قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أنبيائه صلوات الله عليهم ، يا داود إنّ الّذي سألت لم يطلع الله عليه أحداً من خلقه ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره فقد أجاب الله دعوتك وأعطاك ما سألت ، إنّ أوّل خصمين يردان عليك غداً القضيّة فيهما من قضايا الآخرة ، فلمّا أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشاب ، ومع الشّاب عنقود من عنب ، فقال الشّيخ : يا نبي الله إنّ هذا الشّاب دخل بستاني ، وخرّب كرمي ، وأكل منه بغير أذني ، قال : فقال داود للشّاب : ما تقول ؟ قال : فأقرّ الشّاب بانّه قد فعل ذلك.

فأوحى الله تعالى إليه يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة ، فقضيت بها بين الشّيخ والغلام لم يحتملها قلبك ولا يرضى بها قومك ، يا داود إنّ هذا الشّيخ اقتحم على والد هذا الشّاب في بستانه ، فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم ، فدفنها في جانب بستانه ، فادفع إلى الشّاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشّيخ ، وادفع اليه البستان ، ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله ، قال : ففزع داود عليه السلام من ذلك وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر وأمضى القضيّة على ما أوحى الله إليه (١).

٢٥٨ ـ وباسناده عن محمّد بن أورمة ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود عليه السلام في بقرة فجاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكن أنت الّذي تحكم بينهما ، فأوحى الله تعالى إليه : اخرج فخذ البقرة من الّذي هي في يده وادفعها إلى الآخر واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل وقالوا : جاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة مثل بيّنة هذا ، وكان أحقّهما باعطائها الّذي هي في يده ، فأخذها منه وضرب عنقه وأعطاها الآخر ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد ضجّت بنو اسرائيل بما حكمت ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّ الّذي كانت البقرة في يده لقى أبا الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، فاذا جاءك مثل هذا فاحكم بما ترى بينهم ، ولا تسألني أن احكم بينهم حتّى الحساب (٢).

_________________________________

قضايا الآخرة ، قال : فأتاه جبرائيل عليه السّلام ....

(١) بحار الانوار (١٤ / ٦ ـ ٧) ، برقم : (١٤).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٧ ـ ٨) ، برقم : (١٥).

٢٠١

فصل ـ ٢ ـ

٢٥٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى لداود : « وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » (١) قال : هي الدّرع. والسّرد : تقدير الحلقة بعد الحلقة (٢).

٢٦٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : « وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ » (٣) قال : ذا القوّة (٤).

٢٦١ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان على عهد داود عليه السلام سلسلة تتحاكم النّاس إليها ، وإنّ رجلاً أودع رجلاً جوهراً ، فجحده إيّاه فدعاه إلى السّلسلة ، فذهب معه إليها وقد أدخل الجوهر في قناةٍ ، فلمّا أراد أن يتناول السّلسلة قال له : امسك هذه القناة حتّى آخذ السّلسلة ، فأمسكها ودنا الرّجل من السّلسلة فتناولها وأخذها وصارت في يده ، فأوحى الله إلى داود عليه السلام : أن احكم بينهم بالبيّنات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به. ورفعت السّلسلة (٥).

٢٦٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن عليّ بن أحمد ، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا موسى بن عمران النّخعي ، عن الحسين بن أبي سعيد ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول فيما يقول النّاس في داود وامرأة أوريا ؟ فقال : ذلك شيءٌ تقوله العامّة (٦).

_________________________________

(١) سورة سبأ : (١٠).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٥) ، برقم : (١٠).

(٣) سورة ص : (١٧).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٥) ، برقم : (١١).

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٨) ، برقم : (١٦) و (١٠٤ / ٢٩٧) ، برقم : (٢).

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٢٦) ، برقم : (٥).

٢٠٢

٢٦٣ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشّحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لو أخذت أحداً يزعم أنّ داود وضع يده عليها لحددته حدّين : حدّاً للنّبوة ، وحدّاً لما رماه به (١).

٢٦٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيشابوري ، حدّثنا علي بن محمّد بن قتيبة ، حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة (٢) قال : قال الصّادق عليه السلام وقد قلت له : يا بن رسول الله : أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته فقال : يا علقمة كلّ من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته ، قلت له : تقبل شهادته مقترفاً للذّنوب ؟ قال : لو لم تقبل شهادة المقترفين لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء والأوصياء ، لأنّهم معصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو أهل العدالة والسّتر وشهادته مقبولة ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية الله.

ولقد حدّثني أبي عن آبائه عليهم السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النّار.

قال علقمة : فقلت : إنّ النّاس ينسبوننا الى عظائم من الامور.

فقال : إنّ رضا النّاس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسل الله وحجج الله ، ألم ينسبوا يوسف إلى أنّه همّ بالزّنا ؟ ألم ينسبوا أيّوب إلى أنّه أبتلي بذنوبه ؟ ألم ينسبوا داود الى أنّه نظر إلى امرأة أوريا ؟ فهمّ بها ، وأنّه قدّم زوجها أمام التّابوت حتّى قتل وتزوّج بها ، ألم ينسبوا موسى عليه السلام إلى أنّه عنّين ؟ وآذوه حتّى برّأه الله ممّا قالوا ، ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلى الزّنا ؟ ألم ينسبوا نبيّنا صلوات الله عليه إلى أنّه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنّه هوى امرأة زيد بن حارثة ولم يزل بها حتّى استخلصها لنفسه « اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٦) ، برقم : (٦).

(٢) كذا في البحار والوسائل وهو الصّحيح ، وفي جميع النّسخ : عن صالح بن علقمة ، وهو غلط جزماً خصوصاً بلحاظ مخاطبة الامام في الخبر لعلقمة مكرّراً.

٢٠٣

وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (١).

فصل ـ ٣ ـ

٢٦٥ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن عليّ بن سوقه ، عن عيسى الفراء ، وأبي عليّ العطّار ، عن رجل ، عن الثّمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا داود عليه السلام جالس وعنده شاب رثّ الهيئة يكثر الجلوس عنده ويطيل الصّمت اذا أتاه ملك الموت ، فسلّم عليه وأَحَدَّ ملك الموت النّظر إلى الشّابّ ، فقال داود عليه السلام : نظرت إلى هذا ؟ فقال : نعم إنّي أُمرت بقبض روحه إلى سبعة أيّام في هذا الموضع ، فرحمه داود ، فقال : يا شابّ هل لك امرأة ؟ قال : لا وما تزوّجت قطّ ، قال داود : فأت فلاناً ـ رجلاً كان عظيم القدر في بني إسرائيل ـ فقل له : إنّ داود يأمرك أن تزوّجني ابنتك ، وتدخلها اللّيلة عليّ ، وخذ من النّفقة ما يحتاج إليه وكن عندها ، فاذا مضت سبعة أيّام فوافني في هذا الموضع.

فمضى الشّابّ برسالة داود عليه السلام ، فزوّجه الرّجل ابنته ، وأدخلها عليه وأقام عندها سبعة أيّام ، ثمّ وافى داود اليوم الثّامن ، فقال له داود : يا شابّ كيف رأيت ما كنت فيه ؟ قال : ما كنت في نعمة ولا سرور قط أعظم ممّا كنت فيه ، قال داود : اجلس فجلس داود ينتظر أن تقبض روحه ، فلمّا طال قال : انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك ، فاذا كان اليوم الثّامن فوافني ها هنا.

فمضى الشّابّ ، ثمّ وافاه اليوم الثّامن وجلس عنده ، ثمّ انصرف أسبوعاً آخر ، ثمّ أتاه وجلس فجاء ملك الموت إلى داود ، فقال داود : ألست حدّثتني بأنّك أُمرت بقبض روح

_________________________________

(١) بحار الانوار (٧٥ / ٢٤٧) ، برقم : (١٢) و (١٠٤ / ٣١٤) ، برقم : (١) عن أمالي الصدوق إلى قوله : وبئس المصير. ونقل تمامه عنه مع زيادة في الجزء (٧٠ / ٢ ـ ٤) وروي صدره في الوسائل في كتاب الحج ، الباب (٤١) من أبواب الشّهادات ، برقم : (١٣) وذيله في الباب (١٥٢) من أبواب أحكام العشرة ، برقم : (٢٠) عن أمالي الصّدوق وفات العلامة المجلسي نقله عن القصص وكذا الشّيخ النّوري في مستدركه. والآية : قال موسى لقومه إستعينوا بالله .. في سورة الأعراف : (١٢٨). والخبر ضعيف سنداً ومتناً لو لم يكن تقييد قبول شهادة المقترف بصورة ما اذا أحرزت عدالته بالتّوبة.

٢٠٤

هذا الشّاب إلى سبعة أيّام فقد مضت ثمانية وثمانية ؟ قال يا داود : إنّ الله تعالى رحمه برحمتك له ، فأخّر في أجله ثلاثين سنة (١).

فصل ـ ٤ ـ

٢٦٦ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن النّضر ، عن إسرائيل ، رفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : قال الله عزّ وجلّ لداود عليه السلام : أحببني وحبّبني إلى خلقي ، قال : يا ربّ نعم أنا أحبّك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : اذكر أياديّ عندهم ، فانّك إذا ذكرت لهم ذلك أحبّوني (٢).

٢٦٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنّان بن سدير ، حدّثنا أبو الخطاب ، عن العبد الصّالح عليه السلام ، قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن استخلف سليمان على قومك ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الله أوحى إليّ ان أستخلف سليمان عليكم فضجّت رؤوس أسباط بني إسرائيل من ذلك ، وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا وفينا من هو أعلم منه فقال لهم داود عليه السلام : أروني عصيّكم فأيُّ عصاً أثمرت لأحد فهو ولي الأمر من بعدي فقالوا : قد رضينا ، فجاؤا بعصيّهم فقال داود : ليكتب كلّ رأس منكم اسمه على عصاه فكتبوا ثمّ جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه ثمّ أُدخلت بيتاً وأُغلق الباب وشدّ بالأقفال وحرسه رؤوس أسباط بني إسرائيل ، فلمّا أصبح صلّى بهم الغداة ، ثمّ أقبل ففتح الباب ، فأخرج عصيّهم قد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت ، قال : فسلّموا ذلك لداود ، ولمّا أراد أن يعلم حكمة سليمان قال : يا بنيّ أيّ شيءٍ أبرد ؟ قال : عفو الله عن النّاس وعفو بعضهم عن بعض ، فقال : يا بنيّ أيّ شيء أحلى ؟ قال : المحبّة وهو روح الله في عباده فافتر داود (٣) ضاحكاً (٤).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤ / ١١١ ـ ١١٢) ، برقم : (٣١) و (١٤ / ٣٨) ، برقم : (١٧).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٧ ـ ٣٨) ، برقم : (١٦) و (٧٠ / ٢٢) ، برقم : (١٩).

(٣) الزّيادة من البحار.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٦٩) عن كمال الدين ص (٦٧ ـ ٦٨) ، برقم : (٢).

٢٠٥

٢٦٨ ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أنّ خلادة بنت أوس بشّرها بالجنّة واعلمها أنّها قرينتك في الجنّة ، فانطلق إليها فقرع الباب عليها ، فخرجت وقالت : هل نزل فيّ شيء ؟ قال : نعم ، قالت : وما هو ؟ قال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ وأخبرني أنّك قرينتي في الجنّة ، وأن أُبشّرك بالجنّة ، قالت : أو يكون اسم وافق اسمي ؟ قال : إنّك لأنت هي ، قالت : يا نبيّ الله ما أكذّبك ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به ، قال داود : أخبريني عن ضميرك وسريرتك ما هو ؟ قالت : أمّا هذا فسأخبرك به. أُخبرك أنّه لم يصبني وجع قطّ نزل بي كائناً ما كان ، ولا نزل بي ضُرّ وحاجة (١) وجوع كائناً ما كان إلّا صبرت عليه ، ولم أسأل الله كشفه عنّي حتّى يحوّله الله عنّي إلى العافية والسّعة ، ولم أطلب بدلاً وشكرت الله عليها وحمدته ، فقال : داود عليه السلام فبهذا بلغت ما بلغت ، ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام : وهذا دين الله الّذي ارتضاه للصّالحين (٢).

فصل ـ ٥ ـ

٢٦٩ ـ وبإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله جلّ ذكره : « لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » (٣) فقال : الخنازير على لسان داود عليه السلام والقردة على لسان عيسى عليه السلام ، وقال : انّ اليهود أُمروا بالامساك يوم الجمعة ، فتركوا وأمسكوا يوم السّبت ، فحرم عليهم الصّيد يوم السّبت ، فعمد رجال من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السّبت وباعوا ، ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا

_________________________________

(١) في البحار : وما نزل ضرّ بي حاجة ، وفي ق ٢ وق ٤ وق ٥ : ولا نزل ضر ّبي حاجة وكذا في قصص الانبياء للجزائري ص (٣٥٠) وفي ذيل المورد الثّاني من البحار عن مشكاة الانوار : ولا نزل بي مرض وجوع. وهذا أقرب إلى الاعتبار.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٩) ، برقم : (١٨) و (٧١ / ٨٩) ، برقم : (٤٢).

(٣) سورة المائدة : (٧٨).

٢٠٦

وفعلوا ذلك سنين ، فوعظهم الله طوائف ، فلم يسمعوا وقالوا : « لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ » فاصبحوا « قِرَدَةً خَاسِئِينَ » (١).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٥٤ ـ ٥٥) ، برقم : (٧) والآيتان في سورة الاعراف : (١٦٤ و ١٦٦).

٢٠٧

الباب الثاني عشر

( في نبوّة سليمان عليه السّلام وملكه )

٢٧٠ ـ وبإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كان ملك سليمان ما بين الشّامات إلى بلاد إصطخّر (١).

٢٧١ ـ وبإسناده عن زيد الشّحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : « اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا » قال : كانوا ثمانين رجلاً وسبعين امرأة ما أغبّ (٢) المحراب رجلٌ واحدٌ منهم يصلّي فيه ، وكانوا آل داود. فلمّا قبض داود ولّى سليمان عليهما السلام قال : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ » سخّر الله له الجنّ والإِنس وكان لا يسمع بملك في ناحية الأرض إلّا أتاه حتّى يذلّه ويدخله في دينه وسخّر الرّيح له ، فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطّير وقام الجنّ والانس ، وكان إذا أراد أن يغزو أمر بمعسكره فضرب له من الخشب ، ثمّ جعل عليه النّاس والدّواب وآلة الحرب كلّها حتّى إذا حمل معه ما يريد ، أمر العاصف من الرّيح ، فدخلت تحت الخشب ، فحملته حتّى ينتهي به الى حيث يريد ، وكان غدوّها شهراً ورواحها شهراً (٣).

٢٧٢ ـ وعن أبي حمزة ، عن الأصبغ ، قال : خرج سليمان بن داود عليهما السلام من بيت المقدس مع ثلاثمائة ألف كرسيّ عن يمينه عليها الإِنس ، وثلاثمائة ألف كرسيّ عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٧٠) ، برقم : (٧).

(٢) كذا في البحار وقال فيه : بيان ـ ما أغبّ المحراب أي لم يكونوا يأتون المحراب ، بل كان كل منهم يواظبه وفي جميع النّسخ : قال : كانوا ثمانين رجلاً أو سبعين فأغبّ.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٧١) ، برقم : (١٠) ، والآية : ١٦ سورة النمل.

٢٠٨

يساره عليها الجنّ ، وأمر الطير فأظلّتهم ، وأمر الرّيح فحملتهم ، حتّى وردت بهم المدائن ، ثمّ رجل وبات في إصطخر ، ثمّ غدا فانتهى إلى جزيرة بركادان (١) ، ثمّ أمر الرّيح فخفضتهم (٢) حتّى كادت أقدامهم أن يصيبها الماء ، فقال بعضهم لبعض : هل رأيتم ملكاً أعظم من هذا ؟ فنادى ملك (٣) : لثواب تسبيحة واحدة أعظم مما رأيتم (٤).

فصل ـ ١ ـ

٢٧٣ ـ وبالإسناد المتقدّم ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى سليمان إنّ آية موتك أنّ شجرة تخرج في بيت المقدس ، يقال لها : الخرنوبة ، قال : فنظر سليمان يوماً إلى شجرة قد طلعت في بيت المقدس ، فقال لها سليمان : ما اسمك ؟ فقالت : الخرنوبة ، فولّى مدبراً (٥) إلى محرابه حتّى قام فيه متكئاً على عصاه فقبضه الله من ساعته فجعلت الانس والجنّ يخدمونه كما كانوا من قبل وهم يظنّون أنّه حيّ ، حتّى دبّت الارضة في عصاه فأكلت منسأته ووقع سليمان إلى الأرض (٦).

٢٧٤ ـ وعن ابن محبوب ، عن أبي ولّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان لسليمان العطر وفرض النّكاح في حصن بناه (٧) الشّياطين له ، فيه ألف بيت ، في كلّ بيت طروقة منهنّ سبعمائة أمة قبطيّة وثلاثمائة حرة مهيرة ، فاعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً في مباضعة النّساء ، وكان يطوف بهنّ جميعاً ويسعفهنّ ، قال : وكان سليمان يأمر الشّياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع ، فقال لهم ابليس : كيف أنتم ؟

_________________________________

(١) في البحار : بركاوان ، وفي إثبات الوصية ص (٦١) : جزيرة كاوان ، ثم أمر الريح أن تحفظهم حتى كادت أقدامهم تلحق الماء.

(٢) في ق ٣ : فحفظتهم.

(٣) في البحار : فنادى ملك من السّماء.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٧٢) ، برقم : (١١) وفيه : بالاسناد إلى الصّدوق باسناده عن أبي حمزة.

(٥) في ق ١ : هارباً.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ١٤٠) ، برقم : (٧).

(٧) في البحار : قال : كان لسليمان عليه السلام : حصن بناه.

٢٠٩

قالوا : مالنا طاقة بما نحن فيه ، فقال ابليس : أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغاً ؟ قالوا : نعم ، قال : فأنتم في راحة.

فأبلغت الرّيح سليمان ما قال ابليس للشّياطين فأمرهم أن يحملوا الحجارة ذاهبين ويحملوا الطّين راجعين إلى موضعها ، فتراءى لهم إبليس ، فقال : كيف أنتم ؟ فشكوا إليه ، فقال : ألستم تنامون باللّيل ؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الرّيح سليمان ما قالت الشّياطين وإبليس ، فأمرهم أن يعملوا باللّيل والنّهار ، فما لبثوا إلّا يسيراً حتى مات سليمان عليه السلام.

وقال : خرج سليمان يستسقي ومعه الجنّ والإِنس ، فمرّ بنملة عرجاء ناشرة جناحها رافعة يدها ، وتقول : اللّهم إنّا خلق من خلقك لا غنىً بنا عن رزقك ، فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم واسقنا ، فقال سليمان لمن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم. وفي خبر : قد كفيتم بغيركم (١).

فصل ـ ٢ ـ

٢٧٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن يحيى المكتّب ، حدّثنا أحمد بن محمّد الورّاق أبو الطّيب ، حدّثنا عليّ بن هارون الحميري ، حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفلي ، عن أبيه ، عن عليّ بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام أيجوز أن يكون نبيّ الله بخيلاً ؟ فقال : لا ، قلت : فقول سليمان : « هَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي » (٢) ما وجهه ؟ قال : إنّ الملك ملكان :

ملك مأخوذ بالغلبة والقهر والجور.

وملك مأخوذ من قبل الله تعالى فقال سليمان : هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول : إنّه مأخوذ بالقهر والغلبة فقلت : قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : رحم الله أخي سليمان ما كان أبخله فقال : لقوله صلى الله عليه وآله وجهان :

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٧٢ ـ ٧٣) ، برقم : (١٢). ومن قوله : قال : كان سليمان يأمر ... إلى قوله : حتّى مات سليمان عليه السلام في الجزء (٦٣ / ١٩٥) ، برقم : (٢).

(٢) سورة ص : (٣٥).

٢١٠

احدهما : ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه.

والآخر : ما كان أبخله ان أراد ما يذهب إليه الجهّال.

ثمّ قال عليه السلام : قد أُوتينا ما أُوتي سليمان وما لم يؤت أحدٌ من العالمين ، قال الله تعالى في قصّة سليمان : « هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (١) وقال عزّ وجلّ في قصّة محمد صلّى الله عليه وآله : « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » (٢) (٣).

وقصّة بلقيس معه معروفة وهي في القرآن (٤).



_________________________________

(١) سورة ص : (٣٩).

(٢) سورة الحشر : (٧).

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٨٥ ـ ٨٦) عن العلل (١ / ٧١) ومعاني الاخبار (٣٥٣) مع فرق مّا في السّند وزيادة مّا في المتن وقد عدّلنا السّند عن بعض أسانيد العيون (١ / ٧٩).

(٤) ذكرها في البحار (١٤ / ١٠٩) وهي أربع وعشرون آية. ثمّ أسدل بعدها في ذلك (١٤) رواية.

٢١١

الباب الثالث عشر

( في أحوال ذي الكفل وعمران عليهما السلام )

٢٧٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالعباس محمّد بن إبراهيم بن اسحاق الطّالقاني ، حدّثنا ابوبكر أحمد بن قيس بن عبد الله المفسّر ، حدثنا أحمد بن أبي البهلول المروزي ، عن الفضل بن نفيس بن عاد الطّبري ، حدّثنا ابوعلي الحسن بن شجاع البلخي ، حدّثنا سليمان بن الرّبيع ، عن رباح بن أحمد ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عبد الله بن سعد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله فقيل له : ما كان ذو الكفل ؟ فقال : كان رجلاً من حضرموت واسمه عويديا بن ادريم (١) [ وكان في زمن نبيّ من الانبياء ] وقال : من يلي أمر النّاس بعدي على أن لا يغضب ؟ قال : فقام إليه فتى فقال : أنا فلم يلتفت إليه ثمّ قال كذلك فقام الفتى فمات ذلك النّبي وبقي ذلك الفتى وجعله الله نبيّاً ، وكان الفتى يقضي أوّل النّهار ، فقال إبليس لأتباعه : من له ؟ فقال : واحد منهم يقال له : الأبيض أنا ، فقال إبليس : فاذهب إليه لعلّك تغضبه ، فلمّا انتصف النّهار رجاء الأبيض إلى ذي الكفل وقد أخذ مضجعه ، فصاح وقال : إنّي مظلوم فقال : قل له تعال ، فقال : لا أنصرف فأعطاه خاتمه ، فقال : اذهب وأتني بصاحبك ، فذهب حتّى إذا كان من الغد جاء تلك السّاعة الّتي أخذ هو مضجعه ، فصاح إنّي مظلوم وأنّ خصمي لم يلتفت إلى

_________________________________

(١) كذا في النّسخ والمورد الأوّل من البحار وفي المورد الثاني (٦٣ / ١٩٦) : واسمه عويد بن أديم وكان في زمن نبيّ من الانبياء قال : من يلي .. وما في المتن هو الصّحيح بالاضافة الى اسم ذي الكفل كما يدل عليه الخبر الآتي من التّصريح باسمه. فلم يثبت : عويد بن أديم وأمّا بالنّسبة إلى قوله : وكان في زمن نبيّ ... فهو الصّحيح ولذا جعلناه في المتن بين [ ] وبتتمّ الرّواية وتتخلّص من توهّم سقط فيها كما عليه المجلسي في الموردين من البحار.

٢١٢

خاتمك ، فقال له الحاجب : ويحك دعه ينم ، فانّه لم ينم البارحة ولا أمس قال : لا أدعه ينام وأنا مظلوم ، فدخل الحاجب وأعلمه ، فكتب له كتاباً وختمه ودفعه إليه ، فذهب حتّى إذا كان من الغد حين أخذ مضجعه جاء ، فصاح فقال : ما التفت إلى شيء من أمرك ولم يزل يصيح حتّى قام وأخذ بيده في يوم شديد الحرّ لو وضعت فيه بضعة لحم على الشّمس لنضجت ، فلمّا رأى الأبيض ذلك انتزع يده من يده ويئس منه أن يغضب ، فأنزل الله تعالى جلّ شأنه قصّته على نبيّه ليصبر على الأذى ، كما صبر الأنبياء عليهم السّلام على البلاء (١).

٢٧٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : كتبت إلى أبي جعفر أعني محمّد بن علي بن موسى عليهم السّلام أسأله عن ذي الكفل ما اسمه ؟ وهل كان من المرسلين ؟ فكتب صلوات الله عليه :

بعث الله تعالى جلّ ذكره مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأنّ ذا الكفل منهم صلوات الله عليهم ، وكان بعد سليمان بن داود ، وكان يقضي بين النّاس كما كان يقضي داود ولم يغضب إلّا الله عزّ وجلّ وكان اسمه : عويديا وهو الّذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه حيث قال : « وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ (٢) » (٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥) ، برقم : (١) وفيه كان رجل وهو غلط والصّحيح : رجلاً و (٦٣ / ١٩٥ ـ ١٩٦) ، برقم : (٥). وفيه : واسمه عويد بن أديم وكان. والصّحيح : واسمه : عويديا بن إدريم وكان في زمن ... والضمير في كان يرجع إلى ذي الكفل.

(٢) سورة ص : (٤٨).

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٤٠٥) ، برقم : (٢) أقول : أختلف في ذا الكفل هل هو متّحد مع يوشع بن نون ـ أو ـ مع زكريّا على قول وإلياس على قول وبشر بن أيّوب الصابر على قول ، ـ أو ـ مع اليسع ؟ دلّ على الاوّل ما في البحار (١١ / ٣٦) ، برقم : (٣٢) وهو ضعيف السّند وعلى الثّاني ما فيه أيضاً (١٣ / ٤٠٦) وهو ليس بمعتبر أيضاً وعلى الثّالث ما فيه أي البحار (١٣ / ٤٠٦) عن مجمع البيان : وقيل : هو اليسع بن خطوب الّذي كان مع الياس وليس اليسع الّذي ذكره الله في القرآن. وتعسّف ابواسحاق ابراهيم بن خلف في قصص الأنبياء ص (٢٤٠) فذهب إلى أنّ يوشع بالعربي هو اليسع في القرآن ، سورة ص : (٤٨) والانعام : (٨٦) ويردّ كلّ ذلك عدم الدليل الصّحيح عليه وفي الكافي الجزء (٦ / ٣٦٦) ما يدل على تغايرهما وهو خبر فضل الكرفس : عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : عليكم بالكرفس فانه

٢١٣

فصل ـ ١ ـ

٢٧٨ ـ وباسناده عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن عمران أكان نبيّاً ؟ فقال : نعم كان نبيّاً مرسلاً إلى قومه ، وكان حنّة امرأة عمران وحنانة امرأة زكريّا أختين فولد لعمران من حنّة مريم وولد لزكريّا من حنانة يحيى عليه السلام وولدت مريم عيسى عليه السلام وكان عيسى ابن بنت خالته وكان يحيى عليه السلام ابن خالة مريم وخالة الأمّ بمنزلة الخالة (١).

٢٧٩ ـ وبهذا الاسناد عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى جلّ جلاله أوحى إلى عمران : أنّي واهب لك ذكراً مباركاً يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله ، وإنّي جاعله رسولاً إلى بني إسرائيل ، قال : فحدّث عمران امرأته حنة بذلك وهي أمّ مريم ، فلمّا حملت حملها عند نفسها غلاماً ، فقال : « رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا » (٢) فوضعت أُنثى فقالت : « وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ » (٣) انّ البنت لا يكون رسولاً ، فلمّا أن وهب الله لمريم عيسى بعد ذلك كان هو الّذي بشّر الله به عمران عليه السّلام (٤).

٢٨٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن محمّد بن أبي صالح ، عن الحسن بن محمّد بن أبي طلحة ، قال : قلت للّرضا عليه السلام أيأتي الرّسل (٥) عن الله بشيءٍ ثمّ تأتي بخلافه ؟

_________________________________

طعام الياس واليسع ويوشع بن نون. ولكنّه ضعيف السّند والعمدة في الردّ قوله تعالى : « وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ... » بناءً على كون اليسع هو يوشع.

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٠٢) ، برقم : (١٤). أي كان ينبغي أن يقال : إنّ يحيى ابن خالة أمّ عيسى والحال أنّه مجازاً يقال : إنّ يحيى ابن خالة عيسى ، من باب التّنزيل.

(٢) سورة آل عمران : (٣٥).

(٣) سورة آل عمران : (٣٦).

(٤) بحار الأنوار (١٤ / ٢٠٣) ، برقم : (١٥).

(٥) في ق ٣ : الرّسول ... تمّ يأتي.

٢١٤

قال : نعم ، إن شئت حدّثتك وإن شئت أتيتك به من كتاب الله قال الله تعالى جلّت عظمته : « ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ » (١) الآية فما دخلوها ودخل أبناء أبنائهم ، وقال عمران : إنّ الله وعدني أن يهب لي غلاماً نبيّاً في سنتي هذه وشهري هذا ، ثمّ غاب وولدت امرأته مريم وكفّلها زكريّا ، فقال طائفة : صدق نبيّ الله وقالت الآخرون : كذب ، فلمّا ولدت مريم عيسى عليه السلام قالت الطّائفة الّتي أقامت على صدق عمران : هذا الّذي وعدنا الله (٢).



_________________________________

(١) سورة المائدة : (٢١).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٢٠٣) ، برقم : (١٦) و (٢٦ / ٢٢٥) ، برقم : (٥).

٢١٥

الباب الرابع عشر

( في حديث زكريا ويحيى عليهما السلام )

٢٨١ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن رجل (١) ، عن أبي عبد الله قال : دعا زكريّا ربّه ، فقال : « هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ » (٢) فبشّره الله تعالى بيحيى ، فلم يعلم أنّ ذلك الكلام من عند الله تعالى جلّ ذكره وخاف أن يكون من الشّيطان ، فقال : أنّي يكون لي ولد وقال : « رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً » فأُسكت (٣) فعلم أنّه من الله تعالى (٤).

٢٨٢ ـ وبهذا الاسناد عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا ولد يحيى عليه السلام رفع إلى السّماء فغذّي بأنهار (٥) الجنّة حتّى فطم ، ثمّ نزل إلى أبيه وكان يضيء البيت بنوره (٦).

٢٨٣ ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله رفعه ، قال : كان يحيى بن زكريّا يصلّي ويبكي حتّى ذهب لحم خدّه ، وجعل لبداً وألزقه بخدّه حتّى تجري الدّموع عليه ، وكان لا ينام ، فقال أبوه : يا بُنيَّ إنّي سألت الله أن يرزقنيك لأفرح بك وتقرّ عيني ، قم فصلّ ،

_________________________________

(١) الزيادة من البحار.

(٢) سورة مريم : (٥) ، والصّحيح : فهب لي.

(٣) اشارة الى قوله تعالى : « قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا » سورة آل عمران : (٤١). « ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا » سورة مريم : (١٠).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ١٨٠) ، برقم : (١٨).

(٥) في ق ١ : بأثمار. وهو الأوفق بقوله : فغذّي.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ١٨٠) ، برقم : (١٧).

٢١٦

قال : فقال له يحيى : إنّ جبرئيل حدّثني أنّ أمام النّار مفازة لا يجوزها إلّا البكّاؤون ، فقال : يا بنيَّ فابك وحقّ لك أن تبكي(١).

فصل ـ ١ ـ

٢٨٤ ـ وباسناده عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هشام بن سالم (٢) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ زكريّا كان خائفاً ، فهرب فالتجأ إلى شجرة ، فانفرجت له وقالت : يا زكريّا ادخل فيَّ فجاء حتّى دخل فيها ، فطلبوه فلم يجدوه وأتاهم إبليس وكان رآه فدلّهم عليه فقال لهم : هو في هذه الشّجرة فاقطعوها وقد كانوا يعبدون تلك الشّجرة فقالوا : لا نقطعها ، فلم يزل بهم حتى شقّوها وشقّوا زكريّا عليه السلام (٣).

٢٨٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، حدّثنا محمّد بن عليّ ، عن عبد الله بن محمّد الحجّال ، عن أبي إسحاق (٤) ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إنّ ملكاً كان على عهد يحيى ابن زكريّا لم يكفه ما كان عليه من الطّروقة حتّى تناول امرأةً بغيّاً ، فكانت تأتيه حتّى أسنّت ، فلمّا أسنّت هيّأت ابنتها ، ثمّ قالت لها : إنّي أريد أن آتي بك الملك فاذا واقعك فيسألك ما حاجتك فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريّا عليه السلام فلمّا واقعها سألها عن حاجتها فقالت : قتل يحيى بن زكريا عليه السلام.

[ فقال : ما أنت وهذا الهي عن هذا ، قالت : ما لي حاجة إلّا قتل يحيى ] (٥) فلمّا كان في اللّيلة الثّالثة بعث إلى يحيى فجاء به ، فدعا بطشت ذهب فذبحه فيها وصبّوه على الأرض

_________________________________

(١) بحار الانوار (٧٠ / ٣٨٨) ، برقم : (٥٤).

(٢) كذا في جميع النّسخ والبحار. وهو غلط لأنّ رواية ابن هاشم عن هشام بن سالم غير ممكن لاختلاف الطّبقة فبينهما سقط والسّاقط هنا إمّا ابن أبي عمير أو الحسن بن محبوب لكثرة روايته عنهما وكثرة روايتهما عن هشام بن سالم. والشّكّ يلحق المشكوك بالاعم الاغلب.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ١٨١) ، برقم : (٢٢).

(٤) هو ثعلبة بن ميمون يروي عنه عبد الله بن محمّد الحجّال ، لا عليّ بن عبد الله بن محمّد الحجّال ، كما في أكثر نسخ القصص. فانّه غلط على ما هو الظّاهر على الممارس.

(٥) ما بين المعقوفتين من ق ٣ فقط.

٢١٧

فيرتفع الدّم ويعلو وأقبل النّاس يطرحون عليه التّراب فيعلو عليه الدّم حتّى صار تلّاً عظيماً ومضى ذلك القرن ، فلمّا كان من أمر بخت نصّر ما كان رآى ذلك الدّم ، فسأل عنه فلم يجد أحداً يعرفه حتّى دُلّ على شيخ كبير فسأله ، فقال : أخبرني أبي عن جدّي أنّه كان من قصّة يحيى بن زكريّا كذا وكذا ، وقصّ عليه القصّة والدّم دمه فقال بخت نصّر : لا جرم لأقتلنّ عليه حتّى يسكن. فقتل عليه سبعين ألفاً ، فلمّا وفي عليه سكن الدّم.

وفي خبرٍ آخر : إنّ هذه البغيّ كانت زوجة ملك جبّار قبل هذا الملك وتزوّجها هذا بعده ، فلمّا أسنّت وكانت لها ابنة من الملك الأوّل قالت لهذا الملك : تزوّج أنت بها ، فقال : لا حتّى أسأل يحيى بن زكريّا عن ذلك فان أذن فعلت ، فسأله عنه فقال : لا يجوز فهيّأت بنتها وزيّنتها في حال سكره وعرضتها عليه ، فكان من حال قتل يحيى ما ذكر وكان ما كان (١).

فصل ـ ٢ ـ

٢٨٦ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه (٢) ، حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن أبي عبد الله الخيّاط ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه ، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ، ولقد انتصر ليحيى بن زكريّا عليهما السلام ببخت نصّر (٣).

٢٨٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا محمّد بن سعيد بن أبي شحمة ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن سعيد بن هاشم القناني البغدادي ، حدّثنا أحمد بن صالح ، حدّثنا أبي صالح ، حدّثنا حسّان (٤) بن عبد الله الواسطي ، حدّثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمر قال : قال النّبيّ صلى الله عليه وآله : كان من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٨٠ ـ ١٨١) ، برقم : (٢٠ و ٢١).

(٢) الزّيادة من البحار ، وهو الصّحيح.

(٣) بحار الانوار (٤٥ / ٣٣٩) ، برقم : (٤) و (١٤ / ١٨١) ، برقم : (٢٣).

(٤) في البحار والامالي : أحمد بن صالح عن حسان.

٢١٨

زهد يحيى بن زكريّا عليهما السّلام أنّه أتى بيت المقدس ، فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرّهبان عليهم مدارع الشّعر ، فلمّا رآهم أتى أمّه ، فقال : انسجي لي مدرعة من صوف حتّى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار ، فأخبرت زكريّا بذلك ، فقال زكريّا : يا بنيّ ما يدعوك إلى هذا ؟ وإنما أنت صبيّ صغير ، فقال : يا أبت أما رأيت من هو أصغر منّي قد ذاق الموت ؟ قال : بلى ، وقال لأمّه : انسجي له المدرعة ، فأتى بيت المقدس وأخذ يعبد الله تعالى حتّى أكلت مدرعة الشّعر لحمه وجعل يبكي ، وكان زكريّا إذا أراد أن يعظ يلتفت يميناً وشمالاً ، فان رأى يحيى لم يذكر جنّةً ولا ناراً (١).

٢٨٨ ـ وفي خبرٍ آخر : أنّ عيسى بن مريم عليه السلام بعث يحيى بن زكريّا في اثني عشر من الحواريّين يعلّمون النّاس وينهاهم عن نكاح ابنة الأُخت ، قال : وكان لملكهم بنت أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوّجها ، فلمّا بلغ أمّها أنّ يحيى نهى عن مثل هذا النّكاح أدخلت بنتها على الملك بزينة ، فلمّا رآها سألها عن حاجتها ، قالت حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريّا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا ، فلمّا أبت عليه دعا بطشت ودعا يحيى عليه السلام فذبحه ، فبدرت قطرة من دمه فوقعت على الأرض ، فلم تزل تعلو حتّى بعث الله بخت نصّر عليهم ، فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلّته على ذلك الدّم ، فاُلقي في نفسه أن يقتل على ذلك الدّم منهم حتّى يسكن ، فقتل عليها سبعين ألفاً في سنة واحدة ثمّ سكن (٢).

فصل ـ ٣ ـ

٢٨٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدّثنا جدّي يحيى بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم التّميمي ، حدّثنا محمّد بن يزيد ، حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا عبد الله بن حبيب بن أبي كاتب ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : أوحى الله إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله إنّي قتلت بدم يحيى بن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٦٥ ـ ١٦٦) ، برقم : (٤) عن أمالي الصّدوق مع اختلاف في السّند وزيادة في المتن وراجع الامالي المجلس الثّامن ، برقم : (٣).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٨٢) ، برقم : (٢٤).

٢١٩

زكريّا سبعين ألفاً ، وسأقتل بالحسين (١) عليه السلام سبعين ألفاً وسبعين ألفاً (٢).

٢٩٠ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي عبد الله (٣) عليه السلام قال : لا يقتل النّبيّين ولا أولادهم إلّا أولاد الزّنا (٤).

٢٩١ ـ وعن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغيّ ، وكانت ثمود تقول : ما نعرف (٥) له فينا أباً ولا نسباً ، وأنّ قاتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما ابن بغيّ ، وأنّه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلّا أولاد البغايا ، وقال في قوله تعالى جلّ ذكره : « لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا » (٦) قال : يحيى بن زكريّا لم يكن له سميٌّ قبله ، والحسين بن علي لم يكن له سميٌّ قبله ، وبكت السّماء عليهما أربعين صباحاً ، وكذلك بكت الشّمس عليهما ، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب حمراء.

وقيل : أي بكى أهل السّماء وهم الملائكة (٧).

٢٩٢ ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام انّ الحسين بن علي صلوات الله عليهما بكى لقتله السّماء والأرض واحمرّتا ، ولم تبكيا على أحد قطّ (٨) إلّا على يحيى بن زكريّا عليهما السلام (٩).

٢٩٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن

_________________________________

(١) في البحار : وأقتل بابن بنتك.

(٢) بحار الانوار (٤٥ / ٢٩٨) ، برقم : (١٠) عن مناقب ابن شهر آشوب بأسانيد مختلفة عن ابن عباس وراجع المناقب (٤ / ٨١) وتاريخ بغداد (١ / ١٤٢).

(٣) في البحار : عن أبي جعفر عليه السلام. وهو المناسب لاحاديث جابر.

(٤) بحار الانوار (٢٧ / ٢٤٠) ، برقم : (٣).

(٥) في البحار : أزرق ابن بغي وأنّ قاتل علي صلوات الله عليه ابن بغي وكانت مراد تقول : ما نعرف.

(٦) سورة مريم : (٧).

(٧) بحار الانوار (١٤ / ١٨٢) ، برقم : (٢٥) وأورد صدره الى قوله : أولاد البغايا في الجزء (٢٧ / ٢٤٠) ، برقم : (٤). وفي (٤٢ / ٣٠٣) ، برقم : (٣). وأورد ذيله من قوله تعالى في الجزء (٤٥ / ٢١٨) ، برقم : (٤٥).

(٨) في ق ١ : قبله.

(٩) بحار الانوار (١٤ / ١٨٣) ، برقم : (٢٦). و (٤٥ / ٢١٩) ، برقم : (٤٦).

٢٢٠