها أم من جهة ادمانه ، بل الاَحوط الاجتناب عنها مطلقاً إلاّ في حال الضرورة فتستعمل بمقدار ما تدعو الضرورة إليه.

مسألة ٩١٨ : يحرم اكل الطين وهو التراب المختلط بالماء حال بلته ، وكذا المدر وهو الطين اليابس ، ويلحق بهما التراب والرمل على الاحوط وجوباً ، نعم لا بأس بما يختلط به حبوب الحنطة والشعير ونحوهما من التراب والمدر مثلاً ويستهلك في دقيقهما عند الطحن ، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار إذا كان قليلاً بحيث لا

٣٠٢

يعد أكلاً للتراب ، وكذا الماء المتوحل أي الممتزج بالطين الباقي على اطلاقه ، نعم لو أحست الذائقة الاجزاء الطينية حين الشرب فالاحوط الاولى الاجتناب عن شربه حتى يصفو.

مسألة ٩١٩ : لا يلحق بالطين الاحجار وانواع المعادن والاشجار فهي حلال كلها مع عدم الضرر البليغ.

مسألة ٩٢٠ : يستثنى من الطين طين قبر الاِمام الحسين عليه‌السلام للاستشفاء ، ولا يجوز اكله لغيره ، ولا أكل ما زاد عن قدر الحمصة المتوسطة الحجم ، ولا يلحق به طين قبر غيره حتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاَئمة عليهم‌السلام، نعم لا بأس بان يمزج بماء أو مشروب آخر على نحو يستهلك فيه والتبرك بالاستشفاء بذلك الماء وذلك المشروب.

مسألة ٩٢١ : قد ذكر لاخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وادعية خاصة ، ولكن الظاهر انها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها.

مسألة ٩٢٢ : القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً فالاحوط وجوباً الاقتصار عليه ، واستعمالها فيما زاد على ذلك ممزوجة بماء أو مشروب آخر على نحو تستهلك فيه ويستشفى به رجاءً.

مسألة ٩٢٣ : تناول التربة المقدسة للاستشفاء يكون اما بازدرادها وابتلاعها ، واما بحلّها في الماء ونحوه وشربه ، بقصد التبرك والشفاء.

مسألة ٩٢٤ : إذا أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بانه من تلك التربة المقدسة بالحد المتقدم فلا اشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ،

٣٠٣

وفي كفاية قول الثقة أو ذي اليد اشكال إلاّ ان يورث الاطمينان ، والاَحوط وجوباً في غير صورة العلم والاطمينان وقيام البينة تناولها ممزوجاً بماء ونحوه بعد استهلاكها فيه.

مسألة ٩٢٥ : يجوز اكل الطين الارمني والداغستاني وغيرهما للتداوي عند انحصار العلاج فيها.

مسألة ٩٢٦ : يحرم شرب الخمر بالضرورة من الدين بحيث يحكم بكفر مستحلِّها مع التفاته الى أن لازمه انكار رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجملة بتكذيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغ حرمتها عن الله تعالى ، وقد وردت اخبار كثيرة في تشديد امرها والتوعيد على ارتكابها ، فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من شرب الخمر بعد ما حرمها الله على لساني فليس بأهل ان يُزوّج اذا خطب ، ولا يشفّع إذا شفع ، ولا يصدّق إذا حدث ، ولا يعاد إذا مرض ، ولا يشهد له جنازة ، ولا يؤتمن على امانة ) ، وفي رواية اخرى : ( لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها ، وعاصرها ، وشاربها ، وساقيها ، وحاملها ، والمحمول اليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وآكل ثمنها ) ، وعن الصادق عليه‌السلام : ( ان الخمر اُم الخبائث ، ورأس كل شر ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه ، ولا يترك معصية إلاّ ركبها ، ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها ، ولا رحماً ماسة إلاّ قطعها ، ولا فاحشة إلاّ أتاها ، وان شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون ، وان شربها حتى سكر منها نزع روح الايمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ، ولم تقبل صلاته اربعين يوما ) ، وفي بعض الروايات : ( ان مدمن الخمر كعابد الوثن ) وقد فسر المدمن في بعضها بانه ليس الذي يشربها كل يوم ولكنه الموطِّن نفسه

٣٠٤

انه إذا وجدها شربها.

مسألة ٩٢٧ : يلحق بالخمر ـ موضوعاً أو حكماً ـ كل مسكر جامداً كان أم مائعاً ، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره.

مسألة ٩٢٨ : إذا انقلبت الخمر خلاًّ حلّت سواء أكان بنفسها أو بعلاج ، وسواء أكان العلاج بدون ممازجة شيء معها كما إذا كان بتدخين أو بمجارة شيء أو كان بالممازجة ، وسواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلاً ـ كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخل فاستهلكا فيها ثم انقلبت خلاً ـ أم لم يستهلك بل بقي فيها الى ما بعد الانقلاب ، ويطهر الباقي من المزيج بالتبعية كما يطهر بها الاناء ، نعم إذا كان الاناء متنجساً بنجاسة خارجية قبل الانقلاب لم يطهر ، وكذا إذا وقعت النجاسة فيها قبل ان تنقلب وان استهلكت فيها.

مسألة ٩٢٩ : الفقاع حرام ، وهو شراب معروف يوجب النشوة عادة لا السكر ، وكان يتخذ في الصدر الاَول من الشعير في الاغلب ، وليس منه ماء الشعير الذي يستعمله الاطباء في معالجاتهم.

مسألة ٩٣٠ : يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس ، بل الاَحوط الاولى الاجتناب عنه بمجرد النشيش وان لم يصل الى حد الغليان ، واما العصير الزبيبي فلا يحرم بالغليان ما لم يوجب الاسكار ، وان كان الاَحوط استحباباً الاجتناب عنه وهكذا الحال في العصير التمري.

مسألة ٩٣١ : الماء الذي تشتمل عليه حبة العنب بحكم عصيره في تحريمه بالغليان على الاحوط ، نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه ،

٣٠٥

فلو وقعت حبة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغلي لم يحكم بحرمتها ما لم يعلم بغليان ما في جوفها من الماء وهو غير حاصل غالباً.

مسألة ٩٣٢ : من المعلوم ان الزبيب ليس له عصير في نفسه ، فالمقصود بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة إمّا بان يدق ويخلط بالماء وأما بأن ينقع في الماء ويمكث الى أن يكتسب حلاوته بحيث يصير في الحلاوة بمثابة عصير العنب ، وأما بأن يمرس ويعصر بعد النقع فتستخرج عصارته ، وأما إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء فالظاهر ان ما فيه ليس من عصيره فلايحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغلي ، وعلى هذا فلا اشكال في وضع الزبيب في المطبوخات مثل المرق والمحشي والطبيخ وان دخل فيه ماء وغلى فضلاً عما إذا شك فيه.

مسألة ٩٣٣ : عصير العنب المغلي ـ إذا لم يصر مسكراً بالغليان ـ تزول حرمته بذهاب ثلثيه بحسب الكم لا بحسب الثقل ، ولا فرق بين ان يكون الذهاب بالنار أو ما يلحق بها كالاسلاك المحماة بالكهرباء او بالاشعة أو بالشمس أو بالهواء على الاقوى ، واما مع صيرورته مسكراً بالغليان ـ كما ربما يدعى ذلك فيما إذا غلى بنفسه ـ فلا تزول حرمته إلاّ بالتخليل ولا أثر فيه لذهاب الثلثين ، وهكذا الحكم في العصير التمري والزبيبي اذا صارا مسكرين.

مسألة ٩٣٤ : اذا صار العصير المغلي دبساً قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفى ذلك في حليته على الاحوط لزوماً.

مسألة ٩٣٥ : إذا اختلط العصير بالماء ثم غلى يكفي في حليته ذهاب

٣٠٦

ثلثي المجموع ، فلو صبّ عشرين رطلاً من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثم طبخه حتى ذهب منه عشرون وبقي عشرة فهو حلال ، وبهذه الطريقة يمكن طبخ بعض اقسام العصير مما لا يمكن لغلظه ان يطبخ على الثلث لانه يحترق ويفسد قبل أن يذهب ثلثاه ، فيصب فيه الماء بمقداره أو أقل منه أو أكثر ثم يطبخ الى أن يذهب الثلثان.

مسألة ٩٣٦ : لو صب على العصير المغلي قبل ان يذهب ثلثاه مقدار من العصير غير المغلي وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الاول مع ما صبّ ثانياً ، ولا يحسب ما ذهب من الاول أولاً ، فإذا كان في القدر تسعة أكواب من العصير فغلى حتى ذهب منه ثلاثة وبقي ستة ثم صب عليه تسعة أكواب اُخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلي حتى يذهب عشرة ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستة.

مسألة ٩٣٧ : إذا صبّ العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه في عصير آخر قد غلى ولم يذهب ثلثاه ايضاً فان تساويا في المقدار الذاهب كما لو كان الذاهب من كل منهما ثلثه كفى في الحلية ذهاب البقية من المجموع وهي نصفه في المثال. واما مع عدم تساويهما في ذلك كما لو كان الذاهب من احدهما نصفه ومن الآخر سدسه فلابد لحلّية المجموع من ان يذهب منه بنسبة ما كان يلزم ذهابه من العصير الثاني ـ الذي كان المقدار الذاهب منه أقل ـ الى المقدار الباقي منه وهي ثلاثة أخماسه في المثال.

مسألة ٩٣٨ : لا بأس بان يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل السفرجل والتفاح وغيرهما ويطبخ فيه ، ولكن لا يحل المطروح بذهاب ثلثي ما في الاِناء من العصير ، بل لابد من ذهاب ثلثي ما جذبه الى جوفه

٣٠٧

منه ، فما لم يحرز ذلك لم يحكم بحليته.

مسألة ٩٣٩ : يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغلي بالعلم وبالبينة وباخبار ذي اليد المسلم اذا لم يكن ممّن يشربه قبل ذهاب ثلثيه ، وفي ثبوته باخبار العدل الواحد اشكال إلاّ إذا اورث الاطمينان بصدقه.

مسألة ٩٤٠ : لا يحرم شيء من الربوب ـ أي ما يخثر من عصير الثمار ـ كرب الرمان والتفاح وان شم منه رائحة المسكر.

مسألة ٩٤١ : يحرم تناول مال الغير من دون رضاه وان كان كافراً محترم المال ، وقد ورد : ( ان من اكل من طعام لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من النار ).

مسألة ٩٤٢ : يجوز أن يأكل الانسان ـ ولو مع عدم الضرورة ـ من بيوت من تضمنته الآية الشريفة في سورة النور ، وهم : الاباء والامهات والاخوان والاخوات ، والاعمام والعمات ، والاخوال والخالات ، وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد مفوضاً إليه اُموره وحفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكله ، وهو المراد من ( ما ملكتم مفاتحه ) المذكور فـي تلك الآيـة الشريفة ، وكذا يجوز ان يأكل الصديق من بيت صديقه ، وكذا الزوجة من بيت زوجها ، والاب والام من بيت الولد.

وانما يجوز الاَكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت ، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقف جواز الاكل منها على احراز رضا وطيب نفس صاحبها ، فيجوز مع الشك بل ومع الظن بالعدم أيضاً على الاقوى بخلاف غيرها.

والاَحوط اختصاص الحكم بما يعتاد اكله من الخبز والتمر والادام

٣٠٨

والفواكه والبقول ونحوها دون نفائس الاطعمة التي تدخر غالباً لمواقع الحاجة وللاضياف ذوي الشرف والعزة.

والظاهر شمول الحكم لغير المأكول من المشروبات المتعارفة من الماء واللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها.

نعم لا يتعدى الى بيوت غيرهم ، ولا الى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم ، كما انه يقتصر على ما في البيت من المأكول ، فلا يتعدى الى ما يشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت.

مسألة ٩٤٣ : يباح تناول المحرّمات المتقدمة في موارد الاضطرار ، كتوقف حفظ نفسه وسدّ رمقه عليه ، أو عروض المرض الشديد الذي لا يتحمل عادة بتركه ، أو اداء تركه الى لحوق الضعف الشديد المفرط المؤدى الى التلف او الى المرض بالحد المتقدم أو الموجب للتخلف عن الرفقة مع ظهور امارة العطب ، ومنها ما إذا خيف بتركه على نفس اخرى محترمة كالحامل تخاف على جنينها والمرضعة على طفلها ، بل ومن الاضطرار خوف طول المرض الشديد الذي لا يتحمل عادة أو عسر علاجه بترك التناول ، والمدار في الكل على الخوف الحاصل من العلم والظن بالترتب أو الاحتمال المعتد به عند العقلاء ولو لاجل أهمية محتمله.

مسألة ٩٤٤ : انما يباح تناول المحرمات المتقدمة لمن اضطر إليه قهراً لا بسوء اختياره فان الاضطرار بالاختيار لا يكون محلِّلا للمحرمات إلاّ مع تعقبه بالتوبة ، وأما مع عدمه فلا اثر للاضطرار في رفع الحرمة ، نعم إذا دار الامر حينئذ بين تناول المحرّم ومخالفة حكم الزامي اهم ـ كوجوب حفظ النفس ـ لزم عقلاً اختيار الاول لكونه أخف عقوبة ، وفي حكم المضطر

٣٠٩

ـ بسوء الاختيار ـ في عدم حلية المضطر إليه له مع عدم التوبة ـ من اضطر اتفاقاً الى تناول المحرّم في حال كونه محارباً للاِمام عليه‌السلام وباغياً عليه أو عادياً وقاطعاً للطريق ، فانه إذا لم يتب ويرجع عن بغيه وعدوانه لا يحل له شرعاً تناول المحرم ، بل يلزمه عقلاً عدم تناوله وان ادى ذلك الى هلاكه.

مسألة ٩٤٥ : كما يباح تناول المحرمات المذكورة في حال الاضطرار كذلك يباح تناولها في حال الاكراه والتقية عمن يخاف منه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به ، أو على نفس محترمة ، أو عرض محترم أو مال محترم يكون ترك حفظه حرجياً عليه بحدّ لا يتحمل عادة ، أو عرض محترم يجب حفظه فيما اذا كان وجوب حفظه اهم من حرمة تناول المحرم أو مساوياً لها.

مسألة ٩٤٦ : في كل مورد يتوقف فيه انقاذ النفس من الهلاك أو ما يدانيه على تناول شيء من المحرمات المتقدمة يجب التناول فلا يجوز له التنزه والحال هذه ، ولا فرق في ذلك بين الخمر والطين وسائر المحرمات على الاقوى ، فاذا اصابه عطش حتى خاف علىنفسه فاصاب خمراً جاز بل وجب شربها ، وكذا إذا اضطر إلى أكل الطين لانقاذ نفسه من الهلاك.

مسألة ٩٤٧ : انما يباح بالاضطرار خصوص المقدار المضطر إليه فلا يجوز الزيادة عليه ، فإذا اضطر الى أكل الميتة لسد رمقه لزمه الاقتصار على القليل الذي يسدّ به رمقه ولا يجوز له أن يأكل حدّ الشبع إلاّ إذا فرض ان اضطراره لا يرتفع إلاّ بالشبع.

مسألة ٩٤٨ : يجوز التداوي لمعالجة الامراض الشديدة التي لا تتحمل عادة بتناول المحرمات المتقدمة إذا انحصر العلاج بها فيما بايدي الاطباء من وسائل المعالجة وطرقها ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين

٣١٠

الخمر ونحوها من المسكرات وبين سائر انواع المحرمات ، نعم لا يخفى شدة أمر الخمر فلا يبادر المريض الى تناولها والمعالجة بها إلاّ إذا رأى من نفسه الهلاك أو ما يدانيه لو ترك التداوي بها ولو من جهة توافق جمع من الحذّاق واولي الديانة والدراية من الاطباء ، وإلاّ فليصبر على المشقة فلعل الباري تعالى شأنه يعافيه لما رأى منه التحفظ على دينه.

مسألة ٩٤٩ : إذا اضطر الى تناول مال الغير بغير رضاه لحفظ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه ، أو لحفظ عرضه من الاعتداء عليه ، جاز له ذلك. وقد تقدم شطر من أحكامه في المسألة (٤٦١) وما بعدها.

مسألة ٩٥٠ : يحرم الاَكل من مائدة يشرب عليها شيء من الخمر أو المسكر ، بل يحرم الجلوس عليها أيضاً على الاحوط.

مسألة ٩٥١ : قد عدّ من آداب الاَكل اُمور :

١ ـ غسل اليدين معاً قبل الطعام.

٢ ـ غسل اليدين بعد الطعام ، والتنشّف بعده بالمنديل.

٣ ـ ان يبدأ صاحب الطعام قبل الجميع ويمتنع بعد الجميع ، وأن يبدأ الغسل قبل الطعام بصاحب الطعام ثم بمن على يمينه الى ان يتم الدور الى من في يساره ، وان يبدأ في الغسل بعد الطعام بمن على يسار صاحب الطعام الى ان يتم الدور الى صاحب الطعام.

٤ ـ التسمية عند الشروع في الطعام ، ولو كانت على المائدة الوان من الطعام استحبت التسمية على كل لون بانفراده.

٥ ـ الاَكل باليمين.

٦ ـ أن يأكل بثلاث اصابع أو أكثر ، ولا يأكل بأصبعين.

٣١١

٧ ـ الاَكل مما يليه إذا كانت على المائدة جماعة ، ولا يتناول من قدام الآخرين.

٨ ـ تصغير اللقم.

٩ ـ ان يطيل الاَكل والجلوس على المائدة.

١٠ ـ ان يجيد المضغ.

١١ ـ ان يحمد الله بعد الطعام.

١٢ ـ ان يلعق الاصابع ويمصها.

١٣ ـ التخلل بعد الطعام ، وأن لا يكون التخلل بعودة الريحان وقضيب الرمان والخوص والقصب.

١٤ ـ ان يلتقط ما يتساقط خارج السفرة ويأكله إلاّ في البراري والصحاري ، فانه يستحب فيها ان يدع المتساقط عن السفرة للحيوانات والطيور.

١٥ ـ ان يكون اكله غداة وعشياً ويترك الاَكل بينهما.

١٦ ـ الاستلقاء بعد الاَكل على القفا وجعل الرجل اليمنى على اليسرى.

١٧ ـ الافتتاح والاختتام بالملح.

١٨ ـ ان يغسل الثمار بالماء قبل أكلها.

١٩ ـ ان لا يأكل على الشبع.

٢٠ ـ ان لا يمتلىَ من الطعام.

٢١ ـ ان لا ينظر في وجوه الناس لدى الاَكل.

٢٢ ـ ان لا يأكل الطعام الحار.

٣١٢

٢٣ ـ ان لا ينفخ في الطعام والشراب.

٢٤ ـ ان لا ينتظر بعد وضع الخبز في السفرة غيره.

٢٥ ـ ان لا يقطع الخبز بالسكين.

٢٦ ـ ان لا يضع الخبز تحت الاناء.

٢٧ ـ ان لا ينظف العظم من اللحم الملصق به على نحو لا يبقى عليه شيء من اللحم.

٢٨ ـ ان لا يقشر الثمار التي تؤكل بقشورها.

٢٩ ـ ان لا يرمي الثمرة قبل ان يستقصي أكلها.

مسألة ٩٥٢ : قد عدّ من آداب شرب الماء اُمور :

١ ـ شرب الماء مصاً لاعبّاً.

٢ ـ شرب الماء قائماً بالنهار.

٣ ـ التسمية قبل الشرب والتحميد بعده.

٤ ـ شرب الماء بثلاثة انفاس.

٥ ـ شرب الماء عن رغبة وتلذذ.

٦ ـ ذكر الحسين وأهل بيته ( عليهم‌السلام) ، واللعن على قتلته بعد الشرب.

٧ ـ ان لا يكثر من شرب الماء.

٨ ـ ان لا يشرب الماء قائماً بالليل.

٩ ـ ان لا يشرب من محل كسر الكوز ومن محل عروته.

١٠ ـ ان لا يشرب الماء على الاغذية الدسمة.

١١ ـ ان لا يشرب بيساره.

٣١٣

كتاب المـيراث

٣١٤
٣١٥

وفيـه فصـول :

الفصـل الاَول

ويشتمل على اُمور :

الامر الاول ـ في موجبات الاِرث

مسألة ٩٥٣ : موجبات الاِرث على نوعين : نسب وسبب ، أما النسب فله ثلاث طبقات :

( الطبقة الاولى ) : صنفان : أحدهما : الابوان المتصلان دون الاجداد والجدات.

وثانيهما : الاولاد وإن نزلوا ذكوراً واناثاً.

( الطبقة الثانية ) : صنفان أيضاً : أحدهما : الاجداد والجدات وان علوا.

وثانيهما : الاخوة والاخوات وأولادهم وان نزلوا.

( الطبقة الثالثة ) : صنف واحد وهم : الاعمام والاخوال وان علوا ، كاعمام الآباء والامهات وأخوالهم ، واعمام الاجداد والجدات وأخوالهم ، وكذلك أولادهم وان نزلوا كاولاد أولادهم ، وأولاد أولاد اولادهم وهكذا

٣١٦

بشرط صدق القرابة للميت عرفاً.

واما ( السبب ) فهو قسمان : زوجية وولاء.

والولاء ثلاث طبقات : ولاء العتق. ثم ولاء ضمان الجريرة. ثم ولاء الامامة.

الاَمر الثاني ـ في أقسام الوارث

مسألة ٩٥٤ : ينقسم الوارث الى خمسة أقسام :

١ ـ من يرث بالفرض لا غير دائماً ، وهو الزوجة فان لها الربع مع عدم الولد ، والثمن معه ، ولا يُردّ عليها أبداً.

٢ ـ من يرث بالفرض دائماً وربما يرث معه بالردّ ، كالام فإن لها السدس مع الولد والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب ، وربما يردّ عليها زائداً على الفرض كما إذا زادت الفريضة على السهام. وكالزوج فإنه يرث الربع مع الولد والنصف مع عدمه ، ويردّ عليه إذا لم يكن وارث إلاّ الاِمام.

٣ ـ من يرث بالفرض تارة وبالقرابة اخرى ، كالاَب فانه يرث بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه ، والبنت والبنات فانهن يرثن مع الابن بالقرابة وبدونه بالفرض ، والاخت والاخوات للاَب أو للابوين فانهن يرثن مع الاخ بالقرابة ومع عدمه بالفرض ، وكالاخوة والاخوات من الام فانهم يرثون بالفرض إذا لم يكن جد للام وبالقرابة معه.

٤ ـ من لا يرث إلاّ بالقرابة ، كالابن ، والاخوة للابوين أو للاب ، والجد والاعمام والاخوال.

٥ ـ من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل يرث بالولاء ، وهو المُعتِق ،

٣١٧

وضامن الجريرة ، والاِمام عليه‌السلام.

الاَمر الثالث ـ في أنواع السهام

مسألة ٩٥٥ : الفرض هو السهم المقدّر في الكتاب المجيد ـ وهو ستة أنواع ـ واصحابها ثلاثة عشر ، كما يلي :

١ ـ النصف ، وهو للبنت الواحدة ، والاَخت للابوين أو للاب فقط إذا لم يكن معها أخ ، وللزوج مع عدم الولد للزوجة وأن نزل.

٢ ـ الربع ، وهو للزوج مع الولد للزوجة وان نزل ، وللزوجة مع عدم الولد للزوج وان نزل ، فان كانت واحدة اختصت به وإلاّ فهو لهّن بالسوية.

٣ ـ الثمن ، وهو للزوجة مع الولد للزوج وان نزل ، فإن كانت واحدة اختصت به وإلاّ فهو لهنّ بالسوية.

٤ ـ الثلثان ، وهو للبنتين فصاعداً مع عدم الابن المساوي ، وللاختين فصاعداً للابوين أو للاَب فقط مع عدم الاَخ.

٥ ـ الثلث ، وهو سهم الاُم مع عدم الولد وان نزل وعدم الاخوة على تفصيل يأتي ، وللاخ والاخت من الام مع التعدد.

٦ ـ السدس ، وهو لكل واحد من الابوين مع الولد وان نزل ، وللام مع الاخوة للابوين أو للاب على تفصيل يأتي ، وللاخ الواحد من الام والاخت الواحدة منها.

الاَمر الرابع ـ في بطلان العول والتعصيب

مسألة ٩٥٦ : إذا تعدد الورثة فتارة يكونون جميعاً ذوي فروض ،

٣١٨

واُخرى لا يكونون جميعاً ذوي فروض ، وثالثة يكون بعضهم ذا فرض دون بعض.

وإذا كانوا جميعاً ذوي فروض فتارة تكون فروضهم مساوية للفريضة ، واُخرى تكون زائدة عليها ، وثالثة تكون ناقصة عنها :

( فالاولى ) : مثل ان يترك الميت ابوين وبنتين ، فإن سهم كل واحد من الابوين السدس وسهم البنتين الثلثان ومجموعها مساو للفريضة.

( والثانية ) : مثل ان يترك الميت زوجاً وابوين وبنتين فان السهام في الفرض الربع والسدسان والثلثان وهي زائدة على الفريضة.

وهذه هي المسألة التي ذهب فيها بعض المذاهب الاِسلامية الى العول بمعنى ورود النقص فيها على كل واحد من ذوي الفروض على نسبة فرضه.

ولكن عند الاِمامية يدخل النقص على بعض منهم معين دون بعض.

ففي ارث أهل الطبقة الاولى يدخل النقص على البنت او البنات.

وفي ارث الطبقة الثانية ؛ كما إذا ترك زوجاً واختاً من الابوين وأختين من الام ، فإن سهم الزوج النصف وسهم الاخت من الابوين النصف وسهم الاختين من الام الثلث ومجموعها زائد على الفريضة ؛ يدخل النقص على المتقرب بالابوين كالاخت في المثال دون الزوج ودون المتقرب بالام.

( والثالثة ) : كما إذا ترك بنتاً واحدة فان لها النصف وتزيد الفريضة نصفاً.

وهذه هي المسألة التي قال فيها بعض المذاهب الاسلامية بالتعصيب بمعنى : اعطاء النصف الزائد الى العصبة. وهم الذكور الذين ينتسبون الى

٣١٩

الميت بغير واسطة أو بواسطة الذكور ، وربما عمموها للانثى على تفصيل عندهم في ذلك.

وأما عند الاِمامية فيُردّ الزائد على ذوي الفروض كالبنت في الفرض ، فترث النصف بالفرض والنصف الاخر بالردّ.

هذا إذا كان الورثة جميعاً ذوي فروض ، وأما إذا لم يكونوا جميعاً ذوي فروض فيقسم المال بينهم على تفصيل يأتي ، وإذا كان بعضهم ذا فرض دون آخر أعطي ذو الفرض فرضه وأعطي الباقي لغيره على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى.

٣٢٠