أحكام القرآن - ج ٢

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

وروى الشافعي بإسناد آخر (١) عن ابن عباس ، قال : «من فرّ من ثلاثة : فلم يفرّ ؛ ومن فرّ من اثنين : فقد فرّ (٢)

قال الشافعي (٣) : «قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً : فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَمَنْ (٤) يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ ـ : فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ : ٨ ـ ١٥ ـ ١٦).».

قال الشافعي (٥) (رحمه الله) : «فإذا فرّ الواحد من اثنين فأقلّ (٦) : متحرّفا لقتال (٧) يمينا ، وشمالا ، ومدبرا : ونيّته العودة للقتال ؛ أو :

__________________

(١) من طريق سفيان عن أبى نجيح عنه ؛ كما فى الأم (ج ٤ ص ١٦٠). وقد ذكره بدون إسناد ، فى المختصر (ج ٥ ص ١٨٥). وقد أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٧٦) بلفظ مختلف ، عن سفيان من غير طريق الشافعي.

(٢) يعنى : الفرار المنهي عنه.

(٣) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٦٠) : قبل آية التحريض على القتال ، وما روى عن ابن عباس.

(٤) فى الأم : «الآية».

(٥) كما فى الأم : بعد أثر ابن عباس بقليل. وقد ذكر فى المختصر (ج ٥ ص ١٨٥) : باختصار.

(٦) فى الأصل : «فأقبل» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح من عبارة الأم والمختصر : «فأقل إلا». وزيادة «إلا» غير متعينة هنا إلا إذا كان جواب الشرط هو قوله الآتي : فإن كان إلخ.

(٧) بعد ذلك فى الأم : «أو متحيزا ؛ والمتحرف له» إلخ. وقوله : يمينا ؛ إلى : للقتال ؛ ليس بالمختصر.

٤١

متحيّزا (١) إلى فئة : [من المسلمين] (٢) : قلّت أو كثرت ، كانت بحضرته أو مبينة (٣) عنه ـ : فسواء (٤) ؛ إنما يصير الأمر فى ذلك إلى نيّة المتحرف (٥) ، أو المتحيز (٦) : فإن [كان (٧)] الله (عز وجل) يعلم : أنه إنما تحرّف : ليعود للقتال ، أو (٨) تحيّز لذلك ـ : فهو الذي استثنى الله (عز وجل) : فأخرجه من سخطه فى (٩) التّحرّف والتّحيّز.»

«وإن كان لغير (١٠) هذا المعنى : فقد (١١) خفت عليه أن يكون قد باء بسخط من الله ؛ إلا أن يعفو الله [عنه (١٢)].».

__________________

(١) عبارة الأم : «والفار متحيزا».

(٢) زيادة حسنة ، عن الأم والمختصر. وراجع السنن الكبرى (ج ٩ ص ٧٦ ـ ٧٧).

(٣) كذا بالمختصر. وفى الأصل : «منه» ؛ وهو مصحف عنه. وفى الأم : «أو منتئية».

(٤) هذا جواب الشرط فتأمل ؛ وقد ورد في الأصل بدون الفاء ؛ والنقص من الناسخ ، والتصحيح من عبارة المختصر : «فسواء ؛ ونيته فى التحرف والتحيز : ليعود للقتال المستثنى المخرج من سخط الله ؛ فإن كان هربه على غير هذا المعنى خفت عليه ـ إلا أن يعفو الله ـ أن يكون» إلخ. وإن كان جواب الشرط بالنظر لها قوله : فإن كان إلخ. وفى الأم : «سواء» ، وهو خبر قوله فيها : «والمتحرف ... والفار».

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «المحترف» ؛ وهو تصحيف.

(٦) فى الأم : «والمتحيز».

(٧) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «إن» ؛ وهو خطأ وتصحيف.

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «والتحرف» ؛ وهو خطأ وتصحيف.

(١٠) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «بغير» ؛ ولعله مصحف.

(١١) هذا ليس بالأم.

(١٢) زيادة حسنة ، عن عبارة الأم التي وردت على نسق عبارة المختصر. وراجع ما ذكره

٤٢

قال (١) : «وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم : لم أحبّ (٢) لهم : أن يولّوا عنهم ؛ ولا يستوجبون السّخط عندى ، من الله (عز وجل) : لو ولّوا عنهم على (٣) غير التّحرّف (٤) للقتال ، أو التحيز (٥) إلى فئة. لأنا بيّنا (٦) : أنّ الله (جل ثناؤه) إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه ؛ و: أنّ فرض الله فى الجهاد ، إنما هو : على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدوّ.» (٧)

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ،

__________________

بعد ذلك خصوصا ما يتعلق بالمبارزة : فهو عظيم الفائدة.

(١) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٢) ؛ وأول الكلام فيها ـ بعد حديث ابن عباس ، والآية السابقة ـ : «فإذا غزا المسلمون أو غزوا ، فتهيئوا للقتال ، فلقوا ضعفهم من العدو ـ : حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة ؛ فإن كان المشركون» إلى آخر ما هنا.

(٢) فى الأصل : «أجد» ؛ وهو تصحيف خطير. والتصحيح عن الأم.

(٣) فى الأم : «إلى» ؛ وما فى الأصل أحسن.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «المتحرف» ؛ وهو تحريف.

(٥) فى الأم : «والتحيز». وما فى الأصل أحسن.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «لأن يسا إذ الله أن الله» ؛ والزيادة والتصحيف من الناسخ.

(٧) راجع ما ذكره بعد ذلك ، فى الأم (ص ٩٢ ـ ٩٣) : فقد فصل فيه الكلام عن نية المولى ، تفصيلا لا نظير له.

٤٣

قال (١) : «قال الله (عز وجل) فى بنى النّضير ـ حين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا : مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ؛ مِنْ دِيارِهِمْ ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ؛ إلى (٢) : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ : ٥٩ ـ ٢)

«فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم ، وإخراب المؤمنين بيوتهم. ووصفه إياه [جل ثناؤه] : كالرضا (٣) به.»

«وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : بقطع نخل من ألوان نخلهم ؛ فأنزل الله (تبارك وتعالى) ـ : رضا بما صنعوا (٤). ـ : (ما قَطَعْتُمْ : مِنْ لِينَةٍ ؛ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها ـ : فَبِإِذْنِ اللهِ ، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ : ٥٩ ـ ٥) (٥) ؛ فرضى القطع ، وأباح الترك.»

«والقطع (٦) والترك : موجودان (٧) فى الكتاب والسنة ؛ وذلك :

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٧٤) : فى خلال جواب عن سؤال للربيع فى الموضوع الآتي. فراجعه.

(٢) فى الأم : «قرأ إلى».

(٣) كذا بالأم. وعبارة الأصل : «ووصفه إياهم بالرضى» ؛ وهى مصحفة.

(٤) في الأم زيادة موضحة : «من قطع نخيلهم».

(٥) راجع حديث ابن عمر فى ذلك ، والكلام عنه : فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٨٣) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٢ ص ٥٠ ـ ٥١) ، والفتح (ج ٦ ص ٩٥ وج ٧ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ وج ٨ ص ٤٤٥).

(٦) فى الأم : «فالقطع».

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «موجود» ؛ وهو مع صحته ، قد يكون محرفا عما فى الأم الذي هو أولى.

٤٤

أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قطع نخل بنى النّضير وترك ، وقطع نخل غيرهم وترك ؛ وممّن غزا : من لم يقطع نخله (١).».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٢) ـ فى الحربيّ : إذا أسلم : وكان قد نال مسلما ، أو معاهدا ، [أو مستأمنا (٣)] : بقتل ، أو جرح ، أو مال. ـ : «لم يضمن (٤) منه شيئا ؛ إلا : أن يوجد عنده مال رجل بعينه (٥)»

واحتجّ : بقول الله عز وجل : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ : ٨ ـ ٣٨) ؛ (٦) قال الشافعي : «وما (٧) سلف : ما (٨) تقضّى (٩)

__________________

(١) ثم ذكر حديثى عمرو ابن شهاب فى ذلك ، وقال : «فإن قال قائل : ولعل النبي حرق مال بنى النضير ، ثم ترك. قيل : على معنى ما أنزل الله ؛ وقد قطع وحرق بخيبر ـ وهى بعد بنى النضير ـ وحرق بالطائف : وهى اخر غزاة قاتل بها ؛ وأمر أسامة بن زيد : أن يحرق على أهل أبنى.». ثم ذكر حديث أسامة : فراجعه ؛ وراجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ٦٦ و ١٦١ و ١٩٧ و ١٩٩ وج ٧ ص ٢١٢ ـ ٢١٣ و ٣٢٣ ـ ٣٢٤) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٥ و ١٨٧). ثم راجع السنن الكبرى (ج ٩ ص ٨٥ ـ ٨٦) ، وقصة ذى الخلصة فى الفتح (ج ٦ ص ٩٤ وج ٨ ص ٥١ ـ ٥٣). فإنك ستقف على فوائد جمة ، وعلى بعض المذاهب المخالفة ، وما يدل لها.

(٢) كما فى الأم (ج ٦ ص ٣١). وما فى الأصل مختصر منه.

(٣) زيادة مفيدة تضمنها كلام الأم

(٤) عبارة الأم : «يضمنوا» ؛ وهى ملائمة لما فيها.

(٥) في الأصل : «يعينه» ؛ وهو مصحف. والتصحيح من عبارة الأم ، وهى : «إلا ما وصفت من أن يوجد ... فيؤخذ منه».

(٦) وبحديث : «الإيمان يجب ما قبله». وراجع الأم (ج ٤ ص ١٠٨ ـ ١٠٩) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٩٧ ـ ٩٩).

(٧) فى الأم زيادة : «قد» ؛ وهى أحسن

(٨) هذا ليس بالأم ، وزيادته أحسن.

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «يقتضى» ؛ وهو تصحيف.

٤٥

وذهب. وقال : (اتَّقُوا اللهَ ، وَذَرُوا ما بَقِيَ : مِنَ الرِّبا : ٢ ـ ٢٧٨) ؛ ولم يأمرهم : بردّ ما مضى : [منه (١)].». وبسط الكلام فيه.

قال الشافعي فى موضع آخر (٢) (بهذا الإسناد) ـ فى هذه الآية ـ : «ووضع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ بحكم الله ـ : كلّ ربا : أدركه الإسلام ، ولم يقبض. ولم يأمر أحدا ـ : قبض ربا فى الجاهليّة. ـ : أن يردّه.».

* * *

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق (فى آخرين) ؛ قالوا : أخبرنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي (٣) : «أنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن (٤) عبيد الله بن أبى رافع ، قال :

__________________

(١) زيادة حسنة عن الأم. وإنما أمر : برد ما بقي منه ؛ كما نص عليه فى آخر كلامه (ص ٣٢). فراجعه كله ؛ وراجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ١٣٠ و ٢٠٠ وج ٥ ص ٤٤ و ١٤٨) : لتعرف : كيف يكون ارتباط المسائل الفقهية بعضها ببعض.

(٢) من الأم (ج ٧ ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩).

(٣) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٦٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٤٦) : مستدلا على ما أجاب به ـ فى أمر المسلم : الذي يحذر المشركين من غزو المسلمين لهم ، أو يخبرهم ببعض عوراتهم. ـ : «من أنه لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام ، إلا : بقتل أو زنا بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، واستمرار على ذلك الكفر.». وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم عن جماعة من طريق سفيان بإسناده. وأخرجاه أيضا من غير طريقه : بشىء من الإختلاف. راجع السنن الكبرى (ص ١٤٧) والفتح (ج ٦ ص ٨٧ ـ ٨٨ و ١١٦ ج ٧ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧ وج ٨ ص ٤٤٧) وشرح مسلم للنووى (ج ١٦ ص ٥٤ ـ ٥٧).

(٤) في الأصل : «ابن». وهو تحريف.

٤٦

سمعت عليّا (رضى الله عنه) ، يقول : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ : أنا والزّبير (١) والمقداد. ـ فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (٢) ؛ فإن بها ظعينة (٣) : معها كتاب. فخرجنا : تعادى بنا خيلنا ؛ فإذا نحن : بظعينة (٤). فقلنا (٥) : أخرجى الكتاب. فقالت : ما معى كتاب. فقلنا لها (٦) : لتخرجنّ الكتاب ، أو لنلقينّ (٧) الثّياب. فأخرجته من عقاصها (٨) ؛ فأتينا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فإذا فيه : من حاطب ابن أبى بلتعة ، إلى أناس (٩) : من المشركين بمكة (١٠) ؛ يخبر : ببعض أمر

__________________

(١) فى الأم تأخير وتقديم. وقد ذكر فى بعض الروايات ـ بدل المقداد ـ أبو مرثد الغنوي. ولا منافاة كما قال النووي.

(٢) موضع بين الحرمين : بقرب حمراء الأسد من المدينة. وقيل : بقرب مكة. وقد ورد فى الأصل : بالمهملتين. وهو تصحيف ، كما ورد مصحفا في رواية أبى عوانة : بالمهملة والجيم. راجع شرح مسلم ، والفتح ، ومعجم ياقوت.

(٣) هى ـ في أصل اللغة ـ : الهودج ؛ والمراد بها : الجارية. واسمها : سارة ، مولاة لعمران بن أبى صيفى القرشي. وقد وردت فى الأصل ـ هنا وفيما سيأتى ـ : بالطاء ؛ وهو تصحيف. وراجع ما ذكره النووي عن هذا الإخبار : فهو مفيد جدا.

(٤) رواية الأم : «بالظعينة» ؛ وهى أحسن.

(٥) فى الأم زيادة : «لها».

(٦) هذا ليس بالأم.

(٧) فى بعض الروايات : بالتاء. راجع كلام ابن حجر عنها.

(٨) شعرها المضفور ؛ وهو جمع عقيصة.

(٩) فى الأم : «ناس».

(١٠) فى الأم والسنن الكبرى : «ممن بمكة».

٤٧

رسول (١) الله (صلى الله عليه وسلم). فقال (٢) : ما هذا يا حاطب؟. فقال (٣) : لا تعجل على (٤) ؛ إنى كنت امرأ : ملصقا (٥) فى قريش ؛ ولم أكن من أنفسها ؛ وكان [من] (٦) معك ـ : من المهاجرين. ـ : لهم قرابات يحمون بها قرباتهم ؛ ولم يكن لى بمكة قرابة : فأحببت ـ : إذ فاتنى ذلك. ـ : أن اتّخذ عندهم يدا ؛ والله : ما فعلته : شكّا فى دينى ؛ ولا : رضا (٧) بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إنه قد صدق. فقال عمر : يا رسول الله ؛ دعنى : أضرب عنق هذا المنافق (٨). فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : إنه قد شهد بدرا ؛ وما يدريك : لعلّ الله (٩) اطّلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ؛ فقد غفرت لكم (١٠). ونزلت (١١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (١٢) : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ : ٦٠ ـ ٤١)».

__________________

(١) فى الأم والسنن الكبرى : «النبي».

(٢) فى الأم : «قال».

(٣) فى الأم : «قال».

(٤) فى الأم زيادة حسنة ، وهى : «يا رسول الله».

(٥) أي : حليفا ؛ كما صرح بذلك فى بعض الروايات.

(٦) زيادة متعينة ، عن الأم والسنن الكبرى وغيرهما.

(٧) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «رضى» ؛ وهو تصحيف

(٨) قد استدل فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٢٠٨) بهذا وعدم إنكار النبي ـ : على أنه لا يكفر من كفر مسلما عن تأويل.

(٩) فى الأم زيادة : «عز وجل قد».

(١٠) أي : فى الآخرة. أما الحدود فى الدنيا : فتقام عليهم. راجع ما استدل به النووي ، على ذلك

(١١) فى الأم : «فنزلت».

(١٢) ذكر فى الأم وصحيح مسلم ، إلى هنا.

٤٨

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «فى هذا الحديث (١) : طرح الحكم باستعمال الظّنون. لأنه لمّا كان الكتاب يحتمل : أن يكون ما قال حاطب ، كما قال ـ : من أنه لم يفعله : شكّا (٢) فى الإسلام ؛ وأنه فعله : ليمنع أهله ـ ويحتمل : أن يكون زلّة ؛ لا : رغبة عن الإسلام. واحتمل : المعنى الأقبح ـ : كان القول قوله ، فيما احتمل فعله.». وبسط الكلام فيه (٣)

* * *

(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «قال الله جل ثناؤه : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ : بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ : ٩ ـ ٣٣). (٥)»

«قال الشافعي : فقد أظهر الله (جل ثناؤه) دينه (٦) ـ : الذي بعث

__________________

(١) فى الأم زيادة : «مع ما وصفتا لك».

(٢) فى الأم : «شاكا».

(٣) فراجعه (ص ١٦٦ ـ ١٦٧) ، فهو مفيد هنا ، وفى بعض المباحث الآتية ، وفيما سبق (ج ١ ص ٢٩٩ ـ ٣٠٢) ، وفى العقوبات والحدود والفرق بين ذوى الهيئة وغيرهم. وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٤٧).

(٤) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤) ، ولمختصر (ج ٥ ص ١٩٥). وقد ذكر متفرقا فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٧٧ و ١٧٩).

(٥) راجع ما ذكره فى الأم ـ بعد ذلك ـ : من السنة. وراجع المختصر ، وأثرى جابر ومجاهد وحديث عائشة فى السنن الكبرى (ص ١٨٠ ـ ١٨١).

(٦) عبارة المختصر : «دين نبيه على سائر الأديان».

٤٩

[به (١)] رسوله صلى الله عليه وسلم. ـ على الأديان : بأن أبان لكل من سمعه (٢) : أنه الحقّ ؛ وما خالفه ـ : من الأديان. ـ : باطل (٣)

«وأظهره : بأنّ جماع الشّرك دينان : دين أهل الكتاب ، ودين الأمّيّين (٤). فقهر رسول الله (٥) (صلى الله عليه وسلم) الأمّيّين : حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ؛ وقتل من أهل الكتاب ، وسبى : حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعض الجزية : صاغرين ؛ وجرى عليهم حكمه (صلى الله عليه وسلم). وهذا (٦) : ظهور الدّين كلّه.»

«قال الشافعي : وقد (٧) يقال : ليظهرنّ الله دينه ، على الأديان : حتى لا يدان الله (٨) إلا به. وذلك : متى شاء الله عز وجل. (٩)»

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١٠) : «قال الله عز وجل : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١١) : (٩ ـ ٥) ؛

__________________

(١) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى.

(٢) فى المختصر ؛ «تبعه».

(٣) فى المختصر : «فباطل» ؛ وهو صحيح أيضا ؛ لأن الموصول لما أشبه الشرط فى العموم ، صح قرن خبره بالفاء.

(٤) فى المختصر : «أميين».

(٥) فى المختصر : «النبي».

(٦) عبارة المختصر : «فهذا ظهوره».

(٧) عبارة المختصر : «ويقال : ويظهر دينه على سائر» إلخ.

(٨) فى المختصر : «لله».

(٩) أخرج فى السنن الكبرى (ص ١٨٢) عن ابن عباس ـ فى هذه الآية ـ أنه قال : «يظهر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) على أمر الدين كله : فيعطيه إياه ، ولا يخفى عليه شيئا منه. وكان المشركون يكرهون ذلك».

(١٠) كما في اختلاف الحديث (ص ١٥١). وقد ذكره فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٢).

(١١) فى اختلاف الحديث زيادة : «الآية».

٥٠

وقال جل ثناؤه : (وَقاتِلُوهُمْ : حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (١) وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ : ٨ ـ ٣٩).».

قال فى موضع آخر (٢) : «فقيل [فيه (٣)] : (فتنة) : شرك ؛ (ويكون الدّين كلّه) : واحدا (لله).».

وذكر (٤) حديث أبى هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : «لا أزال أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله. (٥)».

قال الشافعي (٦) : «وقال الله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ : لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ـ : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ. ـ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ : وَهُمْ صاغِرُونَ : ٩ ـ ٢٩) (٧).».

وذكر حديث بريدة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : فى الدّعاء إلى

__________________

(١) يحسن أن تراجع فى الفتح (ج ٨ ص ١٢٧ و ٢١٤ ـ ٢١٥) أثر ابن عمر في المراد بالفتنة : فهو مفيد فيما أحلناك عليه من أجله ، فيما سبق (ج ١ ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠) ؛ وأن تراجع حديث أسامة بن زيد : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٩٢ و ١٩٦).

(٢) من الأم (ج ٤ ص ٩٤).

(٣) زيادة حسنة عن الأم. وراجع فى الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ٢٧) : أثر قتادة.

(٤) فى اختلاف الحديث والأم.

(٥) انظر ما تقدم (ص ٣١). وراجع أيضا الأم (ج ٤ ص ١٥٦ وج ٦ ص ٣١ ـ ٣٢).

(٦) كما فى اختلاف الحديث (ص ١٥١ ـ ١٥٤).

(٧) راجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٥) : ما روى فى ذلك ، عن أبى هريرة ومجاهد.

٥١

الإسلام (١) ؛ وقوله : «فإن [لم (٢)] يجيبوا إلى الإسلام : فادعهم إلى أن يعطوا الجزية ؛ فإن فعلوا : فاقبل منهم ودعهم ؛ [وإن أبوا : فاستعن بالله وقاتلهم] (٣).».

ثم قال : «وليست واحدة ـ : من الآيتين (٤). ـ : ناسخة للأخرى ؛ ولا واحد ـ : من الحديثين. ـ : ناسخا للآخر ، ولا مخالفا له. ولكن إحدى (٥) الآيتين والحديثين : من الكلام الذي مخرجه عامّ : يراد به الخاصّ ؛ ومن الجمل (٦) التي يدلّ عليها المفسّر.»

«فأمر الله (تعالى) : بقتال المشركين حتى يؤمنوا ؛ (والله أعلم) : أمره بقتال المشركين : من أهل الأوثان (٧). وكذلك حديث أبى هريرة :

__________________

(١) من أنه كان إذا بعث جيشا : أمر عليهم أميرا ، وقال : «فإذا لقيت عدوا من المشركين : فادعهم إلى ثلاث خلال : ادعهم إلى الإسلام ؛ فإن أجابوك : فاقبل منهم ، وكف عنهم. وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم ـ إن هم فعلوا ـ : أن لهم ما للمهاجرين ، وأن عليهم ما عليهم. فإن اختاروا المقام فى دارهم ، فأخبرهم : أنهم كأعراب المسلمين : يجرى عليهم حكم الله كما يجرى على المسلمين ؛ وليس لهم فى الفيء شىء ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.» إلى آخر ما سيأتي. وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة وبزيادة مفيدة : فراجعه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٤٩ و ٨٥ و ١٨٤) ؛ وراجع كلام صاحب الجوهر النقي ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٢ ص ٣٧ ـ ٤٠) : لعظيم فائدتهما.

(٢) الزيادة عن اختلاف الحديث ، والأم (ج ٤ ص ٩٥). وراجع كلامه فيها : فهو مفيد فى المقام.

(٣) الزيادة عن اختلاف الحديث ، والأم (ج ٤ ص ٩٥). وراجع كلامه فيها : فهو مفيد فى المقام.

(٤) كذا باختلاف الحديث. وفى الأصل : «بالاثنين» ؛ وهو تصحيف.

(٥) عبارة اختلاف الحديث : «أحد الحديثين والآيتين».

(٦) عبارة اختلاف الحديث «المجمل الذي يدل عليه».

(٧) فى اختلاف الحديث ، زيادة : «وهم أكثر من قاتل النبي».

٥٢

[فى المشركين من أهل الأوثان] (١) ؛ دون أهل الكتاب. وفرض الله : قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ـ : إن لم يؤمنوا. وكذلك حديث بريدة (٢) : [فى أهل الأوثان خاصّة] (٣)»

«فالفرض فيمن (٤) دان وآباؤه دين أهل الأوثان ـ : من المشركين. ـ : أن يقاتلوا : إذ قدر عليهم ؛ حتى يسلموا. ولا يحلّ : أن يقبل (٥) منهم جزية ؛ [بكتاب الله ، وسنة نبيّه] (٦)

والفرض فى أهل الكتاب ، ومن دان قبل نزول القرآن [كلّه (٧)] دينهم ـ : أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية (٨) ، أو يسلموا. وسواء كانوا عربا (٩) ، أو عجما.».

__________________

(١) زيادة حسنة أخذناها من كلامه فى اختلاف الحديث.

(٢) فى اختلاف الحديث : «ابن بريدة». وكلاهما صحيح : لأنه مروى عنه من طريق ابنه.

(٣) زيادة جيدة عن اختلاف الحديث ، قال بعدها : «كما كان حديث أبى هريرة : فى أهل الأوثان خاصة». وقد تعرض لهذا البحث فيه (ص ٣٩ ـ ٤٠ و ٥٦ و ١٥٧ ـ ١٥٨) ، وفى الأم (ج ٤ ص ١٥٨) : بتوسع وتوضيح ؛ فراجعه. ويحسن أن تراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٦٦ ـ ١٦٧).

(٤) فى اختلاف الحديث : «فى قتال من».

(٥) فى اختلاف الحديث «تقبل».

(٦) زيادة مفيدة ، عن اختلاف الحديث.

(٧) زيادة مفيدة ، عن اختلاف الحديث.

(٨) يحسن أن تراجع فى الأم (ج ٤ ص ١٠١ ـ ١٠٣) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٩٣ ـ ١٩٦) : ما ورد فى مقدار الجزية.

(٩) كذا فى اختلاف الحديث ؛ وهو الظاهر والأولى. وفى الأصل : «أعرابا» ؛ ولعله محرف.

٥٣

قال الشافعي (١) : «ولله (عز وجل) كتب : نزلت قبل نزول القرآن ؛ [المعروف (٢)] منها ـ عند العامّة ـ : التّوراة والإنجيل. وقد أخبر الله (عز وجل) : أنه أنزل غيرهما (٣) ؛ فقال : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ : بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى : ٥٣ ـ ٣٦ ـ ٣٧). وليس يعرف (٤) تلاوة كتاب إبراهيم. وذكر (٥) زبور داود (٦) ؛ فقال (٧) : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : ٢٦ ـ ١٩٦)

«قال : والمجوس : أهل كتاب : غير التّوراة والإنجيل ؛ وقد نسوا كتابهم وبدّلوه (٨). وأذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فى أخذ الجزية منهم (٩).».

__________________

(١) كما فى اختلاف الحديث (ص ١٥٤). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦).

(٢) الزيادة عن اختلاف الحديث.

(٣) أخرج فى السنن الكبرى ، عن الحسن البصري ، أنه قال : «أنزل الله مائة وأربعة كتب من السماء». وراجع فيها حديث واثلة بن الأسقع : فى تاريخ نزول صحف إبراهيم ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن.

(٤) في اختلاف الحديث «تعرف تلاوة كتب».

(٥) فى الأصل زيادة : «فى». وهى من الناسخ.

(٦) يعنى : فى قوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً : ١٧ ـ ٥٥) ، وقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ : ٢١ ـ ١٠٥). لا : فى الآية الآتية. لأن زبر الأولين كشمل سائر الكتب المتقدمة. انظر تفسير البيضاوي بهامش المصحف (ص ٤٩٧) ، وراجع الأم (ج ٤ ص ١٥٨).

(٧) فى السنن الكبري : «وقال». وهو أحسن.

(٨) راجع أثر على (كرم الله وجهه) : الذي يدل على ذلك ، فى اختلاف الحديث (ص ١٥٥ ـ ١٥٦) ، والأم (ج ٤ ص ٩٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٨ ـ ١٨٩).

(٩) ثم ذكر حديث بجالة عن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ

٥٤

قال الشافعي (١) : «ودان قوم ـ : من العرب. ـ دين أهل الكتاب ، قبل نزول القرآن : فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بعضهم ، الجزية» ؛ وسمّى منهم ـ [فى موضع (٢)] آخر (٣) ـ : «أكيدر دومة (٤) ؛ وهو رجل يقال : من غسّان أو كندة (٥).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٦) :

__________________

الجزية من مجوس هجر. فراجعه وما إليه : فى السنن الكبرى (ص ١٨٩ ـ ١٩٢) ؛ وراجع كلام صاحب الجوهر النقي عليه ، والفتح (ج ٦ ص ١٦٢ ـ ١٦٣). ثم راجع الأم (ج ٤ ص ٩٦ ـ ٩٧ و ١٥٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦ ـ ١٩٧) ، والرسالة (ص ٤٢٩ ـ ٤٣٢) : لتقف على حقيقة مذهب الشافعي ، ويتبين لك قيمة كلام مخالفه فى هذه المسألة.

(١) كما فى اختلاف الحديث (ص ١٥٥).

(٢) هذه الزيادة متعينة. وهذا من كلام البيهقي.

(٣) من الأم (ج ٤ ص ٩٦).

(٤) أي : دومة الجندل. وهو ـ على المشهور ـ : حصن بين المدينة والشام. انظر المصباح ، وتهذيب اللغات (ج ١ ص ١٠٨ ـ ١٠٩). ثم راجع نسب أكيدر ، وتفصيل القول عن حادثته ـ فى معجم ياقوت.

(٥) ثم ذكر بعد ذلك : ما يؤكد أن الجزية ليست على الأنساب ، وإنما هى على الأديان ؛ وينقض ما ذهب إليه أبو يوسف : من أن الجزية لا تؤخذ من العرب. فراجعه ، وراجع الأم (ج ٤ ص ١٥٨ ـ ١٥٩ وج ٧ ص ٣٣٦) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٦ ـ ١٨٨). ثم راجع فى اختلاف الحديث (ص ١٥٨ ـ ١٦٢) المناظرة القيمة فيما ذهب إليه بعضهم : من أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن دان دينهم مطلقا ؛ وتؤخذ ممن دان دين أهل الأوثان : إلا إذا كان عربيا. فهى مفيدة فى المقام وفيما سيأتى.

(٦) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٠٤).

٥٥

«حكم الله (عز وجل) فى المشركين ، حكمين (١). فحكم : أن يقاتل أهل الأوثان : حتى يسلموا ؛ وأهل الكتاب : حتى (٢) يعطوا الجزية : إن (٣) لم يسلموا.»

«وأحلّ الله نساء أهل الكتاب ، وطعامهم (٤). فقيل : طعامهم : ذبائحهم (٥)»

«فاحتمل : كلّ أهل الكتاب ، وكلّ من دان دينهم.»

«واحتمل (٦) : أن يكون أراد (٧) بعضهم ، دون بعض.»

«وكانت (٨) دلالة ما يروى عن النبىّ (صلى الله عليه وسلم) ، ثم [ما (٩)] لا أعلم فيه مخالفا ـ : أنه أراد : أهل التّوراة والإنجيل ـ : من بنى إسرائيل. ـ دون المجوس.»

__________________

(١) فى الأم : «حكمان» ؛ على أنه خبر.

(٢) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «أن» ؛ ولعله محرف. فتأمل.

(٣) فى الأم : «أو يسلمو». وراجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ١٥٥ ـ ١٥٦) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٣) : ففيه تبيين وتفصيل.

(٤) راجع الأم (ج ٥ ص ٦).

(٥) نسب ذلك إلى بعض أهل التفسير ، فى الأم (ج ٤ ص ١٨١). فراجع كلامه ؛ وانظر ما سيأتى ـ فى أوائل الصيد والذبائح ـ : من تفصيل القول فى ذبائح أهل الكتاب.

(٦) أي : إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب ، وطعامهم ـ كما صرح بذلك فى الأم.

(٧) عبارة الأم : «أراد بذلك بعض أهل الكتاب» إلخ.

(٨) فى الأم : «فكانت».

(٩) زيادة متعينة ، عن الأم.

٥٦

«وبسط الكلام فيه (١) ، وفرق بين بنى إسرائيل ؛ ومن دان دينهم قبل الإسلام ـ : من غير بنى إسرائيل. ـ : بما «ذكر الله (عز وجل) ـ : من نعمته على بنى إسرائيل. ـ فى غير موضع من كتابه ؛ وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم.»

«فمن (٢) دان دينهم ـ : من غيرهم. ـ قبل نزول (٣) القرآن : لم (٤) يكونوا أهل كتاب ؛ إلا (٥) : لمعنى ؛ لا : أهل كتاب مطلق.»

«فتؤخذ منهم الجزية ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم : كالمجوس (٦). لأن الله (عز وجل) إنما أحلّ لنا ذلك : من أهل الكتاب

__________________

(١) حيث قال : «فكان فى ذلك ، دلالة : على أن بنى إسرائيل : المرادون بإحلال النساء والذبائح.». ثم ذكر : أنه لا يعلم مخالفا فى تحريم نكاح نساء المجوس ، وأكل ذبائحهم. ثم مهد لبيان الفرق الآتي ، بما تحسن مراجعته. وذكر فى اختلاف الحديث (ص ١٥٩ ـ ١٦٠) الإجماع أيضا : على أخذ الجزية من المجوس.

(٢) عبارة الأم : «كان من ...». وهى ملائمة لسابق كلامها ، وفيها طول واختلاف اللفظ. وما فى الأصل مختصر منها.

(٣) في الأم : «قبل الإسلام».

(٤) فى الأم : «فلم» ؛ وهو ملائم لسابق عبارتها.

(٥) فى الأصل : «وإلا». والزيادة من الناسخ ، والتصحيح من عبارة الأم ، وهى : «إلا بمعنى». ومراد الشافعي بذلك أن يقول : إن من دان دين بنى إسرائيل ـ : من غيرهم. ـ لا يقال : إنه من أهل الكتاب ؛ على سبيل الحقيقة. لأنه لم ينزل عليه كتاب. وإنما يقال ذلك على سبيل المجاز. من جهة أنه تشبه بهم ، ودان دينهم. فمن هنا لم يتحد حكمهم. وراجع فى الأم (ج ٥ ص ٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٣) ـ أثر عطاء : لنتأكد من ذلك.

(٦) راجع فى الأم (ج ٤ ص ١٨٦) ، كلامه عن وطء المجوسية إذا سبيت : ففيه تفصيل مفيد.

٥٧

الذين عليهم نزل.». وذكر الرّواية فيه ، عن عمر وعلىّ رضى الله عنهما (١).

قال الشافعي (٢) : «والذي (٣) عن ابن عباس : فى إحلال ذبائحهم ؛ وأنه تلا (٤) : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٥) : (٥ ـ ٥١) ـ : فهو لو ثبت عن ابن عباس (٦) : كان المذهب إلى قول عمر وعلىّ (رضى الله عنهما) : أولى ؛ ومعه المعقول ، فأما : (مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ؛ فمعناها : على غير حكمهم.».

قال الشافعي (٧) : «وإن (٨) كان الصّابئون والسّامرة (٩) : من

__________________

(١) من أن نصارى العرب وتغلب ليسو أهل كتاب ، ولا تؤكل ذبائحهم. وراجع فى ذلك الأم (ج ٤ ص ١٠٤ ـ ١٠٥ و ١٩٤ وج ٥ ص ١٠٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٢١٦ ـ ٢١٧).

(٢) على ما فى الأم (ج ٢ ص ١٩٦ وج ٤ ص ١٩٤).

(٣) عبارة الأم (ج ٢) : «وقد روى عكرمة عن ابن عباس : أنه أحل ذبائحهم ، وتأول ... وهو» إلخ.

(٤) فى الأصل : «تلى» ، وهو تصحيف.

(٥) يعنى : يكون مثلهم ، ويجرى عليه حكمهم.

(٦) يشير بذلك إلى ضعف ثبوته عنه. وقد بين ذلك فى الأم : بأن مالكا ـ وهو أرجح من غيره فى الرواية ـ قد رواه عن ثور الديلمي عن ابن عباس. وهما لم يتلاقيا : فيكون منقطعا. وراجع السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢١٧). وتتميما للمقام ، يحسن أن نراجع كلام الشافعي فى المختصر (ج ٥ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣) ، ونقل المزني عنه : حل نكاح المرأة التي بدلت دينها بدين يحل نكاح أهله ؛ واختيار المزني ذلك ، وتسويته ـ فى الحكم ـ بين من دان دين أهل الكتاب ، قبل الإسلام وبعده. وأن تراجع الأم (ج ٣ ص ١٩٧ وج ٤ ص ١٠٥ وج ٥ ص ٧ وج ٧ ص ٣٣١).

(٧) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٠٥).

(٨) فى الأم : «فإن».

(٩) يحسن أن تراجع المصباح (مادة : سمر ، وصبي) ؛ واعتقادات الفرق للرازى

٥٨

بنى إسرائيل ، ودانوا دين اليهود والنصارى (١) ـ : نكحت (٢) نساؤهم ، وأكلت ذبائحهم : وإن خالفوهم فى فرع من دينهم. لأنهم [فروع (٣)] قد يختلفون بينهم»

«وإن خالفوهم فى أصل الدّينونة (٤) : لم تؤكل ذبائحهم ، ولم تنكح نساؤهم. (٥)».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٦) : «قال الله تبارك وتعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ : وَهُمْ صاغِرُونَ : ٩ ـ ٢٩) ؛ فلم يأذن الله (عز وجل) : فى أن تؤخذ الجزية ممّن أمر (٧) بأخذها منه ، حتى يعطيها عن يد : صاغرا.»

__________________

(ص ٨٣ و ٩٠) ، وتفسير البيضاوي بهامش حاشية الشهاب (ج ١ ص ١٧٢ وج ٦ ص ٢٢١) ، ورسالة السيد عبد الرزاق الحسنى : «الصابئة قديما وحديثا».

(١) فى الأم زيادة حسنة ، وهى : «فلأصل التوراة ، ولأصل الإنجيل».

(٢) كذا بالأم ؛ وهو الأنسب. وفى الأصل : «نكح» ؛ ولعله محرف.

(٣) زيادة جيدة ، عن الأم.

(٤) فى الأم : «التوراة».

(٥) قد تعرض لهذا البحث : بأوضح مما هنا ؛ فى الأم (ج ٤ ص ١٥٨ و ١٨٦ ـ ١٨٧ وج ٥ ص ٦). فراجعه ؛ وراجع المختصر (ج ٥ ص ١٩٧) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٣).

(٦) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٩).

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «أمرنا حدها» ؛ وهو تصحيف.

٥٩

«قال : وسمعت رجالا (١) ـ : من أهل العلم. ـ يقولون : الصّغار : أن يجرى عليهم حكم الإسلام (٢). وما أشبه ما قالوا ، بما قالوا ـ : لامتناعهم من الإسلام ؛ فإذا جرى عليهم حكمه : فقد أصغروا بما يجرى عليهم منه (٣).».

قال الشافعي (٤) : «وكان (٥) بيّنا فى الآية (والله أعلم) : أن الذين (٦) فرض قتالهم حتى يعطوا الجزية ـ : الذين قامت عليهم الحجّة بالبلوغ : فتركوا دين الله (عز وجل) ، وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم : من أهل الكتاب.»

«وكان بيّنا : أنّ (٧) الله (عز وجل) أمر بقتالهم عليها : الذين فيهم القتال ؛ وهم : الرجال البالغون (٨). ثم أبان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثل معنى كتاب الله (عز وجل) : فأخذ الجزية من المحتملين (٩) ، دون

__________________

(١) فى الأم : «عددا».

(٢) راجع الأم (ج ٤ ص ١٣٠) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٧) ، والفتح (ج ٦ ص ١٦١). ويحسن أن تراجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٣٩) : أثرى ابن عباس وابن عمر.

(٣) راجع ما قاله بعد ذلك : فهو مفيد هنا ، وفيما سيأتى من مباحث الهدنة.

(٤) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٧ ـ ٩٨) : بعد أن ذكر الآية السابقة.

(٥) فى الأم : «فكان».

(٦) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر المناسب. وفى الأصل : «الذي» ؛ ولا نستبعد أنه محرف.

(٧) عبارة الأم : «أن الذين أمر الله بقتالهم» إلخ. وهى أظهر وأحسن من عبارة الأصل التي هى صحيحة أيضا : لأن «الذين» مفعول للمصدر ، لا للفعل. فتنبه.

(٨) وكذلك الحكم : فى قتال المشركين حتى يسلموا. راجع الأم (ج ١ ص ٢٢٧).

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «المحتملين» ؛ وهو تصحيف.

٦٠