روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

[كتاب الصلاة]

٥
٦

كتاب الصلاة

وهي لغةً : الدعاء.

قال تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (١).

وقال الأعشى :

عليكِ مثلُ الذي صَلّيتِ فاغْتَمِضِي

لله نوماً فإنّ لجنبِ المرءِ مُضْطَجَعاً

عقيب دعاء ابنته له بقولها كما حكاه عنها في البيت السابق (٢) :

تقُولُ بِنتي وقد قَرّبتُ (٣) مُرْتَحَلاً

لله يا ربّ جنّبْ أبي الأَوْصابَ والوَجَعا (٤)

وقد يتجوّز بها في الرحمة إذا نسبت إليه تعالى ، وقد تقدّم (٥) تحقيق ذلك في خطبة الكتاب.

وشرعاً : عبادة مخصوصة ، تارة تكون ذِكْراً محضاً ، كالصلاة بالتسبيح ، وتارة فعلاً مجرّداً ، كصلاة الأخرس ، وتارةً تجمعهما ، كصلاة الصحيح.

وقد اختلف في وقوعها بالحقيقة على صلاة الجنازة ، والمشهور كونها حقيقةً لغويّة ، مجازاً شرعيّاً ؛ إذ لا يفهم عند الإطلاق إلا ذات الركوع والسجود.

ويؤيّده : عدم اشتراط الطهارة فيها ، وعدم وجوب الفاتحة والتسليم عندنا ، وقد قال تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (٦) وقال عليه‌السلام : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (٧)

__________________

(١) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٢) أي السابق في القصيدة.

(٣) في «ق ، م» : «قبضت» بدل «قرّبتُ» وما أثبتناه من المصادر.

(٤) ديوان الأعشى : ١٠٥ و ١٠٦ ؛ وأنظر تهذيب اللغة : ١٢ : ٢٣٦ ؛ والتبيان ٥ : ٢٨٦ ؛ والمغني ١ : ٤١٠.

(٥) في ج ١ ، ص ٢٥.

(٦) المائدة (٥) : ٦.

(٧) حلية الأولياء ٧ : ١٢٤ ؛ مسند أبي عوانة ٢ : ١٢٥ ؛ الكامل لابن عدي ٤ : ١٤٣٧.

٧

و «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (١) إلى غير ذلك من الأدلّة ، فهي دعاء للميّت مشروط شرعاً بشرائط مخصوصة. وتسميته صلاةً باعتبار المعنى اللغوي.

ويدلّ على ذلك قول الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن فعلها على غير وضوء : «نعم ، إنّما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، كما تكبّر وتسبّح في بيتك على غير وضوء» (٢).

وذهب بعض الأصحاب (٣) ومنهم الشهيد (٤) رحمه‌الله إلى أنّها حقيقة شرعيّة بدلالة الاستعمال ، وإرادة المجاز معه يحتاج إلى دليل ؛ لكونه على خلاف الأصل.

وقد اختلف تعريفها بسبب هذا الاختلاف ، ولا تكاد تجد تعريفاً خالياً عن دَخْلٍ ، كما هو شأن التعريفات.

وقد عرّفها المصنّف في التحرير بناءً على الأوّل بأنّها أذكار معهودة مقترنة بحركات وسكنات مخصوصة يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى (٥).

فالأذكار بمنزلة الجنس تشمل الدعاء والقراءة وغيرهما من الكلام المباح. وباقي القيود بمنزلة الفصل. وخرج بالمعهودة الأذكارُ المباحة التي لم تنقل شرعاً على وجه معيّن. وبالمقترنة بالحركات والسكنات الدعاء وقراءة القرآن. وأراد بالحركات والسكنات الركوع والسجود والقيام وغيرها ممّا يقوم مقامها. وتخرج بها صلاة الجنازة ؛ إذ لا يعتبر فيها ذلك. وقيد التقرّب بيان للغاية ، وتخرج به صلاة الرياء.

وتندرج في التعريف صلاة المضطرّ ولو بالإيماء والمطاردة وغيرها ممّا لا يشترط فيه القبلة ولا القيام ، وإنّما هو ذكر بحركة مخصوصة ، وصلاة النافلة ولو سفراً وجالساً ، وغير ذلك من الأنواع.

ونُقض في طرده بأذكار الطواف ، وفي عكسه بصلاة الأخرس ؛ فإنّه لا أذكار فيها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ١٦ / ٦١ ؛ سنن الترمذي ١ : ٨ ٩ / ٣ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥ و ٢٧٦ ؛ سنن الدارقطني ١ : ٣٦٠ / ٤ ؛ مسند أحمد ١ : ١٩٨ ١٩٩ / ١٠٠٩.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ / ١ ؛ الفقيه ١ : ١٠٧ / ٤٩٥ ؛ التهذيب ٣ : ٢٠٣ / ٤٧٥.

(٣) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٦.

(٤) الذكرى ١ : ٦٥.

(٥) تحرير الأحكام ١ : ٢٦.

٨

وأُجيب عن الأوّل : بأنّ المراد بالاقتران التلازم من الطرفين ، وليس كذلك أذكار الطواف ؛ إذ لا تلازم بينها وبين الحركات ؛ لانفكاكها من الأذكار.

وعن الثاني : بأنّ تحريك الأخرس لسانه قائم مقام الذكر.

وفيهما منع ؛ فإنّ الاقتران أعمّ من التلازم ، فلا يدلّ عليه على الخصوص. وإرادة بعض أفراد العامّ غير جائز في التعريف إلا بقرينةٍ جليّة.

ولأنّا نفرضه فيما لو وجبت فيه بنذر وشبهه ، فإنّهما حينئذٍ متلازمان ، وهو كافٍ في النقض ، ولا يلزم من قيام حركة لسان الأخرس مقام الذكر كونه ذكراً ، فإنّ البدل مغاير للمبدل.

وعرّفها المحقّق الشيخ علي بأنّها أفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم للقربة. وادّعى فيه الاحتراز التامّ وصحّة الاطّراد والانعكاس (١).

وأُورد على طرده بالذكر المنذور المفتتح بالتكبير المختتم بالتسليم ، وأبعاض الصلاة ، الأخيرة المفتتحة بالتكبير ، كالركوع والسجود والتشهّد المتّصلة بالتسليم ، وبالصلاة المتبيّن فسادها بعدم الطهارة مثلاً.

فأجاب : بأنّ المراد بالتكبير تكبير مخصوص متعارف بين الفقهاء إذا أُطلق تكبير الافتتاح يستفاد منه ذلك التكبير المخصوص ، أعني تكبير التحريم ، فاللام فيه للعهد. وكذا المراد بالتسليم تسليم مخصوص ، وهو المحلّل لا التحيّة المتعارفة ولا التسليم على الأنبياء وغيرهم ؛ لأنّ ذلك لا يفهم من التسليم على ألسنة الفقهاء. وهذا المعنى منتفٍ في الذكر المنذور ، فإن أُريد بالنذر وقلنا بانعقاده ، لم يتصوّر مثله في التسليم بمعنى المحلّل ؛ لأنّ التسليم على الوجه المخصوص ليس عبادةً مطلقاً ، بل في مواضع مخصوصة ، فلا يمكن جَعْله عبادةً بالنذر ؛ لأنّها موقوفة على إذن الشارع ، بخلاف التكبير ؛ فإنّه عبادة مطلقاً ؛ لأنّه ذكر لله وثناء عليه.

وهذا بعينه جواب عن الصلاة الفاسدة والأبعاض المذكورة. ويزيد منع كونها مفتتحةً بتكبير ؛ لأنّ فاتحة الشي‌ء جزؤه الأوّل ، كما في افتتاح الصلاة بالتكبير ، فإنّه جزؤها الأوّل

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٦.

٩

بناءً على ما حُقّق من كون النيّة بالشرط أشبه (١).

وفيه نظر ؛ لأنّ هذا التكبير المعروف بين الفقهاء لا يمكن معرفته إلا مضافاً إلى الصلاة ، فيكون قد أُخذ في تعريف الصلاة ما يتوقّف فهمه عليها ، وهو دور.

وأيضا لو أُريد بالتكبير ما حصل فيه فائدة التحريم وبالتسليم ما حصل فيه فائدة التحليل ، لم يتصوّر الحكم ببطلان الصلاة بزيادتهما ، فإنّ ذلك الزائد غير محرّم ولا محلّل ، وإنّما المراد الإتيان بصورتهما بقصدهما.

وقوله : «إنّ التسليم على ذلك الوجه ليس عبادةً ولا ينعقد نذره» موضعُ نظر أيضاً ؛ فإنّهم قد نصّوا على استحباب أن يقصد به التسليم على الأنبياء والأئمّة والملائكة إلى غير ذلك ممّا فصّلوه ، ولا ريب أنّ التسليم على هؤلاء أمر مندوب ، فيكون نذره صحيحاً. وعدم وجود فائدة التحليل فيه لا يُخرجه عن كونه بصورة تسليم الصلاة ، كما في التكبير والتسليم المزيدين في غير محلّهما.

ودعوى كون فاتحة الشي‌ء جزءه الأوّل في موضع المنع أيضاً ؛ فإنّه وإن تمّ في الصلاة لأنّها مجموع مركّب من أفعال مخصوصة أوّلها التكبير لا يتمّ في غيرها ، كما تقول : ينبغي افتتاح السفر بالصدقة ونحوه.

سلّمنا ، لكنّ الذكر المنذور الملحوظ في النذر كون أوّله التكبير وآخره التسليم يكون التكبير جزءه الأوّل ، فالإيراد بحاله.

وعرّفها الشهيد رحمه‌الله بناءً على ما اختاره من دخول صلاة الجنازة في أقسامها الحقيقيّة بأنّها أفعال مفتتحة بالتكبير مشترطة بالقبلة للقربة فتدخل الجنازة (٢) ، بخلاف ما سبق ؛ فإنّها خارجة منه بقيد التسليم.

وأُورد على طرده الذكر المنذور حال الاستقبال مفتتحاً بالتكبير ، وأبعاض الصلاة ، والصلاة المندوبة مطلقاً على القول بعدم اشتراط الاستقبال فيها ، ومع السفر والركوب على القول بالاشتراط ، والصلاة المنذورة إلى غير القبلة حيث يصحّ النذر.

(والنظر) يقع (في المقدّمات) بفتح الدال وكسرها ، وهي ما تتقدّم على الماهيّة إمّا

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) الذكرى ١ : ٦٥.

١٠

لتوقّف تصوّرها عليها ، كذكر أقسامها وكمّيّاتها كالمقصد الأوّل ، أو لاشتراطها بها ، أو لكونها من مكمّلاتها السابقة كالأذان والإقامة (و) في (الماهيّة) وهي ذات الصلاة التي أوّلها التكبير وآخرها التشهّد أو التسليم (واللواحق) وهي ما تلحق الماهيّة من الأحكام ، كالبحث عمّا يُفسدها ، وكيفيّة تلافيها مع ذلك ومكمّلاتها بالجماعة وما يلحقها من النقص بسبب الخوف والسفر.

١١
١٢

(النظر الأوّل : في المقدّمات)

(وفيه مقاصد) :

[المقصد] (الأوّل : في أقسامها)

(وهي) تنقسم انقسام الكلّيّ إلى جزئيّاته إلى (واجبة ومندوبة).

(فالواجبات) جمعها باعتبار تعدّد أفرادها ، ووحّدها أوّلاً مراعاةً للجنس (تسع) :

الصلاة (اليوميّة) وهي الخمس ، سُمّيت بذلك ؛ لتكرّرها في كلّ يوم. ونسبتها إلى اليوم دون الليلة إمّا تغليباً ، أو لأنّ معظمها في اليوم ، أو لكونه مذكّراً فكان أولى بالنسبة ، كما يكون أولى بالاسم على تقدير جمعهما في اسمٍ واحد ، كالأبوين.

(والجمعة) وعدّها قسماً برأسه ؛ لمغايرتها للظهر وإن كانت بدلاً منها ، ولم يثبت كونها ظهراً مقصورة.

(والعيدان والكسوف) العارض للشمس والقمر (والزلزلة والآيات والطواف والأموات).

وفي جميع هذه الأقسام عدا الأوّل أقام المضاف إليه مقام المضاف بعد حذفه وكساه إعرابه ، وفي الأوّل حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

وقوله (والمنذور وشبهه) لا يلتئم معهما ، بل هو تركيب برأسه.

وفي عدّ الكسوف والزلزلة والآيات أقساماً ثلاثة إشكال ؛ لأنّ الآيات تشملهما ، فجَعْلُ بعض أقسام الشي‌ء قسيماً له لا يستقيم ، فالأولى عدّها قسماً واحداً لتصير الأقسام

١٣

سبعةً ، كما صنعه الشهيد (١) رحمه‌الله.

وفي عدّه لصلاة الأموات منها دلالة على ترجيح وقوع اسم الصلاة عليها حقيقةً.

وفي القواعد (٢) وغيرها (٣) أسقطها من العدد بناءً على القول الآخر.

ويمكن كون ذكرها هنا بنوع تجوّز ، كما ذكر وضوء الحائض ونحوه من أقسام الوضوء مع عدم كونه طهارةً عنده (٤) ، فإنّهم لا يتحاشون أن يذكروا في التقسيم ما لا يدخل في التعريف.

والمراد بشبه المنذور ما حلف عليه أو عُوهد أو تحمّل عن الغير ولو باستئجار ، وصلاة الاحتياط ، فإنّها غير اليوميّة ، مع احتمال دخولها فيها.

وفي كون قضاء اليوميّة من أقسامها أو من القسم الأخير نظر : من كونه غير المقضي وإن كان فعل مثله ، ومن انقسامها إلى الأداء والقضاء ، وهو دليل الحقيقة. وكذا القول في غيرها ممّا تقضى.

(والمندوب) من الصلوات (ما عداه) أي ما عدا الواجب المذكور من الصلوات ، وهي أقسام كثيرة يأتي ذكر بعضها.

(فاليوميّة خمس) صلوات بعد أن كانت خمسين ، فخفّفها الله تعالى عن هذه الأُمّة ليلة المعراج إلى خمس (٥) ، وأبقى ثواب الخمسين ؛ لآية المضاعفة (٦) ، كما ورد في الخبر (٧).

فإحدى الخمس : (الظهر) وهي الصلاة الوسطى على أصحّ الأقوال ، ونقل الشيخ فيه إجماعنا (٨) ؛ لرواية زرارة عن الباقر (٩) ، والبزنطي عن الصادق عليه‌السلام (١٠). ولتوسّطها بين

__________________

(١) اللمعة الدمشقيّة : ٩ ؛ البيان : ١٠٧ ؛ الدروس ١ : ١٣٦.

(٢) انظر قواعد الأحكام ١ : ٢٤ ففيها غير ساقطة. وفي نسخة القواعد التي اعتمد عليها المحقّق الكركي في شرحه عليها ساقطة. انظر جامع المقاصد ٢ : ٧.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٥٩ ؛ منتهى المطلب ٤ : ١١ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٣٠٨.

(٤) منتهى المطلب ٢ : ٣٨٣ ، الفرع الأوّل.

(٥) تفسير القمّي ٢ : ٣ ١٢ ؛ الفقيه ١ : ١٢٥ ٦٠٢ / ١٢٦ ؛ صحيح البخاري ١ : ١٣٥ ١٣٦ / ٣٤٢ ؛ سنن الترمذي ١ : ٤١٧ / ٢١٣.

(٦) الأنعام (٦) : ١٦٠.

(٧) الفقيه ١ : ١٢٦ / ٦٠٣. (٨) الخلاف ١ : ٢٩٤ ٢٩٥ ، المسألة ٤٠.

(٩) الكافي ٣ : ٢٧١ / ١ ؛ الفقيه ١ : ١٢٤ ١٢٥ / ٦٠٠ ؛ التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤.

(١٠) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة ، وكذا في الذكرى ٢ : ٢٨٨.

١٤

صلاتي النهار : الصبح والعصر ، ووقوعها في وسط النهار حيث ينتشر الناس في معاشهم ويتوفّرون على الاشتغال بأمر دنياهم ، فاقتضى ذلك الاهتمام بالمحافظة عليها.

(والعصر) وهي عند المرتضى الوسطى (١) (والعشاء).

(وكلّ واحدة) من هذه الثلاث (أربع ركعات في الحضر ، ونصفها) بحذف الركعتين الأخيرتين (في السفر) والخوف.

والمراد بتنصيفها باعتبار ما استقرّت عليه وإلا فقد روينا عن الصادق (٢) ورووا عن عائشة أنّ الصلاة افترضت مثنى إلا المغرب ، فزِيد فيما عدا الصبح والمغرب ركعتين ، وفي السفر تصلّى كما افترضت (٣).

(والمغرب ثلاث) ركعات (فيهما) أي في السفر والحضر. ولا يحتاج هنا إلى إضافة الخوف ؛ لدخوله فيهما اتّفاقاً ؛ إذ الحال منحصرة في السفر والحضر.

(والصبح ركعتان كذلك) أي : سفراً وحضراً.

(ونوافلها) أي : نوافل اليوميّة (في الحضر) أربع وثلاثون ركعة على المشهور :

(ثمان ركعات قبل الظهر ، وثمان قبل العصر ، وأربع بعد المغرب) وقبل كلّ شي‌ء سوى التسبيح ، ذكره الشهيد في الذكرى (٤).

(وركعتان من جلوس) على الأفضل (تعدّان) لذلك بركعة ، وتجوزان من قيام ؛ لخبر سليمان بن خالد عن الصادق (٥) ، وتصلّيان ركعتين أيضاً.

وعدّهما حينئذٍ (بركعة) باعتبار كون ثوابهما ثواب ركعةٍ من قيام في غيرهما ، أو لأنّهما بدل من ركعتين من جلوس ؛ إذ هو الأصل فيهما ، والركعتان من جلوس معدودتان بواحدة ، كما دلّت عليه رواية البزنطي عن الكاظم (٦).

ومحلّهما (بعد العشاء) وبعد كلّ صلاة يريد فعلها ، صرّح بذلك المصنّف في

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٧٥.

(٢) الكافي ١ : ٢٦٦ (باب التفويض إلى رسول اللهُ ..) ٤ ؛ الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٩ ؛ التهذيب ٢ : ١١٣ ١١٤ / ٤٢٤.

(٣) كما في جامع المقاصد ٢ : ٨ ؛ وانظر صحيح البخاري ١ : ٣٦٩ / ١٠٤٠ ؛ وصحيح مسلم ١ : ٤٧٨ / ٦٨٥ ؛ وسنن النسائي ١ : ٢٢٥ ؛ ومسند أحمد ٧ : ٣٨٧ / ٢٥٨٠٦.

(٤) الذكرى ٢ : ٣٦٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٥ / ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤٤ / ٨ ؛ التهذيب ٢ : ٨ / ١٤.

١٥

النهاية (١) والشيخان في المقنعة والنهاية (٢) حكاه في الذكرى ، قال : حتى نافلة شهر رمضان (٣).

وقطع الشهيد في النفليّة بأنّ نافلة شهر رمضان ، الواقعة بعد العشاء ، تكون بعد الوتيرة (٤). وسيأتي تحقيق الحال إن شاء الله.

(وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل) وإطلاق صلاة الليل على الجميع تغليب لاسم الأكثر ، وإلا فصلاة الليل منها ثمان ثمّ ركعتا الشفع ثمّ ركعة الوتر. (وركعتا الفجر).

فهذه أربع وثلاثون ركعة نقل الشيخ إجماعنا عليها (٥) ، ورواها في التهذيب بهذا التفصيل عن الصادق (٦) والرضا (٧)».

وروى ثلاث وثلاثون (٨) بإسقاط الوتيرة.

وروى تسع وعشرون : ثمان للظهر قبلها ، وركعتان بعدها ، وركعتان قبل العصر ، وركعتان بعد المغرب ، وقبل العتمة ركعتان ، وإحدى عشرة اللّيليّة ، وركعتا الفجر (٩).

وروى زرارة عن الصادق عليه‌السلام أنّها سبع وعشرون اقتصر بعد المغرب على ركعتين (١٠).

واختلاف هذه الأخبار منزّل على الاختلاف في الاستحباب بالتأكيد وعدمه ، فلا ينافي مطلق الاستحباب.

(وتسقط نوافل الظهرين والوتيرة في السفر) والخوف.

أمّا نوافل الظهرين : فلا خلاف في سقوطها.

وأمّا الوتيرة : فالمشهور سقوطها ، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع (١١).

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٣٠٨.

(٢) المقنعة : ١١٨ ؛ النهاية : ٦٠ و ١١٩.

(٣) الذكرى ٢ : ٣٠٩.

(٤) النفليّة : ١٠٦.

(٥) الخلاف ١ : ٥٢٥ ٥٢٦ ، المسألة ٢٦٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٤ / ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٨ / ١٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٤ / ٤.

(٩) التهذيب ٢ : ٦ / ١١ ؛ الاستبصار ١ : ٢١٩ / ٧٧٧.

(١٠) التهذيب ٢ : ٧ / ١٢.

(١١) السرائر ١ : ١٩٤.

١٦

والمستند بعد الإجماع المنقول بخبر الواحد رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا المغرب فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر ولا سفر» (١).

ورواية أبي يحيى الحنّاط عن أبي عبد الله عليه‌السلام «يا بُنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» (٢).

وفي هذا الخبر إيماء إلى سقوطها في الخوف الموجب للقصر أيضاً.

وجوّز الشيخ في النهاية فعل الوتيرة (٣) ؛ استناداً إلى رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام «إنّما صارت العشاء مقصورةً وليس تترك ركعتاها لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع» (٤).

وقوّاه في الذكرى بأنّه خاصّ ومعلّل وما تقدّم خالٍ منهما ، قال : إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه (٥).

والعمل على المشهور.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٩ ٤٤٠ / ٣ ؛ التهذيب ٢ : ١٤ ١٥ / ٣٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٤ ؛ الإستبصار ١ : ٢٢١ / ٧٨٠.

(٣) النهاية : ٥٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠.

(٥) الذكرى ٢ : ٢٩٨.

١٧

(المقصد الثاني : في أوقاتها)

يجب معرفة أوقات الصلاة الواجبة عيناً ؛ لتوقّف الواجب المطلق عليه ، وحيث كان كذلك وجب بيان الأوقات.

(فأوّل وقت) صلاة (الظهر إذا زالت الشمس) أي : مالت عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار نحو المغرب ، فذلك هو الزوال (المعلوم) بأحد أمرين (بزيادة الظلّ) المبسوط ، وهو المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأُفق (بعد نقصه).

واحترزنا بالمبسوط عن الظلّ المنكوس ، وهو المأخوذ من المقاييس الموازية للأُفق ، فإنّ زيادته تحصل من أوّل النهار وتنتهي عند انتهاء نقص المبسوط ، فهو (١) ضدّه ، فلا بدّ من الاحتراز عنه.

وبيان ذلك : أنّ الشمس إذا طلعت ، وقع لكلّ شاخص قائم على سطح الأرض بحيث يكون عموداً على سطح الأُفق ظلّ طويل في جانب المغرب ، وهذا الظلّ هو المبحوث عنه هنا ، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار ، وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة الأُفق على نقطتين هُما نقطتا الجنوب والشمال ، وقطباهما منتصف النصف الشرقي ومنتصف النصف الغربي من الأُفق ، وهُما نقطتا المشرق والمغرب.

وحينئذٍ فيكون ظلّ الشاخص المذكور واقعاً على خطّ نصف النهار ، وهو الخطّ الواصل

__________________

(١) في «م» : وهو.

١٨

بين نقطتي الجنوب والشمال ، وهناك ينتهي نقصان الظلّ المذكور. وقد لا يبقى للشاخص ظلّ أصلاً في بعض البلاد ، وإذا بقي الظلّ ، فمقداره مختلف باختلاف البلاد والفصول ، فكلّما كان بُعْد الشمس عن مسامتة رؤوس أهل البلد أكثر كان الظلّ فيها أطول.

فإذا مالت الشمس عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار إلى المغرب ، فإن لم يكن بقي ظلّ ، حدث حينئذٍ في جانب المشرق ، وكان ذلك علامة الزوال. وإن كان قد بقي ، أخذ حينئذٍ في الزيادة ، فيكون ذلك علامةً أيضاً.

فإطلاق المصنّف العلامةَ على الثاني خاصّة مبنيّ على الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان ، وإلا فاللازم ذكر الأمرين ، كما صنع في غير (١) هذا الكتاب ، أو التعبير بلفظٍ يشملهما ، كظهور الظلّ في جانب المشرق.

ولاستخراج هذه الزيادة طُرق جليلة ودقيقة :

فالجليلة الواضحة التي دلّت عليها الأخبار كخبر عليّ بن أبي حمزة (٢) ، وخبر سماعة عن الصادق (٣) أن ينصب مقياساً على وجه الأرض حيال الشمس ويقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ثمّ يصبر قليلاً ويقدّر ، فإن كان دون الأوّل أو بقدره ، فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد زالت ، إلا أنّ هذا الطريق إنّما يعلم به زوال الشمس بعد مضيّ زمانٍ طويل ، لكنّه عامّ النفع للعالم والعامّي.

ومن الطّرق الدقيقة : الدائرة الهنديّة ، وقد ذكرها المصنّفُ في النهاية (٤) ، وجماعة من الأصحاب ، كالمفيد (٥) وغيره (٦).

وطريقها أن يسوّي موضعاً من الأرض تسويةً صحيحة بأن يدار عليها مسطرة مصحّحة الوجه مع ثبات وسطها بحيث يماسّها في جميع الدورة ، أو تعلم بالماء إن كانت صلبةً بحيث إذا صبّ عليها مسّها من جميع الجهات. ثمّ تدار عليها دائرة بأيّ بُعْدٍ كان وينصب

__________________

(١) مثل تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٠١ ؛ ومنتهى المطلب ٤ : ٤٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧ / ٧٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧ / ٧٥.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٣٣٤.

(٥) المقنعة : ٩٢ و ٩٣.

(٦) كالشيخ الطوسي في النهاية : ٥٨ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٧٢ ٧٣ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٣.

١٩

على مركزها مقياس مخروطي محدّد الرأس طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريباً نصباً مستقيماً بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم ، ويعلم ذلك بأن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط من المحيط ، ويرصد رأس الظلّ عند وصوله إلى محيطها للدخول فيها ممّا يلي الغرب قبل الزوال ، وبعد الزوال عند خروجه منها من جهة الشرق ، ويُعلّم على نقطتي الوصول ، وينصف القوس التي بين العلامتين من الجانبين ، أعني جهة الجنوب والشمال ، ويُخرِج من منتصفها خطّاً مستقيماً يمرّ بالمركز ، فهو خطّ نصف النهار الذي ينتهي أحد طرفيه بنقطة الجنوب والآخر بنقطة الشمال. ولك أن تكتفي بتنصيف القوس الشماليّة وتصل بين مركز الدائرة ومنتصف القوس ، فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار ، كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه ، فقد زالت الشمس. ولو نصفت القوسين الحادثتين من قطع خطّ نصف النهار للدائرة ووصلت بينهما بخطّ يقاطع خطّ نصف النهار على أربع زوايا قوائم كلّ منها ربع المحيط ، كان ذلك الخطّ خطّ المشرق والمغرب ، فيتّصل أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال والآخر بنقطة مغربه.

وسيأتي في باب القبلة الاحتياج إليها إن شاء الله ، فإنّ بهذه الدائرة تعرف القبلة أيضاً بنوع من التحقيق.

ومن الطّرق الدقيقة التي يعلم بها الزوال أيضاً : الأسطرلاب ، وربع الدائرة ، ودائرة المعدّل ، وغيرها من الأعمال ، وقد ذكرها أيضاً بعض (١) الأصحاب.

بقي هنا بحث شريف لا بدّ من التنبّه له ، وهو : أنّ المصنّف (٢) وجماعة (٣) مثّلوا من البلاد التي يعلم الزوال فيها بحدوث الظلّ بعد عدمه مكّة وصنعاء في أطول أيّام السنة ، وهو يوم واحد عند نزول الشمس السرطان.

وحكى بعضهم (٤) فيه قولاً آخر ، وهو : أنّ ذلك يكون بالبلدين قبل أن ينتهي طول

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ٥٨ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٧٢.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٣٣٣.

(٣) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ١٣٨ ؛ والذكرى ٢ : ٣٢١ ؛ والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ١٦٧ ١٦٨ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٢.

(٤) المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٢ ؛ وانظر منتهى المطلب ٤ : ٤٢ ؛ وتذكرة الفقهاء ٢ : ٣٠١.

٢٠