أحكام القرآن - ج ٢

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

«فصل فيمن لا يجب عليه الجهاد»

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (١) : «فلما (٢) فرض الله (عز وجل). الجهاد ـ : دلّ (٣) فى كتابه ، ثم (٤) على لسان نبيّه (صلى الله عليه وسلم) : أن (٥) ليس يفرض (٦) الجهاد على مملوك ، أو أنثى : بالغ ؛ ولا حرّ : لم يبلغ.»

«لقول الله عز وجل : (انْفِرُوا) (٧) (خِفافاً وَثِقالاً ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ : ٩ ـ ٤١) ؛ فكان (٨) حكم (٩). أن لا مال للمملوك ؛ ولم يكن مجاهد (١٠) إلا : وعليه (١١) فى الجهاد ، مؤنة : من المال ؛ ولم يكن للمملوك مال.»

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٤ ص ٨٥). وقد ذكر باختصار فى المختصر (ج ٥ ص ١٨٠).

(٢) هذا ليس بالمختصر.

(٣) في المختصر. «ودل».

(٤) في الأم : «وعلى». وما فى الأصل والمختصر أحسن.

(٥) عبارة الأم : «أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد» إلخ. وعبارة المختصر : «أنه لم يفرض الجهاد على مملوك ، ولا أنثى ، ولا على من لم يبلغ».

(٦) فى الأصل : «بفرض» ؛ وهو تصحيف.

(٧) ذكر فى المختصر من أول : (وجاهدوا).

(٨) عبارة الأم : «فكان الله عز وجل» إلخ. وعبارة المختصر : «فحكم أن لا مال للملوك» ؛ ثم ذكر الآية الآتية.

(٩) فى الأصل : «أحكم» ، وهو تحريف.

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «مجاهدا» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(١١) عبارة الأم : «ويكون عليه للجهاد».

٢١

«وقال (١) (تعالى) لنبيه صلى الله عليه وسلم : (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ : ٨ ـ ٦٥) ؛ فدلّ : على أنه (٢) أراد بذلك : الذّكور ، دون الإناث. لأن الإناث : المؤمنات. وقال تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً : ٩ ـ ١٢٢) ؛ وقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ : ٢ ـ ٢١٦) ؛ وكل هذا يدلّ : على أنه أراد [به] (٣) : الذّكور ، دون الإناث (٤)»

«وقال عز وجل ـ : إذ أمر بالاستئذان. ـ : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ : فَلْيَسْتَأْذِنُوا ، كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : ٢٤ ـ ٥٩) ؛ فأعلم : أنّ (٥) فرض الاستئذان ، إنما هو : على البالغين. وقال تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى ، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : ٤ ـ ٦) ؛ فلم يجعل لرشدهم حكما : تصير به (٦) أموالهم إليهم ؛ إلا : بعد البلوغ (٧). فدلّ : على أن الفرض فى العمل ، إنما هو : على البالغين (٨)

__________________

(١) فى الأم : «وقد».

(٢) فى المختصر : «أنهم الذكور» ؛ ثم ذكر حديث ابن عمر.

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٤) بحسن أن تراجع فى فتح الباري (ج ٦ ص ٤٩ ـ ٥٢) : باب جهاد النساء ، وما يليه. فهو مفيد فى الموضوع.

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «من» ؛ وهو خطأ تحريف.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «نفر به» ؛ ولعله محرف عما ذكرنا ، أو عن : «نقرب به» ، فتأمل.

(٧) انظر ما تقدم (ص ٨٥ ـ ٨٦). ثم راجح كلام الشافعي فى الأم (ج ١ ص ٢٣١) : فى الفرق بين تصرف المرتد والمحجور عليه. فهو مفيد فى مباحث كثيرة.

(٨) راجع فى الفتح (ج ٦ ص ٥٦) : باب من غزا بصبى للخدمة.

٢٢

«ودلّت السنة ، ثم (١) ما لم أعلم فيه مخالفا ـ : من أهل العلم. ـ : على مثل ما وصفت (٢).». وذكر حديث ابن عمر (٣) فى ذلك (٤)

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٥) (رحمه الله) : «قال الله (جل ثناؤه) في الجهاد : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ ، وَلا عَلَى الْمَرْضى ، وَلا) (٦) (عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ ـ حَرَجٌ : إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ ما) (٧) (عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ؛ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ إلى : (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ : فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : ٩ ـ ٩١ ـ ٩٣) ؛ وقال عز وجل : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ : ٢٤ ـ ٦١)

__________________

(١) أي : ثم الحكم الذي لم أعلم إلخ. وفى الأصل : «بم» ؛ وهو تصحيف. والتصحيح عن الأم.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «وصفتم» ؛ وهو تحريف.

(٣) من رد النبي إياه فى أحد ، دون الخندق ، فراجعه مع غيره ـ : مما يفيد فى المقام. ـ : فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢١ ـ ٢٣). وراجع الأم (ج ٤ ص ١٧٦ وج ٦ ص ١٣٥) ، وسنن الشافعي (ص ١١٤) والفتح (ج ٧ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦).

(٤) وذكر أيضا : أن النبي لم يسهم لمن قاتل معه ـ : من العبيد والنساء. ـ وأسهم للبالغين الأحرار : وإن كانوا ضعفاء. ثم قال : «فدل ذلك على أن السهمان إنما تكون فيمن شهد القتال : من الرجال الأحرار ؛ ودل ذلك : على أن لا فرض فى الجهاد ، على غيرهم.». وذكر نحوه فى المختصر (ج ٥ ص ١٨٠ ـ ١٨١).

(٥) كما فى الأم (ج ٤ ص ٨٥). وقد ذكر مختصرا ، فى المختصر (ج ٥ ص ١٨١)

(٦) عبارة المختصر : «الآية ؛ وقال : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ).».

(٧) فى الأم : «الآية».

٢٣

«قال الشافعي : وقيل (١) : الأعرج : المقعد. والأغلب : أن (٢) العرج فى الرّجل الواحدة.»

«وقيل : نزلت [في (٣)] أن لا حرج عليهم (٤) : أن لا يجاهدوا.»

«وهو : أشبه (٥) ما قالوا ، وغير (٦) محتملة (٧) غيره. وهم : داخلون فى حدّ الضّعفاء ، وغير خارجين : من فرض الحجّ ، ولا الصلاة ، ولا الصوم ، ولا الحدود. فلا (٨) يحتمل (والله أعلم) : أن يكون أريد بهذه الآية ، إلا : وضع الحرج : فى الجهاد ؛ دون غيره : من الفرائض.».

وقال (٩) فيما بعد غزوه (١٠) عن المغازي ـ وهو : ما كان على الليلتين

__________________

(١) فى المختصر : «فقيل».

(٢) فى الأم : «أنه الأعرج» إلخ. وفى المختصر : «أنه عرج الرجل الواحدة». وما فى الأصل هو الأظهر.

(٣) الزيادة عن الأم. وقال فى المختصر : «فى وضع الجهاد عنهم ؛ ولا يحتمل غيره». ثم قال : «فإن كان سالم البدن قويه ، لا يجد أهبة الخروج ، ونفقة من تلزمه نفقته ، إلى قدر ما يرى لمدته فى غزوه ـ : فهو ممن لا يجد ما ينفق. فليس له : أو يتطوع بالخروج ، ويدع الفرض» إلخ ؛ فراجعه.

(٤) هذا ليس بالأم.

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «يشبه» ؛ وهو تحريف.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «غير» وزيادة الواو أحسن : لإفادتها الترقي. ولعلها سقطت من الناسخ.

(٧) فى الأم : «محتمل». وما فى الأصل أحسن.

(٨) فى الأم. «ولا». وما فى الأصل أظهر.

(٩) كما فى الأم (ج ٤ ص ٨٦).

(١٠) عبارة الأصل : «غزوة من المعادى ... الثلثين» ؛ وهى مصحفة. والتصحيح

٢٤

فصاعدا. ـ : «إنه لا يلزم القوىّ السالم البدن كلّه : إذا لم يجد (١) مركبا وسلاحا ونفقة ؛ ويدع لمن يلزمه (٢) نفقته (٣) ، قوته : إلى (٤) قدر ما يرى أنه يلبث فى غزوه (٥). وهو (٦) : ممن لا يجد ما ينفق. قال (٧) الله عز وجل : (وَلا عَلَى الَّذِينَ ـ : إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ، قُلْتَ : لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. ـ : تَوَلَّوْا : وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ، حَزَناً : أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ : ٩ ـ ٩٢) (٨).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٩)

__________________

من ابتداء كلام الأم ؛ وهو : «الغزو غزوان : غزو يبعد عن المغازي ؛ وهو : ما بلغ مسيرة ليلتين قاصدتين : حيث تقصر الصلاة ، وتقدم مواقيت الحج من مكة. وغزو يقرب ؛ وهو ما كان دون ليلتين : مما لا تقصر فيه الصلاة ، وما هو أقرب ـ : من المواقيت. ـ إلى مكة. وإذا كان الغزو البيعيد : لم يلزم القوى» إلى آخر ما هنا.

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «تجد» ؛ وهو تصحيف.

(٢) فى الأم : «تلزمه».

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «نفقة» ؛ وهو تحريف.

(٤) كذا بالأصل ؛ وهو الظاهر. أي : إلى نهاية الزمن الذي قدر أن يمكته فى غزوه. وعبارة الأم : «إذن» ؛ وهى إما محرفة ، أو زائدة. فتأمل.

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «غزوة» ؛ وهو تصحيف.

(٦) عبارة الأم : «وإن وجد بعض هذا ، دون بعض : فهو» إلخ. وهى أكثر فائدة

(٧) كذا بالأصل ؛ وهو ظاهر. وعبارة الأم : «قال الشافعي : نزلت : (ولا على الذين)» إلخ ولعل بها سقطا.

(٨) راجع ما قاله بعد ذلك : فهو مفيد.

(٩) كما فى الأم (ج ٤ ص ٨٩). وقد ذكره فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٣١ ٣٣ و ٣٦) متفرقا : ضمن ما يلائمه ويؤيده : من الأحاديث والآثار التي يحسن الرجوع إليها : لكبير فائدتها.

٢٥

(رحمه الله) : غزا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فغزا معه بعض من يعرف نفاقه (١) : فانخزل (٢) عنه (٣) يوم أحد بثلاثمائة (٤)

«ثم شهدوا (٥) معه يوم الخندق : فتكلموا (٦) بما حكى الله (عز وجل) : من قولهم : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً : ٣٣ ـ ١٢)

«ثم غزا (٧) بنى المصطلق (٨) ، فشهدها معه منهم (٩) ، عدد : فتكلموا بما حكى الله (عز وجل) : من قولهم : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ : لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ : ٦٣ ـ ٨) ؛ وغير ذلك مما حكى الله : من نفاقهم (١٠)»

__________________

(١) هو : عبد الله بن أبى ابن سلول. انظر الفتح (ج ٧ ص ٢٤٣).

(٢) أي : انقطع ورجع.

(٣) هذا فى الأم متأخر عما بعده.

(٤) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «ثلاثمائة» ؛ والنقص من الناسخ

(٥) كذا بالأم والسنن الكبرى. وعبارة الأصل : «شهد معه قوم» ؛ وهى ـ مع صحتها ـ قد تكون محرفه ، أو ناقصة كلمة : «منهم».

(٦) أي : معتب بن قشير ، وأوس بن قيظي ، وغيرهما ؛ لما اشتد بالمسلمين الحصار. انظر الفتح (ج ٧ ص ٢٨١).

(٧) فى الأم ، زيادة : «النبي».

(٨) هذا : لقب جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة الخزاعي. انظر الفتح (ج ٧ ص ٣٠٣).

(٩) هذا غير موجود بالأم.

(١٠) راجع الفتح (ج ٨ ص ٤٥٥ ـ ٤٦٠) : فهو مفيد فى بعض الأبحاث الماضية أيضا.

٢٦

«ثم غزا (١) غزوة تبوك (٢) ، فشهدها معه منهم (٣) ، قوم : نفروا (٤) به ليلة العقبة (٥) : ليقتلوه ؛ فوقاة الله شرّهم. وتخلّف آخرون منهم : فيمن بحضرته. ثم أنزل الله (عز وجل) عليه (٦) ، فى (٧) غزاة تبوك ، أو منصرفه منها ـ ولم (٨) يكن له (٩) فى تبوك قتال (١٠) ـ : من أخبارهم ؛ فقال الله تعالى : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ : لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ؛ وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) ؛ قرأ (١١) إلى قوله : (وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ : ٩ ـ ٤٦ ـ ٥٠) (١٢)

__________________

(١) كذا بالأم والسنن الكبرى ؛ وهو الأحسن. وفى الأصل : «ثم غزاة» ؛ وهو مع صحته ، لا نستبعد أنه سقط منه ما زدناه.

(٢) هو : مكان بطرف الشام من جهة القبلة ، بينه وبين المدينة : أربع عشرة مرحلة ؛ وبينه وبين دمشق : إحدى عشر مرحلة. والمشهور : ترك صرفه ، للعلمية والتأنيث. ومن صرفه : أراد الموضع. انظر تهذيب اللغات (ج ١ ص ٤٣) ، والفتح (ج ٨ ص ٧٧ ـ ٧٨)

(٣) هذا فى الأم مؤخر عما بعده.

(٤) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «فغزوا بدليله» ؛ وهو تصحيف خطير.

(٥) هذه ليست عقبة مكة المشهورة بالبيعتين ؛ ولكنها عقبة أخرى : بين تبوك والمدينة. وكان من أمرها : أن جماعة من المنافقين ، اتفقوا على أن يزحموا ناقة رسول الله ، عند مروره بها : ليسقط عن راحلته فى بطن الوادي ، من ذلك الطريق الجبلي المرتفع. فأعلمه الله بمكرهم ، وعصمه من شرهم. انظر تفصيل ذلك : فى السيرة النبوية لدحلان (ج ٢ ص ١٣٣). ثم راجع فى السنن الكبرى (ص ٣٢ ـ ٣٣) : ما روى عن ابن إسحاق ، وعروة ، وأبى الطفيل.

(٦) هذا غير موجود بالأم.

(٧) هذا ليس بالسنن الكبرى.

(٨) هذا إلى قوله : قتال ؛ ليس بالسنن الكبرى.

(٩) هذا غير موجود بالأم.

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «قبال» ؛ وهو تصحيف.

(١١) فى الأم : «فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين».

(١٢) راجع فى السنن الكبرى (ص ٣٣ ـ ٣٦) : أحاديث عروة ، وكعب

٢٧

«فأظهر الله (عز وجل) لرسوله (صلى الله عليه وسلم) : أسرارهم ، وخبر السّمّاعين لهم ، وابتغاءهم (١) : أن يفتنوا من معه : بالكذب والإرجاف ، والتّخذيل لهم. فأخبر (٢) : أنه كره انبعاثهم ، [فثبّطهم] (٣) : إذ (٤) كانوا على هذه النّيّة»

«فكان (٥) فيها ما دلّ : على أن الله (عز وجل) أمر : أن يمنع من عرف بما عرفوا به ، من (٦) أن يغزو (٧) مع المسلمين : لأنه (٨) ضرر عليهم.»

__________________

ابن مالك ، وأبى سعيد الخدري. ثم راجع الكلام عن حديث كعب ، فى الفتح (ج ٨ ص ٧٩ ـ ٨٨ و ٢٣٧ ـ ٢٣٩) : لفوائده الجليلة.

(١) كذا بالأصل والأم ؛ وهو الظاهر والمناسب للفظ الآية الكريمة. وفى السنن الكبرى : «وأتباعهم» ؛ يعنى : استمرارهم على ذلك.

(٢) فى الأم : «فأخبره» ؛ وهو أحسن.

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٤) كذا بالأصل والأم ؛ وهو الظاهر. وفى السنن الكبرى : «إذا» ؛ ولعل الزيادة من الناسخ أو الطابع.

(٥) كذا بالأصل والسنن الكبرى ؛ وهو الظاهر. وفى الأم : «كان» ولعله محرف.

(٦) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «لأن» ؛ ولعل اللام زائدة أو محرفة.

(٧) كذا بالأم يغزوا ؛ وهو المناسب لما قبله وما بعده. وفى الأصل والسنن الكبرى : «يغزوا» ؛ ومع كونه صحيحا ، قد تكون الواو زائدة.

(٨) هذه عبارة الأصل والأم ، والمختصر أيضا (ج ٥ ص ١٨١ ـ ١٨٢) ؛ وهى الصحيحة. وفى السنن الكبرى : «لأنه لا ضرر» ؛ والزيادة من الناسخ أو الطابع.

٢٨

«ثم زاد فى تأكيد بيان ذلك ، بقوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) ـ (صلى (١) الله عليه وسلم) ـ [قرأ] (٢) إلى قوله تعالى : (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ : ٩ ـ ٨١ ـ ٨٣).». وبسط الكلام فيه (٣).

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «قال الله تبارك وتعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ : ٩ ـ ١٢٣)

«ففرض الله جهاد المشركين ، ثم أبان : من (٥) الذين نبدأ بجهادهم :

__________________

ويؤكد ذلك قوله فى الأم ـ عقب الآية الآتية ـ : «فمن شهر بمثل ما وصف الله المنافقين : لم يحل للامام أن يدعه يغزو معه ؛ ولم يكن لو غزا معه : أن يسهم له ، ولا يرضخ. لأنه ممن منع الله أن يغزو مع المسلمين : لطلبته فتنتهم ، وتخذيله إياهم ؛ وأن فيهم من يستمع له : بالغفلة والقرابة والصداقة ؛ وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير : من عدوهم».

(١) فى الأم : «قرأ الربيع إلى (المخالفين)». والجملة الدعائية ليست بالسنن الكبرى

(٢) زيادة حسنة ، عن السنن الكبرى.

(٣) فراجعه (ص ٨٩ ـ ٩٠) لفائدته.

(٤) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٠ ـ ٩١). وقد ذكر فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٣٧) إلى قوله : (الكفار).

(٥) كذا بالأم ، وهو الظاهر الصحيح. وفى الأصل : «من الذي يجاهدهم» إلخ. والنقص والتصحيف من الناسخ. ويؤكد ذلك قول البيهقي فى السنن ـ قبل الآية ـ : «باب من يبدأ بجهاده من المشركين». وهو مقتبس من كلام الشافعي ، كما هى عادته فى سائر عناوين كتابه. وراجع فى السنن : ما روى عن ابن إسحاق ، وما نقله عن الشافعي : مما لم يذكر هنا وذكر فى الأم.

٢٩

من المشركين.؟ فأعلم (١) : أنهم الذين يلون المسلمين.»

«وكان معقولا ـ فى فرض (٢) جهادهم ـ : أنّ أولاهم بأن يجاهد : أقربهم من (٣) المسلمين دارا. لأنهم إذا قووا (٤) على جهادهم وجهاد غيرهم : كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى. وكان من قرب ، أولى أن يجاهد : لقربه من عورات المسلمين ؛ فإنّ (٥) نكاية من قرب : أكثر من نكاية من بعد (٦).».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٧) : «فرض الله (تعالى) الجهاد : فى كتابه ، وعلى لسان نبيّه (صلى الله عليه وسلم). ثم أكّد النّفير (٨) من الجهاد ، فقال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى

__________________

(١) فى الأم : «فأعلمهم» ؛ أي المخاطبين بالجهاد.

(٢) فى الأم زيادة : «الله».

(٣) فى الأم : «بالمسلمين». وما فى الأصل أحسن.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «قدروا» ؛ وهو ـ مع صحته ـ مصحف : بقرينة قوله : «أقوى».

(٥) كذا بالأصل ؛ وهو تعليل لترتب الحكم على العلة السابقة. وفى الأم : «وأن» ؛ وهو علة ثانية.

(٦) راجع ما ذكره بعد ذلك (ص ٩١ ـ ٩٢) : فهو عظيم الفائدة.

(٧) كما فى الرسالة (ص ٣٦١ ـ ٣٦٣) أثناء كلامه على الفرق : بين علم الخاصة ، وعلم العامة. مما تحسن مراجعته.

(٨) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «التفسير» ؛ وهو تصحيف.

٣٠

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) (١) : (٩ ـ ١١١) ؛ وقال : (وَقاتِلُوا (٢) الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ، كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٣) : (٩ ـ ٣٦) ؛ وقال تعالى : (فَاقْتُلُوا (٤) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية : (٩ ـ ٥) ؛ وقال تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية : (٩ ـ ٢٩).».

وذكر حديث أبى هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : «لا أزال أقاتل النّاس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله» الحديث (٥).

ثم قال : [وقال (٦)] الله تعالى : (ما لَكُمْ : إِذا قِيلَ لَكُمُ : انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ؛ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ.؟! أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ؟! فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا : يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) الآية : (٩ ـ ٣٨ ـ ٣٩) ؛ وقال تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية : (٩ ـ ٤١).»

__________________

(١) ذكر فى الرسالة بقية الآية.

(٢) فى الرسالة : «قاتلوا».

(٣) ذكر فى الرسالة بقية الآية.

(٤) كذا بالرسالة والأصل. ثم زيدت فيه الفاء بمداد آخر. وهو من صنع الناسخ ، وتأثره بلفظ الآية. وقد نبهنا غير مرة. أن الشافعي كثيرا ما يحذف مثل ذلك : اكتفاء بمحل الشاهد :

(٥) بقيته ـ كما فى الرسالة ـ : «فإذا قالوها : عصموا منى دماءهم وأموالهم ؛ وحسابهم على الله». وهذا الحديث قد روى من طرق عدة ، وبألفاظ متقاربة وزيادة ، وقد اشتمل على مباحث هامة فراجعه ، وراجع الكلام عليه : فى الأم (ج ١ ص ٢٢٧ وج ٦ ص ٣ وج ٧ ص ٢٧٦) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٣) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ١٧٦ ـ ١٧٧ و ١٩٦ و ٢٠٢ وج ٩ ص ٤٩ و ١٨٢) والفتح (ج ١ ص ٥٧ وج ٦ ص ٧٠ ج ١٢ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٧).

(٦) هذه الزيادة متعينة.

٣١

«قال الشافعي (رحمه الله) : فاحتملت (١) الآيات : أن يكون الجهاد كلّه ، والنّفير خاصّة منه ـ : [على (٢)] كل مطيق (٣) [له (٤)] ؛ لا يسع أحدا منهم التخلّف عنه. كما كانت الصلاة (٥) والحجّ والزكاة. فلم يخرج أحد (٦) ـ : وجب عليه فرض [منها (٧)]. ـ : أن (٨) يؤدّى غيره الفرض عن نفسه ؛ لأن عمل (٩) أحد فى هذا ، لا يكتب لغيره.»

«واحتملت (١٠) : أن يكون معنى فرضها ، غير معنى فرض الصلاة (١١). وذلك (١٢) : أن يكون قصد بالفرض فيها (١٣) : قصد الكفاية ؛ فيكون من قام بالكفاية ـ فى جهاد من جوهد : من المشركين. ـ مدركا : تأدية الفرض ، ونافلة الفضل ؛ ومخرجا من تخلّف : من المأثم.».

قال الشافعي (١٤) : «قال (١٥) الله عز وجل : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ

__________________

(١) كذا بالرسالة ؛ وهو الظاهر ، وفى الأصل : «فاحتمل» ، ولعله محرف.

(٢) زيادة متعينة ، عن الرسالة.

(٣) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «يطبق» ، وهو تصحيف.

(٤) زيادة حسنة ، عن الرسالة.

(٥) فى الرسالة : «الصلوات».

(٦) فى بعض نسخ الرسالة. زيادة : «منهم».

(٧) زيادة حسنة ، عن الرسالة.

(٨) كذا بالأصل ومعظم نسخ الرسالة. أي : بسبب أن يؤدى. فالباء مقدرة ، وحذفها جائز ، وشرطه متحقق. وفى نسخه الربيع : «من» ؛ أي : من أجل أن يؤدى. فكلاهما صحيح : وإن كان ما ذكرنا أظهر.

(٩) فى الرسالة (ط. بولاق) زيادة : «كل» ؛ وهو للتأكيد.

(١٠) كذا بالرسالة ؛ وهو الظاهر ، وفى الأصل : «فاحتمل» ، ولعله محرف.

(١١) فى الرسالة : «الصلوات».

(١٢) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «وكذلك» ؛ وهو تصحيف.

(١٣) فى بعض نسخ الرسالة : «منها» ؛ وكلاهما صحيح.

(١٤) كما فى الرسالة (ص ٣٦٣ ـ ٣٦٦) : مستدلا لتعين الاحتمال الثاني الذي أفاد : أن الجهاد فرض عينى ، لا فرض كفائى.

(١٥) عبارة الرسالة : «ولم يسو الله بينهما (أي : بين المجاهد والقاعد.) فقال».

٣٢

الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، (١) وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ؛ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ؛ وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (٢) : (٤ ـ ٩٥)»

«قال الشافعي : فوعد المتخلّفين عن الجهاد : الحسنى (٣) على الإيمان ؛ وأبان فضيلة المجاهدين على القاعدين. ولو كانوا آثمين بالتخلّف ـ : إذا غزا غيرهم. ـ : كانت العقوبة بالإثم (٤) ـ إن لم يعف (٥) الله [عنهم] (٦) ـ أولى بهم (٧) من الحسنى.»

«قال الشافعي (رحمه الله) : وقال (٨) الله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ :

__________________

(١) راجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٣ ـ ٢٤ و ٤٧) ما روى فى ذلك : عن البراء ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس. ثم راجع الكلام عنه فى الفتح (ج ٦ ص ٢٩ ـ ٣١ وج ٨ ص ١٨٠ ـ ١٨٢) فهو مفيد جدا.

(٢) ذكر فى الرسالة إلى آخر الآية ، ثم قال : «فأما الظاهر فى الآيات : فالفرض على العامة». أي : جميع المكلفين. ثم بين للسائل : من أين قيل : إذا جاهد البعض خرج الآخرون عن الإثم ، وسقط الطلب عنهم.؟ فذكر ما أتى فى الأصل.

(٣) هذا فى بعض نسخ الرسالة ، مقدم عما قبله ؛ وفى بعضها : بزيادة الباء.

(٤) كذا بالرسالة ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «والإثم» ؛ وقد يكون محرفا مع صحته.

(٥) فى نسخة الربيع : «يعفوا» ؛ وهو تحريف لما لا يخفى.

(٦) زيادة حسنة ، عن الرسالة (ط. بولاق) وبعض النسخ الأخرى.

(٧) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «منهم» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٨) هذا دليل آخر. وفى الرسالة : «قال». والكلام فيها على صورة سؤال وجواب.

٣٣

لِيَنْفِرُوا كَافَّةً (١) ؛ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ (٢) : ٩ ـ ١٢٢).»

«فأخبر (٣) الله (عز وجل) : أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة ؛ قال (٤) : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا) (٥) ؛ فأخبر : أن النّفير على بعضهم دون بعض [و (٦)] أن التّفقّه إنما هو على بعضهم ، دون بعض.».

قال الشافعي (٧) : «وغزا (٨) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وغزا (٩)

__________________

(١) راجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٤٧) حديث ابن عباس فى ذلك : لفائدته.

(٢) ذكر فى الرسالة بقية الآية ، ثم قال : «وغزا رسول الله ، إلى آخر ما سيأتي. وقد أخره البيهقي : لكونه دليلا مستقلا.

(٣) كذا بالأصل والرسالة (ط. بولاق) وبعض النسخ الأخرى. وهو الأظهر. وفى نسخة ابن جماعة : «وأخبر». وفى نسخة الربيع : «وأخبرنا». وفى بعض النسخ : «وأخبره ، أو فأخبره». ولعل الهاء زائدة من الناسخ.

(٤) هذا غير موجود فى نسخة الربيع. وحذفه وإن كان يرد كثيرا فى كلام البلغاء ؛ إلا أن إثباته فى المسائل العلمية أولى وأحسن.

(٥) هذا ليس بالرسالة.

(٦) زيادة متعينة ، عن الرسالة

(٧) كما فى الرسالة (ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦).

(٨) كذا بالرسالة. وفى الأصل : بدون الواو. وزيادتها أولى ؛ ولعلها سقطت من الناسخ.

(٩) كذا بالأصل وجميع نسخ الرسالة. وقد أبى الشيخ شاكر إلا : أن يرسمه بالياء وتشديد الزاى ؛ على أنه من الرباعي المضاعف ؛ بمعنى : حمل غيره على الغزو. وزعم : أنه هو الصحيح ، وأنه لا يعارض رسم الربيع. وأكد ذلك : بأنه المناسب لقوله : «وخلف».

وهذا منه : تحكم غريب ، وزعم جريىء ؛ لا نعقل له معنى ، ولا نجد له مبررا ؛ إلا : الرغبة فى إظهار المعرفة بالفرق بين الثلاثي والرباعي. وإلا : فالثلاثى معناه صحيح ، ومحقق

٣٤

معه من أصحابه جماعة (١) ؛ وخلّف آخرين (٢) : حتى خلّف (٣) علىّ بن أبى طالب (رضى الله عنه) فى غزوة تبوك.».

وبسط الكلام فيه ، وجعل نظير ذلك : الصلاة على الجنازة ، والدّفن : وردّ السلام (٤).

* * *

__________________

للغرض. وهو : بيان أن النبي فى غزواته ، لم يكن يخرج بجميع أصحابه ؛ بل كان يكتفى بالبعض. وهذا لا ينازع فيه منصف. وأما الرباعي : فمعناه قد يوهم : أن بعض الصحابة كانوا يخرجون مع النبي ، إلى الغزو : كارهين له ، وغير راغبين فيه. وهذا لا يقول به أحد. ثم قد تمنع صحته : بأن كثيرا ـ : من النساء والصبيان والعبيد. ـ كانوا يخرجون للجهاد معه ؛ فهل يقال : إنه كان يحملهم عليه.؟!. ومناسبة أحد اللفظين لآخر : لا تصلح مرجحا لتعينه ، إلا بعد الاطمئنان إلى صحة معناه ، واعتقاد : أنه المراد للمتكلم.

ثم نقول : إن الإطالة فى مثل هذه الأبحاث اللفظية التافهة ، عمل لا يليق بالتعليق على كتاب كالرسالة : يعتبر بحق أول مصدر أصولى ، وأجل أثر فنى ؛ قد احتوى على أهم المسائل العلمية ، وأعظم المشاكل الفقهية ؛ التي لا زالت بحاجة إلى حل وتوضيح ، وبسط وتفصيل. ولقد كان الأجدر بالشيخ (حفظه الله) ، والمرجو منه ـ : أن يعنى بها ، ويحقق شيئا منها ؛ ويترك ما أسرف فيه ، وما لا طائل تحته

(١) فى بعض نسخ الرسالة : «بجماعة». ويغلب على الظن أنه محرف ؛ ومن الجائز بالنظر إليه : أن يكون قوله : «معه» ؛ زائدا من الناسخ. فتأمل.

(٢) فى نسختى الربيع وابن جماعة : «أخرى».

(٣) أي : أمره بالتخلف بعد أن استعد للخروج ؛ وقال له : «أما ترضى : أن تكون منى بمنزلة هرون من موسى.»؟. وفى الرسالة : «تخلف». وما فى الأصل أولى.

(٤) انظر الرسالة (ص ٣٦٧ ـ ٣٦٩) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٢ ـ ١٨٣). ثم راجع فى الأم (ج ٤ ص ٩٠) : الفصل القيم الخاص بهذه المسألة ، والمشتمل على مزيد من الفائدة ؛ والذي نرى : أن البيهقي لم ينقل هنا شيئا منه ، اكتفاء بما نقله عن الرسالة. وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٤٧). ثم راجع كلام صاحب الجوهر النقي

٣٥

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ؛ قالا : نا أبو العباس (هو : الأصمّ) ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «قال الله عز وجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ؛ قُلِ : الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ؛ [إلى (٢)] : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : ٨ ـ ١) ؛ فكانت غنائم بدر ، لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يضعها حيث شاء. (٣)»

«وإنما نزلت : (وَاعْلَمُوا : أَنَّما غَنِمْتُمْ : مِنْ شَيْءٍ ؛ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى : ٨ ـ ٤١) ؛ بعد (٤) بدر.»

«وقسم (٥) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلّ غنيمة (٦) بعد بدر ـ

__________________

(ص ٤٨) ، والخلاف فى أصل المسألة : فى الفتح (ج ٦ ص ٢٤) ؛ لتلم بجميع أطرافها.

(١) كما فى سير الأوزاعى الملحق بالأم (ج ٧ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩) : يرد على أبى يوسف ، فيما ذهب إليه : من أن الغنيمة لا تقسم فى دار الحرب. إلا أن أول كلامه قد ذكر فى خلال رده عليه فى مسئلة أخرى ، هى : أنه لا يضرب بسهم فى الغنيمة ، لمن يموت فى دار الحرب أو يقتل. فلذلك يحسن أن تراجع الموضوع من بدايته (ص ٣٠٣ ـ ٣٠٥ و ٣٠٧ ـ ٣٠٩) : لتقف على تمام حقيقته. وانظر المختصر (ج ٥ ص ١٨٣ ـ ١٨٤).

(٢) زيادة متعينة. وقد ذكر فى الأم إلى قوله : (بينكم).

(٣) راجع فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٩١ ـ ٢٩٣) : ما روى فى مصرف الغنيمة فى ابتداء الإسلام ؛ فهو مفيد فى المقام.

(٤) فى الأم (ص ٣٠٥) زيادة : «غنيمة».

(٥) هذا إلى قوله : بعد بدر ؛ ليس بالأم ، ونرجح أنه سقط من الناسخ أو الطابع

(٦) راجع ما ذكره النووي فى تهذيب اللغات (ج ٢ ص ٦٤) عن حقيقة الغنيمة والفرق بينها وبين الفيء. فهو جيد مفيد.

٣٦

على ما وصفت لك : يرفع (١) خمسها ، ثم يقسم أربعة أخماسها : وافرا (٢) ؛ على من حضر الحرب : من المسلمين (٣)

«إلا : السّلب ؛ فإنه سنّ (٤) : للقاتل [فى الإقبال (٥)]. فكان (٦) السلب خارجا منه.»

«وإلا : الصّفىّ (٧) ؛ فإنه قد اختلف فيه : فقيل : كان (٨) رسول الله

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «برفع» ؛ وهو تصحيف.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «واقرأ» ؛ وهو تصحيف.

(٣) راجع فى هذا المقام : الفتح (ج ٦ ص ١١٠ و ١٣٨ و ١٥٢) ، والسنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٠٥ وج ٩ ص ٥٠ ـ ٥١ و ٥٤ ـ ٥٨). وتأمل ما ذكره صاحب الجوهر النقي.

(٤) أي : شرع وجوب إعطائه إياه ؛ وقد ثبت ذلك بالسنة. وفي الأم زيادة : «أنه» ؛ أي : سن النبي ذلك.

(٥) زيادة جيدة ، عن الأم. أي : فى حالة هجوم العدو وإقدامه ، دون فراره وإدباره. وراجع الكلام عن ذلك وما يدل عليه ؛ والكلام عن حقيقة السلب ، والخلاف فى عدم تخميسه ـ : فى الأم (ج ٤ ص ٦٦ ـ ٦٨ و ٧٥). وراجع الرسالة (ص ٧٠ ـ ٧١) ، والمختصر (ص ١٨٣). ثم راجع السنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٠٥ ـ ٣١٢ وج ٩ ص ٥٠) ، والفتح (ج ٦ ص ١٥٤ ـ ١٥٦).

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «وكان». ولكون التفريع بالفاء أغلب ، وفى مثل هذا المقام أظهر ـ : أثبتنا عبارة الأم.

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «صفى» ؛ والنقص من الناسخ. والصفي والصفية ـ فى أصل اللغة ـ : ما يصطفيه الرئيس لنفسه : من الغنيمة ؛ قبل القسمة. انظر المصباح وراجع فيه ما نقله عن ابن السكيت وأبى عبيدة : لفائدته. وقد ذكر الشافعي : «أنه لم يختلف أحد من أهل العلم : فى أن ليس لأحد ما كان لرسول الله : من صفى الغنيمة.». انظر السنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٠٥) ؛ وراجع فيها (ص ٣٠٣ ـ ٣٠٥ وج ٧ ص ٥٨) : ما ورد فى ذلك من السنة.

(٨) هذا إلى قوله : وقيل ؛ غير موجود بالأم. ونرجح أنه سقط منها.

٣٧

(صلى الله عليه وسلم) يأخذه : خارجا من الغنيمة. وقيل : كان يأخذه : من سهمه من الخمس.»

«وإلا : البالغين (١) من السّبى ؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سنّ فيهم سننا : فقتل بعضهم ، وفادى ببعضهم (٢) أسري المسلمين (٣)».

«قال الشافعي (٤) : «فأمّا (٥) وقعة عبد الله بن جحش ، وابن الحضرمي ـ : فذلك : قبل بدر ، وقبل (٦) نزول الآية (يعنى (٧) فى الغنيمة). وكانت وقعتهم : فى آخر يوم من الشهر الحرام ؛ فتوقّفوا (٨) فيما صنعوا : [حتى

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «الباء لغير» ؛ وهو تحريف.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «بعضهم» ؛ والنقص من الناسخ.

(٣) قال فى الأم ، بعد ذلك : «فالإمام فى البالغين : من السبي ؛ مخير فيما حكيت : أن النبي سنه فيهم ؛ فإن أخذ من أحد منهم فدية : فسبيلها سبيل الغنيمة ؛ وإن استرق منهم أحدا : فسبيل المرقوق سبيل الغنيمة ، وإن أقاد بهم بقتل ، أو فادى بهم أسيرا مسلما : فقد خرجوا من الغنيمة.». وقد ذكره فى الأم (ج ٤ ص ١٥٦) بأوسع من ذلك وأفيد ؛ ونقل بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٦٣) : فراجعه ، وراجع فيها (ص ٦٣ ـ ٦٨) ما يؤيده. وراجع المختصر (ص ١٨٤ ـ ١٨٥) ، والأم (ج ٤ ص ١٦٩ ـ ١٧٠) ، والفتح (ج ٦ ص ٩٣ وج ٨ ص ٦٣ ـ ٦٤). ثم انظر ما تقدم (ج ١ ص ١٥٨ ـ ١٥٩).

(٤) كما فى الأم (ج ٧ ص ٣٠٥) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٤). وقد ذكر فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٥٨).

(٥) عبارة غير الأصل : «وأما ما احتج به من» إلخ. وعبارة الأصل : «فأما ما». وقد تكون «ما» زائدة ، أو تكون العبارة ناقصة. والظاهر الأول.

(٦) عبارة المختصر : «ولذلك كانت وقعتهم فى آخر الشهر» إلخ.

(٧) هذا من كلام البيهقي.

(٨) فى الأم : «فوقفوا».

٣٨

نزلت (١)] : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ : قِتالٍ فِيهِ (٢)؛ قُلْ : قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) الآية : (٢ ـ ٢١٧).».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٣) : «أنا سفيان (٤) ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال (٥) : لما نزلت هذه (٦) الآية : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ : يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ : ٨ ـ ٦٥) ؛ فكتب (٧) عليهم : أن لا يفرّ العشرون من المائتين ؛

__________________

(١) زيادة متعينة ، عن الأم والمختصر والسنن الكبرى.

(٢) ذكر إلى هنا : فى الأم والمختصر. وذكر فى السنن الكبرى إلى : (كبير). وراجع فيها (ص ٦٨ ـ ٦٩) هذه الوقعة.

(٣) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٢ و ١٦٠) ، والرسالة (ص ١٢٧ ـ ١٢٨) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٧٦). وهذا الحديث قد أخرجه البخاري من طريق على بن المديني عن سفيان ، بلفظ مختلف. وحكى سفيان فى آخره ، عن ابن شبرمة : أنه قاس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، على الجهاد فى الحكم. أي : بجامع إعلاء كلمة الحق ، وإخماد كلمة الباطل. وأخرجه أيضا ـ باختلاف وزيادة ـ من طريق يحيي السلمى بسنده عن عكرمة عن ابن عباس. انظر الفتح (ج ٨ ص ٢١٥ ـ ٢١٧) ، والسنن الكبرى.

(٤) فى الأم : «ابن عيينة».

(٥) هذا إلى آخر الحديث ، قد سقط من الأم (ص ١٦٠).

(٦) قوله : هذه الآية ؛ ليس فى رواية الأم والبخاري.

(٧) فى الرسالة : «كتب» ؛ وهو أحسن.

٣٩

فأنزل الله عز وجل : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ؛ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ : يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ : ٨ ـ ٦٦) ؛ فخفّف (١) عنهم ، وكتب : أن لا يفرّ مائة من مائتين.»

«قال الشافعي : هذا (٢) : كما قال ابن عباس إن شاء الله ؛ مستغنى (٣) فيه : بالتنزيل ، عن التأويل. لمّا (٤) كتب الله : أن (٥) لا يفرّ العشرون من المائتين ؛ فكان هكذا (٦) : الواحد من العشرة (٧). ثم خفّف الله عنهم : فصيّر الأمر : إلى أن لا يفرّ (٨) المائة من المائتين. وذلك (٩). أن لا يفرّ الرجل من الرجلين (١٠)».

__________________

(١) فى الرسالة : «فكتب أن لا يفر المائة من المائتين».

(٢) فى الرسالة والأم (ص ١٦٠) : بالواو.

(٣) عبارة الرسالة : «وقد بين الله هذا فى الآية ؛ وليست تحتاج إلى تفسير». وعبارة الأم (ص ١٦٠) : «ومستغن بالتنزيل» إلخ.

(٤) هذا إلى آخر الكلام ، غير موجود بالأم (ص ٩٢).

(٥) فى الأم : «من أن لا». وهو بيان لما ، واللام للتعليل. وما فى الأصل يصح أن يكون كذلك : على تقدير «من». ولكن الظاهر : أنه مفعول لكتب ؛ و «لما» حينية. وإن كان المراد يتحقق بكل منهما. وهو بيان : أن حكم الفرد لازم لحكم الجماعة.

(٦) كذا بالأصل ، وهو ظاهر. وفى الأم : «هذا». أي : فكان هذا حكم الواحد ؛ أي : يستلزمه. فهو اسم «كان».

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «الواحد» ؛ وهو تحريف.

(٨) فى الأم : «تفر».

(٩) كذا بالأصل والأم. أي : وذلك يستلزم.

(١٠) راجع كلام الحافظ فى الفتح ، المتعلق بذلك : فهو فى غاية التحرير والجودة.

٤٠