قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

حوائجه ورفعه يوم القيامة مكاناً علياً إلى درجة إدريس وأجير (١) من مكروه الدّنيا ومكائد أعدائه (٢).

فصل ـ ٣ ـ

( في نبوّة نوح عليه السّلام )

وهو ابن متوشلخ به اُخنوخ ـ وهو إدريس صلوات الله عليه ـ ابن برد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم صلوات الله عليهم أجمعين (٣).

٦٥ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، حدّثنا محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّ نوحاً دعا قومه (٤) علانيةً ، فلمّا سمع عقب هبة الله من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم صدّقوه ، فأمّا ولد قابيل فانّهم كذّبوه وقالوا : « مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ » (٥) وقالوا : « أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ » (٦) يعنون عقب هبة الله صلوات الله عليه (٧).

٦٦ ـ وعن ابن أورمة ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : مكث نوح (٨) عليه السّلام في قومه يدعوهم [ الى الله ] (٩) سرّاً وعلانية ، فلمّا عتوا وأبوا قال : « رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ » (١٠) فأوحى الله تعالى إليه أن اصنع الفلك ، وأمره بغرس النّوى ، فمرَّ عليه قومه

_________________________________

(١) في ق ٣ : وأجاره.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٢٨٠) ، برقم : (١٠) و (١٠٠ / ٤٣٤) ، برقم : (١).

(٣) بحار الانوار (١١ / ٢٨٧) ، برقم : (٨) ، وفيه : كان نوح ابن الملك بن متوشلخ.

(٤) في البحار : قال دعا نوح عليه السلام قومه ، وفي ق ٢ وق ٤ : إنّ نوحاً لمّا دعا قومه.

(٥) سورة المؤمنون : (٢٤).

(٦) سورة الشّعراء : (١١١).

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٤).

(٨) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : سكن نوح.

(٩) الزيادة من ق ٣.

(١٠) سورة القمر : (١٠).

٨١

فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد غراساً حتّى إذا طال وصار طوالاً قطعه ونجره ، فقالوا قد قعد نجّاراً ، ثمّ ألّفه فجعله سفينة ، فمرّوا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد ملّاحاً في أرض فلاة حتّى فرغ منها (١).

٦٧ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : صنعها في ثلاثين سنة ، ثمَّ أمر أن يحمل فيها من كلّ زوجين اثنين الأزواج الثّمانية الّتي خرج بها آدم عليه السلام من الجنّة ، ليكون معيشة لعقب نوح عليه السلام في الأرض ، كما عاش عقب آدم عليه السلام ، فإنّ الأرض تغرق بما فيها إلّا ما كان معه في السّفينة (٢).

٦٨ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي رزين الأسدي ، عن عليّ صلوات الله وسلامه عليه ، قال : لمّا فرغ نوح من السّفينة ، فكان ميعاده عليه السّلام فيما بينه وبين ربّه تعالى في إهلاك قومه أن يفور التّنور ففار ، فقالت امرأته له : إنّ التّنور قد فار ، فقام إليه فختمه [ بخاتمه ] (٣) فقام الماء فأدخل من أراد أن يدخل ثمّ أتى إلى خاتمه فنزعه وقال تعالى (٤) : « فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا » (٥).

٦٩ ـ وعن أحمد بن عيسى (٦) ، حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن صالح ، عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام قال : سمعت أبي صلوات الله عليه يحدّث عطا قال : كان طول سفينة نوح عليه السلام ألفاً ومائتي زراع ، وكان عرضها ثمانمائة زراع ، وعمقها ثمانين زراعاً ، فطافت بالبيت وسعت بين الصّفا والمروة سبعة أشواط ، ثمّ استوت على الجوديّ (٧).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٥).

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤) ، برقم : (٤٠).

(٣) الزيادة من قم ٣.

(٤) ق سورة القمر : (١١ ـ ١٢).

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤) ، برقم : (٤١).

(٦) كذا والظّاهر : أحمد بن محمد بن عيسى بدليل الحديث السّابق وأنّ في البحار : وابن عيسى. والتّعبير عنه به بحسب دأب العلّامة المجلسي قرينة عليه.

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥) ، برقم : (٤٢).

٨٢

٧٠ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا مصعب بن يزيد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام قال : جاء نوح عليه السّلام إلى الحمار ليدخله السّفينة ، فامتنع عليه قال : وكان إبليس بين أرجل الحمار ، فقال : يا شيطان ادخل فدخل الحمار ودخل الشّيطان فقال إبليس : أعلّمك خصلتين ، فقال نوح عليه السلام : لا حاجة لي في كلامك ، فقال إبليس : إيّاك والحرص ، فانّه أخرج آدم عليه السّلام من الجنّة (١) ، وايّاك والحسد فانّه أخرجني من الجنّة ، فأوحى الله اليه : اقبلهما وإن كان ملعوناً (٢).

٧١ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا ابوأحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ قوم نوح شكوا إلى نوح عليه السلام الفأر ، فأمر الله الفهد فعطس (٣) فطرح السّنور فأكل الفأر ، وشكوا إليه العذرة فأمر الله الفيل أن يعطس فعطس فسقط الخنزير (٤).

٧٢ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا الحسن بن عليّ ، عن داود بن يزيد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام قال : ارتفع الماء زمان نوح (٥) عليه السّلام على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعاً (٦).

٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن جعفر بن علي بن عبد الله بن المغيرة ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ الله تبارك وتعالى أغرق الأرض كلّها يوم نوح عليه السلام إلّا البيت ، فمن يومئذ سمّي العتيق ، لأنّه أعتق من الغرق ، فقلت : صعد إلى السّماء ؟ فقال : لم يصل الماء إليه وإنّما رفع عنه (٧).

فصل ـ ٤ ـ

٧٤ ـ وعن ابن أورمة ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن محمّد بن سنان ، قال حدّثنا

_________________________________

(١) في البحار (٦٣ / ٢٥٠) : أخرج أبويك من الجنّة.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٦) و (٦٣ / ٢٥٠) ، برقم : (١١١) و (٧٢ / ١٩٥) ، برقم : (١٦).

(٣) في ق ٤ : فأوحى الله تعالى الى الفهد فعطس ، وفي ق ٣ : فأمر الله الفهد يعطس.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٧) و (٦٥ / ٦٤) ، برقم : (٢٢).

(٥) في ق ٣ : في زمن نوح.

(٦) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤) ، برقم : (٣٨).

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٢٥) ، برقم : (٤٣) و (٩٩ / ٥٨) ، برقم : (١٥).

٨٣

إبراهيم ابن أبي البلاد ، عن غير واحد ، عن أحدهما صلوات الله عليهما قال : لمّا قال الله تعالى : يا أرض ابلعي مائك ، قالت الأرض : إنما اُمرت أن أبلع مائي فقط ، ولم اُؤمر أن أبلع ماء السّماء ، فبلعت الأرض ماءها وبقى ماء السّماء ، فصير (١) بحراً حول السّماء وحول الدّنيا (٢) والأمر والجواب يكونان مع الملك الموكّل بالأرض وبالسّماء (٣).

٧٥ ـ وبالاسناد المتقدم ذكره ، عن الحسن بن محبوب ، عن حنّان بن سدير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : آمن (٤) بنوح صلوات الله عليه من قومه ثمانية نفر. وكان اسمه عبد الجبّار ، وإنّما سمّى نوحاً لانّه كان ينوح على نفسه.

وفي روايةٍ : لأنّه بكى خمسمائة سنة ، وكان اسمه عبد الأعلى.

وفي رواية : عبد الملك وكان يسمّى بهذه الأسماء كلّها (٥).

٧٦ ـ وباسناده عن وهب بن منبّه اليماني : أنّ نوحاً عليه السّلام كان نجّاراً ، وكان إلى الاُدمة ما هو دقيق الوجه (٦) ، في رأسه طول ، عظيم العينين ، دقيق السّاقين ، كثير (٧) لحم الفخذين ، ضخم السّرة ، طويل اللّحية عريضاً طويلاً جسيماً ، وكان في غضبه وانتهاره (٨) شدّة ، فبعثه الله وهو ابن ثمانمائة وخمسين سنة ، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الله تعالى ، فلا يزدادون إلّا طغياناً ، ومضى ثلاثة قرون من قومه ، وكان الرّجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقفه (٩) على رأس نوح صلوات الله عليه ، فيقول : يا بنيّ إن بقيت بعدي فلا تطيعنَّ هذا المجنون (١٠).

_________________________________

(١) في ق ٢ : فصار بحراً.

(٢) للعلامة المجلسي فيه بيان راجع البحار.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤) ، برقم : (٣٩).

(٤) كذا في ق ٣ والبحار ، وفي غيرهما من النّسخ : أمر.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٢٦) ، برقم : (٤٤).

(٦) في ق ٢ : مائلاً رقيق الوجه ، وفي ق ٤ : مائل رقيق الوجه ، وفي ق ٣ : وهو دقيق الوجه.

(٧) في البحار : كثيراً.

(٨) في ق ١ : وامتهاره ، وفي ق ٤ : وانتهازه.

(٩) في ق ٤ : يوقفه ـ خ.

(١٠) بحار الانوار (١١ / ٢٨٧) ، برقم : (٩). وقال : بيان الى الادمة ما هو ، أي :كان مائلاً إلى الأدمة وما هو بأدم.

٨٤

٧٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا علي بن أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكري صلوات الله عليهما يقول : عاش نوح صلوات الله عليه ألفين وخمسمائة سنة ، وكان يوماً في السّفينة نائماً فضحك (١) حام ويافث فزجرهما سام ونهاهما عن الضّحك فانتبه نوح صلوات الله عليه.

وقال لهما : جعل الله ذُرّيتكُمٰا خولاً لذرّيّة سام إلى يوم القيامة ، لانّه برّني وعققتماني ، فلا زالت سمة عقوقكما في ذرّيتكما ظاهرة وسمة البِرّ في ذريّة سام ظاهرة ما بقيت الدّنيا ، فجميع (٢) السّودان حيث كانوا من ولد حام ، وجميع التّرك والسّقالبة ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا ، وجميع البيض سواهم من ولد سام.

وأوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام : إنّي قد جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي ، وموثقاً منّي بيني وبين خلقي ، يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ، ومن أوفى بعهده منّي. ففرح نوح عليه السلام وتباشر ، وكان القوس فيها وترٌ وسهمٌ ، فنزع منها السّهم والوتر ، وجعلت أماناً من الغرق.

وجاء إبليس إلى نوح عليه السلام فقال : إنّ لك عندي يداً عظيمةً ، فانتصحني فانّي لا أخونك ، فتأثّم (٣) نوح بكلامه ومساءلته (٤) ، فأوحى الله إليه أن كلّمه واسأله (٥) ، فانّي سأنطقه بحجة عليه ، فقال نوح صلوات الله عليه : تكلّم فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً أو حريصاً أو حسوداً أو جبّاراً أو عجولاً تلقّفناه تلقّفّ الكرة ، فان اجتمعت لنا هذه الأخلاق سمّيناه شيطاناً مريداً فقال نوح صلوات الله عليه : ما اليد العظيمة الّتي صنعت ؟ قال : إنّك دعوت الله على أهل الأرض ، فألحقتهم في ساعة [ واحدة ] (٦) بالنّار ، فصرت

_________________________________

(١) في البحار : نائماً فهبت ريح فكشفت عورته فضحك.

(٢) في ق ٥ : فجمع.

(٣) في ق ٣ : فتألم.

(٤) في ق ٤ : ومسألته.

(٥) في ق ٤ : وسله.

(٦) الزيادة من ق ٣.

٨٥

فارغاً ، ولولا دعوتك لشغلت بهم دهراً طويلاً (١).

فصل ـ ٥ ـ

٧٨ ـ أخبرنا الشّيخ ابوجعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي (٢) ، عن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسيّ ، عن الشّيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النّعمان الحارثيّ ، حدّثنا ابوجعفر ابن بابويه ، حدّثنا ابوعبد الله محمّد بن شاذان ، عن أحمد بن عثمان البروادي ، حدّثنا ابوعلي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سعد بن الحافظ السّمرقندي ، حدّثنا صالح بن سعيد الترمذي ، عن عبد الهيثم (٣) بن إدريس ، عن المسيب ، عن محمد بن السّائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال إبليس لنوح صلوات الله عليه : لك عندي يد عظيمة سأعلّمك خصالاً قال نوح : وما يدي عندك ؟

قال : دعوتك على قومك حتّى أهلكهم الله جميعاً. فايّاك والكبر وايّاك والحرص وايّاك والحسد فان الكبر هو الّذي حملني على أن تركت السّجود (٤) لآدم عليه السلام فأكفرني وجعلني شيطاناً رجيماً وإيّاك والحرص فان آدم أُبيح له الجنّة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها وايّاك والحسد ، فان ابن آدم حسد أخاه فقتله. فقال نوح صلوات الله عليه : فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم ؟ قال : عند الغضب (٥).

٧٩ ـ وبالاسناد المتقدم عن عبد الحميد ابن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال : عاش نوح صلوات الله عليه بعد النّزول من السّفينة خمسمائة سنة (٦) ، ثمّ أتاه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) ، برقم : (١٠) و (٦٣ / ٢٥٠) ، برقم : (١١٢) و (٧٢ / ١٩٥) ، برقم : (١٧).

(٢) عنونه الشّيخ منتجب الدين في الفهرست برقم : (٣٥٧) قائلاً : الشيخ ابوجعفر محمد بن علي ابن المحسن الحلبي ... وعنون الشيخ الحرّ في أمل الآمل (٢ / ٢٨٢ و ٢٨٩) كليهما ونفى البعد عن وحدتهما. والوحدة هي الصّحيح. كما أنّ الأصحّ في اسم جدّه هو المحسن.

(٣) في ق ٥ : عبد الهيثم ، وفي ق ٤ : عبد القيثم ـ عبد القشم.

(٤) في ق ٢ : على ترك السجود.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٢٩٣) ، برقم (٧) و (٦٣ / ٢٥١) ، برقم : (١١٣).

(٦) في البحار (١١ / ٢٨٨) : بعد النّزول من السّفينة خمسين سنة. قال العلامة المجلسي رحمه الله أقول : ذكر في

٨٦

جبرئيل عليه السلام فقال : يا نوح انّه قد انقضت نبوّتك واستكملت أيامك ، فيقول الله تعالى : ادفع ميراث العلم وآثار علم النبوّة التي معك إلى ابنك سام ، فانّي لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به طاعتي ويكون نجاةً فيما بين قبض النّبيّ وبعث النّبيّ الآخر ، ولم أكن أترك النّاس بغير حجّة ، وداع (١) إليَّ وهادٍ إلى سبيلي وعارفٍ بأمري ، فإنّي قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم هادياً أهدي به السّعداء ، ويكون حجّة على الاشقياء.

قال : فدفع نوح صلوات الله عليه جميع ذلك إلى ابنه سام ، فأمّا حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به. قال : وبشرهم نوح بهود صلوات الله عليهما ، وأمرهم باتّباعه ، وأمرهم أن يفتحوا الوصيّة كلّ عام فينظروا فيها ، فيكون ذلك عيداً لهم ، كما أمرهم آدم صلوات الله عليه (٢).

٨٠ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : عاش نوح عليه السلام ألفي سنة وخمسمائة سنة منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلّا خمسين عاماً ، وهو في قومه يدعوهم إلى الله تعالى ، ومائتا عام في عمل السّفينة ، وخمسمائة عام بعد ما نزل من السّفينة ، ونضب الماء ، فمصّر الامصار وسكن ولده البلدان ، ثمَّ جاءه (٣) ملك الموت وهو في الشّمس فقال : السّلام عليك ، فردّ عليه نوح صلوات الله عليهما السلام وقال : ما جاء بك ؟ قال : جئت لأقبض روحك قال : تدعني أدخل من الشّمس إلى الظّل ؟ فقال له : نعم قال : فتحول نوح ثمّ قال : يا ملك الموت كان ما مرَّ بي من الدّنيا مثل تحوّلي من الشمس إلى الظّل ، فامض لما أمرت به ، فقبض روحه صلوات الله عليه (٤).

_________________________________

(ص) بهذا الاسناد الى قوله : « كما أمرهم آدم عليه السلام » إلّا أنّ فيه خمسمائة سنة بدل خمسين سنة ، وهو الصّواب كما يدلّ عليه ما مرّ من الأخبار.

(١) في ق ٣ : فلم أكن أترك الارض بغير حجّة فيها للنّاس وداع.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) ، عن إكمال الدّين مثله وعن قصص الانبياء في الجزء (٢٣ / ٣٣) ، برقم : (٥٣).

(٣) في ق ٢ وق ٤ : جاء.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦) ، برقم : (٢) عن أمالي الصّدوق مثله. وأشار إلى وجود الخبر في القصص بذكر السّند.

٨٧

الباب الثالث

( في ذكر هود وصالح عليهما السلام )

٨١ ـ وبالاسناد المتقدم عن وهب بن منبّه أنّه قال : كان من أمر عاد أنّ كلّ رمل على ظهر الأرض وضعه الله لشيء من البلاد كان مساكن (١) في زمانها ، وقد كان الرّمل قبل ذلك في البلاد ، ولكن لم يكن كثيراً حتّى كان زمان عاد ، وأنّ ذلك الرّمل كان (٢) قصوراً مشيَّدةً وحصوناً ومدائن ومصانع ومنازل وبساتين.

وكانت بلاد عاد أخصب [ من ] (٣) بلاد العرب ، وأكثرها أنهاراً وجناناً ، فلمّا غضب الله عليهم وعتوا على الله ، وكانوا أصحاب الأوثان يعبدونها من دون الله ، فأرسل الله عليهم الريّح العقيم وانّما سميت « العقيم » لأنّها تلقحت بالعذاب ، وعقمت عن الرّحمة (٤) ، وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتّى عاد ذلك كلّه رملاً دقيقاً تسفيه الرّيح ، وكان تلك الرّيح (٥) ترفع الرّجال والنّساء ، فتهب بهم صعدا ، ثمّ ترمي بهم من الجوّ (٦) فيقعون على رؤوسهم منكّسين.

وكانت عاد ثلاثة عشر قبيلة وكان هود عليه السلام في حسب عاد وثروتها وكان أشبه

_________________________________

(١) في ق ٢ : وكان ساكن.

(٢) في ق ٣ وق ٤ والبحار : كانت.

(٣) الزيادة من ق ٥.

(٤) في ق ٢ وق ٣ : من الرحمة.

(٥) في ق ٢ وق ٤ : الرياح وكان تلك الرياح.

(٦) في ق ٢ : إلى الجو.

٨٨

ولد آدم بآدم صلوات الله عليهما ، وكان رجلاً أدم (١) ، كثير الشّعر ، حسن الوجه ، ولم يكن أحد من النّاس أشبه بآدم منه إلّا ما كان من يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما ، فلبث هود عليه السلام فيهم زماناً طويلاً يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن الشّرك بالله تعالى وظلم النّاس ، ويخوّفهم بالعذاب فلجّوا ، وكانوا يسكنون أحقاف الرّمال ، وأنّه لم يكن اُمّةً أكثر من عاد ولا أشدَّ منهم بطشاً.

فلما رأوا الرّيح قد أقبلت عليهم قالوا لهود أتخوّفنا بالرّيح ، فجمعوا ذراريهم وأموالهم في شعب من تلك الشّعاب ، ثمَّ قاموا على باب ذلك الشّعب يردّون الرّيح عن أموالهم وأهاليهم ، فدخلت الرّيح من تحت أرجلهم بينهم وبين الأرض حتّى قلعتهم ، فهبّت بهم صعدا ، ثمّ رمت بهم من الجوّ ، ثمّ رمت بهم الرّيح في البحر ، وسلّط الله عليهم الذّر فدخلت في مسامعهم ، وجاءهم من الذّر ما لا يطاق قبل أن يأخذهم الرّيح ، فسيّرهم ، من بلادهم ، وحال بينهم وبين مرادهم حتّى أتاهم الله (٢).

وقد كان سخّر لهم من قطع الجبال والصّخور والعمد والقوّة على ذلك والعمل به شيئاً (٣) لم يسخّره لأحد كان قبلهم ولا بعدهم ، وانّما سمّيت « ذات العماد » من أجل أنهم يسلخون العمد من الجبال ، فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الّذي يسلخونه منه من أسفله الى أعلاه ، ثمَّ ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثمَّ يبنون فوقها القصور ، وقد كانوا ينصبون تلك العمد أعلاماً في الارض على قوارع الطّريق ، وكان كثرتهم بالدّهنا ويبرين وعالج إلى اليمن إلى حضرموت (٤).

٨٢ ـ وسئل وهب عن هود أكان أبا اليمن (٥) ألّذي ولّدهم ؟ فقال لا ، ولكنّهم أخو اليمن الّذي في التّوراة تنسب الى نوح عليه السلام ، فلمّا كانت العصبيّة بين العرب وفخرت مضر بأبيها اسماعيل ادّعت اليمن هوداً أباً ليكون لهم أباً ووالداً (٦) من الانبياء ،

_________________________________

(١) في ق ٣ : أدماً.

(٢) في ق ٣ : حتى أبادهم الله ، وفي البحار : وحال بينهم وبين موادهم حتى أتاهم الله.

(٣) في ق ٣ : شيء.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨) ، برقم : (١٥).

(٥) في ق ١ وق ٢ وق ٤ وق ٥ : أكان باليمن.

(٦) في البحار : ليكون لهم أب ووالد.

٨٩

وليس بأبيهم ولكنّه أخوهم (١).

ولحق هود ومن آمن معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا ، وكذلك فعل صالح عليه السلام بعده ، ولقد سلك فج الرّوحا سبعون ألف نبيّ حجاجاً عليهم ثياب الصّوف مخطمين أبلهم بحبال الصّوف ، يلبّون الله بتلبية شتّى ، منهم : هود وصالح وإبراهيم وموسى وشعيب ويونس صلوات الله عليهم ، وكان هود رجلاً تاجراً (٢).

فصل ـ ١ ـ

٨٣ ـ وبالاسناد الّذي قدّمنا عن ابن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله سلام الله عليه قال : لمّا بعث الله هوداً أسلم له العقب من ولد سام ، وأمّا الآخرون فقالوا : من أشدّ منّا قوَّةً ، فأُهلكوا بالرّيح العقيم ، ووصى (٣) وبشرهم بصالح صلوات الله عليهما (٤).

٨٤ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كانت أعمار قوم هود صلوات الله عليه أربعمائة سنةً ، وقد كانوا يعذّبون بالقحط ثلاث سنين ، فلم يرجعوا عمّا هم عليه ، فلمّا رأوا ذلك بعثوا وفداً لهم إلى جبال مكّة ، وكانوا لا يعرفون موضع الكعبة ، فمضوا واستسقوا فرفعت لهم ثلاث سحابات ، فقالوا : هذه حُفا يعني الّتي ليس فيها ماء وسمّوا الثّانية فاجياً و [ اختاروا ] (٥) الثالثة التي فيها العذاب.

قال : والرّيح عصفت عليهم ، وكان رئيسهم يقال له : الخلجان فقالوا : يٰا هود ما ترى الرّيح إذ أقبلت أقبل معها خلق [ كثير ] (٦) كأمثال الأباعر معها أعمدة هم الّذين يفعلون بنا الافاعيل ، فقال : أولئك الملآئكة ، فقالوا : أترى ربّك إن نحن آمنّا به أن يديلنا منهم ،

_________________________________

(١) في ق ٣ والبحار : ولكنه أخو اليمن.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩) ، برقم : (١٥).

(٣) في البحار : وأوصاه هود.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٥٩) ، برقم : (١٦) عن اكمال الدين.

(٥) الزيادة من البحار.

(٦) الزيادة من ق ٤ وق ٥ والبحار.

٩٠

فقال لهم هود عليه السلام : إنّ الله تعالى لا يديل أهل المعاصي من أهل الطّاعة ، فقال له الخلجان : وكيف لي بالرّجال الّذين هلكوا ؟ فقال له هود : يبدلك الله بهم من هو خير لك منهم ، فقال : لا خير في الحياة بعدهم (١) ، فاختار اللّحاق بقومه ، فأهلكه الله تعالى (٢).

٨٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن عبد الملك بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته ، قال : خرجنا مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى نخيلة (٣) فإذا أناس من اليهود معهم ميّت لهم ، فقال أمير المؤمنين للحسن صلوات الله عليهما : انظر ما يقول هؤلاء في هذا القبر ؟ فقال : يقولون : هو هود عليه السلام فقال : كذبوا أنا أعلم به منهم ، هذا قبر يهود بن يعقوب ، ثم قال : من ها هنا من مهرة ؟ فقال شيخ كبير : أنا منهم ، فقال له (٤) : أين منزلك ؟ فقال : في مهرة على شاطىء البحر (٥) ، فقال : أين هو من الجبل الّذي عليه الصّومعة ؟ قال : قريب منه قال : ما يقول قومك فيه ؟ فقال : يقولون هو (٦) قبر ساحر ، فقال : كذبوا أنا أعلم به منهم ، ذلك قبر (٧) هود عليه السلام وهذا قبر يهودا (٨).

٨٦ ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن ذرعة بن محمّد الحضرمي ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا هاجت الرّياح فجاءت بالسّافي الأبيض والاسود والاصفر ، فانّه رميم قوم عاد (٩).

٨٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن هارون ، حدثنا معاذ بن المثنى العنبري ،

_________________________________

(١) في ق ٤ : لا خير لي في الحياة بعدهم ، وفي ق ٢ : لا خير لي في الحياة الدّنيا بعدهم ، وفي ق ٥ : لا خير في الحياة الدّنيا.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٥٩) ، برقم : (١٧).

(٣) في ق ٢ : النخيلة.

(٤) في البحار : فقال لهم.

(٥) في ق ٤ : الفرات ، وفي ق ٣ : النهر.

(٦) الزيادة من ق ٢ وق ٣.

(٧) في ق ٢ : هو قبر.

(٨) بحار الانوار (١١ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠) ، برقم : (١٨).

(٩) بحار الانوار (١١ / ٣٦١) و (٦٠ / ١١) ، برقم : (١٣).

٩١

حدثنا عبد الله بن أسماء (١) ، حدّثنا جويرية ، عن سفيان بن منصور ، عن أبي وائل ، عن وهب قال : لمّا تمّ لهود عليه السلام أربعون سنة أوحى الله إليه أن ائت قومك ، فادعهم إلى عبادتي وتوحيدي ، فان أجابوك زدتهم قوّةً وأموالاً ، فبيناهم مجتمعون إذ أتاهم هود ، فقال : يا قوم أعبدوا الله مالكم من الۤه غيره ، فقالوا : يا هود لقد كنت عندنا ثقةً أميناً قال : فانّي رسول الله إليكم دعوا عبادة الأصنام ، فلمّا سمعوا ذلك منه بطشوا به وخنقوه وتركوه كالميّت ، فبقى يومه وليلته مغشيّاً عليه ، فلمّا أفاق قال : ربّ إنّي قد عملت وقد ترى مٰا فَعَلَ بي قومي.

فجاء جبرئيل عليه السلام فقال : يا هود إنّ الله تعالى يأمرك أن لا تفتر عن دعائهم ، وقد وعدك أن يلقي في قلوبهم الرعب ، فلا يقدرون على ضربك بعدها ، فأتاهم هود ، فقال لهم : قد تجبّرتم في الارض وأكثرتم الفساد ، فقالوا : يا هود اترك هذا القول ، فانّا إن بطشنا بك الثّانية نسيت الاولى ، فقال : دعوا هذا وارجعوا إلى الله وتوبوا إليه ، فلمّا رأى القوم ما لبسهم من الرعب علموا انّهم لا يقدرون على ضربه الثّانية ، فاجتمعوا بقوّتهم ، فصاح بهم هود عليه السلام صيحة فسقطوا لوجوههم.

ثم قال : يا قوم قد تماديتم في الكفر ، كما تمادى قوم نوح عليه السلام وخليق أن أدعو عليكم كما دعا نوح على قومه ، فقالوا : يا هود إنّ آلهة قوم نوح كانوا ضعفاء وإنّ آلهتنا أقوياء ، وقد رأيت شدّة أجسامنا (٢) وكان طول الرّجل منهم مائة وعشرين ذراعاً وعرضه ستون ذراعاً ، وكان أحدهم يضرب الجبل الصغير فيقطعه ، فمكث على هذا يدعوهم سبعمائة وستّين سنة.

فلمّا أراد الله تعالى هلاكهم حقف الاحقاف حتى صارت أعظم من الجبال ، فقال لهم هود يا قوم ألا ترون إلى هذه الرّمال كيف تحقّفت (٣) إنّي أخاف أن تكون مأمورة ، فاغتمّ هود عليه السلام لما رأى من تكذيبهم إيّاه ونادته الأحقاف قِرَّ يا هود عيناً ، فانّ لعاد منّا يوم سوء ، فلمّا سمع هود ذلك قال : يا قوم اتّقوا الله واعبدوه ، فان لم تؤمنوا به صارت هذه

_________________________________

(١) في ق ٢ : عبد الله بن أسماء بن سماعة.

(٢) في ق ١ : أجسادهم.

(٣) في ق ٤ وق ٥ : تخففت.

٩٢

الاحقاف عليكم عذاباً ونقمةً ، فلمّا سمعوا ذلك أقبلوا على نقل الأحقاف ، فلا تزداد (١) إلّا كثرةً ، فرجعوا صاغرين ، فقال هود : يا ربِّ قد بلغت رسالاتك فلم يزدادوا إلا كفراً.

فأوحى الله إليه يا هود : إنّي أمسك عنهم المطر ، فقال هود عليه السلام : يا قوم قد وعدني ربّي أن يهلككم ومرّ صوته في الجبال وسمع الوحش (٢) صوته والسّباع والطير ، فاجتمع كلّ جنس منها يبكي ويقول : يا هود أتهلكنا (٣) مع الهالكين ، فدعا هود ربّه تعالى في أمرها ، فأوحى الله تعالى إليه : أنّي لا أهلك من لم يعصني (٤) بذنب من عصاني ، تعالى الله علوّاً كبيراً (٥).

فصل ـ ٢ ـ

( في حديث إرم ذات العماد )

٨٨ ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسين محمّد بن هارون الزّنجاني ، حدّثنا معاذ بن المثنى العنبري ، حدّثنا عبد الله بن أسماء ، حدّثنا جويرية ، عن سفيان عن منصور ، عن أبي وائل ، قال : إنّ رجلاً يقال له : عبد الله بن فلانة (٦) خرج في طلب إبل له قد شردت (٧) ، فبينا هو في بعض الصّحاري في عدن في تلك الفلوات إذا هو قد وقع على مدينة عظيمة عليها حصن ، وحول ذلك الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال ، فلما دنا منها ظن أنّ فيها من يسأله عن إبله ، فلم ير داخلاً ولا خارجاً ، فنزل عن ناقته (٨) وعقلها وسلّ سيفه ودخل من باب الحصن ، فإذا هو ببابين عظيمين لم ير في الدّنيا أعظم منهما ولا أطول ، واذا

_________________________________

(١) في ق ٢ : فلا تزد.

(٢) في ق ٢ : الوحوش.

(٣) في ق ٣ : أهلكتنا.

(٤) في ق ٣ : لم يعص.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٦١ ـ ٣٦٢) ، برقم : (٢١).

(٦) في ق ٣ والبحار : عبد الله بن قلابة ، وعن لسان الميزان (٣ / ٣٢٧) قال : عبد الله بن قلابة صاحب حديث إرم ذات العماد.

(٧) في ق ١ : تشردت.

(٨) في ق ١ : عن قتبة.

٩٣

خشبهما من أطيب خشب عود ، وعليهما نجوم من ياقوت أصفر وياقوت أحمر ، ضوئهما قد ملأ المكان ، فلمّا رآى ذلك أعجبه ، ففتح أحد البابين فدخل ، فإِذا بمدينة لم ير الراؤون مثلها ، واذا هو بقصور كل قصر معلق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت ، وفوق كلّ قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذهب والفضّة والياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد ، وعلى كلّ باب من أبواب تلك القصور مصراع مثل مصراع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت (١) وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزّعفران.

فلمّا رآى ذلك ولم ير هناك أحداً أفزعه ذلك ، ثمّ نظر إلى الأزقة ، فاذا في كلّ زقاق منها أشجار قد أثمرت تحتها أنهار تجري ، فقال : هذه الجنّة الّتي وضعت لعباد الله في الدّنيا فالحمد لله الّذي أدخلني الجنّة ، فحمل من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزّعفران ، فانّها كانت منثورة (٢) بمنزلة الرّمل ، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها ، لانّه كان مثبتاً في أبوابها وجدرانها ، فأخذ ما أراد وخرج إلى اليمن ، فأظهر ما كان منه ، وأعلم النّاس أمره ، وفشا خبره وبلغ معاوية ، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء ، وكتب بإِشخاصه فشخص حتى قدم على معاوية وخلا به وسأله عمّا عاين ، فقصّ عليه أمر المدينة وما رآى فيهٰا ، وعرض عليه ما حمله منها.

فبعث معاوية إلى كعب الاحبار ودعاه ، وقال : يا أبا إسحاق هل بلغك أنّ في الدّنيا مدينةً مبنيّة بالذّهب والفضّة ؟ فقال كعب الأحبار : أما هذه المدينة ، فصاحبها شدّاد بن عاد الّذي بناها ، فهي إرم ذات العماد ، وهي الّتي وصفها الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله ، قال معاوية : حدّثنا بحديثها.

فقال : إنّ عاد الاولى ـ وليس بعاد قوم هود ـ كان له إبنان يسمّى أحدهما « شديد » والآخر « شدّاد » فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّرا ، وأطاعهما النّاس في الشّرق والغرب فمات شديد وبقي شدّاد ، فملك وحده ولم ينازعه أحد ، وكان مولعاً بقراءة الكتب ، وكان كلّما يذكر الجنّة رغب أن يفعل مثلها في الدّنيا عتوّاً على الله تعالى ، فجعل على صنعتها مائة

_________________________________

(١) في ق ٢ : الياقوت.

(٢) في ق ١ وق ٢ : منشورة.

٩٤

رجل تحت كلّ واحد منهم ألف من الاعوان ، فقال : انطلقوا إلى أطيب فلاة من الارض وأوسعها فاعملوا لي مدينة من ذَهَبٍ وفضّة وياقوت وزبرجد واصنعوا تحت المدينة أعمدة من ياقوت وزبرجد ، وعلى المدينة قصوراً ، وعلى القصور غرفاً ، وفوق الغرف غرفاً ، واغرسوا تحت القصور في أرضها أصناف الثّمار كلّها ، وأجروا فيها الأنهار حتّى تكون تحت أشجارها فقالوا : كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذّهب والفضّة حتّى يمكننا أن نبني مدينة (١) كما وصفت ؟ قال شدّاد : أما تعلمون أنّ ملك الدّنيا بيدي ؟ قالوا : بلى ، قال : فانطلقوا إلى كلّ معدن من معادن الجواهر والذهب والفضّة ، فوكّلوا عليها جماعةً حتّى يجمعوا ما تحتاجون إليه ، وخذوا جميع ما في أيدي النّاس من الذّهب والفضّة ، فكتبوا إلى كلّ ملك في المشرق والمغرب ، فجعلوا يجمعون أنواع الجواهر عشر سنين ، فبنوا له هذه المدينة في مدَّة ثلاثمائة (٢) سنة.

فلمّا أتوه وأخبروه بفراغهم منها ، قالوا : انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً ، واجعلوا حول الحصن ألف قصر ، لكلّ قصر ألف علم ، يكون في كلّ قصرٍ من تلك القصور وزيرٌ من وزرآئي ، فرجعوا وأعملوا ذلك كلّه.

ثم أتوه فأخبروه بالفراغ ممّا أمرهم به ، فأمر النّاس بالتّجهيز إلى إرم ذات العماد ، فأقاموا إلى جهازهم إليها عشر سنين ، ثمّ سار الملك شدّاد يريد إرم ذات العماد ، فلمّا كان من المدينة على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله جلّ جلاله عليه وعلى من معه صيحة من السّماء فاهلكتهم جميعاً ، ومٰا دخل هو إرم ولا أحد ممن كان معه ، وإنّي لأجد في الكتب أنّ واحداً يدخلها فيرى ما فيها ، ثمّ يخرج فيحدِّث بما يرى ولا يصدَّق ، فسيدخلها أهل الدّين (٣) في آخر الزمان (٤).

فصل ـ ٣ ـ

( في نبوة صالح صلوات الله عليه )

وهو صالح بن حاثر بن ثمود بن حاثر بن سام بن نوح صلوات الله عليه(٥).

_________________________________

(١) في ق ٢ : المدينة.

(٢) في ق ٢ : ثمانمائة.

(٣) في ق ٢ : أهل الدنيا.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٦٧ ـ ٣٦٩) ، برقم : (٢).

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٧٧) ، برقم : (٢) ، وفيه : هو صالح بن ثمود بن عاثر بن ارم بن سام بن نوح.

٩٥

وأمّا هود ، فهو ابن عبد الله بن رياح ابن حيلوث ـ حلوث ، جلوث ـ بن عاد بن عوض بن آدم بن سام بن نوح (١)

٨٩ ـ أخبرنا ابونصر الغازي ، عن أبي منصور العكبري ، عن المرتضى والرّضي ، عن الشّيخ المفيد ، عن الشيّخ أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ومحمد بن علي ماجيلويه ، حدّثنا محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن الكوفي ، عن علي بن العباس الدّينوري ، عن جعفر بن محمد البلخي ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر صلوات الله عليهما وسأله رجل عن أصحاب الرّس (٢) الّذين ذكرهم الله في كتابه من هم ؟ وممّن هم ؟ وأيّ قوم كانوا ؟

فقال : كانا رسّين (٣) أمّا أحدهما ـ فليس الّذي ذكره الله في كتابه ـ كان أهله أهل بدو وأصحاب شاة وغنم ، فبعث الله تعالى إليهم صالح النّبي رسولاً ، فقتلوه وبعث إليهم رسولاً آخر فقتلوه ، ثمّ بعث إليهم رسولاً آخر وعضده بوليّ ، فقتل الرّسول وجاهد الوليّ حتّى أفحمهم ، وكانوا يقولون إلهُنا في البحر ، وكانوا على شفيره وكان لهم عيد في السّنة يخرج حوت عظيم من البحر في ذلك اليوم فيسجدون له.

فقال وليّ صالح لهم لا أريد أن تجعلوني ربّاً ، ولكن هل تجيبوني إلى ما دعوتكم ؟ إن أطاعني ذلك الحوت ، فقالوا : نعم وأعطوه عهوداً ومواثيق ، فخرج حوت راكب على أربعة أحوات ، فلمّا نظروا إليه خرّوا له سجّداً ، فخرج وليّ صالح النّبي إليه وقال له : ائتني طوعاً أو كرهاً بـ : بسم الله الكريم فنزل على أحواته ، فقال الوليّ ائتني عليهن لئلّا يكون من القوم في أمري شك فأتى الحوت إلى البرّ يجرّها وتجرّه إلى عند وليّ صالح ، فكذّبوه بعد ذلك فأرسل الله إليهم ريحاً ، فقذفهم (٤) في اليم أي البحر ومواشيهم ، فأتى الوحي إلى ولي صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذّهب والفضّة ، فانطلق فأخذه ففضّه على أصحابه بالسّوية على الصّغير والكبير (٥).

وأما الّذين ذكرهم الله في كتابه ، فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرّس ، وكان فيها أمياه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٣٥٠) ، برقم : (١).

(٢) في البحار : عن يعقوب بن ابراهيم قال : سأل رجل ابا الحسن موسى عليه السلام عن أصحاب الرّس.

(٣) في ق ٣ : كانا رئيسين ، وفي ق ٤ وق ٥ : كانا رسيين.

(٤) في ق ١ وق ٢ : فنبذهم.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨) ، برقم : (١٣).

٩٦

كثيرة ، فسأله رجل وأين الرّس ؟ فقال : هو نهر بمنقطع آذربيجان ، وهو بين حدّ (١) أرمنيّة وآذربيجان ، وكانوا يعبدون الصّلبان ، فبعث الله إليهم ثلاثين نبيّاً في مشهد واحد فقتلوهم جميعاً ، فبعث الله إليهم نبيّاً وبعث معه وليّاً فجاهدهم ، وبعث الله ميكائيل في أوان وقوع الحبّ والزّرع ، فانضب ماءهم ، فلم يدع عيناً ولا نهراً ولا ماءاً إلّا أيبسه ، وأمر ملك الموت فامات مواشيهم وأمر الله الأرض فابتلعت ما كان لهم من تبر أو فضة أو آنية « فهو لقائمنا عليه السلام إذا قام » فماتوا كلّهم جوعاً وعطشاً وبكاءاً ، فلم يبق منهم باقية وبقي منهم قوم مخلصون ، فدعوا الله أن ينجيهم بزرع وماشيةٍ وماءٍ ويجعله قليلاً لئلّا يطغوا ، فأجابهم الله إلى ذلك ، لما علم من صدق نيّاتهم.

ثمَّ عاد القوم الى منازلهم ، فوجدوها قد صارت أعلاها أسفلها ، وأطلق الله لهم نهرهم وزادهم فيه على ما سألوا ، فقاموا على الظّاهر والباطن في طاعة الله ، حتى مضى أولئك القوم ، وحدث نسل بعد ذلك أطاعوا الله في الظاهر ونافقوه في الباطن وعصوا بأشياء شتّى ، فبعث الله من أسرع فيهم القتل ، فبقيت شرذمة منهم ، فسلّط الله عليهم الطّاعون ، فلم يبق منهم أحدٌ وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحدٌ ، ثمَّ أتى الله تعالى بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين ، ثم أحدث قوم منهم فاحشة واشتغل الرّجال بالرجال والنّساء بالنّساء ، فسلّط الله عليهم صاعقة ، فلم يبق منهم باقية (٢).

٩٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن علي بن محمد الخيّاط ، عن علي بن أبي حمزة (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله تعالى : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ » (٤) فقال : هذا لمّا كذبوا صالحاً صلوات الله عليه ، وما أهلك الله تعالى قوماً قطّ حتّى يبعث إليهم الرّسل قبل ذلك فيحتجّوا عليهم ، فاذا لم يجيبوهم أهلكوا ، وقد كان بعث الله صالحاً عليه السّلام فدعاهم إلى الله فلم يجيبوه وعتوا عليه ، وقالوا : لن نؤمن لك حتّى تخرج لنا من الصّخرة ناقة عُشرآء (٥) ، وكانت صحرة يعظّمونها ويذبحون عندها في رأس كلّ سنة

_________________________________

(١) في ق ٣ : هو من حدّ.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٥٣ ـ ١٥٤) ، برقم : (٤).

(٣) وفي النسخ : علي بن حمزة والظّاهر أنّه : علي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير.

(٤) سورة القمر : ٢٣.

(٥) ناقة عشراء : هي التي مضى من حملها عشرة أو ثمانية أشهر ، أو هي كالنفساء من النساء.

٩٧

ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّاً رسولاً ، فادع الله يخرج لنا ناقةً منها ، فأخرجها لهم كما طلبوا منه.

فأوحى الله تعالى إلى صالح أن قل لهم : إنّ الله تعالى جعل لهذه النّاقة شرب يوم ولكم شرب يوم ، فكانت النّاقة إذا شربت يومها شربت الماء كلّه ، فيكون شرابهم ذلك اليوم من لبنها ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومه ذلك ، فاذا كان اللّيل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوهم ذلك اليوم ولا تشرب النّاقة ، فمكثوا بذلك ما شاء الله حتّى عتوا ودبّروا في قتلها ، فبعثوا رجلاً أحمر أشقر أزرق لا يعرف له أبٌ ولد الزّنا ، يقال له : قذار ليقتلها ، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء ضربها ضربة ، ثمّ ضربها أخرى فقتلها ، وفرّ فصيلها حتى صعد إلى جبل ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلّا أكل منها ، فقال لهم صالح عليه السّلام : أعصيتم ربَّكم إنّ الله تعالى يقول : إن تبتم قبلت توئتكم ، وإن لم ترجعوا بعثت إليكم العذاب في اليوم الثّالث ، فقالوا يا صالح ائيتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين ، قال : إنّكم تصبحون غداً وجوهكم مصفرة ، واليوم الثّاني محمرّة ، واليوم الثّالث مسودّة ، فاصفرت وجوههم فقال بعضهم : يا قوم قد جاءكم ما قال صالح ، فقال العتاة : لا نسمع ما يقول صالح ولو هلكنا (١) ، وكذلك في اليوم الثّاني والثالث ، فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل ، فصرخ بهم صرخة خرقت أسماعهم وقلقلت قلوبهم (٢) ، فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم ، ثمَّ أرسل الله عليهم ناراً من السّماء فأحرقتهم (٣).

فصل ـ ٤ ـ

٩١ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن زيد الشحام (٤) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إن صالحاً عليه السلام غاب عن قومه زماناً ، وكان يوم غاب كهلاً حسن الجسم (٥) ،

_________________________________

(١) في ق ٢ : وان هلكنا.

(٢) في ق ٣ : فلقت قلوبهم.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦) ، برقم : (١١).

(٤) في البحار : عن إبن أسباط عن إبن أبي عمير عن الشّحام.

(٥) في ق ٢ : حسن الوجه.

٩٨

وافر اللّحية ، ربعة من الرّجال ، فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه ، وكانوا على ثلاث طبقات : طبقة جاحدة (١) ولا ترجع أبداً ، وأخرى شاكة ، وأخرى على يقين ، فبدأ حين رجع بالطّبقة الشّاكة ، فقال لهم : أنا صالح فكذّبوه وشتموه وزجروه ، وقالوا : إنّ صالحاً كان على غير صورتك وشكلك ، ثم أتى (٢) إلى الجاحدة فلم يسمعوا منه ونفروا منه أشد النّفور.

ثمّ انطلق إلى الطّبقة الثالثة وهم أهل اليقين ، فقال لهم : أنا صالح ، فقالوا أخبرنا خبراً لا نشكّ فيه أنّك صالح انا نعلم انّ الله تعالى الخالق (٣) يحوّل في أيّ صورة شاء ، وقد أخبرنا وتدارسنا بعلامات صالح عليه السلام إذا جاء ، فقال : أنا الّذي أتيتكم بالنّاقة ، فقالوا : صدقت وهي الّتي تتدارس (٤) فما علامتها ؟ قال : لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم (٥) ، فقالوا : آمنّا بالله وبما جئتنا به « قال » عند ذلك « الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا » وهم الشّكاك والجحاد : « إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ » (٦).

قال زيد الشحّام : قلت : يا بن رسول الله (ص) هل كان ذلك اليوم عالم ؟ قال : الله أعلم من أن يترك الأرض بلا عالم ، فلمّا ظهر صالح عليه السّلام اجتمعوا عليه ، وانّما مثل عليّ والقائم صلوات الله عليهما في هذة الأمّة مثل صالح عليه السلام (٧).

٩٢ ـ أخبرنا الشّيخ ابوجعفر محمد بن علي النيشابوري ، عن عليّ بن عبد الصّمد التّميمي ، عن السيّد أبي البركات علي بن الحسين ، عن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير قال : سأل أبا جعفر عليه السلام رجل وأنا حاضر عن قوله تعالى : « فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا » (٨) فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ، ينظر بعضهم

_________________________________

(١) في البحار : جاحدة لا ترجع.

(٢) في ق ٣ : ثم رجع.

(٣) في ق ٤ والبحار : لخالق.

(٤) في ق ٢ : نتدارسها.

(٥) اقتباس من سورة الشعراء : ١٥٥.

(٦) سورة الاعراف : (٧٦).

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) ، برقم : (١٢).

(٨) سورة سبأ : (١٩).

٩٩

إلى بعض ، ولهم أنهار جارية وفواكه وأعناب ، وكانت قراهم فيما بين المدينة على ساحل البحر الى الشام ، فكفروا فغيّر الله ما بهم من نعمة (١) ، فأرسل عليهم سيل العرم ، فغرق قراهم (٢).

٩٣ ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام إنّ قوماً من أهل إيله (٣) من قوم ثمود كانت الحيتان تستبق إليهم كلّ يوم ، وكانوا نهوا عن صيدها ، فأكلها الجهّال ، ولا ينهاهم عن ذلك العلماء ، ثمَّ انحازت طائفة منهم ذات اليمين ، فقالت : إنّ الله تعالى ينهاكم عنها واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار ، فسكتت ولم تعظهم ، وقالت الاولى : « لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ » (٤) أي : تركوا ما وُعّظوا به ، خرجت الطّائفة الواعظة من المدينة مخافة أن يصيبهم العذاب وكانوا أقلّ الطّائفتين ، فلمّا أصبح أولياء الله أتوا باب المدينة ، فاذا هم بالقوم قردة لهم أذناب.

ثمَّ قال ابوجعفر قال علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام : لهذه الأمّة بعد نبّيها سنّة أولئك لا ينكرون ولا يغيّرون عن معصية الله ، وقد قال الله تعالى : « أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ » (٥).

فصل ـ ٥ ـ

٩٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني حدّثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا ابوالصّلت الهروي ، حدثني علي بن موسى الرّضا ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائهم عليهم الصلاة والسلام قال : جاء علي بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشرافهم ، يقال له : عمرو ، فسأله عن أصحاب الرّس فقال :

_________________________________

(١) في ق ٢ : فغير الله عليهم من نعمة.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٤٤ ـ ١٤٥) ، برقم : (٣) نحوه عن الكافي.

(٣) في البحار : أهل ابلة.

(٤) سورة الاعراف : (١٦٤) والّتي بعدها أيضاً فيها : (١٦٥).

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٥٤ و ٥٢).

١٠٠