قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ، ولكنّه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبَّه الله ، وناصح الله (١) فناصحه الله ، أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً ، ثمَّ رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر. وفيكم من هو على سنّته ، وأنّه خُيّر السّحاب الصّعب والسّحاب الذّلول ، فاختار الذّلول فركب الذّلول ، وكان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرّسل (٢).

١٢٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن الصّفار محمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن رجل ، عن خلّان عن سماك بن حرب بن حبيب (٣) ، قال : أتى رجلٌ عليّاً صلوات الله عليه فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين ، فقال له عليّ عليه السلام : سخّرت له السّحاب ، وقربت له الأسباب ، وبسط له في النّور ، فقال صلوات الله عليه : كان يبصر باللّيل كما يبصر بالنّهار (٤).

١٢٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن المثنى ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً لم يكن له قرن من ذهبٍ ولا من فضة ، بعثه الله في قومه ، فضربوه على قرنه الايمن. وفيكم مثله (٥) قالها ثلاث مرّات ، وكان قد وصف له عين الحياة ، وقيل له : من شرب منها شربة ، لم يمت حتى يسمع الصّيحة ، وأنّه خرج في طلبها حتّى أتى موضعاً كان في ثمانية وستّون عيناً ، وكان الخضر عليه السلام على مقدمته (٦) ، وكان من آثر أصحابه عنده ، فدعاه وأعطاه وأعطى قوماً من أصحابه كلّ واحد منهم (٧)

_________________________________

(١) في ق ٣ : ناصح لله.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١٩٤) ، برقم : (١٧).

(٣) في ق ٢ وق ٤ : عن سماك بن حرب عن أبي حبيب ، ولم يعرف ابوحبيب في هذه الطّبقة ، وسماك بن حرب عدّ من أصحاب الامام السّجاد عليه السلام ولم يذكر له جدّ مسمّى بـ « حبيب » على ما عن المقدسي والذهبي في ترجمته راجع قاموس الرجال (٥ / ٥) ، وتوفّي في سنة (١٢٣) ، فلا يمكن روايته عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٩٤) ، برقم : (١٨).

(٥) في البحار بعد قوله : الايمن زيادة وهي : فغاب عنهم ثمّ عاد إليهم فدعاهم فضربوه على قرنه الايسر وفيكم مثله.

(٦) في ق ١ : مقلقه ، وفي ق ٥ : مقلقله. قلقل الشيء : حركه.

(٧) في ق ١ : منكم.

١٢١

حوتاً مملوحاً.

ثمَّ قال : انطلقوا إلى هذه المواضع ، فيغسل كلّ رجل منكم حوته ، وأنّ الخضر انتهى الى عين من تلك العيون ، فلمّا غمس الحوت ووجد ريح الماء حيّى وانساب في الماء ، فلمّا رآى ذلك الخضر رمى بثيابه (١) وسقط في الماء ، فجعل يرتمس في الماء ويشرب رجاء أن يصيبها ، فلمّا رأى ذلك رجع ورجع أصحابه ، فأمر ذو القرنين بقبض السّمك ، فقال : انظروا فقد تخلفت سمكة واحدة ، فقالوا : الخضر صاحبها فدعاه فقال : ما فعلت بسمكتك ، فأخبره الخبر ، فقال : ماذا صنعت قال : سقطت فيها أغوص وأطلبها فلم أجدها ، قال : فشربت من الماء قال : نعم قال : فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها ، فقال الخضر : أنت صاحبها وأنت الّذي خلقت لهذه العين.

وكان اسم ذي القرنين عيّاشاً ، وكان أوّل الملوك بعد نوح عليه السلام ملك ما بين المشرق والمغرب (٢).

فصل ـ ٣ ـ

١٢٤ ـ وباسناده عن محمّد بن أورمة ، حدّثنا محمّد بن خالد ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : حجّ ذو القرنين في ستمائة ألف فارس ، فلمّا دخل الحرم شيّعه بعض أصحابه إلى البيت ، فلمّا انصرف قال : رأيت رجلاً ما رأيت أكثر نوراً ووجهاً منه ، قالوا : ذاك إبراهيم خليل الرّحمن صلوات الله عليه ، قال : اسرجوا (٣) فاسرجوا ستمائة دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة ، قال : ثمَّ قال ذو القرنين : لا بل نمشي إلى خليل الرّحمن ، فمشى ومشى معه بعده أصحابه النقباء (٤).

قال إبراهيم عليه السلام : بم قطعت الدّهر ؟ قال : بأحد عشر كلمة : وهي : سبحان من هو باق لا يفنى ، سبحان من هو عالم لا ينسى ، سبحان من هو حافظ لا يسقط ، سبحان

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : ثيابه.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٠٠) ، برقم : (١٩) ومن قوله : وكان اسم ذي القرنين في (١٢ / ١٧٥) ، برقم : (١).

(٣) في البحار : وتسرجوا.

(٤) في البحار : ومشى معه أصحابه حتّى التقيا ، ولعلّه الصّحيح.

١٢٢

من هو بصير لا يرتاب ، سبحان من هو قيّوم لا ينام ، سبحان من هو ملك لا يرام ، سبحان من هو عزيز لا يضام ، سبحان من هو محتجب لا يُرى ، سبحان من هو واسع لا يتكلّف ، سبحان من هو قائم لا يلهو ، سبحان من هو دائم لا يسهو (١).

١٢٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، حدّثنا محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن شريف بن سابق التّفليسي ، عن أسود بن رزين القاضي قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام ولم يكن رآني قطّ ، فقال من أهل السدّ أنت ، فقلت من أهل الباب ، فقال الثانية : من أهل السّد أنت ، قلت : من أهل الباب ، قال : من أهل السّد ، قلت : نعم ذاك السّد (٢) الّذي عمله ذو القرنين(٣).

١٢٦ ـ وروي عن عبد الله بن سليمان ، وكان رجل قرأ الكتب : أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل الاسكندريّة ، وأمّه عجوز من عجائزهم ، ليس لها ولد غيره يقال له : إسكندروس ، وكان له أدب وخلق وعفة من وقت صباه إلى أن بلغ رجلاً ، وكان رآى في المنام أنه دنى من الشمس فأخذ بقرنها في شرقها وغربها ، فلمّا قصّ رؤياه على قومه سمّوه ذا القرنين ، فلمّا رآى هذه الرّؤية بعدت همّته وعلا صوته وعزّ في قومه.

فكان أوّل ما اجتمع عليه أمره أن قال : أسلمت لله عزّ وجلّ ، ثمّ دعا قومه إلى الاسلام ، فأسلموا هيبة له ، وانطلق ذو القرنين حتّى امعن في البلاد يؤم المغرب حتّى انتهى إلى الجبل الّذي هو محيط بالأرض ، فاذا هو بملك قابض على الجبل ، وهو يقول : سبحان ربّي من أوّل الدّنيا إلى آخرها ، سبحان ربّي من موضع كفّي إلى عرش ربّي ، سبحان ربّي من منتهى الظّلمة الى النّور. فلمّا سمع ذلك ذو القرنين خرّ ساجداً ، فلمّا رفع رأسه قال له الملك : كيف قويت يابن آدم على مبلغ هذا الموضع ؟ ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك قال : قوّاني الله على ذلك.

فقال الملك : إنّي موكَّل بهذا الجبل ، ولولا هذا الجبل لانكفأت الأرض بأهلها ، رأس هذا الجبل ملتصق بسماء الدّنيا ، وأسفله في الأرض السّابعة السّفلى ، وهو محيط بها

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١٩٥) ، برقم : (٢٠) و (٩٣ / ١٨٢) ، برقم : (١٨).

(٢) في البحار : قال ذاك السد.

(٣) بحار الانوار (١٢ / ١٩٦) ، برقم : (٢٢) و (٤٨ / ٥٠) ، برقم : (٤٣).

١٢٣

كالحقلة ، وليس على وجه الارض مدينة إلّا ولها عرق إلى هذا الجبل ، فاذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينةً أوحى اليّ ، فحرّكت العرق الّذي إليها.

فلمّا أراد ذو القرنين الرّجوع قال : للملك أوصني قال : لا يُهِمَّنك رزق غد ، ولا تؤخّر عمل اليوم لغدٍ ، ولٰا تحزن على ما فاتك وعليك بالرّفق ، ولا تكن جباراً متكبراً.

ثمَّ إنّ ذا القرنين عطف على أصحابه ، ثمَّ عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم ، فيفعل بهم مثل ما فعل بأُمم المغرب من العدل ، فبينما هو يسير إذ وقع على الأُمّة المحاكمة من قوم موسى صلوات الله عليه الّذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أمّة عادلةً فقال لهم : أخبروني إنّي درت الدّنيا فلم أرَ مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم ؟

قالوا : لئلّا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا.

قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟

قالوا : ليس فينا متّهم ولا ظنين ولا لصّ ، وليس فينا إلّا أمين.

قال : فما بالكم ليس عليكم أمرآء ؟ قالوا : لا نتظالم.

قال : فما بالكم ليس بينكم حكّام ؟ قالوا : لا نختصم.

قال : فما بالكم ليس منكم ملوك ؟ قالوا : لا نتكاثر (١).

قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف ؟ قالوا : لا نتنافس.

قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا : من قبل انّا متواسون ومتراحمون.

قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تغتالون قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وإصلاح ذات البين.

قال : فما بالكم لا تسبُّون ولا تقتلون ؟ قالوا : من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسنا أنفسنا (٢) بالحلم.

قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟ قالوا : من قبل انا لا نتكاذب

_________________________________

(١) الزّيادة من البحار وبعض النّسخ من القصص.

(٢) في ق ٤ : ووسمنا أنفسنا ، وفي البحار : وسننا.

١٢٤

ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً.

قال : فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنّا نقتسم (١) بالسّوية.

قال : فما بالكم ليس فيكم فظٍّ ولا غليظٌ ؟ قالوا : من قبل الذّلّ والتّواضع.

قال : فلم جعلكم الله أطول النّاس أعماراً ؟ قالوا : من قبل أنّا نتعاطى بالحقّ ونحكم بالعدل.

قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : من قبل أنّا لا نغفل عن الاستغفار.

قال : فما بالكم لا تحردون(٢) ؟ قالوا : من قبل أنّا وطّنا أنفسنا على البلاء وحرصنا عليه فعزّينا (٣) أنفسنا.

قال : فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا : من قبل أنّا لا نتوكّل على غير الله تعالى ولا نستمطر بالانواء والنّجوم.

قال : فحدّثوني أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون ؟ قالوا : وجدنا آبائنا يرحمون مسكينهم ، ويواسون فقيرهم ، ويعفون عمّن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء اليهم ، ويستغفرون لمن سبَّهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدّون أمانتهم ، ويصدقون ولا يكذبون ، فأصلح الله بذلك أمره.

فأقام عندهم ذو القرنين حتّى قبض ، ولم يكن له فيهم عمر ، وكان قد بلغ السّن وأدرك الكبر ، وكان عدّة ما سار في البلاد الى يوم قبضه الله تعالى خمسمائة عام (٤).



_________________________________

(١) في ق ٤ والبحار : نقسم.

(٢) في البحار : لا تحزنون ، وفي ق ٣ : لا تجأرون.

(٣) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : فعرينا.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٨٣ ـ ١٩٣) عن كمال الدين ، ورواه الصدوق مسنداً عن عبد الله بن سليمان في اكمال الدين ص (٣٩٤ ـ ٤٠٦) ، برقم : (٥).

١٢٥

الباب السّادس

( في نبوّة يعقوب ويوسف عليهما السّلام )

١٢٧ ـ أخبرنا الشّيخ ابوسعد الحسن بن علي الآرابادي (١) ، والشيّخ ابوالقاسم الحسن بن محمّد الحديقي ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، قال : صلّيت مع علي بن الحسين صلوات الله عليهما الفجر يوم الجمعة ، فنهض إلى منزله وأنا معه ، فدعا مولاةً له فقال : لا يقف اليوم على بابي سائل إلّا أطعمتموه ، فانّ اليوم يوم الجمعة قلت : ليس كلّ سائل محقّ.

فقال : أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّاً فلا نطعمه ونردّه ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله عليهم السّلام أطعموهم ، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً ، فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه ، وأنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً قوّاماً محقّاً له عند الله منزلة كان مجتازاً غريباً إعتر بباب يعقوب عشيّة الجمعة عند أوان إفطاره ، فهتف على بابه : أطعموا السّائل الغريب الجائع من فضل طعامكم. فلمّا يئس شكا جوعه إلى الله تعالى وبات خاوياً وأصبح صائماً ، وبات يعقوب وآله شباعاً بطاناً ، وأصبحوا عندهم فضلة من طعام ، فأوحى الله تعالى إلى يعقوب صلوات الله عليه : استوجبت بلواي أو ما علمت أنّ البلوى إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي ، وذلك حسن نظر منّي لأوليائي ، استعدّوا لبلائي.

_________________________________

(١) راجع رياض العلماء (٢ / ٤٣٦) فانّ اللّقب بهذا النّحو مضبوط فيه فقط.

١٢٦

فقلت لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما : متى رأى الرّؤيا ؟ قال : في تلك اللّيلة الّتي بات فيها يعقوب صلوات الله عليه وآله شباعاً ، وبات فيها ذلك الغريب جائعاً ، فلمّا قصّها على أبيه اغتمّ يعقوب لما سمع من يوسف مع ما أوحي إليه : أن استعدّ للبلاء ، وكان اوّل بلوى نزل بآل يعقوب الحسد ليوسف عليه السّلام ، فلمّا رآى إخوة يوسف كرامة أبيه إيّاه اشتدّ عليهم فتآمروا حتّى قالوا : « أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ » (١) فلمّا خرجوا به أتوا به غيضة أشجار ، فقالوا نذبحه ونلقيه تحت شجرة يأكله الذّئب ، فقال كبيرهم : لا تقتلوه ولكن ألقوه في غيابة الجبّ فألقوه فيه ، وهم يظنّون أنّه يغرق فيه.

فلمّا أمسوا رجعوا إلى أبيهم « عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ » (٢) فاسترجع وعبر فصبر وأذعن للبلوى ، وقال : « بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ » (٣) ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذّئب.

قال ابوحمزة : ثمّ انقطع حديث علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه ، فلمّا كان من الغدو عدوت اليه ، فقلت : إنّك حدّثت أمس بحديث يعقوب ، فما كان من قصّة إخوة يوسف بعد ذلك ؟ فقال : إنّهم لمّا أصبحوا قالوا : انطلقوا بنا حتّى نظر ما حال يوسف أمات أم هو حيّ ؟ فلمّا انتهوا إلى الجبّ وجدوا سيّارة قد أرسلوا واردهم ، فأدلى دلوه فمّا جذب الدّلو إذا هو بغلام متعلق بدلوه ، فلمّا أخرجه قال إخوة يوسف : هذا عبدنا سقط أمس في هذا الجبّ وجئنا اليوم لنخرجه ، فانتزعوه منه وقالوا له : إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبد لنا ، فنبيعك من بعض هذه السّيارة أو نقتلك ، قال : اصنعوا ما شئتم ، فأقبلوا الى السيّارة وقالوا لهم : آمنكم من يشتري هذا العبد منّا ؟ فاشتراه بعضهم بعشرين درهماً وسار من اشتراه حتّى أدخله مصر.

فقلت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام : إبن كم كان يوسف صلوات الله عليه يوم ألقيَ في الجبّ ؟ قال : كان ابن تسع سنين قلت : فكم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر ؟ قال : مسيرة اثنى عشر يوماً. وكان يوسف عليه السّلام من أجمل أهل زمانه ، فاشتراه العزيز

_________________________________

(١) سورة يوسف : (١٢).

(٢) سورة يوسف : (١٦ ـ ١٧).

(٣) سورة يوسف : (١٨).

١٢٧

وراودته امرأته ، فقال : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون ، فأفلت منها هارباً إلى الباب ، فلحقته فجذبت قميصه من خلفه « وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ » (١) فهمّ الملك بعذاب يوسف عليه السّلام ، فقال يوسف عليه السلام هي راودتني فاسأل هذا الصّبيّ ، فأنطق الله الصّبيّ بفصل القضاء ، فقال أيّها الملك : انظر إلى قميص يوسف ، فان كان مقدوداً من قدّامه فهو الّذي راودها ، وإن كان مقدوداً من خلفه فهي الّتي راودته ، فأفزع الملك ذلك ودعى بالقميص ونظر إليه فرآه مقدوداً من خلفه قال : إنّه من كيدكنّ وقال ليوسف : اكتم هذا.

فلمّا شاع أمر امرأة العزيز والنّسوة اللّآتي قطّعن أيديهنّ ، سُجن يوسف عليه السّلام ، ودخل معه السّجن فتيان ، وكان من قصّته ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز (٢).

فصل ـ ١ ـ

١٢٨ ـ وباسناده عن ابن محبوب ، عن الحسن بن عمارة ، عن مسمع أبي سيّار (٣) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا ألقى إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل ، فقال : يا غلام من طرحك في هذا الجبّ ؟ فقال : إخوتي بمنزلتي من أبي حسدوني ، قال : أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ ؟ قال : ذلك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، قال : فانّ الله يقول لك : قل : اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت ، بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإِكرام ، ان تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب (٤).

١٢٩ ـ وباسناده عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر ، عن الرّضا عليه السّلام في قوله تعالى : « وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ » (٥) قال : كانت

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٢٥).

(٢) بحارالانوار (١٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٦) ، برقم : (٤٨) عن علل الشرائع مبسوطاً. وما هو المذكور هنا زبدته ومختصره.

(٣) في البحار : عن أبي سيّار ، وهو مسمع بن عبد الملك كردين.

(٤) بحار الانوار (٩٥ / ١٨٩) ، برقم : (١٦) و (١٢ / ٢٤٨) ، برقم : (١٣).

(٥) سورة يوسف : (٢٠).

١٢٨

عشرين درهماً والبخس : النقص ، وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل (١).

١٣٠ ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن أبي إسماعيل الفرّا ، عن طربال ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا أمر الملك بحبس يوسف عليه السّلام في السّجن ألهمه الله تأويل الرّؤيا ، فكان يعبر لأهل السّجن رؤياهم (٢).

١٣١ ـ وعن ابن أبي نصر ، عن أبي جميلة ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كان يوسف عليه السّلام بين أبويه مكرّماً ، ثمّ صار عبداً ، فصار ملكاً (٣).

١٣٢ ـ وعن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن حماد بن عثمان ، عن جميل ، عن سليمان بن عبد الله الطّلحي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : مٰا حال بني يعقوب ؟ هل خرجوا عن الايمان ؟ فقال : نعم. قلت : فما تقول في آدم عليه السّلام ؟ قال : دع آدم (٤).

١٣٣ ـ وعن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنّان بن سدير قال : قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : أكان أولاد يعقوب أنبياء ؟ قال : لا ، ولكنّهم كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء ، ولم يفارقوا إلّا سعدآء ، تابوا وتذكّروا ممّا صنعوا (٥).

فصل ـ ٢ ـ

١٣٤ ـ وأخبرنا الشّيخ ابوعلي الفضل بن الحسن بن الفضل الطّبرسي ، عن جعفر الدّوريستي ، عن الشّيخ المفيد ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن عليّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لمّا فقد يعقوبُ يوسف عليهما السّلام اشتدّ حزنه وتغيّر حاله ، وكان يمتار القمح من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٢٢٢).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٠) ، برقم : (٧٢) و (٦١ / ١٧٢) ، برقم : (٣٠).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٠) ، برقم : (٧٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١) ، برقم : (٧٤).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ٢٩١) ، برقم : (٧٥).

١٢٩

مصر لعياله في السّنة مرّتين في الشّتاء والصّيف ، فانّه بعث عدّة من ولده ببضاعة يسيرة مع رفقة خرجت ، فلمّا دخلوا على يوسف عليه السّلام عرفهم ولم يعرفوه ، فقال : هلمّوا بضاعتكم حتّى أبدأ بكم قبل الرّفاق وقال لفتيانه : عجّلوا لهؤلاء بالكيل وأوقروهم ، واجعلوا بضاعتهم في رحالهم إذا فرغتم.

وقال يوسف لهم : كان أخوان من أبيكم فما فعلا ؟ قالوا : أمّا الكبير منهما فانّ الذّئب أكله ، وأمّا الأصغر فخلّفناه عند أبيه ، وهو به ضنين وعليه شفيق. قال : إنّي أحبّ أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا ، ولمّا فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم فيها « قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا » (١) فلمّا احتاجوا إلى الميرة بعد ستّة أشهر بعثهم ، وبعث معهم ابن يامين ببضاعة يسيرة ، فأخذ عليهم « مَوْثِقًا مِّنَ اللَّـهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ » (٢) فانطلقوا مع الرّفاق حتّى دخلوا على يوسف ، فهيّأ لهم طعاماً وقال : ليجلس كلّ بني أمّ على مائدة ، فجلسوا وبقي ابن يامين قائماً ، فقال له يوسف : مالك لم تجلس ؟ فقال : ليس لي فيهم ابن أمّ ، فقال يوسف : فمالك ابن امّ ؟ قال : بلى زعم هؤلاء أنّ الذّئب أكله.

قال : فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال : ولد لي أحد عشر ابناً لكلّهم أشتق اسماً من اسمه ، فقال : اراك قد عانقت النّساء وشممت الولد من بعده ، فقال : انّ لي أباً صالحاً قال لي : تزوّج لعلّ الله أن يخرج منك ذريةً تثقّل الأرض بالتّسبيح ، قال يوسف : فاجلس معي على مائدتي ، فقال إخوة يوسف : لقد فضّل الله يوسف وأخاه حتّى أنّ الملك قد أجلسه معه على مائدته ، وقال لابن يامين : إنّي أنا أخوك فلا تبتئس بما تراني أفعل واكتم ما أخبرتك ، ولا تحزن ولا تخف.

ثمّ أخرجه إليهم وأمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم ويعجّلوا لهم الكيل ، فاذا فرغوا جعلوا (٣) المكيال في رحل أخيه ابن يامين ، ففعلوا ذلك وارتحل القوم مع الرّفقة ، فمضوا ولحقهم فتية يوسف ، فنادوا « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ » (٤) قالوا : « مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٦٥).

(٢) سورة يوسف : (٦٦).

(٣) كذا في ق ١ وفي بقية النّسخ والبحار : فاجعلوا.

(٣) سورة يوسف : (٧٠).

١٣٠

نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ... قالوا : وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ قالوا : فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ قالوا : « جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ » « فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ » « قَالُوا : إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ » (١) ثمّ « قَالُوا : يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ » « قَالَ : مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ » (٢) قال كبيرهم : إنّي لست أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي.

فمضى إخوة يوسف حتّى دخلوا على يعقوب صلوات الله عليه ، فقال لهم : أين ابن يامين ؟ قالوا : سرق مكيال الملك ، فحبسه عنده ، فاسأل أهل القرية والعير حتّى يخبروك بذلك ، فاسترجع يعقوب واستعبر حتّى تقوّس ظهره ، فقال يعقوب : يابنيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ، فخرج منهم نفر وبعث معهم بضاعة وكتب معهم كتاباً إلى عزيز مصر يعطفه على نفسه وولده.

فدخلوا على يوسف بكتاب أبيهم ، فأخذه وقبّله وبكى ، ثمّ أقبل عليهم فقال : « هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ » قالوا : أأنت يوسف ؟ « قَالَ : أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي » وقال يوسف : « لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ » و « اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا » بلّته دموعي « فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ » (٣).

فأقبل ولد يعقوب عليه السّلام يحثّون السّير بالقميص ، فلمّا دخلوا عليه قال لهم : ما فعل ابن يامين ؟ قالوا : خلّفناه عند أخيه صالحاً ، فحمد الله عند ذلك يعقوب وسجد لربّه سجدة الشكر واعتدل ظهره ، وقال لولده : تحملوا إلى يوسف من يومكم ، فساروا في تسعة أيّام إلى مصر ، فلمّا دخلوا اعتنق يوسف أباه ورفع خالته ، ثم دخل منزله وأدهن ولبس ثياب الملك ، فلمّا رأوهُ سجدُوا شكراً لله ، وما تطيّب يوسف في تلك المدّة ولا مَسّ النّساء حتّى جمع الله ليعقوب صلوات الله عليه شمله (٤).

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٧٥ ـ ٧٧).

(٢) سورة يوسف : (٧٨ ـ ٧٩).

(٣) سورة يوسف : (٨٩ ـ ٩٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٩) ، برقم : (٧١).

١٣١

فصل ـ ٣ ـ

١٣٥ ـ وباسناده عن الصَّفار ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : ولمّا كان يوسف صلوات الله عليه في السّجن دخل عليه جبرئيل عليه السّلام ، فقال : إنّ الله تعالى ابتلاك وابتلى أباك وأنّ الله ينجّيك من هذا السّجن ، فاسأل الله بحقّ محمّد وأهل بيته أن يخلّصك ممّا أنت فيه ، فقال يوسف : اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وأهل بيته إلّا عجّلت فرجي وأرحتني ممّا أنا فيه.

قال جبرئيل عليه السّلام : فابشر أيّها الصّديق ، فانّ الله تعالى أرسلني إليك بالبشارة بانّه يخرجك من السّجن إلى ثلاثة أيّام ، ويملّكك مصر وأهلها تخدمك أشرافها ، يجمع إليك إخوتك وأباك ، فابشر أيّها الصّدّيق إنّك صفيّ الله وابن صفيّه. فلم يلبث يوسف عليه السّلام إلّا تلك اللّيلة حتّى رأى الملك رؤيا أفزعته ، فقصّها على أعوانه ، فلم يدروا ما تأويلها.

فذكر الغلام الّذي نجى من السّجن يوسف ، فقال له : أيّها الملك أرسلني إلى السّجن ، فإِنّ فيه رجلاً لم ير مثله حلماً وعلماً وتفسيراً ، وقد كنت أنا وفلان غضبت علينا وأمرت بحبسنا رأينا رؤيا ، فعبَّرها لنا وكان كما قال ، ففلان صلب وأمّا أنا فنجوت فقال له الملك : انطلق إليه ، فدخل وقال : يا يوسف : « أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ » (١) فلمّا بلغ رسالة يوسف الملك قال : « ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي » (٢) فلمّا بلغ يوسف رساله الملك قال : كيف أرجو كرامته وقد عرف برآءتي وحبسني سنين ، فلمّا سمع الملك أرسل إلى النّسوة فقال ما خطبكنّ : « قُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ » (٣).

فأرسل إليه وأخرجه من السّجن ، فلمّا كلّمه أعجبه كماله وعقله ، فقال له : أقصص رؤياي فانّي أريد أن أسمعها منك ، فذكّره يوسف كما رأى وفسّرها. قال الملك : صدقت

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٤٦).

(٢) سورة يوسف : (٥٤).

(٣) سورة يوسف : (٥١).

١٣٢

فمن لي بجمع ذلك وحفظه ؟ فقال يوسف : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنّي مدبّره والقيّم به في تلك السّنين ، فقال له الملك : صدقت دونك خاتمي وسريري وتاجي.

فأقبل يوسف على جمع الطّعام في السّنين السّبع الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله ، ثمّ أقبلت السّنون الجدبة ، أقبل يوسف عليه السّلام على بيع الطّعام ، فباعهم في السّنة الاولى بالدّراهم والدّينار ، حتّى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلّا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة الثّانية بالحلي والجواهر حتّى لم يبق بمصر حليّ ولا جوهر إلّا صار في مملكته ، وباعهم في السّنة الثّالثة بالدّواب والمواشي حتّى لم يبق بمصر وما حولها دابّة ولا ماشية إلّا صارت في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة الرّابعة بالعبيد والإِماء حتّى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلّا وصار في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة الخامسة بالدّور والعقار حتّى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار إلّا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة السّادسة بالمزارع والأنهار حتّى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة إلّا صار في مملكة يوسف عليه السّلام ، وباعهم في السّنة السّابعة برقابهم حتّى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرًّ إلّا صار في مملكة يوسف عليه السّلام وصاروا عبيداً له.

فقال يوسف للملك : ما ترى فيما خوّلني ربّي ؟ قال : الرّأي رأيك ، قال : إنّي أشهد الله وأشهدك أيُّها الملك انّي أعتقت أهل مصر كلّهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلّا بسيرتي ، ولا تحكم إلّا بحكمي ، فالله أنجاهم على يديّ ، فقال الملك : إنّ ذلك لديني (١) وفخري ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّك رسوله ، وكان من إخوة يوسف وأبيه عليهم السّلام ما ذكرته (٢).

فصل ـ ٤ ـ

١٣٦ ـ وأخبرنا الشّيخ ابوالحسين أحمد بن محمّد بن عليّ بن محمّد الرّشكي (٣) ، عن

_________________________________

(١) في هامش البحار عن نسخة : لزيني ، وهو أنسب.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٣) ، برقم : (٧٦).

(٣) في ق ١ وق ٢ وق ٥ : الرشكي وهو الموافق لما في الرياض (٢ / ٤٣٦) وفي ق ٤ : اليشكري ، وعن بعض : الزّشكي ، وزشك قرية من قرى مشهد الرّضا عليه السلام.

١٣٣

جعفر بن محمّد ، عن جعفر بن أحمد ، عن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي (١) ، عن الحسن الواسطي ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قدم أعرابيٌ على يوسف ليشتري طعامه فباعه ، فلمّا فرغ قال له يوسف : أين منزلك ؟ قال : موضع كذا وكذا قال : إذا مررت بوادي كذا وكذا ، فقف فناد : يا يعقوب هو يقرؤك السّلام ويقول لك : إنّ وديعتك عند الله لن تضيع.

قال : فمضى الاعرابي حتى انتهى إلى الموضع ، فقال لغلمانه : احفظوا على الابل ، ثم نادى يا يعقوب ، فخرج إليه رجل طويل جميل ، فقال له الاعرابي : أنت يعقوب ؟ قال : نعم ، فأبلغه ما قال له يوسف صلوات الله عليه ، قال : فسقط مغشيّاً عليه ، ثمّ أفاق فقال يا أعرابي : ألك حاجة إلى الله جلّ وعلا ؟ قال : نعم إنّي رجل كثير المال ولي بنت عم ليس يولد لي منها ، فأحبّ أن تدعو الله أن يرزقني ولداً ، قال : فتوضّأ يعقوب عليه السّلام وصلّى ركعتين ، ثمّ دعى الله تعالى ، فرزق له أربعة أبطن في كلّ بطن اثنان (٢).

١٣٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : أخبرني عن يعقوب عليه السّلام حين قال لولده : يا بنيّ اذهبوا فتجسّسوا من يوسف وأخيه ، أكان عالماً بأنّه حيّ ؟ قال : نعم قلت : فكيف ذلك ؟ قال : ان هبط (٣) عليه ملك الموت.

قال يعقوب عليه السّلام ليوسف : حدّثني كيف صنع بك إخوتك ؟ قال : يا أبت دعني ، فقال أقسمت عليك إلّا أخبرتني ، قال : أخذوني فأقعدوني على رأس الجبّ ، ثم

_________________________________

(١) في ق ٢ : ابن أورمة عن أحمد بن محمد بن المحسن الميثمي ، وفي البحار : عن أحمد بن محسن.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٨٥) عن كمال الدين. وراجع كمال الدين ص (١٤١) ، برقم : (٩).

(٣) في ق ١ : انه يهبط. وفي ق ٣ بعد قوله : فكيف ذلك ؟ قال : كان يهبط عليه ملك الموت فسأله هل مرّ بك روح يوسف ؟ قال : لا ، نعلم حياته ، قال : اذهبوا فتحسّسوا من يوسف ، فانّه ألقي في روعي على أن يوسف احتال على أخيه. وبإسناده المذكور بأنه طلب يعقوب من يوسف إخباره بصنع إخوته ، فاستعفى فأقسم عليه ، فقال : أقعدوني على رأس الجبّ وطلبوا نزع قميصي ، فسألتهم بوجهك لا يبدوا عورتي ، فرفع فلان السكين عليّ فقال : انزع ، فصاح يعقوب ووقع مغشياً عليه ، فأفاق فطلب التّكملة فسأله بآبائه أن يكف ، فتركه.

١٣٤

قالوا لي : انزع قميصك ، قلت لهم : إنّي أسألكم بوجه يعقوب ألّا تنزعوا قيمصي ، وتبدوا عورتي ، فرفع فلان عليّ السّكين وقال : انزع ، فصاح يعقوب عليه السّلام وسقط مغشيّاً عليه ثمّ أفاق فقال : يا بنيّ كيف صنعوا بك ؟ قال : إنّي أسألك بآل إبراهيم وإسحاق وإسماعيل إلّا أعفيتني عنه ، فتركه (١).

فصل ـ ٥ ـ

١٣٨ ـ وعن ابن بايويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ، حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علا ، عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أخبرني عن يعقوب عليه السلام كم عاش مع يوسف بمصر بعدما جمع الله ليعقوب شمله ، وأراه تأويل رؤيا يوسف الصّادقة ؟ قال : عاش حولين ، قلت : فمن كان الحجّة في الأرض ، يعقوب أم يوسف ؟ قال : كان يعقوب الحجّة ، وكان الملك ليوسف ، فلمّا مات يعقوب صلوات الله عليه حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشّام ، فدفنه في بيت المقدس ، وكان يوسف بعد يعقوب الحجة ، قلت : فكان يوسف رسولاً نبيّاً ؟ قال : نعم أما تسمع قول الله تعالى : « وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ » (٢).

١٣٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال : احتبس المطر عن بني إسرائيل ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اخرج عظام يوسف من مصر ووعده نزول المطر إذا أخرج عظامه ، فسأل موسى عليه السّلام عمّن يعلم موضعه ، فقيل : ها هنا عجوز تعلم علمه ، فبعث موسى اليها ، فأتي بعجوز مقعدة عمياء ، فقال لها : أتعرفين موضع قبر يوسف عليه السّلام قالت : نعم ، قال : فأخبريني ، فقالت : لا ، حتّى تعطيني أربع خصال : تطلق لي رجلي ، وتعيد إليّ شبٰابي ، وتعيد إليّ بصري ، وتجعلني معك في الجنّة ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٢٧٧) ، برقم : (٥٠) عن العلل مع اختلاف يسير في السّند والمتن. و (١٢ / ٢٤٤) عن تفسير القمي و (١٢ / ٣١٩) عن العياشي ، وراجع تفسير القمي (١ / ٣٥٧).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٥) ، برقم : (٧٧) ، سورة غافر : ٣٤.

١٣٥

فكبر ذلك على موسى ، فأوحى الله تعالى إليه : أعطها ما سألت ، فانّك انّما تعطي عليّ ، ففعل فدلته عليه ، فاستخرجه من شاطيء النّيل من تابوت في صندوق ، فلمّا أخرجه نزل المطر ، فحمله إلى الشّام ، فلذلك تحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشّام.

١٤٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : لمّا صار يوسف عليه السلام إلى ما صار إليه تعرضت له امرأة العزيز ، فقال لها : من أنتِ ؟ قالت : أنا تيكم ، فقال لها : انصرفي فانّي ساغنيك ، قال : فبعث اليها بمائة ألف درهم (١).

١٤١ ـ وبهذا الاسناد عن بعض أصحابنا ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إنّ يوسف لما تزوّج امرأة العزيز وجدها عذراء ، فقال لها : ما حملك على الّذي صنعت ؟ قالت : ثلاث خصال : الشّباب ، والمال ، وانّي كنت لا زوج لي ، يعني : كان الملك عنّيناً (٢).

١٤٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا يرفعه ، قال : إنّ ! امرأة العزيز احتاجت ، فقيل لها : لو تعرّضت ليوسف صلوات الله عليه ، فقعدت على الطّريق ، فلمّا مرّ بها قالت : الحمد لله الّذي جعل العبيد بطاعتهم لربّهم ملوكاً ، والحمد لله الّذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً ، قال : من أنت ؟ قالت : أنا زليخا فتزوّجها (٣).

فصل ـ ٦ ـ

١٤٣ ـ أخبرنا هبة الله بن دعويدار ، عن أبي عبد الله الدّوريستي ، عن جعفر بن أحمد المريسي ، عن ابن بابويه ، عن جعفر بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه عبد الله بن المغيرة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليها ، قال : استأذنت زليخا على يوسف ، فقيل لها : إنّا نخاف بقدم (٤) أن تقدمي عليه لما كان منك ، قالت : أنا لا أخاف من يخاف الله ، فلمّا

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٧٨).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٧٩).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٨٠).

(٤) أي : بجرأة وشجاعة ، وفي البحار (١٢ / ١٨٢) عن القصص والعلل : أنّا نكره أن تقدم.

١٣٦

دخلت عليه قال لها : يا زليخا ما لي أراكِ قد تغيّر لونِك ، قالت : الحمد لله الّذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً ، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً.

قال لها : ما الّذي دعاكِ إلى ما كان منكِ ؟ قالت : حسن وجهك يا يوسف ، قال : فكيف لو رأيت نبيّاً يقال له : محمّد صلى الله عليه وآله يكون في آخر الزّمان يكون أحسن منّي وجهاً ، وأحسن منّي خلقاً ، وأسمح منّي كفّاً ، قالت : صدقت ، قال : فكيف علمت أني صدقت ؟ قالت : لأنّك حين ذكرته وقع حبّه في قلبي ، فاوحى الله تعالى الى يوسف أنّها صدقت إنّي قد أحببتها لحبّهٰا محمّد صلى الله عليه وآله ، فأمره الله تعالى أن (١) يتزوّجها (٢).

١٤٤ ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام ، قال : لمّا دخل يوسف صلوات الله عليه على الملك يعني نمرود ، قال : كيف أنت يا ابراهيم ؟ قال : انّي لست بابراهيم أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : وهو صاحب إبراهيم الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه قال : وكان أربعمائة سنة شاباً (٣).

١٤٥ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن يزيد بن إسحاق ، عن يحيى الأزرق ، عن رجل ، عن الصّادق صلوات الله وسلامه عليه قال : كان رجل من بقيّة قوم عاد قد أدرك فرعون يوسف ، وكان أهل ذلك الزّمان قد ولعوا بالعادي يرمونه بالحجارة ، وأنّه أتى فرعون يوسف ، فقال : أجرني عن النّاس وأحدّثك بأعاجيب رأيتها ولا أحدّثك الّا بالحق ، فأجاره فرعون ومنعه وجالسه وحدّثه ، فوقع منه كلّ موقع ، ورآى منه أمراً جميلاً.

قال : وكان فرعون لم يتعلق على يوسف بكذبة ولا على العادي ، فقال فرعون ليوسف : هل تعلم أحداً خيراً منك ؟ قال : نعم أبي يعقوب ، قال : فلمّا قدم يعقوب عليه السّلام على فرعون حيّاه بتحية الملوك ، فأكرمه وقربه وزاده إكراماً ليوسف ، فقال فرعون ليعقوب عليه السّلام : يا شيخ كم أتى عليك ؟ قال : مائة وعشرون سنة ، قال العادي : كذب فسكت

_________________________________

(١) في أغلب النّسخ المخطوطة : ان يزوّجها.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢) ، برقم : (٦٠) ، وإثبات الهداة (١ / ١٩٧) في الباب (٧) الفصل (١٧) الخبر المرقم (١٠٩).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٤٢) ، برقم : (٣٢) و (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٨١).

١٣٧

يعقوب ، وشقّ ذلك على فرعون حين كذّبه ، فقال فرعون ليعقوب عليه السلام : كم أتى عليك ؟ قال : مائة وعشرون سنة ، قال العادي : كذب ، فقال يعقوب صلوات الله وسلامه عليه : اللّهم إن كان كذب فاطرح لحيته على صدره ، قال : فسقطت لحيته على صدره فبقي واجباً (١).

فهال ذلك فرعون وقال ليعقوب : عمدت إلى رجل أجرته فدعوت عليه ، أحبّ أن تدعو إلهٰك بردّه ، فدعا له فردّه الله إليه ، فقال العادي : انّي رأيت هذا مع إبراهيم خليل الرّحمن في زمن كذا وكذا. قال يعقوب : ليس أنا الذي رأيته إنّما رأيت إسحاق ، فقال له : فمن أنت ؟ قال : أنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم ، فقال العادي : صدق ، ذلك الّذي رأيته ، فقال : صدق وصدقت (٢).

١٤٦ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، حدثنا موسى بن جعفر البغدادي ، عن ابن معبد (٣) ، عن عبد الله الدّهقان ، عن درست ، عن أبي خالد (٤) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : دخل يوسف صلوات الله عليه السّجن وهو ابن اثني عشرة سنة ، ومكث بعدها ثمانية عشر ، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة وعشر سنين (٥).



_________________________________

(١) في النّسخ الخمسة المخطوطة : وجيا ، واحا ، واحبا ، وهذه الكلمة غير موجودة في البحار.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨) ، برقم : (٨٤).

(٣) في ق ٣ و ٤ : عليّ بن معبد.

(٤) في ق ٤ : ابن خالد ، وهو غلط. والصّحيح : عن أبي خالد القماط يزيد.

(٥) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٧).

١٣٨

الباب السّابع

( في ذكر أيوب وشعيب عليهما السّلام )

١٤٧ ـ وأخبرنا السّيد المرتضى بن الدّاعي الحسيني ، عن جعفر الدّوريستي ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ الخزّاز ، عن فضل الأشعري ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : ابتلي أيوب عليه السّلام سبع سنين بلا ذنب. وقال : ما سأل أيوب عليه السّلام العافية في شيءٍ من بلائه.

وقال : قال أبي صلوات الله وسلامه عليه : إنّ أيوب ابتلي من غير ذنب وانّ الانبياء صلوات الله عليهم لا يذنبون ، لأنّهم معصومون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، وقال : انّ الله تعالى ابتلى أيوب بلا ذنب ، فصبر حتّى عُيّر ، والانبياء لا يصبرون على التّعيير (١).

١٤٨ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن علي ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال ذكر أيّوب عليه السلام ، فقال : قال الله جلّ جلاله : إنّ عبدي أيّوب ما أنعم عليه بنعمة إلّا ازداد شكراً ، فقال الشيطان : لو نصبت (٢) عليه البلاء ، فابتليته كيف صبره ، فسلّطه على إبله ورقيقه ، فلم

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٠) ، برقم : (١٨) من قوله : ما سأل وخرّج ما قبله عن العلل (١٢ / ٣٤٧) ، برقم : (٩) وما بعده في نفس الجزء ص (٣٤٨) برقم (١٣) عن الخصال إلى قوله : ولا كبيراً والبقيّة أوردها فيه ص (٣٤٧) برقم (١٠) عن العلل.

(٢) في البحار : لو صببت ـ خ.

١٣٩

يترك له شيئاً غير غلام واحد.

فأتاه الغلام فقال : يا أيّوب ما بقي من إبلك ولا من رقيقك أحدٌ إلّا وقد مات فقال أيوب : الحمد لله الّذي أعطى والحمد لله الّذي أخذ (١) فقال الشّيطان : إنّ خيله أعجب إليه فسلّط عليها ، فلم يبق منها شيء إلّا هلك ، فقال أيوب : الحمد لله الّذي أعطى والحمد لله الّذي أخذ (٢). وكذلك ببقره ، وغنمه ، ومزارعه ، وأرضه ، وأهله ، وولده ، حتّى مرض مرضاً شديداً.

فأتاه أصحاب له ، فقالوا يا أيّوب : ما كان أحد من النّاس في أنفسنا ولا خير علانية خيراً عندنا منك ، فلعلّ هذا لشيء كنت أسررته فيما بينك وبين ربّك لم تطلع عليه أحداً ، فابتلاك الله من أجله ، فجزع جزعاً شديداً ودعى ربّه ، فشفاه الله تعالى وردّ عليه ما كان له من قليل أو كثيرٍ في الدّنيا ، قال : وسألته عن قوله تعالى : « وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً » (٣) فقال : الّذين كانوا ماتوا (٤).

١٤٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لمّا طال بلاء أيّوب عليه السّلام ، ورآى ابليس صبره أتى إلى أصحاب له كانوا رهباناً في الجبال ، فقال لهم : مرّوا بنا إلى هذا العبد المبتلى نسأله عن بليّته ، قال : فركبوا وجاؤوه ، فلمّا قربوا منه نفرت بغالهم فقرّبوها بعضاً إلى بعض (٥) ، ثمّ مشوا إليه وكان فيهم شابّ حدث فسلّموا على أيّوب وقعدوا ، وقالوا : يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك. فلا نرى تبتلي بهذا البلاء إلّا لأمر كنت تستره.

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٥ : الحمد لله الذي أخذه ، وفي غيرهما من النّسخ والبحار : الحمد لله الذي أعطاه والحمد لله الّذي أخذه.

(٢) في البحار هنا ذكر جملة واحدة فقط وهي : الحمد لله الّذي أخذ وترك الاخرى وهي : الحمد لله الذي أعطى. والظّاهر وقوع السّقط.

(٣) سورة ص : (٤٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٠) ، برقم : (١٩).

(٥) في بعض النّسخ : فقرّبوا بعضها من بعض.

١٤٠