أحكام القرآن - ج ٢

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

وهذا : أشبه (١) معانيه [به] ؛ والله أعلم.»

«قال : فأمّا من سبقت شهادته : بأن شهد (٢) ؛ أو علم حقّا : لمسلم ، أو معاهد ـ : فلا يسعه التّخلّف عن تأدية الشهادة : متى طلبت منه فى موضع مقطع الحقّ.».

* * *

(أنبأنى) أبو عبد الله (إجازة) : أن أبا العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٣) (رحمه الله تعالى) : «قال الله تبارك وتعالى : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ : ٥ ـ ١٠٦) ؛ وقال (٤) الله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ : فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ : مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ : ٢ ـ ٢٨٢)

«فكان (٥) الذي يعرف (٦) من خوطب (٧) بهذا ، أنه أريد به (٨) :

__________________

(١) عبارة الأصل : «شبه معانيه» ؛ وهو تحريف والتصحيح والزيادة من الأم.

(٢) أي : بالفعل من قبل. وفى الأم : «أشهد» ؛ أي : طلبت شهادته من قبل ، وقام بها : فى قضية لم يتم الفصل فيها ، بل يتوقف على شهادته مرة أخرى. ويريد الشافعي بذلك : أن يبين : أن الشهادة قد تكون فرضا عينيا بالنظر لبعض الأفراد.

(٣) كما فى الأم (ج ٧ ص ٨٠ ـ ٨١). وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٠) ، والسنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٦١ و ١٦٦).

(٤) كذا بالأم وغيرها. وفى الأصل : «قال» ؛ والنقص من الناسخ.

(٥) كذا بالأصل والمختصر. وفى الأم : بالواو.

(٦) فى الأصل زيادة : «أن» ، وهى من الناسخ.

(٧) يعنى : من نزل عليه الخطاب : من بلغاء العرب.

(٨) فى المختصر : «بذلك الأحرار البالغون المسلمون المرضيون». ثم ذكر بعض ما سيأتى بتصرف كبير.

١٤١

الأحرار ، المرضيّون ، المسلمون. من قبل : أنّ (١) رجالنا ومن نرضى : من (٢) أهل ديننا ؛ لا : المشركون ؛ لقطع الله الولاية بيننا وبينهم : بالدّين. و (٣) : رجالنا : أحرارنا (٤) ؛ لا : مماليكنا ؛ الذين (٥) : يغلبهم (٦) من تملّكهم (٧) ، على كثير : من أمورهم. و (٨) : أنّا لا نرضى أهل الفسق منا ؛ و: أنّ الرّضا (٩) إنما يقع على العدول (١٠) منا ؛ ولا يقع إلّا : على البالغين ؛

__________________

(١) كذا بالأم والسنن الكبرى (ص ١٦٢). وفى الأصل : «لا حالنا» ؛ وهو تحريف عجيب.

(٢) كذا بالأصل والسنن الكبرى ؛ أي : بعضهم. ولم يذكر فى الأم ؛ وعدم ذكره أولى.

(٣) هذا إلى قوله : أمورهم ، ذكر فى السنن الكبرى (ص ١٦١) بزيادة : «فلا يجوز شهادة مملوك فى شىء : وإن قل.» ، وقد ذكر نحوها فى الأم (ص ٨١).

(٤) فى الأم زيادة : «والذين نرضى : أحرارنا».

(٥) فى السنن الكبرى : «الذي» ؛ ولعله محرف.

(٦) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «نعيلهم» ؛ وهو تصحيف.

(٧) فى الأم والسنن الكبرى : «يملكهم». وراجع فيها أثر مجاهد فى ذلك ، وما نقله عن بعض المخالفين فى المسألة. ثم راجع الفتح (ج ٥ ص ١٦٩).

(٨) هذا إلى قوله : العدول منا ، ذكر فى السنن الكبرى (ص ١٦٦). وراجع فيها : أثرى عمر وشريح.

(٩) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «الرضى» ؛ وهو محرف عما ذكرنا أو عن : «المرضى» ؛ ومعناهما واحد. انظر الأساس.

(١٠) فى الأم : «العدل». وراجع كلام الشافعي عن العدالة : فى الرسالة (ص ٢٥ و ٣٨ و ٤٩٣) ، وجماع العلم (ص ٤٠ ـ ٤١). ثم راجع الفتح (ج ٥ ص ١٥٧ و ١٥٩). ويحسن : أن تراجع فى السنن الكبرى (ص ١٨٥ ـ ١٩١) : من تجوز شهادته ومن ترد. وانظر الأم (ج ٦ ص ٢٠٨ ـ ٢١٦) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٥٦).

١٤٢

لأنه (١) إنما خوطب (٢) بالفرائض : البالغون ؛ دون : من لم يبلغ (٣).». وبسط الكلام فى الدّلالة عليه (٤).

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٥) (رحمه الله) : «فى (٦) قول الله عز وجل : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ : مِنْ رِجالِكُمْ) ؛ إلى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ : مِنَ الشُّهَداءِ) (٧) ، وقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ : مِنْكُمْ : ٦٥ ـ ٢) ؛ دلالة (٨) : على أنّ الله

__________________

(١) عبارة السنن الكبرى (ص ١٦١) هى : «وقول الله : (مِنْ رِجالِكُمْ) ؛ يدل : على أنه لا تجوز شهادة الصبيان (والله أعلم) فى شىء. ولأنه» إلخ.

(٢) أي : كلف بها.

(٣) فى السنن الكبرى زيادة : «ولأنهم ليسوا ممن يرضى : من الشهداء ؛ وإنما أمر الله : أن نقبل شهادة من نرضى.».

(٤) حيث رد على من أجاز شهادة الصبيان فى الجراح : ما لم يتفرقوا. فراجع كلامه (ص ٨١ و ٤٤). وراجع الفتح (ج ٥ ص ١٧٥) ، وشرح الموطأ (ج ٣ ص ٣٩٦).

(٥) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٢٧) وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٦٢).

(٦) عبارة الأم : «قلت» ؛ وهى جواب عن سؤال. وعبارة السنن الكبرى : «قال الله».

(٧) ذكر فى الأم (ج ٧ ص ١١٦) أن مجاهدا قال فى ذلك : «عدلان ، حران ، مسلمان». ثم قال : «لم أعلم : من أهل العلم ؛ مخالفا : فى أن هذا معنى الآية.» إلخ ؛ فراجعه. وراجع كلامه (ص ٩٧ وج ٦ ص ٢٤٦) : لفائدته فى المقام كله. وانظر اختلاف الحديث (ص ٣٥٢) ؛ والسنن الكبرى ص ١٦٣.

(٨) فى الأم والسنن الكبرى : «ففى هاتين الآيتين (والله أعلم) دلالة» إلخ.

١٤٣

(عز وجل) إنما عنى : المسلمين ؛ دون غيرهم (١)

ثم ساق الكلام (٢) ، إلى أن قال : «ومن أجاز شهادة أهل الذّمّة ، فأعدلهم عنده (٣) : أعظمهم بالله شركا : أسجدهم للصّليب ، وألزمهم للكنيسة (٤)

«فإن (٥) قال قائل : فإنّ الله (عز وجل) يقول : (حِينَ الْوَصِيَّةِ :

__________________

(١) فى السنن زيادة تقدمت ، وهى : «من قبل أن» إلى : «بالدين». وراجع ما كتبه صاحب الجوهر النقي على ذلك ، وتأمله. ثم راجع المذاهب فى هذه المسألة : فى معالم السنن (ج ٤ ص ١٧١ ـ ١٧٢) ، والفتح (ج ٥ ص ١٨٥).

(٢) حيث قال : «ولم أر المسلمين اختلفوا : فى أنها على الأحرار العدول : من المسلمين خاصة ؛ دون : المماليك العدول ، والأحرار غير العدول. وإذا زعم المسلمون : أنها على الأحرار المسلمين العدول ، دون المماليك ـ : فالمماليك العدول ، والمسلمون الأحرار ـ : وإن لم يكونوا عدولا. ـ : فهم خير من المشركين : كيفما كان المشركون فى ديانتهم. فكيف أجيز شهادة الذي هو شر ، وأرد شهادة الذي هو خير ؛ بلا كتاب ، ولا سنة ، ولا أثر ، ولا أمر : اجتمعت عليه عوام الفقهاء.؟!». وقد تعرض لهذا المعنى ـ : بتوضيح وزيادة. ـ فى الأم (ج ٧ ص ١٤ و ٣٩ ـ ٤٠) ؛ فراجعه. وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٥٠). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ص ١٦٢) ، وعقبه : بأثر ابن عباس المتقدم (ص ٧٤) ، وحديث أبى هريرة : «لا تصدقوا أهل الكتاب ، ولا تكذبوهم» ؛ وغيره : مما يفيد فى البحث.

(٣) كذا بالأم. وقد ورد بالأصل : مضروبا عليه ؛ ثم ذكر بعده : «عندهم» ؛ والظاهر أنه من صنع الناسخ. وما فى الأم أولى : فى مثل هذا التركيب.

(٤) لعلك بعد هذا الكلام الصريح البين ، من ذلك الإمام الأجل ، يقوى يقينك : بأن من أفحش الأخطاء ، وأحقر الآراء ـ ما يجاهر به بعض المتفيقهين المتبجحين : من أن بعض أهل الكتاب الذين لم يسلموا ، سيدخلون الجنة قبل المسلمين.

(٥) عبارة الأم : «فقال قائل» ؛ وهى أفيد.

١٤٤

اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ ؛ أَوْ آخَرانِ : مِنْ غَيْرِكُمْ : ٥ ـ ١٠٦) ؛ أي (١) من غير أهل دينكم.»

«قال الشافعي : [فقد (٢)] سمعت من يتأوّل هذه الآية ، على : من غير قبيلتكم (٣) : من المسلمين (٤).».

قال الشافعي (٥) : «والتنزيل (٦) (والله أعلم) يدلّ على ذلك : لقول الله تعالى : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ : ٥ ـ ١٠٦) ؛ والصلاة الموقّتة (٧) : للمسلمين. ولقول (٨) الله تعالى : (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ : إِنِ ارْتَبْتُمْ ، لا نَشْتَرِي

__________________

(١) هذا إلى : دينكم ؛ ليس بالأم. ولا يبعد أن يكون من كلام البيهقي.

(٢) زيادة جيدة ، عن الأم ، ذكر قبلها كلام يحسن مراجعته. وفى السنن الكبرى (ص ١٦٤) : «وقد». وعبارة المختصر (ص ٢٥٣) : «سمعت من أرضى يقول : من غير» إلخ.

(٣) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «قبيلكم». وقد أخرج فيها نحو هذا التفسير ـ بزيادة جيدة ـ : عن الحسن وعكرمة. وراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٣٢ ـ ١٣٣) ، ثم الفتح (ج ٥ ص ٢٦٨) : ففائدتهما قيمة. وانظر تفسير الفخر (ج ٣ ص ٤٦٠).

(٤) ثم ذكر نحو ما سيأتى عقبه.

(٥) كما فى الأم (ج ٧ ص ٢٩) : بعد أن ذكر نحو ما تقدم ، فى خلال مناظرة أخرى فى الموضوع.

(٦) عبارة السنن الكبرى : «ويحتج فيها بقول الله» ـ وهى عبارة المختصر ، والأم (ج ٦ ص ١٢٧) ـ وذكر فيها إلى قوله : (ثمنا).

(٧) كذا بالأصل والسنن الكبرى. وفى الأم : «المؤقتة».

(٨) فى الأم والسنن الكبرى : «وبقول» ؛ وذكر فيها من أول قوله : (ولو كان).

١٤٥

بِهِ ثَمَناً : وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى : ٥ ـ ١٠٦) ؛ وإنما القرابة : بين المسلمين الذين كانوا مع النبىّ (صلى الله عليه وسلم) : من العرب ؛ أو : بينهم وبين أهل الأوثان. لا : بينهم وبين أهل الذّمّة. وقول (١) [الله] : (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ : إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ : ٥ ـ ١٠٦) ؛ فإنما يتأثّم من كتمان الشهادة [للمسلمين (٢)] : المسلمون ؛ لا : أهل الذّمّة.»

قال الشافعي (٣) : «وقد سمعت من يذكر : أنها منسوخة بقول الله عز وجل : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ : مِنْكُمْ : ٦٥ ـ ٢) (٤) ؛ والله أعلم (٥)

ثم جرى فى سياق كلام الشافعىّ (رحمه الله) أنه قال : «قلت له : إنما ذكر الله هذه الآية (٦) : فى وصيّة مسلم (٧) ؛ أفتجيزها : فى وصيّة مسلم

__________________

(١) فى الأصل : «وقالوا» ؛ والظاهر : أنه محرف. والتصحيح والزيادة من الأم. وفى السنن : «ويقول الله» ، وفيه تصحيف.

(٢) زيادة جيدة أو متعينة ، عن الأم والسنن الكبرى.

(٣) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٢٨).

(٤) نسب النحاس ، القول بالنسخ ، إلى زيد بن أرقم ، ومالك ، وأبى حنيفة : (وإن خالف غيره ، فقال : بجواز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.) ؛ والشافعي : وهو يعارض ما سيصرح به آخر البحث. وذكر فى الفتح : أن الناسخ آية البقرة : (٢٨٢) ـ ولا تعارض ـ وأن القائلين بالنسخ احتجوا : بالإجماع على رد شهادة الفاسق ؛ والكافر شر منه. ثم رد عليه : بما ينبغى مراجعته. وانظر الناسخ والمنسوخ ، وتفسيرى القرطبي (ج ٦ ص ٣٥٠) والشوكانى (ج ٢ ص ٨٢).

(٥) فى الأم والسنن الكبرى ، زيادة : «ورأيت مفتى أهل دار الهجرة والسنة ، يفتون : أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول.». وراجع فى السنن : تحقيق مذهب ابن المسيب.

(٦) أي : آية : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ؛ التي احتج بها الخصم.

(٧) فى الأم زيادة : «فى السفر».

١٤٦

فى (١) السفر؟. قال : لا. قلت : أو تحلّفهم : إذا شهدوا.؟. قال : لا. قلت : ولم : وقد تأوّلت : أنها فى وصيّة مسلم.؟!. قال : لأنها منسوخة قلت : فإن نسخت فيما أنزلت فيه ـ : فلم (٢) تثبتها فيما لم تنزل فيه؟! (٣).».

وأجاب الشافعىّ (رحمه الله) ـ عن الآية ـ : بجواب آخر ؛ على ما نقل عن مقاتل بن حيّان (٤) ، وغيره : فى سبب نزول الآية.

وذلك : فيما أخبرنا (٥) أبو سعيد بن أبى عمرو ، قال : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٦) : «أخبرنى أبو سعيد (٧) : معاذ بن موسى

__________________

(١) عبارة الأم : «بالسفر». وراجع بيان من قال بجوازها حينئذ ـ : كان عباس وأبى موسى وعبد الله بن قيس ، وشريح وابن جبير ، والثوري وأبى عبيد ، والأوزاعي وأحمد ـ : فى الناسخ والمنسوخ (ص ١٣١ ـ ١٣٢) ، والسنن الكبرى (ص ١٦٥ ـ ١٦٦) ، والفتح. لفائدته فى شرح المذاهب كلها.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «ثم نثبتها» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٣) أي : فتقول : بجواز شهادة بعضهم على بعض. مع أنه لا يكون ـ حينئذ ـ إلا : من طريق القياس : الذي يتوقف على ثبوت حكم الأصل ؛ وهو قد نسخ باعترافك.؟!. والطريقية مناظرته. ثم راجع كلامه فى الأم (ج ٧ ص ١٤ ـ ١٥ و ٢٩) : فهو يزيد ما هنا قوة ووضوحا. وانظر المختصر (ص ٢٥٣).

(٤) فى الأصل والأم ـ هنا وفيما سيأتى ـ : «حبان» ؛ وهو تصحيف. انظر الخلاصة (ص ٣٣٠) ، والتاج (مادة : قتل).

(٥) ورد فى الأصل بصيغة الاختصار : «أنا» ؛ والأليق ما ذكرنا.

(٦) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٢٨ ـ ١٢٩). وقد ذكر فى تفسير الطبري (ج ٧ ص ٧٦) وذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٦٥) : بعد أن أخرجه كاملا بزيادة (ص ١٦٤) ، من طريق الحاكم بإسناد آخر ، عن مقاتل.

(٧) كذا بالأم والسنن الكبرى ؛ وهو الصحيح. وفى الأصل : «أبو سعد ... بكر»

١٤٧

الجعفرىّ (١) ؛ عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيّان (قال بكير : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير ، عن : مجاهد ، والحسن ، والضّحّاك.) ـ : فى قول (٢) الله عز وجل : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ (٣) ؛ أَوْ آخَرانِ : مِنْ غَيْرِكُمْ) ؛ الآية. ـ : أنّ رجلين نصرانيّين : من أهل دارين (٤) ؛ أحدهما : تميمىّ ؛ والآخر يمانيّ ؛ (وقال (٥) غيره : من أهل دارين ؛ أحدهما (٦). تميم ؛ والآخر : عدىّ.) ـ : صحبهما

__________________

؛ وعبارة الطبري : «سعيد بن معاذ ... بكر». وكلاهما تحريف. انظر الخلاصة (ص ٤٥) ، وما تقدم (ج ١ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦).

(١) فى بعض نسخ السنن الكبرى. «الجعفي».

(٢) عبارة الأم : «قوله تبارك وتعالى».

(٣) فى الأم بعد ذلك : «الآية» ؛ ولم يذكر فى الطبري. وذكر فى رواية البيهقي الأخرى : إلى هنا ؛ ثم قال : «يقول : شاهدان ذوا عدل منكم : من أهل دينكم ؛ (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ؛ يقول : يهوديين أو نصرانيين ؛ قوله : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ؛ وذلك : أن رجلين ...».

(٤) هى : قرية فى بلاد فارس ، على شاطىء البحر. أو : فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. انظر معجمى البكري وياقوت.

(٥) ما بين القوسين ليس بالأم ولا الطبري ؛ وهو من كلام البيهقي.

(٦) عبارة الأصل : «أحدهما تميمى ، والآخر يمانى» ؛ وهى محرفة قطعا. والتصحيح عن رواية البيهقي والبخاري وأبى داود وغيرهم. وهما : تميم بن أوس ، وعدى بن بداء (بفتح الباء والدال المشددة. وذكر مصحفا : بالذال ، في رواية البيهقي) أو ابن زيد. انظر أيضا تفسير القرطبي (ج ٦ ص ٣٤٦) ، وكتابى الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٣٣) وابن سلامة (ص ١٥٧) ، وأسباب النزول للواحدى [ص ١٥٩] ، وتفسير الفخر (ج ٣ ص ٤٦٠).

١٤٨

مولى (١) لقريش فى تجارة ، فركبوا (٢) البحر : ومع القرشىّ مال معلوم ، قد علمه أولياؤه ـ من بين آنية ، وبز ، ورقة (٣). ـ فمرض القرشىّ : فجعل وصيّته إلى الدّاريّين ؛ فمات ، وقبض (٤) الداريّان المال (٥) والوصيّة : فدفعاه إلى أولياء الميّت ، وجاءا ببعض ماله. فأنكر (٦) القوم قلّة المال ، فقالوا للدّاريّين : إنّ صاحبنا قد خرج : ومعه (٧) مال أكثر (٨) مما أتيتمونا (٩) به ؛ فهل باع شيئا ، أو اشترى [شيئا (١٠)] : فوضع فيه ؛ أو (١١) هل طال مرضه : فأنفق على نفسه؟. قالا : لا. قالوا (١٢) : فإنكما خنتمونا (١٣). فقبضوا المال ، ورفعوا أمرهما إلى النبىّ (١٤) (صلى الله عليه وسلم) : فأنزل

__________________

(١) هو رجل من بنى سهم ؛ كما فى رواية البخاري وأبى داود وغيرهما.

(٢) رواية البيهقي : بالواو.

(٣) كذا بالأم وغيرها. وفى الأصل : «من بين ابنه وبن ورقه» ؛ ثم ضرب على الكلمة الأخيرة ، وذكر بعدها : «ورق» بدون واو أخرى. وهو تصحيف وعبث من الناسخ. والبز : الثياب ؛ والرقة والورق : الدراهم المضروبة

(٤) رواية البيهقي : بالفاء

(٥) فى رواية البيهقي بعد ذلك : «فلما رجعا من تجارتهما : جاءا بالمال والوصية» إلخ

(٦) فى الأم والطبري : بالواو. ورواية البيهقي : «فاستنكر».

(٧) كذا بالأم وعبارة الأصل والطبري والبيهقي : «معه بمال» ؛ والظاهر ـ بقرينة ما قبل وما بعد ـ أنها محرفة عما ذكرنا ، أو عن : «معكما بمال». فتأمل.

(٨) عبارة البيهقي : «كثير» ؛ وما هنا أحسن.

(٩) عبارة الأم : «أتيتمانا» ؛ وعبارة البيهقي : «أتيتما» والكل صحيح.

(١٠) زيادة حسنة عن الأم وغيرها.

(١١) عبارة البيهقي : «أم».

(١٢) فى الأصل : «قال» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم وغيرها.

(١٣) فى الأم والطبري : «خنتمانا». وعبارة البيهقي : «خنتما لنا» ؛ وهى محرفة عن : «خنتما مالنا».

(١٤) عبارة الأم : «رسول الله».

١٤٩

الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) (١) ؛ إلى آخر الآية (٢). فلمّا نزلت (٣) : (تَحْبِسُونَهُما) (٤) (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) : أمر (٥) النبىّ (صلى الله عليه وسلم) الدّاريّين ؛ فقاما بعد الصلاة : فحلفا بالله ربّ السموات : ما ترك مولاكم : من المال ، إلّا ما أتيناكم به ؛ وإنّا لا نشترى بأيماننا ثمنا قليلا (٦) : من الدّنيا ؛ (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ؛ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ : إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ). فلمّا حلفا : خلّى سبيلهما. ثم : إنهم وجدوا ـ بعد ذلك ـ إناء (٧) : من آنية الميّت ؛ فأخذ (٨) الدّاريّان ، فقالا : اشتريناه منه فى حياته ؛ وكذبا ؛ فكلّفا البيّنة : فلم يقدرا (٩) عليها (١٠). فرفع (١١) ذلك إلى النبىّ (١٢) (صلى الله عليه وسلم) : فأنزل الله عز وجل : (فَإِنْ عُثِرَ) ؛ يقول :

__________________

(١) فى رواية الأم والبيهقي ، زيادة : «إذا حضر أحدكم الموت». وحكى القرطبي إجماع أهل التفسير : على أن هذه القصة هى السبب فى نزول هذه الآية. انظر تفسيرى الشوكانى (ج ٢ ص ٨٤) والفخر (ص ٤٩٥ ـ ٤٦٠).

(٢) قال الخطابي فى معالم السنن (ج ٤ ص ١٧٢) : «فيه حجة لمن رأى : رد اليمين على المدعى.».

(٣) عبارة الطبري : «نزل».

(٤) عبارة غير الأصل : «أن يحبسا من بعد الصلاة» ؛ أي : ما دل على ذلك.

(٥) عبارة الأم والطبري : «أمر ... فقاما». وعبارة البيهقي : «أمرهما ... فقاما».

(٦) هذا ليس فى رواية البيهقي.

(٧) هذه عبارة الأم والطبري والبيهقي. وفى الأصل «انا» ؛ وهو تحريف ؛ إلا : إن كان يصح تسهيله. وانظر المصباح.

(٨) عبارة الأم : «فأخذوا الداريين» وعبارة البيهقي : «وأخذوا الداريين».

(٩) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «يقدروا».

(١٠) هذه عبارة الأم والطبري والبيهقي. وفى الأصل : «عليه» ؛ ولعله محرف.

(١١) فى غير الأصل : «فرفعوا».

(١٢) فى الأم : «رسول الله».

١٥٠

فإن اطّلع (على أنّهما استحقّا إثما) يعنى : الدّاريّين ؛ [أي (١)] : كتما حقّا ؛ (فآخران) : من أولياء الميّت ؛ (يقومان مقامهما ـ : من الّذين استحقّ عليهم الأوليان (٢). ـ : فيقسمان بالله) (٣) : فيحلفان بالله : إنّ مال صاحبنا (٤) كان كذا وكذا ؛ وإنّ الذي نطلب ـ : قبل الدّاريّين. ـ لحقّ ؛ (وَمَا اعْتَدَيْنا : إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ : ٥ ـ ١٠٧). فهذا (٥) : قول الشاهدين أولياء الميّت (٦) : (ذلِكَ أَدْنى : أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها : ٥ ـ ١٠٨) ؛ يعنى : الدّاريّين والناس ؛ [أن يعودوا لمثل ذلك (٧)].»

«[قال الشافعي : يعنى : من كان فى مثل حال الدّاريّين (٨)] : من

__________________

(١) زيادة جيدة عن الأم ، وعبارة الطبري : «أن» ، والمعنى واحد. وعبارة البيهقي : «يقول : إن كانا كتما» إلخ.

(٢) راجع الكلام : عن معنى هذا وإعرابه ، ووجوه القراءات فيه ؛ فى القرطين (ج ١ ص ١٤٩) ، والناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٣٥) وتفسير الطبري (ص ٧٣ ـ ٧٩) ، والفخر (ص ٤٦٣) ، والقرطبي (ص ٣٥٨ ـ ٣٥٩) ؛ والفتح (ج ٥ ص ٢٦٦) ، والتاج. والمقام لا يسمح لنا بأكثر من الإحالة على أجل المصادر.

(٣) فى رواية البيهقي ، زيادة : «يقول». وقوله : فيحلفان بالله ؛ ليس فى الطبري

(٤) كذا بغير الأصل ؛ وهو الظاهر الملائم لما بعد. وفى الأصل : «صاحبهما» ؛ ولعله محرف.

(٥) عبارة الأم والطبري : بدون الفاء.

(٦) فى رواية البيهقي ، زيادة : «حين اطلع على خيانة الداريين ؛ يقول الله تعالى».

(٧) زيادة عن الأم ، نقطع : بأنها سقطت من الناسخ ؛ وقد ذكر الجزء الأول منها فى رواية الطبري والبيهقي.

(٨) زيادة عن الأم ، نقطع : بأنها سقطت من الناسخ ؛ وقد ذكر الجزء الأول منها فى رواية الطبري والبيهقي.

١٥١

الناس. ولا أعلم الآية تحتمل معنى : غير جملة (١) ما قال (٢)

«وإنما معنى (شهادة بينكم) : أيمان بينكم (٣) ؛ كما (٤) سمّيت أيمان المتلاعنين : شهادة ، والله تعالى أعلم.».

وبسط الكلام فيه ، إلى أن قال : «وليس فى هذا : ردّ اليمين ، إنما كانت يمين الدّاريّين : على ما ادّعى (٥) الورثة : من الخيانة ؛ ويمين ورثة الميّت : على ما ادّعى الدّاريّان : أنه (٦) صار لهما من قبله (٧)

«وقوله (٨) عز وجل : (أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ : ٥ ـ ١٠٨) ،

__________________

(١) عبارة الأم : «غير حمله على ما قال» ؛ ولا يبعد أن يكون ما فى الأصل : محرفا ، أو زائدا من الناسخ.

(٢) قال فى الأم ـ بعد ذلك ـ : «وإن كان لم يوضح بعضه : لأن الرجلين ـ : اللذين كشاهدى الوصية. ـ كانا أمينى الميت ؛ فيشبه أن يكون : إذا كان شاهدان ـ : منكم ، أو من غيركم. ـ : أمينين على ما شهدا عليه ، فطلب ورثة الميت أيمانهما : أحلفا بأنهما أمينان ، لا : فى معنى الشهود.». ثم ذكر اعتراضا أجاب عنه بما سيأتى : مع تقديم زيادة سننبه عليها.

(٣) وهذا : مذهب الكرابيسي والطبري والقفال. راجع أدلهم وما ورد عليهم : فى تفسير الطبري ، والقرطبي (ص ٣٤٨) والفتح (ص ٢٦٩).

(٤) هذا إلى قوله : شهادة ؛ متقدم فى عبارة الأم ؛ وذكر فيها عقب قوله بينكم : «إذا كان هذا المعنى». وذكر هذه الزيادة فى السنن الكبرى ، مع أول الكلام هنا. وراجع فى مناقب ابن أبى حاتم (ص ١٠٢) ما رواه يونس عن الشافعي.

(٥) عبارة الأم : «على ادعاء».

(٦) عبارة الأم : «مما وجد فى أيديهما ، وأقرا : أنه للميت ، وأنه» إلخ.

(٧) فى الأم بعد ذلك : «وإنما أجزنا رد اليمين ، من غير هذه الآية». وراجع كلامه عن هذا ، ورده على من خالفه : فى الأم (ج ٧ ص ٣٤ ـ ٣٦ و ٢١٧) ؛ فهو منقطع النظير. وانظر الأم (ج ٦ ص ٧٨ ـ ٧٩) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٥٥ ـ ٢٥٦) ، والسنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٨٢ ـ ١٨٤).

(٨) عبارة الأم : «فإن قال قائل : فإن الله. يقول : (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ) .... فذلك» إلخ.

١٥٢

فذلك (والله أعلم) : أنّ الأيمان كانت عليهم : بدعوى الورثة : أنهم اختانوا ؛ ثم صار الورثة حالفين : بإقرارهم : أنّ هذا كان للميّت ، وادّعائهم شراءه منه. فجاز : أن يقال : (أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) : [تثنّى (١) عليهم الأيمان. بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان ؛ كما يجب على من حلف لهم]. وذلك قوله (٢) ـ والله أعلم ـ : (يَقُومانِ مَقامَهُما). فيحلفان (٣) كما أحلفا.»

«وإذا كان هذا كما وصفت : فليست هذه الآية : ناسخة (٤) ، ولا منسوخة (٥).».

قال الشيخ : وقد روينا عن ابن عباس (٦) ، ما دلّ : على صحة ما قال مقاتل بن حيّان (٧).

__________________

(١) أي : تعاد عليهم مرة ثانية. وهذه الزيادة : عن الأم ؛ ونجوز : أن بعضها سقط من الناسخ. ولم يذكر فى الأم قوله : (بَعْدَ أَيْمانِهِمْ).

(٢) فى الأم : «قول لله».

(٣) فى الأم : بدون الفاء. وانظر المختار.

(٤) فى الأم : «بناسخة».

(٥) فى الأم زيادة : «لأمر الله (عز وجل) : بإشهاد ذوى عدل منكم ، ومن نرضى من الشهداء.». قال الخطابي : «والآية : محكمة لم تنسخ ؛ فى قول عائشة ، والحسن ، وعمرو بن شرحبيل. وقالوا : المائدة آخر ما نزل ـ : من القرآن. ـ : لم ينسخ منها شىء.» ؛ ولم يرتض فى آخر كلامه (ص ١٧٣) القول بالنسخ. وانظر تفسير القرطبي (ص ٣٥٠) والفتح (ص ٢٦٨ ـ ٢٦٩).

(٦) أي : (فى السنن الكبرى ص ١٦٥). وكذلك : رواه عنه البخاري وأبو داود ؛ والدار قطنى (على ما فى تفسير القرطبي : ص ٣٤٦) ؛ والطبري (ص ٧٥) ، والنحاس (ص ١٣٣) ، والواحدي فى أسباب النزول (ص ١٥٩).

(٧) قال فى السنن الكبرى ـ بعد أن ذكر نحو ذلك ـ : «إلا أنه لم يحفظ فيه دعوى تميم وعدى : أنهما اشترياه ؛ وحفظه مقاتل».

١٥٣

ويحتمل : أن يكون المراد بقوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ـ : إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، حِينَ الْوَصِيَّةِ. ـ : اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ ؛ أَوْ آخَرانِ) ـ : الشهادة نفسها (١). وهو : أن يكون للمدّعى اثنان ذوا عدل ـ : من المسلمين. ـ يشهدان (٢) لهم بما ادّعوا على الدّاريّين. من الخيانة. ثم قال : (أَوْ (٣) آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ؛ يعنى : إذا لم يكن للمدّعين : منكم ؛ بيّنة ـ : فآخران : من غيركم ؛ يعنى : فالدّاريّان ـ. اللّذان ادّعى عليهما. ـ يحبسان من بعد الصلاة. (فيقسمان بالله) ؛ يعني. يحلفان على إنكار ما ادّعى عليهما ؛ على ما حكاه مقاتل ، والله أعلم (٤).

__________________

(١) وهو : اختيار ابن عطية ؛ كما فى تفسير القرطبي : (ص ٣٤٨).

(٢) فى الأصل زيادة : «ان» ؛ وهى من الناسخ.

(٣) فى الأصل : بالواو فقط ؛ والنقص من الناسخ.

(٤) وذكر الخطابي : أن بعض من قال : بعدم النسخ ، وبعدم جواز شهادة الذمي مطلقا ؛ ذهب : إلى أن المراد بالشهادة ـ فى الآية ـ : الوصية ؛ «لأن نزول الآية إنما كان : فى الوصية ؛ وتميم وعدى إنما كانا : وصيين ؛ لا : شاهدين ؛ والشهود لا يحلفون ؛ وقد حلفهما رسول الله. وإنما عبر بالشهادة : عن الأمانة التي تجملاها ؛ وهو معنى قوله : (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) ؛ أي : أمانة الله. وقوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ؛ معناه : من غير قبيلتكم ؛ وذلك : أن الغالب فى الوصية : أن الموصى يشهد : أقرباءه وعشيرتة ؛ دون الأجانب والأباعد.» انتهى ببعض تصرف واختصار. وهو مذهب الحسن وغيره ؛ كما ذكرنا (ص ١٤٥). وقيل : إن المراد بالشهادة : الحضور للوصية. انظر الناسخ المنسوخ للنحاس (ص ١٣٢) ، وتفسير القرطبي (ص ٣٤٨). وراجع الطبقات (ج ٢ ص ٩٣).

١٥٤

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) : «والحجّة فيما وصفت ـ : من أن يستحلف الناس : فيما بين البيت والمقام ، وعلى منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وبعد العصر. ـ : قوله (٢) تبارك وتعالى : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ ، فَيُقْسِمانِ بِاللهِ : ٥ ـ ١٠٦) ؛ وقال المفسّرون : [هى (٣)] صلاة العصر (٤).». ثم ذكر. شهادة المتلاعنين ، وغيرها (٥).

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٧ ص ٣٢). وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٥٤) ، والسنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٧٧).

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «لقوله» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٣) زيادة حسنة عن الأم.

(٤) كما قال أبو موسى الأشعري فى قصة الوصية. انظر السنن الكبرى ، ومعالم السنن (ج ٤ ص ١٧١). وراجع فى السنن الكبرى ، والفتح (ج ٥ ص ١٨٠) حديث أبى هريرة : فى ذلك. وراجع المذاهب فى تفسيرها : فى الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٣٤ ـ ١٣٥) ، وتفسير القرطبي (ج ٦ ص ٣٥٣).

(٥) حيث ذكر آيتي النور : (٥ ـ ٦) ؛ ثم قال : «فاستدللنا : بكتاب الله (عز وجل) ؛ على تأكيد اليمين على الحالف : فى الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة ؛ وعلى الحالف في اللعان : بتكرير اليمين ، وقوله : (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ). وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى الدم : بخمسين يمينا ؛ وبسنة رسول الله : باليمين علي المنبر ، وفعل أصحابه ، وأهل العلم ببلدنا». ثم ذكر : من السنة والآثار ؛ ما يدل علي ذلك. ورد على من خالفه : فى مسألة اليمين على المنبر. فراجع كلامه (ص ٣٣ ـ ٣٤). وانظر كلامه (ص ١٨٣) ، والسنن الكبرى (ص ١٧٦ ـ ١٧٨) ، والمختصر. وراجع الفتح (ج ٥ ص ١٨٠ ـ ١٨١) ، وشرح الموطأ (ج ٤ ص ٤).

١٥٥

وفيما أنبأنى أبو عبد الله (إجازة) : عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي ، أنه قال (١) : «زعم بعض أهل التفسير : أنّ قول الله جل ثناؤه : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ : مِنْ قَلْبَيْنِ ؛ فِي جَوْفِهِ : ٣٣ ـ ٤) ـ : ما جعل (٢) لرجل : من أبوين ؛ فى الإسلام.

قال الشافعي : واستدلّ (٣) بسياق الآية : قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ؛ هُوَ : أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ : ٣٣ ـ ٥) (٤).».

قال الشيخ : قد روينا هذا (٥) عن مقاتل بن حيّان ؛ وروى عن الزّهرىّ (٦).

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٦ ص ٢٦٥) : فى أواخر مناقشة قيمة يرد فيها على من خالفه : فى إثبات دعوى الولد بشهادة القافة. ومن الواجب : أن تراجعها كلّها (ص ٢٦٣ ـ ٢٦٦) وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٦٥) وراجع فى ذلك وبعض ما يتصل به ، السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٢٦٢ ـ ٢٦٧) ، ومعالم السنن (ج ٣ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦) ، والفتح (ج ٦ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠ وج ١٢ ص ٢٥ ـ ٢٦ و ٤٤ ـ ٤٥). وفى شرح عمدة الأحكام (ج ٤ ص ٧٢ ـ ٧٣) ، كلام جيد : فى تحقيق مذهب الشافعي.

(٢) فى الأم زيادة : «الله».

(٣) أي : هذا البعض.

(٤) انظر ما سيأتى فى بحث الولاء.

(٥) فى كتاب آخر غير السنن الكبرى : كالمعرفة ، والمبسوط.

(٦) بمعناه : كما فى تفسير الطبري (ج ٢١ ص ٧٥) ، وتفسير القرطبي (ج ٤ ص ١١٧). ورواه القرطبي عن مقاتل أيضا. وقد ضعفه الطبري ؛ وكذلك النحاس كما فى تفسير القرطبي. وانظر تفسير الفخر (ج ٦ ص ٥١٧). وراجع فيه وفى غيره ، آراء الأئمة الأخرى فى ذلك ، وانظر طبقات الشافعية (ج ١ ص ٢٥١).

١٥٦

«ما يؤثر عنه فى القرعة ، والعتق ، والولاء ، والكتابة»

وفيما أنبأنى أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : عن أبى العباس الأصمّ ، عن الربيع ، عن الشافعي (رحمه الله) ، قال (١) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ : أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ؟ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ : ٣ ـ ٤٤) ؛ وقال تعالى : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ : فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ : ٣٧ ـ ١٣٩ ـ ١٤١)

«فأصل القرعة ـ فى كتاب الله عز وجل ـ : فى قصّة المقترعين (٢) [على مريم] ، والمقارعين (٣) يونس (عليه السلام) : مجتمعة. (٤)»

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٧ ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧). وتعرض لهذا باختصار : فى الأم (ج ٥ ص ٩٩).

(٢) فى الأصل : «المقرعين». وهو تحريف. والتصحيح والزيادة من الأم والسنن الكبرى.

(٣) كذا بالسنن الكبرى. وفى الأصل : «وللقارعين» ؛ وهو محرف عنه. وفى الأم «والمقارعى» ؛ على الحذف : بالإضافة اللفظية.

(٤) راجع ما روى فى ذلك : عن ابن عباس وقتادة ، والحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وغيرهم ـ فى السنن الكبرى ، وتفسير الطبري (ج ٣ ص ١٦٣ و ١٨٣ ـ ١٨٥ وج ٢٣ ص ٦٣). ثم راجع الخلاف فى مشروعية القرعة : فى تفسير القرطبي (ج ٤ ص ٨٦ ٨٧) ، والفتح (ج ٥ ص ١٨٥ ـ ١٨٦) ، وطرح التثريب (ج ٨ ص ٤٨ ـ ٤٩) ؛ فهو مفيد فيما سيأتى : من القسم للنساء فى السفر. وانظر الطبقات (ج ٢ ص ٢٠٩).

١٥٧

«ولا تكون (١) القرعة (والله أعلم) إلّا بين القوم (٢) : مستوين فى الحجّة (٣)

«ولا يعدو (والله أعلم) المقترعون على مريم (عليها السلام) ، أن يكونوا : كانوا سواء فى كفالتها (٤) ؛ فتنافسوها : لمّا (٥) كان : أن تكون (٦) عند واحد (٧) ، أرفق بها. لأنها لو صيّرت (٨) عند كلّ واحد (٩) يوما أو أكثر ، وعند غيره مثل ذلك (١٠) ـ : أشبه أن يكون أضرّ بها ؛ من قبل : أنّ الكافل إذا كان واحدا : كان (١١) أعطف له عليها ، وأعلم

__________________

(١) كذا بالسنن الكبرى. وفى الأم : «فلا تكون». وفى الأصل : «ولا يكون» ؛ ولعل مصحف.

(٢) فى الأم والسنن الكبرى : «قوم» ، وما فى الأصل أحسن.

(٣) كذا بالأم والسنن الكبرى ، وذكر فيها إلى هنا. وفى الأصل : «مستويين فى الجهة» ؛ وهو تصحيف.

(٤) قال فى الأم (ج ٥) ـ بعد أن ذكر نحو ذلك ـ : «لأنه إنما يقارع : من يدلى بحق فيما يقارع». وراجع بقية كلامه : فقد يعين على فهم ما هنا.

(٥) أي : فى هذه الحالة ، وبسبب تلك العلة. لأنه لو كان وجودها عند كل منهم ، متساويا : فى الرفق بها ، وتحقيق مصلحتها ـ : لما كان هناك داع للقرعة التي قد تسلب بعض الحقوق ؛ لأنها إنما شرعت : لتحقيق مصلحة لا تتحقق بدونها. وعبارة الأصل والأم : «فلما» ؛ ونكاد نقطع : بأن الزيادة من الناسخ.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «يكون عنه» ؛ وهو تصحيف.

(٧) فى الأم زيادة : «منهم».

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «صبرت» وهو تصحيف. ولا يقال : إن الصبر يستعمل بمعنى الحبس ؛ لأنه ليس المراد هنا.

(٩) فى الأم زيادة : «منهم».

(١٠) فى الأم زيادة : «كان».

(١١) أي : كان كونه واحدا منفردا بكفالتها ؛ فليس اسم «كان» راجعا إلى «واحدا» ، وإلا : لكان قوله : «له» ؛ زائدا.

١٥٨

[له (١)] بما فيه مصلحتها ـ : للعلم : بأخلاقها ، وما تقبل (٢) ، وما تردّ (٣) ؛ و [ما (٤)] يحسن [به (٥)] اغتذاؤها. ـ وكلّ (٦) من اعتنف (٧) كفالتها ، كفلها : غير خابر بما يصلحها ؛ ولعله لا يقع على صلاحها : حتى تصير إلى غيره ؛ فيعتنف : من كفالتها ؛ [ما اعتنف (٨)] غيره.»

«وله وجه آخر : يصحّ ؛ وذلك : أنّ ولاية واحد (٩) إذا كانت (١٠) صبيّة : غير ممتنعة ممّا يمتنع منه من عقل ـ : يستر (١١) ما ينبغى ستره. ـ : كان أكرم لها ، وأستر عليها : أن يكفلها واحد ، دون الجماعة.»

«ويجوز : أن تكون عند كافل ، ويغرم من بقي مؤنتها : بالحصص. كما تكون الصبيّة عند خالتها ، و (١٢) عند أمّها : ومؤنتها : على من عليه مؤنتها.»

__________________

(١) زيادة حسنة : ليست بالأصل ولا بالأم.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : بالياء ؛ وهو تصحيف.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : بالياء ؛ وهو تصحيف.

(٤) الزيادة عن الأم.

(٥) الزيادة عن الأم.

(٦) هذا معطوف على قوله : الكافل. وفى الأم : «فكل». وهو من تمام التعليل : فلا تتوهم أنه جواب «لما» ؛ فتقول : إن زيادة الفاء التي حذفناها ، زيادة صحيحة.

(٧) أي : ابتدأ ؛ أو : ائتنف (على عنعنة بعض بنى تميم). انظر شرح القاموس.

(٨) هذا : من إضافة المصدر إلى فاعله.

(٩) أي : المولى عليه المكفولة.

(١٠) الزيادة عن الأم.

(١١) كذا بالأم. وفى الأصل : «لستر» ، وهو تصحيف ، والظاهر : أن ذلك صفة لقوله : من عقل ؛ لا لقوله : واحد.

(١٢) الواو بمعنى : «أو». ولو عبر به لكان أظهر.

١٥٩

«قال : ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها (١) [السلام]) : أن (٢) يكونوا تشاحّوا على كفالتها ـ فهو (٣) : أشبه ؛ والله أعلم ـ أو : يكونوا تدافعوا كفالتها ؛ فاقترعوا : أيّهم تلزمه (٤)؟. فإذا رضى من شح (٥) على كفالتها ، أن يمونها ـ : لم يكلّف غيره أن يعطيه : من مؤنتها ؛ شيئا. برضاه (٦) : بالتّطوّع بإخراج ذلك من ماله.»

«قال : وأىّ المعنيين كان : فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفعه عن نفسه ؛ أو تخلّص (٧) له ما ترغب (٨) فيه نفسه ؛ وتقطع (٩) ذلك عن غيره : ممّن هو فى مثل حاله.»

«وهكذا [معنى (١٠)] قرعة يونس (عليه السلام) : لمّا وقفت بهم السّفينة ، فقالوا : ما يمنعها أن تجرى إلّا : علّة بها ؛ وما علّتها إلّا : ذو ذنب

__________________

(١) هذه الجملة ليست بالأم ؛ والزيادة سقطت من الناسخ.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «بأن» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٣) فى الأم : بالواو ؛ وهو أحسن.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : بالياء ؛ ولعله مصحف.

(٥) أي : قبل القرعة.

(٦) كذا بالأم. وهو تعليل لقوله : لم يكلف. وفى الأصل : «يرضاه» ؛ وهو تصحيف.

(٧) فى الأصل : «أو يخلص» ؛ وهو تصحيف. وفى الأم : «وتخلص». وما ذكرناه أظهر ؛ والكلام هنا جار على كلا المعنيين.

(٨) عبارة الأم : «يرغب فيه لنفسه» ؛ وهى أحسن.

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «ويقطع» ؛ وهو تصحيف.

(١٠) زيادة عن الأم : ملائمة لما بعد.

١٦٠