قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد الله في قوله تعالى : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ » (١) قال : لم تبك السّماء على أحدٍ قبل قتل يحيى بن زكريّا حتّى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه (٢).

_________________________________

(١) سورة الدخان : (٢٩).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٨٣) ، برقم : (٢٧). و (٤٥ / ٢١٠) ، برقم : (٢٠).

٢٢١

الباب الخامس عشر

( في نبوّة إرميا ودانيال عليهما السّلام )

٢٩٤ ـ وبالإِسناد المتقدّم ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إنّ الله تعالى جلّ ذكره أوحى إلى نبيّ من الأنبياء يقال له : إرميا : أن قل لهم : ما بلد تنقّيته من كرائم البلدان وغرست فيه من كرائم الغرس ونقّته من كلّ غريبة فأنبت خرنوباً ؟ فضحكوا منه فأوحى الله إليه : قل لهم : إنّ البلد بيت المقدس والغرس بنو إسرائيل ، نحّيت عنه كلّ جبّار فأخلفوا فعملوا بمعاصيّ فلاُسلّطن عليهم في بلادهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم فان بكوا لم أرحم بكاءهم ، وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ثمّ لأخرّبنّها مائة عام ثمّ لأعمّرنّها.

فلمّا حدّثهم جزع العلماء فقالوا : يا رسول الله ما ذنبنا ولم نعمل بعملهم ؟ فقال : إنّك رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فسلّط الله عليهم بخت نصّر ، وسمّي به لأنّه رضع بلبن كلبة ، وكان اسم الكلب بخت واسم صاحبه نصّر ، وكان مجوسيّاً أغلف ، أغار على بيت المقدس ، ودخله في ستّمائة ألف علم ، ثم بعث بخت نصّر إلى النبيّ ، فقال : إنّك نبئت عن ربّك وخبّرتهم بما أصنع بهم ، فإِن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فاخرج. قال : بل أخرج ، فتزوّد عصيراً ولبناً وخرج. فلمّا كان مدّ البصر التفت إلى البلدة فقال : « أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ » (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧٤) ، برقم : (١٥) إلى قوله : وخرج وبعده إلى آخره موجود في أثناء المنقول عن تفسير العيّاشي ص (٣٧٣) والآية في سورة البقرة : (٢٥٩).

٢٢٢

٢٩٥ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن وهب بن منبّه ، قال : كان بخت نصّر منذ ملك يتوقّع فساد بني إسرائيل ، ويعلم أنّه لا يطيقهم إلّا بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون بأخبارهم ، حتّى تغيّرت حالهم وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى جلّ ذكره : « وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » إلى قوله : « فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا » (١) يعني بخت نصّر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلمّا رأوا ذلك ، فزعوا إلى ربّهم وتابوا وثابروا (٢) على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر ، وأظهروا المعروف ، فردّ الله لهم الكرّة على بخت نصّر ، وانصرفوا بعدما فتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أنّ سهماً وقع في جبين فرس بخت نصّر ، فجمح به حتّى أخرجه من باب المدينة.

ثمّ إنّ بني إسرائيل تغيّروا ، فما برحوا حتّى كرّ عليهم ، وذلك قوله تعالى : « فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ » (٣) فأخبرهم إرميا عليه السلام وأنّ بخت نصّر يتهيّأ للسير إليكم وقد غضب الله عليكم ، وأنّ الله تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول : هل وجدتم أحداً عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحداً أطاعني فشقي بطاعتي ؟ وأمّا أحباركم ورهبانكم فاتّخذوا عبادي خولاً يحكمون فيهم بغير كتابي حتّى أنسوهم ذكري ، وأمّا ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرّتهم الدّنيا ، وأمّا قرّاؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك ، يبايعونهم على البدع ، ويطيعونهم في معصيتي وأمّا الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كلّ ذلك اُلبسهم العافية ، فلأبدلنّهم بالعزّ ذلّاً وبالأمن خوفاً ، إن دعوني لم أجبهم وإن بكوا لم أرحمهم.

فلمّا بلّغهم ذلك نبيّهم فكذّبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله تزعم أنّ الله يعطّل ( معطل ) مساجده من عبادته فقيّدوه وسجنوه فأقبل بخت نصّر وحاصرهم سبعة أشهر حتّى أكلوا خلاهم (٤) وشربوا أبوالهم ، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل ، والصّلب ، والاحراق ، وجذع الأنوف ، ونزع الألسن والأنياب ، ووقف النّساء.

_________________________________

(١) سورة الاسراء : (٤ ـ ٥).

(٢) ثابر على الأمر : داوم عليه وواظبه. وفي ق ١ : وثاروا.

(٣) سورة الاسراء : (٧).

(٤) في ق ١ : حتّى أكلوا خراهم.

٢٢٣

فقيل له : إنّ لهم صاحباً كان يحذّرهم بما أصابهم ، فاتّهموه وسجنوه ، فأمر بخت نصّر فأُخرج من السّجن ، فقال له : أكنت تحذّر هؤلاء ؟ قال : نعم. قال : وأنّى أُعلمت ذلك ؟ (١) قال : أرسلني الله به إليهم قال : فكذبوك وضربوك ؟ قال : نعم. قال : لبئس القوم قوم ضربوا نبيّهم ، وكذّبوا رسالة ربّهم ، فهل لك أن تلحق بي فأُكرمك ؟ وإن أحببت أن تقيم في بلادك أمنتك ، قال إرميا عليه السلام : إنّي لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ، ولو أنّ بني إسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم يخافوك.

فأقام إرميا مكانه بأرض إيليا ، وهي حينئذٍ خراب قد هدم بعضها ، فلمّا سمع به من بقي من بني إسرائيل اجتمعوا إليه ، وقالوا : عرفنا أنّك نبيّنا فانصح لنا ، فأمرهم أن يقيموا معهم ، فقالوا : ننطلق إلى ملك مصر نستجير ، فقال إرميا عليه السّلام : إنّ ذمة الله أوفى الذّمم ، فانطلقوا إلى مصر وتركوا إرميا ، فقال لهم الملك : أنتم في ذمّتي ، فسمع ذلك بخت نصّر ، فأرسل إلى ملك مصر ابعث بهم إليّ مصفّدين وإلّا آذنتك بالحرب.

فلمّا سمع إرميا بذلك أدركته الرّحمة لهم ، فبادر إليهم لينقذهم فورد عليهم ، وقال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنّي مظهر بخت نصّر على هذا الملك ، وآية ذلك أنّه تعالى أراني موضع سرير بخت نصّر الّذي يجلس عليه بعدما يظفر بمصر ، ثمّ عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الأرض ، فسار إليهم بخت نصّر وظفر بهم وأسرهم ، فلمّا أراد أن يقسّم الفيء ويقتل الأسارى ويعتق منهم كان فيهم إرميا.

فقال له بخت نصّر : أراك مع أعدائي بعدما عرضتك من الكرامة ، فقال له إرميا عليه السّلام : إنّي جئتهم مخوِّفاً أخبرهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا وأنت بأرض بابل ، ارفع سريرك فانّ تحت كلّ قائمة من قوائمه حجراً دفنته بيدي وهم ينظرون ، فلمّا رفع بخت نصّر سريره وجد مصداق ما قال ، فقال لأرميا : إنّي لأقتلهم إذ كذبوك ولم يصدّقوك ، فقتلهم ولحق بأرض بابل.

فأقام إرميا بمصر مدّةً ، فأوحى الله تعالى اليه : ألحق بأيليا. فانطلق حتّى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورآى خراباً عظيماً ، قال : « أنّى يحيى هذه الله » فنزل في ناحية

_________________________________

(١) في البحار : وأنّي علمت ذلك.

٢٢٤

واتّخذ مضجعاً ، ثمّ نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع الخلائق مائة عام ، وكان قد وعده الله أنّه سيعيد فيها الملك والعمران ، فلمّا مضى سبعون عاماً أذن الله في عمارة إيليا ، فأرسل الله ملكاً إلى ملك من ملوك فارس يقال له : كوشك ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تنفر بقوّتك ورجالك حتّى تنزل إيليا فتعمرها ، فندب الفارسي كذلك ثلاثين ألف قهرمان ، ودفع إلى كلّ قهرمان ألف عامل بما يصلح لذلك من الآلة والنّفقة فسار بهم ، فلمّا تمّت عمارتها بعد ثلاثين سنة أمر عظام إرميا أن تحيى ، فقام حيّاً كما ذكر الله في كتابه (١).

فصل ـ ١ ـ

٢٩٦ ـ وبالاسناد المذكور ، عن وهب بن منبّه أنّه لما انطلق بخت نصّر بالسّبي والأسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير عليهما السّلام وورد أرض بابل اتّخذ بني إسرائيل خولاً ، فلبث (٢) سبع سنين ثمّ إنّه رآى رؤيا عظيماً امتلأ منها رعباً ونسيها ، فجمع قومه وقال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسيّة إلى ثلاثة أيّام وإلّا لأصلّبنّكم وبلغ دانيال ذلك من شأن الرّؤيا وكان في السّجن فقال لصاحب السّجن : إنّك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن تخبر الملك أنّ عندي علم رؤياه وتأويله ؟ فخرج صاحب السّجن ، وذكر لبخت نصّر فدعٰا به.

وكان لا يقف بين يديه أحد إلّا سجد له ، فلمّا طال قيام دانيال وهو لا يسجد له ، قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ما منعك أن تسجد لي ؟ فقال : إنّ لي ربّاً آتاني هذا العلم على أنّي لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عنّي العلم فلم ينتفع بي ، فتركت السّجود نظراً إلى ذلك.

قال بخت نصّر : وفيت لإِلٰهك فصرت آمناً منّي فهل لك علم بهذه الرّؤيا ؟ قال : نعم رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ، ورأسه في السّماء ، أعلاه من ذهب ووسطه من فضّة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك

_________________________________

(١) بحارالأنوار (١٤ / ٣٦٤ ـ ٣٦٦) ، برقم : (٦) وفيه : كما ذكره الله في كتابه. أقول : ورد ذكره في الذّكر الحكيم في سورتين : البقرة : (٢٥٩) والاسراء : (٤ ـ ٧).

(٢) في البحار : ولبث.

٢٢٥

حسنه وعظمه واحكام صنعته وأصناف الّتي ركّبت فيها ، إذ قذفه بحجر من السّماء ، فوقع على رأسه ، فدقّه حتّى طحنه فاختلط ذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتّى خيّل لك أنّه لو اجتمع الجنّ والإِنس على أن يميّزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، حتّى خيّل لك أنّه لو هبّت أدنى ريح لذرّته لشدّة ما انطحن ، ثمّ نظرت إلى الحجر الّذي قذف به يعظم فينتشر (١) حتّى ملأ الأرض كلّها فصرت لا ترى الّا السّماء والحجر.

قال بخت نصّر : صدقت ، هذه الرّؤيا الّتي رأيتها ، فما تأويلها.

قال دانيال عليه السّلام : أمّا الصّنم الّذي رأيت ، فانّها أمم تكون في أوّل الزّمان وأوسطه وآخره ، وأمّا الذّهب فهو هذا الزّمان ، وهذه الأمّة الّتي أنت فيها وأنت ملكها ، وأمّا الفضّة فانّه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأمّا النّحاس فاُمّة الرّوم ، وأمّا الحديد فأمّة فارس ، وأمّا الفخار فأمّتان تملكهما امرأتان : إحداهما في شرقيّ اليمن ، وأخرى في غربيّ الشّام. وأمّا الحجر الّذي قذف به الصّنم ، فدين يفقده (٢) الله به في هذه الامّة آخر الزّمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيّاً اُمّيّاً من العرب فيذلّ الله له الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض فانتشر فيها (٣).

فقال بخت نصّر : ما لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك. إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمرها لك ، وإن أحببت أن تقيم معي فأكرمك. فقال دانيال عليه السلام : أمّا بلادي أرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت والإِقامة معك أوثق لي.

فجمع بخت نصّر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرّج الله به عنّي كربة قد عجزتم عنها ، وقد ولّيته أمركم وأمري ، يا بنيَّ خذوا من علمه ، وإن جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له ، فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لا يقطع أمراً دونه.

ولمّا رآى (٤) قوم بخت نصّر ذلك حسدوا دانيال ، ثمّ اجتمعوا إليه وقالوا : كانت لك

_________________________________

(١) في البحار : فينتثر.

(٢) هكذا في جميع النّسخ ، ولكن في إثبات الهداة : يعقده.

(٣) فانتثر فيها : المصدر. ولكنّه وما قبله : فينتثر ، من غلط النّاسخ أو المصحّح والصّحيح ما في المتن عن النّسخ المخطوطة.

(٤) في عدّة من النّسخ منها نسخة البحار : ولمّا رأوا ... وهو كما ترى غلط.

٢٢٦

الأرض ويزعم عدوّنا أنّك أنكرت عقلك ، قال : إنّي أستعين برأي هذا الإِسرائيلي لإِصلاح أمرك ، فإِنّ ربّه يطلعه عليه قالوا : نتّخذ إلهاً يكفيك ما أهمّك وتستغني عن دانيال فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنماً عظيماً وصنعوا عيداً وذبحوا له ، وأوقدوا ناراً عظيمة كنار نمرود ، ودعوا النّاس بالسّجود لذلك الصّنم ، فمن لمن يسجد له أُلقي فيها.

وكان مع دانيال عليه السلام أربعة فتية من بني إسرائيل : يوشال ، ويوحين ، وعيصوا ومريوس. وكانوا مخلصين موحّدين ، فأُتي بهم ليسجدوا للصّنم ، فقالت الفتية : هذا ليس بإِلهٍ ، ولكن خشبة ممّا عملها الرّجال ، فإِن شئتم أن نسجد للّذي خلقها فعلنا ، فكتّفوهم ثمّ رموا بهم في النّار.

فلمّا أصبحوا طلع عليهم بخت نصّر فوق قصر ، فاذا معهم خامس وإذا بالنّار قد عادت جليداً فامتلأ رعباً فدعاٰ دانيال عليه السلام فسأله عنهم فقال : أمّا الفتية فعلى ديني يعبدون إلهي ولذلك أجارهم ، والخامس بحر البرد أرسله الله تعالى جلّت عظمته إلى هؤلاء نصرة لهم ، فأمر بخت نصّر فأُخرجوا ، فقال لهم : كيف بتّم ؟ قالوا : بتنا بأفضل ليلة منذ خلقنا ، فالحقهم بدانيال ، وأكرمهم بكرامته حتّى مرّت بهم ثلاثون سنة (١).

فصل ـ ٢ ـ

٢٧٠ ـ وعن وهب بن منبّه ، قال : ثمّ إنّ بخت نصّر رآى رؤيا أهول من الرّؤيا الأولى ونسيها أيضاً ، فدعا علماء قومه قال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم وهلاكي ، فما تأويلها فعجزوا وجعلوا علّة عجزهم دانيال عليه السلام ، فأخرجهم ودعا دانيال عليه السلام فسأله ؟

فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة فرعها في السّماء عليها طير السّماء ، وفي ظلّها وحوش الأرض وسباعها ، فبينما أنت تنظر إليها قد أعجبك بهجتها ، إذ أقبل ملك يحمل حديدة كالفاس على عنقه ، وصرخ بملك آخر في باب من أبواب السّماء يقول له :

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨) ، برقم : (٧). وإثبات الهداة (١ / ١٩٧) من الباب (٧) الفصل (١٧) برقم : (١١٠).

٢٢٧

كيف أمرك الله أن تفعل بالشّجرة أمرك أن تجتثّها من أصلها ؟ أم أمرك أن تأخذ بعضها ؟ فناداه الملك الأعلى إنّ الله تعالى يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتّى ضرب رأسها بفاسه ، فانقطع وتفرّق ما كان عليها من الطّير ، وما كان تحتها من السّباع والوحوش ، وبقي الجذع لا هيئة له ولا حسن.

فقال بخت نصّر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها ؟

قال : أنت الشّجرة ، وما رأيت في رأسها من الطّيور فولدك وأهلك ، وأمّا ما رأيت في ظلّها من السّباع والوحوش فخولك ورعيّتك وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصّنم ، فقال بخت نصّر : كيف يفعل ربّك بي ؟ قال : يبتليك ببدنك ، فيمسخك سبع سنين ، فإِذا مضت رجعت إنساناً كما كنت أوّل مرّة.

فقعد بخت نصّر يبكي سبعة أيّام ، فلمّا فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقاباً فطار ، وكان دانيال عليه السلام يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيّروا من أمره شيئاً حتّى يرجع إليهم ، ثمّ مسخه الله في آخر عمره بعوضة ، فأقبل يطير حتّى دخل بيته ، فحوّله الله إنساناً فاغتسل بالماء ولبس المسوخ.

ثمّ أمر بالنّاس ، فجمعوا ، فقال : إنّي وايّاكم كنّا نعبد من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ، وأنّه قد تبيّن لي من قدرة الله تعالى جلّ وعلا في نفسي أنّه لا إله إلّا الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني فإِنّه منّي وأنا وهو في الحقّ سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتّى يحكم الله بيني وبينكم ، وإنّي قد أجّلتكم إلى اللّيلة ، فإِذا أصبحتم فأجيبوني ، ثمّ انصرف ودخل بيته وقعد على فراشه ، فقبض الله تعالى روحه.

وقصّ وهب قصّته هذه عن ابن عباسّ ثمّ قال : ما أشبه إيمانه بإيمان السّحرة (١).

فصل ـ ٣ ـ

٢٧١ ـ ولمّا توفيّ بخت نصّر تابع النّاس ابنه ، وكانت الأواني الّتي عملت الشّياطين

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠) ، برقم : (٨). وللعلّامة المجلسي هنا بيان يشجب فيه هذه القصص المنقولة عن وهب. إن شئت فراجعه.

٢٢٨

لسليمان بن داود عليهما السلام من اللّؤلؤ والياقوت غاص عليها الشّياطين ، حتّى استخرجوها من قعور الأبحر الصّم الّتي لا تعبر فيها السّفن ، وكان بخت نصّر غنم كلّ ذلك من بيت المقدس ، وأوردها أرض بابل واستأمر فيها دانيال ، فقال : انّ هذه الآنية طاهرة مقدّسة صُنعها للنبيّ ابن النبيّ الّذي يسجد (١) لربّه عزّ وعلا ، فلا تدنّسها بلحم الخنازير وغيرها ، فإنّ لها ربّاً سيعيدها حيث كانت ، فأطاعه واعتزل دانيال وأقصاه وجفاه.

وكانت له امرأة حكيمة نشأت في تأديب دانيال تعظه وتقول : إنّ أباك كان يستغيث بدانيال فأبى ذلك ، فعمل في كلّ عمل سوءً حتّى عجّب الأرض منه إلى الله تعالى جلّت عظمته فبينا هو في عيد إذا بكفّ ملك يكتب على الجدار ثلاثة أحرف ، ثمّ غابت الكفّ والقلم وبهتوا ، فسألوا دانيال بحقّ تأويل ذلك المكتوب ، وكان كتب : وُزن فخفّ ، ووعدنا نجز ، جمع فتفرّق. فقال :

أمّا الأوّل ـ فانّه عقلك وزن فخفّ ، فكان خفيفاً في الميزان.

والثّاني ـ وعد أن يملك ، فأنجزه اليوم.

والثّالث ـ فانّ الله تعالى كان قد جمع لك ولوالدك من قبلك ملكاً عظيماً ثمّ تفرّق اليوم ، فلا يجتمع إلى يوم القيامة.

فقال له : ثمّ ماذا ؟ قال : يعذّبك الله ، فأقبلت بعوضة تطير حتّى دخلت في إحدى منخريه فوصلت إلى دماغه وتؤذيه ، فأحبّ النّاس عنده من حمل مرزبةً فيضرب بها رأسه ، ويزداد كلّ يوم ألماً إلى أربعين ليلة حتّى مات وصار إلى النّار (٢).

٢٧٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا الحسن بن عليّ السّكري (٣) ، حدّثنا ابوعبد الله محمد بن زكريّا الجوهري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه السلام سألته عن تعبير الرّؤيا عن دانيال

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وفي بقيّة النّسخ : صنعها لنبيّ ابن النّبيّ يسجد. وفي البحار : صنعها النّبيّ ابن النّبيّ ليسجد.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٧٠) ، برقم : (٩).

(٣) في البحار في الموردين : الصّدوق عن السّكري ، وهو غلط والصّحيح : عن القطّان عن السّكري ، كما في النّص الحاضر.

٢٢٩

عليه السلام أهو صحيح ؟ قال : نعم كان يوحى إليه ، وكان نبيّاً ، وكان ممّن علّمه الله تأويل الأحاديث ، وكان صدّيقاً حكيماً ، وكان والله يدين بمحبّتنا أهل البيت قال جابر : بمحبّتكم أهل البيت ؟ قال : إي والله وما من نبيّ ولا ملك إلّا وكان يدين بمحبّتنا (١).

فصل ـ ٤ ـ

٢٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار ، عن عليّ بن محمّد القاساني ، عن القاسم بن محمّد الإِصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص ، بن غياث النّخعي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من اهتمّ لرزقه كتب عليه خطيئة ، إنّ دانيال عليه السلام كان في زمن ملك جبّار (٢) ، فأخذه فطرحه في الجبّ ، وطرح معه السّباع لتأكله ، فلم تدن إليه.

فأوحى الله تعالى جلّت عظمته إلى نبيّ من أنبيائه عليهم السلام : أن ائت دانيال بطعام ، قال : يا ربّ وأين دانيال ؟ قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلّك عليه ، فخرج فانتهى به الضّبع إلى ذلك الجبّ ، فإِذا بدانيال عليه السلام فيه ، فأدلى إليه الطّعام ، فقال دانيال : الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الّذي لا يخيب من دعاه ، والحمد لله الّذي يجزي بالإِحسان إحساناً وبالصّبر نجاةً.

ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام : أبى الله أن يجعل أرزاق المتّقين إلّا من حيث لا يحتسبون ، وأبى الله أن يقبل شهادة لأوليائه في دولة الظّالمين (٣).

٢٧٤ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، حدّثنا السيّاري ، عن اسحاق بن إبراهيم ، عن الرّضا عليه السلام قال : إنّ الملك قال لدانيال : أشتهي أن يكون لي ابن مثلك فقال : ما محلّي من قلبك ؟ قال : أجلّ محلّ وأعظمه ، قال دانيال : فإِذا جامعت فاجعل همّتك فيَّ ، قال : ففعل

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧١) ، برقم : (١٠) و (٢٦ / ٢٨٤) ، برقم : (٤١).

(٢) في البحار : جبّار عات.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣) ، برقم : (٤) و (٩٥ / ١٨٧ ـ ١٨٨) ، برقم : (١١) و (١٠٣ / ٢٨) ، برقم : (٤٦).

٢٣٠

الملك ذلك ، فولد له ابن أشبه خلق الله بدانيال (١).

٢٧٥ ـ ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ شعيباً جعل لموسى عليه السلام في بعض السّنين الّذي كان عنده كلّ بلقاء تضعه غنمه في تلك السّنة فوضعت كلّها بلق (٢).

وفي هذا الخبر ما يحتاج إلى تأويل ، وهو : أنّه لا تأثير لشيء ممّا ذكر في الحقيقة في تغيّر هيئة الجنين ، وأمّا الأنبياء فدعواتهم مستجابة وأمورهم عجابة ، وإذا كان شيء ممّا يتعجّب منه من قبل الله تعالى فلا يستنكر وتعالى على كلّ شيءٍ قدير (٣).

فصل ـ ٥ ـ

٢٧٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا الحسن بن عليّ السّكري ، حدّثنا محمّد بن زكريّا البصري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧١) ، برقم : (١١) و (٦٠ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧) ، برقم : (٦٥).

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٢٩) عن التّفسير المنسوب الى القمي. أقول : قوله : ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام ، غير مناسب مع المنقول عن الامام الرّضا عليه السلام آنفاً ويظهر من مقطع الكلام هنا سقوط شيء سنداً ومتناً ، وعلى تقدير كونه مرتبطاً بما سبقه ، فالمناسب أن يقال : ثم قال الرّضا عليه السلام. ويأتي في التّعليق الآتي ما يحلّ الإِشكال.

(٣) نعم إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير وإنّه عزيز رحيم وحكيم ما يريد وما ذلك عليه بعزيز ولذا ذكر العلّامة المجلسي في البحار الجزء (٦٠ / ٣٦٧) ذيل الحديث السّابق ما يقرّب وقوع الحقيقة وإن شئت فراجع والغرض من التعليق الاشارة إلى أنّ كلام الشيخ الراوندي هنا يناقض صدره ذيله فأنّ الاعتقاد بالاقتدار المطلق لله سبحانه لا يجامع الجزم بتأويل عمليّة موسى عليه السلام من غرزه عصاه في وسط مربض الاغنام لشعيب عليه السلام تلك الاغنام الّتي قال عنها شعيب لموسى عليهما السلام : ما وضعت في هذه السّنة من غنم بلق فهو لك بعد ما قال له موسى لمّا قضى أجله : لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني وأمّي وأهل بيتي فمالي عندك ؟ ... فاحتال حينئذٍ موسى فعمد إلى كساءٍ أبلق والقاه على عصاه المغروز وسط المربض ثمّ أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السّنة إلّا بلقاً فايّ بعدٍ في إعطاء الله سبحانه تأثيراً للعمليّة المزبورة على تحوّل نطف الاغنام وصيرورتها عل صورة لون واحد وهو الابلق حسب نطاق هذه الحكاية التي جاءت في البحار عن تفسير القمي برواية مفصّلة صدرها عن أبي جعفر عليه السلام وقد روي الرّاوي ذيلا هذا المقدار الذي نقلناه عن ابي عبد الله عليه السلام والظّاهر أنّ الشّيخ الرّاوندي أراد أن يشير إلى صدر الرّواية عن ابي جعفر عليه السلام ثمّ ينقل المورد المناسب للكلام المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام فذهل عن الصّدر وكتب ما هو المقصود ذيلاً على نحو الاختصار والاقتباس عنه عليه السلام بتعبير : ثم قال ابوعبد الله عليه السلام وبهذا الجرى أصبح ما ادعيناه في التّعليق المتقدم من وقوع سقط وارتباك في الكلام والنّقل صادقاً وصحيحاً.

٢٣١

الصّادق عليه السلام قال : لمّا حضر سليمان بن داود عليهما السلام الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ، فلم يزل في بني إسرائيل يأخذون منه معالم دينهم ، ثمّ غيّب الله آصف غيبةً طال أمدها ، ثمّ ظهر لهم ، فبقي بين قومه ما شاء الله ، ثمّ إنّه ودّعهم وغاب عنهم ، فاشتدّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلّط عليهم بخت نصّر ، فجعل يقتل من يظفر به منهم ، ويسبي ذراريهم ، واصطفى من أهل بيت يهودا دانيال عليه السلام ومن ولد هارون عزيراً عليه السلام ، وجعل دانيال في جبّ.

فلما تناهى (١) البلوى به رآى بخت نصّر في المنام كأن ملائكة السّماء هبطت إلى الأرض أفواجاً إلى الجبّ الّذي فيه دانيال عليه السلام مسلّمين عليه ويبشّرونه بالفرج ، والله تعالى جلّت عظمته كان يبعث برزقه إليه على يد نبيّ عليه السلام.

فلمّا أصبح بخت نصّر ندم على ما فعل ، فأتى دانيال فأخرجه واعتذر إليه ثمَّ فوّض إليه الأمر في ممالكه وأفضى الأمر بعده إلى ابنه واشتدّت البلوى على بني إسرائيل ووعدهم الله تعالى بقيام المسيح بعد نيّف وعشرين سنة (٢).

فصل ـ ٦ ـ

( في العلامات )

٢٧٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوعبد الله الحسين بن علي الصّوفي ، حدّثنا حمزة بن القاسم العبّاسي ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، حدّثنا محمّد بن الحسين بن زيد الزّيّات ، حدّثنا عمرو بن عثمان الحرّاز ، حدّثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الصّادق عليه السلام قال : كان في كتاب دانيال عليه السلام أنّه :

إذا كان أوّل يوم من المحرّم يوم السّبت فانّه يكون الشّتاء شديد البرد ، كثير الرّيح ، يكثر فيه الجليد وتغلو فيه الحنطة ويقع فيه الوباء وموت الصّبيان وتكثر الحمى في تلك السّنة ويقلّ العسل وتكثر الكماة ويسلم الزّرع من الآفات ويصيب بعض الأشجار آفة وبعض

_________________________________

(١) تناهت : ق ١.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤) ، برقم : (٥) و (١٣ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩) عن كمال الدّين مثله ، وعلى نحو الاقتباس.

٢٣٢

الكروم وتخصب السّنة ويقع بالرّوم الموتان ويغزوهم العرب ويكثر فيهم السّبي والغنائم في أيدي العرب ويكون الغلبة في جميع المواضع للسّلطان بمشيّة الله.

وإذا كان يوم الأحد أوّل المحرّم فانّه يكون الشّتاء صالحاً ويكثر المطر وتصيب بعض الأشجار والزّرع آفة ، وتكون أوجاع مختلفة ، وموت شديد ، ويقلّ العسل ، ويكثر في الهوى الوباء والموتان ، ويكون في آخر السّنة بعض الغلاء في الطّعام ، ويكون الغلبة للسّلطان في آخره.

وإذا كان يوم الأثنين أوّل المحرّم ، فانّه يكون الشّتاء صالحاً ، ويكون في الصّيف حرّ شديد ويكثر المطر في أيّامه (١) ويكثر البقر والغنم ويكثر العسل ويرخّص الطّعام والأسعار في بلدان الجبال وتكثر الفواكه فيها ويكون موت في النساء وفي آخر السّنة يخرج خارجي على السّلطان بنواحي المشرق ويصيب بعض فارس غمّ ، ويكثر الزّكام في أرض الجبل.

وإذا كان يوم الثلاثاء أوّل المحرّم فانّه يكون الشّتاء شديد البرد ويكثر الثّلج والجمد بأرض الجبل وناحية المشرق ، ويكثر الغنم والعسل ويصيب بعض الأشجار والكروم آفة ويكون بناحية المغرب والشّام آفة من حدث يحدث في السّماء يموت فيه خلق ، ويخرج على السّلطان خارجي قويّ ، ويكون الغلبة للسّلطان ، ويكون في أرض فارس في بعض الغلّات آفة ، وتغلو الاسعار بها في آخر السّنة.

وإذا كان يوم الأربعاء أوّل المحرم ، فإِنّ الشّتاء يكون وسطاً ، ويكون المطر في القيض صالحاً نافعاً مباركاً ، وتكثر الثّمار والغلّات بالجبال كلّها وناحية جميع المشرق ، إلّا أنّه يقع الموت في الرّجال في آخر السّنة ، ويصيب النّاس بأرض بابل وبالجبل آفة ، وترخص الاسعار ، وتسكن مملكة العرب في تلك السّنة ، ويكون الغلبة للسّلطان.

وإذا كان يوم الخميس أوّل المحرّم ، فانّه يكون الشّتاء ليّناً ، ويكثر القمح والفواكه والعسل بجميع نواحي المشرق ، وتكثر الحُمّى في أوّل السّنة وفي آخرها وبجميع أرض بابل في آخر السّنة ، ويكون للرّوم على المسلمين غلبة ثمّ تظهر العرب عليهم بناحية المغرب ويقع بأرض السّند حروب والظّفر لملوك العرب.

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٣ : في إبّانه.

٢٣٣

وإذا كان يوم الجمعة أوّل المحرّم ، فإِنّه يكون الشّتاء بلا بردٍ ، ويقل المطر والأودية والمياه ، وتقلّ الغلّات بناحية الجبال مائة فرسخ في مائة فرسخ ، ويكثر الموت في جميع النّاس ، ويغلو الاسعار بناحية المغرب ، وتصيب بعض الأشجار آفة ، ويكون للرّوم على الفرس كرّة شديدة (١).

فصل ـ ٧ ـ

( في علامات كسوف الشّمس في الإِثني عشر شهراً )

٢٧٨ ـ إذا انكسفت الشّمس في المحرّم ، فانّ السّنة تكون خصيبة إلّا أنّه يصيب النّاس أوجاع في آخرها وأمراض ، ويكون من السّلطان ظفر ، وتكون زلزلة بعدها سلامة.

وإذا انكسفت في صفر ، فانّه يكون فزع وجوع في ناحية المغرب ، ويكون قتال في المغرب كثير ، ثم تقع الصّلح في ربيع والظّفر للسّلطان.

وإذا انكسفت في ربيع الأوّل ، فانّه يكون بين النّاس صلح ، ويقل الاختلاف ، والظّفر للسّلطان بالمغرب ، ويضرّ البقر والغنم ، ويتّسع في آخر السّنة ، ويقع الوباء في الإِبل بالبدو.

واذا انكسفت في شهر ربيع الآخر ، فإنّه يكون بين الناس اختلاف كثير ، ويقتل منهم خلق عظيم ، ويخرج خارجيّ على الملك ، ويكون فزع وقتال ، ويكثر الموت في النّاس.

واذا انكسفت في جمادي الأولى ، فانّه يكون السّعة في جميع النّاس بناحية المشرق والمغرب ، ويكون للسّلطان إلى الرّعيّة نظر ، ويحسن السّلطان إلى أهل مملكته ويراعي جانبهم.

واذا انكسفت في جمادي الآخر ، فإنّه يموت رجل عظيم بالمغرب ، ويقع ببلاد مصر قتال وحروب شديدة ، ويكون ببلاد المغرب غلاء في آخر السّنة.

وإذا انكسفت في رجب ، فإنّه تعمر الأرض ، وتكون أمطار كثيرة بالجبال وبناحية

_________________________________

(١) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٠ ـ ٣٣٢) ، برقم : (١).

٢٣٤

المشرق ، ويكون جراد بناحية فارس ولا يضرّهم ذلك.

وإذا انكسفت في شعبان ، يكون سلامة في جميع النّاس من السّلطان ، ويكون للسّلطان ظفر على أعدائه بالمغرب ، ويقع وباء في الجبال في آخر السّنة ، ويكون عاقبته إلى سلامة.

وإذا انكسفت في شهر رمضان كان جملة النّاس يطيعون عظيم فارس ، وتكون للرّوم على العرب كرّة شديدة ، ثمّ تكون على الرّوم ويسبي منهم ويغنم.

وإذا انكسفت في شوّال ، فانّه يكون في أرض الهند والزّنج قتال شديد ، ويكثر نبات الأرض بالمشرق.

وإذا انكسفت في ذي القعدة ، فانّه يكون مطر كثير متواتر ، ويقع خراب بناحية فارس.

وإذا انكسفت في ذي الحجّة ، فانّه يكون فيه رياح كثيرة ، وتنقص الأشجار ، ويقع بالأرض من المغرب سبع وخراب في كلّ أرض من ناحية المغرب ، وينقص الطّعام ويغلو عليهم ، ويخرج خارجي على الملك ويصيبه منه شدّة ، ويقلّ طعام أهل فارس ثمّ يرخص في العام الثّاني (١).

فصل ـ ٨ ـ

( في علامات خسوف القمر طول السّنة )

٢٧٩ ـ إذا انكسف القمر في المحرّم ، فانّه يموت رجل عظيم ، وتنقص الفاكهة بالجبال ، ويقع في النّاس حكّة ، ويكثر الرّمد بأرض بابل ، ويقع الموت ، وتغلو أسعارها ، ويخرج خارجيّ على السّلطان والظّفر للسّلطان ويقتلهم.

وإذا انكسف في صفر ، فانّه يكون جوع ومرض ببابل وبلادها حتّى يتخوّف على النّاس ، ثمّ تكون أمطار كثيرة ، ويحسن نبات الأرض وحال النّاس ، ويكون بالجبال فاكهة كثيرة.

وإذا انكسف في شهر ربيع الأوّل ، فانّه يقع بالمغرب قتال ، ويصيب النّاس يرقان ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) ، برقم : (١).

٢٣٥

وتكثر فاكهة البلاد بناحية ماه ، ويقع الدّود في البقول بالجبل ، ويقع خراب كثير بماه.

وإذا انكسف في شهر ربيع الآخر ، فانّه يكثر الأنداء بالجبال ، ويكثر الخصب والمياه ، وتكون السّنة مباركة ، ويكون للسّلطان الظّفر بالمغرب.

وإذا انكسف في جمادي الأولى ، فانّه تهراق دماء كثيرة بالبدو ، ويصيب عظيم الشّام بليّة شديدة ، يخرج خارجيّ على السّلطان والظّفر للسّلطان.

وإذا انكسف في جمادي الآخرة ، فانّه تقل الأمطار والمياه بنينوى ، ويقع فيها جزع شديد وغلاء ، ويصيب ملك بابل إلى المغرب بلاء عظيم.

وإذا انكسف في رجب ، فانّه يكون بالمغرب موت وجوع ، ويكون بأرض بابل أمطار ، ويكثر وجع العين في الأمصار.

وإذا انكسف في شعبان ، فإنّ الملك يقتل أو يموت ويملك ابنه ، وتغلو الاسعار ، ويكثر جوع النّاس.

وإذا انكسف في شهر رمضان ، يكون بالجبل برد شديد وثلج ومطر وكثرة المياه ، ويقع بأرض فارس سباع كثيرة ، ويقع بأرض ماه موت كثير بالصّبيان والنّساء.

وإذا انكسف في شوّال ، فانّ الملك يغلب على أعدائه ، ويكون في النّاس شرّ وبليّة.

وإذا انكسف في ذي القعدة ، فانّه تنفتح المدائن الشّداد ، وتظهر الكنوز في بعض الأرضين والجبال.

وإذا انكسف في ذي الحجّة ، فانّه يموت رجل عظيم بالمغرب ، ويدّعي فاجرٌ الملك (١).

وجميع ذلك إن صحّت الرّوايات عن دانيال النّبي عليه السلام يجري مجرى الملاحم والحوادث في الدّنيا وعلاماتها (٢).

وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : إذا أراد الله بقوم خيراً أمطرهم باللّيل وشمّسهم بالنّهار (٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤) وكان الأولى أن يؤتى في جميع المقاطع الاثني عشر هنا بلفظ : وإذا انخسف ... لكن قد يطلق الكسوف على الخسوف عند أهل اللّسان ولا عكس.

(٢) هذا الكلام إلى آخر الباب من بيان الشّيخ الرّاوندي كما صرّح بمعناه في البحار الجزء (٥٨ / ٣٣٤).

(٣) ما وجدناه لا في أحاديث الشّيعة ولا العامّة.

٢٣٦

وقال صلّى الله عليه وآله : إذا غضب الله على أمّة ولم ينزل بها العذاب ، غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجّارها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تغزر أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلّط عليها شرارها (١).

وقال صلّى الله عليه وآله : إذا منعت الزّكاة هلكت الماشية (٢) وإذا جار الحكّام أمسك القطر من السّماء ، وإذا خفرت الذّمة نصر المشركون على المسلمين ، وأمثلة ذلك كثيرة ، والله أعلم بحقيقة ذلك (٣).



_________________________________

(١) تحف العقول في مواعظ النّبي صلّى الله عليه وآله ص (٣٦) من طبع النّجف ، والوسائل (٥ / ١٦٨) ، والمستدرك (١ / ٤٤٠).

(٢) ورد ما هو بمضمونه في وسائل الشّيعة (٧ / ١٧) كتاب الزّكاة الباب (٣) الحديث المرقم (٢٩).

(٣) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٤).

٢٣٧

الباب السّادس عشر

( في حديث جرجيس وعزير وحزقيل وإليا عليهم السلام )

٢٨٠ ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا الحاكم ابومحمّد جعفر بن محمّد بن شاذان النّيسابوري ، حدّثنا أبي ابوعبد الله محمّد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمّد بن زياد أبي أحمد الأزدي (١) ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : بعث الله تعالى جرجيس عليه السلام إلى ملك بالشّام يقال له : دازانة (٢) يعبد صنماً ، فقال له : أيّها الملك اقبل نصيحتي : لا ينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ولا يرغبوا إلّا إليه ، فقال له الملك : من أيّ أرض أنت ؟ قال : من الرّوم قاطنين بفلسطين.

فأمر بحبسه ، ثمّ مشط جسده بامشاط من حديد حتّى تساقط لحمه وفضح جسده ، ولمّا لم يقتل أمر بأوتاد من حديد ، فضربها في فخذيه وركبتيه وتحت قدميه ، فمّا رآى أنّ ذلك لم يقتله أمر بأوتاد طوال من حديد ، فوتّدت في رأسه فسال منها دماغه ، وأمر بالرّصاص فأُذيب وصبّ على أثر ذلك ، ثمّ أمر بسارية من حجارة كانت في السّجن لم ينقلها إلّا ثمانية عشر رجلاً فوضعت على بطنه ، فلمّا أظلم اللّيل وتفرّق عنه النّاس رآه أهل السّجن وقد جاءه ملك ، فقال له : يا جرجيس إنّ الله تعالى يقول : اصبر وابشر ولا تخف ، إنّ الله معك يخلّصك ، وأنّهم يقتلونك أربع مرّات في كلّ ذلك أدفع عنك الألم والأذى.

_________________________________

(١) هو محمد بن أبي عمير الازدي الثقة المعروف. وقد بيّنا قرائن الاتّحاد في كتابنا : مشايخ الثّقات ـ الحلقة الاولى.

(٢) في بعض النّسخ وعن بعض المصادر : راذانة. وفي البحار : داذانة.

٢٣٨

فلمّا أصبح الملك دعاه فجلده بالسّياط على الظّهر والبطن ، ثمّ ردّه إلى السّجن ، ثم كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكلّ ساحر فبعثوا بساحر استعمل كلّما قدر عليه من السّحر فلم يعمل فيه ، ثمّ عمد إلى سمّ فسقاه ، فقال جرجيس : « بسم الله الّذي يضلّ عند صدقه كذب الفجرة وسحر السّحرة » فلم يضرّه.

فقال السّاحر : لو أنّي سقيت بهذا السّم أهل الأرض لنزعت قواهم ، وشوّهت خلقهم ، وعميت أبصارهم ، وأنت يا جرجيس النّور المضيء والسّراج المنير والحقّ اليقين ، أشهد أنّ إلهك حقّ وما دونه باطل ، آمنت به وصدّقت رسله وإليه أتوب ممّا فعلت فقتله الملك.

ثمّ أعاد جرجيس عليه السلام إلى السّجن ، وعذّبه بألوان العذاب ، ثمّ قطّعة أقطاعاً وألقاها في جبّ ، ثم خلا الملك الملعون وأصحابه على طعام له وشراب ، فأمر الله تعالى أعصاراً أنشأب سحابة سوداء وجاءت بالصّواعق ورجفت الأرض ، وتزلزلت الجبال حتّى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجبّ وقال : قم يا جرجيس بقوة الله الّذي خلقك فسوّاك ، فقام جرجيس عليه السلام حيّاً سويّاً ، وأخرجه من الجبّ وقال : اصبر وابشر.

فانطلق جرجيس حتّى قام بين يدي الملك ، وقال : بعثني الله ليحتجّ بي عليكم ، فقام صاحب الشّرطة وقال : آمنت بإِلهك الّذي بعثك بعد موتك ، وشهدت أنّه الحقّ ، وجميع الآلهة دونه باطل ، وأتبعه أربعة آلاف آمنوا وصدّقوا جرجيس عليه السلام فقتلهم الملك جميعاً بالسّيف.

ثم أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النّار حتّى احمرّ ، فبسط عليه جرجيس عليه السلام وأمر بالرّصاص فأُذيب وصبّ في فيه ، ثمّ ضرب الأوتاد في عينيه ورأسه ، ثمّ ينزع ويفرغ الرّصاص مكانه ، فلمّا رآى أنّ ذلك لم يقتله أوقد عليه النّار حتّى مات وأمر برماده فذرّ في الرّياح ، فأمر الله تعالى رياح الأرضين في اللّيلة ، فجمعت رماده في مكان ، فأمر ميكائيل فنادى جرجيس ، فقام حيّاً سويّاً بإِذن الله.

فانطلق جرجيس عليه السلام إلى الملك وهو في أصحابه ، فقام رجل وقال : إن تحتنا أربعة عشر منبراً ومائدةً بين أيدينا ، وهي من عيدان شتّى ، منها ما يثمر ، ومنها ما لا يثمر ، فسل ربّك أن يلبس كلّ شجرة منها لحالها ، وينبت فيها ورقها وثمرها ، فإِن فعل ذلك فإنّي أصدّقك ، فوضع جرجيس عليه السلام ركبتيه على الأرض ودعا ربّه تعالى ، فما برح

٢٣٩

مكانه حتّى أثمر كلّ عود فيه ثمرة.

فأمر به الملك ، فمدّ بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه ، فنشر حتّى سقط المنشار من تحت رجليه ، ثمّ أمر بقدرٍ عظيمة ، فأُلقي فيها زفت وكبريت ورصاص ، فأُلقي فيها جسد جرجيس عليه السلام فطبخ حتّى اختلط ذلك كلّه جميعاً ، فاظلمت الأرض لذلك ، وبعث الله إسرافيل عليه السلام فصاح صيحة خرّ منها النّاس لوجوههم ، ثمّ قلب إسرافيل القدر ، فقال : قم يا جرجيس بإذن الله تعالى ، فقام حيّاً سويّاً بقدرة الله.

وانطلق جرجيس إلى الملك ، فلمّا رآه النّاس عجبوا منه ، فجاءته امرأة وقالت : أيّها العبد الصّالح كان لنا ثور نعيش به فمات ، فقال جرجيس عليه السلام : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إنّ جرجيس يقول : قم باذن الله تعالى ، ففعلت فقام حيّاً ، فآمنت بالله.

فقال الملك : إن تركت هذا السّاحر أهلك قومي ، فاجتمعوا كلّهم أن يقتلوه ، فأمر به أن يخرج ويقتل بالسّيف ، فقال جرجيس عليه السلام ـ لمّا أُخرج ـ : لا تعجلوا عليّ فقال : « اللّهمّ أهلكت (١) أنت عبدة الأوثان أسألك أن تجعل اسمي وذكري صبراً لمن يتقرّب إليك عند كلّ هول وبلاءِ » ثمّ ضربوا عنقه فمات ، ثمّ أسرعوا إلى القرية ، فهلكوا كلّهم (٢).

فصل ـ ١ ـ

٢٨١ ـ وبالاسناد المذكور ، عن ابن عباس (رض) قال : قال عزير : يا ربّ إنّي نظرت في جميع أُمورك وأحكامها ، فعرفت عدلك بعقلي ، وبقي باب لم أعرفه : إنّك تسخط على أهل البليّة فتعمّهم بعذابك وفيهم الأطفال ، فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البريّة ، وكان الحرّ شديداً ، فرآى شجرةً فاستظلّ بها ونام ، فجاءت نملة فقرصته ، فدلك الأرض برجله فقتل من النّمل كثيراً ، فعرف انّه مثل ضرب فقيل له يا عزير : إنّ القوم إذا استحقّوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الأطفال ، فمات أولئك بآجالهم ، وهلك هؤلاء بعذابي (٣).

_________________________________

(١) في البحار : اللّهم إن أهلكت.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٧) ، برقم : (١).

(٣) بحار الانوار (٥ / ٢٨٦) ، برقم : (٨) وفيه : فماتوا أولئك ... وفيه على هذا الخبر بيان جميل الميزان ، راجعه. وكرّره في الجزء (١٤ / ٣٧١) ، برقم : (١٢).

٢٤٠