أحكام القرآن - ج ١

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

ويتفهموا بجلية التبيان ، وينتبهوا قبل رين الغفلة ، ويعملوا قبل انقطاع المدة ، حين لا يعتب مذنب ، ولا تؤخذ فدية ، و (تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وما عملت من سوء تودلو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).

وكان مما أنزل فى كتابه (جل ثناؤه) رحمة وحجة ؛ علمه من علمه ، وجهله من جهله.

قال : والناس فى العلم طبقات ، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فى العلم به ، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، وإخلاص النية لله فى استدراك علمه نصا واستنباطا ، والرغبة إلى الله فى العون عليه ـ فإنه لا يدرك خير إلا بعونه ـ فإن من أدرك علم أحكام الله فى كتابه نصا واستدلالا ، ووفقه الله للقول والعمل لما علم منه ـ فاز بالفضيلة فى دينه ودنياه ، وانتفت عنه الريب ، ونورت فى قلبه الحكمة ، واستوجب فى الدين موضع الإمامة. فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها ، المديم بها علينا مع تقصيرنا فى الإتيان على ما أوجب من شكره لها ، الجاعلنا فى خير أمة أخرجت للناس ـ : أن يرزقنا فهما فى كتابه ، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقولا وعملا يؤدى به عنا حقه ، ويوجب لنا نافلة مزيده. فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفى كتاب الله الدليل على سبل الهدى فيها. قال الله عز وجل : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ١٤ ـ ١) وقال تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ١٦ ـ ٨٩) وقال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٦ ـ ٤٤).

٢١

قال الشافعي رحمه الله : «ومن جماع كتاب الله عز وجل ، العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب ، والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخه ، والفرض فى تنزيله ، والأدب ، والإرشاد ، والإباحة ؛ والمعرفة بالوضع الذي وضع الله نبيه صلوات الله عليه وسلم : من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه فى كتابه ، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ وما أراد بجميع فرائضه : أأراد كل خلقه ، أم بعضهم دون بعض؟ وما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره ؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدّوال على طاعته ، المبينة لاجتناب معصيته ؛ وترك الغفلة عن الحظ ، والازدياد من نوافل الفضل. فالواجب على العالمين الا يقولوا إلا من حيث علموا».

ثم ساق الكلام إلى أن قال : «والقرآن يدل على أن ليس فى كتاب الله شىء إلا بلسان العرب. قال الله عز وجل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ : ٢٦ ـ ١٩٢ ـ ١٩٥). وقال الله عز وجل : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا : ١٣ ـ ٣٧). وقال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها : ٤٢ ـ ٧). فأقام حجته بأن كتابه عربى ، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب ، فى آيتين من كتابه ؛ فقال تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ : ١٦ ـ ١٠٣). وقال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ : ٤١ ـ ٤٤)».

٢٢

وقال : « ولعل من قال : إن فى القرآن غير لسان العرب ؛ ذهب إلى أن شيئا من القرآن خاصا يجهله بعض العرب. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا ، وأكثرها ألفاظا ، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى. ولكنه لا يذهب منه شىء على عامة أهل العلم ، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه : لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شىء عليه ، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن. والذي ينطق العجم بالشيء من لسان العرب ، فلا ينكر ـ إذا كان اللفظ قيل تعلما ، أو نطق به موضوعا ـ أن يوافق لسان العجم أو بعضه ، قليل من لسان العرب ». فبسط الكلام فيه.

* * *

«فصل فى معرفة العموم والخصوص»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «قال الله تبارك تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ : ٦ ـ ١٠٢). وقال تعالى : (خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ : ١٦ ـ ٣ و ٣٩ ـ ٥ و ٦٤ ـ ٣). وقال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها (١) الآية : ١١ ـ ٦). فهذا عام لا خاص فيه ، فكل شىء : من سماء ، وأرض ، وذى روح ، وشجر ، وغير ذلك ـ فالله خالقه. وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها ، وقال عز وجل : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين (١١ ـ ٦).

٢٣

أَتْقاكُمْ : ٤٩ ـ ١٣). وقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ... (١) * فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (٢) الآية : ٢ ـ ١٨٣ ـ ١٨٥). وقال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً الآية : ٤ ـ ١٠٣)».

قال الشافعي : «فبين فى كتاب الله أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا). فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله وبعده ـ مخلوقة من ذكر وأنثى ، وكلها شعوب وقبائل».

«والخاص منها فى قوله عز وجل : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها ـ : من البالغين من بنى آدم ـ دون المخلوقين من الدواب سواهم ، ودون المغلوب على عقولهم منهم ، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها ، أو خالفها فكان من غير أهلها.

__________________

(١) (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢ ـ ١٨٤).

(٢) (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ، وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢ ـ ١٨٥).

٢٤

وفى السنة دلالة عليه ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : النائم حتي يستيقظ ، والصبى حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق».

قال الشافعي رحمه الله : «وهكذا التنزيل فى الصوم ، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله ، ودون الحيض فى أيام حيضهن».

قال الشافعي رحمه الله : «قال الله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً ، وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ الآية : ٣ ـ ١٧٣). قال الشافعي رحمه الله : فإذا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس غير من جمع لهم من الناس ، وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم ، وغير من معه ممن جمع عليه معه ، وكان الجامعون لهم ناسا ـ فالدلالة بينة. لما وصفت : من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض ؛ والعلم يحيط أن لم يجمع لهم الناس كلهم ، ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم.

ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر ، وعلى جميع الناس ، وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم ـ كان صحيحا فى لسان العرب ، أن يقال : (قالَ لَهُمُ النَّاسُ). قال : وإنما كان الذين قالوا لهم ذلك أربعة نفر ؛ إن الناس قد جمعوا لكم ، يعنون المنصرفين من أحد ، وإنما هم جماعة غير كثيرين من الناس ، جامعون منهم غير المجموع لهم ، والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين ، والأكثرون من الناس فى بلدانهم غير الجامعين والمجموع لهم ولا المخبرين».

وقال الله عز وجل : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ : ٢ ـ ٢٤). فدل كتاب الله عز وجل على أنه إنما وقودها بعض الناس ؛ لقوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ : ٢١ ـ ١٠١)».

٢٥

قال الشافعي رحمه الله : «قال الله عز وجل : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ : ٤ ـ ١١) » وذكر سائر الآيات (١). ثم قال : «فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمى فى الحالات ، وكان عام المخرج. فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه إنما أريد بها بعض الوالدين والأزواج دون بعض ؛ وذلك أن يكون دين الوالدين ، والمولود ، والزوجين واحدا ؛ ولا يكون الوارث منهما قاتلا ، ولا مملوكا. وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ، الآية : ٤ ـ ١١). فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الوصايا يقتصر بها على الثلث ، ولأهل الميراث الثلثان. وأبان : أن الدين قبل الوصايا والميراث ، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفى أهل الدين دينهم. ولو لا دلالة السنة

__________________

(١) (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ، آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٤ ـ ١١).

(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ، فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (٤ ـ ١٢).

٢٦

ثم إجماع الناس ـ لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين ، ولم تعدو الوصية أن تكون مقدمة على الدين ، أو تكون والدين سواء ».

وذكر الشافعي رحمه الله فى أمثال هذه الآية : آية الوضوء ، وورود السنة بالمسح على الخفين ، وآية السرقة ؛ وورود السنة بأن لا قطع فى ثمر ولا كثر ؛ لكونهما غير محرزين ؛ وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار. وآية الجلد فى الزاني والزانية ، وبيان السنة بأن المراد بها البكران دون الثيبين. وآية سهم ذي القربى ، وبيان السنة بأنه لبنى هاشم وبنى عبد المطلب ، دون سائر القربى. وآية الغنيمة ، وبيان السنة بأن السلب منها للقاتل. وكل ذلك تخصيص للكتاب بالسنة ، ولو لا الاستدلال بالسنة كان الطهر فى القدمين ، وإن كان لابسا للخفين ؛ وقطعنا كل من لزمه اسم سارق ؛ وضربنا مائة كل من زنى وإن كان ثيبا ؛ وأعطينا سهم ذى القربى من بينه وبين النبي (صلى الله عليه وسلم) قرابة ، وخمسنا السلب لأنه من الغنيمة.

* * *

«فصل فى فرض الله عز وجل فى كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم»

أنا ، أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : «وضع الله جل ثناؤه رسوله صلى الله عليه وسلم ـ من دينه وفرضه وكتابه ـ الموضع الذي أبان (جل ثناؤه) أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته ، وحرم من معصيته. وأبان فضيلته بما قرر : من الإيمان برسوله مع الإيمان به. فقال تبارك وتعالي : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ : ٤ ـ ١٣٦). وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ

٢٧

لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ : ٢٤ ـ ٦٢). فجعل دليل ابتداء الإيمان ـ الذي ما سواه تبع له ـ الإيمان بالله ثم برسوله صلى الله عليه وسلم. فلو آمن به عبد ولم يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم ـ لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا ، حتى يؤمن برسوله (عليه السلام) معه».

قال الشافعي رحمه الله : «وفرض الله تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال فى كتابه : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : ٢ ـ ١٢٩). وقال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ : ٣ ـ ١٦٤ ) ، وقال تعالى : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ : ٣٣ ـ ٣٤ )». وذكر غيرها من الآيات التي وردت فى معناها. قال : «فذكر الله تعالى الكتاب ، وهو القرآن ؛ وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (والله أعلم) بأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة ؛ وذكر الله (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (والله أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول : فرض ؛ إلا لكتاب الله ، ثم سنة رسول الله صلى الله

٢٨

عليه وسلم ، مبينة عن الله ما أراد دليلا على خاصه وعامه ؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه ، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم». ثم ذكر الشافعي رحمه الله الآيات التي وردت فى فرض الله (عز وجل) طاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. منها : قوله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ : ٤ ـ ٥٩) فقال بعض أهل العلم : أولو الأمر أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهكذا أخبرنا والله أعلم ، وهو يشبه ما قال والله أعلم ـ : أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضا طاعة الإمارة ؛ فلما دانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لا طاعة مطلقة ، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم. قال تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ : ٤ ـ ٥٩). يعنى إن اختلفتم فى شىء ، وهذا إن شاء الله كما قال فى أولى الأمر. لأنه يقول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) يعنى (والله أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) يعنى (والله أعلم) ـ إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه ؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه ، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه ؛ لقول الله عز وجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ

٢٩

يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ : ٣٣ ـ ٣٦). ومن تنازع ممن ـ بعد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ رد الأمر إلى قضاء الله ؛ ثم إلى قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصافيهما ، ولا فى واحد منهما ـ ردوه قياسا على أحدهما.

وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (١) الآية : ٤ ـ ٦٥). قال الشافعي : «نزلت هذه الآية فيما بلغنا ـ والله أعلم ـ فى رجل خاصم الزبير رضى الله عنه فى أرض ، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بها للزبير رضي الله عنه ، وهذا القضاء سنة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لا حكم منصوص فى القران. وقال عز وجل : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٤ ـ ٤٨) والآيات بعدها. فأعلم الله الناس أن دعاءهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحكم بينهم ، دعاء إلى حكم الله ، وإذا سلموا لحكم النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فإنما سلموا لفرض الله». وبسط الكلام فيه.

قال الشافعي رضى الله عنه : «وشهد له (جل ثناؤه) باستمساكه بأمره به ، والهدى فى نفسه وهداية من اتبعه. فقال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِراطِ

__________________

(١) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٤ ـ ٩٥).

٣٠

اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ : ٤٢ ٥٢ ـ ٥٣ ـ). وذكر معها غيرها. ثم قال في شهادته له : إنه يهدى إلى صراط مستقيم صراط الله. وفيما وصفت ـ. من فرض طاعته : ـ ما أقام الله به الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسوله واتباع أمره ، فما سن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما ليس لله فيه حكم ـ فحكم الله سنته». ثم ذكر الشافعي رحمه الله الاستدلال بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ؛ ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معها ؛ ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الله سبحانه كيف هى ومواقيتها ؛ ثم ذكر العام من أمر الله الذي أراد به العام ، والعام الذي أراد به الخاص ؛ ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب. وإيراد جميع ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب ، وفيما ذكرناه إشارة إلى ما لم نذكره.

* * *

«فصل فى تثبيت خبر الواحد من الكتاب»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع ابن سليمان ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «وفى كتاب الله عز وجل دلالة على ما وصفت. قال الله عز وجل : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : ٧١ ـ ١). وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : ٢٩ ـ ١٤). وقال عز وجل : (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ : ٤ ـ ١٦٣). وقال تعالي : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً : ٧ ـ ٦٥). وقال تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً : ٧ ـ ٧٣). وقال تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً : ٧ ـ ٨٥). وقال جل وعز :

٣١

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ : ٢٦ ـ ١٦٠ ـ ١٦٣). وقال تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ٤ ـ ١٦٣). وقال تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ٣ ـ ١٤٤).

قال الشافعي : «فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه فى أنبيائه بالأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم ، وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التي باينوا بها غيرهم ؛ وعلى من بعدهم ـ وكان الواحد فى ذلك وأكثر منه سواء ـ تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر. قال تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ : ٣٦ ـ ١٣ ـ ١٤). قال : فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث ، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد ؛ وليس الزيادة فى التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذا أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين. واحتج الشافعي بالآيات التي وردت فى القرآن فى فرض الله طاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومن بعده إلى يوم القيامة واحدا واحدا ، فى أن علي كل واحد طاعته ؛ ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم ، وشرّف وكرّم) إلا بالخبر عنه». وبسط الكلام فيه.

٣٢

 «فصل فى النسخ»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع قال : قال الشافعي رحمه الله : «إن الله خلق الناس لما سبق فى علمه مما أراد بخلقهم وبهم ، (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ : ١٣ ـ ٤١) وأنزل الكتاب [عليهم] (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ : ١٦ ـ ٨٩) [و] فرض [فيه] فرائض أثبتها ، وأخرى نسخها ، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم ، وبالتوسعة عليهم. زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه ، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم : جنته والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ ، فله الحمد على نعمه. وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب ، وأن السنة [لا ناسخة للكتاب] وإنما هى تبع للكتاب بمثل ما نزل نصا ، ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملا. قال الله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ، قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ : ١٠ ـ ١٥) فأخبر الله (عز وجل) : أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه وفى [قوله : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) بيان ما وصفت : من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه كما كان المبتدئ لفرضه : فهو المزيل المثبت لما شاء منه (جل ثناؤه) ؛ ولا يكون ذلك لأحد من خلقه لذلك (١) قال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ : ١٣ ـ ٣٩) قيل يمحو فرض ما يشاء [ويثبت فرض ما يشاء] وهذا يشبه ما قيل والله أعلم. وفى كتاب الله دلالة عليه : قال

__________________

(١) فى الرسالة : (ص ١٠٧) : «وكذلك». وما بين الأقواس المربعة مزيد من الرسالة.

٣٣

الله عزوجل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها : ٢ ـ ١٠٦). فأخبر الله (عز وجل) : أن نسخ القرآن ، وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله. وقال : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ : ١٦ ـ ١٠١). وهكذا سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا ينسخها إلا سنة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم». وبسط الكلام فيه.

قال الشافعي : «وقد قال بعض أهل العلم ـ فى قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ـ والله أعلم ـ دلالة على أن الله تعالى جعل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتابا. والله أعلم».

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ـ هو : الأصم ـ أنا الربيع : أن الشافعي رحمه الله قال : «قال الله تبارك وتعالى فى الصلاة : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٣) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل تلك المواقيت ؛ وصلى الصلوات لوقتها ، فحوصر يوم الأحزاب ، فلم يقدر على الصلاة في وقتها ، فأخرها للعذر ، حتى صلى الظهر ، والعصر والمغرب ، والعشاء فى مقام واحد».

قال الشافعي رحمه الله : «أنا ابن أبى فديك ، عن ابن أبى ذئب ، عن المقبرىّ ، عن عبد الرحمن بن [أبى] سعيد الخدري ، عن أبيه قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله عز وجل : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ : ٣٣ ـ ٢٥). قال : فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلالا ، فأمره فأقام الظهر فصلاها ، فأحسن صلاتها كما كان

٣٤

يصليها فى وقتها ؛ ثم أقام العصر فصلاها هكذا ؛ ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ؛ ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا ، وذلك قبل أن يقول (١) الله فى صلاة الخوف : (فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً : ٢ ـ ٢٣٩) قال الشافعي رحمه الله : «فبين أبو سعيد : أن ذلك قبل أن ينزل [الله] على النبي صلّى الله عليه وسلّم الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف [وهى] قول الله عز وجل : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية (٢) : ٤ ـ ١٠١) وقال تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ الآية (٣) : ٤ ـ ١٠٢). وذكر الشافعي رحمه الله حديث صالح ابن خوّات عمن صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف [يوم ذات الرّقاع]. ثم قال : وفى هذا دلالة على ما وصفت : من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سن سنة ، فأحدث الله فى تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها ـ : سن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة تقوم الحجة على الناس بها ، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها ـ. قال : فنسخ الله تأخير الصلاة عن وقتها فى الخوف إلى أن يصلوها ـ كما أمر الله [فى وقتها] ونسخ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنته فى تأخيرها ، بفرض الله فى كتابه ثم بسنته ، فصلاها فى وقتها كما وصفنا».

__________________

(١) فى الرسالة [ص ١٨١] : «أن ينزل» وما بين الأقواس زيادة عن الرسالة.

(٢) تمامها : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً).

(٣) تمامها : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).

٣٥

قال الشافعي رحمه الله : «أنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكر صلاة الخوف فقال : «إن كان خوفا (١) أشد من ذلك : صلوا رجالا وركبانا ، مستقبلى القبلة وغير مستقبليها». قال : فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما وصفت. من أن القبلة فى المكتوبة على فرضها أبدا ، إلا فى الموضع الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها ، وذلك عند المسايفة والهرب ؛ وما كان فى المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة [إليها] وبينت السنة فى هذا أن لا تترك [الصلاة] فى وقتها كيف ما أمكنت المصلى».

«فصل ذكره الشافعي رحمه الله فى إبطال الاستحسان واستشهد فيه بآيات من القرآن»

(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي (رحمه الله) قال : «حكم الله ، ثم حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثم حكم المسلمين ـ دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا : أن يحكم ولا أن يفتى إلا من جهة خبر لازم ـ وذلك : الكتاب ، ثم السنة. ـ أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه ، أو قياس على بعض هذا. ولا يجوز له : أن يحكم ولا يفتى بالاستحسان ؛ إذ (٢) لم يكن الاستحسان واجبا ، ولا فى واحد من هذه المعاني». وذكر ـ فيما احتج به ـ قول الله عز وجل : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً : ٧٥ ـ ٣٦) [قال] «فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن (السدى) الذي لا يؤمر ولا ينهى. ومن أفتى أو حكم بمالم يؤمر به فقد اختار (٣) لنفسه أن يكون فى معانى السدي ـ وقد أعلمه عز وجل أنه لم يترك

__________________

(١) فى بعض نسخ الرسالة : «خوف». ولا خلاف فى المعنى.

(٢) فى الأصل : إذا. والتصحيح من كتاب ابطال الاستحسان الملحق بالأم [ج ٧ ص ٢٧١]

(٣) عبارة الام. : أجاز. وهى أوضح.

٣٦

سدى ـ ورأى (١) أن قال أقول ما شئت ؛ وادعى ما نزل القرآن بخلافه. قال الله (جل ثناؤه) لنبيه صلّى الله عليه وسلّم : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ : ٦ ـ ١٠٦) ؛ وقال تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ : ٥ ـ ٤٩) ثم جاءه قوم ، فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم ؛ فقال «أعلمكم غدا». (يعنى : أسأل جبريل عليه السلام ، ثم أعلمكم). فأنزل الله عز وجل : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ : ١٨ ـ ٢٣ ـ ٢٤). وجاءته امرأة أوس بن الصامت ، تشكو إليه أوسا ، فلم يجبها حتى نزل عليه : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها : ٥٨ ـ ١) وجاءه العجلاني يقذف (٢) امرأته فقال : «لم ينزل فيكما» وانتظر الوحى ، فلما أنزل الله (عز وجل) عليه : دعاهما ، ولا عن بينهما كما أمر الله عز وجل» وبسط الكلام فى الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول ، فى رد الحكم بما استحسنه الإنسان ، دون القياس على الكتاب والسنة ؛ والإجماع (٣).

* * *

«فصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعاني فى آيات متفرقة»

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي قال : «قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ : ٤٦ ـ ٩). ثم أنزل الله (عز وجل) على نبيه صلى الله عليه وسلم : أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر. يعنى : «والله أعلم» ما تقدم

__________________

(١) اى قال برأيه عن هوى.

(٢) فى الأصل : فقذف. والتصحيح عن الام.

(٣) فلينظر فى الام [ج ٧ ص ٢٧١ ـ ٢٧٧]

٣٧

من ذنبه قبل الوحى ؛ وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب ، يعلم [الله] ما يفعل به من رضاه عنه ، وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ، وسيد الخلائق».

وسمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرماني ، يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن أبى إسماعيل العلوي ببخارا (١) ، يقول : سمعت أحمد بن محمد ابن حسان المصري ، بمكة ، يقول : سمعت المزني يقول : سئل الشافعي عن قول الله عز وجل : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ : ٤٨ ـ ١ ـ ٢) قال : «معناه ـ ما تقدم ـ : من ذنب أبيك آدم ـ وهبته لك ؛ وما تأخر ـ : من ذنوب أمتك ـ أدخلهم الجنة بشفاعتك».

قال الشيخ رحمه الله : وهذا قول مستظرف ؛ والذي وضعه الشافعي ـ فى تصنيفه ـ أصح الروايتين وأشبه بظاهر الرواية ؛ والله أعلم.

(أنا) أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم ، يقول : سمعت جعفر بن أحمد الساماقى ، يقول : سمعت عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم ، يقول : «سألت الشافعي : أي آية أرجى؟ قال : «قوله تعالى : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ : ٩٠ ـ ١٥ ـ ١٦)».

(أنا) محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنى أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم ، أنا إسحاق بن إبراهيم البستي ، حدثنى ابراهيم بن حرب البغدادي : «أن الشافعي رحمه الله سئل بمكة فى الطواف ، عن قول الله عز وجل : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ : ٥ ـ ١١٨). قال : «إن تعذبهم فإنهم عبادك ؛ وإن تغفر لهم وتؤخر فى آجالهم : فتمن عليهم بالتوبة والمغفرة».

__________________

(١) بالمد. وقد تقصر فيقال : بخارى. كما فى القاموس. وعلى المد اقتصر البكري فى المعجم.

٣٨

(أنا) أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى ، قال : سمعت محمد ابن عبد الله بن شاذان ، يقول : سمعت جعفر بن أحمد الخلاطى ، يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : «سئل الشافعي عن قول الله عز وجل : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ : ٢ ـ ١٥٥) قال : «الخوف : خوف العدو ؛ والجوع : جوع شهر رمضان ؛ ونقص من الأموال : الزكوات ؛ والأنفس : الأمراض ، والثمرات : الصدقات ، وبشر الصابرين على أدائها».

(أنا) أبو عبد الله الحافظ أخبرنى ، أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسترآبادي قال : سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي ، يقول : قال المزني والربيع : «كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ ، فقال له : أسأل؟ قال الشافعي : سل. قال : إيش الحجة فى دين الله؟ فقال الشافعي : كتاب الله قال : وماذا؟ قال : سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال : وماذا؟ قال : اتفاق الأمة. قال : ومن أين قلت اتفاق الأمة ، من كتاب الله؟ فتدبر الشافعي (رحمه الله) ساعة. فقال الشيخ : أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لون الشافعي ؛ ثم إنه ذهب فلم يخرج أياما. قال : فخرج من البيت [فى] اليوم الثالث ، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس ، فقال : حاجتى؟ فقال الشافعي (رحمه الله) : نعم ؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله عز وجل : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (١) : ٤ ـ ١١٥. لا يصليه جهنم على

__________________

(١) انظر الكلام على هذه الآية في تفسير الفخر الرازي [ج ٣ ص ٣١١ ـ ٣١٢]

٣٩

خلاف [سبيل] المؤمنين ، إلا وهو فرض. قال : فقال : صدقت. وقام وذهب. قال الشافعي : قرأت القرآن فى كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه». وهذه الحكاية أبسط من هذه ، نقلتها فى كتاب المدخل.

(أنا) محمد بن عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا محمد جعفر بن محمد ابن الحارث ، يقول : سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك (المعروف بابن بحر) يقول : سمعت إسماعيل بن يحيى المزني ، يقول : «سمعت ابن هرم القرشي يقول : سمعت الشافعي يقول فى قول الله عز وجل : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ : ٨٣ ـ ١٥). قال : فلما حجبهم فى السخط : كان فى هذا دليل على أنهم يرونه فى الرضا».

(أنا) أبو عبد الله محمد بن حيان القاضي. أنا محمد بن عبد الرحمن ابن زياد : قال : أخبرنى أبو يحيى الساجي (أو فيما أجاز لى مشافهة) قال : ثنا. الربيع ، قال سمعت الشافعي يقول : «فى كتاب الله (عز وجل) المشيئة له دون خلقه ؛ والمشيئة : إرادة الله. يقول الله عز وجل : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ : ٧٦ ـ ٣٠ و ٨١ ـ ٢٩). فاعلم خلقه : أن المشيئة له».

(أنا) ، أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنى أبو أحمد بن أبى الحسن ، أنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي ، نا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ، حدثنى أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي ، قال : سمعت أبى يقول ليلة للحميدى : «ما يحجّ عليهم (يعنى على أهل الإرجاء) بآية أحجّ من قوله عز وجل (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ : ٩٨ ـ ٥)».

قرأت فى كتاب أبى الحسن محمد بن الحسن القاضي ـ فيما أخبره أبو عبد الله

٤٠