العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الناشر :

إنّ دراسة الاصول الاعتقادية الاسلامية ، دراسة علميّة أكيدة تُشكل المعالم الكبرى في المنهج الاسلامي والصعيد الديني.

والبحث الأمين الذي يكشف عن حقيقة هذا الموضوع وحقّه هو ما قام على أساس كتاب الله الكريم ، وحديث أهل البيت عليهم‌السلام ، وحكم العقل الفطري السليم .. التي هي الأدلة الرضية ، والنزيهة عن كلِّ خطأ وخَطل.

وهذا الكتاب الذي بين يديك ، تجسيدٌ ، وتحقيقٌ صادق ، على هُدى هذه الحُجج الهادية ، فيكون جليلاً بجلالة موضوعه ، وكريماً بكرامة محتواه.

وقد طبع ثلاث مرّات :

الأولى في سنة ١٤١٩ هجرية ، بواسطة مجمع الذخائر الاسلامية. الثانية : في سنة ١٤٢٢ هجرية ، من قِبَل موسسة الامام الرضا عليه‌السلام الثقافية. الثالثة في سنة ١٤٢٦ هجرية ، بدار العلوم اللبنانية.

ومن دواعي السرور لدار الغدير التي عُنيت بخدمة التراث الديني ونشر البحث الاسلامي أن تتصدّى لطبع هذا السِفر العلمي في حُلّته القشيبة ، كما أود أن أقدّم شكري وتقديري للأخ السيد أياد الحسيني لمساعيه وجهده في تصحيح الكتاب وتنقيحه ، واللهُ تعالى وليُّ التوفيق.

دار الغدير

في ١ / جمادي الثانية / ١٤٢٨ هجرية

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

المدخل

أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ وَلا نَظِيرْ ، لَهُ الأَسْماءُ الحُسْنى ، وَالصِفاتُ العُلْيا ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِير ..

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ المُصْطَفى ، وَرَسُولُهُ المُرْتَضى ، أَشْرَفُ الخَلْقِ أَجْمَعِين ، وَخاتَمُ الرُّسُلِ وَالنَّبِيِّين ..

وَأَشْهَدُ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنِ أَبِي طالِب ، وَسَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ فاطِمَةَ الزَّهراء ، وَأَبْناءَهُما الأَئِمَّةُ المَعْصُومِين عليهم‌السلام حُجَجُ اللّهِ عَلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، وَأُولُوا الأَمْرِ الَّذِيْنَ آتاهُمُ اللّهُ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدا مِنَ العالَمِيْنَ .. بِهِمْ نَتَوَلَّى ، وَمِنْ أَعْدائِهِمْ نَتَبَرّأ ، وَلَهُمْ نُسَلِّمْ ..

وَقَدْ صَدَقُوا فِي كُلِّ ما جاؤُوا بِه عَنِ اللّهِ تَعالى مِنَ الأُصُولِ وَالْفُرُوْعِ وَغَيْرِهِما .. فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَما بَيْنَهُما.

كَما حَقَّ ما أَخْبَرُوا بِه عَنِ الْمَبْدَأْ وَالْمَعادْ وَأُمُورِ الكَوْنِ وَالْكائِناتِ ، مِنْ قِبَلِ خالِقِ الأَرَضِيْنَ وَالسَّماواتِ.

٧
٨

تمهيد

هذه هي الشهادة الصادقة والعقيدة الحقّة التي تكون تمام التوحيد ، وأصل الإعتقاد السديد ..

بل هي الأركان الأساسيّة التي نعتقدها ، وفطرة اللّه التي فطر النّاس عليها ولا يَقبل عملاً بغيرها ، وهي المعارف الإلهيّة التي تقرّب إلى اللّه زلفى ، وتوجب الجنّة في العقبى ..

والدليل على هذه المعارف القدسيّة هو ما يأتي بيانه من الآيات القرآنية ، والأحاديث العلميّة ، وتطابقها الأحكام العقليّة ، والركائز الفطريّة.

وبالسير في هذه الأدلّة ، والنظر في هذه البراهين يحصل العِلم والإذعان بحقيقة المعرفة والإيمان ، على صعيد الاُصول الدينيّة الحقّة :

أصل التوحيد ، وأصل الرّسالة ، وأصل الإمامة .. التي تكون معرفتها وتصديقها والإقرار بمؤدّاها والشهادة بها هي الدعائم الرئيسيّة للمعارف الإلهيّة ، والعقائد الربّانية في مبحث اُصول الدّين ومعرفة اللّه الحقّ المبين ..

وذلك في رحاب آيات كتابه الكريم أوّلاً ..

وفي هُدى بيان سفرائه الصدّيقين محمّد وآله الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين ولعنة اللّه على أعدائهم قاطبة إلى يوم الدّين) ثانيا ..

وعلى منار العقل السليم والفطرة السالمة ثالثا ..

٩

واللّه تعالى وليّ التوفيق للتمسّك بالحقّ الحقيق.

وفي البدء والتقدمة .. نتبرّك بأزاهير رياض الحكمة من أحاديث أهل بيت العصمة عليهم‌السلام .. لأنّها هي الهادية لنور العقل والفطرة ، والمثيرة لدفائن اللُبّ والفِكرة .. والمرشدة إلى كمال التوحيد والتوحيد الكامل ..

فلاحظ وتدبّر لمعرفة المواضيع الآتية في الروايات التالية :

الأوّل : معرفة أصل التوحيد الحقّ في الأحاديث الشريفة :

١ ـ حديث سيّدنا عبدالعظيم الحسني قال : دخلت على سيّدي علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فلمّا بصر بي قال لي : مرحبا بك ياأبا القاسم أنت وليّنا حقّا.

قال : فقلت له : يابن رسول اللّه! إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيّا ثبتُّ عليه حتّى ألقى اللّه عزوجل.

فقال : هاتها [يا] أبا القاسم!

فقلت : إنّي أقول : إنّ اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج من الحدّين : حدّ الإبطال ، وحدّ التشبيه ، وإنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عَرض ولا جوهر ، بل هو مجسِّم الأجسام ، ومصوِّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، وربّ كلِّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنّ محمّد عبده ورسوله خاتم النبيّين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.

وأقول : إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ أنت يامولاي.

١٠

فقال عليه‌السلام : ومن بعدي الحسن إبني ، فكيف للنّاس بالخَلَف من بعده؟ قال : فقلت : وكيف ذلك يامولاي؟

قال : لأنّه لا يُرى شخصه ولا يحلُّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا.

قال : فقلت : أقررتُ وأقول : إنَّ وليّهم وليّ اللّه ، وعدوّهم عدوّ اللّه ، وطاعتهم طاعة اللّه ، ومعصيتهم معصية اللّه.

وأقول : إنّ المعراج حقّ ، والمساءلة في القبر حقّ ، وإنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، والصراط حقّ ، والميزان حقّ ، وإنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وإنّ اللّه يبعث من في القبور.

وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.

فقال علي بن محمّد عليهما‌السلام : ياأبا القاسم! هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (١).

٢ ـ ابن عبّاس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يارسول اللّه! علّمني من غرائب العلم.

قال : ما صنعت في رأس العلم حتّى تسأل من غرائبه؟

قال الرجل : ما رأس العلم يارسول اللّه؟

قال : معرفة اللّه حقّ معرفته.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٦٨ الباب١٠ ح٣).

١١

قال الأعرابي : وما معرفة اللّه حقّ معرفته؟

قال : تعرفه بلا مثل ، ولا شبه ، ولا ندّ ، وأنّه واحد ، أحد ، ظاهر ، باطن ، أوّل ، آخر ، لا كفو له ، ولا نظير ، فذلك حقّ معرفته (١).

٣ ـ طاهر بن حاتم بن ماهويه قال : كتبت إلى الطيّب ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ : ما الذي لا يجتزي في معرفة الخالق جلّ جلاله بدونه؟

فكتب عليه‌السلام : ليس كمثله شيء ، لم يزل سميعا وعليما وبصيرا ، وهو الفعّال لما يريد (٢).

٤ ـ الفضل بن السكن ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اعرفوا اللّه باللّه ، والرسول بالرسالة ، واُولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان (٣).

٥ ـ عيسى بن السري أبي اليسع قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ، ولم يقبل [اللّه] منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه ، وقبل منه عمله ، ولم يضق به ممّا هو فيه لجهل شيء من الاُمور جهله؟

فقال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والإيمان بأنّ محمّدا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، وحقّ في الأموال الزكاة ؛ والولاية التي أمر اللّه عزوجل بها : ولاية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٦٩ الباب١٠ ح٤).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٦٩ الباب١٠ ح٥).

(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٧٠ الباب١٠ ح٧) ، ولاحظ معنى الحديث في (ص٥٩ ـ ٢٣٩).

١٢

قال : فقلت له : هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به (١)؟

قال : نعم قال اللّه عزوجل : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (٢).

وقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية.

وكان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان عليّا عليه‌السلام ـ وقال آخرون : كان معاوية ـ ثمّ كان الحسن عليه‌السلام ثمّ كان الحسين عليه‌السلام ـ وقال الآخرون : يزيد بن معاوية ـ وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء.

قال : ثمّ سكت ثمّ قال : أزيدك؟

فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك!

قال : ثمّ كان علي بن الحسين ، ثمّ كان محمّد بن علي أبا جعفر.

وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتّى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتّى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس ، وهكذا يكون الأمر ، والأرض لا تكون إلاّ بإمام.

ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية ، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بَلَغَت نفسك هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وانقطعت عنك

__________________

(١) أي هل في الإمامة شرط مخصوص يكون في رجل خاص من آل محمّد ، يعرف هذا لمن أخذ به ، أو هل فيها دليل وبرهان خاصّ يعرف لمن أخذ به.

(٢) سورة النساء : (الآية ٥٩).

١٣

الدنيا تقول : لقد كنت على أمر حسن (١).

٦ ـ أبو الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يابن رسول اللّه! هل تعرف مودّتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟

قال : فقال : نعم.

قال : فقلت : فإنّي أسألك مسألة تجيبني فيها؟ فإنّي مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين.

قال : هات حاجتك؟

قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزوجل به أنت وأهل بيت لأدين اللّه عزوجل به؟

قال : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، واللّه لأعطينّك ديني ودين آبائي الذي ندين اللّه عزوجل به :

شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، والولاية لوليّنا ، والبراءة من عدوّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والإجتهاد ، والورع (٢).

٧ ـ إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر عليه‌السلام ومعه صحيفةً فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدّين الذي يقبل فيه العمل.

فقال : رحمك اللّه هذا الذي اُريد.

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج٢ ص١٩ باب دعائم الإسلام ح٦).

(٢) اُصول الكافي : (ج٢ باب دعائم الإسلام ح١٠).

١٤

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وتقرّ بما جاء من عند اللّه ، والولاية لنا أهل البيت ، والبراءة من عدوّنا ، والتسليم لأمرنا ، والورع ، والتواضع ، وانتظار قائمنا ، فإنّ لنا دولة إذا شاء اللّه جاء بها (١).

الثاني : بيان أنّ توحيد اللّه مقرون بالرسالة والإمامة ، وأنّ الرسالة لا تفارق الإمامة ، كما في الأحاديث التالية :

١ ـ أبو حمزة الثمالي قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : إنّما يعبد اللّه من يعرف اللّه ، فأمّا من لا يعرف اللّه فإنّما يعبده هكذا ضلالاً.

قلت : جعلت فداك! فما معرفة اللّه؟

قال : تصديق اللّه عزوجل وتصديق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وموالاة علي عليه‌السلام والإيتمام به وبأئمّة الهدى عليهم‌السلام والبراءة إلى اللّه عزوجل من عدوّهم ، هكذا يعرف اللّه عزوجل (٢).

٢ ـ جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إنّما يعرف اللّه (عزوجل) ويعبده من عرف اللّه وعرف إمامه منّا أهل البيت.

ومن لا يعرف اللّه عزوجل ويعرف الإمام منّا أهل البيت فإنّما يعرف ويعبد غير اللّه ـ هكذا واللّه ـ ضلالاً (٣).

بل لا يقبل التوحيد إلاّ مع الإمامة كما صرّح به في الحديث التالي :

حديث أبي سعيد الخدري قال : كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا وعنده

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج٢ باب دعائم الإسلام ح١٣).

(٢) اُصول الكافي : (ج١ ص١٨٠ باب معرفة الإمام والردّ إليه ح١).

(٣) اُصول الكافي : (ج١ ص١٨١ باب معرفة الإمام والردّ إليه ح٤).

١٥

نفر من أصحابه فيهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قال : لا إله إلاّ اللّه دخل الجنّة.

فقال رجلان من أصحابه : فنحن نقول : لا إله إلاّ اللّه.

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما تقبل شهادة أن لا إله إلاّ اللّه من هذا ومن شيعته الذين أخذ ربُّنا ميثاقهم.

فقال الرجلان : فنحن نقول : لا إله إلاّ اللّه. فوضع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على رأس علي عليه‌السلام ثمّ قال : علامة ذلك أن لا تحلاّ عقده ، ولا تجلسا مجلسه ، ولا تكذّبا حديثه (١).

الثالث : معرفة أنّ الاُصول الإعتقادية الثلاثة المتقدّمة فطرية ، فُطر الناس عليها كما في الأحاديث التالية :

١ ـ عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام في قول اللّه عزوجل : (فِطْرَةَ اللّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (٢) قال : هي التوحيد ، وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ عليّا أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣).

٢ ـ الدعاء الشريف : «... فأكملت بإستخلافهم رسالة المنذرين ، كما أوجبت رياستهم في فطر المكلّفين ... حيث طابق صنعك ما فطرت عليه العقول ...» (٤).

الرابع : العلم بأنّ هذه الأركان هي الحصن الإلهي والمدينة الآمنة والعقيدة

__________________

(١) ثواب الأعمال : (ص٢٢ باب ثواب من تقبل منه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ح١).

(٢) سورة الروم : (الآية ٣٠).

(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٠ الباب١١ ح١٨).

(٤) بحار الأنوار : (ج١٠٢ ص١١٥ في أدعية الإستئذان لدخول المشاهد المشرّفة).

١٦

المقبولة كما في الأحاديث التالية :

١ ـ إسحاق بن راهويه ، قال : لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه‌السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون إجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له : يابن رسول اللّه! ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك ، وكان قد قعد في العمارية ، فأطلع رأسه وقال :

سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين ابن علي بن أبي طالب يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سمعت جبرئيل يقول سمعت اللّه جلّ جلاله يقول : لا إله إلاّ اللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي.

قال : فلمّا مرّت الراحلة نادانا : بشروطها وأنا من شروطها (١).

٢ ـ أبو ذرّ الغفاري رحمه‌الله قال : خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي وحده ليس معه إنسان ، فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد ، قال : فجعلت أمشي في ظلّ القمر ، فالتفت فرآني ، فقال : مَن هذا؟

قلت : أبو ذرّ جعلني اللّه فداك!

قال : ياأبا ذرّ! تعال ، فمشيت معه ساعة ، فقال : اجلس هاهنا ، وأجلسني في قاع حوله حجارة ، فقال لي : إجلس حتّى أرجع إليك ، قال : وانطلق في الحرّة (٢) حتّى لم أره وتوارى عنّي ، فأطال اللَبث ، ثمّ إنّي سمعته صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مقبل وهو يقول : وإن زنى وإن سرق؟.

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٢٥ باب ثواب الموحّدين ح٢٣).

(٢) الحرّة هي أرض تكون ذات أحجار سوداء كأنّها أُحرقت بالنار ومنها حرّة المدينة.

١٧

قال : فلمّا جاء لم أصبر حتّى قلت : يانبي اللّه جعلني اللّه فداك! مَن تكلّمه في جانب الحرّة؟ فإنّي ما سمعت أحدا يردّ عليك من الجواب شيئا.

قال : ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرّة ، فقال : بشّر اُمّتك أنّه من مات لا يشرك باللّه عزوجل دخل الجنّة.

قال : قلت : ياجبرئيل وإن زنى وإن سرق؟

قال : نعم وإن شرب الخمر (١).

٣ ـ أبو الصلت الهروي قال : كنت مع الرضا عليه‌السلام لمّا دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء ، وقد خرج علماء نيسابور في إستقباله ، فلمّا صار إلى المربعة تعلّقوا بلجام بغلته وقالوا : يابن رسول اللّه! حدّثنا بحقّ آبائك الطاهرين حديثا عن آبائك (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

فأخرج رأسه من الهودج وعليه مطرف خزّ فقال : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد بن علي ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين سيّد شباب أهل الجنّة ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أخبرني جبرئيل الروح الأمين ، عن اللّه (تقدّست أسماؤه وجلّ وجهه) قال : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي ، عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه مخلصا بها أنّه قد دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن عذابي.

قالوا : يابن رسول اللّه وما إخلاص الشهادة للّه؟

قال : طاعة اللّه ورسوله وولاية أهل بيته عليهم‌السلام (٢).

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٢٥ باب ثواب الموحّدين ح٢٤).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص١٤ الباب١ ح٣٩).

١٨

الخامس : الضمان الربّاني في سلامة هذه العقيدة ، ومرافقتها للسعادة ، والسلوك منها إلى الجنّة كما في الحديث التالي :

١ ـ المفضّل الجعفي قال : قال أبو عبداللّه عليه‌السلام : إنّ اللّه تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضمانا ، قال : قلت : وما هو؟

قال : ضمن له إن هو أقرّ له بالربوبيّة ، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ، ولعلي عليه‌السلام بالإمامة وأدّى ما إفترضه عليه أن يسكنه في جواره.

قال : قلت : فهذه واللّه هي الكرامة التي لا يشبهها كرامة الآدميّين.

قال : ثمّ قال أبو عبداللّه عليه‌السلام : إعملوا قليلاً تتنعّموا كثيراً (١).

والتوحيد الحقّ هو توحيد اللّه بما أراده اللّه تعالى ، لا بما أراده نفس الإنسان بهواه ومشتهاه ..

وقد عرفت أنّ الذي يريده اللّه ولا يقبل غيره هو التوحيد المقرون بالرسالة والإمامة ، وهو الإسلام الذي عرفت دعائمه وقوامه ..

قال عزّ إسمه : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاْءِسْلاَمِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) (٢).

فلابدّ من الإعتقاد الراسخ بهذه الاُصول الأصيلة والأركان الجليلة.

ثمّ إنّ اللازم في باب الإعتقادات أن تكون المعتقدات علمية يُتيقّن بها لأنّ الظنّ لا يُغني عن الحقّ شيئا.

لذلك كان إستدلالنا في هذا الكتاب بالقرآن الكريم الذي هو قطعي الصدور ، وبالروايات المتواترة العلمية أو المستفيضة الإطمئنانية ، وبحكم العقل

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣ الباب١ ح٦).

(٢) سورة آل عمران : (الآية ٨٥).

١٩

الذي هو برهان لكلّ إنسان. بل تلزم الشهادة باللسان مضافا إلى الإذعان بالجَنان ولا تكون الشهادة إلاّ علميّة مستندة إلى العلم دون الظنّ ، فلا يصحّ التقليد في اُصول الدين كما هو مسلّم عند جميع الديّانين. وإنّما يلزم الإشهاد والشهادة باللسان مضافا إلى إعتقاد الإنسان لأنّه هو المستفاد من الأحاديث الكثيرة القطعية في هذا الباب وذلك مثل حديث :

١ ـ أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة لا إله إلاّ اللّه ، لأنّ اللّه عزوجل لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمر أحد (١).

٢ ـ أبي الصلت الهروي قال : كنت مع علي بن موسى الرضا عليه‌السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فإذا محمّد بن رافع ، وأحمد بن حرب ، ويحيى ابن يحيى ، وإسحاق بن راهويه ، وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا : بحقّ آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك ، فأخرج رسه من العمارية ـ وعليه مطرف خزّ ذو وجهين ـ وقال : حدّثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي أبو جعفر محمّد بن علي باقر علم الأنبياء ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين سيّد العابدين ، قال : حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين ، قال : حدّثني أبي علي ابن أبي طالب عليهم‌السلام قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : قال اللّه (جلّ جلاله) : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا فاعبدوني ، ومن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه بالإخلاص دخل [في] حصني ومن دخل في حصني أمن [من] عذابي (٢).

٣ ـ سهل بن سعد الأنصاري قال : سألت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول اللّه

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣ الباب١ ح٥).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٦ الباب١ ح١٥).

٢٠