قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قال أيّوب صلوات الله عليه : وعزّة ربّي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً قطّ إلّا ومعي يتيم أو ضعيف يأكل معي ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على بدني ، فقال الشّاب : سوءة لكم عمدتم إلى نبيّ الله ، فعنفتموهُ حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسرّه ، فعند ذلك دعا ربّه وقال : « رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ » (١).

وقال : قيل لأيّوب صلوات الله عليه بعدما عافاه الله تعالى : أيُّ شيءٍ أشدّ ممّا مرّ عليك ؟ قال : شماتة الاعداء (٢).

فصل ـ ١ ـ

١٥٠ ـ وباسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : أمطر الله على أيّوب من السّماء فراشاً من ذهب ، فجعل أيّوب صلوات الله عليه يأخذ ما كان خارجاً من داره فيدخله داره ، فقال جبرئيل عليه السّلام : أما تشبع يا أيّوب ؟ قال : ومن يشبع من فضل ربّه (٣).

١٥١ ـ وبالاسناد المتقدم عن وهب بن منبّه : انّ أيّوب كان في زمن يعقوب بن إسحاق صلوات الله عليهم ، وكان صهراً له ، تحته ابنة يعقوب يقال لها : إليٰا ، وكان أبوه ممّن آمن بابراهيم صلوات الله عليه ، وكانت أم أيّوب ابنة لوط ، وكان لوط جدّ أيّوب صلوات الله وسلامه عليهما أبا أمّه.

ولمّا استحكم البلاء على أيّوب من كلّ وجه صبرت عليه امرأته ، فحسدها إبليس على ملازمتها بالخدمة ، وكانت بنت يعقوب ، فقال لها : ألست أُخت يوسف الصّديق ؟ قالت : بلى ، قال : فما هذا الجهد وهذه البليَّة الّتي أراكم فيها ؟ قالت : هو الّذي فعل بنا ليأجرنا بفضله علينا ، لأنّه أعطاه بفضله منعماً ثمّ أخذه ليبتلينا ، فهل رأيت منعماً أفضل منه ؟ فعلى إعطائه نشكره ، وعلى ابتلائه نحمده ، فقد جعل لنا الحسنيين كلتيهما ، فابتلاه ليرى صبرنا ، ولا نجد على الصّبر قوّة إلّا بمعونته وتوفيقه ، فله الحمد والمنّة على ما أولانا وأبلانا ،

_________________________________

(١) سورة ص : (٤١).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢) ، برقم : (٢١).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٢) ، برقم : (٢٢).

١٤١

فقال لها : أخطأتِ خطأً عظيماً ليس من هٰيهنٰا ألحّ عليكم البلاء وأدخل عليها شبهاً دفعتها كلّها.

وانصرفت إلى أيّوب صلوات الله عليه مسرعةً وحكت له ما قال اللّعين فقال أيّوب : القائل إبليس لقد حرص على قتلي ، إنّي لأقسم بالله لاجلدنّكِ مائة لِمَ أصغيت إليه إن شفاني (١) الله (٢).

١٥٢ ـ قال وهب : قال ابن عباس : فأحيى الله لهما أولادهما وأموالهما وردّ عليه كلّ شيء لهما بعينه ، وأوحى الله تعالى إليه : وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ، فأخذ ضغثاً من قضبان رقاق من شجرة يقال لها : الثّمام ، فبرّ به يمينه وضربها ضربة واحدةً ، وقيل : أخذ عشرة منها فضربها بها عشر مرّات ، وكان عمر أيّوب ثلاثاً وسبعين قبل أن يصيبه البلاء ، فزادها الله مثلها ثلاثاً وسبعين سنة أخرى (٣).

فصل ـ ٢ ـ

( في نبوّة شعيب عليه السّلام )

١٥٣ ـ أخبرنا السيّد ذو الفقار بين معبد الحسيني ، عن الشّيخ أبي جعفر الطّوسي ، عن الشّيخ المفيد ، عن أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا علي بن الحسين السّعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام ، عن سعد الإِسكافي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إنّ أوّل من عمل المكيال والميزان شعيب النّبي عليه السّلام عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثمّ إنّهم بعد طفّفوا في المكيال وبخسوا في الميزان « فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ » فعذّبوا بها « فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ » (٤).

١٥٤ ـ وبهذا الاسناد عن ابن محبوب ، عن يحيى بن زكريّا ، عن سهل بن سعيد ،

_________________________________

(١) في بعض النسخ : عافاني.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٢) ، برقم : (٢٣).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٢) من السّطر (١٨) إلى آخر الصّفحة.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٢) ، برقم : (٦) والآية في سورة الاعراف : (٧٨).

١٤٢

قال : بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئراً في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة ، ثمّ بدت لنا جمجمة رجل طويل ، فحفرنا ما حولها فإذا رجل قائم على صخرة عظيمة عليه ثياب بيض ، وإذا كفّه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه ، فكنّا إذا نجّينا يده عن رأسه سالت الدّماء ، وإذا تركناها عادت فسدّت الجرح ، وإذا في ثوبه مكتوب : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السّلام إلى قومه (١) فضربوني وأضرّوا بي طرحوني في هذا الجبّ وهالوا عليَّ التّراب فكتبنا إلى هشام بما رأيناه فكتب : أعيدوا عليه التّراب كما كان واحتفروا في مكان آخر (٢).

١٥٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه إبراهيم بن هشام ، عن عليّ بن معبد ، عن عليّ بن عبد العزيز ، عن يحيى بن بشير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي عليه السّلام ، فأشخصه إلى الشّام ، فلمّا دخل عليه قال له : يا أبا جعفر إنّما بعثت إليك لاسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلّا رجل واحد ، فقال له أبي : يسألني أمير المؤمنين عمّا أحبّ ، فان علمت أجبتهُ ، وإن لم أعلم قلت : لا أدري وكان الصّدق أولى بي.

فقال هشام : أخبرني عن اللّيلة الّتي قتل فيها عليّ بن أبي طالب ، بما استدلّ الغائب (٣) عن المصر الّذي قتل فيه على ذلك ؟ وما كانت العلامة فيه للنّاس ؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة ؟ فقال له أبي : إنّه لمّا كانت اللّيلة الّتي قتل فيها عليّ صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الارض حجرٌ إلّا وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي فقد فيها هارون أخو موسى عليهما السّلام ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السّلام ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه.

_________________________________

(١) في البحار : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله الى قومه.

(٢) بحار النوار (١٢ / ٣٨٣) ، برقم : (٧).

(٣) في جميع النّسخ : الكاتب عن المصر الّذي قتل فيه عليّ. وهي ناقصة حتّى نسخة البحار والصّحيح ما وضعناه في المتن اكتمالاً عن نسخة إثبات الهداة.

١٤٣

فتربّد (١) وجه هشام ، وامتقع (٢) لونه ، وهمّ أن يبطش بأبي فقال له أبي : يا أمير المؤمنين الواجب على النّاس الطّاعة لامامهم والصّدق له بالنّصيحة ، وأنّ الّذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطّاعة ، فليحسن ظنّ أمير المؤمنين فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألّا ترفع هذا الحديث إلى أحدٍ ما حييت فأعطاه أبي من ذلك ما أرضٰاه.

ثمّ قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجّهاً من الشّام نحو الحجاز ، وأبرد هشام بريداً وكتب معه إلى جميع عمّاله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شيءٍ من مدينتهم ، ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشّام حتّى ينفذ الى الحجاز ، فلمّا انتهى إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاهم بعضهم فأخبرهم أنّ زادهم قد نفد ، وأنّهم قد منعوا من السّوق ، وأنّ باب المدينة اُغلق.

فقال : أبي : فعلوها ؟ ائتوني بوضوءٍ فأتى بماءٍ فتوضّأ ، ثم توكّأ على غلام له ، ثمّ صعد الجبل حتّى إذا صار في ثنيّةٍ استقبل القبلة ، فصلّى ركعتين ، فقام وأشرف على المدينة ، ثمّ نادى بأعلى صوته ، وقال : « وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » (٣) ثمّ وضع يده على صدره ، ثم نادى بأعلى صوته أنا والله بقيّة الله ، أنا والله بقيّة الله. قال : وكان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السّن وأدبته التّجارب ، وقد قرأ الكتب ، وعرفه أهل مدين بالصّلاح ، فلمّا سمع النّداء قال لأهله : أخرجوني فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع النّاس إليه ، فقال لهم : ما هذا الّذي سمعته من فوق الجبل ، قالوا : هذا رجل يطلب السّوق فمنعه السّلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشّيخ : تطيعونني ؟ قالوا : اللّهم نعم ، قال : قوم صالح إنّما ولي عقر النّاقة منهم رجل واحد ، وعُذّبوا جميعاً على الرّضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام

_________________________________

(١) تربّد وجه فلان : تغيّر من الغضب.

(٢) أي : تغيّر من حزن أو فزع.

(٣) سورة هود : (٨٤ ـ ٨٦).

١٤٤

شعيب ، ونادى مثل ندآء شعيب صلوات الله عليه ، وهذا رجل ما بعده ، فارفضوا السّلطان وأطيعوني وأخرجوا إليه بالسّوق فاقضوا حاجته ، وإلّا لم آمن والله عليكم الهلكة ، قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السّوق إلى أبي ، فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه ، وبخبر الشّيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشّيخ إليه ، فمات في الطّريق رضي الله عنه (١).

فصل ـ ٣ ـ

١٥٦ ـ أخبرنا السّيد عليّ بن أبي طالب السّليقي (٢) ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبٰان ، عن محّمد بن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد رفعه إلى علي عليه السّلام قال : قيل له يا أمير المؤمنين : حدّثنا قال : إنّ شعيباً النّبيّ صلوات الله عليه دعا قومه إلى الله حتّى كبر سنّه ورق عظمه ، ثمّ غاب عنهم ما شاء الله ، ثمّ عاد إليهم شابّاً فدعاهم إلى الله ، فقالوا : ما صدّقناك شيخاً ، فكيف نصدّقك شابّاً ؟ وكان عليّ عليه السّلام يكرّر عليهم الحديث مراراً كثيرة (٣).

١٥٧ ـ وبهذا الإسناد عن ابن أورمة ، عمّن ذكره ، عن علا ، عن فضيل بن يسار قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : لم يبعث الله عزّ وجلّ من العرب إلّا خمسة أنبيآء : هوداً ، وصالحاً ، وإسماعيل ، وشعيباً ، ومحمّداً خاتم النبييّن صلوات الله عليهم ، وكان شعيب بكاء (٤).

١٥٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن عمران

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤٦ / ٣١٥ ـ ٣١٧) ، برقم : (٣) ، وجائت قطعات من الحديث في (١٣ / ٣٦٨) ، برقم : (١٢) و (١٤ / ٣٣٦) ، برقم : (٤) و (٤٢ / ٣٠٢) ، وأورد قسماً منه في إثبات الهداة (٢ / ٤٦٤) من الباب (١١) الفصل (٢١) برقم : (٢١٣).

(٢) كذا في ق ٣ وأعيان الشّيعة : وفي ق ١ : الصّيقلي ، وفي ق ٢ وق ٤ وق ٥ : السّيقلي وفي الرّياض (٢ / ٤٢٧) و (٤٣٧) : السّليقي والسّيلقي.

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٥) ، برقم : (١٠).

(٤) بحار الانوار (١١ / ٤٢) ، برقم : (٤٤) ، وراجع (١٢ / ٣٨٥) ، برقم : (١١).

١٤٥

ابن خالد ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدّثنا عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة (١) ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : إنّ الله تعالى بعث شعيباً إلى قومه ، وكان لهم ملك فأصابه منهم بلاءٌ ، فلمّا رآى الملك أنّ القوم قد خصبوا أرسل إلى عمّاله ، فحسبوا على النّاس الطّعام ، وأغلوا أسعارهم ، ونقصوا مكائيلهم وموازينهم ، وبخسوا النّاس أشياءهم ، وعتوا عن أمر ربّهم ، فكانوا مفسدين في الأرض ، فلمّا رآى ذلك شعيب صلوات الله عليه قال لهم : « لا تنقصوا المكيال والميزان إنّي أرايكم بخير وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط » فأرسل الملك إليه بالانكار.

فقال شعيب : إنّي منهيّ في كتاب الله تعالى والوحي الّذي أوحى الله إلي به : أنّ الملك إذا كان بمنزلتك الّتي نزلتها ينزل الله بساحته نقمته ، فلمّا سمع الملك ذلك أخرجه من القرية ، فأرسل الله إليه سحابة فاظلّتهم ، فأرسل عليهم في بيوتهم السّموم وفي طريقهم الشّمس الحارّة وفي القرية ، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون إلى السّحابة الّتي قد أظلّتهم من أسفلها ، فانطلقوا سريعاً كلّهم إلى أهل بيت كانوا يوفون المكيال والميزان ولا يبخسون النّاس أشياءهم فنصحهم الله وأخرجهم من بين العصاة ، ثمّ أرسل على أهل القرية من تلك السّحابة عذاباً وناراً فأهلكتهم ، وعاش شعيب صلوات الله عليه مائتين واثنين وأربعين سنة (٢).

فصل ـ ٤ ـ

١٥٩ ـ وعن ابن بابويه حدّثنا ابوعبد الله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي حدّثنا ابوعلي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السّمرقندي حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه (٣) عن وهب بن منبّه اليماني ، قال : إنّ شعيباً وأيّوب صلوات الله عليهما وبلعم بن باعورا كانوا من ولد رهطٍ آمنوا لإِبراهيم يوم أحرق فنجا ، وهاجروا معه إلى الشّام ، فزوّجهم بنات لوط ، فكلّ نبيّ كان

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٢ والبحار ، وفي ق ٣ وق ٥ : علي بن خذيمة.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) ، برقم : (١٣).

(٣) الزيادة من العلل فقط.

١٤٦

قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم صلوات الله عليه من نسل اولئك الرّهط ، فبعث الله شعيباً إلى أهل مدين ، ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته الّتي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الامم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه.

وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسوا النّاس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، فكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطّعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول فيما صنعت أراض أم أنت ساخط ؟ فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أنّ الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : « نُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا ».

فزادهم شعيب في الوعظ (١) ، فقالوا : يا شعيب : « أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ » فآذوه بالنّفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيّام ، وصار ماؤهم حميماً لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة لهم ، وهو قوله تعالى : « وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ » فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم ناراً منها فاحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : « فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ».

وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ، فلمّا أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والّذين آمنوا معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا.

والرّواية الصّحيحة : أنّ شعيباً عليه السّلام صار منها إلى مدين فأقام بها وبها لقيه موسى ابن عمران صلوات الله عليهما (٢).



_________________________________

(١) في ق ١ وق ٥ : الوعد.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥) ، برقم : (٩).

١٤٧

الباب الثّامن

( في نبوّة موسى بن عمران عليه السّلام )

١٦٠ ـ أخبرنا الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد ، عن أبيه ، حدّثنا السّيد ابوالبركات الخوزي ، عن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً ، فقال : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، ويسومونكم سوء العذاب ، إنّما ينجيكم الله برجل من ولد لٰاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران بن فاهث بن لاوي. غلام طوال (١) ، جعد الشّعر ، أدم اللّون ، فجعل الرّجل من بني إسرائيل ، يسمي ابنه عمران ، ويسمّي عمران ابنه موسى.

فذكر أبان ، عن أبي الحصين ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّه قال : ما خرج موسى حتّى خرج ثمانون كذّاباً من بني إسرائيل ، كلّهم يدّعي أنّه موسى بن عمران ، فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام ، فقال له كهنته وسحرته : إنّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل ، قال : فوضع القوابل على النّساء ، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا : تعالوا لا نقرب النّساء ، فقال عمران أبو موسى : آتوهنّ فإِنّ (٢) أمر الله واقع ولو كره المشركون ، اللّهمّ من تركه فإنّي لا أتركه ،

_________________________________

(١) في ق ١ والبحار : طويل.

(٢) في ق ٤ : فاذا.

١٤٨

ووقع على أُمّ موسى ، فحملت ، فوضع على أُمّ موسى قابلة تحرسها ، فإِذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت.

قال : فلمّا حملته أُمّه وقعت عليها المحبّة. وكذلك حجج الله على خلقه ، فقالت لها القابلة : مالك يا بنت ، تصفرين وتذوبين ؟ فقالت : لا تلوميني فانّي إذا وَلَدْتُ أُخِذَ ولدي فذبح ، قالت : فلا تحزني فانّي سوف أكتم عليك فلم تصدّقها ، فلمّا أن ولدت التفتت إليها وهي مقبلة (١) ، فقالت : ما شاء الله ، فقالت : ألم أقل : إنّي سوف أكتم عليك ، ثمّ حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره (٢) ، ثمّ خرجت إلى الحرس وكانوا على الباب ، فقالت : انصرفوا فانّما خرج دم مقطع فانصرفوا فارضعته ، فلمّا خافت عليه أوحى الله إليها : اجعليه في تابوت ، ثمّ اخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر ، فوضعته في التّابوت ثمّ دفعته في اليم ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر وأنّ الريح ضربته فانطلقت به ، فلمّا رأته قد ذهب به الماء ، فهمّت (٣) أن تصيح فربط الله على قلبها.

وقد كانت الصّالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل قالت : إنّها أيّام الرّبيع (٤) فاخرجني فاضرب لي قبّة على شاطىء البحر حتّى أتنزّه هذه الايّام ، فضرب لها قبة على شطّ النّيل إذا أقبل التّابوت يريدها ، فقال : هل ترون ما أرى على الماء ؟ قالوا : إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئاً ، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها ، وكاد الماء يغمرها حتّى صاحوا عليها ، فجذبته فأخرجته من الماء ، فأخذته فوضعته في حجرها فاذا غلام أجمل النّاس ، فوقعت عليها له محبّة ، وقالت : هذا ابني ، فقالوا : إي والله يا سيدّتنا مالك ولد ولا للملك ، فاتّخذي هذا ولداً ، فقالت لفرعون : إنّي أصبت غلاماً طيّباً نتّخذه ولداً ، فيكون قرّة عين لي ولك ولا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام ؟ قالت : ما أدري إلّا أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتى رضي.

فلمّا سمع النّاس أنّ الملك يربّي ابناً لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلّا

_________________________________

(١) في ق ١ : تقبله.

(٢) في ق ٣ : شأنه.

(٣) في ق ١ : همّت. وهو الأوجه.

(٤) في ق ٤ : ربيع.

١٤٩

بعث امرأته إليه تكون ظئراً له ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثدياً ، قالت امرأة فرعون : اطلبوا لإِبني ظئراً ولا تحقّروا أحداً ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنّ ، فقالت أمّ موسى لاخته : قصيّه : انظري أثر من له أثر (١) ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك : قالت ها هنا إمرأة صالحة : تأخذ ولدكم وتكفّله لكم ، قلت : ادخلوها ، فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون : فمن أنت ؟ قالت : من بني إسرائيل ، قالت : اذهبي فليس (٢) لنا فيك حاجة ، فقال لها النّساء : انظري هل يقبل ثديها ؟ فقالت امرأة فرعون : إن يقبل هل يرضى فرعون بذلك ؟ فيكون الغلام من بني اسرائيل والمرأة من بني اسرائيل يعني (٣) الظّئر لا يرضى أبداً ، قلن : فانظري هل يقبل أم (٤) لا يقبل ؟ قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها فجاءت إلى أُمّها فقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها ، فدفعت اليها موسى فوضعته في حجرها ثمّ ألقمته ثديها فقبل ، فقامت امرأة فرعون الى فرعون فقالت : انّ ابنك قد اقبل على ديسها (٥) ثديها وقبلته فقال : وممّن هي ؟ قالت : من بني إسرائيل قال : هذا مالا يكون أبداً ، فلم تزل تكلّمه وتقول : لا يخاف من هذا الغلام إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك حتّى قلّبت رأيه ورضي.

فنشأ موسى في آل فرعون ، وكتمت أُمّه خبره وإخته والقابلة ، حتّى هلكت الامّ والقابلة ، وكان بنو إسرائيل تطلبه ، فبلغ فرعون أنّهم يسألون عنه فزاد في عذابهم ، فشكوا ذلك إلى شيخ لهم عنده علم ، فقال : إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه : موسى بن عمران غلام أدم جعد ، فبيناهم كذلك إذ أقبل موسى صلوات الله عليه يسير على بغلة حتى وقف عليهم ، فرفع الشّيخ رأسه فعرفه بالصّفة ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : موسى قال : ابن من ؟ قال : ابن عمران ، فوثب إليه الشّيخ وقبّل يده (٦)

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٤ : انظري أترين له أثراً.

(٢) في ق ٣ : فما.

(٣) في ق ٣ : تعني.

(٤) في ق ٣ : أو.

(٥) في ق ٣ وق ٤ : ثديها.

(٦) في ق ٢ : يديه.

١٥٠

وثاروا إلى رجليه فقبلوهما ، فعرفهم وعرفوه واتّخذهم شيعته ، فمكث بعد ذلك ما شاء الله ، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلاً قبطيّاً فاستغاثه ، فوكز القبطي فمات ، فذكره النّاس وشاع أمره أنّ موسى قتل رجلاً من آل فرعون ، فكان خائفاً حتّى جاءه رجل وقال : إنّهم يطلبونك ، فخرج من مصر بغير دابّة حتّى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى اصل شجرة تحتها بئر وعندها أمّة من النّاس وجاريتان معهما غنيمة (١) في ناحية ، فقال لهما : ما خطبكما ، قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن ضيعفتان لا نزاحم الرّجال ، فاذا استقى النّاس وانصرفوا سقينا من بقيّة مائهم ، فرحمهما موسى فاخذ الدلو واستقى وسقي لهما ، فرجعتا قبل النّاس وجلس موسى موضعه.

قال ابوجعفر عليه السلام (٢) لقد قال : « رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » وأنّه لمحتاج إلى شق تمرة. فلمّا رجعتا إلى أبيها قال : ما أعجلكما ! قالتا : وجدنا صالحاً رحمنا فسقي لنا ، فقال لاحداهما : اذهبي فادعيه فجاءت تمشي على استحياء ، قالت : إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فقال موسى لها : وجّهيني إلى الطّريق وامشي خلفي ، فانّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز (٣) النّساء.

فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص ، قال : لا تخف نجوت من القوم الظّالمين ، ثمّ استأجره ليزوّجه ابنته ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطّريق ليلاً ، فأورى ناراً فلم يمكنه الزّند (٤) ، فرآى ناراً فقال لاهله : امكثوا إنّي آنست ناراً لعليّ آتيكم منها بقبس أو خبر ، فلمّا انتهى إلى النّار اذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها ، فلمّا دنا منها تأخّرت ثمّ دنته ، فنودي : أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وأن ألق عصاك ، فألقاها فاذا هي حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج من فمها مثل لهب النّار ، فولّى مرتعداً ، فنودي :

_________________________________

(١) في ق ٣ : غنيمات.

(٢) كذا في ق ١ ولعلّه الصّحيح كما يظهر من البحار (١٣ / ٥٩) ، وفي بعض النّسخ بدون « عليه السّلام » فيمكن أن يكون المراد به : إمّا الصّدوق أو أحمد بن محمّد بن عيسى أو غيرهما ، وجملة « قال ابوجعفر » غير موجودة في كمال الدين (١ / ١٥٠) ولا في البحار (١٣ / ٣٨) ، سورة القصص : ٢٤.

(٣) الزيادة من البحار.

(٤) في ق ٢ : الوقد.

١٥١

لا تخف وخذها ، فوقع عليه الأمان ووضع رجليه على ذنبها وتناول لحيتها (١) ، فاذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا (٢).

فصل ـ ١ ـ

١٦١ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدثنا سعد بن عبد الله ، حدثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن الرّضا صلوات الله عليه عن قوله تعالى : « إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا » أهي الّتي تزوّج بها ؟ قال : نعم ، ولمّا قالت : « اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » قال أبوها : كيف علمتِ ذلك ؟ قالت لمّا أتيته برسالتك ، فأقبل معي قال : كوني خلفي ودلّيني على الطّريق ، فكنت خلفه أرشده كراهة أن يرى منّي شيئاً.

ولمّا أراد موسى الانصراف قال شعيب : ادخل البيت وخذ من تلك العِصي عصاً تكون معك تدرأ بها السّباع ، وقد كان شعيب أخبر بأمر العصٰا الّتي أخذها موسى ، فلمّا دخل موسى البيت وثبت إليه العصٰا ، فصارت في يده فخرج بها ، فقال له شعيب : خذ غيرها ، فعاد موسى الى البيت ، فوثبت اليه العصا ، فصارت في يده فخرج بها ، فقال له شعيب : خذ غيرها فوثبت إليه فصارت في يده ، فقال له شعيب : ألم أقل لك خذ غيرها ؟ قال له موسى : قد رددتها ثلاث مرّات كلّ ذلك تصير في يدي ، فقال له شعيب : خذها وكان شعيب يزور موسى كلّ سنة ، فاذا أكل قام موسى على رأسه وكسر له الخبز (٣).

١٦٢ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : ألقى الله تعالى من موسى على فرعون وامرأته المحّبة ، قال : وكان فرعون طويل اللِّحية ، فقبض موسى عليها ، فجهدوا أن يخلصوها من يد موسى فلم يقدروا على ذلك (٤) حتى جذّها (٥) ، فأراد فرعون قتله ، فقالت له امرأته : انّ هنا

_________________________________

(١) في ق ١ : لحييها.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٨ ـ ٤٢) ، وراجع كمال الدين (١ / ١٥٠).

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٤٤ ـ ٤٥) ، برقم : (١٠) ، مع اختلاف لا يضرّ باصل المعنى.

(٤) في ق ١ : على خلاصها.

(٥) في ق ٣ وق ٤ وق ٥ والبحار : حتى خلاها.

١٥٢

أمراً يستبين (١) به هذا الغلام ادع بجمرة ودينار فضعهما بين يديه ففعل ، فأهوى موسى الى الجمرة ووضع يده عليها فأحرقتها ، فلمّا وجد حرّ النّار وضع يده على لسانه ، فأصابته لغثةٌ ، وقد قال في قوله تعالى : « أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ » : قضى أوفاهما وأفضلهما (٢).

١٦٣ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عمّن ذكره ، عن درست ، عمّن ذكره عنهم عليهما السّلام قال : بينما موسى جالس إذ أقبل إبليس وعليه بُرنس (٣) ، فوضعه ودنا من موسى وسلّم ، فقال له موسى : من أنت ؟ قال : إبليس قال : لا قرّب الله دارك لمٰاذا البرنس ؟ قال : أختطف به قلوب بني آدم. فقال موسى عليه السّلام : أخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم إستحوذتَ عليه ؟ قال : ذلك إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في نفسه ذنبه.

وقال يا موسى : لا تخلُ بامرأة لا تحلّ لك فإنّه لا يخل رجل بإمرأة لا تحلّ له إلّا كنت صاحبه دون أصحابي وايّاك أن تعاهد الله عهداً ، فانّه ما عاهد الله أحدٌ إلّا كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبين الوفاء به وإذا هممت بصدقة فامضها واذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبينها (٤).

١٦٤ ـ وسئل عن موسى عليه السّلام لمّا وضع في البحر : كم غاب عن أمّه حتّى ردّه الله تعالى إليها ؟ قال : ثلاثة أيّام (٥).

١٦٥ ـ وسئل أيّهما مات قبل ، هارون أم موسى ؟ قال : هارون مات قبل موسى عليهما السّلام ، وسئل أيّهما كان أكبر هارون أم موسى ؟ قال : هارون قال : وكان اسم ابنّي هارون شبيراً وشبّراً وتفسيرهما بالعربية : الحسن والحسين (٦).

وقال : انّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة ، فتركوا يوم الجمعة وامسكوا يوم السّبت

_________________________________

(١) في ق ٣ وق ٤ : نستبين.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٤٦) ، برقم : (١٢) ، الاية ٢٨ : سورة القصص.

(٣) في البحار : برنس ذو ألوان.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٠) ، برقم : (٣٩) و (٦٣ / ٢٥١ ـ ٢٥٢) ، برقم : (١١٤) ، وأورد قطعات منه في (٧٢ / ٣١٧) ، برقم : (٢٨) و (١٠٤ / ٤٨) ، برقم : (٥) و (١٠٤ / ٢١٩) ، برقم : (١٩).

(٥) بحار الانوار (١٣ / ٤٦) ، برقم : (١٣).

(٦) بحار الانوار (١٣ / ١١) ، برقم : (١٥).

١٥٣

فحرم عليهم الصّيد يوم السّبت (١).

قال : وكان وصيّ موسى يوشع بن نون (٢).

وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : رأيت إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم ، فأمّا موسى فرجل طوال سبط ، يشبه رجال الزّطّ ورجال أهل شنوة (٣) ، وأمّا عيسى فرجل أحمر جعد ربعة. قال : ثمّ سكت فقيل له : يا رسول الله فابراهيم قال : انظروا إلى صاحبكم ، يعني نفسه صلى الله عليه وآله (٤).

فصل ـ ٢ ـ

١٦٦ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدثنا محمّد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، عن محمّد بن سنان ، عن مقرن إمام بني فتيان (٥) ، عمّن روى ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كان في زمن موسى صلوات الله عليه ملك جبّار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح ، فتوفّي في يوم الملك الجبّار والعبد الصّالح ، فقام على الملك النّاس وأغلقوا أبواب السّوق لموته ثلاثة أيّام ، وبقي ذلك العبد الصّالح في بيته ، وتناولت دوابّ الارض من وجهه ، فرآه موسى بعد ثلاث (٦) ، فقال : يا ربّ هو عدوّك وهذا وليّك ، فأوحى الله إليه يا موسى إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها له ، فكافأته عن المؤمن وسلّطت دوابّ الأرض على محاسن وجه المؤمن لسؤاله ذلك الجبّار (٧).

١٦٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٥٠) ، عن العلل.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٥) ، برقم : (٧).

(٣) في مورد من البحار : شبوه ، وشنوة لعلّه محرّف شنوءة بالفتح ثمّ الضّم اسم مكان باليمن تنسب اليه الأزد ، كما في معجم البلدان (٣ / ٣٦٨) أو محرّف شبوة وهو أيضاً اسم مكان باليمن كما في المعجم أيضاً.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٠) ، برقم : (٢٤) و (١٣ / ١١) ، برقم : (١٥) و (١٤ / ٢٤٨) ، برقم : (٣٥).

(٥) في ق ١ : فينان ، وفي ق ٣ : قينان.

(٦) في ق ٣ : ثلاثة أيام.

(٧) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١) ، برقم : (٤٠) و (٧٤ / ٣٠٦) ، برقم : (٥٥) و (٧٥ / ٣٧٣) ، برقم : (٢٣).

١٥٤

عن الحسن بن علي ، عن أبي جميلة ، عن محمّد بن مروان ، عن العبد الصالح صلوات الله عليه قال : وكان من قول موسى عليه السّلام حين دخل على فرعون : « اللهمّ إنّي أدرأ إليك في نحره ، وأستجير بك من شرّه ، وأستعين بك » فحوّل الله ما كان في قلب فرعون من الأمن خوفاً (١).

١٦٨ ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن عبد الرّحمن بن أبي حمّاد ، عن جعفر بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إنّ فرعون بنى سبع مدائن ، فتحصّن فيها من موسى ، فلمّا أمره الله أن يأتي فرعون جاءه ودخل المدينة ، فلمّا رأته الأسود بصبصبت بأذنابها ، ولم يأت مدينة إلّا انفتح له [ بابها ] (٢) حتى انتهى إلى الّتي هو فيها ، فقعد على الباب وعليه مدرعة من صوف ومعه عصٰاه ، فلمّا خرج الآذِن ، قال له موسى صلوات الله عليه : إنّي رسول ربّ العالمين إليك.

فلم يلتفت ، فضرب بعصاه الباب ، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلّا انفتح فدخل عليه ، فقال أنا رسول ربّ العالمين فقال : ائتني بآية فألقى عصٰاه وكان له شعبتان ، فوقعت إحدى الشّعبتين في الأرض ، والشّعبة الاخرى (٣) في أعلى القبّة ، فنظر فرعون إلى جوفها وهي تلهب ناراً ، وأهوت إليه فاخذت فرعون ، وصاح يا موسى خذها ، ولم يبق أحد من جلساء فرعون إلّا هرب ، فلمّا أخذ موسى العصا ورجعت إلى فرعون نفسه همّ بتصديقه ، فقام إليه هامان وقال : بينا أنت إله تعبد إذ (٤) أنت تابع لعبد ، واجتمع الملأ وقالوا هذا ساحر عليم ، فجمع السّحرة لميقات يوم معلوم ، فلمّا ألقوا حبٰالهم وعصيّهم ألقى موسى عصٰاه فالتقمتها كلّهٰا ، وكان في السّحرة اثنان وسبعون شيخاً خرّوا سجّداً. ثمّ قالوا لفرعون ما هذا سحر (٥) لو كان سحراً لبقيت حبٰالنا وعصيّنٰا.

ثمّ خرج موسى صلوات الله عليه ببني إسرائيل يريد أن يقطع بهم البحر ، فأنجى الله

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ١٣٢) ، برقم : (٣٦) و (٩٥ / ٢١٧ ـ ٢١٨) ، برقم : (١١).

(٢) الزيادة من ق ١.

(٣) في ق ٤ : وإحدى الشّعبتين.

(٤) في ق ٤ : إذا.

(٥) ما هذا سحراً ، ق (١ و ٣).

١٥٥

موسى ومن معه وغرق فرعون ومن معه ، فلمّا صار موسى في البحر أتبعهُ فرعون وجنوده ، فتهيب فرعون أن يدخل البحر ، فمثّل جبرئيل على ماديانة وكان فرعون على فحل ، فلمّا رأى قوم فرعون الماديانة اتبعوها ، فدخلوا البحر فغرقوا ، وأمر الله البحر فلفظ فرعون ميّتاً حتى لا يظنّ أنّه غائب وهو حيٌّ.

ثمّ إنّ الله تعالى أمر موسى أن يرجع ببني إسرائيل إلى الشّام ، فلمّا قطع البحر بهم مرَّ على قوم يعكفون على أصنٰام لهم قالوا : يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ؟ قال : إنّكم قوم تجهلون ، ثمّ ورث بنو إسرائيل ديارهم وأموالهم ، فكان الرّجال يدور على دور كثيرة ويدور على النّساء (١).

فصل ـ ٣ ـ

( في حديث موسى والعالم عليهما السّلام )

١٦٩ ـ أخبرنا السّيد ابوالسّعادات هبة الله بن علي الشّجري ، عن جعفر بن محمّد بن العباس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما قال لمّا كان من أمر موسى الّذي كان اُعطى مكتلاً فيه حوت مٰالح ، فقيل له : هذا يدلُّك على صٰاحبك عند عين لا يصيب منها شيء إلّا حُيّ ، فانطلقا حتّى بلغا الصّخرة وجاوزا ثمّ « قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا » فقال : الحوت اتّخذ في البحر سرباً ، فاقتصّا الأثر حتّى أتيا صٰاحبهما (٢) في جزيرة في كسٰاء جالساً ، فسلّم عليه وأجٰاب وتعجّب وهو بأرض ليس بها سلام ، فقال : من أنت ؟ قال موسى : فقال : ابن عمران الّذي كلّمه الله ؟ قال : نعم ، قال : فما جاء بك ؟ قال : أتيتك على أن تعلّمني.

قال : إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه ، فحدّثه عن آل محمّد صلى الله عليهم وعن بلائهم وعمّا يصيبهم حتّى اشتدّ بكاؤهما ، وذكر له فضل محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وما اُعطوا

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ١٠٩ ـ ١١٠) ، برقم : (١٤).

(٢) في ق ١ وق ٢ وق ٤ وق ٥ : صاحبها ، الآية ٦٢ : سورة الكهف.

١٥٦

وما ابتلوا به ، فجعل يقول : يا ليتني من أمّة محمّد.

وانّ العالم لمّا تبعه موسى خرق السّفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار. ثمّ بين له كلّها وقال : ما فعلته عن أمري ؛ يعني لولا أمر ربّي لم أصنعه ، وقال : لو صبر موسى لأراه العالم سبعين أعجوبة.

١٧٠ ـ وفي رواية رحم الله موسى عجّل على العالم أمٰا إنّه لو صبر لرآى منه من العجائب مالم ير (١).

١٧١ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن اسحاق التّاجر ، عن علي بن مهزيار ، وعن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان عن منذر ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لمّا لقي موسى العالم عليهما السّلام وكلّمه وساءله نظر إلى خطّاف يصفر ويرتفع في الماء (٢) ويسفل (٣) في البحر ، فقال العالم لموسى : أتدري ما تقول هذه الخطافة ؟ قال : ومٰا تقول ؟ قال : تقول : وربّ السّماوات والارض وربّ البحر ما علمكما من علم الله إلّا قدر ما أخذت بمنقاري من هذا البحر وأكثر.

ولمّا فارقه موسى قال له موسى : أوصني. فقال الخضر : الزم مالا يضرك معه شيء ، كما لا ينفعك من غيره شيء. وإيّاك واللّجاجة ، والمشي إلى غير حاجة والضّحك في غير تعجّب ، يابن عمران لا تعيّرنّ أحداً بخطيئةٍ وابك على خطيئتك (٤).

١٧٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن على ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الصّيرفي (٥) ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن الحارث الأعور الهمداني رحمه الله قال : رأيت مع أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام شيخاً

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٠١) ، برقم : (٢١) إلى آخره و (٢٦ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤) ، برقم : (٤٠) إلى قوله : ياليتني من أمّة محمد صلّى الله عليه وآله.

(٢) في ق ١ وق ٤ : خطّافة تصفر وترتفع في الماء.

(٣) في البحار : تستفل.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٠١ ـ ٣٠٢) ، برقم : (٢٢) ومن قوله : لمّا فارق موسى الخضر ، في الجزء (٧٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) ، برقم : (٧) و (٧٨ / ٤٤٩) ، برقم : (١١).

(٥) في البحار : عن عمّه عن عليّ الكوفي ، وهو غلط.

١٥٧

بالنّخيلة : فقلت : يٰا أمير المؤمنين من هٰذا ؟ قال : هذا أخي الخضر جاءني يسألني عمّا بقي من الدّنيا وسألته عمّا مضى من الدّنيا ، فأخبرني وأنا أعلم بمٰا سألته منه ، قال أمير المؤمنين : فأوتينا بطبق رطب من السّماء ، فأمّا الخضر فرمى بالنّوى ، وأمّا أنا فجمعته في كفّي ، قال الحارث : قلت فهبه لي يا أمير المؤمنين ، فوهبه لي فغرسته فخرج منه (١) مشٰاناً (٢) جيّداً بالغاً عجباً (٣) لم أر مثله قطّ (٤).

١٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن عبد الرّحمن بن حمّاد الكوفي ، حدّثنا يوسف بن حمّاد الخزاز ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا أُسري برسول الله صلى الله عليه وآله بينٰا هو على البراق وجبرئيل معه إذ (٥) نفحته رائحة مسك ، فقال جبرئيل : ما هذا ؟ فقال كان في الزّمان الاوّل ملك له أسوة حسنة في أهل مملكته وكان له ابن رغب عمّا هو فيه ، وتخلّى في بيت يعبد الله تعالى ، فلمّا كبر سنّ الملك مشى إليه خيرة النّاس ، قالوا : أحسنت الولاية علينا وكبر سنّك ولا خلفك إلّا ابنك ، وهو راغب عمّا أنت فيه ، وأنّه لم ينل من الدّنيا ، فلو حملته على النّساء حتّى يصبب لذّة الدّنيا لعٰاد ، فاخطب كريمة له فأمرهم بذلك ، فزوّجه جاريةً لها أدب وعقل ، فلمّا أتوا بها واجلسُوها حوّلها الى بيته وهو في صلاته ، فلمّا فرغ قال : أيّتها المرأة ليس النّساء من شأني ، فان كنت تحبّين أن تقيمي معي وتصنعين كما أصنع كان لك من الثّواب كذا وكذا ، قالت : فأنا أقيم على ما تريد.

ثمّ إنّ اباه بعث إليها يسٰائلها هل حبلت ؟ فقالت : إنّ ابنك ما كشف لي عن ثوب ، فأمر بردّها إلى أهلها ، وغضب على ابنه ، وأغلق الباب عليه ، ووضع عليه الحرس فمكث ثلاثاً ، ثمّ فتح عنه فلم يوجد في البيت أحد فهو الخضر عليه الصّلاة والسّلام (٦).

_________________________________

(١) الزيادة من ق ٢ وق ٤.

(٢) الشأن : نوع من الرّطب وهو الأطيب منه.

(٣) في ق ١ وق ٣ : عجيباً ، وفي ق ٢ : عجماً.

(٤) بحار الانوار (٣٩ / ١٣١) ، برقم : (٣).

(٥) في ق ٤ : إذا.

(٦) بحار الانوار (١٣ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣) ، برقم : (٢٣).

١٥٨

فصل ـ ٤ ـ

( في حديث البقرة )

١٧٤ ـ أخبرنا الشّيخ ابوالمحاسن مسعود بن عليّ بن محمّد الصّوابي ، عن عليّ بن عبد الصّمد التّميمي ، عن السّيد أبي البركات عليّ بن الحسين الحسيني ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : كان في مدينة اثنا عشر سبطاً أمّة أبرار (١) ، وكان فيهم شيخ له ابنة وله ابن أخ خطبها إليه ، فأبى أن يزوّجها ، فزوّجها من غيره ، فقعد له في الطّريق إلى المسجد ، فقتله وطرحه على طريق أفضل سبط لهم ثمّ غدا يخاصمهم فيه.

فانتهوا إلى موسى صلوات الله عليه ، فأخبروه فأمرهم أن يذبحوا بقرة قالوا : أتتخذنا هزواً ، أسألك من قتل هٰذا ؟ تقول : اذبحوا بقرة ، قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، ولو انطلقوا الى بقرة لأخبرت (٢) ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم ، قالوا : ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال : إنّه يقول : إنّها بقرة لا ذلول ، فرجعوُا إلى موسى وقالوا : لم نجد هذا النّعت إلّا عند غلام من بني إسرائيل وقد أبى أن يبيعها إلّا بملأ مسكها (٣) دنانير ، قال : فاشتروها فابتاعوهٰا ، فذبحت قال : فأخذ جذوةً من لحمهٰا فضربه فجلس ، فقال له موسى : من قتلك ؟ فقال : قتلني ابن أخي الّذي يخاصم في قتلي ، قال : فقتل فقالوا يا رسول الله : إنّ لهذا البقرة لنبأ ؟ فقال صلوات الله عليه : إنّها كانت لشَيخ من بني إسرائيل وله ابن بارّ به ، فاشترى الابن بيعاً فجاء (٤) لينقدهم الثّمن ، فوجد أباه نائماً ، فكره أن يوقظه والمفتاح تحت رأسه ، فأخذ القوم متاعهم فانطلقوا ، فلمّا استيقظ قال له : يا أبت إنّي اشتريت بيعاً كان لي فيه من الفضل كذا وكذا ، وإنّي جئت لأنقدهم الثّمن ، فوجدتك نائماً وإذا المفتاح

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٣ : أبراراً.

(٢) في ق ٤ : لاخبرتهم ، وفي ق ٢ : لأجزتهم ، وفي البحار : لاجيزت.

(٣) في ق ٣ : جلدها.

(٤) في ق ٢ : فجاءهم.

١٥٩

تحت رأسك ، فكرهت أن أوقظك ، وأنّ القوم أخذوا متاعهم ورجعوا ، فقال الشّيخ : أحسنت يا بنيّ فهذه البقرة لك بما صنعت وكانت بقيّة كانت لهم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انظروا ماذا صنع به البرّ (١).

١٧٥ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد ، عن الحجّال ، عن مقاتل (٢) ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال : إنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرةً ، وكان يجزيهم ما ذبحوا وما تيسّر لهم من البقر ، فعنتوا (٣) وشدّدوا فشدّد عليهم (٤).

١٧٦ ـ وعن أحمد بن محمّد ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن محمّد بن عبيدة ، قال : دخلت على الرّضا صلوات الله عليه فبعث إلى صالح بن سعيد فحضرنا جميعاً فوعظنا ، ثمّ قال : إنّ العابد من بني إسرائيل لم يكن عابداً حتّى يصمت عشر سنين ، فاذا صمت عشر سنين كان عابداً ، ثم قال : ابوجعفر عليه السّلام : كن خيراً لا شرّ معه. كن ورقاً لا شوك معه ولا تكن شوكاً لا ورق معه وشرّاً لا خير معه.

ثمّ قال : إنّ الله تعالى يبغض القيل والقال وايضاع المال وكثرة السّؤال ، ثمّ قال : إنّ بني إسرائيل شدّدوا فشدّد الله عليهم ، قال لهم موسى عليه السّلام : اذبحوا بقرة ، قالوا : ما لونها ؟ فلم يزالوا شدّدوا (٥) حتّى ذبحوا بقرة يُملأ (٦) جلدها ذهباً ، ثمّ قال : انّ علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : انّ الحكماء ضيّعوا الحكمة لما وضعوها عند غير أهلها (٧).

فصل ـ ٥ ـ

( في مناجاة موسى عليه السّلام )

١٧٧ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٢٦٥) ، برقم : (٣).

(٢) في ق ٣ وق ٤ والبحار : مقاتل بن مقاتل.

(٣) في ق ٤ : فغشوا.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٦) ، برقم : (٤).

(٥) في ق ١ : يشدّدون ، وفي ق ٣ : يشدّدوا.

(٦) في ق ١ : على ملاء ، وفي ق ٢ وق ٥ : بملاء.

(٧) بحار الانوار (٧٨ / ٣٤٥) ، برقم : (٣) مع إختلاف يسيرو (١٣ / ٢٦٦) ، برقم : (٥) بعضه وعن الكافي في (٧١ / ٤٠٣) ، ما يقرب من صدره.

١٦٠