قواعد الحديث

محي الدين الموسوي الغريفي

قواعد الحديث

المؤلف:

محي الدين الموسوي الغريفي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

الاجماعين في الانفراد ، لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر. وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وإنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الآخر والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع » (١).

ويورد عليه بأن الكشي انما نقل عن بعضهم كون الاربعة الآخرين من أصحاب الاجماع ، وهم ليث بن البختري ، والحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وعثمان بن عيسى. ولم يرتضه هو ، ولم يعلم وثاقة ذلك البعض المنقول عنه ، فكيف يصح الاعتماد على قوله.

وصرح الشيخ الطوسي : بأن هناك جماعة من الرواة عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، ولذا عمل بمراسيلهم. ونص على ثلاثة منهم ، فقال : « وإذا كان احد الراويين مسنداً ، والآخر مرسلا ، نظر في حال في المرسل ، فان كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره. ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن ابي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم الخ » (٢).

الناقل لهذا الاجماع

والأصل في دعوى هذا الاجماع هو الشيخ ابو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي صاحب كتاب ( الرجال ) المعروف ، فهو أول من ادعاه ، ونقله الجماعة عنه. ولذا كان من التسامح نسبة دعواه الى جميع

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٥٧.

٢ ـ عدة الاصول ص ٦٣.

٤١

من ذكره ، وتعرض له ، كما فعله الشيخ المامقاني قائلا : « وأول من ادعاه فيما نعلم الشيخ الجليل ابو عمرو الكشي في ( رجاله ) ، ثمّ الشيخ ، والنجاشي ثمّ من بعدهما من المتقدمين والمتأخرين ، كابن طاووس ، والعلامة وابن داود ، وصاحب المعالم ، والشهيدين ، والشيخ سليمان ، والسيد الداماد ، وغيرهم. حتى أنه لو صح وصف الاجماع المنقول بالتواتر ، لصح أن يقال : ان هذا الاجماع قد تواتر نقله ، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريات الفقهاء والمحدثين ، واهل الدراية والرجال الخ » (١).

فان بعض هؤلاء الجماعة المذكورين وغيرهم كان ناقلا لدعواه ، لا مدعياً له. وفرق واضح بين دعوى الاجماع ، ونقل دعواه. ولذا صرح الشيخ ابو علي في ( رجاله ) : بأن هذا الاجماع ربما ذكر في كلام النجاشي ، لكن بعنوان النقل عن الكشي ، لا انه ادعاه بنفسه (٢). بل ناقش بعضهم في قبوله صريحاً.

وأما الشيخ الطوسي فانه لم يدع الاجماع بالشكل الذي ادعاه الكشي في ثمانية عشر شخصاً ، وانما صرح بقبول مراسيل الثقات « الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به » ، ونص على ثلاثة منهم كما سبق. لكن الشيخ النوري ذكر ان الشيخ الطوسي ناظر الى أصحاب الاجماع الذين ذكرهم الكشي. وهذا لم يثبت ، وسيأتي بحثنا معه حول ذلك.

نعم ان الشهيد الثاني نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير ، والاقرار له بالفقه والثقة (٣) وهو على حد تعبير الكشي. لكنه لم نعثر على مصدر الشهيد لنرى أن الشيخ نقله عن الكشي ، او ادعاه بنفسه. على أنه ينافي ما فعله الشيخ في كتاب

____________

١ ـ مقباس الهداية ص ٧٠.

٢ ـ منتهى المقال ص ١٠.

٣ ـ شرح اللمعة ج ٢ ص ١٣١.

٤٢

( العدة ) (١) ، حيث ذكر عبد الله بن بكير في صف الفطحية ، ولم يميزه عنهم واشترط في جواز العمل بروايتهم أمرين : عدم وجود المعارض لخبرهم ، وعدم إعراض الطائفة عن مضمونه بالافتاء بخلافه. فلو تم هذا الاجماع عند الشيخ لم يبق وجه للتسوية بين ابن بكير ، وسائر الفطحية.

بل إن الشهيد نفسه نقل عن الشيخ الطوسي : الجرح الصريح لابن بكير ، وأنه قال ـ عند ذكر حديث له أسنده الى زرارة ـ : « ان اسناده الى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به لما رأى أن أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه ». وقال : « وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق الى الفطحية ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظم من الغلط في اسناد فتياً يعتقد صحته لشبهة دخلت عليه الى بعض أصحاب الأئمة عليهم‌السلام » (٢) ومقتضى هذا التصريح من الشيخ صدور الكذب الصريح من عبد الله بن بكير في اسناد الحديث الى ثقات المعصوم (ع).

وأما السيد بحر العلوم فانه وإن نظم هذا الاجماع في ابياته السابقة من غير حكاية له عن احد ، إلا أنه قال ـ في كتاب ( رجاله ) في ابن ابي عمير وروايته لاصل زيد النرسي ـ : « وحكى الكشي في ( رجاله ) : اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه والعلم. ومقتضى ذلك صحة الاصل المذكور ، لكونه مما قد صح عنه الخ » (٣).

وكلامه هذا صريح في إسناد حكاية الاجماع الى الكشي ، لكنه سبق اختلافه معه في ابي بصير في أبياته السابقة ، وقوله في ذيلها : « وشذ قول من به خالفنا ».

وأما الشهيد الثاني فانه بعد ما نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى الاجماع

____________

١ ـ أنظر ص ٦١.

٢ ـ شرح اللمعة ج ٢ ص ١٣٢.

٣ ـ رجال السيد بحر العلوم ج ٢ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٤٣

في حق عبد الله بن بكير. لم يرتضه ، وقال : « وفيه نظر ، لانه فطحي المذهب ». وهو صريح في نقله حكاية الاجماع ، وخدشه فيه. وله نقاش متين في قبول مراسيل من ادعي : بأنه لا يروي ، ولا يرسل إلا عن ثقة كابن ابي عمير. ونقل عن السيد ابن طاووس في ( البشرى ) : أنه نازعهم في قبول مراسيله (١) والنقاش فيها معروف لدى الفقهاء نقله الشيخ ابو علي وغيره (٢). ومقتضاه عدم الاعتناء بهذا الاجماع ، والا لزم قبولها.

وصرح الشيخ ابو علي : بأن الشيخ الطوسي ربما يقدح في الحديث الذي صح عن هؤلاء الجماعة بالارسال الواقع بعدهم. وأجاب عن ذلك بأن : « الشيخ وغيره من المناقشين ربما لم يثبت عندهم الاجماع ، او لم يثبت وجوب اتباعه لعدم كونه بالمعنى المعهود ، بل كونه مجرد اتفاق ، او لم يفهموا على وفق المشهور ، ولا يضر ذلك ، او لم يقتنعوا بمجرد ذلك والاول أظهر بالنسبة اليه ، لعدم ذكره اياه في كتابه كما ذكره الكشي والنجاشي وأمثالهما ».

وعلل توهين هذا الاجماع بقوله : « إذ لم نقف على من وافق الكشي في ذلك من معاصريه ، والمتقدمين عليه ، والمتأخرين عنه ، الى زمن العلامة او ما قاربه. نعم ربما يوجد ذكر هذا الاجماع في كلام النجاشي فقط من المتقدمين ، وذلك بعنوان النقل عن الكشي ، إلا أن غير واحد من علمائنا ـ منهم الشيخ البهائي طاب ثراه ـ صرح : بأن الامور الموجبة لعد الحديث من الصحيح عند قدمائنا وجوده في أصل معروف الانتساب الى احد الجماعة الذين اجمعوا على ( تصحيح ما يصح عنهم ) الخ » (٣).

وبذلك اتضح وهن القول : بأن كلمات جميع الذين نقلوا الاجماع

____________

١ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٤٨ ـ ٤٩.

٢ ـ منتهى المقال ص ٩ ـ ١٠.

٣ ـ منتهى المقال ص ٩ ـ ١٠.

٤٤

صريحة في المسلمية والقبول (١).

أدلة حجية هذا الاجماع

وقد اختلفت طرق الاستدلال على حجية هذا الاجماع ، ولزوم العمل بمقتضاه ، فاختار الشيخ محمد بن الحسن الحر : أنه اجماع تعبدي ، وكاشف عن رأي المعصوم (ع) ، كسائر الاجماعات المنعقدة على بعض الاحكام (٢) وتبعه الشيخ المامقاني قائلا : « والمراد بهذا الاجماع ليس هو المعنى اللغوي وهو مجرد اتفاق الكل ، بل المعنى المصطلح ، وهو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (ع) ، على أن يكون المجمع عليه هو القبول والعمل بروايات أولئك الذين قيل في حقهم ذلك اذ امام ذلك العصر بمرأى من أولئك العاملين بأخبار هؤلاء ومسمع ، مع عدم ظهور انكار لهم ولا ردع ، بل أقرهم على ذلك بل وأمر بالرجوع اليهم والأخذ منهم » (٣).

لكن الشيخ النوري أنكر ذلك فقال ، « بعد وضوح عدم كون المراد منه الاجماع المصطلح المعروف الكاشف عن قول المعصوم (ع) او رأيه بأحد الوجوه المذكورة في محله ». واختار وجهاً ثانياً للحجية بقوله : « إن اجماع العصابة على صحة أحاديث الجماعة اجماع على اقتران احاديثهم بما يوجب الحكم بصحتها » (٤).

أما الشيخ الطوسي فان كلامه السابق صريح : في أن عمل الطائفة بمراسيل اولئك الرواة الثلاثة ، وامثالهم من اجل أنهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة ، فيكون اعتبار احاديثهم لوثاقة من يروون عنه.

وصرح الشهيد الثاني : بأن كثيراً من الاصحاب ذكروا : أن ابن

__________________

١ ـ مقباس الهداية ص ٧٢.

٢ ـ وسائل الشيعة ج ٣ ـ الفائدة ٧.

٣ ـ مقباس الهداية ص ٧٠

٤ ـ مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٥٩.

٤٥

أبي عمير لا يروي عن غير الثقة. (١) فالأخذ باخباره مطلقاً لذلك ، وهذا وجه ثالث وان ذكر في احاديث الثلاثة فقط ، حيث يمكن القول : بأنه المدرك لحجية أحاديث جميع اصحاب الاجماع.

وهناك وجه رابع لاعتبار هذا الاجماع ، وهو أنه يفيد الحدس بوثاقة من روى عنه احد اولئك الجماعة ، كما ان توثيق الراوي في كتب الرجال انما يوجب الحدس بوثاقته ، وليس احد الحدسين بأقوى من الآخر.

فعلى الوجه الثاني يحصل الوثوق بصدور احاديث أصحاب الاجماع عن المعصوم (ع) ، وعلى الوجه الثالث والرابع يحصل الوثوق برواتها ، وسبق كفاية احد الوثوقين في حجية الحديث. وإن اعتبرنا الحس في توثيق الراوي على ما سيأتي ، اما الوجه الاول فاجنبي عن التوثيق حيث تكون تلك الاحاديث حجة بالتعبد.

تحقيق البحث

وتحقيق البحث : ان احد اصحاب الاجماع اذا روى عن ضعيف ، او ارسل الحديث ، فلم يعلم حال الواسطة بينه وبين المعصوم (ع) ، سواء كان المرسل هو ابن ابي عمير او غيره.

فان حصل الوثوق الشخصي والاطمئنان بصدور ذلك الحديث فلا اشكال في حجيته ، ولزوم العمل عليه بالنسبة لذلك الشخص الواثق ، لقيام بناء العقلاء الممضى من قبل الشرع ، وكذا السيرة القطعية ، على حجية كل خبر حصل الوثوق بصدوره ويكون العمل في الحقيقة بذلك الوثوق الخاص ، لا الاجماع.

وإن لم يحصل ذلك الوثوق يشكل العمل بذلك الحديث اعتماداً على هذا الاجماع ، لعدم الدليل على حجية خبر الراوي الذي لم يوثق او يمدح

____________

١ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٤٨.

٤٦

ولم يحصل الوثوق بصدور خبره عن المعصوم (ع) ، فلم يبن العقلاء ، ولم تقم سيرة ولا نص ، على حجية مثل هذا الخبر ، وهذا الاجماع المدعى لا يصلح دليلا لاثبات الحجية ، لأمور.

معنى صيغة الاجماع

الاول : إنه اختلف الفقهاء وعلماء الحديث في مؤدى الصيغة التي نقل عليها الاجماع وهي ( تصحيح ما يصح عنهم ). فاختار جماعة : أن معناها قبول كل حديث صح عن أصحاب الاجماع من غير لحاظ حال الواسطة بينهم وبين المعصوم (ع) وبه تمتاز احاديث اولئك الجماعة على ما سبق في صدر البحث.

واختار آخرون ان تلك الصيغة لا تفيد إلا تصحيح ، او توثيق أولئك الجماعة فحسب. اما بقية رجال سند الحديث المتأخرين عنهم كالسابقين عليهم فلابد من إحراز وثاقتهم من طريق آخر ، فلو كان احدهم ضعيفاً لا تقبل روايته. وان نقلها عنه أحد أصحاب الاجماع.

وهذا المعنى نقله الشيخ ابو علي في ( رجاله ) عن بعض أفاضل عصره ، وعن استاذه صاحب ( الرياض ) ، وأنه : بالغ في الانكار على المعنى الاول ، وقال : « بل المراد دعوى الاجماع على صدق الجماعة ، وصحة ما ترويه اذا لم يكن في السند من يتوقف فيه ، فاذ قال احد الجماعة حدثني فلان. يكون الاجماع منعقداً على صدق دعواه ، واذا كان فلان ضعيفاً ، او غير معروف لا يجديه ذلك نفعاً ». وأنه أدعى : بأنه لم يعثر في الكتب الفقهية. من اول كتاب ( الطهارة ) الى آخر كتاب ( الديات ) على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجاً : بأن في سنده احد الجماعة

٤٧

وهو اليه صحيح » (١).

ونقل الشيخ النوري : ان الاستاذ الاكبر نسب هذا المعنى في ( الفوائد ) الى القيل. وأن السيد محمد باقر الجيلاني في ( رسالته ) في تحقيق حال أبان صرح : بأن متعلق التصحيح الرواية بالمعنى المصدري ، أي قولهم : أخبرني او حدثني او سمعت من فلان ، ونتيجة العبارة ان احداً من الجماعة إذا تحقق أنه قال : حدثني فلان. فالعصابة اجمعوا : على انه صادق في اعتقاده. وأن المحقق الشيخ محمد في شرح ( الاستبصار ) قال : إن البعض توقف فيما اشتهر من معنى الاجماع قائلا : « إنا لا نفهم إلا كونه ثقة ». وإن السيد المحقق الكاظمي في ( عدته ) جعل اتفاق الكلمة : على الحكم بصحة ما يصح عنه. إمارة على وثاقة الراوي (٢).

واحتمل هذا المعنى الفيض الكاشاني (٣) ، وحكى الشيخ الاصبهاني في ( الفصول ) (٤) عن بعضهم اسناده الى الاكثر ، واختاره الفاضل الاسترابادي في ( لب اللباب ) مدعياً عليه الاجماع (٥).

ويدل عليه تعبير الكشي عن الستة الأوائل بقوله : « أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ... والانقياد لهم بالفقه ». ولم يدع الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، فيصلح ان يكون قرينة على مراده من دعوى ذلك في حق الستة الاواسط والاواخر ، وانه التصديق والتوثيق فقط ، كالاوائل. وإمكان العكس في القرينية يوجب اجمال الكلام ، بحيث لا يمكن الاخذ بظهور تلك الدعوى في الاواسط والاواخر ، إن كان لها ظهور فيما ادعوه. ومع الغض عن ذلك ، والاخذ بظهورها فيهما لا تشمل الاوائل أبداً.

__________________

١ ـ منتهى المقال ص ٩ ـ ١٠.

٢ ـ مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٦٠ ـ ٧٦١.

٣ ـ الوافي ج ١ ص ١٢.

٤ ـ انظر باب معرفة توثيق المزكي للراوي.

٥ ـ مقباس الهداية ص ٧١.

٤٨

والقول : بأن دعوى غير الكشي : الاجماع على تصحيح ما يصح عن الستة الاوائل ، كالاواسط ، والاواخر يغنينا في اشتراك الجميع في هذا الاجماع. موهون ، حيث سبق ان الكشي هو الاصل في هذا الاجماع ، وتبعه الجماعة عليه ، فالاشكال على تعبيره وارد على اصل الاجماع. ولذا حكي عن جماعة من المتأخرين ، كابن طاووس ، والعلامة ، وابن داود : دعوى ذلك في خصوص الاواسط ، والاواخر. كما اختلف تعبير الفيض الكاشاني عن اصحاب الاجماع. فقال ـ عند ذكر طرق صحة الحديث عند القدماء ـ : « وكوجوده في أصل معروف الانتساب الى احد الجماعة الذين اجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ... وعلى تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى الخ » (١). فأصحاب الاجماع طائفتان ، احداهما : حكي الاجماع على تصديقهم. والاخرى : على تصحيح ما يصح عنهم.

وبعد هذا الاختلاف الشائع في المراد بتلك الصيغة ، وبناء جماعة من الاكابر على أن المراد بها تصديق اصحاب الاجماع ، وتوثيقهم فقط وتصريح الكشي بذلك في الستة الاوائل ، لا يبقى مجال للركون الى احاديث أولئك الجماعة ، إذا لم تثبت وثاقة الواسطة بينهم وبين المعصوم (ع).

حول حجية هذا الاجماع

الثاني : ان الاجماع الذي بحث الفقهاء عن حجيته ، واقاموا الادلة عليها ، إنما هو الاجماع على الفتوى في الحكم الشرعي ، ولذا عرفه الشيخ حسن بن الشهيد الثاني ب‍‌ « اتفاق من يعتبر قوله من الامة في الفتاوى

__________________

١ ـ الوافي ج ١ ص ١١.

٤٩

الشرعية على امر من الأمور الدينية » (١). وعرفه الخضري ـ من اهل السنة ـ ب‍‌ « اتفاق المجتهدين من هذه الامة في عصر على حكم شرعي » (٢).

نعم إن تعريف الشيخ الطوسي له ب‍‌ « اتفاق اهل الحل والعقد من أمة محمد (ص) ». وقول صاحب ( المبادي ) في تعريفه : « الاجماع في اصطلاح فقهاء أهل البيت (ع) هو اتفاق أمة محمد (ص) على وجه يشمل قول المعصوم (ع) » (٣). وإن كان ظاهراً في الاطلاق ، إلا أن المراد به الاجماع على الحكم الشرعي. ولذا استدل الشيخ الطوسي على حجيته ب‍‌ ( قاعدة اللطف ) ، وأنه لا يخلوا عصر من امام معصوم حافظ للشرع (٤). وقال ـ عند البحث عما لو اتفق فتوى الاصحاب على خلاف قول الإمام (ع) ـ : لو « كان على القول الذي انفرد به الإمام (ع) دليل من كتاب او سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور ، ولا الدلالة على ذلك ، لان ما هو موجود من دليل الكتاب ، والسنة كاف في باب ازاحة التكليف. ومتى لم يكن على القول الذي انفرد به دليل على ما قلناه ، وجب عليه الظهور ، وإظهار من يبين الحق في تلك المسألة ، على ما قد مضى القول فيه ، وإلا لم يحسن التكليف » (٥).

وعليه فدليل حجية الاجماع لا يشمل مورد البحث لانه اجماع في موضوع ، وأجنبي عن الحكم والتكليف. نعم بالنظر لما استدل به اهل السنة على حجيته من قوله (ص) : « لا تجتمع أمتي على خطأ ». ونظائره (٦) يشمل المورد في فرض اجتماع الامة. لكنه مفقود. بالإضافة الى أن الاجماع المدعى منقول لم تثبت حجيته في الاحكام فضلا عن

__________________

١ ـ معالم الاصول ص ١٦٤.

٢ ـ أصول الفقه للخضري ص ٢٩٩.

٣ ـ فرائد الاصول ص ٤٨.

٤ ـ عدة الاصول ص ٢٣٢.

٥ ـ عدة الاصول ص ٢٤٧.

٦ ـ أصول الفقه للخضري ص ٣١٥.

٥٠

الموضوعات. بل ناقش البعض حتى في حجية الاجماع المحصل (١).

فالقول بأن هذا الاجماع تعبدي وكاشف عن رأي المعصوم (ع) في غاية الوهن. ولذا رده الشيخ النوري. وقال الشيخ ابو علي : « لكن هذا الاجماع لم يثبت وجوب اتباعه كالذي بالمعنى المصطلح لكونه مجرد وفاق » (٢).

على أن المصدر لنقل هذا الاجماع كتاب ( رجال الكشي ) ، الذي رماه النجاشي بكثرة الأغلاط عند ترجمة مؤلفه بقوله : « وكان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ... له كتاب الرجال ، كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة » (٣) وتبعه العلامة الحلي في ذلك (٤).

وجاء في كتاب ( قاموس الرجال ) (٥) : « وأما رجال الكشي فلم تصل نسخته صحيحة الى احد حتى الشيخ والنجاشي ... وتصحيفاته اكثر من ان تحصى ، وإنما السالم منه معدود ... وقد تصدينا فيما سوى ذلك في كل ترجمة على تحريفاته ، بل قل ما تسلم رواية من رواياته عن التصحيف بل وقع في كثير من عناوينه ، بل وقع فيه خلط اخبار ترجمة باخبار ترجمة أخرى ، وخلط طبقة بأخرى ... ثمّ ان الشيخ اختار مقداراً منه مع ما فيه من الخلط والتصحيف ... وبعد ما قلنا من وقوع التحريفات في اصل الكشي بتلك المرتبة لا يمكن الاعتماد على ما فيه اذا لم تقم قرينة على صحة ما فيه ... ثمّ انه حدث في الاختيار من الكشي ايضاً تحريفات غير ما كان في أصله ، فانه شأن كل كتاب ، إلا انها لم تكن بقدر الأصل ولذا ترى نسخ الاختيار ايضاً مختلفة الخ ».

____________

١ ـ الحدائق ج ١ ص ٣٥.

٢ ـ منتهى المقال ص ١٠.

٣ ـ رجال النجاشي ص ٣٦٣.

٤ ـ خلاصة الرجال ص ٧١.

٥ ـ أنظر ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٦.

٥١

ومن هنا يمكن عروض الزحاف في تعبيره عن الستة الاواسط والاواخر ب‍‌ « تصحيح ما يصح عنهم » ، وأن الصحيح ما عبر به عن الاوائل من التصديق والانقياد لهم بالفقه فقط.

التسامح في دعوى الاجماع

الثالث : إن التسامح في دعوى الاجماع ، واستعمال لفظه في غير ما وضع له حدث كثيراً في كلام القدماء ، وذلك مما يوهن الاعتماد على دعواه في محل البحث. توضيح ذلك :

أن الاجماع في اللغة عبارة عن الاتفاق ، فيقال : أجمع القوم على الامر أي اتفقوا عليه (١).

وبذلك عرفه الفقهاء كما سبق ، وقال الشيخ الأنصاري : « ان الاجماع في مصطلح الخاصة ، بل العامة الذين هم الاصل له ، وهو الأصل لهم ، هو اتفاق جميع العلماء في عصر ، كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين ... كما نراهم يعتذرون كثيراً عن وجود المخالف بانقراض عصره » (٢).

ومع ذلك نرى القدماء يدعون الاجماع أحياناً مع وجود المخالفين في المسألة ، بل ان الشخص منهم قد يتفق دعواه الاجماع على حكم ثمّ يدعيه على خلافه في موضع آخر. وبهذا أورد الشيخ يوسف البحراني على حجية الاجماع قائلا : « إن أساطين الاجماع ، كالشيخ والمرتضى وابن ادريس واضرابهم ، قد كفونا مؤونة القدح فيه ، وابطاله بمناقضاتهم بعضهم بعضاً في دعواه ، بل مناقضة الواحد منهم نفسه في ذلك ... ولقد كان عندي رسالة ، الظاهر أنها لشيخنا الشهيد الثاني قدس‌سره ، كتبها في

__________________

١ ـ أقرب الموارد ، مادة جمع.

٢ ـ فرائد الأصول ص ٤٨.

٥٢

الاجماعات التي ناقض الشيخ فيها نفسه » (١).

وعلة هذا التناقض في دعوى الاجماع الصادرة من أعلام الفقه ، أن مدرك حجية الاجماع دخول قول المعصوم (ع) في المجمعين ، فكما أن خبر الثقة ، وروايته عن المعصوم (ع) ، يكشف عن قوله (ع) كشفاً حسياً ، فالاجماع كذلك يكشف عن قوله (ع) ، اما كشفاً حدسياً كما عليه الاكثر ، لقاعدة اللطف ونحوها ، او حسياً كما عن بعضهم ، فيكون بمنزلة ما لو سمع الحكم من الإمام (ع) في جملة جماعة لا يعرف اعيانهم ، فيحصل بذلك العلم بقوله (ع).

وقد أورد الشيخ الانصاري على الكشف الحسي بأنه « في غاية القلة بل نعلم جزماً : أنه لم يتفق لاحد من هؤلاء الحاكين للاجماع ، كالشيخين والسيدين ، وغيرهما. ولذا صرح الشيخ في ( العدة ) في مقام الرد على السيد ، حيث انكر الاجماع من باب وجوب اللطف ، بأنه لولا ( قاعدة اللطف ) لم يمكن التوصل الى معرفة موافقة الإمام (ع) للمجمعين » (٢).

وعليه فاذا حصل العلم للفقيه بقول المعصوم (ع) من فتوى جماعة بحكم يدعي الاجماع عليه ، وإذا اتفق له بعد ذلك حصول العلم بقول المعصوم (ع) من فتوى جماعة آخرين على خلاف الحكم الاول يدعي الاجماع على الثاني ، حيث ينكشف له خطأ الدعوى الاولى ، فيحدث التناقض بين دعوييه. ومثله اختلاف الفقيهين في دعوى الاجماع. قال المحقق الحلي : « وأما الاجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم (ع) ، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله (ع) لما كان حجة ، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة ، لا باعتبار اتفاقهما ، بل باعتبار قوله (ع) ، فلا تغتر إذن بمن يتحكم فيدعي الاجماع باتفاق الخمسة والعشرة من الاصحاب

____________

١ ـ الحدائق ج ١ ص ٣٧.

٢ ـ فرائد الاصول ص ٥١.

٥٣

مع جهالة قول الباقين ، إلا مع العلم القطعي بدخول الإمام (ع) في الجملة » (١).

وقريب منه كلام السيد المرتضى ، والعلامة الحلي (٢).

لكن تسمية هذا المعنى إجماعاً مخالف لمعنى الاجماع لغة وعرفاً. ولذا قال الشيخ الانصاري : « إنهم قد تسامحوا في إطلاق الاجماع على اتفاق الجماعة التي علم دخول الإمام (ع) فيها لوجود مناط الحجية فيه ، وكون وجود المخالف غير مؤثر شيئاً ، وقد شاع هذا التسامح ... فالنكتة في التعبير عن الدليل بالاجماع مع توقفه على ملاحظة انضمام مذهب الإمام (ع) الذي هو المدلول الى الكاشف عنه ، وتسمية المجموع دليلا ، هو التحفظ على ما جرت سيرة أهل الفن من ارجاع كل دليل الى احد الادلة المعروفة بين الفريقين ، أعني الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل. ففي إطلاق الاجماع على هذا مسامحة الخ » (٣).

واعتذر الشهيد الاول عن تناقض الاجماعات المنقولة بأمور فقال : « يثبت الاجماع بخبر الواحد ما لم يعلم خلافه ، لانه إمارة قوية كروايته. وقد اشتمل كتاب ( الخلاف ـ والانتصار ـ والسرائر ـ والفقيه ) على اكثر هذا الباب ، مع ظهور المخالف في بعضها حتى من الناقل نفسه. والعذر ، إما بعدم اعتبار المخالف المعلوم المعين كما سلف. وإما تسميتهم لما اشتهر إجماعاً. وإما بعدم الظفر حين ادعي الاجماع بالمخالف. وإما بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع ، وإن بعد ، كجعل الحكم من باب التخيير. وإما إجماعهم على روايته ، بمعنى تدوينه في كتبهم منسوباً الى الأئمة (ع) (٤).

وقيل في الاعتذار عن ذلك ايضاً : إن أصول الحديث كانت بأيدي

__________________

١ ـ المعتبر ص ٦.

٢ ـ فرائد الاصول ص ٤٩.

٣ ـ فرائد الاصول ص ٤٩ ـ ٥٠.

٤ ـ الذكرى ص ٤.

٥٤

القدماء « وربما اختلفت الاخبار في ذلك الحكم بالتقية وعدمها ، والجواز والكراهة ونحوها ، فيدعي كل منهم الاجماع على ما يؤدي اليه نظره وفهمه من تلك الاخبار ، بعد اشتمال اكثر تلك الاصول او كلها على الاخبار المتعلقة بما يختاره ، ويؤدي اليه نظره .. (١).

وحيث كان للقدماء اصطلاحات خاصة في دعوى الاجماع ، كيف يصلح دليلا لنا ، كما في مسألتنا هذه.

اختلاف مباني الفقهاء

الرابع : إن مباني الفقهاء مختلفة في العمل بالاخبار.

١ ـ فيرى بعضهم حجية خبر كل مسلم لم يظهر منه فسق وإن لم يوثق او يمدح ، لان عدم الفسق ليس شرطاً في قبول خبر المسلم ، وإنما ظهور الفسق يكون مانعاً من قبوله ، لقوله تعالى « إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الخ » (٢).

فمتى لم يعلم الفسق لا يجب التثبت ، لان الاصل عدم الفسق في المسلم ، وصحة قوله.

نسب الشهيد الثاني هذا القول الى بعض آراء الشيخ الطوسي ، من اجل « أنه كثيراً ما يقبل خبر غير العدل ، ولا يبين السبب ». وقال : « وبهذا احتج من قبل المراسيل ». لكنه نسب الى أئمة الحديث ، والاصول الفقهية اشتراط عدالة الراوي. كما نسب الى الاكثر اشتراط الايمان والعدالة معاً.

٢ ـ ونسب الى جماعة الاكتفاء في ثبوت العدالة بظاهر الإسلام ، ولم يشترطوا ظهورها (٣). وقال الشيخ الاصفهاني في ( الفصول ) ـ عند

____________

١ ـ الحدائق ج ١ ص ٣٩ ـ ٤٠.

٢ ـ الحجرات / ٧.

٣ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٦٥.

٥٥

البحث عن عدالة الراوي ـ : « الثاني ما حكي عن جماعة من المتقدمين من أنها عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق. وعن ( الخلاف ) دعوى الاجماع عليه الخ ».

لكن المشهور فتوى وعملا بحيث لا نعرف فيه خلافاً في العصور الاخيرة عدم الاكتفاء بالإسلام في ثبوت العدالة وإنما الإيمان شرط فيها لابد من إحرازه.

ومن المستبعد أن يريد اولئك الجماعة اجراء جميع أحكام العدالة على ظهور الإسلام حتى جواز الايتمام في الصلاة ، وقبول الشهادة في الحكم والقضاء. ويكشف عن ذلك تفصيل الشيخ الطوسي بين العدالة المعتبرة في قبول الرواية فاكتفى فيها بوثاقة الراوي وسماها عدالة ، وبين العدالة المعتبرة في الشهادة وفي ترجيح أحد الخبرين المتعارضين فلم يكتف بذلك. فقال « ... وأما العدالة المراعاة في ترجيح احد الخبرين على الآخر فهو أن يكون الراوي معتقداً للحق مستبصراً ثقة في دينه متحرجاً من الكذب ، غير متهم فيما يرويه الخ ». وقال « فاما من كان مخطئاً في بعض الافعال ، او فاسقاً بافعال الجوارح ، وكان ثقة في روايته متحرزاً فيها فان ذلك لا يوجب رد خبره ، ويجوز العمل به ، لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه ، وانما الفسق بافعال الجوارح يمنع من قبول شهادته ، وليس بمانع من قبول خبره ، ولاجل ذلك قبلت الطائفة اخبار جماعة هذه صفتهم » (١).

٣ ـ ويرى جماعة وجوب العمل بجميع اخبار الكتب الاربعة ، بل بجميع اخبار الكتب الموثوق بها حتى ادعي عليه الاجماع ، كما سبق ويأتي.

٤ ـ ويرى آخرون عدم احتياج مشائخ الاجازة الى توثيق ، فيعملون باخبارهم اجمع وان لم يوثقوا.

__________________

١ ـ عدة الاصول ص ٦٠ ، وما بعدها.

٥٦

٥ ـ وبنى بعضهم على كفاية الظن في باب التوثيق لانسداد باب العلم بعدالة الرواة ، كما سيأتي البحث عنه.

٦ ـ وحكي عن احمد بن محمد بن خالد البرقي ووالده وجمع من العامة الاستدلال على حجية الخبر المرسل اذا كان المرسل له ثقة ، بان « رواية الفرع عن الاصل تعديل له ، لان العدل لا يروي إلا عن العدل وإلا لم يكن عدلا ، بل كان مدلساً ، وغاشاً » (١).

فلا حاجة بعد ذلك الى التفتيش عن حال من روى عنه العدل ، لثبوت عدالته بروايته عنه.

٧ ـ واعتمد الشيخ الصدوق في تصحيح الاخبار على شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، وصرح : بان ما صححه شيخه المذكور هو الصحيح ، ومالم يصححه فمتروك ، وغير صحيح (٢).

٨ ـ وعمل الشيخ الانصاري بروايات بني فضال اذا صح السند اليهم مطلقاً ، وان ارسلوا الحديث ، فهم بمنزلة اصحاب الاجماع عنده. واستند في ذلك الى ما رواه الحسين بن روح ـ رضوان الله عليه ـ عن الإمام العسكري (ع) : انه سئل عن كتب بني فضال. فقال (ع) : خدوا بما رووا ، وذروا ما رأوا » (٣). ولذا قال الشيخ الانصاري ـ عند ذكره لرواية داود بن فرقد الواردة في الاوقات ـ : « وهذه الرواية ، وان كانت مرسلة ، إلا ان سندها الى الحسن بن فضال صحيح. وبنو فضال ممن امر بالاخذ بكتبهم ، ورواياتهم الخ » (٤).

لكن استاذنا المحقق اورد على ذلك ، اولاً : بضعف سند هذه الرواية الواردة في بني فضال ، حيث رواها الشيخ الطوسي ، عن ابي الحسين

____________

١ ـ مقباس الهداية ص ٤٨.

٢ ـ الفقيه ج ٢ ص ٥٥.

٣ ـ الوسائل ح ١٤ ب‍‌ ١١ ـ صفات القاضي.

٤ ـ صلاة الشيخ الأنصاري ص ٢.

٥٧

ابن تمام ، عن عبد الله الكوفي ، وكلاهما لم يوثقا. وثانياً : بأن المستفاد منها ان بني فضال وان كانوا من الفطحية ، إلا انهم كسائر الثقات الآخرين من الإمامية ، فلا يضر انحرافهم رأياً في قبول رواياتهم ، لا انها تقبل باجمعها ، وان رووا عن ضعيف ، او ارسلوا الحديث ، وإلا لكانوا اعلى قدراً من زرارة ، ومحمد بن مسلم ، ونظائرهما من فقهاء الرواة ، واعاظم الإمامية.

وعليه فقبول كثير من الفقهاء أحاديث أصحاب الاجماع مطلقاً ، لاجل هذه المباني الخاصة ونظائرها ، لا يكون حجة على فقيه يرى بطلان تلك المباني.

مناقشة أدلة حجية هذا الاجماع

وبما قرأته وتقرؤه ظهر وهن الوجوه التي ذكروها لدلالة هذا الاجماع على أخبار اولئك الجماعة مطلقاً ، وسبق بيانها ، وانها اربعة.

الأول : كونه اجماعاً تعبدياً ، وكاشفاً عن رأي المعصوم (ع) ، وسبق انه اضعف الوجوه (١).

قياس الاجماع بتوثيق الرجالي

الثاني : قياس هذا الاجماع بتوثيق الرجالي ، بدعوى ان الحاصل منهما هو الحدس بوثاقة الراوي ، وليس احد الحدسين باقوى من الآخر ، فكما يقبل حديث الراوي الموثق في كتب الرجال ، يقبل حديث الراوي الذي روى عنه احد اصحاب الاجماع. ويورد عليه.

أولاً : بما سبق من وهن الاجماع في نفسه.

__________________

١ ـ انظر ص ٤٩ ـ ٥١.

٥٨

وثانياً : بأن الاجماع على تصحيح ما يصح عن اولئك الجماعة لا يلازم وثاقة من رووا عنه ، اذ كما تطلق صحة الحديث لدى القدماء على ما رواه الثقات تطلق على المحتف بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور وان كان الراوي ضعيفاً وفاسقاً ، على خلاف مصطلح المتأخرين ، ولعل الاطلاق الثاني اكثر شيوعاً لديهم من الاول ، وقد سبق (١).

ولذا قال الشيخ الاصبهاني في ( الفصول ) (٢) : « ... فهذه العبارة منقولة عن المتقدمين وقد عرفت ان تصحيحهم لا يقتضي التوثيق ». وقال الشيخ النوري : « ... ما ذكره يتم على القول بكون مفاد العبارة وثاقة الجماعة المدكورين او وثاقتهم ووثاقة كل من كان في السند بعد احدهم. وأما على ما هو المشهور من ان المراد صحة احاديث الجماعة بالمعنى المصطلح عند القدماء ، فلا دلالة فيها ولو بالالتزام على وثاقتهم ، لجواز كون وجه الصحة احتفاف احاديثهم بالقرائن الخارجية التي تجامع ضعف راويها ، كما صرح به جماعة منهم الخ » (٣). وعلى هذا فلا وجه لقياس هذا الاجماع بتوثيق الراوي في كتب الرجال.

حول تزكية الراوي

وثالثاً : بأن توثيق الراوي ، وتزكيته في تلك الكتب ، مستند الى سبر حياته ، ومعرفة اقواله ، وأفعاله الكاشفة عن وثاقته تارة ، وضعفه اخرى لانها امارات يعرف بها حال الرجل ، وتقواه. ولا اشكال في الاعتماد عليها لدى الشرع ، والعرف ، في الجرح ، والتعديل. فيبتني عليها الحكم بعدالته ليؤتم به في الصلاة ، وتقبل شهادته ، وينفذ حكمه في القضاء اذا كان مجتهداً

__________________

١ ـ انظر ص ١٩.

٢ ـ انظر فصل معرفة توثيق المزكي للراوي.

٣ ـ مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٥٩.

٥٩

كما يبتني عليها الحكم بفسقه ، فلا يصح ذلك كله.

فتوثيق الرجالي للراوي شهادة منه بوثاقته. فان اكتفي بخبر الثقة الواحد في الموضوعات فهو ، وإلا لزم التعدد ، والعدالة ، كسائر الامور التي يتوقف ثبوتها على البينة ، وقد التزم بذلك بعض المحققين (١).

وصرح الشيخ الانصاري ـ عند البحث عن حجية قول اللغويين ـ : ب‍‌ « ان المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع اليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ، ونحو ذلك لا مطلقاً!. ألا ترى أن أكثر علمائنا على اعتبار العدالة فيمن يرجع اليه من اهل الرجال ، بل وبعضهم على اعتبار التعدد. والظاهر اتفاقهم على اشتراط التعدد ، والعدالة في اهل الخبرة في مسألة التقويم ، وغيرها » (٢). واين هذا من دعوى الاجماع على التصحيح ، فانها اجنبية عن الشهادة ، فكيف يصح قياسها بالتوثيق.

وحيث كان التوثيق من باب الشهادة فلابد وأن يصدر عن حسن ، لعدم قبول الاخبار الحدسي فيها ، كما في خبر الثقة في الأحكام. ولذا قال الشيخ الأنصاري ـ عندما نفى الملازمة بين حجية الخبر وحجية الاجماع المنقول ـ : « ان الأدلة الخاصة التي أقاموها على حجية خبر العادل لا تدل الاّ على حجية الاخبار عن حسن الخ » (٣).

وقال : « ... فيما ذهب اليه المعظم ، بل اطبقوا عليه ، كما في ( الرياض ) من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات اذا لم يستند الى الحس وان علله في ( الرياض ) بما لا يخلو عن نظر : من أن الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحس مأخوذ في مفهومها. والحاصل انه لا ينبغي الاشكال في ان الإخبار عن حدس ، واجتهاد ، ونظر ، ليس حجة إلا على من

__________________

١ ـ منتقى الجمان ج ١ ص ١٤.

٢ ـ فرائد الاصول ص ٤٦.

٣ ـ فرائد الاصول ص ٤٧.

٦٠