مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ١

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

مخلصين أو لم يكونوا مخلصين (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي قدرة أصلا على الإغواء (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤٢) ولما أوهم إبليس في كلامه أن له على بعض عباد الله تسلطا بالإغواء بين الله كذبه فيه وذكر أن إغواءه للغاوين ليس بطريق تصرفه بالإغواء بل بطريق اتباعهم له بسوء اختيارهم (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) أي لمصير المتبعين (أَجْمَعِينَ) (٤٣) (لَها) أي لجهنم (سَبْعَةُ أَبْوابٍ) أي سبع طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي جهنم ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية (لِكُلِّ بابٍ) أي دركة (مِنْهُمْ) أي الأتباع (جُزْءٌ) أي حزب معين (مَقْسُومٌ) (٤٤) أي مفرز من غيره ففي الدركة الأولى : أهل التوحيد الذين أدخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ، ثم يخرجون منها. وفي الثانية : النصارى. وفي الثالثة : اليهود. وفي الرابعة : الصابئون. وفي الخامسة : المجوس. وفي السادسة : أهل الشرك. وفي السابعة : المنافقون.

والحاصل أن الله تعالى يجزئ أتباع إبليس سبعة أجزاء فيدخل كل جزء منهم دركة من النار والسبب في التجزئة أن مراتب الكفر مختلفة بالغلظ والخفة فصارت مراتب العذاب مختلفة بذلك (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) من الكفر (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٤٥) أي مستقرون فيهما لكل منهم عدة منهما (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي ادخلوا الجنة سالمين من كل آفة (آمِنِينَ) (٤٦) من كل خوف ، أي لما ملكوا جنات كثيرة فكلما أرادوا أن ينقلوا من جنة إلى أخرى قيل لهم : ادخلوها بسلام آمنين. وقرئ «ادخلوها» أمرا من الله تعالى للملائكة بإدخالهم في الجنة. وقرأ الحسن «ادخلوها» مبينا للمفعول على صيغة الماضي المزيد فيه. (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي عداوة كانت بينهم في الدنيا (إِخْواناً) حال من ضمير صدورهم أو من فاعل ادخلوها (عَلى سُرُرٍ) من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت تدور بهم الأسرة حيثما داروا (مُتَقابِلِينَ) (٤٧) في الزيارة أي إنهم إذا اجتمعوا ، ثم أرادوا الانصراف يدور سرير كل واحد منهم به بحيث يصير راكبه مقابلا بوجهه لمن كان عنده وقفاه إلى الجهة التي يسير لها السرير وهذا أبلغ في الإنس والإكرام (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) أي تعب لحصول كل ما يريدونه من غير مزاولة عمل أصلا (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٤٨) لأن تمام النعمة بالخلود (نَبِّئْ عِبادِي) أي أخبر يا أشرف الرسل كل من كان معترفا بعبوديتي (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ) للعصاة من المؤمنين (الرَّحِيمُ) (٤٩) بهم (وَأَنَّ عَذابِي) للعصاة إن عذبت (هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠).

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال : «أ تضحكون والنار بين أيديكم» (١) فنزل قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَنَبِّئْهُمْ) أي خبر يا سيد

__________________

(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠ : ٣٨٧) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٩٧٨٤) ، بما معناه.

٥٨١

المرسلين عبادي (عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (٥١) وهم ملائكة على صور غلمان حسان منهم جبريل (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) أي فسلموا سلاما ، أي قالوه تحية لإبراهيم (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) (٥٢) أي خائفون. قال إبراهيم ذلك حين امتنعوا من أكل ما قربه إليهم من العجل الحنيذ ، لأن العادة أن الضيف إذا لم يأكل مما قدم له يكون خائنا (قالُوا لا تَوْجَلْ) أي لا تخف يا إبراهيم منا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) أي ولد هو إسحاق (عَلِيمٍ) (٥٣) في صغره حليم في كبره (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي) بذلك (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) أي بعد ما أصابني الكبر (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (٥٤) أي فبأي أعجوبة تبشرونني؟! «فما» استفهام بمعنى التعجب. أراد إبراهيم بهذا السؤال أن يعرف أنه تعالى يعطيه الولد مع إبقائه على صفة الشيخوخة ، أو بعد قلبه شابا؟ فبينوا أن الله تعالى أعطاه الولد مع إبقائه على صفة الشيخوخة.

قرأ نافع «تبشرون» بكسر النون خفيفة في كل القرآن. وقرأ ابن كثير بكسر النون وتشديدها. والباقون بفتح النون خفيفة (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) أي بطريقة هي حق وهو أمر الله تعالى (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) (٥٥) أي من الآيسين من الولد فإن الله قادر على أن يخلق بشرا بغير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر (قالَ) إبراهيم : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٥٦) أي لا يقنط من رحمة ربه إلا المخطئون طريق الاعتقاد الصحيح في ربهم فلا يعرفون سعة رحمة الله تعالى وكمال علمه وقدرته. ومراد سيدنا إبراهيم بهذا القول نفي القنوط عن نفسه على أبلغ وجه أي ليس بي قنوط من رحمته تعالى ، وإنما الذي أقول لبيان منافاة حالي لفيضان تلك النعمة الجليلة عليّ.

وقرأ أبو عمرو والكسائي «يقنط» بكسر النون ، وقرئ شاذا بضم النون. (قالَ) إبراهيم لجبريل وأعوانه : (فَما خَطْبُكُمْ) أي شأنكم الخطير سوى البشارة (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) (٥٧) (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٥٨) لإهلاكهم (إِلَّا آلَ لُوطٍ) ابنتيه زاعورا وريثا وامرأته الصالحة (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) أي لوطا وآله (أَجْمَعِينَ) (٥٩) أي مما يصيب القوم (إِلَّا امْرَأَتَهُ) واعلة المنافقة (قَدَّرْنا) أي قضينا عليها (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠) أي الباقين مع الكفرة لتهلك معهم ، وقرأ أبو بكر عن عاصم «قدرنا» بتخفيف الدال هاهنا وفي النمل. وقرأ حمزة والكسائي «لمنجوهم» بسكون النون فخرجوا من عند إبراهيم وسافروا من قريته إلى قرية لوط وكان بينهما أربعة فراسخ (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) (٦١) هم الملائكة الذين ضافوا إبراهيم (قالَ) لوط لهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (٦٢) أي تنكركم نفسي فأخاف أن تصيبوني بشر ولا أعرف غرضكم ، لأي غرض دخلتم علي! (قالُوا) أي الملائكة : (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٦٣) أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بالعذاب الذي هددت قومك به فيشكون في مجيئه لهم ويكذبونك وهو ما

٥٨٢

يشفيك من عدوك وما فيه سرورك (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) أي بالأخبار بمجيء العذاب (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٦٤) في مقالتنا إن العذاب نازل عليهم (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي فسر ببنتيك وامرأتك الصالحة في جزء من الليل عند السحر (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي امش خلفهم جهة صعر لأجل أن تطمئن عليهم وتعرف أنهم ناجون (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) إلى ورائه إذا سمع الصيحة لئلا ترتاعوا من عظيم ما نزل بهم من البلاء (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (٦٥) أي سيروا إلى المكان الذي أمركم الله بالذهاب إليه وهو صعر ، (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (٦٦) أي وأخبرنا لوطا عن ذلك الأمر إن آخر هؤلاء المجرمين مستأصل حال دخولهم في الصبح أي يتم استئصالهم حال ظهور الصبح حتى لا يبقى منهم أحد. (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي مدينة سذوم إلى دار لوط : (يَسْتَبْشِرُونَ) (٦٧) أي يظهرون السرور بأضياف لوط وقالوا : نزل بلوط ثلاثة من المرد ما رأينا قط أصبح وجها ولا أحسن شكلا منهم فذهبوا إلى دار لوط طلبا منه لأولئك المرد (قالَ) لهم لوط : (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) (٦٨) أي فلا تظهروا عاري عندهم فإن الضيف يجب إكرامه فإذا قصدتموهم بالسوء كان ذلك إهانة بي (وَاتَّقُوا اللهَ) في فعل الفاحشة (وَلا تُخْزُونِ) (٦٩) أي ولا تخجلوني (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) (٧٠) أي ألسنا قد نهيناك عن أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة وكان لوط ينهاهم عنها بقدر وسعه (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) فتزوجوهن (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٧١) قضاء الوطر (لَعَمْرُكَ) قسمي. وهذا قسم من الملائكة بحياة لوط عليه‌السلام (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي في شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم (يَعْمَهُونَ) (٧٢) أي يتحيرون فكيف يقبلون قولك ويلتفتون إلى نصيحتك (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) أي صيحة عظيمة مهلكة (مُشْرِقِينَ) (٧٣) أي داخلين في وقت شروق الشمس (فَجَعَلْنا عالِيَها) أي المدينة (سافِلَها) وكانت قراهم أربعة فيها أربعمائة ألف مقاتل (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) أي على أهل المدينة قبل تمام الانقلاب أو على من كان منهم خارجا عن المدينة بأن كان غائبا في سفر أو غيره (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٧٤) أي وحل مطبوخ بالنار عليه كتاب (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من قصة إبراهيم وقصة لوط (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧٥) أي للمتفكرين (وَإِنَّها) أي مدينة قوم لوط (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (٧٦) أي في طريق ثابت لم يخف والذين يمرون من الحجاز إلى الشام يشاهدونها (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في كون المدينة مشاهدة للناس في ذهابهم وإياهم (لَآيَةً) أي لعبرة عظيمة (لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧) أي لكل من آمن بالله وصدق الأنبياء فإنهم عرفوا أن ما حاق بهم من العذاب لمخالفتهم لرسل الله تعالى أما الذين لا يؤمنون فيحملونه على حوادث العالم (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي وإن الشأن كان أصحاب بقعة الأشجار ، وكانوا يسكنونها وكان أكثر شجرهم الدوم (لَظالِمِينَ) (٧٨) بتكذيبهم شعيبا عليه‌السلام (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ).

روي أن الله تعالى سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى أخذ بأنفاسهم وقربوا من الهلاك فبعث

٥٨٣

الله لهم سحابة كالظلة ، فالتجأوا إليها واجتمعوا تحتها للتظلل بها ، فبعث الله عليهم منها نارا ، فأحرقتهم جميعا. (وَإِنَّهُما) أي قريات لوط وقريات شعيب (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) (٧٩) أي لفي طريق واضح يمر أهل مكة عليهما (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠) أي صالحا وجملة المرسلين فالقوم براهمة منكرون لكل الرسل ، والحجر واد بين المدينة الشريفة والشام وآثاره باقية يمر عليها ركب الشام في ذهابه إلى الحجاز ؛ وكان ثمود يسكنونه. (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) أي أعطيناهم الناقة ، وكان فيها آيات كثيرة كخروجها من الصخرة ، وعظم جثتها وقرب ولادتها عند خروجها من الصخرة وكثرة لبنها وشربها (فَكانُوا عَنْها) أي تلك الآيات (مُعْرِضِينَ) (٨١) فلا يستدلون بها على صدق صالح عليه‌السلام حتى قتلوا الناقة (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) (٨٢) من الانهدام ونقب اللصوص ، وتخريب الأعداء لوثاقتها (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) (٨٣) أي صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم عند الصباح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤) أي فلم يدفع عنهم ما كانوا يعملون من تحت تلك الجبال بنقرها بالمعول وجمع الأموال ما نزل بهم من البلاء (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي إلا بسبب العدل فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك يا أكرم الرسل (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فإن الله لينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك على حسناتك ويجازيهم على سيئاتهم (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٨٥) أي أعرض عنهم واحتمل ما تلقى منهم إعراضا جميلا بحلم. والمقصود من هذا الكلام أن يظهر الرسول الخلق الحسن والعفو فلا يكون منسوخا (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (٨٦) أي إنه تعالى خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم وتفاوت أحوالهم وعلم كونهم كذلك لمحض إرادته (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) أي سبع آيات هي المثاني وهي الفاتحة وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة ، والحسن وأبي العالية ، ومجاهد ، والضحاك ، وسعيد بن جبير ، وقتادة.

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ الفاتحة وقال : «هي السبع المثاني». وقيل : سميت الفاتحة مثاني لأنها قسمان ثناء ودعاء ، وأيضا النصف الأول منها حق الربوبية وهو الثناء والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٨٧) وهذا من عطف الكل على البعض فبعض الشيء مغاير لمجموعه فيكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف. ونقل عن ابن عباس وطاوس أن السبع المثاني هو القرآن كله. وعلى هذا فهو عطف أحد الوصفين على الآخر مع وحدة ذات الموصوف وإنما حسن العطف لاختلاف اللفظين فإن القرآن سبعة أسباع كل سبع صحيفة وكله مثان أمر ونهي ووعد ووعيد ، وحلال وحرام ، وناسخ ومنسوخ ، وحقيقة ومجاز ، ومحكم ومتشابه ، وخبر ما كان وما يكون ، ومدحة لقوم ومذمة لقوم. وسبب نزول هذه الآية أن سبع قوافل أقبلت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز والطيب

٥٨٤

والجواهر ، وسائر الأمتعة فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها ولأنفقناها في سبيل الله فقال الله تعالى لهم لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه القوافل السبع ويدل على صحة هذا قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أي لا تنظرن بالرغبة إلى ما أعطيناه رجالا من الكفرة من متاع الدنيا وزخارفها فإن ما في الدنيا بالنسبة إلى ما أعطيت مستحقر (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي لا تحزن لأجل عدم إيمانهم (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٨) أي تواضع لهم ولين جانبك لهم (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) أي إني منذر آت بالبينات فأنذرتكم مثل ما نزل بالذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان ويقولون لمن سلكها : لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة فإنه مجنون ، وربما قالوا : ساحر ، وربما قالوا : شاعر ، وربما قالوا : كاهن. وسمّوا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق فأماتهم الله شر ميتة. (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١) أي الذين جزأوا القرآن أجزاء فقالوا : سحر وشعر وكهانة ومفترى وأساطير الأولين. (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) يوم القيامة (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) في الدنيا من قول وفعل وترك (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي أظهر ما تؤمر به وافرق بين الحق والباطل (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤) أي لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة وهذا ليس بمنسوخ ، لأن معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٥) أي الذين يبالغون في الاستهزاء بك ، وفي إيذائك (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦) ماذا يفعل بهم فأهلكهم الله في يوم وليلة وكانوا خمسة من أشراف قريش الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحرث بن قيس ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث فأما الوليد المخزومي فمر بنبال ، فأصاب النبل عرقا في عقبه فقطعه فمات ، وأما العاص السهمي فدخلت في أخمصه شوكة فقال : لدغت لدغت ، وانتفخت رجله حتى صارت كالرحا ، فمات. وأما الحرث السهمي : فإنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فشرب عليه الماء حتى انشق بطنه فمات. وأما الأسود بن المطلب : فرماه جبريل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعته عينه ، فجعل يضرب برأسه الجدار حتى هلك. وأما الأسود بن عبد يغوث : فإنه خرج في يوم شديد الحر فأصابه السموم ، فاسود حتى عاد حبشيا فرجع إلى بيته فلم يفتحوا عليه الباب فنطع رأسه ببابه حتى مات وكلهم كانوا يقولون : قتلنا رب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ) بحسب الطبيعة البشرية وإن كان جميع أموره صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفوضا لربه (بِما يَقُولُونَ) (٩٧) أي بسبب ما يقولون من كلمات الشرك والطعن في القرآن والاستهزاء به وبك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي فافزع إلى الله تعالى فيما نابك من الغم بالتسبيح ملتبسا بحمده تعالى (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨) أي من المصلين وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا حزّ به أمر فزع إلى الصلاة (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩) أي الموت فإنه متيقن اللحوق بكل حي مخلوق أي واعبد ربك في زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة عن هذه العبادة.

٥٨٥

سورة النحل

وتسمى سورة النعم. مكية ، إلا ثلاث آيات في آخرها ، مائة وثمان وعشرون آية ، ألف

وثمانمائة وخمس وأربعون كلمة ، سبعة آلاف وثمانمائة وأربعة وثلاثون حرفا

بسم الله الرحمن الرحيم

(أَتى أَمْرُ اللهِ) أي العذاب الموعود للكفرة. والحاصل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أكثر من تهديدهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ولم يروا شيئا نسبوه إلى الكذب فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله تعالى : أتى أمر الله أي قد حصل حكم الله بنزول العذاب من الأزل إلى الأبد وإنما لم يحصل المحكوم به لأنه تعالى خصص حصوله بوقت معين (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) أي لا تطلبوا حصوله قبل حضور ذلك الوقت ولما قالت الكفار : إنا سلمنا لك يا محمد صحة ما تقوله من أنه تعالى حكم بإنزال العذاب علينا إما في الدنيا وإما في الآخرة إلا أنا نعبد هذه الأصنام فإنها شفعاؤنا عند الله فهي تشفع لنا عنده فنتخلص من هذا العذاب المحكوم به بسبب شفاعة هذه الأصنام فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله تعالى : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) فنزه الله تعالى نفسه عن شركة الشركاء وأن يكون لأحد أن يشفع عنده إلا بإذنه ولما قال الكفار : إنه تعالى قضى على بعض عباده بالسراء وعلى آخرين بالضراء ، ولكن كيف يمكنك يا محمد أن تعرف هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا الله تعالى! وكيف صرت بحيث تعرف أسرار الله وأحكامه في ملكه وملكوته؟ فأجاب الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) أي جبريل ومن معه من الملائكة (بِالرُّوحِ) أي بكلام الله تعالى (مِنْ أَمْرِهِ) أي إن الروح هي أمره تعالى (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهم الأنبياء (أَنْ أَنْذِرُوا) أي أعلموا الناس (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢) بالإتيان بعبادتي.

وتقرير هذا الكلام أنه تعالى ينزل الملائكة على من يشاء من عبيده ، ويأمر الله ذلك العبد الذي نزلت عليه الملائكة بأن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله العالم واحد كلفهم بمعرفة التوحيد وبالعبادة له ، وبين أنهم إن فعلوا ذلك فازوا بخيري الدنيا والآخرة ، وإن تمردوا وقعوا في شر الدنيا والآخرة فبهذا الطريق صار ذلك العبد مخصوصا بهذه المعارف من دون سائر الخلق فقوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) إشارة إلى الأحكام الأصولية وقوله تعالى : (فَاتَّقُونِ) إشارة إلى الأحكام

٥٨٦

الفروعية (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي أوجدهما على صفات خصصها بحكمته ولما احتج تعالى بخلق السموات والأرض على حدوثهما قال بعده : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) فالقائلون بقدم السموات والأرض كأنهم أثبتوا لله شريكا في القدم ، فنزه تعالى نفسه عن ذلك وبيّن أنه لا قديم إلا هو. فالمقصود من قوله أولا سبحانه وتعالى عما يشركون إبطال قول من يقول : إن الأصنام تشفع للكفار في دفع عقاب الله عنهم. والمقصود هاهنا إبطال قول من يقول أجسام السموات والأرض قديمة فنزه الله تعالى نفسه عن أن يشاركه غيره في القدم (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) منتنة (فَإِذا هُوَ) بعد قوة عقله وعظم فهمه (خَصِيمٌ) لربه (مُبِينٌ) (٤) أي ظاهر الخصومة منكر لخالقه قائل من يحيي العظام وهي رميم وهذا إشارة إلى الاستدلال بأحوال نفس الإنسان على وجود الصانع الحكيم فإن الانتقال من الحالة الخسيسة إلى الحالة العالية لا يحصل إلا بتدبير مدبر حكيم عليم (وَالْأَنْعامَ) أي الإبل والبقر والغنم (خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) أي ما يتدفأ به من اللباس المتخذة من الأصواف والأوبار والأشعار (وَمَنافِعُ) هي درها وركوبها والحراثة بها وغير ذلك (وَمِنْها) أي من لحومها (تَأْكُلُونَ) (٥) (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) أي منظر حسن عند الناس (حِينَ تُرِيحُونَ) أي تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (٦) أي تخرجونها من حظائرها إلى المرعى بالغداة (وَتَحْمِلُ) أي الإبل (أَثْقالَكُمْ) أي أمتعتكم (إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) أي واصلين إليه على غير الإبل (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أي إلا بتعب النفس أو إلا بذهاب نصف قوة البدن ، والشق بكسر الشين وفتحها معناه المشقة والنصف (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٧) ولذلك أصبغ عليكم هذه النعم الجليلة ويسّر لكم الأمور الشاقة (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) أي وخلق هذه الأشياء للركوب وللمنظر الحسن ، واحتج بهذه الآية من يحرم لحوم الخيل وقالوا : لأن الله تعالى خصّ هذه بالركوب فعلمنا أنها مخلوقة للركوب لا للأكل وهو قول ابن عباس وإليه ذهب الحكم ومالك وأبو حنيفة ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى إباحة لحوم الخيل ، وهو قول الحسن وشريح وعطاء وسعيد بن جبير وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ، واحتجوا على إباحة لحوم الخيل بما روي عن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق قالت : نحرنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرسا ونحن بالمدينة أخرجه البخاري ومسلم.

روى الشيخان عن جابر رضي‌الله‌عنه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل. (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨) أي ويخلق في الدنيا غير ما عدد من أصناف النعم.

روي عن ابن عباس أنه قال : إن عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل عليه‌السلام كل سحر ، فيغتسل ، فيزداد نورا

٥٨٧

إلى نور ، وجمالا إلى جمال ، وعظما إلى عظم ، ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشة كذا وكذا ألف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور ، وسبعون ألف ملك الكعبة ، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي وعلى الله بيان استقامة الطريق وهو الإسلام (وَمِنْها) أي من السبيل (جائِرٌ) أي مائل عن الحق وهو أنواع الكفر والضلال (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩) إلى استقامة الطريق (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ) ولكل حي (مِنْهُ) أي الماء (شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ) أي من الماء ما ينبت على الأرض (فِيهِ) أي في الشجر (تُسِيمُونَ) (١٠) ترعون مواشيكم (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ) أي بالماء (الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ) والإنسان خلق محتاجا إلى الغذاء وهو إما أن يكون من الحيوان أو من النبات والغذاء الحيواني إنما يحصل من أسامة الحيوانات ، وأما الغذاء النباتي فقسمان : حبوب ، وفواكه. فالحبوب : هي ما به قوام بدن الإنسان. وأشرف الفواكه : الزيتون والنخيل والأعناب ، أما الزيتون فلأنه فاكهة من وجه وإدام من وجه آخر لكثرة ما فيه من الدهن ، ومنافع الأدهان كثيرة في الأكل والطلي واشتعال السرج ، وأما امتياز النخيل والأعناب من سائر الفواكه فظاهر. (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) مما لا يمكن على الناس تفصيل أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنزال الماء وإنبات ما ذكر (لَآيَةً) دالة على تفرده تعالى بالألوهية (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١١) ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وضعت في الأرض ومر عليها مقدار من الزمان مع رطوبة الأرض ، فإنها تنتفخ وينشق أعلاها فيصعد منه شجرة إلى الهواء وأسفلها تغوص منه عروق في الأرض ، ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الطباع والطعوم والألوان والروائح والأشكال والمنافع ومن تفكر في ذلك علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه أحد في شيء من صفات الكمال (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ).

قرأ ابن عامر «والشمس والقمر والنجوم» بالرفع على الابتداء و «مسخرات» خبرها. وقرأ حفص عن عاصم و «النجوم» بالرفع. والباقون بالنصب في الجميع و «مسخرات» حال منه ، أي أنه تعالى سخر للناس هذه الأشياء وجعلها موافقة لمصالحهم حال كونها مسخرات لله تعالى (بِأَمْرِهِ) أي بإرادته كيف شاء (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي تسخير الليل وما بعده (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٢) أي يعلمون أن تسخيرها من الله تعالى (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي وسخر لكم ما خلق لكم في الأرض من حيوان ونبات (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ) أي اختلاف ما في الأرض (لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٣) أي يتعظون فإن اختلاف طبائع ما في الأرض وأشكاله مع اتحاد مواده إنما هو بصنع حكيم عليم قادر مختار منزه عن كونه جسمانيا وذلك هو الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) ومعنى تسخير الله تعالى إياها للخلق جعلها بحيث يتمكن الناس من

٥٨٨

الانتفاع بها إما بالركوب أو بالغوص (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً) أي سمكا (طَرِيًّا) والتعبير عن السمك باللحم مع كونه حيوانا لانحصار الانتفاع به في الأكل ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته والتنبيه على طلب المسارعة إلى أكله لسرعة فساده (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً) أي لؤلؤا ومرجانا (تَلْبَسُونَها) أي تلبسها نساؤكم لأجلكم فإن زينة النساء بالحلي إنما هو لأجل الرجال فهي حلية لكم بهذا الاعتبار (وَتَرَى الْفُلْكَ) أي تبصر السفن (مَواخِرَ فِيهِ) أي جواري في البحر مقبلة ومدبرة ، ومعترضة بريح واحدة تشقه بحيزومها (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي لتركبوها للوصول إلى البلدان الشاسعة فتطلبوا الرزق بالتجارة وغيرها من فضل الله تعالى (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٤) أي تعرفون حقوق نعمه الجليلة فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جعل فيها جبالا ثوابت (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي كراهة أن تميل بكم الأرض وتضطرب (وَأَنْهاراً) أي جعل في الأرض أنهارا جارية لمنافعكم (وَسُبُلاً) أي جعل فيها طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥) أي لكي تهتدوا بها في أسفاركم إلى مقاصدكم (وَعَلاماتٍ) أي جعل في الأرض أمارات الطرق التي يستدل بها المارون : وهي الجبال والرياح والتراب فإن جماعة يشمون التراب ويتعرفون بذلك الشم الطرق (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (١٦) بالليل في البراري والبحار.

وقال السدي : هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) هذه الأشياء وهو الله تعالى (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) شيئا أصلا وهو الأصنام (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١٧) أي ألا تلاحظون فلا تتذكرون فإن هذا القدر لا يحتاج إلى تفكر ولا إلى شيء سوى التذكر فيكفي فيه أن تتنبهوا على ما في عقولكم من أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم ، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادة من لا يستحق العبادة ويترك عبادة من يستحقها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي إنكم لا تعرفونها على سبيل التمام وإذا لم تعرفوها امتنع منكم القيام بشكرها على سبيل التمام ومما يدل قطعا على أن عقول الخلق قاصرة عن معرفة أقسام نعم الله تعالى أن كل جزء من أجزاء البدن الإنساني لو ظهر فيه أدنى خلل لتنغص العيش على الإنسان ولتمنى أن ينفق كل الدنيا حتى يزول عنه ذلك الخلل ، ثم إنه تعالى يدبر أحوال بدن الإنسان على الوجه الأكمل مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ولا بكيفية مصالحه فليكن هذا المثال حاضرا في ذهنك ، ثم تأمل في جميع ما خلق الله في هذا العالم من المعادن والنبات والحيوان وجعلها مهيأة لانتفاعك بها حتى تعلم أن عقول الخلق تفنى في معرفة حكمة الرحمن في خلق الإنسان فضلا عن سائر وجوه الإحسان ، ثم الطريق إلى الشكر أن يشكر الله تعالى على جميع نعمه مفصلها ومجملها (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) للتقصير الصادر عنكم في القيام بشكر نعمه (رَحِيمٌ) (١٨) بكم حيث لم يقطع نعمه عنكم بسبب تقصيركم (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) أي تضمرونه من العقائد والأعمال (وَما تُعْلِنُونَ) (١٩) أي تظهرونه منهما وهذه

٥٨٩

الأصنام جمادات لا معرفة لها بشيء أصلا فكيف تحسن عبادتها (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) أي والآلهة الذين يعبدهم الكفار من دون الله لا يقدرون أن يخلقوا شيئا.

قرأ حفص عن عاصم «يسرون» ، و «يعلنون» ، و «يدعون» بالياء على الغيبة. لكن نقل عن السمين أن قراءة الياء التحتية شاذة في الفعلين الأولين. وقرأ أبو بكر عن عاصم «يدعون» خاصة بالياء على المغايبة. وقرئ على صيغة المبني للمفعول. (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠) أي أن الأصنام مخلوقة لله تعالى منحوتة من الحجارة وغيرها (أَمُوتُ) أي جمادات لا روح فيها (غَيْرُ أَحْياءٍ) أي لا تأتيها الحياة أصلا (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٢١) أي وما يشعر أولئك الآلهة متى يبعث عبدتهم من القبور وفي هذا تهكم بالمشركين في أن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف وقت جزائهم على عبادتهم.

وقيل : المعنى أن هذه الأصنام لا تعرف متى يبعثها الله تعالى.

قال ابن عباس : إن الله تعالى يبعث الأصنام ولها أرواح ومعها شياطينها فيؤمر بها إلى النار (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا يشاركه شيء في شيء (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ولا يرغبون في حصول الثواب ولا يرهبون من الوقوع في العقاب (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) لوحدانية الله تعالى ولكل كلام يخالف قولهم (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٢٢) عن الرجوع من الباطل إلى الحق (لا جَرَمَ) أي حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من قلوبهم (وَما يُعْلِنُونَ) من استكبارهم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣) على خلقه فما بالك بالمستكبرين على التوحيد واتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) أي وإذا قال وفود الحاج لأولئك المنكرين المستكبرين عمّا أنزل الله تعالى على محمد عليه‌السلام (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٤) أي هذا الذي تذكرون أنه منزل من ربكم هو أكاذيب الأولين ليس فيه شيء من العلوم والحقائق (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) أي آثامهم الخاصة بهم وهي آثام ضلالهم (كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لم يخفف من عقابهم شيء يوم القيامة بمصيبة أصابتهم في الدنيا فقوله : «ليحملوا» متعلق «بقالوا» فـ «اللام» للعاقبة. وقوله : «يوم القيامة» ظرف «ليحملوا». (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) أي وليحملوا أيضا من جنس آثام من ضل بإضلالهم أي فيحصل للرؤساء مثل أوزار الأتباع (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي إن هؤلاء الرؤساء يقدمون على الإضلال جهلا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد في مقابلته (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٢٥) أي بئس ما يحملونه من الذنوب حملهم هذا (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) أي قد رتبوا منصوبات ليمكروا بها أنبياء الله تعالى فأهلكهم الله تعالى وجعل هلاكهم مثل هلاك قوم بنوا بنيانا شديدا ودعّموه فانهدم ذلك البنيان وسقط عليهم سقف بنيانهم ، فأهلكهم. شبهت حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكايد وفي إبطاله تعالى تلك الحيل ،

٥٩٠

وجعله تعالى إياها أسبابا لهلاكهم بحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين فضعضعت تلك الأساطين ، فسقط عليهم السقف ، فهلكوا. فهو مثل ضربه الله تعالى لمن مكر بآخر فأهلكه الله بمكره ومنه المثل السائر على ألسنة الناس من حفر لأخيه قليبا وقع فيه قريبا. (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٢٦) أي إنهم اعتمدوا على منصوباتهم ثم تولد البلاء منها بأعيانها فهؤلاء الماكرون القائلون : إن القرآن أساطير الأولين سيأتيهم العذاب العاجل من جهة لا تخطر ببالهم مثل ما أتاهم (ثُمَ) الله تعالى (يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) أي يذل الكفار بعذاب (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي يقول الله لهم تفضيحا أين شركائي في زعمكم الذين كنتم تخاصمون الأنبياء والمؤمنين في شأن الشركاء حين بينوا لكم بطلانها. وقرأ نافع «تشاقون» بكسر النون (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي يقول المؤمنون الذين أوتوا علما بدلائل التوحيد حين يرون خزي الكفار وهم في الموقف : (إِنَّ الْخِزْيَ) أي الفضيحة (الْيَوْمَ وَالسُّوءَ) أي العذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) (٢٧) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي عزرائيل وأعوانه (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي مستمرين على الكفار فإنهم ظلموا أنفسهم حيث عرضوها للعذاب المخلد. وقرأ حمزة «يتوفاهم» بالياء مع الإمالة في الموضعين (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي أسلموا وأقروا لله بالعبودية عند الموت قائلين : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) أي شرك في زعمنا فتقول الملائكة (بَلى) كنتم تعملون أعظم الشرك (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨) من الشرك فلا فائدة لكم في إنكاركم (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) أي ليدخل كل صنف من الكفرة في طبقة هو موعود بها. والمراد دخولهم فيها في وقته فإن ذلك تخويف عظيم وإن تراخى المخوف به لا دخول القبر الذي هو حفرة من حفر النيران (خالِدِينَ فِيها) أي دركات جهنم لا يخرجون منها (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٢٩) عن قبول التوحيد وسائر ما أتت به الأنبياء (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أي خافوا الشرك وأيقنوا أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) أي أنزل خيرا.

قال المفسرون : كان في أيام الموسم يأتي الرجل مكة فيسأل المشركين عن محمد وأمره فيقولون : إنه ساحر وكاهن وكذاب. فيأتي المؤمنين ويسألهم عن محمد وما أنزل الله عليه. فيقولون خيرا. أي أنزل خيرا والذي قالوه من الجواب موصوف بأنه خير (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي قالوا : لا إله إلا الله مع الاعتقاد الحق (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي ثناء ورفعة وتعظيم ، وهذه الجملة بدل من قوله : خيرا أو تفسيرا له وذلك أن الخير هو الوحي الذي أنزل الله تعالى فيه قوله من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة وقوله تعالى : «في هذه الدنيا» متعلق بقوله : «حسنة». (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) مما حصل لهم في الدنيا ، (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (٣٠) والمخصوص بالمدح إما محذوف تقديره دار الآخرة أو هي دار الدنيا ، لأن المتقين يتزودون فيها للآخرة وأما قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) وهذه تدل على القصور والبساتين وعلى الدوام

٥٩١

(يَدْخُلُونَها) يوم القيامة صفة لجنات أو حال (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي أنهار الخمر والماء والعسل واللبن وهذه تدل على أن هناك أبنية يرتفعون عليها وتكون الأنهار جارية من تحتهم (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) من أنواع المشتهيات والمتمنيات وهذه الكلمة تدل على حصول كل الخيرات والسعادات (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء الأوفى (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) (٣١) أي كل من يتقى من الشرك والمعاصي (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي قبضتهم (طَيِّبِينَ) أي طاهرين من الكفر مبرئين عن العلائق الجسمانية متوجهين إلى حضرة القدس فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها ومن هذا حاله لا يتألم بالموت (يَقُولُونَ) أي الملائكة عند الموت وهذه حال من الملائكة وطيبين حال من المفعول (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي لا يلحقكم مكروه. وعن محمد بن كعب القرظي قال : إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال : السلام عليك يا ولي الله الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بالجنة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) أي جنات عدن وهي خاصة لكم كأنكم فيها ، والمراد دخولهم فيها في وقته فإن ذلك بشارة عظيمة ، وإن تراخى المبشر به لا دخول القبر الذي هو روضة من رياض الجنة فإن الملائكة لما بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم وكأنهم فيها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٢) أي بسبب ثباتكم على التقوى والطاعة (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي ما ينتظر الكفار الذين طعنوا في القرآن وأنكروا النبوة (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم بالتهديد (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي عذاب ربك في الدنيا بهلاكهم (كَذلِكَ) أي مثل فعل هؤلاء من الشرك والتكذيب والاستهزاء (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم فأصابهم العذاب المعجل (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بذلك فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣٣) بأن كذبوا الرسل فاستحقوا ما نزل بهم (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي عقاب سيئات أعمالهم (وَحاقَ) أي وأحاط (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٤) أي عقاب استهزائهم من جوانبهم (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي من أهل مكة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكذيبا له وطعنا في الرسالة (لَوْ شاءَ اللهُ) عدم عبادتنا لشيء غيره (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا) الذين نقتدي بهم في ديننا (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) من البحيرة والسائبة ، والوصيلة والحامي وإشراكنا بالله الأوثان ، وتحريمنا الأنعام ، والحرث بمشيئته تعالى فهو راض بذلك ، وحينئذ فلا فائدة في مجيئك إلينا بالأمر والنهي وفي إرسالك (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الفعل الشنيع (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله ، وجادلوهم بالباطل حين نهوهم عن الخطأ ، وهدوهم إلى الحق (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٣٥) أي ليست وظيفة الرسل إلا تبليغ الرسالة تبليغا واضحا فهو واجب عليهم ، وأما حصول الإيمان فلا يتعلق بالرسول (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم السالفة (رَسُولاً) خاصا بهم كما بعثناك إلى قومك (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوه (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) أي اجتنبوا عبادة ما تعبدون من دون الله ، أو اجتنبوا طاعة الشيطان

٥٩٢

في دعائه لكم إلى الضلالة (فَمِنْهُمْ) أي من تلك الأمم (مَنْ هَدَى اللهُ) إلى الحق الذي هو عبادته (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ) أي ثبتت (عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) فلم يجب الرسول إلى الإيمان فضل عن الحق وعمي عن الصدق ، ووقع في الكفر (فَسِيرُوا) يا معشر كفار قريش (فِي الْأَرْضِ) أي فإن كنتم في شك من أخبار الرسل فسيروا في الأرض (فَانْظُرُوا) في أكنافها واعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٣٦) بالرسل من عاد وثمود وأمثالهم لتعرفوا أن العذاب نازل بكم كما نزل بهم (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) أي إن تطلب يا سيد الرسل توحيد كفار قريش بجهدك فلا تقدر على ذلك (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) أي لأنه تعالى لا يخلق الهداية قسرا فيمن يخلق فيه الضلالة لسوء اختياره. وقرئ «لا يهدي» بالبناء للمفعول (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧) أي وليس لهم أحد يعينهم على مطلوبهم في الدنيا والآخرة من دفع العذاب عنهم (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي حلف الذين أشركوا غاية إيمانهم وإذا حلف الرجل بالله فقد حلف جهد يمينه فإن الكفار كانوا يحلفون بآبائهم وآلهتهم فإذا كان الأمر عظيما حلفوا بالله وهذا عطف على قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إعلاما بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) فإنهم يجدون في عقولهم أن الشيء إذا صار عدما محضا لا يعود بعينه ، بل العائد يكون شيئا آخر ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغ رد بقوله (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) أي بلى يبعثهم الله بالبعث وعدا حقا لا خلف فيه ثابتا على الله فينجزه لامتناع الخلف في وعده (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ) (٣٨) أنهم يبعثون لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناع البعث ولجهلهم بشئون الله تعالى من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) أي بلى يبعثهم ليبين لمن يموت (الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أمور البعث وغيرها من أمور الدين فيثيب المحق من المؤمنين ويعذب المبطل من الكافرين (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله بالإشراك وإنكار البعث والنبوة يوم القيامة (أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) (٣٩) فيما أقسموا فيه وفي كل ما يقولون (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ) أي شيء كان (إِذا أَرَدْناهُ) أي وقت إرادتنا لوجوده (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) أي أحدث وهو خبر المبتدأ (فَيَكُونُ) (٤٠) أي فيحدث عقب ذلك من غير توقف ، وهذا تمثيل لنفي الكلام والتعب فليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور بل هو تمثيل لسهولة حصول المقدورات عند تعلق إرادته تعالى بها ، وتصوير لسرعة حدوثها ، ولكن العباد خوطبوا بذلك على قدر عقولهم ، ولو أراد الله خلق الدنيا وما فيها في قدر لمح البصر لقدر على ذلك ، فالمعنى إنما إيجادنا لشيء عند تعلق إرادتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (فِي اللهِ) أي لإظهار دينه (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي أرضا كريمة آمنة وهي المدينة وهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم فهاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة وعلى هذا يكون نزول الآية في أصحاب الهجرتين فيكون نزولها في المدينة بين الهجرتين.

٥٩٣

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : نزلت هذه الآية في ستة من الصحابة صهيب وبلال ، وعمار ، وخباب ، وعابس وجبير أخذهم المشركون بمكة يعذبونهم ليرجعوا عن الإسلام إلى الكفر فأما بلال فيخرجونه إلى بطحاء مكة في شدة الحر ويشدونه ويجعلون على صدره الحجارة وهو يقول : أحد أحد ، فاشتراه منهم أبو بكر وأعتقه ، وأما صهيب فقال : أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم ، فافتدى منهم وهاجر ، وأما سائرهم فقد قالوا : بعض ما أراد أهل مكة من كلمة الكفر فتركوا عذابهم ، ثم هاجروا ، فبسبب هجرتهم ظهرت قوة الإسلام كما أن بنصرة الأنصار قويت شوكتهم فلذلك غلبوا على أهل مكة وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب ، وعن عمر أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال : خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أكبر (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي وللأجر الكائن في الآخرة وهو النعيم الكائن في الجنة أعظم من الأجر الكائن في الدنيا (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١) أي لو علم الكفار أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقوهم في الدين (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أذية الكفار ومفارقة الأهل والوطن وعلى المجاهدة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢) أي إليه خاصة يفوّضون الأمر كله معرضين عما سواه (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا أكرم الرسل إلى الأمم من طوائف البشر (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) بواسطة الملائكة وهذا رد لقريش حين قالوا : الله أعلى وأعظم من أن يكون رسوله واحدا من البشر ، بل لو أراد بعثة رسول إلينا لبعث ملكا. (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي أهل العلم بأخبار الماضين فإذا سألوهم فلا بد أن يجيبوا بأن الرسل الذين أرسلوا إليهم كانوا بشرا فإذا أخبروهم بذلك زالت الشبهة من قلوبهم (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) أن الرسل من البشر (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجالا أي رجالا ملتبسين بالمعجزات الدالة على صدق من يدعي الرسالة وبالتكاليف التي يبلغونها من الله تعالى إلى العباد ، أو متعلق بيوحى ، أي يوحى إليهم بالحجج الواضحة وبالكتب ، أو متعلق بذلك ، أي فاسألوا أهل العلم بالحجج وبالكتب القديمة من التوراة والإنجيل ، أو متعلق بلا تعلمون أي إن كنتم لا تعلمون الله لم يرسل الرسل إلا إنسيا بالعلامات وبخبر كتب الأولين فاسألوا كل من يذكر بعلم وتحقيق ، واسألوا أهل الكتب الذين يعرفون معاني كتب الله تعالى (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) أي القرآن سمي ذكرا ، لأن فيه تنبيها للغافلين (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) كافة (ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) في ذلك الذكر من الأحكام والشرائع وغير ذلك من أحوال الأمم المهلكة بأفانين العذاب على حسب أعمالهم الموجبة لذلك (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤) فيما نزل إليهم فيتنبهوا لما فيه من العبر ، ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) أي سعوا من أهل مكة ومن حول المدينة في إيذاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه على سبيل الخفية (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسف بقارون

٥٩٤

وأصحابه (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤٥) أي في حال غفلتهم فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط (أَوْ يَأْخُذَهُمْ) بالعقوبة (فِي تَقَلُّبِهِمْ) أي في أسفارهم وحركتهم إقبالا وإدبارا (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٤٦) أي وهم لا يعجزون الله بسبب سفرهم في البلاد البعيدة بل يدركهم الله حيث كانوا (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أي على أن ينقص شيئا بعد شيء في أموالهم وأنفسهم حتى يهلكوا ، أو على مخافة من العذاب بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧) حيث لا يعاجلكم بالعقوبة ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) أي ألم ينظر أهل مكة ولم يروا بأبصارهم إلى جسم قائم له ظل من جبل وشجر وبناء يرجع ظلاله من المشرق ومن المغرب واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد (وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨) أي منقادون لقدرة الله تعالى وتدبيره ولما وصفت الظلال بالانقياد لأمره تعالى أشبهت العقلاء ، فعبر عنها بلفظ «من يعقل». وقرأ حمزة والكسائي «تروا» بالتاء على الخطاب. وقرأ أبو عمرو وحده «تتفيؤا» بالتاء. (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم (وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) عطف على «ما في السموات». ولما بيّن الله تعالى أولا أن الجمادات بأسرها منقادة لله تعالى. بيّن بهذه الآية أن الحيوانات بأسرها منقادة لله تعالى فأخسها الدواب وأشرفها الملائكة. وذلك دليل على أن كل المخلوقات منقادة لله تعالى. (وَهُمْ) أي الملائكة مع علو شأنهم (لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٤٩) عن عبادته تعالى (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) وهذه الجملة بيان لقوله : «لا يستكبرون» أو حال من ضميره ، أي خائفين لمالك أمرهم خوف هيبة وإجلال وهو فوقهم بالقهر (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠) به من الطاعات والتدبيرات فبواطنهم وظواهرهم مبرأة من الأخلاق الفاسدة والأفعال الباطلة (وَقالَ اللهُ) لجميع المكلفين : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) أي لا تعبدوا الله والأصنام ولما بين الله تعالى أولا أن كل ما سوى الله سواء كان من عالم الأرواح ، أو من عالم الأجسام فهو منقاد خاضع لجلال الله تعالى أتبعه في هذه الآية بالنهي عن الشرك. والمقصود من التكرير تأكيد التنفير عن الإشراك بالله ، وتكميل وقوف العقل على ما فيه من القبح (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي لما دلت الدلائل السابقة على أنه لا بد للعالم من الإله وقد ثبت أن وجود الإلهين محال ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٥١) أي إن كنتم راهبين شيئا فارهبوني لا غير فإني ذلك الواحد الذي يسجد له ما في السموات والأرض ولما كان الإله واحدا والواجب لذاته واحدا كان كل ما سواه حاصلا بتخليقه وإيجاده فثبت أن تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، لأن أفعال العباد من جملة ما في السموات والأرض ووجب أن يكون جميع المخلوقات في ملكه وتصرفه وتحت قهره. وذلك قوله تعالى : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خلقا وملكا (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي لله تعالى الطاعة دائما فليس من أحد يطاع إلا انقطعت تلك الطاعة بالموت أو بسبب في حال الحياة إلا الله تعالى فإن طاعته واجبة

٥٩٥

أبدا ، وفي الآية دقيقة أخرى فمعنى قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أن كل ما سوى الله محتاج في انقلابه من العدم إلى الوجود ومن الوجود إلى العدم إلى مخصص ، ومعنى قوله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أن هذا الاحتياج إلى المرجح حاصل دائما أبدا ، لأن الممكن حال بقائه لا يستغني عن المرجح ، لأن علة الحاجة هي الإمكان وهو من لوازم الماهية فوجب أن تكون الحاجة حاصلة حال حدوثها وحال بقائها (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) (٥٢) أي إنكم بعد ما عرفتم أن إله العالم واحد ، وأن كل ما سواه محتاج إليه في وقت حدوثه ، وفي وقت دوامه فبعد العلم بهذه الأصول كيف يعقل أن يكون للإنسان رغبة في غير الله أو رهبة من غير الله تعالى (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) أي أيّ شيء يصاحبكم من نعمة أية نعمة كانت فهي من الله فيجب على العاقل أن لا يخاف إلا الله وأن لا يشكر إلا الله (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) كالأسقام (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) (٥٣) أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة في كشفه لا إلى غيره (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ) أي إذا فريق كافر وهم أنتم (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (٥٤) غيره وهذا ضلال كامل (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) أي إن عاقبة تلك التضرعات ما كانت إلا كفران نعمة إزالة المكروه عنهم. وقيل : إن هذه «اللام» لام الأمر الوارد للتهديد ، كقوله تعالى : (فَتَمَتَّعُوا) أي عيشوا في الكفر (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٥٥) عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب (وَيَجْعَلُونَ) أي المشركون (لِما لا يَعْلَمُونَ) أي للأصنام التي لا يعلم المشركون أنها تضر من حيث عبادتها ولا تنفع (نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الزرع والأنعام وغيرهما تقربا إليها (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) يوم القيامة سؤال توبيخ (عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) (٥٦) أي تكذبون على الله من أنه أمركم بذلك الجعل (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) أي يقول خزاعة وكنانة الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) نزه الله ذاته عن نسبة الولد إليه وأمر الله تعالى الخلق بالتعجب من جراءتهم على وصف الملائكة بالأنوثة ثم نسبتها بالولدية إلى الله تعالى (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧) ويجعلون لأنفسهم ما يختارون من البنين (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) أي والحال أنه إذا أخبر بولادة الأنثى (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أي صار وجهه متغيرا تغير معتم من الحياء من الناس (وَهُوَ كَظِيمٌ) (٥٨) أي ممتلئ غما وحزنا وغيظا من زوجته فكيف ينسب البنات إليه تعالى! وجملة «وإذا بشر» حال من الواو في «ويجعلون». (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) أي يختفي من قومه (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) أي من أجل كراهية الأنثى التي أخبر بها من حيث كونها لا تكتسب ، وكونها يخاف عليها الزنا ، وكان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بامرأته اختفى عن القوم إلى أن يعلم ما يولد له فإن كان ذكرا فرح به ، وإن كان أنثى حزن ولم يظهر للناس أياما يدبر فيها ماذا يصنع بها ، وذلك قوله تعالى : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) أي أيحفظ ما بشر به من الأنثى مع رضاه بذل نفسه (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) أي أم يخفيه في التراب بالوأد فالعرب كانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها فيها إلى أن تموت ، ومنهم من يرميها من شاهق جبل ، ومنهم من يغرقها ، ومنهم من يذبحها وهم

٥٩٦

كانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية وتارة خوفا من الفقر ولزوم النفقة (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٥٩) حكمهم هذا حيث يجعلون له تعالى ما عادته عندهم حقارة. والحال أنهم يتباعدون عنه (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث بعد الموت (مَثَلُ السَّوْءِ) أي الصفة القبيحة وهي احتياجهم إلى الولد ليقوم مقامهم عند موتهم وللاستعلاء به وكراهتهم الإناث خوف الفقر والعار مع احتياجهم إليهن للنكاح (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي الصفة المقدسة وهي صفة الألوهية المنزهة عن صفات المخلوقين وعن الولد (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي المنفرد بكمال القدرة (الْحَكِيمُ) (٦٠) أي الذي يفعل ما يفعل بالحكمة البالغة (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها) أي الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) أي لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ومعصية لا يبقى لهم نسل فيلزم أن لا يبقى في العالم أحد من الناس فحينئذ لا يبقى في الأرض أحد من الدواب أيضا ، لأنها مخلوقة لمنافع البشر (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي معين عند الله تعالى لأعمارهم ليتوالدوا (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ) عن ذلك الأجل (ساعَةً) أي فذة (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٦١) وإنما ذكر الاستقدام مع أنه لا يتصور عند مجيء الأجل مبالغة في بيان عدم الاستئخار بنظمه في سلك ما يمتنع (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) أي وينسبون إليه تعالى البنات التي يكرهونها لأنفسهم (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) بدل من الكذب أي يصفون أنفسهم بأنهم فازوا برضوان الله تعالى بسبب إثبات البنات له تعالى وبأنهم على الدين الحق (لا جَرَمَ) أي ثبت (أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) التي ليس وراء عذابها عذاب (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٦٢) أي متروكون في النار. وقرأ نافع وقتيبة عن الكسائي بكسر الراء أي مفرطين على أنفسهم في الذنوب (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا) رسلا (إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) فدعوهم إلى الحق (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) القبيحة فرأوها حسنة فكذبوا الرسل (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) أي فالشيطان متول أمورهم في الدنيا بإغوائهم وقرينهم في النار (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣) هو عذاب النار (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن (إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي إلا لتبين للناس بواسطة بيانات القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها من التوحيد والشرك والجبر والقدر وأحوال المعاد والأحكام كتحريم الميتة وتحليل نحو البحيرة (وَهُدىً وَرَحْمَةً) أي وللهداية من الضلالة وللرحمة من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤) بالقرآن لأنهم المغتنمون آثاره (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي والله خلق السماء على وجه ينزل منه الماء ، ويصير ذلك الماء سببا لنبات الزرع والشجر ولخروج النور والثمر (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنزال الماء وإحياء الأرض اليابسة (لَآيَةً) دالة على وحدته تعالى وعلمه وقدرته وحكمته (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٥) هذه المواعظ سماع تفكر ، لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه أصم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) عظيمة إذا تفكرتم فيها (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) أي الأنعام.

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي «نسقيكم» بضم النون.

٥٩٧

والباقون بالفتح. (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ) أي روث في الكرش (وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) أي لا يخالطه الفرث ولا الدم وقوله : «لبنا» مفعول ثان. وقوله : «من بين» حال من «ما» التي للتبعيض ، أو للابتداء ، أو من لبنا. وعن ابن عباس أنه قال : إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا وأعلاه دما ، وأوسطه لبنا فيجري الدم في العروق ، واللبن في الضرع ، ويبقى الفرث كما هو (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) (٦٦) أي جاريا في حلوقهم لذيذا فلا يغص أحد باللبن (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) أي ونسقيكم من عصير ثمرات النخيل والأعناب (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) أي خمرا (وَرِزْقاً حَسَناً) كالدبس والخل ، والتمر والزبيب والله تعالى ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع ، وخاطب بها المشركين والخمر من أشربتهم فهي منفعة في حقهم ، ثم نبه في هذه الآية على تحريمها ، لأنه ميّز بينهما وبين الرزق الحسن في الذكر ، فوجب أن لا تكون الخمر رزقا حسنا والخمر يكون حسنا بحسب الشهوة ولا يكون حسنا بحسب الشريعة ، وهذه الآية جامعة بين العتاب والمنة ، وهذا إذا كانت الخمر محرمة قبل نزولها وإن كانت سابقة النزول على تحريم الخمر فهي دالة على كراهتها (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إخراج اللبن من بين الروث والدم وفي إخراج الخمر والرزق الحسن من الثمرات (لَآيَةً) دالة على قدرته تعالى (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧) أي يستعملون عقولهم بالتأمل في الآيات فيعلمون أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) أي ألهم ربك النحل : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي أوكارا (وَمِنَ الشَّجَرِ) أي مما يوافق مصالحك ويليق بك (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٦٨) أي مما يرفعه الناس ويبنونه لك ، أي إن الله قدّر في أنفس النحل الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العقلاء من البشر ، وذلك أن النحل تبني بيوتا على شكل مسدس من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها ولو كانت البيوت مدورة أو مثلثة أو مربعة أو غير ذلك من الأشكال لكان فيها فرج خالية ضائعة. فإلهام ذلك الحيوان الضعيف بهذه الحكمة الخفية والدقيقة اللطيفة من الأعاجيب ، والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات مثل المسطر والفرجار. (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي من كل ثمرة تشتهيها مرها وحلوها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) أي فإذا أكلتها فاسلكي راجعة إلى بيوتك سبل ربك (ذُلُلاً) حال من السبل أي مسخرة لك أو من الضمير في «اسلكي» ، أي فاسلكي منقادة لما أمرت به ، ولذا يقسم يعسوبها أعمالها بينها فبعض يعمل الشمع وبعض يعمل العسل وبعض يستقي الماء ويصبه في البيت ، وبعض يبني البيوت. (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ) أي عسل (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) من أبيض وأسود ، وأصفر وأحمر على قدر ما تأكل من الثمار والأزهار ، أو بحسب اختلاف الفصل أو سن النحل فيستحيل المأكول في بطونها عسلا بقدرة الله تعالى ، ثم يخرج من أفواهها يسيل كاللعاب (فِيهِ) أي في ذلك الشراب (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) من الأوجاع لا سيما البلغمية فإنه فيها عظيم النفع. وعن ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور فعليكم بالشفاءين

٥٩٨

العسل والقرآن. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة وفي اهتدائها إلى جمع الأجزاء العسلية من أطراف الأشجار والأوراق (لَآيَةً) أي لعبرة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩) فإن من تفكّر في شؤون النحل جزم قطعا بأن لها خالقا قادرا حكيما يلهمها ذلك (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) فإن خالق الأبدان هو الله تعالى (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) أي يقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم فإن الحياة والموت إنما حصلا بتخليق الله تعالى وبتقديره (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي أحقره وهو الهرم.

قال العلماء : عمر الإنسان له أربع مراتب :

أولها : سن النشوء وهو من أول العمر إلى بلوغ ثلاث وثلاثين سنة وهو غاية سن الشباب.

وثانيها : سن الوقوف وهي من ذلك إلى أربعين سنة وهو غاية القوة وكمال العقل.

وثالثها : سن الانحطاط القليل وهو سن الكهولة وهو من ذلك إلى ستين سنة.

ورابعها : سن الانحطاط الكبير وهو سن الشيخوخة وهو من ذلك إلى خمسة وستين سنة وفيه يتبين النقص والهرم.

قال علي بن أبي طالب : أرذل العمر خمسة وسبعون سنة. وقال قتادة : تسعون سنة. وقال السدي : إنه الخرف أي زوال العقل. وقيل : والمسلم لا يزداد بسبب طول العمر إلا كرامة على الله تعالى. وقال عكرمة : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) أي ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في نقصان العقل وسوء الفهم وفي النسيان (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بمقادير أعمالكم (قَدِيرٌ) (٧٠) على تحويلكم من حال إلى حال وكان الإنسان ميتا حين كان نطفة ، ثم صار حيا ، ثم مات فلما كان الموت الأول جائزا كان عود الموت جائزا فكذلك لما كانت الحياة الأولى جائزة وجب أن يكون عود الحياة جائزا في المرة الثانية ، ومتى كان الأمر كذلك ثبت أن القول بالبعث والنشر والحشر حق. (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) أي فاوت بينكم في الرزق كما فاوت بينكم في الذكاء ، والبلادة ، والحسن ، والقبح ، والصحة ، والسقم (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي فليس الذين فضلوا في الرزق على غيرهم بجاعلي رزقهم لعبيدهم حتى تكون عبيدهم فيه معهم سواء في الملك وهم أمثالهم في البشرية والمخلوقية والمرزوقية.

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : نزلت هذه الآية في نصارى نجران حين قالوا : إن عيسى ابن مريم ابن الله فالمعنى أنكم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون سواء فكيف جعلتم عبدي عيسى ابنا لي وشريكا بي في الإلهية (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١) فإن من أثبت لله شريكا فقد أسند إليه بعض الخيرات فكان جاحدا لكونها من عند الله تعالى ، وأيضا إن أهل الطبائع وأهل

٥٩٩

النجوم يضيفون أكثر هذه النعم إلى الطبائع وإلى النجوم وذلك يوجب كونهم جاحدين لكونها من الله تعالى. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «تجحدون» بالتاء على الخطاب (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من جنسكم (أَزْواجاً) أي زوجات لتأنسوا بها وتقيموا بها مصالحكم.

قال الأطباء : والتفاوت بين الذكر والأنثى إن الذكر أسخن مزاجا ، والأنثى أكثر رطوبة ، فالمني إذا انصب إلى الخصية اليمنى من الرجل ، ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم كان الولد ذكرا تاما في الذكورة. وإن انصب إلى الخصية اليسرى من الرجل ثم انصب منها إلى الجانب الأيسر من الرحم كان الولد أنثى تاما في الأنوثة ، وإن انصب إلى الخصية اليمنى ثم انصب منها إلى الجانب الأيسر كان الولد ذكرا في طبيعة الإناث ، وإن انصب إلى الخصية اليسرى ، ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم كان الولد أنثى في طبيعة الذكور (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي من نسائكم (بَنِينَ وَحَفَدَةً) أي خدما يسرعون في طاعتكم وهم إما أولاد الأولاد وإما البنات فإنهن يخدمن البيوت أتم خدمة وإما الأختان على البنات أي فيحصل لهم الأختان بسبب البنات (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي بعض اللذائذ من النبات والحيوان فالمرزوق في الدنيا أنموذج لما في الآخرة وكل الطيبات في الجنة (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي أيكفرون بالله الذي شأنه ذلك المذكور ويؤمنون بالباطل بأن يحرموا على أنفسهم طيبات أحلها الله لهم مثل البحيرة والسائبة والوصيلة ، ويبيحوا لأنفسهم محرمات حرمها الله عليهم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح على النصب أي لم يحكمون بتلك الأحكام الباطلة (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢) أي وبأنعام الله في تحليل الطيبات وتحريم الخبيثات يجحدون (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) أي أيعبدون الأصنام التي لا تملك لعبدتهم رزقا من المطر والنبات لا قليلا ولا كثير ، فشيئا بدل من رزقا (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٧٣) أي وليس للأصنام استطاعة تحصيل الملك وهذا معطوف على ما لا يملك وعبر عن الأصنام بلفظ ما اعتبارا للحقيقة ، وبلفظ جمع العقلاء اعتبارا لاعتقادهم فيها أنها آلهة (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) أي لا تشبهوا الله تعالى بخلقه في شأن من الشؤون فإن عبدة الأوثان كانوا يقولون : إن إله العالم أعظم من أن يعبده الواحد منا بل نحن نعبد الكواكب أو هذه الأصنام ، ثم إن الكواكب والأصنام عبيد الإله الأكبر الأعظم فإن أصاغر الناس يخدمون أكابر خدم الملك وأولئك الأكابر يخدمون الملك فكذا هاهنا فعند هذا قال الله تعالى لهم : اتركوا عبادة هذه الأصنام والكواكب ولا تجعلوا لله الأمثال التي ذكرتموها وكونوا مخلصين في عبادة الإله القدير الحكيم (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) أن خطأ قولكم الاشتغال بعبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من الاشتغال بعبادة نفس الملك ، لأن هذا الدليل قياس ، والقياس يجب تركه عند ورود النص (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧٤) ذلك فتقعون في مهاوي الضلال (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) بالعبد والحر (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) من التصرفات (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) أي

٦٠٠