منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨٨

١

٢

٣
٤

كتاب التجارة

٥

٦

وفيه مقاصد وفصول :

مُقدّمة

التجارة في الجملة من المستحبات الأكيدة في نفسها ، وقد تستحب لغيرها ، وقد تجب ـ كذلك ـ إذا كانت مقدمة لواجب أو مستحب ، وقد تكره لنفسها أو لغيرها ، وقد تحرم كذلك ، والمحرم منها أصناف ، وهنا مسائل :

مسألة ١ : لا يجوز التكسب بالخمر وباقي المسكرات المائعة ، والخنزير ، والكلب غير الصيود ، وكذا الميتة النجسة على الأحوط ، ولا فرق بين أنواع التكسب من البيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع وأجرة في الإجارة وعوضا عن العمل في الجعالة وغير ذلك من أنحاء المعاوضة عليها ، وفي حكم ذلك جعلها مهرا في النكاح وعوضا في الطلاق الخلعي ، بل وكذا هبتها والصلح عليها بلا عوض على الأظهر. نعم ما يكون منها ذو منفعة محللة مقصودة عند العقلاء فلا بأس بإعارته وأجارته لمنافعه المحللة ككلب الماشية والزرع والبستان والدور وكشف الجرائم ونحو ذلك.

وأما سائر الأعيان النجسة غير ما ذكر فالظاهر جواز بيعها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها كبيع العذرة للتسميد والدم للتزريق ونحو ذلك ، وكذلك تجوز هبتها والمعاوضة عليها بسائر أنحاء المعاوضات.

مسألة ٢ : الأعيان المتقدمة التي مر أنه لا يجوز بيعها ولا سائر أنحاء المعاوضة عليها لا يبعد ثبوت حق الاختصاص لصاحبها فيها ، فلو صار خله

٧

خمرا أو ماتت دابته أو استولى على كلب غير كلب الصيد لا يجوز أخذ شيء من ذلك قهرا عليه ، وكذا الحكم في سائر الموارد ، ويجوز له أن يأخذ مبلغا من المال ليرفع يده عنه ويخلي بينه وبين الباذل فيصير هو صاحب الحق باستيلائه عليه ، كما يجوز له نقل حقه إلى غيره بلا عوض كالصلح مجانا ، وأما نقله مع العوض فلا يخلو عن إشكال.

مسألة ٣ : الظاهر أن الميتة الطاهرة ـ كالسمك الطافي ـ يجوز بيعها والمعاوضة عليها ، فيما إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف بحيث يصح عندهم بذل المال بإزائها ، وإن كان الأولى رعاية الاحتياط بالاجتناب عن بيعها وبذل المال بإزاء رفع اليد عنها لا بإزاء العين نفسها كما مر في الميتة النجسة.

مسألة ٤ : يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة النجسة إذا كانت له منفعة محللة معتد بها كشعرها وصوفها ونحوهما.

مسألة ٥ : يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرمة مثل التسميد بالعذرات ، والإشعال بها ، والطلي بدهن الميتة النجسة ، والصبغ بالدم ، وغير ذلك.

مسألة ٦ : يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها ـ كما هي كذلك اليوم ـ وكذلك الأبوال الطاهرة.

مسألة ٧ : يجوز بيع المتنجس القابل للتطهير كالفراش وكذا غير القابل له مع عدم توقف منافعه المتعارفة السائغة على الطهارة ـ كبعض الأدهان والصابون المتنجس ـ بل حتى مع توقفها عليها كالدبس والعسل والدهن المعد للأكل والسكنجبين فيما إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف ، ولولم تكن لها منفعة محللة لا يجوز بيعها ولا المعاوضة عليها على الأحوط وجوبا ، والظاهر بقاؤها على ملكية مالكها ، ويجوز أخذ شيء

٨

بإزاء رفع اليد عنها.

مسألة ٨ : يجب على البائع إعلام المشتري بنجاسة المتنجس فيما إذا كان مع عدم الإعلام في معرض مخالفة تكليف إلزامي تحريمي ـ كاستعماله في الأكل أو الشرب ـ أو وجوبي ـ كاستعمال الماء المتنجس في الوضوء أو الغسل وأتيان الفريضة بهما ـ هذا مع احتمال تأثير الإعلام في حقه بأن لم يحرز كونه غير مبال بالدين مثلا والا لم يجب الإعلام.

مسألة ٩ : لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بماله من الصورة الصناعية ـ التي بها قوام ماليته عند العرف ولأجلها يقتنيه الناس غالبا ـ لا يناسب أن يستعمل إلا في عمل محرم ، وله أنواع ( منها ) الأصنام وشعائر الكفر كالصلبان و ( منها ) آلات القمار كالنرد والشطرنج و ( منها ) آلات اللهو المحرم ، إلى غير ذلك من الأنواع التي سيأتي ذكر بعضها الآخر إن شاء الله تعالى.

مسألة ١٠ : الآلات المخترعة لالتقاط الأصوات والصور أو تسجيلها أو إذاعتها ونشرها هي ـ في الغالب ـ من الآلات المشتركة بين الحلال والحرام ، فيجوز بيعها والعاوضة عليها واقتناؤها واستعمالها في منافعها المحللة ، كإسماع القرآن المجيد وأستماعه ونشر الأحكام الشرعية والمواعظ الدينية والتعزية والأخبار وتعليم العلوم والصنائع المحللة والتعريف بالأمتعة والبضائع التجارية ومشاهدة عجائب الخلقة ونحو ذلك ، ويحرم استعمالها في الأمور المحرمة كالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ونشر الأفكار الهدامة والصور الخلاعية المثيرة للشهوات الشيطانية وكل ما يوجب الانحطاط الفكري والخلقي للمسلمين وأذا صار بعض ما ذكر من الآلات مصداقا لآلة الحرام بالمعنى المتقدم فلا إشكال في عدم جواز بيعه والمعاوضة عليه.

مسألة ١١ : كما يحرم بيع آلة الحرام يحرم عملها ، وأخذ الأجرة عليها ، بل يجب إعدامها ولو بتغيير هيئتها فيما إذا توقف على ذلك النهي

٩

عن المنكر المترتب عليه والا لم يجب وإن كان أحوط ، ويجوز بيع مادتها من الخشب والنحاس والحديد بعد تغيير هيئتها بل قبله ، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلا مع الوثوق بأن المشتري يغيرها ، أما مع عدم الوثوق بذلك فالظاهر جواز البيع وإن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام ، أما إذا كانت لها فائدة محللة ولو قليلة لم يجب تغييرها.

مسألة ١٢ : تحرم ولا تصح المعاملة بالنقود الساقطة عن الاعتبار أو المدلسة التي يغش بها الناس ، فلا يجوز جعلها عوضا أو معوضا عنها في المعاملة مع جهل من تدفع إليه ، أما مع علمه ففيه إشكال ، والأظهر الجواز ، بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون إعلامه بأنها مغشوشة ، وفي وجوب إزالة صورتها إشكال ، والأظهر عدمه.

مسألة ١٣ : يجوز بيع السباع ، كالهر والأسد والذئب ونحوها إذا كانت لها منفعة محللة وكذا يجوز بيع الحشرات وغيرها مما يحرم أكله ـ إلا الكلب والخنزير ـ فيما إذا كانت كذلك كالعلق الذي يمص الدم ودود القز ونحل العسل والفيل ، أما إذا لم تكن لها منفعة محللة فلا يصح بيعها على الأحوط.

مسألة ١٤ : المراد بالمنفعة المحللة في المسألة السابقة هي الفائدة المحللة التي بلحاظها تكون للشيء قيمة سوقية معتد بها وإن اختص العلم بوجودها ببعض أصحاب الاختصاص ، سواء أكانت مرغوبا فيها لعامة الناس أم لصنف خاص منهم ، في مطلق الحالات أم في الحالات الطارئة. كما في الأدوية والعقاقير المحتاج إليها للتداوي.

مسألة ١٥ : المشهور المنع عن بيع أواني الذهب والفضة للتزيين أو لمجرد الاقتناء ، والأقوى الجواز ، وإنما يحرم استعمالها في الأكل والشرب بل وفي غيرهما أيضا على الأحوط كما مر.

مسألة ١٦ : لا يصح على الأحوط بيع المصحف الشريف على الكافر

١٠

ويحرم تمكينه منه فيما إذا كان في معرض الإهانة والهتك وأما إذا كان تمكينه لإرشاده وهدايته مثلا فلا بأس به ، والأحوط استحبابا الاجتناب عن بيعه على المسلم فإذا أريدت المعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة على الغلاف ونحوه ، أو تكون المعاوضة بنحو الهبة المشروطة بعوض ، وأما الكتب المشتملة على الآيات والأدعية وأسماء الله تعالى فالظاهر جواز بيعها على الكافر فضلا عن المسلم ، وكذا كتب أحاديث المعصومين عليهم‌السلام كما يجوز تمكينه منها.

مسألة ١٧ : يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا ، أو الخشب ـ مثلا ـ ليعمل صنما ، أو آلة لهو ، أونحو ذلك سواء أكان تواطؤهما على ذلك في ضمن العقد أم في خارجه مع وقوع العقد مبنياً عليه ، وأذا باع وأشترط الحرام صح البيع وفسد الشرط ، وكذا تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمر ، أو تحرز فيها ، أو يعمل فيها شيء من المحرمات ، وكذا تحرم ولا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر ، والأجرة في ذلك محرمة وأما بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا ، أو إجارة المسكن ممن يعلم أنه يحرز فيه الخمر ، أو يعمل به شيئا من المحرمات من دون تواطؤهما على ذلك في عقد البيع أو الإجارة أو قبله ، فقيل أنه حرام وهو الأحوط ولكن الأظهر الجواز ، نعم لا يجوز بيع الخشب ونحوه لمن يصنع منه شعائر الكفر كالصلبان والأصنام ولو من غير تواطؤ على ذلك على الأظهر.

مسألة ١٨ : التصوير على ثلاثة أقسام :

الأول : تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان وغيرهما تصويرا مجسما كالتماثيل المعمولة من الخشب والشمع والحجر والفلزات ، وهذا محرم مطلقا على الأحوط. سواء كان التصوير تاما أو ما بحكمه كتصوير الشخص جالسا أو واضعا يديه خلفه أم كان ناقصا ، من غير فرق بين أن يكون النقص لفقد ما هو دخيل في الحياة كتصوير شخص مقطوع الرأس أو

١١

لفقد ما ليس دخيلا فيها كتصوير شخص مقطوع الرجل أو اليد ، وأما تصوير بعض بدن ذي الروح كرأسه أو رجله ونحوهما مما لا يعد تصويرا ناقصا لذي الروح فلا بأس به كما لا بأس باقتناء الصور المجسمة وبيعها وشرائها وإن كان يكره ذلك.

الثاني : تصوير ذوات الأرواح من غير تجسيم سواء كان بالرسم أم بالحفر أم بغيرهما ، وهذا جائز على الأظهر ، ومنه التصوير الفوتغرافي والتلفزيوني المتعارف في عصرنا.

الثالث : تصوير غير ذوات الأرواح كالورد والشجر ونحوهما ، وهذا جائز مطلقا وإن كان مجسما.

مسألة ١٩ : يحرم تصوير ما يكون وسيلة عادية لعمل محرم كالأصنام ونحوها سواء أكان لإنسان أو حيوان أو غيرهما ، وكذا يحرم تصوير شخص تخليدا لذكراه وتعظيما له إذا كان اللازم شرعا امتهانه ومحو ذكره ، وكذا يحرم تصوير الصور الخلاعية التي تعتبر وسيلة لترويج الفساد وأشاعة الفاحشة بين المسلمين ، وكذا يحرم تصوير المقدسات على نحو يستلزم هتكها وأهانتها ولعل منه تصوير أهل الجاهلية إبراهيم وأسماعيل عليهما‌السلام وفي أيديهما الأزلام ـ كما قيل ـ ولا فرق في حرمة ما ذكر كله بين أن تكون الصورة مجسمة أولا ، ولا بين كونها تامة أو ناقصة ، ولا بين أن تكون معمولة باليد أو بالمكائن والآلات الحديثة ، وكما يحرم عملها لا يصح بيعها ويحرم أخذ الأجرة عليها والتزيين بها ، نعم لا بأس باقتناء الفرش التي عليها التماثيل التي تعظمها الكفار ـ مما تستحق الإهانة ـ إذا افترشت على الأرض ووطأت بالمشي عليها.

مسألة ٢٠ : الغناء حرام فعله وأستماعه والتكسب به ، والظاهر أنه الكلام اللهوي ـ شعرا كان أو نثرا ـ الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب ، وفي مقومية الترجيع والمد له إشكال ، والعبرة بالصدق

١٢

العرفي ، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها بل ولا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوبا.

وقد يستثنى من الغناء المحرم : غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهن على نحو يوجب تهيج الشهوة ولكن هذا الاستثناء لا يخلو عن إشكال ، وأما الحداء المتعارف فليس بغناء ولا بأس به كما لا بأس بما يشك ـ من جهة الشبهة المصداقية ـ في كونه غناء أو ما بحكمه ـ وأما الموسيقى فما كان منها مناسبا لمجالس اللهو واللعب كما هو الحال فيما يعزف بآلات الطرب كالعود والطنبور والقانون والقيثارة ونحوها فهي محرمة كالغناء ، وأما غيرها كالموسيقى العسكرية والجنائزية فالأحوط الأولى الاجتناب عنها أيضا.

مسألة ٢١ : معونة الظالمين في ظلمهم ، بل في كل محرم حرام أما معونتهم في غير المحرمات من المباحات والطاعات فلا بأس بها ، إلا أن يعد الشخص بها من أعوانهم والمنسوبين إليهم فتحرم ، وسيأتي ما يسوغها في المسألة (٣٩) إن شاء الله تعالى.

مسألة ٢٢ : اللعب بآلات القمار كالشطرنج ، والدوملة ، والنرد ( الطاولي ) وغيرها مما أعد لذلك حرام مع الرهن ، ويحرم أخذ الرهن أيضا ، ولا يملكه الغالب ، وأما اللعب بها إذا لم يكن رهن فيحرم في النرد والشطرنج على الأقوى ، بل ولا يترك الاحتياط في غيرهما أيضا ، ويحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا كان مع الرهن ، كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل ، أو على المصارعة أو على القفز أونحو ذلك ، ويحرم أخذ الرهن ، وأما إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز.

مسألة ٢٣ : عمل السحر وتعليمه وتعلمه والتكسب به حرام مطلقا وإن

١٣

كان لدفع السحر على الأحوط ، نعم يجوز بل يجب إذا توقفت عليه مصلحة أهم كحفظ النفس المحترمة المسحورة ، والمراد بالسحر ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما ، وفي كون تسخير الجن أو الملائكة أو الإنسان من السحر إشكال ، والأظهر تحريم ما كان مضرا بمن يحرم الإضرار به دون غيره.

مسألة ٢٤ : القيافة حرام. وهي إلحاق الناس بعضهم ببعض أو نفي بعضهم عن بعض استنادا إلى علامات خاصة على خلاف الموازين الشرعية في الإلحاق وعدمه ، وأما استكشاف صحة النسب أو عدمها باتباع الطرق العلمية الحديثة في تحليل الجينات الوراثية فليس من القيافة ولا يكون محرما.

مسألة ٢٥ : الشعبذة ـ وهي : إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة ـ حرام ، إذا ترتب عليها عنوان محرم كالإضرار بمؤمن ونحوه.

مسألة ٢٦ : الكهانة حرام. وهي : الإخبار عن المغيبات بزعم أنه يخبره بها بعض الجان ، أما إذا كان اعتمادا على بعض الأمارات الخفية فالظاهر أنه لا بأس به إذا اعتقد صحته أو اطمأن به ، وكما تحرم الكهانة يحرم التكسب بها والرجوع إلى الكاهن وتصديقه فيما يقوله.

مسألة ٢٧ : النجش ـ وهو : أن يزيد الرجل في ثمن السلعة ، وهولا يريد شراءها ، بل لأن يسمعه غيره فيزيد لزيادته ـ حرام مطلقا وإن خلا عن تغرير الغير وغشه على الأحوط ، ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان عن مواطاة مع البائع وغيره.

مسألة ٢٨ : التنجيم حرام ، وهو : الإخبار عن الحوادث ، مثل الرخص والغلاء والحر والبرد ونحوها ، استنادا إلى الحركات الفلكية والطوارئ الطارئة على الكواكب ، من الاتصال بينها ، أو الانفصال ، أو الاقتران ، أونحو ذلك ، باعتقاد تأثيرها في الحادث ، على وجه الاستقلال أو الاشتراك مع الله تعالى ، دون مطلق التأثير ، نعم يحرم الإخبار بغير علم عن هذه الأمور وغيرها مطلقا ،

١٤

وليس من التنجيم المحرم الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهلة وأقتران الكواكب وإنفصالها بعد كونه ناشئا عن أصول وقواعد سديدة وكون الخطأ الواقع فيه أحيانا ناشئا من الخطأ في الحساب وأعمال القواعد كسائر العلوم.

مسألة ٢٩ : الغش حرام. فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه ، وسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه » ، ويكون الغش بإخفاء الأدنى في الأعلى ، كمزج الجيد بالرديء وبإخفاء غير المراد في المراد ، كمزج الماء باللبن ، وبإظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعا ، مثل رش الماء على بعض الخضروات ليتوهم أنها جديدة وبإظهار الشيء على خلاف جنسه ، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب وقد يكون بترك الإعلام مع ظهور العيب وعدم خفائه ، كما إذا أحرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه ، فإن عدم إعلام البائع بالعيب ـ مع اعتماد المشتري عليه ـ غش له.

مسألة ٣٠ : الغش وإن حرم لا تفسد المعاملة به ، لكن يثبت الخيار للمغشوش بعد الاطلاع ، إلا في إظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المطلي بماء الذهب أو الفضة على أنه منهما ، فإنه يبطل فيه البيع ، ويحرم الثمن على البائع ، هذا إذا وقعت المعاملة على شخص ما فيه الغش ، وأما إذا وقعت على الكلي في الذمة وحصل الغش في مرحلة الوفاء فللمغشوش أن يطلب تبديله بفرد آخر لا غش فيه.

مسألة ٣١ : لا تصح الإجارة على ما علم من الشرع لزوم الإتيان به مجانا ، واجبا كان أو مستحبا ، عينيا كان أو كفائيا ، عباديا كان أو توصليا ، ومن هذا القبيل فعل الفرائض اليومية ونوافلها وصوم شهر رمضان وحجة الإسلام إذا كان المقصود أن يأتي بها الأجير عن نفسه ، ومنه أيضا القضاء بين الناس

١٥

والأذان للصلاة وتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم ـ على إشكال في الأمثلة الأربعة الأخيرة لا يترك معه الاحتياط ـ وأما ما لا يعتبر فيه المجانية شرعا فيجوز الاستئجار له سواء أكان مستحبا من نفسه كما لو استأجره على أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها إذا كانت مما تشرع فيه النيابة ، أم كان واجبا كما لو استأجر الطبيب ليصف الدواء للمريض أو يعالجه من مرضه ونحو ذلك ، وكذا لو استأجر من يقوم بفعل الواجبات التي يتوقف عليها النظام كتعليم بعض علوم الزراعة والصناعة والطب ، ولو استأجره لتعليم الأحكام الشرعية فيما هو محل الابتلاء فالأحوط البطلان وحرمة الأجرة ، وفي عموم الحكم لما لا يكون محلا للابتلاء إشكال والأظهر الجواز والصحة.

مسألة ٣٢ : يحرم النوح بالباطل ، أي بما يكون كذبا ولا بأس بالنوح بالحق.

مسألة ٣٣ : يحرم هجاء المؤمن ، وهو ذكر نواقصه ومثالبه ـ شعرا كان أو نثرا ـ ولا يستحسن هجاء مطلق الناس إلا إذا اقتضته المصلحة العامة ، وربما يصير واجبا حينئذ كهجاء الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ ببدعته.

مسألة ٣٤ : يحرم الفحش من القول ، وهو ما يستقبح التصريح به أما مع كل أحد أو مع غير الزوجة ، فيحرم الأول مطلقا ويجوز الثاني مع الزوجة دون غيرها.

مسألة ٣٥ : تحرم الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل ، وأما الرشوة على استنقاذ الحق من الظالم فجائزة ، وإن حرم على الظالم أخذها.

مسألة ٣٦ : يحرم حفظ كتب الضلال ونشرها وقرائتها وبيعها وشرائها مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو لغيره ، فلو أمن من ذلك جاز ، كما يجوز إذا كانت هناك مصلحة أهم والمقصود بكتب الضلال ما يشتمل على العقائد والآراء الباطلة سواء ما كانت مخالفة للدين أو المذهب.

مسألة ٣٧ : يحرم على الرجل لبس الذهب كالتختم به ونحوه بل الأحوط لزوما ترك التزين به من غير لبس أيضا كتلبيس مقدم الأسنان به أو

١٦

جعل أزرار اللباس منه.

مسألة ٣٨ : يحرم الكذب : وهو : الإخبار بما ليس بواقع ، ولا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل ما لم ينصب قرينة حالية أو مقالية على كونه في مقام الهزل والا ففي حرمته إشكال. ولو تكلم بصورة الخبر ـ هزلا ـ بلا قصد الحكاية والإخبار فلا بأس به ومثله التورية بأن يقصد من الكلام معنى من معانيه مما له واقع ، ولكنه خلاف الظاهر ، كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن ، بل يجوز الحلف كاذبا حينئذ ، ويجوز الكذب أيضا للإصلاح بين المؤمنين ، والأحوط ـ وجوبا ـ الاقتصار فيهما على صورة عدم تيسر التورية ، وأما الكذب في الوعد ، بأن يخلف في وعده فالأحوط الاجتناب عنه مهما أمكن ولو بتعليق الوعد على مشيئة الله تعالى أو نحوها ، وأما لو كان حال الوعد بانيا على الخلف فالظاهر حرمته ، بلا فرق في ذلك بين الوعد مع الأهل وغيرها على الأحوط.

مسألة ٣٩ : يحرم الدخول في الولايات والمناصب من قبل السلطة الجائرة وهو على قسمين : ( الأول ) : فيما إذا كان أصل العمل مشروعا في نفسه مع قطع النظر عن توليه من قبل الجائر ، كجباية الحقوق الشرعية من الخراج والمقاسمة والزكاة بشرائطها المقررة شرعا ، وكتعليم العلوم المحللة وكإدارة المصانع والدوائر ونحو ذلك.

وهذا يسوغه أمران : أ ـ أن يكون للقيام بمصالح المسلمين وأخوانه في الدين ، فإنه لا بأس به حينئذ ، بل لو كان بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم كان راجحا بل ربما صار واجبا في بعض أنواعه بالنسبة إلى بعض الأشخاص.

ب ـ الإكراه ، بأن يوعده الجائر على الترك بما يوجب الضرر على نفسه

١٧

أو عرضه أو ماله المعتد به أو على بعض من يتعلق به بحيث يكون الإضرار بذلك الشخص إضرارا بالمكره عرفا كالإضرار بأبيه أو أخيه أو ولده أو نحوهم ممن يهمه أمره ، ومثل الإكراه الاضطرار لتقية ونحوها.

الثاني : فيما إذا كان العمل محرما في نفسه ، وهذا يسوغه الأمر الثاني المتقدم إذا كان عدم مشروعية العمل من حقوق الله تعالى ولم يكن يترتب على الإتيان به فساد الدين وأضمحلال حوزة المؤمنين ونحو ذلك من المهمات ، وأما إذا كان عدم مشروعيته من حقوق الناس فإن كان فيه إتلاف النفس المحترمة لم يجز ارتكابه لأجل الإكراه ونحوه مطلقا ، والا فإن وجب عليه التحفظ على نفسه من الضرر المتوعد به فاللازم الموازنة بين الأمرين وتقديم ما هو الأكثر أهمية منهما في نظر الشارع ، وهنا صور كثيرة لا يسع المقام بيانها.

مسألة ٤٠ : ما تأخذه الحكومة من الضرائب الشرعية المجعولة ـ بشرائط خاصة ـ على الأراضي والأشجار والنخيل يجوز أخذه منها بعوض أو مجانا ، بلا فرق بين الخراج وهو ضريبة النقد ، والمقاسمة وهي ضريبة السهم من النصف أو العشر ونحوهما ، وكذا المأخوذ بعنوان الزكاة ، والظاهر براءة ذمة المالك بالدفع إليها إذا لم يجد بدا من ذلك. بل الظاهر إنه لولم تباشر الحكومة أخذه وحولت شخصا على المالك في أخذه منه جاز للمحول أخذه وبرئت ذمة المحول عليه إذا كان مجبورا على دفعه إلى من تحلوله عليه. والأقوى عدم الفرق فيما ذكر بين الحاكم المخالف المدعي للخلافة العامة وغيره حتى الحاكم المؤالف ، نعم في عموم الحكم للحاكم الكافر ومن تسلط على بلدة خروجا على حكومة الوقت إشكال.

مسألة ٤١ : إذا دفع إنسان مالا إلى آخر ووكله في توزيعه على طائفة من الناس وكان المدفوع إليه منهم ، فإن لم يفهم من الدافع الإذن له في الأخذ من ذلك المال لم يجز له الأخذ منه أصلا ، وإن فهم الإذن جاز له أن

١٨

يأخذ منه مثل أحدهم أو أقل أو أكثر على حسب ما فهم من الإذن ، وإن فهم الإذن في أصل الأخذ دون مقداره جاز له أن يأخذ بمقدار ما يعطيه لغيره.

مسألة ٤٢ : جوائز الظالم حلال ، وإن علم إجمالا أن في ماله حراما ، وكذا كل ما كان في يده يجوز أخذه منه وتملكه والتصرف فيه بإذنه ، إلا أن يعلم أنه غصب ، فلو أخذ منه ـ حينئذ ـ وجب رده إلى مالكه ، إن عرف بعينه ، فإن جهل وتردد بين جماعة محصورة أعلمهم بالحال فإن ادعاه أحدهم وأقره عليه الباقي أو اعترفوا أنه ليس لهم سلمه إليه ، وإن ادعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو ، والا تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم الدعوى ، وإن أظهر الجميع جهلهم بالحال وأمتنعوا عن التراضي بينهم فالأظهر لزوم العمل بالقرعة والأحوط تصدي الحاكم الشرعي أو وكيله لإجرائها.

وإن تردد المالك بين جماعة غير محصورة تصدق به عنه مع الإذن من الحاكم الشرعي على الأحوط لزوما إن كان يائسا عن معرفته ، والا وجب الفحص عنه وأيصاله إليه.

مسألة ٤٣ : يكره احتراف بعض المعاملات كبيع الصرف ، وبيع الأكفان ، وبيع الطعام ، كما يكره أن يكون الإنسان جزارا أو حجاما ، ولا سيما مع الشرط بأن يشترط أجرة ، ويكره أيضا التكسب بضراب الفحل ، بأن يؤجره لذلك ، أو بغير إجارة بقصد العوض ، أما لو كان بقصد المجانية فلا بأس بما يعطى بعنوان الهدية.

مسألة ٤٤ : لا يجوز بيع أوراق اليانصيب ، فإذا كان الإعطاء بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة فالمعاملة باطلة ، وأما إذا كان الإعطاء مجانا كما إذا كان بقصد الاشتراك في مشروع خيري فلا بأس به ، وعلى كلا التقديرين فالمال المعطى لمن أصابت القرعة باسمه إذا كان المتصدي لها شركة غير أهلية من المال المجهول مالكه ، لابد من مراجعة الحاكم الشرعي

١٩

لإصلاحه.

مسألة ٤٥ : يجوز إعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين إليه ، كما يجوز أخذ العوض في مقابله على ما تقدم.

مسألة ٤٦ : يحرم حلق اللحية وأخذ الأجرة عليه على الأحوط لزوما إلا إذا أكره على الحلق أو اضطر إليه لعلاج أو نحوه ، أو خاف الضرر على تقدير تركه ، أو كان تركه حريجاً بالنسبة إليه كما إذا كان يوجب سخرية ومهانة شديدة لا يتحملها ، ففي هذه الموارد لا إشكال في جواز الحلق.

آداب التجارة

مسألة ٤٧ : يستحب للمكلف أن يتعلم أحكام التجارة التي يتعاطاها ، بل يجب عليه ذلك إذا كان في معرض الوقوع في مخالفة تكليف إلزامي بسبب ترك التعلم ، وأذا شك في صحة معاملة وفسادها بسبب الجهل بحكمها لم يجز له ترتيب آثار أي من الصحة والفساد فلا يجوز له التصرف فيما أخذه من صاحبه ولا فيما دفعه إليه ، بل يتعين عليه أما التعلم أو الاحتياط ولو بالصلح ونحوه ، نعم إذا أحرز رضاه بالتصرف في المال المأخوذ منه حتى على تقدير فساد المعاملة جاز له ذلك.

مسألة ٤٨ : يستحب أن يساوي بين المبتاعين في الثمن ، فلا يفرق بين المماكس وغيره بزيادة السعر في الأول أو بنقصه ، أما لو فرق بينهم لمرجحات شرعية كالفقر والعلم والتقوى ونحوها فلا بأس به ، ويستحب أن يقيل النادم ويتشهد الشهادتين عند الجلوس في السوق للتجارة وإن يكبر الله تعالى عند العقد وإن يأخذ الناقص ويعطي الراجح.

مسألة ٤٩ : يكره مدح البائع سلعته ، وذم المشتري لها ، وكتمان العيب إذا لم يؤد إلى غش ، والا حرم كما تقدم ، والحلف في المعاملة إذا

٢٠