أحكام القرآن - ج ٢

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

بَحِيرَةٍ ، وَلا سائِبَةٍ ، وَلا وَصِيلَةٍ ، وَلا حامٍ : ٥ ـ ١٠٣) ؛ وقال تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ : سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ : افْتِراءً عَلَى اللهِ ؛ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ : ٦ ـ ١٤٠) ؛ وقال عز وجل ـ : وهو يذكر ما حرّموا ـ : (وَقالُوا : هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ : حِجْرٌ (١) ، لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ ؛ بِزَعْمِهِمْ ؛ وَأَنْعامٌ) (٢) : (حُرِّمَتْ ظُهُورُها ؛ وَأَنْعامٌ : لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ ، عَلَيْهَا : افْتِراءً عَلَيْهِ ؛ سَيَجْزِيهِمْ : بِما كانُوا يَفْتَرُونَ * وَقالُوا : ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ : خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ؛ وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً : فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ؛ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ؛ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ : ٦ ـ ١٣٨ ـ ١٣٩) ؛ وقال : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ : مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) ؛ إلى (٣) قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ؛ والآية (٤) بعدها : (٦ ـ ١٤٣ ـ ١٤٥). [فأعلمهم جل ثناؤه (٥)] : أنه لا يحرّم عليهم : بما (٦) حرّموا.»

__________________

(١) أي : حرام ؛ كما قال البخاري وأبو عبيدة. انظر الفتح (ج ٦ ص ٢٣٨ وج ٨ ص ٢٠٦).

(٢) فى الأم : «الى قوله : (حكيم عليم).» ؛ وهو تحريف. والصواب : «إلى قوله : (يفترون).». لأنه ذكر فيها الآية التالية ، إلى قوله : (أزواجنا) ؛ ثم قال : «الآية».

(٣) فى الأم : «الآية والآيتين بعدها».

(٤) فى الأصل : «والآيتين» ، وهو تحريف : لأن آية : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) ؛ لا دخل لها فى هذا البحث بخصوصه ، وقد تقدم الكلام عنها. ويؤكد ذلك عبارة الأم السالفة.

(٥) الزيادة عن الأم.

(٦) أي : بسبب تحريمهم ، والمفعول محذوف. وعبارة الأم : «ما حرموا». والمآل واحد.

١٠١

«قال : ويقال (١) : نزل (٢) فيهم : (قُلْ : هَلُمَ) (٣) (شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ : أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا ؛ فَإِنْ شَهِدُوا : فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ : ٦ ـ ١٥٠). فردّ إليهم (٤) ما أخرجوا ـ : من البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام ـ وأعلمهم : أنه لم يحرّم عليهم ما حرّموا : بتحريمهم.»

«وقال تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ، إِلَّا : ما يُتْلى عَلَيْكُمْ : ٥ ـ ١) ؛ [يعنى (٥)] (والله أعلم) : من الميتة.»

«ويقال : أنزلت (٦) فى ذلك : (قُلْ : لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ ، مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ، إِلَّا : أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ـ : فَإِنَّهُ رِجْسٌ. ـ أَوْ فِسْقاً : أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ : ٦ ـ ١٤٥)

«وهذا يشبه ما قيل ؛ يعنى : قل : لا أجد فيما أوحي إلى ـ : من بهيمة الأنعام. ـ محرّما (٧) ، إلّا : ميتة ، أو دما مسفوحا منها (٨) : وهى

__________________

(١) هذا الى قوله : بتحريمهم ؛ ذكر فى السنن الكبرى (ص ١٠).

(٢) فى الأم : «نزلت».

(٣) قال البخاري : «لغة أهل الحجاز : (هلم) : للواحد والاثنين والجمع.» ؛ وذكر نحوه أبو عبيدة ، بزيادة : «والذكر والأنثى سواء». وأهل نجد فرقوا : بما يحسن مراجعته في الفتح (ج ٨ ص ٢٠٦). وانظر القرطين (ج ١ ص ١٧٤).

(٤) عبارة السنن الكبرى : «فرد عليهم ما أخرجوا ، وأعلمهم» إلخ ، ثم قال البيهقي : «وذكر سائر الآيات التي وردت فى ذلك».

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٦) فى الأم : «أنزل».

(٧) عبارة الأم : «محرما ، أي : من بهيمة الأنعام.».

(٨) أي : من بهيمة الأنعام.

١٠٢

حيّة ؛ أو (١) ذبيحة [كافر (٢)] ؛ وذكر تحريم الخنزير معها (٣) وقد قيل : مما (٤) كنتم تأكلون ؛ إلا كذا.»

«وقال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ : حَلالاً طَيِّباً ؛ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ : إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ : الْمَيْتَةَ ، وَالدَّمَ ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ : ١٦ ـ ١١٥). وهذه الآية : فى مثل معنى الآية قبلها (٥)».

* * *

قال الشافعي ـ فى رواية حرملة عنه ـ : «قال الله عز وجل : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، حِلٌّ لَكُمْ : ٥ ـ ٥). فاحتمل ذلك : الذبائح ، وما سواها : من طعامهم الذي لم نعتقده (٦) : محرّما علينا. فآنيتهم أولى : أن لا يكون فى النفس منها ، شىء : إذا غسلت.».

ثم بسط الكلام : فى إباحة طعامهم الذي يغيبون على صنعته : إذا لم

__________________

(١) هذا بيان لقوله : (أو فسقا).

(٢) زيادة متعينة ، عن الأم

(٣) أي : بهيمة الأنعام.

(٤) فى الأم : «ما». وعبارة الأصل أولى : لأن عبارة الأم توهم : أن المفعول ما بعد «إلا» ؛ مع أنه ضمير محذوف عائد إلى «ما» ؛ والتقدير : «تأكلونه». وهذا القول هو ما ذكره عن بعض أهل العلم والتفسير ، فيما سبق (ص ٨٨).

(٥) يحسن فى هذا المقام : أن تراجع فى الفتح (ج ٨ ص ١٩١) ، ما روى عن ابن عباس : فى سبب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ : ٥ ـ ٨٧).

(٦) فى الأصل كلمة غير بينة ؛ وهى : «معصب» ؛ والظاهر أنها محرفة عما ذكرنا ، أو عن : «نظنه».

١٠٣

نعلم فيه حراما ؛ وكذلك الآنية : إذا لم نعلم نجاسة (١)

ثم قال ـ فى هذا ؛ وفى (٢) مبايعة المسلم : يكتسب الحرام والحلال ؛ والأسواق : يدخلها ثمن الحرام. ـ : «ولو تنزّه امرؤ (٣) عن هذا ، وتوقّاه ـ : ما لم يتركه : على أنه محرّم. ـ : كان حسنا (٤). لأنه قد يحلّ له : ترك ما لا يشكّ فى حلاله. ولكنّى أكره : أن يتركه : على تحريمه ؛ فيكون. حهلا بالسّنة ، أو رغبة عنها.».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنى أبو أحمد بن أبى الحسن ، أنا عبد الرحمن (يعنى : ابن أبى حاتم) ؛ أخبرنى أبى ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى ، يقول : قال لى الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ؛ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٥) : (٤ ـ ٢٩). ـ قال :

__________________

(١) يحسن أن تراجع فى هذا البحث ، المختصر والأم (ج ١ ص ٤ و ٧) ، والسنن الكبرى (ج ١ ص ٣٢ ـ ٣٣) ، والفتح (ج ٩ ص ٤٩٢) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٣ ص ٧٩ ـ ٨٠) ، والمجموع (ج ١ ص ٢٦١ ـ ٢٦٥).

(٢) فى الأصل : «أو» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٣) عبارة الأصل : «ولو تنزو امر». وهو تصحيف.

(٤) للشافعى فى الأم (ج ٢ ص ١٩٥) : كلام جيد يتصل بهذا المقام ؛ فراجعه. وانظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥).

(٥) راجع فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٦٣) : أثر قتادة فى ذلك ؛ وغيره. مما يتعلق بالمقام.

١٠٤

«لا يكون فى هذا المعنى ، إلّا : هذه الثلاثة الأحكام (١) وما عداها فهو : ألا كل بالباطل ؛ على المرء فى ماله : فرض من الله (عز وجل) : لا ينبغى له [التصرّف (٢)] فيه ؛ وشىء يعطيه : يريد به وجه صاحبه. ومن الباطل ، أن يقول : احزر (٣) ما فى يدى ؛ وهو لك.».

وفيما أنبأنى أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : أنّ أبا العباس محمد بن يعقوب ، حدّثهم : أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «جماع ما يحلّ : أن يأخذه (٥) الرجل من الرجل المسلم ؛ ثلاثة وجوه : (أحدها) : ما وجب على الناس فى أموالهم ـ : ممّا ليس لهم دفعه : من جناياتهم ، وجنايات من يعقلون عنه. ـ وما وجب عليهم : بالزّكاة ، والنّذور ، والكفّارات ، وما أشبه ذلك»

«و [ثانيها (٦)] : ما أوجبوا على أنفسهم : ممّا أخذوا به العوض : من البيوع ، والإجارات ، والهبات : للثّواب ؛ وما فى معناها (٧)

«و [ثالثها (٨)] : ما أعطوا : متطوّعين ـ. من أموالهم. ـ : التماس واحد من وجهين ؛ (أحدهما) : طلب ثواب الله. (والآخر) :

__________________

(١) يقصد : الوجوه الثلاثة الآتية فى رواية الربيع. فتأمل.

(٢) زيادة حسنة : للايضاح.

(٣) أي : قدر. وفى الأصل : «احرز» ؛ وهو خطأ وتصحيف

(٤) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٤٧ ـ ١٤٨).

(٥) فى الأم : «يأخذه» وهو أحسن.

(٦) هذه الزيادة : للايضاح ؛ وليست بالأم أيضا.

(٧) فى الأم : «معناه» ، وكلاهما صحيح كما لا يخفى.

(٨) هذه الزيادة : للايضاح ؛ وليست بالأم أيضا.

١٠٥

طلب الاستحماد (١) إلى (٢) من أعطوه إيّاه. وكلاهما : معروف حسن ؛ ونحن نرجو عليه : الثواب ؛ إن شاء الله.».

«ثم : ما أعطى الناس من أموالهم ـ : من غير هذه الوجوه ، وما فى معناها. ـ : واحد من وجهين ؛ (أحدهما) : حقّ ؛ (والآخر) : باطل فما أعطوه (٣) ـ : من الباطل. ـ : غير جائز لهم ، ولا لمن أعطوه وذلك : قول الله عز وجل : (وَ (٤) لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ ، بِالْباطِلِ : ٢ ـ ١٨٨)

«فالحقّ من هذا الوجه ـ : الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت. ـ يدلّ : على الحقّ : فى نفسه ؛ وعلى الباطل : فيما خالفه.»

«وأصل ذكره : فى القرآن ، والسّنة ، والآثار. قال (٥) الله عز وجل ـ فيما ندب به (٦) أهل دينه ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ : مِنْ قُوَّةٍ ، وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (٧) ؛ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ : ٨ ـ ٦٠) ؛ فزعم

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وهو المقصود. وقد ورد فى الأصل مضروبا على الدال بمداد آخر ، ومثبتا بدلها همزة. وهو خطأ وتصحيف.

(٢) فى الأم : «ممن» ؛ وكلاهما صحيح على ما أظن.

(٣) فى الأم : «أعطوا» ؛ والضمير العائد على : «ما» ؛ مقدر فى عبارتها.

(٤) كذا بالأم. وقد ورد فى الأصل : مضروبا على الواو بمداد آخر. وهو خطأ ناشىء عن الاشتباه بآية النساء السابقة. ويحسن : أن تراجع فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٩١ ـ ٩٥) ، بعض ما ورد : فى أخذ أموال الناس بغير حق.

(٥) هذا إلى قوله : الرمي ؛ ذكر في السنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٣).

(٦) أي : كلف به. وفى الأم : «إليه» ؛ أي : دعا إليه.

(٧) ذكر فى الأم إلى هنا.

١٠٦

أهل العلم [بالتفسير (١)] : أنّ القوّة هى : الرّمى. وقال الله تبارك وتعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ، مِنْهُمْ ـ : فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ، وَلا رِكابٍ : ٥٩ ـ ٦).».

ثم ذكر : حديث أبى هريرة (٢) ، ثم حديث ابن عمر : فى السّبق (٣). وذكر : ما يحلّ منه ، وما يحرم (٤).

__________________

(١) زيادة جيدة ، عن الأم والسنن الكبرى. وراجع فيها حديث عقبة بن عامر الموافق لذلك ؛ وراجع الكلام عليه : فى شرح مسلم للنووى (ج ١٣ ص ٦٤ ـ ٦٥) ، والفتح (ج ٦ ص ٥٨ ـ ٥٩).

(٢) ولفظه : «لا سبق إلا : فى نصل ، أو حافر ، أو حف. أو : إلا فى حافر ، أو حف.».

(٣) ولفظه : «سابق بين الخيل التي قد أضمرت». وذكر قول ابن شهاب : «مضت السنة : [بأن السبق] فى النصل والإبل ، والخيل ، والدواب ـ حلال.». وانظر السنن الكبرى (ص ١٦ ـ ١٧) ثم راجع الكلام على حديث ابن عمر : فى شرح مسلم (ج ١٢ ص ١٤ ـ ١٦) ، والفتح (ج ٦ ص ٤٦ ـ ٤٨) وطره التثريب (ج ٧ ص ٢٠٧ ـ ٢٤٢).

(٤) راجع كلامه عن ذلك ، وعن النضال ـ : فى الأم (ص ١٤٨ ـ ١٥٥) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢١٧ ـ ٢٢٣) : فقد لا تظفر بمثله فى كتاب آخر.

١٠٧

«ما يؤثر عنه فى الايمان والنّذور (١)»

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٢) ـ فى قول الله عز وجل : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ : أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى : ٢٤ ـ ٢٢). ـ : «نزلت فى رجل حلف : أن لا ينفع رجلا ؛ فأمره الله (عز وجل) : أن ينفعه.».

قال الشيخ : وهذه الآية نزلت فى أبى بكر الصّدّيق (رضى الله عنه) : حلف : أن لا ينفع مسطحا ؛ لما كان منه : فى شأن عائشة (رضي الله عنها). فنزلت هذه الآية (٣).

__________________

(١) أي : فى بابهما. فلا يعترض : بعدم ذكر شىء هنا : خاص بالنذر. وراجع كلام الحافظ فى الفتح (ج ١١ ص ٤١٥) عن حقيقة اليمين والنذر ؛ لجودته.

(٢) كما فى الأم (ج ٧ ص ٥٦) : بعد أن ذكر : أنه يكره الأيمان على كل حال ، إلا فيما كان طاعة لله : كالبيعة على الجهاد. وبعد أن ذكر : أن من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها ـ فالاختيار : أن يفعل الخير ، ويكفر. محتجا على ذلك : بأمر النبي به ـ : فى الحديث المشهور الذي رواه الشيخان ومالك وغيرهم. ـ وبالآية الآتية. وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٢٣) ، وكلامه المتعلق بذلك : فى الأم (ج ٤ ص ١٠٧). ثم راجع السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٣٠ ـ ٣٢ و ٣٦ و ٥٠ ـ ٥٤) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١١ ص ١٠٨ ـ ١١٦) ، والفتح (ج ١١ ص ٤١٦ و ٤٨٤ ـ ٤٩٣) ، وشرح الموطأ للزرقانى (ج ٣ ص ٦٤ ـ ٦٥) : لتقف على تفصيل القول والخلاف : فى كون الكفارة : قبل الحنث ، أو بعده ، وعلى غيره : مما يتعلق بالمقام.

(٣) انظر السنن الكبرى (ص ٣٦ ـ ٣٧). ثم راجع الكلام على هذه الآية ، وعلى حديث الإفك ـ فى الفتح (ج ٥ ص ١٧٢ ـ ١٧٣ وج ٧ ص ٣٠٥ و ٣٠٧ وج ٨ ص ٣١٥ ـ ٣٤٢) ، وشرح مسلم (ج ١٧ ص ١٠٢ ـ ١١٨).

١٠٨

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال (١) : «قلت (٢) للشافعى : ما لغو اليمين؟. قال : الله أعلم ؛ أمّا الذي نذهب إليه : فما قالت عائشة (رضي الله عنها) ؛ أنا مالك ، عن هشام ، عن (٣) عروة ، عن عائشة (رضي الله عنها) : أنها قالت : لغو اليمين : قول الإنسان : لا والله ؛ وبلى والله (٤)

«قال (٥) الشافعي : اللّغو (٦) فى كلام (٧) العرب : الكلام غير المعقود

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٧ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦) ، والسنن الكبرى (ج ١٠ ص ٤٨). وقد ذكر بعض ما سيأتى ، فى المختصر (ج ٥ ص ٢٢٥). وقد أخرج البخاري قول عائشة ، من طريقين ، عن هشام ، عن عروة. وأخرجه أبو داود من طريق إبراهيم ابن الصائغ ، عن عطاء عنها : مرفوعا ، وموقوفا. انظر السنن الكبرى (ص ٤٩) ، وشرح الموطأ (ج ٣ ص ٦٣).

(٢) فى الأم : «فقلت».

(٣) فى الأصل : «بن» ؛ وهو تصحيف. والتصحيح من عبارة الأم وغيرها : «هشام بن عروة عن أبيه».

(٤) قال الفراء (كما فى اللسان) : «كأن قول عائشة ، أن اللغو : ما يجرى فى الكلام على غير عقد. وهو أشبه ما قيل فيه ، بكلام العرب». وقد أخرج البيهقي عن عائشة أيضا : ما يؤكد ذلك. وقال الماوردي ـ كما فى شرح الموطأ ، والفتح (ج ٨ ص ١٩١) ـ : «أي : كل واحدة منهما ـ : إذا قالها مفردة. ـ لغو. فلو قالهما معا : فالأولى لغو ؛ والثانية منعقدة : لأنها استدراك مقصود.». وأخرج البيهقي عن ابن عباس ، مثل قول عائشة.

(٥) فى الأم : «فقلت للشافعى : وما الحجة فيما قلت؟. قال : الله أعلم ؛ اللغو» إلخ.

(٦) هذا وما سيأتى عن الشافعي إلى قوله : وعليه الكفارة ؛ نقله فى اللسان (مادة : لعل) : ببعض اختصار واختلاف.

(٧) فى الأم والمختصر واللسان : «لسان».

١٠٩

عليه قلبه (١) ؛ وجماع اللّغو يكون (٢) : فى الخطإ (٣).».

وبهذا الإسناد ـ فى موضع آخر (٤) ـ : قال الشافعي : «لغو اليمين ـ كما قالت عائشة (٥) (رضي الله عنها) ؛ والله أعلم ـ : قول الرجل : لا والله ، وبلى (٦) والله. وذلك : إذا كان (٧) : اللّجاج ، والغضب (٨) ،

__________________

(١) أي : قلب المتكلم. وهذا غير موجود فى الأم والمختصر واللسان. وعبارة الأصل هى : «فيه». والظاهر : أنها ليست مزيدة من الناسخ ؛ وأنها محرفة عما ذكرنا. ويؤيد ذلك عبارة المختار والمصباح واللسان : «اللغو : ما لا يعقد عليه القلب». قال الراغب فى المفردات (ص ٤٦٧) ـ بعد أن ذكر نحوه ـ : «وذلك : ما يجزى وصلا للكلام ، يضرب : من العادة. قال : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ : ٢ ـ ٢٢٥ و ٥ ـ ٨٩).».

(٢) عبارة اللسان : «هو الخطأ».

(٣) ثم أخذ يرد على ما استحسنه مالك ـ فى الموطأ ـ وذهب إليه : «من أن اللغو : حلف الإنسان على الشيء : يستيقن أنه كما حلف عليه ، ثم يوجد على خلافه.». وراجع آراء الفقهاء فى هذه المسألة ، وأدلتهم ـ : فى الفتح (ج ١١ ص ٤٣٨ ـ ٤٣٩). وانظر النهاية لابن الأثير (ج ٤ ص ٦١) ، والقرطين (ج ١ ص ٧٧) ، وما رواه يونس عن الشافعي فى أواخر الكتاب.

(٤) من الأم (ج ٧ ص ٥٧).

(٥) حين سألها عطاء وعبد بن عمير ، عن آية : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) ، كما ذكره قبل كلامه الآتي. وانظر السنن الكبرى (ص ٤٩).

(٦) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : بدون الواو. ولعلها سقطت من الناسخ.

(٧) أي : وجد. وفى الأم والمختصر ، زيادة : «على» ؛ وهى أحسن.

(٨) روى البيهقي ، عن ابن عباس (أيضا) أنه قال : «لغو اليمين : أن تحنف وأنت غضبان.».

١١٠

والعجلة (١) ؛ لا يعقد : على ما حلف [عليه] (٢)

«وعقد اليمين : أن يعنيها (٣) على الشيء بعينه : أن لا يفعل الشيء ؛ فيفعله ؛ أو : ليفعلنّه (٤) ؛ فلا يفعله ؛ أو (٥) : لقد كان ؛ وما كان.»

«فهذا : آثم ؛ وعليه الكفّارة : لما وصفت : من [أنّ (٦)] الله (عز وجل) قد جعل الكفّارات : فى عمد (٧) المأثم (٨). قال (٩) : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ : ما دُمْتُمْ حُرُماً : ٥ ـ ٩٦) ؛ وقال (لا) (١٠) (تَقْتُلُوا الصَّيْدَ :

__________________

(١) ذكر فى المختصر واللسان إلى هنا. وقد يوهم ذلك : أن ما ذكر هنا إنما هو : للتقييد. والظاهر : أنه : لبيان الغالب ؛ وأن العبرة : بعدم العقد ؛ سواء أوجد شىء من ذلك ، أم لا.

(٢) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٣) أي : يقصدها ويأتى بها. وعبارة الأصل : «يعينها» ؛ وهى مصحفة عن ذلك ، أو عن عبارة الأم والمختصر : «يثبتها» ؛ أي : يحققها. وعبارة اللسان : «تثبتها» ؛ بالتاء : هنا وفيما سيأتى. وذكر فى المختصر إلى قوله : بعينه.

(٤) فى الأصل : «أو ليفعله» ؛ وهو تحريف. والتصحيح من الأم واللسان.

(٥) كذا بالأم واللسان. وهو الظاهر. وفى الأصل : بالواو فقط. ولعل النقص من الناسخ.

(٦) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «عمل» ؛ وهو تصحيف.

(٨) راجع كلامه فى الأم (ص ٥٦) ، والمختصر (ص ٢٢٣). وانظر السنن الكبرى (ص ٣٧) ، وما تقدم (ج ١ ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨) : من وجوب الكفارة فى القتل العمد.

(٩) فى الأم : «فقال».

(١٠) فى الأم : «ولا» ؛ وهو خطأ من الناسخ أو الطابع.

١١١

وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ؛ إلى (١) قوله : (هَدْياً : بالِغَ الْكَعْبَةِ ؛ أَوْ كَفَّارَةٌ : طَعامُ مَساكِينَ ؛ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ : صِياماً ؛ لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ : ٥ ـ ٩٥). ومثل قوله فى الظّهار : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً : مِنَ الْقَوْلِ ؛ وَزُوراً : ٥٨ ـ ٢) ؛ ثم أمر فيه : بالكفّارة (٢)

«قال الشافعي (٣) : ويجزى : بكفّار (٤) ة اليمين ، مدّ ـ : بمدّ النبىّ صلى الله عليه وسلم. ـ : (٥) من حنطة.»

«قال (٦) : وما يقتات (٧) أهل البلدان ـ : من شيء. ـ أجزأهم منه مدّ.»

__________________

(١) عبارة الأم : «إلى : (بالغ الكعبة).».

(٢) راجع فى ذلك ، السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٨٧ و ٣٩٠ و ٣٩٣). وانظر ما تقدم (ج ١ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٦).

(٣) كما فى الأم (ج ٧ ص ٥٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٢٦) وقد ذكر أوله : فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٥٤).

(٤) عبارة غير الأصل : «فى كفارة». وهى أحسن.

(٥) قوله : من حنطة ؛ ليس بالمختصر ، ولا السنن الكبرى. وقد استدل على ذلك : «بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق تمر : فدفعه إلى رجل ، وأمره : أن يطعمه ستين مسكينا. والعرق : خمسة عشر صاعا ؛ وهى : ستون مدا.» ؛ ثم رد على ابن المسيب ، فيما زعمه : «من أن العرق : ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين.». فراجعه : فى الأم والسنن الكبرى. وراجع الفتح (ج ١ ص ٢١٢ وج ١١ ص ٤٧٦ ـ ٤٧٧) ، وشرح الموطأ (ج ٣ ص ٦٦)

(٦) كما فى الأم (ج ٧ ص ٥٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٢٦) وقد ذكر أوله : فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٥٤).

(٧) فى المختصر : «اقتات».

١١٢

«[قال] (١) : وأقلّ ما يكفى (٢) ـ : من الكسوة. ـ : كلّ ما وقع عليه اسم كسوة ـ : من عمامة ، أو سراويل ، أو إزار ، أو مقنعة ؛ وغير ذلك ـ : للرجل ، والمرأة ، والصبىّ (٣). لأنّ (٤) الله (عز وجل) أطلقه : فهو مطلق.»

«[قال (٥)] : وليس له ـ إذا كفّر بالإطعام (٦) ـ : أن يطعم أقلّ من عشرة (٧) ؛ أو بالكسوة : أن يكسو أقلّ من عشرة.»

«[قال] (٨) وإذا (٩) أعتق فى كفّارة اليمين (١٠) : لم يجزه إلا رقبة

__________________

(١) كما فى الأم ص ٥٩). وقد ذكر بعضه فى المختصر (ص ٢٢٨). واقتبس بعضه فى السنن الكبرى (ص ٥٦). والزيادة للتنبيه.

(٢) فى المختصر : «يجزى».

(٣) ذكر إلى هنا فى المختصر ، بلفظ : «لرجل أو امرأة أو صبى».

(٤) عبارة الأم هى : «لأن ذلك كله يقع عليه اسم : كسوة ؛ ولو أن رجلا أراد أن يستدل بما تجوز فيه الصلاة : من الكسوة ؛ على كسوة المساكين ـ : جاز لغيره أن يستدل بما يكفيه في الشتاء ، أو فى الصيف ، أو فى السفر : من الكسوة. ولكن : لا يجوز الاستدلال عليه بشىء من هذا ؛ وإذا أطلقه الله : فهو مطلق.».

(٥) كما فى الأم (ص ٥٨). والزيادة : للتنبيه. وعبارة الأم فيها تفصيل يحسن الوقوف عليه.

(٦) فى الأم : «بإطعام». وفى الأصل : «بالطعام». ولعله محرف عما أثبتنا : مما هو أولى.

(٧) راجع فى الفتح (ج ١١ ص ٤٧٦) : الخلاف فى جواز إعطاء الأقرباء ، وفى اشتراط الإيمان.

(٨) كما فى الأم (ص ٥٩). والزيادة : للتنبيه.

(٩) فى الأم : «ولو».

(١٠) فى الأم زيادة : «أو فى شىء وجب عليه العتق»

١١٣

مؤمنة ؛ (١) ويجزى كلّ ذى نقص : بعيب لا يضرّ بالعمل إضرارا (٢) بيّنا.». وبسط الكلام فى شرحه (٣).

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) ـ فى قول الله عز وجل : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ : ١٦ ـ ١٠٦). ـ :

«فجعل قولهم الكفر : مغفورا لهم ، مرفوعا عنهم : فى الدنيا والآخرة (٥). فكان المعنى الذي عقلنا : أنّ قول المكره ، كما لم يقل (٦) : فى الحكم. وعقلنا : أنّ الإكراه هو : أن يغلب بغير فعل منه. فإذا تلف (٧)

__________________

(١) عبارة الأم : «ويجزى فى الكفارات ولد الزنا ، وكذلك كل» إلخ.

(٢) في الأم : «ضررا».

(٣) فراجعه (ص ٥٩ ـ ٦٠). وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٢٩). ثم راجع السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٥٧ ـ ٥٩) ، والفتح (ج ١١ ص ٤٧٧ ـ ٤٧٨). وانظر ما تقدم (ج ١ ص ٢٣٦).

(٤) كما فى الأم (ج ٧ ص ٦٩). ويحسن أن تراجع أول كلامه. وقد ذكر بعضه فى المختصر (ج ٥ ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣).

(٥) انظر ما تقدم (ج ١ ص ٢٢٤ و ٢٩٨ ـ ٢٩٩) ، والفتح (ج ١٢ ص ٢٥٧).

(٦) كذا بالأم ؛ أي : كعدمه. وفى الأصل : «يعقل». وهو محرف. ويؤكد ذلك عبارة المختصر : «يكن». ولو كان أصل الكلام : «أن المكره» إلخ ؛ لكان ما فى الأصل صحيحا : أي كالمجنون.

(٧) كذا بالأم والمختصر. وفى الأصل : «حلف» ؛ وهو تصحيف.

١١٤

ما حلف (١) : ليفعلنّ فيه شيئا ؛ فقد (٢) غلب : بغير فعل منه. وهذا : فى أكثر من معنى الإكراه.».

وقد أطلق (٣) الشافعي (رحمه الله) القول فيه ؛ واختار : «أنّ يمين المكره : غير ثابتة عليه ؛ لما احتجّ به : من الكتاب [والسّنة (٤)].» قال الشافعي (٥) : «و [هو (٦)] قول عطاء : إنه يطرح عن الناس ، الخطأ والنّسيان. (٧)».

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٨) ـ» فيمن (٩) حلف لا يكلم رجلا ؛ فأرسل إليه رسولا ، أو كتب إليه كتابا» ـ : «فالورع : أن يحنث ؛ ولا يتبيّن (١٠) : أنه يحنث. لأنّ الرسول والكتاب ، غير الكلام : وإن كان يكون كلاما فى حال.»

__________________

(١) فى المختصر زيادة حسنة ، وهى : «عليه».

(٢) عبارة المختصر : «فهو فى أكثر من الإكراه».

(٣) أي : عمم. حيث قال (ص ٧٠) : «وكذلك : الأيمان بالطلاق والعناق والأيمان كلها ، مثل اليمين بالله».

(٤) زيادة حسنة عن عبارته فى الأم (ص ٧٠).

(٥) كما فى الأم (ص ٦٨). وينبغى أن تراجع كلامه فيها.

(٦) زيادة متعينة عن الأم ، أي : وهو بطريق الأولى.

(٧) فى الأم زيادة : «ورواه عطاء». أي : مرفوعا ؛ بلفظ مشهور فى آخره زيادة : «وما استكرهوا عليه». انظر السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٦١).

(٨) كما فى الأم (ج ٧ ص ٧٣). وذكر بعضه فى المختصر (ج ٥ ص ٢٣٦).

(٩) عبارة الأم ـ وهى ابتداء القول ـ : «فإذا حلف أن لا يكلم» إلخ.

(١٠) عبارة الأم : «يبين لى أن». وعبارة المختصر : «يبين لى ذلك». وذكر المزني إلى قوله : الكلام ؛ ثم قال : «هذا عندى به وبالحق أولى : قال الله جل ثناؤه :

١١٥

«ومن حنّثه ذهب : إلى أنّ الله (عز وجل) قال (١) : (وَما كانَ لِبَشَرٍ : أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ ؛ إِلَّا : وَحْياً ، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً : فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ، ما يَشاءُ) (٢) : (٤٢ ـ ٥١). وقال : إنّ الله (عز وجل) يقول للمؤمنين ، فى المنافقين : (قُلْ : لا تَعْتَذِرُوا ؛ لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ ؛ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ : ٩ ـ ٩٤) ؛ وإنما نبّأهم من (٣) أخبارهم : بالوحى الذي نزل (٤) به جبريل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ ويخبرهم النبي (صلى الله عليه وسلم) : بوحي (٥) الله عز وجل.»

«ومن قال : لا يحنث ؛ قال : لأنّ (٦) كلام الآدميّين لا يشبه كلام الله (عز وجل) : كلام (٧) الآدميّين : بالمواجهة ؛ ألا ترى : أنه (٨) لو هجر

__________________

(آيَتُكَ : أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) ؛ إلى قوله : (بُكْرَةً وَعَشِيًّا : ١٩ ـ ١٠ ـ ١١). فأفهمهم : ما يقوم مقام الكلام : ولم يتكلم. وقد احتج الشافعي : بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث ؛ فلو كتب أو أرسل» إلى آخر ما سيأتى.

(١) هذا إلى قوله : بوحي الله ؛ اقتبسه ـ ببعض اختصار ـ فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٦٣) ؛ وذكر ما بعده إلى آخر الكلام ، وعقبه بحديثي أبى أيوب وأبى هريرة : فى النهى عن الهجرة. وفى طرح التثريب (ج ٨ ص ٩٧ ـ ٩٩) كلام جامع فى الهجرة ؛ فراجعه. وراجع فى السنن الكبرى (ج ١ ص ٣٢) كلام الشافعي فى ذلك

(٢) فى الأم زيادة : «الآية».

(٣) في الأم : «بأخبارهم». وما هنا أحسن.

(٤) فى الأم وبعض نسخ السنن الكبرى : «ينزل». وهو أنسب.

(٥) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «بوحي إليه».

(٦) فى الأم والسنن الكبرى : «إن». وهو أحسن.

(٧) كذا بالأم والسنن الكبرى. وهو استئناف بيانى. وفى الأصل : «وكلام». والظاهر أن الزيادة من الناسخ.

(٨) هذا ليس بالأم.

١١٦

رجل رجلا ـ كانت (١) الهجرة محرّمة عليه فوق ثلاث ليال (٢) ـ فكتب إليه ، أو أرسل إليه ـ : وهو يقدر على كلامه. ـ : لم يخرجه هذا من هجرته : التي يأثم بها (٣)

قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «وإذا حلف الرجل : ليضربنّ عبده مائة سوط ؛ فجمعها ، فضربه بها ـ : فإن كان يحيط العلم : أنه (٥) إذا ضربه بها ، ماسّته (٦) كلّها ـ : فقد برّ (٧). وإن كان العلم مغيّبا ، [فضربه بها ضربة (٨)] : لم يحنث فى الحكم ؛ ويحنث فى الورع.».

واحتجّ بقول الله عز وجل : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً : فَاضْرِبْ بِهِ ، وَلا تَحْنَثْ : ٣٨ ـ ٤٤) ؛ وذكر خبر المقعد : الذي ضرب فى الزنا ،

__________________

(١) هذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ؛ وليست جواب الشرط : إذ هو قوله : لم يخرجه ولو قال : والهجرة ؛ لكان أولى وأظهر. وكذلك : لو قال : فلو كتب ؛ كما صنع المزني. ويكون قوله : كانت ؛ جواب الشرط الأول.

(٢) هذا ليس بالأم

(٣) انظر ما ذكره بعد ذلك ، وقبل ما تقدم كله : لاشتماله على فوائد جمة.

(٤) كما فى الأم (ج ٧ ص ٧٣) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٣٧). وعبارته : «ولو».

(٥) عبارة المختصر : «أنها ماسته كلها بر».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «ماسة». وهو تحريف.

(٧) فى الأم زيادة : «وإن كان يحيط العلم : أنها لا تماسه كلها ، لم يبر». وذكر نحوها فى المختصر ، ثم قال : «وإن شك : لم يحنث» إلخ.

(٨) زيادة حسنة من عبارة الأم ، وهى : «مغيبا : قد تماسه ولا تماسه ؛ فضربه» إلخ.

١١٧

بإثكال (١) النخل (٢)

* * *

«ما يؤثر عنه فى القضايا والشّهادات»

وفيما أنبأنى أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : أنّ أبا العباس حدّثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٣) (رحمه الله) : «قال الله جل ثناؤه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ (٤) ، فَتَبَيَّنُوا : أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ؛ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ ، نادِمِينَ : ٤٩ ـ ٦) ؛ وقال : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ : فَتَبَيَّنُوا ، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ : لَسْتَ مُؤْمِناً) (٥) : (٤ ـ ٩٤).»

«قال الشافعي : أمر (٦) الله (جل ثناؤه) من يمضى أمره على أحد (٧)

__________________

(١) لغة (بالإبدال) : فى «عثكال» ؛ وهو والعثكول (بالضم) مثل شمراخ وشمروخ : وزنا ومعنى.

(٢) قال فى الأم ـ بعد ذلك ـ : «وهذا شىء مجموع ؛ غير أنه إذا ضربه بها : ماسته». وذكر نحوه فى المختصر. وراجع السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٦٤).

(٣) كما فى الأم (ج ٧ ص ٨٦).

(٤) نزلت فى الوليد بن عقبة : حينما أخبر النبي : أن بنى المصطلق قد منعوا الصدقة. انظر السنن الكبرى (ج ٩ ص ٥٤ ـ ٥٥).

(٥) راجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١١٥) : حديث ابن عباس فى سبب نزول ذلك ؛ لفائدته.

(٦) فى الأم : «فأمر» ، وهو أحسن.

(٧) كذا بالأم وفى الأصل : «على عباده أحد من» ؛ وهو من عبث الناسخ.

١١٨

ـ : من عباده. ـ : أن يكون مستثبتا (١) ، قبل أن يمضيه.». وبسط الكلام فيه (٢).

قال الشافعي (٣) : «قال الله عز وجل : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٤) : (٣ ـ ١٥٩) ؛ (٥) و: (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ : ٤٢ ـ ٣٨). قال الشافعي : قال الحسن : إن كان النبىّ (صلى الله عليه وسلم) عن مشاورتهم ، لغنيّا (٦) ؛

__________________

(١) فى الأصل «مستثنيا» ؛ وهو مصحف عما ذكرنا ، أو عن عبارة الأم : «مستبينا».

(٢) حيث قال : «ثم أمر الله ـ فى الحكم خاصة ـ : أن لا يحكم الحاكم : وهو غضبان. لأن الغضبان مخوف على أمرين : (أحدهما) : قلة التثبت ؛ (والآخر) : أن الغضب قد يتغير معه العقل ، ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه : لو لم يكن يغضب.». ثم ذكر ما يدل لأصل الدعوى ـ : من السنة. ـ وشرحه : بما هو فى غاية الجودة. فراجعه ؛ وراجع المختصر (ج ٥ ص ٢٤١) ، والسنن الكبرى (ج ١٠ ص ١٠٣ ـ ١٠٦) ، وشرح مسلم (ج ١٢ ص ١٥) ، والفتح (ج ١٣ ص ١١١ ـ ١١٢).

(٣) كما فى الأم (ج ٧ ص ٨٦). وانظر المختصر (ص ٢٤١).

(٤) قال ـ كما فى الأم (ج ٥ ص ١٥١) ـ : «... فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا ؛ وإنما أمر بمشاورتهم (والله أعلم) : لجمع الألفة ، وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الأمر ماله ؛ و: على أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا. لا : على أن لأحد من الأدميين ، مع رسول الله ، أن يرده : إذا عزم رسول الله على الأمر به ، والنهى عنه.» إلخ ؛ فراجعه. وانظر كلامه : فى اختلاف الحديث (ص ١٨٤) ، والأم (ج ٦ ص ٢٠٦).

(٥) ذكر بعد ذلك ـ فى الأم ـ حديث أبى هريرة. «ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه ، من رسول الله» ؛ ثم قال : «وقال الله عز وجل : (وَأَمْرُهُمْ)» إلخ. وراجع السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٥ ـ ٤٦ وج ١٠ ـ ١١٠) ، والفتح (ج ١٣ ص ٢٦٠ ـ ٢٦٤) : فستقف على فوائد جمة.

(٦) فى الأم والسنن الكبرى (ج ٧) : تقديم وتأخير.

١١٩

ولكنه أراد : أن يستنّ (١) بذلك الحكّام بعده.»

«قال الشافعي (٢) : وإذا (٣) نزل بالحاكم أمر (٤) : يحتمل وجوها ؛ أو مشكل ـ : انبغى (٥) له أن يشاور (٦) : من جمع العلم والأمانة.». وبسط الكلام فيه (٧).

* * *

(أنا) أبو عبد الله (قراءة عليه) : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٨) (رحمه الله) : قال الله جل ثناؤه : (يا داوُدُ : إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ؛ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) ؛ الآية : (٣٨ ـ ٢٦) ؛ وقال (٩) فى أهل الكتاب : (وَإِنْ (١٠) حَكَمْتَ : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ : ٥ ـ ٤٢) ؛

__________________

(١) كذلك بالأم والمختصر والسنن الكبرى. وفى الأصل : «يستعن». وهو تحريف.

(٢) كما فى السنن الكبرى أيضا (ج ١٠ ص ١١٠ ـ ١١١). وراجع فيها : كتاب عمر إلى شريخ ، وكلام البيهقي المتعلق به.

(٣) فى الأم والسنن الكبرى : «إذا ... الأمر».

(٤) فى الأم والسنن الكبرى : «إذا ... الأمر».

(٥) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «ينبغى».

(٦) فى الأم زيادة مفيدة ، وهى : «ولا ينبغى له أن يشاور جاهلا : لأنه لا معنى لمشاورته ؛ ولا عالما غير أمين : فإنه ربما أضل من يشاوره. ولكنه يشاور» إلخ.

(٧) فقال : «وفى المشاورة : رضا الخصم ؛ والحجة عليه». وينبغى أن تراجع كلامه عن هذا ، فى الأم (ج ٧ ص ٢٠٧) : فهو نفيس جيد. وأن تراجع فى السنن الكبرى (ص ١١١ ـ ١١٣) : ما ورد فى هذا المقام.

(٨) كما فى الأم (ج ٧ ص ٨٤).

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : بدون الواو ؛ والنقص من الناسخ.

(١٠) ذكر فى الأم من قوله : (فَإِنْ جاؤُكَ) ؛ إلى آخر الآية.

١٢٠