قواعد الحديث

محي الدين الموسوي الغريفي

قواعد الحديث

المؤلف:

محي الدين الموسوي الغريفي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

ـ رضي الله عنه ـ كان لا يصححه ، ويقول : إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة ، وكل ما لم يصححه ... من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ».

وجاء في مقدمة كتاب ( كامل الزيارات ) لابن قولويه « لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم‌الله برحمته ، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم ». ومثله ورد في مقدمة كتاب ( مزار محمد بن المشهدي ).

وقال الشيخ الطوسي عند استدلاله على حجية خبر الواحد الذي لا يطعن في روايته : « ومما يدل أيضاً على صحة ما ذهبنا اليه أنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم ، وقالوا : فلان متّهم في حديثه وفلان كذاب وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي. وفلان فطحي وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنفوا في ذلك الكتب ، واستثنونا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارستهم ، حتى أن واحداً منهم اذا انكر حديثاً نظر في اسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم. فلولا ان العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز. لما كان بينه وبين غيره فرق ، وكان يكون خبره مطرحاً مثل خبر غيره ، فلا يكون فائدة لشروعهم فيما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق ، وترجيح الأخبار بعضها على بعض ، وفي ثبوت ذلك دليل على صحة ما اخترناه (١).

__________________

١ ـ عدة الأصول ص ٥٨.

٢١

وهذا البيان من الشيخ الطوسي صريح في أن التوثيق والتضعيف والمدح والذم لرواة الأحاديث. كان معروفاً لدى القدماء ومعمولا به عندهم فكانوا يلحظون رجال سند الحديث حين العمل به. وعلى ذلك جرى السيد ابن طاووس ، فنقح ما أسسوه باطلاق لفظ الصحيح على الامامي (١) الموثق ولفظ الحسن على الامامي الممدوح ، وخص لفظ الموثق بغير الامامي. اذا وثق ، ولفظ الضعيف بغير الثلاثة تمييزاً لرجال الحديث بعضهم عن بعض. وبالطببع تتصف الأحاديث نفسها بهذه الأوصاف تبعاً لأوصاف رواتها. ولا ضير في ذلك.

فلم يحدث السيد ابن طاووس شيئاً يستحق ان تثار الضجة من أجله وإنما جرى على سنة القدماء في شأن تمحيص الرواة ، وعمل بالأدلة القائمة على حجية كل خبر اعتبر راويه لتوثيق. او مدح.

ولعل كثيراً من القائلين بحدوث التنويع. يعنون به ما ذكرناه من تجديده وتنقيحه من قبل السيد ابن طاووس ، لكن هذا ليس له تلك الأهمية ، ولا يناسب مزيد اعتناء الاخباريين في توهينه.

فالقدماء والمتأخرون متفقون على انقسام الخبر بلحاظ رجال سنده الى الحجة ، وغير الحجة ، وانما البحث في تعيين مصاديقهما. كما أنهم متفقون على العمل بالخبر الذي احتف بقرينة أوجبت حصول القطع بصدوره عن المعصوم (ع) ، وان كان ضعيف السند. ولذا عمل كثير من المتأخرين بأخبار الرواة الذين ادعى الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ). ولم ينظروا الى حال الواسطة بينهم وبين المعصوم (ع) ، بناء على اقتران أحاديثهم بما يوجب الوثوق بصدورها عنه (ع). كما اشتهر بين المتأخرين أن عمل قدماء الفقهاء بخبر ضعيف يوجب اعتباره. فيكون عملهم بمنزلة

____________

١ ـ وهو المعتقد بامامة الأئمة الاثني عشر فقط من أهل البيت (ع).

٢٢

القرينة المصححة للخبر.

وقد اعترف الفيض الكاشاني بذلك ، وقال ، « وعلى هذا جرى العلامة والشهيد في مواضع من كتبهما ، مع أنهما الأصل في الاصطلاح الجديد الخ » (١).

غايته أن تلك القرائن متوفرة لدى القدماء ، ونادرة لدى المتأخرين وسبق الاشارة اليه ، ولذا يقول الشيخ حسن بن الشهيد الثاني : « وغير خافٍ انه لم يبق لنا سبيل الى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا حيث حظوا بالعين ، وأصبح حظنا الأثر ... ولو لم يكن الا انقطاع طريق الرواية عنا من غير جهة الاجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى بها سبباً لإباء الدراية على طالبها » (٢).

وخلاصة البحث أن حجية الخبر تثبت بأحد امرين ، إما : سلامة سنده من الضعف ، وإما : احتفافه بقرينة الصحة ، وقد عمل القدماء والمتأخرون بهذين القسمين معاً ، وذكرهما الشيخ الطوسي بقوله : « إن خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالامامة ، وكان ذلك مروياً عن النبي (ص) ، او عن احد من الأئمة (ع) ، وكان ممن لا يطعن في روايته ، ويكون سديداً في نقله ، ولم يكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر ـ لانه إان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجباً للعلم ـ ... جاز العمل به. والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة ، فاني وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه الخ » (٣).

__________________

١ ـ الوافي ج ١ ص ١١.

٢ ـ منتقى الجان ج ١ ص ٣.

٣ ـ عدة الأصول ص ٥١.

٢٣

وحيث عرفت صحة تنويع الحديث ، فقد عرفوا كل نوع بما يميزه عن الآخر.

تعريف أنواع الحديث :

١ ـ فالصحيح : « مااتصل سنده الى المعصوم (ع) بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات.

٢ ـ والموثق : « ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ، ولم يشتمل باقيه على ضعف ».

٣ ـ والحسن : ما اتصل سنده الى المعصوم (ع) بامامي ممدوح من غير نص على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع مراتبه أو في بعضها ، مع كون الباقي من رجال الصحيح.

٤ ـ والضعيف « مالا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة ، بأن يشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه ، أو مجهول الحال ».

ذكر الشهيد الثاني هذه التعاريف في ( درايته ) (١). فاشترط في الخبر الموثق أن لا يشتمل باقي طريقه على ضعف فقط. ومقتضاه عدم المانع من اشتماله على راوي حسن. كما اشترط في الخبر الحسن أن يكون جميع رواته إماميين ممدوحين ، او بعضهم مع كون الباقي من الصحاح ، ومقتضاه أنه لو كان فيهم موثق ألحق الخبر به.

وهذا إنما يتم بناء على رأي الشهيد في أن الموثق أخس من الحسن والخبر يتبع أخس ما فيه من الصفات. أما بناء على ما اشتهر من كون الحسن أخس من الموثق ينقلب الاتصاف في محل البحث ، حيث يتصف

__________________

١ ـ الدراية ص ١٩ ، وما بعدها.

٢٤

الخبر بالحسن لو عرض في طريقه راوي حسن وإن كان باقي رواته ثقاتاً فضلاً عن الصحاح ، لقاعدة تبعية الخبر لاخس صفاته. وعليه فلابد أن يضاف الى تعريف الموثق : عدم اشتمال طريقه على راوي حسن ، ويكتفي في تعريف الحسن بكون الراوي إمامياً ممدوحاً ، وعدم اشتمال باقي السند على ضعف. ولذا قال الشيخ الأصبهاني في ( الفصول ) (١) : « ولو تركب من القسمين الأخيرين [ أي الحسن والموثق ] ولو بمشاركة القسم الأول [ أي الصحيح ] ففي إلحاقه بالحسن أو الموثق قولان مبنيان على الخلاف في تعيين المرجوح منهما ، لأن حال السند تتبع لحال أخس رجاله ».

وقد أورد الشيخ حسن بن الشهيد الثاني على والده : بأنه لا حاجة الى قيد « الإمامي » في تعريف الخبر الصحيح ، فان أخذ قيد العدل مغنٍ عنه ، لعدم اتصاف فاسد المذهب بالعدالة حقيقة (٢).

لكن الحق صحبة هذا القيد حيث حكي عن جماعة القول : بأن العدالة عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، على ما سيأتي بيانه عند البحث عن اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار ، وعليه فالتقييد بكون الراوي عدلاً لا يغني عن التقييد بكونه إمامياً. نعم بناء على اعتبار الايمان في العدالة كما هو المشهور يكون قيد « الإمامي » لغواً ، لكن وجود القول الاول يكفي في صحة التقييد به.

سلامة الخبر من العلة والشذوذ

ثمّ إن الشهيد الثاني نقل عن العامة : أنهم اعتبروا في صحة الخبر

____________

١ ـ انظر مبحث تقسيم الخبر الى أقسامه الاربعة.

٢ ـ منتقى الجمان ج ١ ص ٥.

٢٥

سلامته من الشذوذ والعلة.

وفسّر الشذوذ : بمخالفة الخبر لما رواه الناس. وفسّر العلة : بما يكون في الخبر « من أسباب خفيّة قادحة يستخرجها الماهر في الفن (١).

وعقبّه ولده بقوله : « كالارسال فيما ظاهره اتصال ، ولا ينتهي المعرفة بها الى حد القطع ، بل تكون مستفادة من قرائن يغلب معها الظن ، أو يوجب التردد ، والشك » (٢).

ثمّ قال الشهيد : « وأصحابنا لم يعتبروا في حد الصحيح ذلك. والخلاف في مجرد الاصطلاح ، وإلا فقد يقبلون [ أي العامة ] الخبر الشاذ والمعلل ، ونحن قد لا نقبلهما ، وإن دخلا في الصحيح بحسب العوارض » (٣).

وقوّى ولد الشهيد اشتراط سلامة الخبر من العلة ، فقال : « وأما عدم منافاة العلة فموضع تأمل ، من حيث أن الطريق الى استفادة الاتصال ونحوه من أحوال الأسانيد ، قد انحصر عندنا بعد انقطاع طريق الرواية من جهة السماع ، والقراءة في القرائن الحالية الدالة على صحة ما في الكتب ولو بالظن ولا شك أن فرض غلبة الظن بوجود الخلل ، او تساوي احتمالي وجوده وعدمه ، ينافي ذلك ، وحينئذ يقوى اعتبار انتفاء العلة في مفهوم الصحة الخ » (٤).

ومراده بتساوي احتمالي وجود الخلل وعدمه هو الشك في وجوده ، فلم يترجح جانب عدمه ، ليحصل الظن بالعدم ، وتثبت الصحة ولو ظناً. ولذا صرح ب‍‌ « أن المناسب في تعريف الصحيح أن يقال : هو متصل السند بلا علة الى المعصوم (ع) برواية العدل الضابط عن مثله في جميع المراتب » (٥).

__________________

١ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٢٠.

٢ ـ منتقى الجمان ج ١ ص ٦.

٣ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٢٠.

٤ ـ منتقى الجمان ج ١ ص ٨.

٥ ـ منتقى الجمان ج ١ ص ١١.

٢٦

ونبّه الشهيد الثاني على أنه ينبغي أن يزاد الى تعريف الحسن كون المدح مقبولاً ، فيقال في تعريفه : « ما اتصل سنده بامامي ممدوح مدحاً مقبولاً ، او غير معارض بذم ، ونحو ذلك » (١). إذ عند عدم قبول المدح يكون وجوده كعدمه ، وعند معارضته بالذم يتساقطان. ولذا كان المناسب العطف بالواو ، فيقول : مدحاً مقبولاً ، وغير معارض بذم.

ولا يخفى أن اعتبار هذه الزيادة لا تختص بتعريف الحسن ، بل تجري في تعريف الصحيح ، والموثق أيضاً ، حيث يعتبر فيهما أن يكون التوثيق مقبولاً وغير معارض بذم. فلا وجه لتخصيص الحسن به ، كما فعله الشهيد.

الحجة من هذه الأنواع

وبعد ثبوت صحة تنويع الحديث ، وتعريف كل نوع بما يميّزه عن الآخر ، بحث عن الحجة من تلك الانواع.

فالصحيح منها حجة بلا خلاف بين القائلين بحجية خبر الواحد ، وهو القدر المتيقن ارادته من دليل الحجية ، بشرط أن لا يكون شاذاً ، او معارضاً بغيره من الأخبار المعتبرة ، حيث يطلب المرجح عند التعارض وربما عمل بالشاذ كما اتفق للشيخين في بعض الموارد (٢).

وأما الموثق والحسن ، فالمشهور حجيتهما. وخالف فيها جماعة ، فاشترطوا في اعتبار خبر الواحد أن يكون جميع رواته اماميين عدولاً ، ولذا قال الشهيد الثاني : « واختلفوا في العمل بالحسن. فمنهم من عمل به مطلقاً كالصحيح ، وهو الشيخ على ما يظهر من عمله ، وكل من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ، ولم يشترط ظهورها. ومنهم من رده مطلقاً ،

____________

١ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٢٤.

٢ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٢٥ ـ ٢٦.

٢٧

وهم الأكثرون ، حيث اشترطوا في قبول الرواية الايمان والعدالة ، كما قطع به العلامة في كتبه الاصولية وغيره ... وكذا اختلفوا في العمل بالموثق نحو اختلافهم في الحسن. فقبله قوم مطلقاً. ورده آخرون وفصّل ثالث بالشهرة وعدمها الخ » (١).

والحق حجيتهما معاً ، لقيام السيرة العقلائية على قبول كل خبر كان المخبر به موثوقاً به في نقله ، او حسن الظاهر ممدوحاً ، ولم يثبت ردع عنها من قبل الشرع. وسبق (٢) نقل الشيخ الطوسي اعتبار الطائفة للمدوح وللموثوق به من الرواة ، واهتمامها بأمر المدح والذم. ودلت الروايات العديدة على اعتبار خبر الثقة.

فروى عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا (ع) قال : « لا أكاد أصل اليك أسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال (ع) : نعم » (٣) فيكشف هذا السؤال عن أن

____________

١ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٢٦.

٢ ـ انظر ص ٢١.

٣ ـ الوسائل ـ ح ٣٤ ـ ب‍‌ ١١ ـ صفات القاضي ـ رواه عن الكشي في رجاله ، عن محمد بن مسعود ، وهو العياشي ، عن محمد بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين ، عن الرضا (ع). والرواية ضعيفة السند ، لان محمد بن نصير مشترك بين النميري الضعيف ، وبين الذي هو من أهل ( كش ) الثقة الجليل ، وكلاهما في طبقة واحدة ، ولم يعلم أن المراد هنا ايهما ، وذلك كافٍ في ضعف الرواية. على انهم ذكروا : أن الذي يروي عنه الكشي هو الثقة الذي من أهل ( كش ) ، والذي يروي عنه العياشي هو النميري الضعيف. والراوي عنه في هذه الرواية هو العياشي رواها عنه ، عن محمد بن عيسى وعين هذا السند ورد في روايتين ذكرا في ( جامع الرواة ) وجاء في التعليقة عليه :

٢٨

حجية خبر الثقة مفروغ عنه لدى السائل ، وانما كان السؤال عن الصغرى وهي وثاقة يونس ، وقد أقرّه الإمام (ع) على ذلك. وروى أحمد بن اسحاق عن ابي الحسن (ع) ، قال : « سألته وقلت : من أعامل ، وعمن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال (ع) : العمري ثقتي ... فانه الثقة المأمون قال : وسألت ابا محمد (ع) عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان ... فانهما الثقتان المأمونان » (١).

وفي التوقيع الشريف الصادر عن الإمام المهدي (ع) « فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا الخ » (٢). وعن الحسين بن روح ـ رضوان الله عليه ـ : أن الحسن العسكري (ع) سئل عن كتب بني فضّال. فقال (ع) : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (٣).

__________________

أن الذي يروي عنه العياشي هو الثقة لا النميري ولكن مراعاة الطبقة لا تأبى كونه النميري الخ. انظر ( جامع الرواة ج ٢ ص ٢٠٨ ).

١ ـ الوسائل ـ ح ٤ ـ ٥ ـ ب‍‌ ١١ ـ صفات القاضي ـ رواه عن الكليني عن محمد بن عبد الله الحميري ، ومحمد بن يحيى جميعاً ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن اسحاق ، عن ابي الحسن (ع). والسند صحيح.

٢ ـ الوسائل ح ٤١ ـ ب‍‌ ١١ ـ صفات القاضي ، رواه عن الكشي ، عن علي بن محمد بن قتيبة المعروف بالقتيبي النيسابوري ، عن احمد بن ابراهيم المراغي قال : « ورد على القسم بن العلا ، وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه : « فانه لا عذر لاحد الخ ». وقد اختلفوا في اعتبار القتيبي والمراغي ، ولكن العلامة أدرجهما في القسم الاول من كتاب ( خلاصة الرجال ص ١١ ـ ٤٦ ) ، ووصف القتيبي بالفاضل كما ذكرهما ابن داود في القسم الاول من كتاب ( رجاله ص ٢٣ ـ ٢٥٠ ). وقال في المراغي : « ممدوح عظيم الشأن ».

٣ ـ الوسائل ح ١٤ ـ ب‍‌ ١١ ـ صفات القاضي ، رواه عن الشيخ الطوسي

٢٩

مع أنهم من الفطحية.

واستدل الشيخ الأنصاري بهذا الحديث على لزوم الأخذ بما رواه بنو فضّال بلا حاجة الى النظر في حال رجال السند بعدهم (١).

ونقل الشيخ الطوسي : أن الطائفة قد عملت بأخبار الفطحية ، والواقفه ، ونظائرهم إذا كان الراوي منهم موثوقاً به ، ولا يوجد في اخبارنا ما يخالف خبره ، ولم يعرف من الطائفة العمل على خلافه (٢). فيكشف عن حجية خبر الموثق.

وهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما.

حول مدح الراوي

الأول : إن مدح الراوي لما كان موجباً لاعتباره ، والاخذ بحديثه ، كالتوثيق ، فلماذا خصّوه بالامامي ، ولم يتعدوا عنه ، وهّلاً كان المدح بمنزلة التوثيق في اعتبار الراوي ، وعدّ حديثه حسناً وإن لم يكن امامياً.

ويمكن الجواب عنه بأن اعتبار الإمامي الممدوح من أجل ثبوت عدالته بالمدح ، لانها عبارة عن حسن الظاهر ـ المفسّر بعدم ظهور ما ينافي العدالة ـ المقرون بالمدح. وهذا مختص بالإمامي ، لعدم اتصاف غيره بالعدالة وإن مدح او وثق. فالمدح إذن بنفسه لا يوجب اعتبار الراوي ، وانما إمارة عدالته ، بخلاف التوثيق ، فانه موجب لاعتبار الموثق بنفسه وإن لم

__________________

في كتاب ( الغيبة ) ، عن ابي الحسين بن تمام ، عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح ، عن الحسين بن روح. والسند ضعيف ، لعدم وثاقة ابي الحسن بن تمام ، وعبد الله الكوفي.

١ ـ كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري ص ٢.

٢ ـ عدة الأصول ص ٦١.

٣٠

يكن عدلاً ، فلا يختص بالإمامي.

وبهذا اجاب السيد بحر العلوم عن ايراد آخر ، وهو أن اشتراط عدالة الراوي ينفي حجية الحسن مطلقاً. فقال : « التحقيق أن الحسن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنما يخالفه في الكاشف عنها ، فانه في الصحيح هو التوثيق ، او ما يستلزمه بخلاف الحسن ، فان الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفى به في ثبوت العدالة على أصح الاقوال » (١).

ولكن يورد عليه اولاً : بأنه منافي لما صرح به جماعة في مبحث العدالة من عدم ثبوتها بذلك ، فيتم هذا الجواب على بعض المباني ، كما أشار اليه السيد. وثانياً : بأنه منافي لما أخذوه في تعريف كل من الصحيح والحسن ، حيث اعتبروا في الصحيح كون الراوي امامياً عدلاً ، واعتبروا في الحسن كونه امامياً ممدوحاً من غير نصٍ على عدالته ، وهذا صريح في أن اعتبار الحسن ليس من أجل ثبوت العدالة بالمدح. على أن جعله قسيماً للصحيح يقضي بذلك ، وإلا لكان قسماً منه. وثالثاً : بمنافاته الاستدلال على حجية الحسن ببناء العقلاء على قبول خبر المخبر الممدوح الذي لم يظهر منه كذب او دس ، فان مقتضاه عدم دخل عقيدته في قبول خبره.

نعم سبق (٢) ان الشيخ الطوسي نقل عن أصحابنا : أنهم ميّزوا الرجال الناقلة للأخبار ، ووثّقوا الثقات منهم ، وضعّفوا الضعفاء ومدحوا الممدوح ، وذموا المذموم ، وقالوا فلان متهم في حديثه ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها الخ. ومقتضاه ان مدحهم للراوي ، واعتمادهم على حديثه لذلك مشروط بكونه امامياً حيث ذموا غيره ، وطعنوا فيه ، ولا

____________

١ ـ رجال السيد بحر العلوم ج ١ ص ٤٦٠.

٢ ـ انظر ص ٢١.

٣١

يجتمع المدح والذم بالنسبة لشخص واحد. وعليه فتكون سيرة الطائفة الممضاة من قبل الشرع دليلاً على أن مدح الراوي لا يجدي في قبول خبره إلا إذا كان إمامياً. ولا يجري ذلك في التوثيق ، لنقل (١) الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخبار الثقة وإن لم يكن إمامياً مثل عبد الله بن بكير فيختلف المدح عن التوثيق.

هل تثبت العدالة بالتوثيق

الثاني : إن الرجاليين كالنجاشي ، والشيخ الطوسي قد وثقوا كثيراً من الرواة غير الامامية وإن كانوا من الشيعة ، كالواقفة والفطحية ، كما وثقوا بعض الرواة من العامة مثل السكوني ، ولا شك في ان هذا التوثيق شهادة منهم بأمانة الموثق ، وصدقه في الحديث فحسب ، فلا تثبت به عدالته ، وعلى هذا السنخ نراهم وثقوا كثيراً من رواة الامامية ، فكيف يصح البناء على أنه شهادة بعدالتهم ، ولماذا لا يكون شهادة بتحرزهم عن الكذب وصدقهم في الحديث كغيرهم ، وما الفرق بين قول النجاشي في سماعة بن مهران : ثقة ثقة. مكرراً ، وبين قوله بعده في سري بن عبد الله السلمي : ثقة ، ليكون الأول : شهادة بصدق سماعة. والثاني : شهادة بعدالة سري. مع أن الشهادة الاولى اقوى وآكد بالتكرار.

نعم يمكن القول. بأن توثيق الإمامي ، مع السكوت عن جرحه بما بخل بالعدالة يقضي بأنه عادل ، اذ لو كان هناك ما يجرحه لذكر. لكن الاعتماد على مثل هذا السكوت في اثبات العدالة مشكل.

هذا كله في أنواع الحديث الثلاثة ، الصحيح ، والحسن ، والموثق.

__________________

١ ـ عدة الأصول ص ٦١.

٣٢

وأما الضعيف وهو المرسل ، او المسند الذي لم يكن راويه موثقاً ، أو إمامياً ممدوحاً ، سواء كان مجهولاً ، او مجروحاً ، فليس بحجة ، لعدم الدليل على جواز العمل به ، فلم يخرج عن حد الظنون التي لا يجوز العمل بها.

نعم ذكروا طريقين لجواز العمل بمثل هذا الحديث. احدهما كون الراوي له من أصحاب الاجماع اذا صح السند اليه ، وإن ضعف من بعده من الرواة. الثاني اشتهار العمل به لدى قدماء الفقهاء.

وعليه يلزمنا البحث عن كلا الطريقين. ونقدم البحث عن الأول ، ونردفه بالبحث عن الثاني فنقول.

٣٣
٣٤

(٢)

احَاديثُ اصحابِ الأجماع

٣٥
٣٦

هناك جماعة من وجوه رواة أحاديث أهل البيت (ع) ، وثقاتهم ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، فسمّوا ب‍‌ ( أصحاب الاجماع ).

ويعّد البحث عن ذلك من أهم أبحاث أصول الحديث ، وقواعده ، حيث يبتني عليه حكم مجموعة كبيرة من أحاديث الفقه الإمامي. ولذا قال الشيخ النوري : « ... فانه من مهمات هذا الفن اذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة الى حدودها ، او يجري عليها حكمها » (١). فالجدير بالفقيه أن يرعى هذا البحث بمزيد اهتمامه.

تصحيح أحاديث أصحاب الاجماع

فقد بنى جماعة من أكابر الفقهاء على قبول كل حديث صح عن احد اصحاب الاجماع ، من غير لحاظ حال الواسطة بينه وبين المعصوم (ع) فالعبرة بصحة السند من أوله الى ذلك الراوي ، فمسانيده ، ومراسيله ، ومرافيعه ، ومقاطيعه ، كلها معدودة من صحاح الاحاديث ، تفسيراً لجملة ( تصحيح ما يصح عنهم ) بذلك.

وصرح الشيخ محمد بن اسماعيل المعروف بابي علي في ( رجاله ) : بأن هذا المعنى ، والتفسير ، هو الظاهر المنساق الى الذهن من تلك الجملة. ونقل عن استاذه العلامة أنه اختاره ، وعزاه الى المشهور ، كما نقل عن بعض اجلاّء عصره دعوى الشهرة عليه ، وحكى عن المحقق الداماد في كتابه ( الرواشح السماوية ) نسبته الى الاصحاب مؤذناً بدعوى الاجماع عليه

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٧٥٧.

٣٧

كما حكاه عن امين الدين الكاظمي (١). واختاره الشيخ المامقاني (٢).

ونقل الفيض الكاشاني عن جماعة من المتأخرين : أنهم فهموا من تلك الجملة الحكم بصحة الحديث المنقول عن احد اولئك الجماعة ، اذا صح عنهم ، حتى اذا رووا عمن هو معروف بالفسق والوضع فضلاً عما لو ارسلوا الحديث (٣). واختاره الشيخ محمد بن الحسن الحر (٤).

وخالف في ذلك جماعة من المحققين ، فقالوا : بعدم الفرق بين اصحاب الاجماع ، وغيرهم في لزوم احراز وثاقة الواسطة بينهم وبين المعصومين (ع) ، كما يلزم احراز وثاقة الواسطة بيننا وبينهم. فلذا اضطررنا الى تفصيل البحث فنقول.

تعريف بأصحاب الاجماع

إن الجماعة الذين ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، أو ( تصديقهم ) ثمانية عشر رجلاً. قسّمهم الى طوائف ثلاث كل ستة منهم طائفة.

فقال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من أصحاب ابي جعفر (ع) ، وابي عبد الله (ع) : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب ابي جعفر عليه‌السلام ، وأصحاب ابي عبد الله عليه‌السلام ، وانقادوا لهم بالفقه. فقالوا : افقه الاولين ستة ، زرارة ، ومعروف بن خربوذ وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطايفي. قالو : وأفقه الستة زرارة. وقال بعضهم مكان ابو بصير

__________________

١ ـ منتهى المقال ص ٩ ـ ١٠.

٢ ـ مقباس الهداية ص ٧٢.

٣ ـ الوافي ج ١ ص ١٢.

٤ ـ وسائل الشيعة ج ٣ ـ الفائدة ٧.

٣٨

الاسدي : ابو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري ».

ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي عبد الله (ع) « اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون اولئك الستة الذين عددناهم ، وسمّيناهم ، ستة نفر ، جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وابان بن عثمان. قالوا : وزعم ابو اسحاق الفقيه ـ وهو ثعلبة بن ميمون ـ : ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث اصحاب ابي عبد الله (ع) ».

ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي ابراهيم (ع) ، وأبي الحسن الرضا (ع) : « أجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم ، واقروا لهم بالفقه ، والعلم. وهم ستة نفر اخر ، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد الله (ع). منهم يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن ابي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، واحمد بن محمد بن ابي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان بن عيى وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى » (١).

وقد نظم السيد بحر العلوم هذا الاجماع الذي نقله الكشي ، ولم يختلف معه إلا في ابي بصير ، حيث نقل الكشي انه الاسدي ، ثمّ نسب القول الى بعضهم : بأنه المرادي. اما السيد فقد ذكر أنه المرادي بقوله : « وليث يافتى ». واليك ما نظمه ، فقال.

قد أجمع الكل على تصحيح ما

يصح عن جماعة فليعلما

____________

١ ـ رجال الكشي ص ١٥٥ ـ ٢٣٩ ـ ٣٤٤.

٣٩

وهم أولو نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستة الأولى من الأمجاد

أربعة منهم من الاوتاد

زرارة كذا بريد قد أتى

ثمّ محمد وليث يافتى

كذا الفضيل بعده معروف

وهو الذي ما بيننا معروف

والستة الوسطى أولو الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل مع أبان

والعبدلان ثمّ حّمادان

والستة الأخرى هم صفوان

ويونس عليهم الرضوان

ثمّ ابن محبوب كذا محمد

كذاك عبد الله ثم‏ّ أحمد

وما ذكرناه الأصح عندنا

وشذ قول من به خالفنا (١)

ولم يزد الكشي في كتابه الذي بأيدينا على اولئك الثمانية عشر ، إلا أن ابن داود في ( رجاله ) عندما ترجم حمدان بن احمد ، نقل عن الكشي انه قال : « هو من خاصة الخاصة اجمعت ( الصحابة ) (٢) على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه » (٣).

واحتمل الشيخ النوري : ان يكون ابن داود قد اعتمد في نقله على أصل ( رجال الكشي ). لان الكتاب الشائع الواصل الينا بهذا الاسم مختصره (٤). وسيأتي التنبيه على ذلك عند البحث عن ( الأصول الرجالية ).

وعد الشيخ النوري اصحاب الاجماع اثنين وعشرين رجلاً ، جمعاً بين ما اختاره الكشي ، وما نقله عن بعضهم. وبالاضافة لمن ذكره ابن دواد يبلغ عددهم ثلاثة وعشرين. مستدلاً عليه بأنه : « لا مناقاة بين

____________

١ ـ ملحق خلاصة الرجال للعلامة ص ١٨٥.

٢ ـ هكذا ورد في النسخة المطبوعة. لكن الصحيح ( العصابة ) ، فانه اللفظ المعروف في هذا الاجماع ، والذي نقله الشيخ النوري عن ( رجال ) ابن داود.

٣ ـ رجال ابن داود ص ١٣٣.

٤ ـ مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٥٧.

٤٠