أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء

المؤلف:

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: ليلى
الطبعة: ١
ISBN: 964-5688-21-3
الصفحات: ٢٤٤

وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً). يا علي ، هي النفقة على الخيل ينفق الرجلُ سّراً وعلانيةً» (١).

وقد نقل عليه‌السلام حوادث عصر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا رآه مباشرة ، أو سمعه عن اُمّه أو أبيه ، وهما المعصومان من الزلل والمعتمدان في النقل (٢).

في رحاب أهل البيت عليهم‌السلام

لقد دلّ حديث الثقلين ـ المتواتر والمقبول لدى عامّة المسلمين ـ على أنّ خلود الإسلام رهن الأخذ بركنين مُتلازمين وهما ؛ القرآن الكريم وعترة النبيّ المختار (صلوات الله عليهم أجمعين) ؛ فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا الحوض على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فلا بدّ للمسلمين من التمسّك بهما ليصونوا أنفسهم عن الضلال في كلّ عصر وزمان.

ومن هنا جهد أعداء الإسلام القدامى على التفريق بين هذين الركنين ؛ تارةً بدعوى تحريف القرآن لفظاً أو معنىً ، واُخرى بالمنع عن تفسيره أو تطبيقه ، وثالثةً بانتقاص العترة ، ورابعةً بعزلهم عن ممارسة دورهم السّياسي والاجتماعي التثقيفي ، وخامسةً بطرح البديل عنهم ورفع شعار الاستغناء عنهم وعن علمهم ودرايتهم.

والأئمّة المعصومون المأمونون ـ على سلامة الرسالة الإسلاميّة بنص من الوحي الإلهي ـ كثّفوا جهودهم ، وركّزوا جهادهم على صيانة هذين الأساسين من أيدي العابثين وإن كلّفهم ذلك أنفسهم وأموالهم ، بل كلّ ما يملكون تقديمه فداءً للرسالة المحمّدية.

ونشير إلى جملة من النصوص المأثورة عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام

__________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه‌السلام / ٧١٠ عن مستدرك الوسائل ٨ / ٢٠٣.

(٢) راجع موسوعة كلمات الإمام الحسين ، وتتبع ما نقله عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٢١

في هذا الصدد :

١ ـ لمّا قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول : «لا يدخل الجّنة إلاّ مَنْ كان مُسلماً». فقام إليه أبو ذرّ الغفاري رحمه‌الله فقال : يا رسول الله ، وما الإسلام؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإسلام عريان ، ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وملاكه الورع ، وكماله الدين ، وثمرته العمل ، ولكلّ شيء أساس ، وأساس الإسلام حبنّا أهل البيت» (١).

٢ ـ وجاء عنه عليه‌السلام أنّه قال : «مَنْ أحبّنا كان منّا أهل البيت». واستدلّ على ذلك بقوله تعالى ـ تقريراً لقول العبد الصالح ـ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (٢).

وواضح أنّ مَنْ أحبّهم فسوف يتّبعهم ، ومَنْ تبعهم كان منهم.

٣ ـ وقال عليه‌السلام : «أحِبّونا حُبَّ الإسلام ؛ فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا ترفعوني فوق حقّي ؛ فإنّ الله تعالى اتخّذني عبداً قبل أن يتخّذني رسولاً» (٣).

٤ ـ وقال عليه‌السلام : ما كُنّا نعرفُ المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ببغضهم عليّاً وولده عليهم‌السلام (٤).

٥ ـ وروي أنّ المنذر بن الجارود مرّ بالحسين عليه‌السلام فقال : كيف أصبحت ـ جعلني الله فداك ـ يابن رسول الله؟ فقال عليه‌السلام : «أصبَحَتْ العربُ تعتدّ على العَجَم بأنّ محمّداً منها ، وأصَبَحَتْ العَجَمُ مُقِرَّةً لها بذلك ، وأصبَحْنا وأصبَحَتْ قريشٌ يعرفون فضلَنا ولا يَرَوْنَ ذلكَ لنا ، ومن البلاء على هذِهِ الاُمّةِ أنّا إذا دعوناهُم لم يُجيبونا ، وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرِنا» (٥).

__________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٨٢ عن أمالي الطوسي ١ / ٨٢.

(٢) المصدر السابق / ٥٨٢ عن نزهة الناظر وتنبيه الخاطر / ٨٥.

(٣) المصدر السابق عن مجمع الزوائد ٩ / ٢١.

(٤) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٨٥ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ٧٢.

(٥) المصدر السابق / ٥٨٦ عن نزهة الناظر / ٨٥.

٢٢٢

بشائر الحسين عليه‌السلام بالمهدي عليه‌السلام ودولته

تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره ، وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشّريف ، كما توضّح الصّحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن ، وأشراط السّاعة وغيرها.

واعتنى الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام بهذه القضية اعتناءً لا يقلّ عن عناية الرّسول الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستمراراً للخطّ الذي اختطّه ، والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحقّ التي تتكفّل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعاً وعلى مدى التاريخ.

وقد كثرت النصوص الواصلة إلينا عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام. فروى عن جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام مجموعة فريدة من التصريحات المهمّة بشأن المهدي عليه‌السلام ، نختار نماذج منها :

١ ـ قال عليه‌السلام : «دخلت على جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأجلسني على فخذه ، وقال لي : إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم ، وكلّهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء» (١).

٢ ـ وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً : أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه : «لا». فقال له : فمَنْ هو؟ فأجاب عليه‌السلام : «الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْراً ، على فترة من الأئمّة تأتي كما إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بُعِث على فترة من الرسل» (٢).

٣ ـ وقال عليه‌السلام : «لصاحب هذا الأمر غيبتان ؛ إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم :

__________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٦٥٩ عن ينابيع المودّة / ٥٩٠.

(٢) المصدر السابق / ٦٦٠ عن عقد الدرر / ١٥٨.

٢٢٣

مات ، وبعضهم : قُتِل ، وبعضهم : ذهب ، ولا يطّلعُ على موضعه أحدٌ مِن وليّ ولا غيرهِ إلاّ المولى الذي يلي أمره» (١).

٤ ـ وقال عليه‌السلام : «لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ الله (عزّ وجلّ) ذلك اليوم حتى يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئِت جوراً وظُلماً ، كذلك سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول» (٢).

٥ ـ وقال عليه‌السلام : «للمهدي خمسُ علامات ؛ السفياني ، واليماني ، والصيحةُ من السّماء ، والخسفُ بالبيداء ، وقتل النفسِ الزكيّة» (٣).

٦ ـ وقال عليه‌السلام أيضاً : «لو قام المهديّ لأنكره النّاس ؛ لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً ، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبُهم شابّاً وهم يحسبونَه شيخاً كبيراً» (٤).

٧ ـ وقال عليه‌السلام : «في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف ، وسنّة من موسى بن عمران عليه‌السلام ، وهو قائمنا أهل البيت ، يُصلح الله تبارك وتعالى أمرَه في ليلة واحدة» (٥).

٨ ـ وقال عليه‌السلام : «إذا خرج المهدي عليه‌السلام لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السّيف ، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ والله ما لباسُه إلاّ الغليظُ ، ولا طعامه إلاّ الشعيرُ ، وما هو إلاّ السّيفُ ، والموتُ تحت ظِلِّ السّيْفِ» (٦).

__________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين عن عقد الدرر / ١٣٤.

(٢) المصدر السابق / ٦٦١ عن كمال الدين / ٣١٧.

(٣) المصدر السابق / ٦٦٢ عن عقد الدرر / ١١١.

(٤) المصدر السابق / ٦٦٥ عن عقد الدرر / ٤١.

(٥) المصدر السابق عن كمال الدين / ٣١٧.

(٦) المصدر السابق / ٦٦٣ عن عقد الدرر / ٢٢٨.

٢٢٤

في رحاب العقيدة والكلام

ونختار من هذه البحوث نماذج ممّا وصلنا عن أبي الشّهداء الحسين بن عليّ عليهما‌السلام.

١ ـ وممّا قاله عن توحيد الله سبحانه : «... ولا يقدّر الواصِفون كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوبِ مبلَغَ جبروته ؛ لأنّه ليس له في الأشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقاناً بالغيبِ ؛ لأنّه لا يوصَفُ بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمدُ ، ما تُصُوِّر في الأوهامِ فَهُوَ خلافُه ... يوجِدُ المفقودَ ويُفقِدُ الموْجُودَ ، ولا تجتمع لغيره الصفتانِ في وقت ، يصيب الفكرُ منه الإيمانَ به موجوداً ، ووجودَ الإيمانِ لا وجودَ صِفَة ، به توصف الصّفاتُ لا بها يوصَفُ ، وبه تُعرَفُ المعارِفُ لا بها يُعرَف ، فذلك الله ، لا سَميَّ لَهُ ، سبحانه! ليس كمثلِهِ شيء ، وهو السّميعُ البصيرُ» (١).

وممّا قاله أيضاً لابن الأزرق : «أصف إلهي بما وصف به نفسَه ، وأُعرِّفُه بما عرّف به نفسَه. «لا يُدْرَك بالحواس ، ولا يُقاس بالنّاسِ ، فهو قريبٌ غير ملتصِق ، وبعيدٌ غير مُتَقَصّ (تقص) ، يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ ، مَعروف بالآيات ، موصوف بالعلاماتِ ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعالُ» (٢).

٢ ـ وخرج على أصحابه فقال : «أيّها النّاس ، إنّ اللهَ (جَلَّ ذكرهُ) ما خَلَقَ العباد إلاّ ليعرفوهُ ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنَوْا بعبادته عن عبادة ما سواهُ». ثمّ سأله رجل عن معرفة الله فقال : معرفةُ أهل كلّ زمان إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه» (٣).

٣ ـ وتكلّم عن ملاك التكليف قائلاً : «ما أخَذَ الله طاقة أحد إلاّ وضع عنه

__________________

(١) موسوعة كلمة الإمام الحسين / ٥٣٠ عن تحف العقول / ١٧٣.

(٢) المصدر السابق / ٥٣٣ عن التوحيد / ٧٩.

(٣) المصدر السابق / ٥٤٠ عن علل الشّرايع / ٩.

٢٢٥

طاعتَه ، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنهُ كُلْفَتَه» (١).

٤ ـ وكتب للحسن بن أبي الحسن البصري جواباً عن سؤاله حول القدر : «إنّه مَنْ لم يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه فقد كفر ، ومَنْ حمل المعاصي على الله (عزّ وجلّ) فقد افترى على الله افتراءً عظيماً. إنّ الله تبارك وتعالى لا يُطاع بإكراه ، ولا يُعصى بغَلَبَة ، ولا يُهملُ العبادَ في الهلكة ، لكنّه المالك لما ملّكهم ، والقادرُ لما عليه أقدَرَهُم ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادّاً عنها مُبطِئاً ، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحولَ بينهَم وبين ما ائتمروا به فعل ، وإن لم يفعل فليس هو حَمَلَهم عليها قسراً ولا كلّفهم جبراً ، بل بتمكينهِ إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوّقَهُم ومكّنهم ، وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم ، وترك ما عنه نهاهم» (٢).

٥ ـ واشتملت أدعيته عليه‌السلام على دُرر باهرة في التوحيد والمعرفة والهداية الإلهية ، ولاسيما دعاء العشرات المرويّ عنه (٣) ، ودعاء عرفة الذي عُرِف به ؛ لِما يسطع به من معارف زاخرة وعلوم جمّة ، بل هو دورة عقائدية كاملة. وإليك مطلعه :

«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ، ولا لعطائه مانعٌ ، ولا كصنعه صنعُ صانِع ، وهو الجوادُ الواسِعُ. فَطَر أجناسَ البدائعِ ، وأتقنَ بحكمتِهِ الصنائعَ. لا تخفى عليه الطلائعُ ، ولا تضيع عنده الودائعُ. أتى بالكتابِ الجامعِ ، و (بشرع السّلام) النور السّاطعِ ، وهو للخليقة صانعٌ ، وهو المستعانُ على الفجائِع» (٤).

__________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٤٢ عن تحف العقول / ١٧٥.

(٢) المصدر السابق / ٥٤٠ ـ ٥٤١ عن معادن الحكمة ٢ / ٤٥.

(٣) البلد الأمين ـ للكفعمي / ٢٤.

(٤) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٧٩٣ ـ ٨٠٦ عن إقبال الأعمال / ٣٣٩.

٢٢٦

في رحاب الأخلاق والتربية الروحية

١ ـ سُئل عن خير الدنيا والآخرة فكتب عليه‌السلام : «بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعدُ ، فإنّه مَنْ طلب رضى الله بسخط النّاس كفاه الله اُمور النّاس ، ومَنْ طلب رضى النّاس بسخط الله وكلّه الله إلى النّاس. والسّلام» (١).

٢ ـ بيّن عليه‌السلام أقسام العبادة ، ودرجات العُبّاد ، قائلاً : «إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار ، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادةُ العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا اللهَ شُكراً فتلك عبادةُ الأحرار ، وهي أفضل العبادة» (٢).

٣ ـ قال عليه‌السلام عن آثار العبادة الحقيقية : «مَنْ عَبَدَ الله حقَّ عبادته آتاه الله فوق أمانيه وكفايتهِ» (٣).

٤ ـ سُئل عن معنى الأدب فقال : «هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقى أحداً إلاّ رأيت له الفضلَ عليك» (٤).

٥ ـ قال الإمام الحسين عليه‌السلام : «مالُك إن يكن لك كنتَ له فلا تبقِ عليه ؛ فإنّه لا يُبقي عليك ، وكلُه قبل أن يأكلك» (٥).

في رحاب مواعظه الجليلة

١ ـ كتب إليه رجل : عِظني بحرفين. فكتب إليه : «مَنْ حاوَل أمراً بمعصية الله

__________________

(١) أمالي الصدوق / ١٦٧.

(٢) تحف العقول / ١٧٥.

(٣) بحار الأنوار ٧١ / ١٨٤.

(٤) ديوان الإمام الحسين / ١٩٩.

(٥) بحار الأنوار ٧١ / ٣٥٧.

٢٢٧

تعالى كانَ أفْوَتَ لما يَرجو ، وأسْرَعَ لمجي ما يحذَرُ» (١).

٢ ـ وجاءه رجل فقال له : أنا رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية ، فعظني بموعظة.

فقال عليه‌السلام : «افعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ ؛ فأوّل ذلك : لا تأكل رزقَ اللهِ واذنب ما شئِتَ. والثاني : اخرج من ولاية الله واذنِب ما شئت. والثالث : اطلُبْ موضِعاً لا يراكَ اللهُ واذنب ما شِئتَ. والرابع : إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ واذنب ما شئتَ. والخامِسُ : إذا أدخَلَكَ مالكُ النارَ فلا تدخُلْ في النارِ واذنِب ما شئتَ» (٢).

٣ ـ وممّا جاء عنه عليه‌السلام في الموعظة : «يابن آدمَ ، تفكَّرْ وقل : أينَ ملوكُ الدنيا وأربابُها الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها ، وغَرَسوا أشجارها ، ومدّنوا مدائِنَها ، فارقوها وهم كارهون ، وورثها قوم آخرون ، ونحن بهم عمّا قليل لاحقونَ. يابن آدم ، اذكر مصرعك ، وفي قبرك مضجعَك ، وموقفَك بين يَدَي اللهِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ ، وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ ، وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ ، وتبدو السرائرُ ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط. يابن آدمَ ، اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك ، كيف كانوا ، وحيثُ حَلّوا ، وكأنّك عن قليل قد حَلَلْتَ مَحَلَّهُم ، وصِرتَ عِبرَةً للمعتَبِر» (٣).

٤ ـ وخطب عليه‌السلام فقال : «يا أيّها النّاس ، نافسِوا في المكارم ، وسارِعوا في المغانِم ، ولا تحتسِبوا بمعروف لم تُعجّلوا ، واكسبوا الحمدَ بالنُجح ، ولا تكتسِبوا بالمطلِ ذَمّاً ؛ فمهما يكنْ لأحد عند أحد صنيعةٌ له رأى أنّه لا يقومُ بشكرِها ، فالله له بمكافاتهِ ؛ فإنّه أجْزَلُ عطاءً ، وأعظمُ أجراً.

واعلموا أنّ حوائج النّاس إليكم من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النّعم فتُحوّر نقماً» (٤).

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٧٣.

(٢) بحار الأنوار ٧٨ / ١٢٦.

(٣) إرشاد القلوب ١ / ٢٩.

(٤) كشف الغمة ٢ / ٢٩.

٢٢٨

في رحاب الفقه والأحكام الشّرعية

لقد أثبت أهل البيت المعصومون عليهم‌السلام جدارتهم للمرجعية الدينية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المجالين العلمي والسّياسيّ معاً.

وقد عمل خطّ الخلافة بشكل مدروس على حذف هذا الخطّ النّبويّ وعزله عن السّاحة السّياسية والاجتماعية ، وخطّط أهل البيت عليهم‌السلام لمواجهة هذه المؤامرة ، كما عرفت.

غير أنّ البُعْد العلمي قد برز وطغى على البعد السّياسي حتّى اتُّهِمَ أهل البيت عليهم‌السلام باعتزالهم السّاحة السّياسية بعد الحسين عليه‌السلام ، ولكنّ العجز العلمي للخطّ الحاكم بالرغم من كلّ ما أوتي من إمكانات ماديّة وبشرية هو الذي قد بانَ على مدى التاريخ ، وتميّزت مرجعيّة الأئمّة الأطهار على مَنْ سواها من المرجعيات السّائدة آنذاك. وكانت حاجة الاُمة الإسلاميّة إلى تفاصيل الأحكام الشّرعية نظراً للمستجدّات المستمرّة هي السّبب الآخر في ظهور علم أهل البيت عليهم‌السلام وفضلهم وكمالهم.

وما سجّلته كتب التاريخ من حقائق لا تخفى على اللبيب ، مثل حقيقة عدم عجزهم أمام الأسئلة المُثارة ، وعدم اكتسابهم العلم من أحد من أهل الفضل سوى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام لدليل واضح على تميّزهم عمّن سواهم.

وهنا نختار نماذج ممّا يرتبط بالفقه بمعناه المصطلح بمقدار ما يسمح به المجال.

١ ـ ممّا يرتبط بباب الصّلاة ، ذكر الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام جواز الصّلاة بثوب واحد ، مستشهداً بأنّه قد حدّثه مَنْ رأى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام

٢٢٩

وهو يصلّي في ثوب واحد ، وحدّثه أنّه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يُصلّي في ثوب واحد (١).

٢ ـ وجاء أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من الصّلوات في أوّل فاتحة الكتاب ، وأوّل السّورة في كلّ ركعة ، وجاء عن الحسين عليه‌السلام قوله : «اجتمعنا ولد فاطمة عليها‌السلام على ذلك» (٢).

٣ ـ وكان الحسين بن عليّ عليهما‌السلام يصلّي فمرّ بين يديه رجل ، فنهاه بعض جلسائه ، فلمّا انصرف من صلاته قال له : «لِمَ نَهَيْتَ الرَجُلَ؟» فقال : يابن رسول الله ، خطر فيما بينك وبين المحراب. فقال عليه‌السلام : «ويحك! إنّ الله (عزّ وجلّ) أقربُ إليَّ من أن يخطرَ فيما بيني وبين أحد» (٣).

٤ ـ وكان الحسين عليه‌السلام جالساً فمرّت عليه جنازةٌ ، فقام النّاس حين طلعت الجنازة ، وهنا أوضح الإمام عليه‌السلام للناس ما تصوّروه خطأً من أنّ القيام عند مرور الجنازة من السنّة ؛ باعتبار ما سمعوه من قيام رسول الله عند مرور الجنازة ، فقال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : «مرَّت جنازة يهودي ّفكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على طريقها جالساً ، فكره أن تعلو رأسَه جنازةُ يهوديّ فقامَ لِذلك» (٤).

وقد أحصى مؤلّف موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه‌السلام ما يُقارب من مئتين وخمسين رواية في الأحكام الشّرعية وردت عن الإمام الحسين عليه‌السلام في مختلف أبواب الفقه الإسلامي.

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ / ١٧٥.

(٢) مستدرك الوسائل ٤ / ١٨٩.

(٣) وسائل الشّيعة ٣ / ٤٣٤ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ / ١٩٢.

٢٣٠

على أنّ سيرة الإمام الحسين عليه‌السلام مثل سيرة سائر الأئمّة الأطهار تعتبر مصدراً من مصادر استلهام الأحكام الشّرعية ؛ لتنظيم السّلوك الفردي والاجتماعي للإنسان المسلم وللمجتمع الإسلامي.

في رحاب أدعية الإمام الحسين عليه‌السلام

لقد تميّز تراث أهل البيت عليهم‌السلام بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.

فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الإنسان في الحياة ، كما قال تعالى : (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (١) ، هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عليهم‌السلام عمّن سواهم ، وعلى ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.

والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحجّ وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم.

وتفرّدت أدعية أهل البيت عليهم‌السلام في المحتوى والمقاصد ، والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم ؛ فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم. فأين الثرى وأين الثريّا؟

وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين عليه‌السلام على سرّ هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.

١ ـ قال عليه‌السلام : «أعجز النّاس مَنْ عجز عن الدعاء ، وأبخل النّاس مَنْ بخل بالسّلام» (٢).

٢ ـ وجاء عنه أنّه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه

__________________

(١) سورة الفرقان / ٧٧.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ / ٢٩٤.

٢٣١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو : «اللّهمّ إنّك تَرى ولا تُرى ، وأنت بالمنظر الأعلى ، وإنّ إليك الرجعى ، وإنّ لك الآخرة والاُولى. اللّهمّ إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزى» (١).

٣ ـ من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله عليه‌السلام : «اللّهمّ لا تستدرِجني بالإحسانِ ، ولا تؤدِّبني بالبلاء» (٢).

وقال في معنى الاستدراج : «الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ ويَسْلُبَه الشُكرَ» (٣).

٤ ـ ومن أدعيته في قنوته : «اللّهمّ مَنْ آوى إلى مأوى فأنتَ مأوايَ ، ومَنْ لجأ إلى مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ. اللّهمّ صلّ على محمّد وآلِ محمّد ، واسمع ندائي ، وأجب دُعائي ، واجعل مآبي عندك ومثوايَ ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ، ولُمَّةِ الشّيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين ، ولا واردُ طيف بتظنين ، ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتّى تقلبني إليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ، ولا مُراب ولا مُرتاب ، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ» (٤).

٥ ـ وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو : «اللّهمّ منك البدءُ ولك المشيئةُ ، ولك الحولُ ولك القوّةُ ، وأنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ. جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ ، ومكمَناً لإرادتكَ ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ ، فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم ، وأبَدأتَ من إرادتك على ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك ، وتدعو إليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به ، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ على ما منه أريتني ، وإليه آوَيتني».

٦ ـ وله دعاء يُسمّى بـ (العشرات).

__________________

(١) كنز العمال ٨ / ٨٢ ، ومسند الإمام أحمد ١ / ٢٠١.

(٢) بحار الأنوار ٧٨ / ١٢٨.

(٣) تحف العقول / ١٧٥.

(٤) نهج الدعوات / ٤٩.

٢٣٢

٧ ـ وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو : «إلهي ، أنعمتني فلم تجدني شاكراً ، وأبليتني فلم تجدني صابراً ، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر ، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ. إلهي ، ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ» (١).

٨ ـ وروي أن شُريحاً دخل مسجد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجد الحسين عليه‌السلام في المسجد ساجداً يُعفِّر خدّه على التراب وهو يقول : «سيّدي ومولاي ، ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي ، لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك ، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك. سيّدي ، انّ طاعَتي لا تنفعُك ، وَمعصيتي لا تضرّك ، فهب لي ما لا ينفعُك ، واغفر لي ما لا يضرّك ؛ فإنّك أرحم الراحمين» (٢).

٩ ـ وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ : «اللّهمّ ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ ، والأجساد البالية ، والعِظامِ النَخِرةِ ، التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخِل عليهم رَوْحاً منك وسلاماً مِنّي». وقال عليه‌السلام : «إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم السّاعةُ حسنات» (٣).

١٠ ـ ومن دعائه في الصّباح والمساء قوله : «بسم الله الرحمن الرحيم. بسم الله وبالله ، ومن الله وإلى الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملّة رسول الله ، وتوكّلت على الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللّهمّ إنّي أسلمْتُ نفسي إليك ، ووجّهت وجهي إليك ، وفوّضت أمري إليك ، إياك أسألُ العافية من كلّ سوء في الدنيا والآخرة. اللّهمّ إنّك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك ، فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ ، واجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً ؛ إنّك تعلمُ ولا أعلم ، وتقدرُ ولا أقدِر ، وأنت على كلّ شيء قدير ، برحمتك

__________________

(١) إحقاق الحق ١١ / ٥٩٥.

(٢) المصدر السابق ١١ / ٤٢٤.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ / ٣٧٣ ح ٢٣٢٣.

٢٣٣

يا أرحم الراحمين» (١).

وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين عليه‌السلام فهو من غرر الأدعية المطوّلة ، والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه على الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة ، وقد أشرنا إلى مقاطع منه في بحوث سابقة.

وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء : «الحمد لله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً ، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع ، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع ، سبحانه سبحانه سبحانه! لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطّرتا ، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد! الحمد لله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وصلّى الله على خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين. اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأنّي أراك ، وأسعدني بتقواك ، ولا تشقني بمعصيتك ، وخرْ لي في قضائك ، وبارك لي في قدرك حتّى لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت ، ولا تأخير ما عجّلت» (٢).

في رحاب أدب الإمام الحسين عليه‌السلام

لا ريب في أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام يُعدّ امتداداً لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة ، ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير. وقد جاء على لسان خصومهم أنّهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّاً ، وأنّها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصّخر ، وتغرف من البحر (٣).

وعلّق عمر بن سعد يوم عاشوراء على خطبة للإمام الحسين عليه‌السلام : «إنّه

__________________

(١) مهج الدعوات / ١٥٧.

(٢) بحار الأنوار ٩٨ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٣) المجالس السنية / ٢١ ، ٢٨ ، ٣٠.

٢٣٤

ابن أبيه ، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حُصِر» (١).

وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء : إنّه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين عليه‌السلام (٢).

وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته ، وعدم إتاحة الفرصة السّياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً ، بخاصّة أنّه عليه‌السلام التزم بالهدنة التي عقدها أخوه عليه‌السلام في زمن معاوية ، فقد اُثر عنه عليه‌السلام في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج ، فضلاً عن أنّه عليه‌السلام في زمن أبيه عليه‌السلام قد ساهم في خطب المشاورة والحرب (٣) ، وحشَد فيها كلّ السّمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله إلى الجمهور (٤).

وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطفّ أو كربلاء ، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلى نهايتها ، فقد تنوّعت صياغةً ومضموناً ، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه ، وبطاعة الله وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله.

وممّا جاء في أحدها : «تبّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرَحاً! أحين استصرختمونا والهِين فأصرخناكم موجِفين ، مؤدّين مستعدّين ، سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم ، وحششتُم علينا ناراً قدحناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم إلبْاً على أوليائكم ، ويداً عليهم لأعدائكم ، بغيرِ عدلٍ أفشوه فيكُم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم فيه».

واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفنّ المتنوعة بالإضافة إلى عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصّرف أن يلحظ ما تتضمّنه من

__________________

(١ و٢) المجالس السنية / ٢١ ، ٢٨ ، ٣٠.

(٣) راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه ، في هذا الكتاب.

(٤) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي / ٣٠٧ ـ ٣١١.

٢٣٥

دهشة فنّية مثيرة كلّ الإثارة (١).

والأشكال الأدبيّة الاُخرى التي طرقها أدب الإمام الحسين عليه‌السلام هي الرسائل والخواطر ، والمقالة والأدعية والشّعر (٢) والحديث الفني.

ونشير إلى نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا :

ـ ١ ـ

تباركَ ذو العلا والكبرياءِ

تفرّد بالجلالِ وبالبقاءِ

وسوّى الموتَ بين الخلقِ طُرّاً

وكلّهُمُ رهائنُ للفناءِ

ودنيانا وإن ملنا إليها

وطالَ بها المتاعُ إلى انقضاءِ

ألا إنّ الركونَ على غرورٍ

إلى دارِ الفناءِ من الفناءِ

وقاطنها سريعُ الظعنِ عنها

وإن كان الحريصُ على الثَّواءِ (٣)

ـ ٢ ـ

اغنَ عن المخلوق بالخالقِ

تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِ

واسترزق الرحمنَ من فضله

فليس غيرُ الله من رازقِ

مَنْ ظنّ أنّ النّاس يغنونَه

فليس بالرحمنِ بالواثقِ

أو ظنَّ أنّ المالَ من كسبِه

زلّت بهِ النعلان من حالقِ (٤)

والحمد لله ربِّ العالمين

__________________

(١) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي / ٣١١ ـ ٣٠٣.

(٢) للاطلاع التفصيلي على خصائص كلّ شكل في أدب الحسين عليه‌السلام راجع تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي ـ للدكتور محمود البستاني.

(٣) عن ديوان الإمام الحسين ٤ / ١١٥.

(٤) عن البداية والنهاية ٨ / ٢٢٨.

٢٣٦

الفهرس التفصيلي

فهرس إجمالي................................................................. ٥

مقدمة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام........................................... ٧

الباب الأول

الفصل الأول : الإمام الحسين الشهيد عليه‌السلام في سطور....................... ١٧

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام الحسين عليه‌السلام................... ٢٥

١ ـ مكانة الإمام الحسين عليه‌السلام في آيات الذكر الحكيم.................... ٢٥

٢ ـ مكانة الإمام الحسين عليه‌السلام لدى خاتم المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله.................. ٢٨

٣ ـ مكانة الإمام الحسين عليه‌السلام لدى معاصريه............................ ٢٩

٤ ـ الإمام الحسين عليه‌السلام عبر القرون والأجيال............................ ٣٣

الفصل الثالث : مظاهر من شخصية الإمام الحسين عليه‌السلام..................... ٣٧

١ ـ تواضعه عليه‌السلام..................................................... ٣٨

٢ ـ حلمه وعفوه عليه‌السلام................................................ ٣٨

٣ ـ جوده وكرمه عليه‌السلام............................................... ٣٩

٤ ـ شجاعته عليه‌السلام.................................................... ٤١

٥ ـ إباؤه عليه‌السلام....................................................... ٤٢

٦ ـ الصراحة والجرأة في الإصحار بالحقّ................................. ٤٤

٧ ـ عبادته وتقواه عليه‌السلام............................................... ٤٥

صور من عبادته عليه‌السلام................................................ ٤٦

٢٣٧

الباب الثاني

الفصل الأول : نشأة الإمام الحسين عليه‌السلام.................................. ٥١

تأريخ الولادة.......................................................... ٥١

رؤيا اُمّ أيمن............................................................ ٥١

الوليد المبارك.......................................................... ٥٢

اهتمام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسين عليه‌السلام......................................... ٥٣

كنيته وألقابه.......................................................... ٥٥

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الحسين عليه‌السلام............................ ٥٧

الفصل الثالث : الإمام الحسين عليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة.................. ٥٩

الإمام الحسين عليه‌السلام في عهد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله................................ ٥٩

ميراث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لسبطيه عليهما‌السلام........................................ ٦٢

وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسّبطين عليهما‌السلام....................................... ٦٢

لوعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسين عليه‌السلام....................................... ٦٢

الإمام الحسين عليه‌السلام في عهد الخلفاء....................................... ٦٤

الحسين عليه‌السلام في عهد أبي بكر........................................... ٦٤

لوعة شهادة الزهراء عليها‌السلام............................................... ٦٤

الحسين عليه‌السلام في عهد عمر بن الخطاب.................................... ٦٧

الحسين عليه‌السلام في عهد عثمان............................................. ٦٨

موقف مع أبي ذرّ الغفاري............................................... ٧٠

الإمام الحسين عليه‌السلام في عهد الدولة العلوية................................. ٧٢

مع أبيه عليه‌السلام في إصلاح الاُمة............................................ ٧٣

حرص الإمام عليّ عليه‌السلام على سلامة الحسنين عليهما‌السلام....................... ٧٤

٢٣٨

وصايا أمير المؤمنين عليه‌السلام للإمام الحسين عليه‌السلام.............................. ٧٥

الإمام الحسين مع أبيه عليهما‌السلام في لحظاته الأخيرة............................ ٧٩

الإمام الحسين في عهد أخيه الإمام الحسن عليهما‌السلام........................... ٨٠

حالة الاُمّة قبل الصلح مع معاوية......................................... ٨٠

احترام الإمام الحسين عليه‌السلام لبنود صلح الإمام الحسن عليه‌السلام................... ٨٥

رسالة جعدة بن هبيرة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام............................. ٨٥

استشهاد الإمام الحسن عليه‌السلام............................................. ٨٦

الباب الثالث

الفصل الأول : عصر الإمام الحسين عليه‌السلام.................................. ٩١

البحث الأوّل : حكومة معاوية ودورها في تشويه الإسلام................... ٩١

منهج معاوية لمحاربة الإسلام............................................. ٩٢

١ ـ سياسته الاقتصادية............................................. ٩٣

أ ـ الحرمان الاقتصادي............................................. ٩٣

ب ـ استخدام المال لتثبيت ملكه..................................... ٩٤

ج ـ شراء الذمم................................................... ٩٥

د ـ ضريبة النيروز.................................................. ٩٥

٢ ـ سياسة التفرقة................................................. ٩٦

أ ـ اضطهاد الموالي.................................................. ٩٦

ب ـ العصبية القبلية................................................ ٩٦

٣ ـ سياسة البطش والجبروت........................................ ٩٧

٤ ـ الخلاعة والمجون والاستخفاف بالقيم الدينية....................... ٩٧

٥ ـ إظهار الحقد على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والعداء لأهل بيته عليهم‌السلام.............. ٩٨

٢٣٩

٦ ـ العنف مع شيعة أهل البيت عليهم‌السلام.............................. ١٠٠

٧ ـ فرض البيعة بالقوّة ليزيد الفاجر................................ ١٠١

البحث الثاني : من هو يزيد بن معاوية؟................................. ١٠٢

ولادة يزيد ونشأته وصفاته............................................ ١٠٣

ولع يزيد بالصيد..................................................... ١٠٤

إدمانه على الخمر..................................................... ١٠٥

إلحاد يزيد وحقده على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله................................. ١٠٧

جرائم حكم يزيد..................................................... ١٠٨

السرّ الكامن وراء نزعات يزيد الشرّيرة................................. ١٠٩

الفصل الثاني : مواقف الإمام الحسين عليه‌السلام وإنجازاته...................... ١١١

البحث الأوّل : موقفه عليه‌السلام من البيعة ليزيد............................. ١١١

١ ـ دعوة انتهازية وخطّة شيطانية..................................... ١١١

٢ ـ أساليب معاوية لإعلان بيعة يزيد................................. ١١٤

٣ ـ محاولات الإمام الحسين عليه‌السلام لإيقاظ الاُمّة......................... ١١٥

مواجهةُ معاوية وبيعة يزيد........................................... ١١٦

محاولة جمع كلمة الاُمّة والاستجابة لحركة الجماهير.................... ١١٨

فضح جرائم معاوية................................................ ١١٨

استعادة حقّ مضيّع................................................. ١٢٠

تذكير الاُمّة بمسؤوليّتها............................................. ١٢٢

موت معاوية......................................................... ١٢٥

البحث الثاني : حكومة يزيد ونهضة الإمام الحسين عليه‌السلام.................. ١٢٦

بدايات النهضة....................................................... ١٢٦

رسالة يزيد إلى حاكم المدينة........................................... ١٢٦

٢٤٠