قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الشّاة فألقوه على رسول الله صلّى الله عليه وآله فاغتم من ذلك ، فجاءَ إلى أبي طالب ، فقال : يا عمّ كيف حسبي فيكم ؟ قال : وما ذاك يا ابن أخ ؟ قال : إنّ قريشاً ألقوا عليَّ السّلى ، فقال لحمزة : خذ السّيف ، وكانت قريش جالسة في المسجد ، فجاء ابوطالب ومعه السّيف وحمزة ومعه السّيف ، فقال : أمِرّ السّلي على سبالهم ، ثمّ التفت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : يا ابن أخ هذا حسبك منّا وفينا (١).

٤٠٠ ـ وفي صحيح البخاري ، عن عبد الله قال : بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله ساجدٌ وحوله النّاس (٢) من قريش ومعهم سلى بعيرٍ ، فقالوا : من يأخذ هذا فيقذفه (٣) على ظهره ، فجاء عقبة بن أبي معيط ، فقذفه على ظهر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وجاءت فاطمة عليها السلام ، فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، قال عبد الله : فما رأيت رسول الله دعا عليهم إلّا يومئذٍ ، قال : اللّهمّ عليك الملأ من قريش ، قال عبد الله : ولقد رأيتهم قُتلوا يوم بدر واُلقوا في القليب (٤).

٤٠١ ـ وكان ابوجهل تعرّض لرسول الله صلّى الله عليه وآله وأذّاه بالكلام ، فقالت امرأة من بعض السّطوح لحمزة : يا أبا يعلى إنّ عمرو بن هشام تعرّض لمحمّد وأذّاه ، فغضب حمزة ومرّ نحو أبي جهل ، وأخذ قوسه فضرب بها رأسه ، ثمّ احتمله فجلد به الأرض ، واجتمع النّاس وكاد يقع فيهم شرّ ، فقالوا : يا أبا يعلى صبوت إلى دين محمّد ؟ قال : نعم أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله. ثمّ غدا إلى رسول الله فقال : يا ابن أخ أحق (٥) ما تقول ؟ فقرأ عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله من القرآن ، فاستبصر حمزة فثبت على دين الإِسلام ، وفرح رسول الله ، وسُرّ ابوطالب بإسلامه وقال :

فصبراً أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهراً للدّين وفّقت صابراً

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٨ / ١٨٧) ، برقم : (٧) وص (٢٠٩) ، برقم : (٣٨).

(٢) في البحار : ناس.

(٣) كذا في إعلام الورى ، وفي البحار : فيفرقه.

(٤) صحيح البخاري (٥ / ١٢٢) ، برقم : (١٩٣) ، والبحار (١٨ / ٢٠٩ ـ ٢١٠) ، برقم : (٣٨) عن إعلام الورى ص (٤٧).

(٥) في ق ٣ والبحار : أحقّاً.

٣٢١

وحُطّ (١) من أتى بالدين من عند ربه

بصدق وحقٍ لا تكن حمزُ كافراً

فقد سرّنـي إن قلـت أنّك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصراً

ونـاد قريشاً بالّذي قد أتيـته

جهاراً وقل : ما كان أحمد ساحراً (٢)

فصل ـ ٥ ـ

٤٠٢ ـ ولمّا اشتدّت قريش في أذى رسول الله صلّى الله عليه وآله وأذى أصحابه ، أمرهم أن يخرجوا إلى الحبشة ، وأمر جعفراً أن يخرج بهم ، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلاً حتّى ركبوا البحر ، فلمّا بلغ قريشاً خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النّجاشي أن يردّهم إليهم ، فوردوا على النّجاشي وحملوا إليه هدايا ، فقال عمرو : أيّها الملك إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا وصاروا اليك ، فردّهم إلينا.

فبعث النّجاشي إلى جعفر وأحضره ، فقال : يا جعفر إنّ هؤلاء يسألونني أن أردّكم إليهم ، فقال : أيّها الملك سلهم أنحن عبيد لهم ؟ قال عمرو : لا بل أحرار كرام ، قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها ؟ قال : لا ما لنا عليهم ديون ، قال : فلهم في أعناقنا دماء ؟ قال عمرو : ما لنا في أعناقنا دماء ولا نطالبهم بدخُول قال : فما يريدون منّا ؟ قال عمرو : خالفونا في ديننا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا.

فقال جعفر : أيّها الملك خالفناهم لنبيّ بعثه الله فينا ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة ، وحرّم الظّلم والجور وسفك الدّماء بغير حلّها والزّنا والرّبا والدّم والميتة ، وأمرنا بالعدل والإِحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فقال النّجاشي : بهذا بعث الله تعالى عيسى عليه السلام ، ثمّ قال : أتحفظ يا جعفر ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً ؟ قال : نعم ، قال : اقرأ ، فقرأ عليه سورة مريم ، فلمّا بلغ إلى قوله : « وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا » (٣) قال : هذا

_________________________________

(١) في ق ٣ : محمّد أتى بالدّين من عند ربّه ، وفي إعلام الورى : وخط من أتى بالدّين. أي امش موضع قدمه. وعلى نسخة المهملة فالمعنى : احفظه وتعهّده. ومنه قولهم : حط حط أي تعهّد بصلة الرّحم وأحدق به من جوانبه.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٢١٠ ـ ٢١١) ، برقم : (٣٨) وراجع إعلام الورى ص (٤٨).

(٣) سورة مريم : ٢٥.

٣٢٢

هو الحق ، فقال عمرو : أيّها الملك إنّ هذا ترك ديننا ، فردّه إلينا وإلى بلادنا ، فرفع النّجاشي يده فضرب بها وجهه ، ثمّ قال : لئن ذكرته بسوءٍ لأقتلنّك ، فخرج عمرو والدّم يسفك على ثيابه.

قال : وكان عمارة حسن الوجه وعمرو كان أخرج أهله معه ، فلمّا كانوا في السّفينة شربوا الخمر ، قال عمارة لعمرو : قل لأهلك : تقبّلني ، فقال عمرو : أيجوز هذا ؟ فلمّا تنشّى عمارة ألقى عمرواً في البحر (١) ، فتشبّث بصدر السّفينة فأخرجوه.

ثمّ إنّهم لمّا كانوا عند النّجاشي كانت وصيفة على رأسه تذبّ عنه وتنظر إلى عمارة وكان فتى جميلاً ، فلمّا رجع عمرو إلى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ففعل فأجابته ، قال عمرو : قل لها : تحمل إليك من طيب الملك شيئاً ، فحملت إليه فأخذه عمرو ، وكان الّذي فعله عمارة في قلبه حيث ألقاه في البحر ، فأدخل الطّيب على النّجاشي وقال : إنّ صاحبي الّذي معي راسل حرمتك وخدعها وهذا طيبها ، فغضب النّجاشي وهمّ أن يقتل عمارة ثمّ قال : لا يجوز قتله لأنّهم دخلوا بلادي بأمان ، فأمر أن يفعلوا به شيئاً أشدّ من القتل ، فأخذوه ونفخوا في إحليله بالزّيبق فصار مع الوحش.

فرجع عمرو إلى قريش وأخبرهم بخبره ، وبقي جعفر بأرض الحبشة في أكرم كرامة ، فما زال بها حتّى بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد هادن قريشاً وقد وقع بينهم صلح ، فقدم بجميع من معه ووافى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد فتح خيبر ، وقد ولد لجعفر من أسماء بنت عميس بالحبشة عبد الله بن جعفر (٢).

٤٠٣ ـ وقال ابوطالب : يخصّ النّجاشي على نصرة النّبيّ وأتباعه وأشياعه :

تعلّم مليك الحبش أنّ محـمداً

نبيٌّ كموسى والمسيح بن مريم

أتى بالهدى مثل الّذي أتيا بـه

وكلّ بحمد الله يهدي ويعصم

وأنّـكم تتلونه في كتابـكم

بصدق حديث لا حديث المرجَّم

فلا تجعـلوا لله ندّاً وأسـلمـوا

فانّ طريق الحق ليس بمظلم (٣)

٤٠٤ ـ وفيما روي محمّد بن اسحاق أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث عمرو بن

_________________________________

(١) في البحار : فلمّا انتشى عمرو ... فدفعه عمارة في البحر.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٤١٤ ـ ٤١٦) ، برقم : (٧) عن التّفسير للقمي اقتباساً وإيجازاً.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٤١٨) ، برقم : (٤) عن اعلام الورى والقصص.

٣٢٣

أميّة الضّميري إلى النّجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، وكتب معه كتاباً :

بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد رسول الله إلى النّجاشي الأضحم (١) صاحب الحبشة سلام عليك ، أني أحمد إليك الله الملك القدّوس المؤمن المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطّيبة الحصينة ، فحملت بعيسى ، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه فيه ، وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأنّ تتّبعني وتؤمن بي وبالّذي جاءني ، فإنّي رسول الله قد بعث إليكم ابن عمّي جعفر بن أبي طالب ، معه نفر من المسلمين ، فاذا جاؤوك فأقرهم وَدَع التّجبّر فإِنّي أدعوك وجيرتك إلى الله تعالى ، وقد بلّغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي والسّلام على من اتبع الهدى.

فكتب إليه النّجاشي : بسم الله الرّحمن الرّحيم إلى محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله من النّجاشي الأضحم بن أبحر سلام عليك يا نبيّ الله من الله ورحمة الله وبركاته ، لا إله إلّا هو الّذي هداني (٢) إلى الاسلام ، وقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى ، فو ربّ السّماء والأرض أنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت ، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا ، وقد قرينا ابن عمّك وأصحابه ، وأشهد أنّك رسول الله صادقاً مصدّقاً ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمّك ، وأسلمت على يديه لله ربّ العالمين ، وقد بعثت إليك يا رسول الله أريحا ابن الأضحم بن أبحر ، فانّي لا أملك إلّا نفسي إن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله ، إنّي أشهد أنّ ما تقول حق.

ثمّ بعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله هدايا ، وبعث إليه بمارية القبطيّة أمّ إبراهيم عليه السلام ، وبعث إليه بثياب وطيب كثير وفرس ، وبعث إليه بثلاثين رجلاً من القسيسين لينظروا إلى كلامه ومعقده ومشربه فوافوا المدينة ، ودعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الإِسلام ، فآمنوا ورجعوا إلى النّجاشي (٣).

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ : الاضخم ، وفي البحار : الأصحم.

(٢) في ق ١ وق ٥ : هدانا.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٤١٨ ـ ٤٢٠).

٣٢٤

فصل ـ ٦ ـ

(وقصّة المعراج معروفة في قوله جلّت عظمته : « سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى »)

٤٠٥ ـ وبالإِسناد المذكور ، عن ابن بكير ، عن الصّادق عليه السلام قال : لمّا أُسري برسول الله صلّى الله عليه وآله إلى سماء الدّنيا لم يمرّ بأحدٍ من الملائكة إلّا استبشروا به ، قال : ثمّ مرّ بملك كئيب حزين فلم يستبشر به ، فقال : يا جبرئيل ما مررت بأحد من الملائكة إلّا استبشر بي إلّا هذا الملك ، فمن هذا ؟ قال : هذا مالك خازن جهنّم ، وهكذا جعله الله ، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله : يا جبرئيل سله أن يرينيها ، قال : فقال جبرئيل : يا مالك هذا محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد شكا إليّ وقال : ما مررت بأحدٍ من الملائكة إلّا استبشروا بي إلّا هذا الملك ، فأخبرته أن هكذا جعله الله حيث شاء ، وقد سألني أن أسألك أن تريه جهنّم ، قال : فكشف له عن طبق من أطباقها ، فما رؤي رسول الله صلّى الله عليه وآله ضاحكاً حتّى قبض (١).

٤٠٦ ـ وعن أبي بصير قال : سمعته يقول : إنّ جبرئيل احتمل رسول الله حتّى انتهى به إلى مكان من السّماء ، ثمّ تركه وقال : ما وطأ نبيٌّ قطّ مكانك.

وقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل عليه السلام وأنا بمكّة ، فقال : قم يا محمّد ، فقمت معه وخرجت إلى الباب ، فاذا جبرئيل ومعه ميكائيل وإسرافيل ، فأتى جبرئيل بالبراق ، فكان فوق الحمار ودون البغل ، خدّه كخدّ الإِنسان ، وذنبه كذنب البقر ، وعرفه كعرف الفرس ، وقوائمه كقوائم الإِبل ، عليه رحل من الجنّة ، وله جناحان من فخذيه ، خطوه منتهى طرفه (٢).

فقال : اركب ، فركبت ومضيت ، حتّى انتهيت إلى بيت المقدس ، ولمّا انتهيت إليه إذا الملائكة نزلت من السّماء بالبشارة والكرامة من عند ربّ العزّة ، وصلّيت في بيت

_________________________________

(١) تفسير العيّاشي (٢ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨) ، برقم : (٨) مع اختلاف يسير. والبحار (١٨ / ٣٤١) عن أمالي الصّدوق بسند معتبر عن ابن بكير عن زرارة بن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، نفس المضمون.

(٢) أي : كان سريعاً بحيث يضع كلّ خطوة منه على منتهى مدّ بصره.

٣٢٥

المقدس ، وفي بعضها بشّر لي إبراهيم في رهط من الأنبياء ، ثم وصف موسى وعيسى صلوات الله عليهم ، ثمّ أخذ جبرئيل بيدي إلى الصّخرة فأقعدني عليها ، فاذا معراج إلى السّماء لم أر مثلها حسناً وجمالاً.

فصعدت إلى السّماء الدّنيا ، ورأيت عجائبها وملكوتها ، وملائكها يسلّمون عليَّ. ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة ، فرأيت بها يوسف عليه السلام ، ثمّ صعدت إلى السّماء الرّابعة ، فرأيت فيها إدريس عليه السلام ، ثمّ صعد بي إلى السّماء الخامسة ، فرأيت فيها هارون عليه السلام ، ثمّ صعد بي إلى السّماء السّادسة ، فاذا فيها خلق كثير يموج بعضهم في بعض وفيها الكرّوبيّون قال :ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة فأبصرت فيها خلقاً وملائكة (١).

٤٠٧ ـ وفي حديث آخر قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله : رأيت في السّماء السّادسة موسى عليه السلام ، ورأيت في السّابعة إبراهيم عليه السلام ثمّ قال : جاوزنا متصاعدين إلى أعلى عليّين ، ووصف ذلك إلى أن قال : ثمّ كلّمني ربّي وكلّمته ، ورأيت الجنّة والنّار ، ورأيت العرش وسدرة المنتهى.

قال : ثمّ رجعت إلى مكّة ، فلمّا أصبحت حدّثت فيه النّاس ، فأكذبني ابوجهل والمشركون ، وقال مطعم بن عدي : أتزعم أنّك سرت مسيرة شهرين في ساعة ؟ أشهد أنّك كاذب ، ثمّ قالت قريش : أخبرنا عمّا رأيت.

فقال : مررت بعير بني فلان ، وقد أضلّوا بعيراً لهم هم في طلبه ، وفي رحلهم قعب من ماءٍ مملوّ ، فشرب الماء فغطّيته كما كان ، فاسألوهم هل وجدوا الماء في القدح ؟ قالوا : هذه آية واحدة ، فقال صلّى الله عليه وآله : مررت بعير بني فلان ، فنفر بعير فلان فانكسرت يده ، فاسألوهم عن ذلك ، فقالوا : هذه آية أخرى ، قالوا : فأخبرنا عن عيرنا قال : مررت بها بالتّنعيم ، وبيّن لهم أحوالها وهيئاتها ، قالوا : هذه آية اُخرى (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٨ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦) ، برقم : (٨١) وروي صدره (أعني حديث المعراج) عن العيّاشي مرسلاً عن أبي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام في ص (٤٠٣ ـ ٤٠٤) ، برقم : (١٠٧) وأيضاً عنه عنه عليه السلام في ص (٣٨٥ ـ ٣٨٦) ورواه مسنداً عنه عنه عليه السلام في ص (٣٨٨) عن أمالي الشّيخ الطوسي ولا يبعد إرجاع مراسليه عن أبي بصير إلى هذا المسند بسبك فنّي يعرفه أهله.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٣٧٦).

٣٢٦

٤٠٨ ـ وفي رواية أخرى قال ابوجهل : قد أمكنتكم الفرصة منه ، فاسألوه كم فيها من الاساطين والقناديل ؟ فقالوا : يا محمّد إنّ ها هنا من دخل بيت المقدس فصف لنا أساطينه وقناديله ، فجاء جبرئيل عليه السلام فعلّق صورة بيت المقدس تجاه (١) وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه عنه فلمّا أخبرهم قالوا : حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : تصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم عند طلوع الشّمس يقدمها جمل أحمر (٢) عليه غِرارتان ، فلمّا كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة والقرص ، فاذا العير يقدمها جمل أحمر ، فسألوهم عمّا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا : لقد كان هذا فلم يزدهم إلّا عتوّاً (٣).

٤٠٩ ـ فاجتمعوا في دار النّدوة وكتبوا صحيفة بينهم : أن لا يواكلوا بني هاشم ، ولا يكلّموهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يزوّجوهم ، ولا يتزوّجوا إليهم حتّى يدفعوا إليهم محمّداً فيقتلونه ، وأنّهم يد واحدة على محمّد يقتلونه غيلة أو صراحاً ، فلمّا بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم ودخلوا الشّعب ، وكانوا أربعين رجلاً ، فحلف لهم ابوطالب بالكعبة والحرم : إنّ شاكت محمّداً شوكة لاُتينَّ (٤) عليكم يا بني هاشم ، وحصّن الشِّعب ، وكان يحرسه باللّيل والنّهار ، فاذا جاء اللّيل يقوم بالسّيف عليه ورسول الله صلّى الله عليه وآله مضطجع ، ثمّ يقيمه ويضجعه في موضع آخر ، فلا يزال اللّيل كلّه هكذا ، ويوكّل ولده وولد أخيه به

_________________________________

(١) في ق ٢ : تلقاء.

(٢) في البحار : أورق. والغرارة بمعنى الجوالق.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧) ، برقم : (٣٧) عن أمالي الشّيخ الصّدوق مسنداً والسّند معتبر وللحديث صدر له ربط تامّ بقوله : فاسألوه كم الاساطين فيها إلخ. وهذا هو الصّدر أبي عن علي عن أبيه ... عن أبي عبد الله عليه السلام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام قال : لمّا اسرى برسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فاتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها وردّه فمرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله من ذلك الماء وأهرق باقيه فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لقريش : إنّ الله جلّ جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الانبياء ومنازلهم وإنّي مررت بعير لقريش في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك فقال ابوجهل قد ... وبالجملة هذا المقدار من الطلب المرتبط ببقيّة الحديث كان ذكره أوّلاً ضروريّاً ولعلّه سقط من قلم الشّيخ الرّاوندي أو من غفلة النّاسخ والله العالم.

(٤) أصله : لاُتي ، ماض مجهول ، اُكّد باللّام والنّون المثقّلة ، أي لجاءكم الهلكة.

٣٢٧

يحرسونه بالنّهار فأصابهم الجهد.

وكان من دخل مكّة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ومن باع بني هاشم شيئاً انتهبوا ماله ، وكان ابوجهل والعاص بن وائل السّهمي والنّضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطّرقات الّتي تدخل مكّة ، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ويحذّرونه إن باع شيئاً منهم انتهبوا ماله ، وكانت خديجة لها مال كثير وأنفقته على رسول الله صلّى الله عليه وآله في الشّعب ، ولم يدخل في حلف الصّحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطلب (١) بن عبد مناف ، وقال : هذا ظلم ، وختموا الصّحيفة بأربعين خاتماً كلّ رجل من رؤساء قريش بخاتمه ، وعلّقوها في الكعبة ، وتابعهم على ذلك ابولهب.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج في كلّ يوم موسم ، فيدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربّكم وثوابكم الجنّة على الله ، وأبو لهب في إثره فيقول : لا تقبلوا منه ، فانّه ابن أخي وهو كذّاب ساحر ، فلم يزل هذا حالهم.

وبقوا في الشّعب أربع سنين لا يأمنون إلّا من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبيعون إلّا في الموسم ، وكان يقوم بمكّة موسمان في كلّ سنة : موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجّة ، فكان إذا اجتمعت المواسم يخرج بنو هاشم من الشّعب ، فيشترون ويبيعون ، ثمّ لا يجسر أحد منهم أن يخرج الى الموسم الثّاني ، وأصابهم الجهد وجاعوا ، وبعث قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمّداً نقتله ونملّكك علينا ، وقال ابوطالب رضي الله عنه : قصيدته أللّاميّة يقول فيها :

ولمّا رأيت القوم لا ودّ منهم (٢)

وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل

وأبيض يستسـقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

_________________________________

(١) والظّاهر أنّ ذكر عبد المطلب في سلسلة النّسب من غلط النّساخ ، كما يظهر من مراجعة كتب التّواريخ والانساب والرّجال فانّه : مطعم بن عدّي بن نوفل بن عبد مناف. وقد ترجم الشّيخ في رجال ص (١٤) ، برقم : (٢٣) ابنه جبير بنفس النّسب.

(٢) في البحار : فيهم.

٣٢٨

كذبتم وبيت الله يبـزى محمّدٌ

ولمّا نطاعن دونه ونقاتل

لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

وجُدت بنـفسي دونه وحميته

ودارأت عنه بالذّرى والكواهل

فأيّده ربّ العبـاد بنـصره

وأظهر ديناً حقّه غير باطل

فلما سمعوا هذا القصيدة آيسوا منه ، وكان ابوالعاص ابن الرّبيع وهو ختن رسول الله صلّى الله عليه وآله يأتي بالعير باللّيل عليها البرّ والتّمر إلى باب الشّعب ، ثمّ يصح بها فتدخل الشّعب فيأكله بنو هاشم ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لقد صاهرنا أبو العباس فأحمدنا صِهره.

ولمّا أتى أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض ، فلحست جميع ما فيها من قطيعة وظلم ، وتركت : باسمك اللّهم ، ونزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبره بذلك ، فأخبر رسول الله أبا طالب ، فقام ابوطالب ولبس ثيابه ثمّ مشى حتّى دخل المسجد على قريش وهم مجتمعون فيه ، فلمّا أبصروه قالوا : قد ضجر ابوطالب وجاءَ الآن ليسلّم ابن أخيه ، فدنا منهم وسلّم عليهم ، فقاموا إليه وعظّموه ، وقالوا : قد علمنا يا أبا طالب أنّك أردت مواصلتنا والرّجوع إلى جماعتنا ، وأن تسلّم ابن أخيك إلينا.

قال : والله ما جئت لهذا ، ولكن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أنّ الله تعالى أخبره أنّه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الأرض ، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور تركت اسم الله ، فابعثوا إلى صحيفتكم ، فان كان حقّاً فاتّقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظّلم والجور وقطيعة الرّحم ، وإن كان باطلاً دفعته إليكم ، فان شئتم قتلتموه ، وإن شئتم أسجنتموه.

فبعثوا إلى الصّحيفة وأنزلوها من الكعبة ، فاذا ليس فيها إلّا باسمك اللّهم ، فقال لهم أبو طالب : يا قوم اتّقوا الله وكفّوا عمّا أنتم عليه ، فتفرّق القوم ولم يتكلّم أحد ، ورجع أبو طالب إلى الشّعب (١).

٤١٠ ـ وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف وبني قصيّ ورجال من قريش ولدتهم

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٩ / ١ ـ ٤) ، برقم : (١).

٣٢٩

نساء بني هاشم منهم : مطعم بن عديّ ، وعامر بن لؤيّ ـ وكان شيخاً كبيراً كثير المال له أولاد ـ وأبوالبختري بن هاشم ، وزهير بن اُميّة المخزومي في رجال من أشرافهم : نحن برآءٌ ممّا في هذه الصّحيفة ، فقال أبوجهل : هذا أمر قضي بليل ، وخرج النّبيّ صلّى الله عليه وآله ورهطه من الشّعب وخالطوا النّاس ومات أبوطالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة رضي الله عنها بعد ذلك ، وورد على رسول الله صلّى الله عليه وآله أمران عظيمان جزع جزعاً شديداً ، ودخل علي أبي طالب وهو يجود بنفسه ، فقال يا عمّ : ربّيت صغيراً ، ونصرت كبيراً ، وكفّلت يتيماً ، فجزاك الله عنّي خير الجزاء أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربّي (١).

قال ابن عباس : فلمّا ثقل ابوطالب رُئِيَ يحرّك شفتيه ، فأصغى إليه العبّاس يسمع قوله ، فرفع العبّاس عنه (٢) وقال : يا رسول الله والله قد قال الكلمة الّتي سألته إيّاها.

وعن ابن عبّاس قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عارض جنازة أبي طالب ، فقال : وصلتك رحم (٣) وجزيت خيراً ياعمّ (٤).

فصل ـ ٧ ـ

٤١١ ـ وعن الزّهري كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في كلّ موسم ، ويكلّم كلّ شريف قوم لا يسأله منهم أحد (٥) ، فلمّا توفّي أبوطالب اشتدّ

_________________________________

(١) لا دلالة في هذا القول على عدم إيمان أبي طالب ، وبوجه كي يؤوّلّ بكتمانه إيمانه اتقاءً من القوم ـ كما أوّل في هامش البحار (١٩ / ٥) ـ كيف ؟ وهم يتّقونه ومادام حيّاً لم ينل قريش من رسول الله شيئاً. ولمّا سمعوا منه قصيدته اللّاميّة في شأن نبوّته ورسالته يقول فيها :

ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذَّب

لدينا ولا يعنى بقول الأباطل

وجدت بنفسي دونه وحميته

ودارأت عنه بالذرى والكواهل

(أي دافعت عنه بالرأس والرّقبة)

فايّده ربّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقّه غير باطل

آيسوا منه وتفرّقوا عنه لما رأوا أنّ تصرفاته وحركاته الدّفاعيّة دليل على تصلّبه وإيمانه الجدّي بما جاء به ابن أخيه من شريعة الاسلام. والكلمة المرادة منه عند ارتحاله إنّما كانت كلمة الشهادتين تلقيناً وتجديداً لخاطرة التّوحيد والرّسالة من باب السّنة والطّريقة فانّ إيمان أبي طالب بالاسلام أظهر من الضّوء على الكون والعالم.

(٢) في البحار : عنه رأسه.

(٣) في البحار : وصلت رحماً.

(٤) بحار الانوار (١٩ / ٤ ـ ٥) ، برقم : (٣).

(٥) في البحار (١٩ / ٦) : لا يسألهم مع ذلك إلّا أن يؤووه.

٣٣٠

البلاء على رسول الله صلّى الله عليه وآله فعمد لثقيف بالطّائف رجاء أن يؤووه ، فرضخوه بالحجارة ، فخلص منهم ورجلاه يسيلان الدّماء ، واستظلّ في ظلّ نخلة فيه وهو مكروب موُجع ، فاذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلمّا رآهما كره مكانه (١) لما يعلم من عداوتهما ، فلمّا رأياه أرسلا إليه غلاماً ـ يدعى عداس وهو نصرانيٌّ ـ ومعه عنب ، فلمّا جاءه عداس ، قال له رسول الله : من أيّ أرض أنت ؟ قال : أنا من نينوى ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من مدينة الرّجل الصّالح : يونس بن متى ، فقال عداس : وما يدريك من يونس بن متى ؟ فقال له رسول الله : لا تحقّر أحداً (٢) أن يبلّغ رسالة ربّه ، أنا رسول الله ، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى ، فجعل عداس يقبّل قدميه ، ولمّا رجع عليه السلام من الطّائف وأشرف على مكّة وهو معتبر ، كره أن يدخل مكّة وليس له فيها مجير ، فنظر إلى رجل من أهل مكّة من قريش ـ قد كان أسلم سرّاً ـ فقال له : ائت مطعم بن عدي ، فسله أن يجيرني حتّى أطوف وأسعى ، فقال له : ائته وقل له : انّي قد أجرتك ، فتعال وطف واسع ما شئت ، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال مطعم لولده وأختانه وأخيه طعيمة : خذوا سلاحكم ، فانّي قد أجرت محمّداً ، وكانوا حول الكعبة حتّى يطوف ويسعى ـ وكانوا عشرة ـ فأخذوا السّلاح.

وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى دخل المسجد ورآه أبوجهل ، فقال : يا معشر قريش هذا محمّد وحده ، وقد مات ناصره فشأنكم به ، فقال طعيمة : يا عمّ لا تتكلّم ، فانّ أبا وهب قد أجار محمّداً ، فقال أبوجهل : أبا وهب أمجير أم صابىء ؟ قال : بل مجيرٌ ، قال : إذاً لا نخفر جوارك.

فلمّا فرغ رسول الله من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم وقال : يا أبا وهب قد أجرت وأحسنت ، فردّ عليّ جواري ، فقال : وما عليك أن تقيم في جواري ، فقال : لا أقيم في جوار مشرك أكثر من يوم ، فقال مطعم : يا معشر قريش قد خرج محمّد من جواري (٣).

_________________________________

(١) في البحار : مكانهما.

(٢) في البحار : وكان لا يحقر أحداً.

(٣) بحار الانوار (١٩ / ٥ ـ ٨) برقم : (٥) عن أعلام الورى ص (٥٣ ـ ٥٥) وفيهما تفاصيل الواقعة بصورتها وزواياها وما هنا اختصار ومقتبس من تلك الحادثة الحزينة.

٣٣١

فصل ـ ٨ ـ

٤١٢ ـ ذكر عليّ بن إبراهيم أنّ سعد بن زرارة وذكوان خرجا إلى عمرة رجب ، وكان أسعد صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه ، فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حروب ، وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال عتبة : بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟ فقال عتبة : خرج فينا رجلٌ يدّعي أنّه رسول الله سفّه أحلامنا (١) ، فقال أسعد ومن هو منكم ؟ قال : محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً.

وكان أسعد وذكوان وجيمع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الّذين كانوا بينهم النّضير وقريظة وقينقاع أنّ هذا أوان نبيّ يخرج من مكّة يكون مهاجره بالمدينة ، فلمّا سمع أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : أين هو ؟ قال : هو جالس في الحجر ، فلا تكلّمه فانّه ساحرٌ يسحرك بكلامه ، قال أسعد : كيف أصنع وأنا معتبر لا بدّ لي أن أطوف بالبيت ؟ قال : ضع أُذنك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشا أُذنيه القطن ، فطاف بالبيت ورسول الله صلّى الله عليه وآله في الحجر مع بني هاشم ، فنظر إليه نظرةً وجازه ، فلمّا كان في الشّوط الثّاني رمى القطن وقال في نفسه : لا أحد أجهل منّي ، فقال : أنعم صباحاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أبدلنا الله أحسن (٢) من هذا ، تحية أهل الجنّة : سلامٌ عليكم ، فقال : أشهد أن لا اله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك ، فلا أحد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي فان دخل في هذا الامر أرجو أن يتم الله لنا أُمورنا فيك ، لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك وصفتك ، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الّذي ساقني إليك.

ثمّ أقبل ذكوان ، فقال له أسعد : هذا رسول الله الّذي كانت اليهود تبشّرنا به تخبرنا

_________________________________

(١) في البحار : سفه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا.

(٢) في البحار : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن.

٣٣٢

بصفته ، فأسلم ذكوان وقالا : يا رسول الله ابعث معنا رجلاً يعلّمنا القرآن كثيراً ، فبعث معهما مصعب ، فنزل على أسعد ، وأجاب من كلّ بطن الرّجل والرّجلان لمّا أخبروهم بخير رسول الله وأمره.

وكان مصعب يخرج في كلّ يوم ، فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الاسلام فيجيبه الأحدث ، وقال سعد لمصعب : إنّ خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، فإن دخل في هذا الأمر تمّ لنا أمرنا ، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ ، وقعد على بئر من آبارهم ، واجتمع إليه قوم من أحداثهم ، وهو يقرأ عليهم القرآن ، فبلغ ذلك سعد بن معاذ ، فقال لأسيد بن حصين ـ وكان من أشرافهم ـ : بلغني أنّ أسعد أتى محلّتنا مع هذا القرشي يفسد شبابنا ائته وانهه عن ذلك ، فأتى أسيد وقال لأسعد : يا أبا أمامة يقول لك خالك : لا تأتينا في نادينا ولا تفسد شبابنا.

فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمراً ؟ فإن أحببته دخلت فيه ، وإن كرهته نحّينا عنك ما تكره ، فجلس فقرأ عليه سورةً ، فأسلم أسيد ، ثمّ رجع إلى سعد بن معاذ ، فلمّا نظر إليه سعد قال : أقسم انّ أسيداً رجع إلينا بغير الوجه الّذي ذهب من عندنا ، وأتاهم سعد فقرأ عليه أسعد : « حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ » فلمّا سمع بعث إلى منزله وأتى بثوبين طاهرين ، واغتسل وشهد الشّهادتين ، وصلّى ركعتين ، ثمّ قام وأخذ بيد مصعب وحوّله إليه وقال : أظهر أمرك ولا تهابنّ أحداً.

ثمّ صاح لايبقيّن رجل ولا امرأة إلّا خرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب ، فلمّا اجتمعوا قال : كيف حالي عندكم ؟ قالوا : أنت سيّدنا والمطاع فينا ، ولا نردّ لك أمراً ، فقال : كلام رجالكم ونساؤكم علي حرام حتّى تشهدوا أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والحمد لله الّذي أكرمنا بذلك ، وهو الّذي كانت اليهود تخبرنا به ، وشاع الاسلام بالمدينة ودخل فيه من البطنين أشرافهم.

وكتب مصعب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك فكلّ من دخل في الاسلام من قريش ضربه قومه وعذّبوه ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة ، فيصيرون إليها فينزلهم الأوس والخزرج عليهم ويواسونهم (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٩ / ٨ ـ ١٢) عن إعلام الورى مع إختلاف في بعض الالفاظ.

٣٣٣

٤١٣ ـ ثمّ إنّ الاوس والخزرج قدموا مكّة ، فجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : تمنعون جانبي حتّى أتلوا عليكم كتاب ربّكم وثوابكم على الله الجنّة ؟ قالوا : نعم قال : موعدكم العقبة في اللّيلة الوسطى من ليالي التّشريق ، فلمّا حجّوا رجعوا إلى منى ، فلمّا اجتمعوا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : تمنعوني بما تمنعون به أنفسكم ؟ قالوا : فما لنا على ذلك ؟ قال : الجنّة ، قالوا : رضينا دماؤنا بدمك وأنفسنا بنفسك ، فاشترط لربّك ولنفسك ما شئت.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أخرجوا إليّ منكم اثنى عشر نقيباً يكونون عليكم بذلك ، كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثنى عشر نقيباً ، فقالوا : اختر من شئت ، فأشار جبرئيل إليهم فقال : هذا نقيب وهذا نقيب (١) حتّى اختار تسعةً من الخزرج ، وهم : أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبد الله بن حرام (٢) ـ أبوجابر (٣) بن عبد الله ـ ورافع بن مالك ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الرّبيع ، وعبادة بن الصّامت.

وثلاثة من الأوس ، وهم : أبوالهيثم بن التّيهان (وكان رجلاً من اليمن حليفاً في بني عمرة بن عوف) وأسيد بن حصين ، وسعد بن خيثمة.

فلمّا اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله صاح إبليس : يا معشر قريش والعرب هذا محمّد والصّباة من الأوس والخزرج على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم ، فأسمع أهل منى ، فهاجت قريش وأقبلوا بالسّلاح وسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله النّداء ، فقال للأنصار : تفرّقوا ، فقالوا : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله إن أمرتنا أن نميل إليهم بأسيافنا فعلنا ؟ فقال الرّسول صلّى الله عليه وآله : لم أؤمر بذلك ، ولم يأذن الله لي في

_________________________________

(١) وكذا في ق ١ وق ٣ وتفسير القمي وموضع من البحار ، وفي موضع آخر منه وقع التكرار ثلاثاً ، وفي ق ١ وق ٥ وقع مرة واحدة بدون التكرار.

(٢) في ق ١ : خزام ، وفي ق ٢ وق ٣ وق ٥ : حزام ، والصحيح ما أثبتناه في المتن.

(٣) في ق ١ وق ٢ وق ٣ وق ٥ : وأبوجابر ، وهو غلط ، اذ لو اعتبر العاطف بين كلمتي حرام وأبو لبلغ عدد ما اختاره صلى الله عليه وآله من الخزرج عشرة. وهذا ينافي ما اختار تسعة من الخزرج والصّحيح في اسمه : عبد الله بن عمرو عن حرام ، كما يظهر من الرّجال.

٣٣٤

محاربتهم ، فقالوا : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله تخرج معنا ؟ قال : أنتظر أمر الله تعالى.

فجاءت قريش قد أخذوا السّلاح وخرج حمزة ومعه السّيف ومعه عليّ عليه السلام فوقفا على العقبة ، فقالوا : ما هذا الّذي اجتمعتم عليه ؟ قال حمزة : ما ها هنا أحد وما اجتمعنا ، والله لا يجوز أحد هذه العقبة إلّا ضربت عنقه بسيفي ، فرجعوا وغدوا إلى عبد الله بن اُبيّ وقالوا : بلغنا أنّ قومك بايعوا محمّداً على حربنا ، فحلف لهم عبد الله أنّهم لم يفعلوا ولا علم له بذلك ، فإنّهم لم يطّلعوه على أمرهم فصدّقوه ، وتفرّقت الأنصار ، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى مكة (١).

فصل ـ ٩ ـ

٤١٤ ـ ثمّ اجتمعت قريش في دار النّدوة ، فجاءهم إبليس لمّا أخذوا مجلسهم ، فقال أبوجهل : لم يكن أحد من العرب أعزّ منّا حتّى نشأ فينا محمّد ، وكنّا نسمّيه الأمين لصلاحه وأمانته ، فزعم أنّه رسول ربّ العالمين وسبّ آلهتنا ، وقد رأيت فيه رأياً ، وهو : أن ندسّ اليه رجلاً فيقتله ، وإن طلبت بنوهاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات ، فقال إبليس : هذا رأي خبيث ، فانّ بني هاشم لا يرضون أن يمشي قاتل محمّد على الأرض أبداً ، ويقع بينكم الحروب في الحرم ، فقال آخر : الرّأي أن نأخذه فنحبسه في بيت ونثبته فيه ، ونلقي إليه قوته حتّى يموت ، كما مات زهير والنّابغة. قال إبليس : إنّ بني هاشم لا ترضى بذلك ، فاذا جاء مواسم العرب اجتمعوا عليكم ، فأخرجوه فيخدعهم بسحره. فقال آخر : الرّأي أن نخرجه من بلادنا ونطرده ونتفرغ لآلهتنا ، فقال ابليس : هذا أخبث منهما ، فانّه إذا خرج يفجأكم وقد ملأها خيلاً ورَجِلاً فبقوا حيارى ، قالوا : ما الرّأي عندك ؟

قال : ما فيه إلّا رأي واحد ، وهو أن يجتمع من كلّ بطن من بطون قريش رجل شريف ، ويكون معكم من بني هاشم أحد ، فيأخذون سيفاً ويدخلون عليه ، فيضربه كلّهم ضربة واحدة ، فيتفرق دمه في قريش كلّهم ، فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٩ / ١٣ ـ ١٤) وص (٤٧ ـ ٤٨) ، برقم : (٦) ، وراجع تفسير القمي (١ / ٢٧٣).

٣٣٥

وقد شاركوا فيه ، فحماداهم أن تعطوا الدّية (١).

فقالوا : الرّأي رأي الشّيخ النّجدي ، فاختاروا خمسة عشر رجلاً فيهم أبولهب على أن يدخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : « يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » (٢) وأجمعوا أن يدخلوا عليه ليلاً وكتموا أمره ، فقال أبولهب : بل نحرسه ، فاذا أصبحنا دخلنا عليه ، فقاموا حول حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يفرش له ، وقال لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : أفدني نفسك ، فقال : نعم يا رسول الله قال : نم على فراشي والتحف ببردتي ، فقام وجاء جبرئيل عليه السلام فقال : اخرج والقوم يشرفون على الحجرة (٣) فيرون فراشه وعليّ عليه السلام نائم عليه ، فيتوهّمون أنّه رسول الله.

فخرج رسول الله وهو يقرأ : يس إلى قوله : « فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ » (٤) أخذ تراباً بكفّه ونثره عليهم وهم نيام ومضى ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمّد خذ ناحية ثور ، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثّور ، فمرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وتلقاه أبو بكر في الطّريق ، فأخذ بيده ومرّ به ، فلمّا انتهى إلى ثور دخل الغار.

فلمّا أصبحت قريش وأضاء الصّبح ، وثبوا في الحجرة وقصدوا الفراش ، فوثب عليّ عليه السلام إليهم وقام في وجوههم ، فقال لهم : ما لكم ؟ قالوا : أين ابن عمّك ؟ قال عليّ عليه السلام جعلتموني عليه رقيباً ؟ ألستم قلتم له : اخرج عنّا ؟ فقد خرج عنكم فما تريدون ؟

_________________________________

(١) عبارت النّسخ هنا مختلفة ففي ق ٣ : وقد شاركوا فيه ولا يسوغ لهم أن يعطوا الدّية. وفي إعلام الورى ص (٦٢) : فأبقي لهم أن تعطوهم الدّية فأعطوهم ثلاث ديات بل لو أرادوا عشر ديات. وفي التّفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم ، الجزء (١ / ٢٧٥) : فان سألوكم أن تعطوا الدّية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا : نعم وعشر ديات ... ونحوه عبارة البحار ، الجزء (١٩ / ٥٠). وما احسن عبارة المتن عن ق ١ و ٢ و ٥ ولا يدرى أنّ العلامة المجلسي لماذا ضرب عن هذا التّعبير المختصر الجميل فقوله : فحماداهم ، أي قُصاراهم وغاية ما يُحمد منهم أن تعطوهم الدّية. اُنظر : حمد ، في كتب اللّغة.

(٢) سورة الانفال : (٣٠).

(٣) في ق ٣ : يهرعون على الحجرة ، أي يمشون إليها بسرعة واضطراب.

(٤) سورة يس : (٩).

٣٣٦

فأقبلوا عليه يضربونه ، فمنعهم أبولهب وقالوا : أنت كنت تخدعنا منذ اللّيلة ، فلمّا أصبحوا تفرّقوا في الجبال.

وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبوكرز يقفو الآثار ، فقالوا له : يا أبا كرز اليوم ، اليوم (١) فما زالوا يقفون أثر رسول الله حتّى وقف على باب الغار ، فقال : هذه قدم محمّد هي والله أخت القدم الّتي في المقام ، فلم يزل بهم حتّى وقفهم على باب الغار ، وقال : ما جاوزوا هذا المكان : إمّا أن يكونوا صعدوا إلى السّماء ، أو دخلوا الأرض ، فبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار وجاء فارس من الملائكة في صورة الانس ، فوقف على باب الغار وهو يقول لهم : اطلبوا في هذه الشّعاب ، فليس ها هنا فأقبلوا يدورون في الشّعاب (٢).

٤١٥ ـ وبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله في الغار ثلاثة أيّام ، ثمّ أذن الله له في الهجرة وقال : اخرج عن مكّة يا محمّد ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وأقبل راع لبعض قريش يقال له : ابن أُريقط ، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال له : ائتمنك على دمي ، فقال : إذاً والله أحرسك ولا اُدِلّ عليك ، فأين تريد يا محمّد ؟ قال : يثرب ، قال : لأسلكنّ بك مسلكاً لا يهتدي فيها (٣) أحد فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : ائت عليّاً وبشّره بانّ الله تعالى قد أذن لي في الهجرة ، فهيّىء لي زاداً وراحلة وقال أبوبكر : أعلم عامر بن فهيرة أمرنا وقل له : ائتنا بالزّاد والرّاحلة (٤) وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من الغار ، فلم يرجعوا إلى الطّريق إلّا بقديد ، وقد كانت الأنصار بلغهم خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله اليهم ، وكانوا يتوقعون قدومه إلى أن وافى مسجد قبا.

ونزل على كلثوم بن الهدم شيخ صالح مكفوف ، واجتمعت ، إليه بطون الأوس ، ولم تجسر الخزرج أن يأتوا رسول الله لما كان بينهم وبين الاوس من العداوة ، فلمّا أمسى أتاه

_________________________________

(١) في ق ٣ : اليوم يومك.

(٢) بحار الانوار (١٩ / ٤٧ ـ ٥١) ، برقم : (٨) عن إعلام الورى والقصص وتفسير القمي.

(٣) في البحار : إليها.

(٤) في ق ٢ : بالزّاد والرّاحلة وكذلك بني فهيرة ، وفي ق ١ وق ٥ : ابن فهيرة والظّاهر زيادتهما.

٣٣٧

أسعد بن زرارة مقنّعاً ، فسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وفرح بقدومه فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله للأوس : من يجيره ؟ فأجاره عويمر بن ساعدة وسعد بن خيثمة.

فبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله خمسة عشر يوماً فقال أبوبكر : ندخل المدينة فالقوم متشوّقون إلى نزولك ، فقال : لأديم في هذا المكان حتّى يوافيني أخي علي بن أبي طالب عليه السلام وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد بعث إليه أن احمل العيال واقدم ، فقال أبوبكر : ما أحسب عليّاً يوافي ، قال : بلى ما أسرعه.

فلمّا قدم عليٌّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وآله راحلته ، واجتمعت اليه (١) بنو عمرو وابن عوف ، فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا ، قال : خلّوا عنها فإنّها مأمورة وبلغ الأوس والخزرج خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلبسوا السّلاح وأقبلوا يَعدوُن حول ناقته ، وأخذ كلّ حيّ بزمام ناقته ، ويقول : خلّوا سبيلها فإنّها مأمورة ، فبركت النّاقة على باب أبي أيّوب ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وجاءته اليهود ، فقالوا : يا محمّد إلى ما تدعو (٢) ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وأنا الّذي تجدونني مكتوباً في التّوراة ، والّذي أخبركم به علماؤكم ، فحرمي بمكّة ومهاجري في هذه البحيرة (٣) ، فقالوا : قد سمعنا ما تقول وقد جئناك لنطلب منك الهدنة على أن لا نكون لك ولا عليك ، فأجابهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى ذلك ، وكتب بينهم كتاباً.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يصلّي في المربد بأصحابه ، ثمّ اشتراه وجعله المسجد ، وكان يصلّي إلى بيت المقدس ، حتّى أتى له سبعة أشهر ، فأمر أن يصلّي إلى الكعبة ، فصلّى بهم الظّهر ركعتين إلى ها هنا وركعتين إلى ها هنا (٤).

_________________________________

(١) في ق ٥ : عليه.

(٢) في ق ١ : الى م تدعو ؟

(٣) في البحار : الحرة. أي : أرض ذات حجارة.

(٤) بحار الانوار (١٩ / ٦٩ ـ ٧٠) عن أعلام الورى والقصص ، برقم : (٢٠) إلى قوله : مسجد قبا. والبقيّة تجدها في ص (١٠٤ ـ ١١٤) من نفس الجزء مقدّماً ومؤخّراً زيادة نقيصةً بوحدة المضمون.

٣٣٨

فصل ـ ١٠ ـ

(في مغازيه)

٤١٦ ـ « قال المفسّرون وأهل السِّيَر : إنّ جميع ما غزى رسول الله صلّى الله عليه وآله بنفسه ستّ وعشرون غزوةً ، وأنّ جميع سراياه الّتي بعثها ولم يخرج معها ستّ وثلاثون سريّة ، وقاتل صلّى الله عليه وآله في تسع غزوات منها ، وهي : بدر ، وأحد ، والخندق ، وبنو قريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف » ونذكر بعضها :

٤١٦ ـ فمنها أنّه بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله عبد الله (١) بن جحش إلى نخلة ، وقال : كن بها حتّى تأتينا بخير من أخبار قريش ، ولم يأمره بقتال ، وذلك في الشّهر الحرام ، وكتب له كتاباً وقال له : اخرج أنت وأصحابك حتّى إذا سريت يومين ، فافتح كتابك وانظر فيه ، وامض لما أمرتك ، فلمّا سار يومين وفتح الكتاب فاذا فيه : امض حتّى تنزل نخلة ، فأتنا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم.

فقال لأصحابه : سمعاً وطاعةً لما قرأ الكتاب : من له رغبة في الشّهادة فلينطلق معي ، فمضى معه القوم حتّى إذا نزلوا نخلة مرّ بهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبد الله معهم تجارة قدموا بها من الطّائف أُدم وزبيب (٢) ، فلمّا رآهم القوم أشرف لهم واقد (٣) بن عبد الله ، وكان قد حلق رأسه فقالوا : عمّار ليس عليكم منهم بأس وائتمر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو آخر يوم من رجب فقالوا : لئن قتلتموهم انكم لتقتلوهم في الشّهر الحرام ، ولئن تركتموهم ليدخلوا هذه اللّيلة مكة ، فاجتمع القوم على قتلهم ، فرمى واقد بن عبد الله التّميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأمن عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وهرب المغيرة بن عبد الله ، فأعجزهم فاستاقوا العير ، فقدموا بها على رسول الله صلّى الله عليه وآله.

_________________________________

(١) كذا في ق ٢ والمناقب لابن شهر آشوب والبحار والمغازي للواقدي (١ / ١٣ و ١٦ و ١٧ و ١٩) وفي ق ١ وق ٣ وق ٤ وق ٥ : عبد الرحمن.

(٢) في ق ٢ : وزيت.

(٣) كذا في المصادر ، وفي جميع النسخ : وافد.

٣٣٩

فقال : والله ما أمرتكم بالقتال في الشّهر الحرام ، وأوقف الأسيرين والعير ولم يأخذ منها شيئاً ، وسُقط في أيدي القوم ، فظنّوا أنّهم قد هلكوا وقالت قريش : استحلّ محمّد الشّهر الحرام ، فأنزل الله تعالى جل ذكره : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ » (١) الآية فلمّا نزل ذلك أخذ رسول الله العير وَفَدَأ الأسيرين وقال المسلمون : أيطمع لنا أن نكون غزاة ، فأنزل الله تعالى فيهم : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ » (٢) وكانت هذه قبل بدر بشهرين (٣).

٤١٧ ـ ثمّ كانت غزوة بدر الكبرى ، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وآله سمع بأبي سفيان بن حرب في أربعين راكباً من قريش تُجّاراً قافلين من الشّام ، فخرج رسول الله في ثلاثمائة راكب ونيف وأصحابه أكثرهم مشاة ، معهم ثمانون بعيراً وفرسٌ ، وذلك في شهر رمضان ، فبلغ أبا سفيان الخبر ، فأخذ العير على السّاحل ، وأرسل إلى أهل مكّة يستصرخ بهم ، فخرج منهم ألف رجل ، معهم مائتا فرس ومعهم القيان (٤) يضربن الدّفوف ، فلمّا بلغ النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى بدر وهي بئر وقد علم بفوات العير ومجييء قريش شاور أصحابه في لقائهم أو الرّجوع ، فقالوا : الأمر إليك وكان لواء رسول الله أبيض مع مصعب بن عمير ورايته مع عليّ ، وأمدّهم الله بخمسة آلاف من الملائكة ، وكثر الله المسلمين في أعين الكفّار ، وقلّل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا ، فأخذ كفّاً من تراب فرماه إليهم ، وقال : شاهت الوجوه فلم يبق منهم أحدٌ إلّا اشتغل بفرك عينيه وقتل الله من المشركين سبعين رجلاً واُسر سبعون منهم : العباس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث ـ فأسلموا وكانوا مكرهين ـ وعقبة بن أبي معيط ، والنّضر بن الحارث قتلهما رسول الله صلّى الله عليه وآله بالصّفراء.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله للعباس : افد نفسك وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً ،

_________________________________

(١ ـ ٢) سورة البقرة : (٢١٧ ـ ٢١٨).

(٣) بحار الانوار (١٩ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ١٧٠ و ١٧٢ ـ ١٧٣ و ١٨٦ و ١٨٨ ـ ١٩٠) ، والمناقب لابن شهر آشوب (١ / ١٨٧).

(٤) في ق ١ وق ٥ : القينات ، وفي ق ٢ وق ٤ : القينان ، وفي ق ٣ : الغنيات والقيان جمع القينة وهي المرأة المغنية.

٣٤٠