من وحي الإسلام - ج ٢

الشيخ حسن طراد

من وحي الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن طراد


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين (١٠٧) ) (١).

وبما اشتهر نقله عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ».

وحيث ان للجهاد قيمته السامية ودوره الطليعي في صون الرسالة من الانهيار امام اعتداء المعتدين كما تقدم فقد حثت الشريعة المقدسة عليه ورغبت فيه وامرت به بأسلوب خاص لم تستعمله في مقام ايجاب سائر الفرائض الشرعية كما يظهر بالتأمل في مضمون واسلوب الايتين الكريمتين التاليتين كما ورد التعبير عن اهمية الجهاد في العديد من الروايات بالاسلوب المقارب للاسلوب القرآني.

الاولى من الايتين المذكورتين قوله تعالى :

( إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلونَ ويُقْتَلون وعداً عليه حقا في التوراة والانجيل والقران ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (١١١) ) (٢).

والثانية قوله تعالى :

( ياأيها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم (١٠) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون (١١) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (١٢) ) (٣).

ومن الروايات الواردة في مقام بيان فضل الجهاد واهميته في الإسلام

__________________

(١) سورة الانبياء ، آية : ١٠٧.

(٢) سورة التوبة ، آية : ١١١.

(٣) سورة الصف ، آية : ١٠ و ١١ و ١٢ وقد عبرت عن هذه الايات الثلاث بالآية باعتبار انها بمنزلة الواحدة من حيث مضمونها.

٢٠١

ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : « فوق كل ذي بِرٍ بِرْ حتى يقتل المرء في سبيل الله فليس فوقه بر ».

وروي عن الإمام علي عليه‌السلام قوله : ما حاصله « لالف ضربة بالسيف أحب اليّ من ميتة على فراش » وقوله ايضا : « ان الجهاد باب من ابواب الجنة فتحه الله لخاصة اوليائه » وقوله عليه‌السلام : « الايمان اربعة اركان الصبر واليقين والعدل والجهاد » وعن الصادق عليه‌السلام قوله : « اصل الإسلام الصلاة وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد ».

٢٠٢

منزلة الشهيد الرفيعة في الإسلام

وقد بين الله سبحانه مقام الشهيد ومنزلة الشهادة السامية المترتبة على الجهاد في سبيل الله بقوله تعالى :

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون (١٦٩) ) (١).

وقوله سبحانه :

( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله امواتا بل احياء ولكن لا تشعرون (١٥٤) ) (٢).

وقد تقدم ان قيمة الجهاد والشهادة والاستشهاد مستمدة من قيمة الدين ودوره الطليعي في صنع انسانية الإنسان وبناء شخصيته الرسالية وتحقق الغاية الاساسية السامية التي خلق الله الكون والإنسان من اجلها وهي عبادته وحده لا شريك له ـ وذلك باعتبار توقفها على انزال الله سبحانه التشريع السماوي والايمان بأصوله وفروعه والعمل بمقتضاها كما تقدم مفصلا وقد ذكرت اكثر من مرة في اكثر من مورد ان الله سبحانه لم يخلقنا للعبادة ويوجبها علينا الا من اجل ان نتوصل بها الى الكمال والسعادة ـ وتظهر هذه الحقيقة جلية بالمقارنة السريعة بين وضع الإنسان قبل بزوغ فجر الإسلام على آفاق الوجود ووضعه بعده ففي العهد الاول كان حيوانا مفترسا وفي العهد الجديد اصبح بشرا سويا وانسانا وفيا ومؤمنا وليا لله تعالى عابدا له وحده لا شريك له بعد

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٦٩.

(٢) سور البقرة ، آية : ١٥٤.

٢٠٣

عبادته الاصنام ومحبا الخير لغيره وكارها الشر له وساعيا في سبيل حصول هذا الخير له وفي سبيل دفع الشر عنه ـ وباراً بوالديه ومحترما للمرأة وخصوصا زوجته ومؤديا لها حقوقها المادية والمعنوية ومحبا للبنت ومدركا انها هدية من الله ليحسن تربيتها وينال الاجر العظيم بذلك ومؤديا لحق الاخرين بالرفق والعطف والحنان وموسعا دائرة ذلك لتتسع رحمته تبعا لاتساع رحمة الله سبحانه التي وسعت كل شيء ولذلك يرفق حتى بالحيوان ويقوم بواجب النفقة نحوه ولا يكلفه فوق طاقته والحاصل ان الإنسان الجديد في ظل العهد الجديد اصبح مصداقا للمؤمن النبيل الذي ورد في وصفه ان خيره مضمون وشره مأمون ـ بعد ان كان عكس ذلك في ظل الجاهلية الجهلاء.

٢٠٤

سبب استشهاد الإمام علي ( ع )

وبعد بيان اهمية الجهاد وقيمة الشهادة والاستشهاد في سبيل الله تعالى احب ان اشير باختصار الى العوامل التي ساهمت في استشهاد الإمام علي عليه‌السلام بالسبب الذي حصل له فاقول :

ان العوامل التي ساهمت في تحقق شهادته عديدة ابزرها الحسد اللئيم والحقد الدفين والحرص اللعين ـ اما مصدر العامل الاول فهو بلوغ الإمام علي عليه‌السلام اعلى مراتب الفضل والمجد والسؤدد من عدة جهات وقد اعترف بعضهم بهذه الظاهرة النادرة اللافتة بقوله :

« لقد كنا ننظر الى شخص علي بن ابي طالب في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالبدر بين النجوم ـ وبقدر ما تعلو مرتبة الشخص بالفضل والفضيلة فإن حساده يكثرون وقد اعتبر بعض الشعراء تفوق شخصية الإمام علي عليه‌السلام وبروز مقامه عذرا لحاسديه حيث غطى نور فضله المتألق على اضواء غيره كما يغطي نور الشمس على ما عاداها من النجوم اللامعة والكواكب الساطعة ـ فقال ذلك الشاعر :

إني لاعذر حاسديك على الذي

اعطاك ربك ذو الجلال وذو العلى


واما الحقد الدفين فسببه ادخال الإمام علي عليه‌السلام الحزن والثكل الى اكثر البيوت نتيجة قتله العدد الكثير من اعداء الإسلام في المعارك الدامية التي خاضها للدفاع عنه وصونه من اعدائه اللئام وحيث ان الإسلام الذي دخلوا

٢٠٥

مدرسته مؤخراً لم تترسخ عقيدته في قلوبهم بالدرجة القابلة لازالة رواسب الجاهلية ونزعة حب الاخذ بالثأر ـ نتج عن ذلك تغلب الهوى على الهدى وتعاون اعداء الحق على الاثم والعدوان من اجل اطفاء نوره بأية وسيلة ـ وبذلك يعرف سبب وجود الطمع اللعين لدى الكثيرين ممن وقفوا في صف المعارضة لحكم الإمام علي عليه‌السلام لانه كان شديد الحرص على تطبيق نظام العدالة بدقة وحزم حتى في حق القريب فضلا عن البعيد الغريب وقصته مع اخيه عقيل مشهورة ومثلها قصته مع عمرو بن العاص عندما جاءه ليلا وهو مشغول بادارة شؤون المسلمين ونظم امورهم على ضوء السراج الذي كان مضاء بالزيت المشترى من بيت مال المسلمين ـ حيث اطفأ السراج لمجرد علمه بأن عمروا هذا قد جاءه بقضية خاصة به من اجل ان لا يصرف ولو قليلا من زيت مصباح المسلمين في غير مصلحتهم.

ومن المعلوم ان هذه الشدة في تطبيق الاحكام الشرعية وخصوصا فيما يتعلق بالقضايا المالية لا تنسجم مع طبق وطمع الكثيرين ممن تعودوا على خلاف ذلك وعلى الاخص بعد اعلانه العزم على استرجاع ما يستطيع ارجاعه من مال بيت للمسلمين الذي اخذ منه وصرف في مورد غير مشروع او على شخص غير مستحق حتى ولو تزوج به النساء واشتريت به العبيد والاماء.

والجامع المشترك بين الاسباب الثلاثة التي ساهمت في اطفاء نور الحق بالقضاء على شخص كان مع الحق كما كان الحق معه كما اخبر الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ هو عدم الايمان او ضعفه الى درجة يصبح معها بحكم العدم ـ وذلك لان المؤمن حقا لا يحسد ولا يحقد ولا يطمع بغير رحمة الله ورضوانه.

وحيث ان الشهادة كانت الحلم السامي والامل الوضاء الذي سعى في سبيل تحصيله سابقا وقوي تطلعه لادراك هذه الامنية ليلة المبيت في فراش الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوم أُحد وشاءت الحكمة الالهية ان تؤخر له ادراك هذا الهدف الغالي العالي.

٢٠٦

أجل : حيث ان الشهادة كانت الامنية العزيزة المحبوبة للامام عليه‌السلام وتوفق اخيرا لادراكها في اشرف ليلة وهي ليلة القدر وافضل شهر وهو شهر الله واشرف مكان وهو بيت الله وحال قيامه بأفضل عمل هو عبادة الله التي تمثلت بصلاة الصبح يومذاك.

لذلك استقبلها الإمام بصدر رحب وقلب مشرق بنور السرور والسعادة التي احس بها حين ظفره بسبب الشهادة وقد عبر عن فرحه الروحي وابتهاجه النفسي بقرب لقائه بالحبيب الحبيب وهو الله سبحانه بقوله : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله فزت ورب الكعبة.

٢٠٧

بعض الدروس التربوية المستفادة

من شهادة الإمام علي ( ع )

وكما استفدنا بعض الدروس من عبادته عليه‌السلام ينبغي ان نستلهم بعضا منها بمناسبة شهادته واهم درس يمكن ان نستفيده من هذه المناسبة العظيمة هو ان نبقى مع الحق كما كان الإمام معه يدور معه حيثما دار ونجاهد في سبيل نصرته والدفاع عنه ولا نساوم عليه ولا نتنازل عنه مهما كانت التضحيات والصعوبات وبذلك نكون مع علي عليه‌السلام ومن شيعته حقا الذين ينالون في الدنيا احترامه ومحبته وفي الآخرة شفاعته ويسرني في ختام الحديث المختصر عن شخصية الإمام علي عليه‌السلام ان اهدي الى هذه الشخصية الفذة المقطوعة الشعرية التالية :

حي الوصي وحي العـلم والعــملا

حي الأبي الكمي الفارس البــطلا

حي الإمام الـذي صـانت مواقــفه

شرع السماء ـ بما اعطى وما بذلا

لولا مبيت علي الطــهر ما سلـمت

حياة أحمد مما حـــيك بل قـتلا

لولاه لولاه في بــدر وفـي احــد

ما تم لجيش الحق بـــل خــذلا

لولاه لولاه في الاحزاب ما انهـزمت

وما تحقق للمــختار مـا أمــلا

لولا بـطولته فـي خـيبر ذهــبت

تلك الجهود ونالت كلهـا الفــشلا

ومن سواه بيوم الفـتح قـال لــهم

اليوم مرحمة نحيي بـها المـــثلا

ومن سواه سما قـــدرا ومــنزلة

وفوق منكب خير المرسلــين علا

وطهر البيت من اصـنام شــركهم

وكان للحق في توحيــده مــثلا

٢٠٨

ومـن سواه ببيت الله مــولده

فضل تنال به تكريمها الفضلا

ومن سواه من المحراب كان له

حلم الشهادة لما فاز مرتـحلا

في بيت خالقه كانت ولادتــه

ومنه للفوز بالنعمى قد انتـقلا

كلمة هادفة من وحي فتح مكة المكرمة

من الحوادث التاريخية التي حدثت في شهر رمضان المبارك حادثة فتح مكة المكرمة وهي حادثة ذات اهمية قصوى تقتضي الاهتمام والنظر إليها بعين الفكر والبصيرة النافذة من اجل ان تستوحي منها الدروس والعبر المفيدة.

ولهذه الحادثة سببها المؤدي اليها نتيجتها الايجابية المترتبة عليها والدروس التربوية التوجيهية التي يمكن استفادتها منها.

اما سببها فهو مجموع امرين ـ الاول الصلح (١) الذي حصل بين المسلمين الممثلين بالرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش ممثلة بسهيل بن عمرو ـ وذلك عندما عزم الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على زيارة بيت الله الحرام في مكة المكرمة بقصد العمرة في السنة السادسة من هجرته المباركة الى المدينة المنورة فلم توافق قريش على ذلك لانها ترى فيه نوعا من الاذلال لها حاصلا بدخول مكة عنوة بدون سابق مفاهمة معها واخيرا تم الصلح بين الطرفين والاتفاق على تأجيل الرسول زيارة بيت الله الحرام الى العام القادم ضمن شروط اتفق عليها الفريقان وكان من جملة هذه الشروط ان يكون دخول المسلمين في العام القادم بدون الظهور المسلح ـ باستثناء سلاح الراكب بشرط وضعه في قرابه ومن الشروط ارجاع المسلمين من يأتي اليهم مسلما من قريش ـ الى اهله في مكة وعدم التزام قريش بارجاعها من يأتي اليها مرتدا من المسلمين ـ وهناك شروط اخرى لم اذكرها للاختصار وبعد الاتفاق على الشروط الخاصة دعا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً عليه‌السلام لأن يكتب وثيقة

__________________

(١) وهو المسمى بصلح الحديبية.

٢٠٩

الصلح فكتب في بدايتها : بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو مخاطبا الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا كتاب بيننا وبينك يا محمد فافتحه بما نعرفه واكتب باسمك اللهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطبا عليا عليه‌السلام : اكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت فقال علي عليه‌السلام : لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال : سهيل : لو اجبتك في الكتاب الى هذا لاقررت لك بالنبوة فامح هذا الاسم واكتب محمد بن عبد الله فقال له علي عليه‌السلام : انه والله لرسول الله على رغم انفك فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : امحها يا علي فقال له يا رسول الله : ان يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة قال : ضع يدي عليها فمحاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال لعلي عليه‌السلام : ستدعى الى مثلها فتجيب وانت على مضض ثم كتب :

باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ومن معه من المسلمين ـ سهيل بن عمرو ومن معه من اهل مكة على ان الحرب مغلولة فلا اغلال ولا اسلال (١) ولا قتال وعلى ان لا يستكره احد على دينه وعلى ان يعبد الله بمكة علانية وعلى ان يخليها له في قابل ثلاثة ايام فيدخلها بسلاح الراكب وتخرج قريش كلها من مكة الا رجلا واحدا من قريش يخلفونه مع محمد واصحابه الخ.

هذا حاصل الامر الاول من مجموع الامرين اللذين شكلا معا سبب حصول الفتح وهو امر اساسي معنوي كما لاحظنا.

واما الفتح الثاني فهو عسكري وحاصله : انه بعد حصول الاتفاق على الصلح وتوقيع الطرفين على شروطه المحددة ـ اتفق ان حصل من رجل ينتمي الى قبيلة بكر تغن بهجاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مسمع من رجل هو من قبيلة

__________________

(١) للارسال عدة معان منها الغارة الظاهرة والاغلال معناه الخيانة.

٢١٠

خزاعة وكان بين هذه القبيلة والرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد واتفاق على ان تمنعه مما تمنع منه نفسها ولذلك غضب الخزاعي من البكري وضربه فثارت قبيلته وتذكرت عداءها القديم لقبيلة خزاعة واستعانت بحلفائها من قريش فأعانتها قريش سرا بالعدة والرجال ثم توجهوا الى قبيلة خزاعة وافرادها آمنون مسالمون وقتلوا منهم فوق العشرين فلجأ الخزاعيون الى حليفهم الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخبروه بما فعلت قريش فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والله لامنعنكم مما امنع نفسي منه » ثم تجهز للسفر الى مكة ولم يخبر احدا واستنفر الاعراب من حول المدينة وقال لهم : « من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليحضر رمضان في المدينة » قال ذلك واخفى مقاصده عن بقية الجيش حتى لا تعرف قريش فتستعد للحرب وهو لا يريد ذلك محافظة على حرمة البيت الحرام وانما اراد اذلال قريش بدخوله مكة عنوة وبدون رضاها.

واخيرا : تحقق له مراده حيث دخل مكة فاتحا منتصرا واضعا جبهته الشريفة على قربوس فرسه تواضعا لله سبحانه وحياء من قومه وامر الإمام عليا بأن يدخل الراية ادخالا رفيقا مرددا شعار السلم والامان بقوله عليه‌السلام اليوم يوم المرحمة اليوم تحمى الحرمة ـ واكد ذلك بقوله عليه‌السلام ايضا :

من القى سلاحه فهو آمن ومن دخل بيته واغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن وعندما وصل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكعبة الشريفة وكان فيها عدد كثير من اعدائه لجأوا اليها خوفا وتهيبا قال لهم : « ما تظنون اني صانع بكم » قالوا : « اخ كريم وابن اخ كريم » فقال لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اذهبوا فأنتم الطلقاء ».

تحصل من مجموع ما تقدم ان فتح مكة المكرمة على الوجه الذي حصل نتج من مجموع امرين الاول سياسي وهو معاهدة الصلح والثاني عسكري تمثل بمخالفة قريش ونقضها للعهد بالعمل العسكري الذي قامت به مع حليفتها قبيلة بكر ضد قبيلة خزاعة حليفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واما النتجية الايجابية التي ترتبت على هذا الفتح المبارك فهي واضحة لانه ادى لان يفهم

٢١١

الاخرون الإسلام على حقيقته وسماحته ورحمته التي يشمل بها كل الناس حتى المعادي منهم بل وحتى الحيوان من الكائنات الحية التي تحس بغريزتها وطبيعتها الحيوانية باللذة والالم ـ كما مرت الاشارة اليه في بعض ابحاث هذا الكتاب.

وما الدروس التي يمكن استلهامها من قصة الفتح فكثيرة سأقتصر على ذكرها اهمها وهي كما يلي.

دروس تربوية من فتح مكة المكرمة

الدرس الاول : من هذه الدروس هو درس في ايثار الحل السلمي في مقام الصراع وعدم اللجوء الى العنف والحل العسكري الا وقت الحاجة الماسة والضرورة الملحة ـ فيلجأ اليه حينئذ كما يلجأ الطبيب الحكيم الى الدواء المر والعملية الجراحية عندما يتوقف العلاج وحفظ حياة المريض على ذلك ـ واستفادة هذا الدرس كانت من موافقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحل السلمي الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين ولم يصر على الحل العسكري حتى ولو كان مؤديا الى النصر المادي العسكري ـ وذلك لان الحرب لا تطلب في الإسلام لذاتها وانما تطلب لما يترتب عليها من نفع كثير او دفع ضرر خطير ـ فإذا كانت لا تؤدي الى هذا الهدف الإنساني فهي تفقد مبررها وقد اكد الله سبحانه هذه الحقيقة بقوله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

( * وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم (٦١) ) (١).

الدرس الثاني : في التواضع والتنازل عن بعض الاعتبارات في سبيل تحقيق هدف كبير ومصلحة عليا متوقفة عليه وقد حصل ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكانين من المعاهدة المذكورة الاول عندما كتب الإمام علي البسملة

__________________

(١) سورة الانفال ، آية : ٦١.

٢١٢

( بسم الله الرحمن الرحيم ) في افتتاحية المعاهدة ولم يوافق عليها الطرف المقابل وهو سهيل بن عمرو وطلب كتابة ما تعارفوا عليه عندهم وهو عبارة ( باسمك اللهم ).

الثاني : عندما كتب الإمام علي عليه‌السلام بطلب من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العبارة التالية : « هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله الخ ولم يوافق على ذلك سهيل وطلب محوها والاقتصار على اسم الرسول مجردا عن وصف الرسالة ».

وذلك لان الرسالة الإسلامية المباركة التي جاءت رحمة للعالمين ولانقاذ الناس اجمعين ـ قد بلغت من الاهمية درجة تقتضي ان يضحي في سبيلها بالانفس النفيسة والابناء الاحباء والاخوة الاعزاء والاصحاب الاوفياء كما حصل من الحسين عليه‌السلام ذلك كله عندما تعرض الدين للخطر كما هو المعلوم فبالطريق الاولى ان يضحى بما هو اقل من ذلك في هذا السبيل.

الدرس الثالث : في احترام العهود والمواثيق مهما كان ذلك صعبا وكلف من تضحيات جسام ـ لان ذلك تأكيد لمصداقية اسلام المسلم وتعميق لتعاليم الدين في نفوس ابناء المجتمع وخصوصا اذا كان الوفاء بالعهد مع غير المسلم ـ فإن ذلك يرغبه في الانتماء الى الدين الإسلامي والسير على نهجه القويم بعدما يدرك واقعيته وعدالته الاصيلة التي تشمل بنفحاتها العاطرة حتى غير المسلمين وبذلك يعرف المراد من قول الإمام الصادق عليه‌السلام وهو يوصي شيعته بتطبيق تعاليم الدين والتجمل بمكارم اخلاقه مع الناس اجمعين حتى مع الاشخاص الذي يختلفون معهم في التوجه الديني او المذهبي او السياسي لان ذلك هو طبيعة الرسالة الإسلامية التي شاءها الله سبحانه ان تكون كالشمس تشرق على كل الناس وتمدهم بنورها الوضاء وحرارتها المنعشة وكالمطر الذي ينزل على الارض كلها بلا استثناء.

وقد تمثل الوفاء بالعهد والاتفاق المبرم بين الطرفين ـ بارجاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بعض من جاءه الى المدينة من مكة مسلما هاربا بدينه من قومه

٢١٣

المشركين ـ وهو ابو جندل بن سهيل حيث طالب والده سهيل هذا بارجاعه اليهم وفاء بالعهد فقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخذ بيده ليرجعه الى ابيه ثم اقبل على الناس وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

انه ليس عليه بأس انما يرجع الى أبيه وأمه وإني اُريد ان اتم لقريش شرطها ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المدينة وانزل الله عليه في الطريق سورة الفتح مخاطبا له بقوله تعالى :

( انا فتحنا لك فتحا مبينا (١) ) (١).

الدرس الرابع : من الدروس التي يمكن ان تستفاد من حادثة فتح مكة ـ درس في الشكر لله سبحانه على نعمة الفتح والانتصار ويستفاد ذلك من الهيئة والحالة التي كان الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متلبسا بها حين دخوله مكة المكرمة ـ وهي حالة وضع جبهته الشريفة ـ على قربوس فرسه معبرا بذلك عن شكره لله سبحانه الذي امده بالنصر العظيم والفتح المبين بدون حصول مواجهة عسكرية هي منافية لحرمة البيت الحرام ولطبيعته الحليمة الرحيمة وذلك بسبب ذوبانه في ذات الله حبا وقربا والله سبحانه ارحم الراحمين وقد بعثه رحمة للعالمين وقد عبر عن ذلك بالشعار الذي أمر الإمام عليا برفعه حال دخول مكة المشرفة وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اليوم يوم المرحمة اليوم تحمى الحرمة ».

ثم اكد ذلك بشعاره السلمي الثاني الذي قال فيه : « من القى سلاحه فهو آمن ومن دخل بيته واغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن ».

وقد اراد الإمام علي عليه‌السلام بحصول الأمن لمن يدخل دار ابي سفيان ان

__________________

(١) نقلت قصة الفتح باختصار عن كتاب إعلام الورى للطبرسي ص ١٠٥ و ١٠٦ وكتاب امالي رمضان لمحمد عبد الرحمن الجديلي ص ١٩١ ـ ١٩٢.

٢١٤

يبين الإسلام على حقيقته وانه دين السماح والانفتاح لذلك يدعو مشرعه الإله الاعظم ورسوله الاكرم الى كظم الغيظ والعفو عن المسيء واكد ذلك ببيان انه يحب المحسنين حتى للمسيئين اذا كان الاحسان اليهم يساعد على اقتلاع جذور البغضاء والعداوة من قلوبهم وحلول المودة والولاء الوثيق مكانها كما يستفاد ذلك من صريح قوله تعالى :

( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (٣٤) ) (١).

والسنة النبوية بقولها وفعلها مترجمة لتعاليم الإسلام ومجسمة لاخلاق القرآن فمن القولية ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله للامام علي عليه‌السلام :

« يا علي ثلاث من مكارم الاخلاق تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ». ومن الفعلية عفوه عن قومه المشركين عندما ظفر بهم وتمكن من عقوبتهم في قصة فتح مكة المتقدمة والإمام علي نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص آية المباهلة ولذلك كان صورة اخرى عنه بتجمله بمكارم الاخلاق التي كان الرسول الاعظم متجملا بها وقد مدحه الله سبحانه على ذلك بقوله تعالى :

( وانك لعلى خلق عظيم (٤) ) (٢).

وكما صدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول يدعو الى العفو وفعل ممثل للعفو العملي فكذلك الإمام علي وابناؤه عليهم‌السلام فمن قوله عليه‌السلام : ما روي عنه من قوله عليه‌السلام : « اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه » ومن عفوه الفعلي ما روي عنه من عفوه عن خصومه يوم الجمل وسماحه لمعاوية وجيشه بورود المشرعة يوم صفين بعد منعهم الإمام عليا وجيشه من

__________________

(١) سورة فصلت ، آية : ٣٤.

(٢) سورة القلم ، آية : ٤.

٢١٥

ذلك عندما سبقوا الى هذه المشرعة ـ وكذلك طلبه من اولاده ان يرفقوا بأسيرهم عدو الرحمن بن ملجم ـ وان يطعموه مما يأكلون ويسقوه مما يشربون. ومن ذلك كله ما ورد في قصة الفتح وما عطف عليه مما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته نستطيع ان نستفيد درسا خاصا في الحلم ومكارم الاخلاق وهو اعظم واسمى درس يطلب من الناس جميعا بصورة عامة والمسلمين خاصة ـ ان يتجملوا به لان مكارم الاخلاق تعتبر في واقعها ثوبا معنويا جميلا ينفع ويرفع المتجمل به في الدنيا والاخرة وعلى العكس من ذلك التجرد منه فهو يحطم الشخص المتجرد ويضره معنويا وماديا دنيويا واخرويا قال الشاعر :

وإنما الامم الاخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا

وهناك دروس اخرى يمكن ان تستوحى من قصة الفتح باعتبار ان كل واحد من الرسول الاعظم والوصي الاكرم علي عليه‌السلام يمثل الإسلام العملي المتحرك والقرآن الناطق فكل تصرف يصدر منهما يعتبر تجسيما حيا لما في هذا الإسلام العظيم وذلك القرآن الكريم من مثل رفيعة وتعاليم سامية ونفس الشيء يقال بالنسبة الى البقية من ابناء علي المعصومين المطهرين وامهم المعصومة ام ابيها فاطمة الزهراء سلام الله عليهم جميعاً لان الكل نور واحد.

ويسرني ان اختم الحديث حول قصة الفتح بالمقطوعة الشعرية التالية التي نظمت مؤخرا بوحي من هذه المناسبة التاريخية الخالدة.

ما الفـتــح فتـح للــبلاد

بقوة السيـــف المبيــده

لكـنه فتــح القــلــوب

بنـــور اخلاق حميــده

وبـذاك اقـبلـت الوفــود

لهــا بأفـواج عــديـده

من بعدمــا وجـدت بشرع

الحق انظمــة سـديــده

تـدعو الــورى لعــبادة

لله نــافـعــة مفيــده

٢١٦

بالانقيـــاد لمـا يريــد

وفعل مــا يجـدي عبيـده

فهم العيـــال ويــرتقى

من خصهــم فـي الله جوده

هذا هـو الفتــح الــذي

بـمــودة نـغدو جنــوده

نحميــه من شر الطـغاة

ونبتغــي ابـدا صــعوده

ليظــل حـصنا واقــيا

يحمي بــه وطني حـدوده

٢١٧

حديث من وحي ليلة القدر المباركة

ويأتي الحديث مؤخرا من وحي هذه الليلة المباركة ليكون مسك الختام لهذا الكتاب باعتبار كونها احدى المناسبات الدينية التي تحيى في شهر رمضان المبارك والحديث من وحي هذه الليلة الغراء يكون عادة في ثلاث جهات.

الاولى : يبين فيها الوجه في تسميتها بليلة القدر وقد وجه ذلك بعدة وجوه واعتبارات فقيل : سميت بذلك باعتبار ان الله سبحانه يقدر فيها كل ما يجري على الإنسان من حوادث وطوارىء في سنته الحالية الى سنته التالية ـ وقيل سميت بذلك لان الله سبحانه يعطي للاعمال التي يؤتى بها فيها قيمة رفيعة ومنزلة سامية بلحاظ درجة الثواب المترتب عليها بحيث يكون ثواب العمل المأتى به فيها معادلا لثواب عمل ألف شهر مجرد عن هذه الليلة ولذلك وصفت بأنه خير من الف شهر ـ وقيل سميت بذلك لان الله سبحانه انزل فيها كتابا ذا قدر على نبي ذي قدر من اجل امة ذات قدر على يدي ملك ذي قدر ـ وهو جبرائيل.

الجهة الثانية : يبحث فيها عن فضل هذه الليلة ويكفيها فضلا وشرفا مضاعفة ثواب الاعمال الواقعة فيها ليبلغ مقدار ثواب الاعمال الواقعة في الف شهر مجرد عنها مضافا الى شرف نزول القرآن الكريم فيها واستجابة الدعاء ونحو ذلك من الخصوصيات الشريفة والمشرفة لهذه الليلة المباركة.

والجهة الثالثة : يبحث فيها عدة عن تحديد هذه الليلة وبيان انها اية ليلة

٢١٨

من ليالي هذا الشهر المبارك مع تسليم استمرارها بعد عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم انحصارها في زمانه مضافا الى القول بانحصارها في شهر رمضان الميمون كما هو المشهور وعدم الالتفات الى القول المفيد لوقوعها في بعض الشهور الاخرى ـ كشعبان والمشهور لدى الطائفة الشيعية ترتيب الاثر على ثلاث ليالي ورد بيانها والنص عليها في جواب سؤال وجه الى الإمام الصادق من قبل احد اصحابه طلب منه به تعيين ليلة القدر فقال عليه‌السلام : اطلبها في تسع عشر واحدى وعشرين وثلاث وعشرين ـ وان كان الراجح لدى البعض كونها الاخيرة اي ليلة ثلاث وعشرين ـ اعتمادا على بعض الروايات المتضمنة لذلك وبيان هذه الامور التي مرت الاشارة اليها في الجهات الثلاث وان كان راجحا ومفيدا بلا اشكال الا ان الاهم بيان ما هو الاهم منها بلحاظ النتيجة والآثار الايجابية التي ينبغي ان تحصل وتترتب على احياء ليلة القدر ـ ليكون احياء حقيقيا عمليا لا يقف اثره على صورة الاعمال ومقدار ما يمارس منها بعنوان الاحياء ـ بل ينفذ الى الروح روح تلك الاعمال المستحبة المعهودة حتى يبعثها فيها فتصبح حية بعد الموت ومتحركة بعد الجمود في طريق تحقيق الهدف الكبير والغاية الاساسية التي خلق الله الإنسان والكون من اجلها وهي عبادته وحده لا شريك له وهذه العبادة الخالصة المخلصة هي التي عبر عنها بالتقوى في كثير من الايات الكريمة ومنها قوله سبحانه :

( يايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (١٨٣) ) (١).

وبعد معرفة روح الاعمال التي يؤتى بها بعنوان العبادة والتعبد لله سبحانه سواء كانت واجبة ام مستحبة في شهر رمضان ام في غيره ـ نستطيع ان نعرف نوعها وواقعها من حيث الحياة والموت ومن حيث القوة والضعف

__________________

(١) سورة البقرة ، آية : ١٨٣.

٢١٩

الذي قد يلحقها بالاعمال الميتة التي تبقى حيث توجد ولا تتحرك في طريق القبول نحو الله سبحانه ومرضاته.

وبقليل من التدبر ندرك روح الاعمال التي هي مصدر حياتها وتحركها نحو الهدف المقصود منها ـ وهي إخلاص المؤمن العامل في نيته مع فرض رجحان العمل ومحبوبيته لله في ذاته ـ ومعنى الاخلاص في النية ـ ان يكون الباعث الى العمل امر الله سبحانه مجردا عن اي باعث اخر مؤثر في صدور العمل بحيث يكون متمما لباعثية الامر الالهي ـ والغاية الاساسية المقصودة من كل الاعمال المطلوبة لله سبحانه ـ هي تقواه المتمثلة بفعل الواجبات وترك المحرمات ـ وعلى ضوء معرفة ما هو روح الاعمال وما هي الغاية المستهدفة بها ـ ندرك نوعية العمل وهل هو حي بحياة قوية تدفعه وتحركه نحو الهدف او ضعيفة لا تحركه اصلا او تحركه بحركة بطيئة جدا لا تساعده على بلوغه او هو ميت لا حياة فيه ولا حركة له ليصبح بحكم المعدوم.

ومن الواضح ان القسم الاول من الاعمال هو المطلوب لله سبحانه والمقرب منه وهو الصادر من المكلف بدافع التعبد لله سبحانه والتقرب منه وحده لا شريك مع ايصاله الى الهدف المنشود والغاية الاساسية المقصودة واما بقية الاقسام فهي بحكم العدم اما لفقدها روح الاخلاص ووقوعها ميتة من اول وجودها او لفقدها القوة المحركة نحو تلك الغاية وبذلك تعرف كيفية احياء ليالي القدر وايامه وشهره وسائر الليالي والايام والشهور ـ وندرك ان الاحياء الحقيقي للوقت كله ولشهر ورمضان ولياليه وايامه بصورة خاصة ـ لا يتحقق الا اذا كانت الاعمال التي نأتي بها بعنوان التعبد لله سبحانه والتقيد بنظام عبادته ـ واجدة للحياة النابضة بالنشاط والحيوية الدافعة لصاحبها نحو الهدف الكبير ـ لان واجد الحياة في ذاته يستطيع ان يمد بها سواه ليصبح مثله في الحيوية والحركة في طريق الغاية الكبرى واما الاعمال التي تقع سقطا فاقدة لروح الاخلاص ان تكون واجدة لهذه الروح

٢٢٠