المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

فضل بن الحسن الطبرسي

المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

المؤلف:

فضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣
الجزء ١ الجزء ٢

أحلتك عليه بمالي عليه من الحق وقبل المحتال ذلك ، كان القول قول المحيل ، وبه قال المزني وأكثر أصحاب ( ـ ش ـ ). وقال ابن سريج : القول قول المحتال.

دليلنا : أنهما قد اتفقا ان (١) الحق كان للمحيل على المحال عليه ، وانتقاله الى المحتال يحتاج الى دليل ، لأنه ليس في احالة المحيل بذلك دليل على أنه أقر به (٢) وأحاله بحق له عليه. وان شئت قلت : الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه ، وبقاء حق المحتال على المحيل ، والمحتال يدعي زوال ذلك ، والمحيل ينكره ، فالقول قوله مع يمينه.

مسألة ـ ٩ ـ : الحوالة عند ( ـ ش ـ ) بيع ، وليس لأصحابنا فيه (٣) نص ، والذي يقتضيه المذهب أن يقول : انه عقد قائم بنفسه ، لان لا دلالة (٤) على أنه بيع ، والحاقه به قياس لا نقول به.

مسألة ـ ١٠ ـ : يجوز الحوالة بما لا مثل له من الثياب والحيوان إذا ثبت في الذمة بالقرض ، ويجوز إذا كان في ذمته حيوان وجب عليه بالجناية ، مثل أرش الموضحة وغيرها يصح الحوالة فيها ، وكذلك يصح أن يجعلها صداقا لامرأته ، لأن الأصل جوازه ولا مانع منه.

واختلف أصحاب ( ـ ش ـ ) فيه ، فقال بعضهم : لا يجوز الا فيما له مثل ، وقال ابن سريج : يجوز فيما يثبت في الذمة وهو معلوم ، وإذا كان في ذمته حيوان ، فهل يصح الحوالة بها؟ فيه وجهان.

__________________

(١) خ : قد اتفقا على أن الحق.

(٢) خ : على انه أقر له به.

(٣) خ : وليس لأصحابنا في ذلك نص.

(٤) خ : لأنه لا دليل على.

٥٨١

مسألة ـ ١١ ـ : إذا أحال لزيد على عمرو بألف درهم تقبله عمرو صحت الحوالة في ذلك ، لأنه إذا قبله فقد أقر بلزوم ذلك المال في ذمته ، فيجب عليه الوفاء به ، ومن قال : لا يصح فعليه الدلالة.

و ( ـ للش ـ ) فيه وجهان : أحدهما ما قلناه ، والثاني لا يجوز ، لأن الحوالة بيع والمعدوم لا يجوز بيعه.

٥٨٢

كتاب الضمان

مسألة ـ ١ ـ : ليس من شرط الضامن (١) أن يعرف المضمون له (٢) والمضمون عنه ، بدلالة أن عليا عليه‌السلام وأبا قتادة لما ضمنا الدين عن الميت لم يسألهما النبي عليه‌السلام عن معرفتهما بصاحب (٣) الدين ولا الميت.

و ( ـ للش ـ ) فيه ثلاثة أوجه : أحدهما (٤) ما قلناه ، والثاني أن من شرطه معرفتهما ، الثالث أن من شرطه معرفة المضمون له دون المضمون عنه.

مسألة ـ ٢ ـ : ليس من شرط صحة الضمان رضاهما أيضا ، بدلالة ضمان علي وأبي قتادة ، فإن النبي عليه‌السلام لم يسأل عن رضا المضمون له والمضمون عنه كان ميتا وان قيل ان من شرطه رضا المضمون له كان أولى ، بدلالة أنه إثبات حق في الذمة ، فلا بد من اعتبار رضاه كسائر الحقوق ، والأول أليق بالمذهب ، لأن الثاني قياس.

__________________

(١) خ : ليس من شرط الضمان.

(٢) خ : أو المضمون عنه.

(٣) خ : لصاحب الدين.

(٤) خ : أحدها مثل ما قلناه.

٥٨٣

وقال ( ـ ش ـ ) : المضمون عنه لا يعتبر رضاه ، والمضمون له فيه قولان.

مسألة ـ ٣ ـ : إذا صح الضمان ، فإنه ينتقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، ولا يكون له أن يطالب أبدا (١) غير الضامن.

بدلالة قول النبي عليه‌السلام لعلي لما ضمن الدرهمين عن الميت : جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ، وقال لأبي قتادة : لما ضمن الدينارين هما عليك والميت منهما برئ قال نعم ، فدل على أن المضمون عنه تبرأ (٢) من الدين بالضمان ، وهو مذهب أبى ثور وابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود.

وقال ( ـ ش ـ ) ، وباقي الفقهاء : ان المضمون له مخير في أن يطالب أيهما شاء ، والضمان لا ينقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

مسألة ـ ٤ ـ : ليس للمضمون له أن يطالب الا الضامن ، لما قلناه فيما تقدم.

وقال ( ـ ك ـ ) : لا يجوز له أن يطالب الضامن الا عند تعذر المطالبة من المضمون عنه : أما بغيبة ، أو بإفلاسه ، أو بجحوده.

وقال ( ـ ش ـ ) وباقي الفقهاء : هو بالخيار في مطالبة أيهما شاء.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا ضمن بغير اذن المضمون عنه وأدى بغير أمره ، فإنه يكون متبرعا ولا يرجع به عليه ، بدلالة الخبر في ضمان علي وأبي قتادة ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ د ـ ) : يرجع به عليه.

مسألة ـ ٦ ـ : إذا ضمن عنه بإذنه وأدى بغير إذنه ، فإنه يرجع عليه ، لأنا قد بينا أنه ينتقل المال الى ذمته بنفس الضمان ، فلا اعتبار باستيذانه في القضاء ، وهو قول أبي هريرة وأبي علي والطبري (٣) من أصحاب ( ـ ش ـ ).

وقال أبو ( ـ ق ـ ) : ان أدى عنه مع إمكان الوصول اليه واستيذانه لم يرجع عليه ،

__________________

(١) خ : أحدا غير الضمان.

(٢) خ : ان المضمون عنه يبرئ من الدين.

(٣) خ : ابى الطيب الطبري.

٥٨٤

وان أدى مع تعذر ذلك رجع عليه.

مسألة ـ ٧ ـ : يصح ضمان مال الجعالة إذا فعل ما شرط الجعالة به (١) ، بدلالة قوله تعالى « وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ » وقول النبي عليه‌السلام الزعيم غارم وهذا عام.

و ( ـ للش ـ ) فيه وجهان أحدهما ما قلناه ، والأخر (٢) لا يصح ضمانه.

مسألة ـ ٨ ـ : يصح ضمان مال المسابقة بقوله عليه‌السلام الزعيم غارم ، وهذا عام وقال ( ـ ش ـ ) : ان جعلناه مثل الإجارة يصح (٣) ضمان ذلك ، وان جعلناه مثل الجعالة فعلى وجهين.

مسألة ـ ٩ ـ : إذا جنى على حر فاستحق بالجناية إبلا صح ضمانها ، بدلالة عموم قوله « الزعيم غارم » و ( ـ للش ـ ) فيه قولان بناء على القولين في بيعها وإصداقها.

مسألة ـ ١٠ ـ : نفقة الزوجة إذا كانت مستقبلة لا يصح ضمانها ، بدلالة أن النفقة انما يلزم بالتمكين من الاستمتاع ، ومتى نشزت سقطت (٤) نفقتها ، والتمكين لم يحصل في المستقبل ، فلا يجب (٥) النفقة.

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : أحدهما يصح إذا قال النفقة تلزم بنفس العقد ، والأخر لا يصح إذا قال يجب بالتمكين من الاستمتاع.

مسألة ـ ١١ ـ : يصح ضمان الثمن مدة الخيار ، بدلالة عموم الخبر. و ( ـ للش ـ ) فيه طريقتان (٦) : أحدهما (٧) ما قلناه ، والثاني لا يصح ، لأنه مثل مال الجعالة وهو

__________________

(١) خ : الجعالة له.

(٢) خ : والثاني.

(٣) خ : صح.

(٤) خ : سقط.

(٥) خ : فلا يجب به النفقة.

(٦) خ : طريقان.

(٧) خ : أحدهما مثل ما قلناه.

٥٨٥

على قولين.

مسألة ـ ١٢ ـ : يصح ضمان عهدة الثمن إذا خرج المبيع مستحقا إذا كان قد سلم الثمن إلى البائع ، بدلالة قوله عليه‌السلام « الزعيم غارم » ولم يفصل ، ولأن الأصل (١) جوازه ، وبه قال أكثر الفقهاء والمشهور من مذهب ( ـ ش ـ ). وقال ابن سريج وابن القاص : لا يجوز ذلك.

مسألة ـ ١٢ ـ : لا يصح ضمان المجهول ، سواء كان واجبا أو غير واجب ، ولا يصح ضمان ما لا يجب سواء كان معلوما أو مجهولا ، بدلالة ما روي عن النبي عليه‌السلام أنه نهى عن الغرر ، وضمان المجهول غرر ، ولأنه لا دلالة (٢) على صحته ، وهو قول ( ـ ش ـ ) ، والليث بن سعد ، وابن أبي ليلى ، و ( ـ د ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ك ـ ) : يصح ضمان ذلك.

مسألة ـ ١٣ ـ : يصح الضمان عن الميت ، سواء خلف وفاء أو لم يخلف ، بدلالة ضمان علي وأبي قتادة عن الميت واجازة النبي عليه‌السلام ذلك مطلقا من غير فصل ، وبه قال ( ـ ش ـ ) و ( ـ ك ـ ) وأبو يوسف و ( ـ م ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ر ـ ) لا يصح الضمان عن الميت إذا لم يخلف وفاء بمال أو ضمان ضامن وان خلف وفاء بمال وضمان صح الضمان عنه.

دليلنا : ما روي عن أنس أنه قال : من استطاع منكم أن يموت وليس عليه دين فليفعل ، فإني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أتى بجنازة يصلى عليها ، فقال : هل عليه دين؟ فقالوا : نعم ، فقال : ما نفعه صلاتي وهو مرتهن بدينه ، فلو قام أحدكم فضمن عنه وصليت عليه كانت تنفعه صلاتي وهذا صريح في جواز ابتلاء الضمان بعد موت المضمون عنه.

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا ضمن العبد الذي لم يؤذن له في التجارة بغير اذن سيده

__________________

(١) خ : والأصل جواز ذلك.

(٢) خ : ولا دليل على صحة ذلك.

٥٨٦

لم يصح ضمانه لقوله تعالى « عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ » وبه قال الإصطخري وابن سريج وقال ابن أبي هريرة : يصح ، وحكي ذلك عن ابن إسحاق المروزي.

مسألة ـ ١٥ ـ : كفالة الأبدان يصح ، وبه قال من الفقهاء ( ـ ح ـ ) وغيره ، وهو المشهور من مذهب ( ـ ش ـ ) ، وله قول آخر انه لا يصح (١).

دليلنا قوله تعالى « لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ » فطلب يعقوب منهم كفيلا ببدنه ، وقالوا ليوسف (٢) « إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ » وذلك كفالة بالبدن.

مسألة ـ ١٦ ـ : إذا تكفل ببدن رجل فغاب المكفول به بحيث يعرف (٣) موضعه الزم الكفيل إحضاره ويمهل مقدار زمان ذهابه ومجيئه لإحضاره ، فان لم يحضره بعد انقضاء هذه المدة حبس أبدا حتى يحضره أو يموت ، لان من شرط الكفالة إمكان تسليمه والغائب لا يمكن تسليمه في الحال ، فوجب أن يمهل الى ان يمضي زمان الإمكان ، وبه قال جميع من أجاز الكفالة بالبدن.

وقال ابن شبرمة : يحبس في الحال ولا يمهل ، لأن الحق قد حل عليه.

مسألة ـ ١٧ ـ : إذا تكفل ببدن رجل ، فمات المكفول به ، زالت الكفالة وبرئ الكفيل ، ولا يلزمه المال الذي كان عليه ، لأنه يكفل ببدنه دون ما في ذمته ، فلا يلزمه تسليمه ما لم يتكفل به ، وبه قال جميع الفقهاء الذين أجازوا كفالة الأبدان.

وقال ( ـ ك ـ ) : يلزمه ما عليه ، واليه ذهب ابن سريج.

مسألة ـ ١٨ ـ : إذا رهن شيئا ولم يسلمه ، فتكفل رجل بهذا التسليم صح.

وقال ( ـ ش ـ ) لا يصح.

دليلنا : انا قد بينا أن الراهن يجب عليه تسليم الرهن فيصح (٤) الكفالة عنه و ( ـ ش ـ ) بناه على انه لا يجب عليه تسليمه.

__________________

(١) خ : انها لا تصح.

(٢) خ : وقال اخوة يوسف ليوسف.

(٣) خ : غيبة يعرف.

(٤) خ : فصحت الكفالة.

٥٨٧

كتاب الشركة (١)

مسألة ـ ١ ـ ( ـ « ج » ـ ) : شركة المسلم لليهود والنصارى وسائر الكفار مكروهة ، وبه قال جميع الفقهاء. وقال الحسن البصري : ان كان المتصرف المسلم لا يكره ، وان كان المتصرف الكافر أو هما كره.

مسألة ـ ٢ ـ : لا ينعقد الشركة إلا في مالين مثلين في جميع صفاتهما ويخلطان ويأذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ينعقد الشركة بالقول وان لم يخلطاهما بأن يعينا المال ويحضراه ويقولا قد تشاركنا في ذلك صحت الشركة. وقيل : هذا شركة العنان وإذا أخرج أحدهما دراهم والأخر دنانير انعقدت الشركة بينهما.

دليلنا : أن ما اعتبرناه مجمع على انعقاده ، ولا دليل على انعقاد الشركة بما قاله فوجب بطلانها.

مسألة ـ ٣ ـ : العروض التي لها أمثال مثل المكيلات والموزونات يصح الشركة فيها ، بدلالة أن الأصل جوازه ولا مانع منه. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ٤ ـ : إذا أخرج أحدهما دراهم والأخر دنانير لم يصح الشركة

__________________

(١) سقط من ح ود ، مسائل من كتاب الرهن وكتاب التفليس والحجر والصلح والحوالة والضمان بأجمعها.

٥٨٨

لأنه لا دلالة على صحتها ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يصح.

مسألة ـ ٥ ـ : شركة المفاوضة باطلة ، لأنه لا دلالة على صحتها ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، ولها حكم في اللغة دون الشرع. قال صاحب إصلاح المنطق : شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كل شي‌ء يملكانه بينهما ، ووافقه على ذلك ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، و ( ـ ر ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : هي صحيحة إذا صحت شرائطها وموجباتها ، وشروطها أن يكون الشريكان مسلمين حرين ، فاذا كان أحدهما مسلما والأخر كافرا ، أو كان أحدهما حرا والأخر مكاتبا لم يجز الشركة. ومن شروطها أن يتفق قدر المال الذي ينعقد الشركة في جنسه ، وهو الدراهم والدنانير ، فاذا كان مال أحدهما أكثر لم يصح الشركة ، أو أخرج أحدهما للشركة من ذلك المال أكثر مما أخرجه الأخر لم يصح.

وأما موجباتها فهو أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يكسبه قل ذلك أم كثر ، وفيما يلزمه من غراماته بغصب وكفالة بمال ، فهذه جملة ما يشرطونه من الشرائط والموجبات ، وبه قال ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ع ـ ).

مسألة ـ ٦ ـ : شركة الأبدان عندنا باطلة ، وهي أن يشترك الصانعان على أن ما يرتفع لهما من كسبهما ، فهو بينهما على حسب شرطهما ، سواء كانا متفقي الصنعة كالنجارين والخبازين ، أو مختلفي الصنعة كالنجار والخباز ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز مع اتفاق الصنعة واختلافها ، ولا يجوز في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاغتنام. وقال ( ـ ك ـ ) : يجوز الاشتراك مع اتفاق الصنعة ولا يجوز مع اختلافها. وقال ( ـ د ـ ) : يجوز الشركة في جميع الصنائع وفي الاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والاغتنام.

مسألة ـ ٧ ـ : شركة الوجوه باطلة ، وصورتها أن يكون رجلان وجيهان في السوق وليس لهما مال ، فيعقدان الشركة على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه في ذمته ويكون ما يرتفع بينهما ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وقال ( ـ ح ـ ) : تصح فاذا عقداها كان ما يرتفع لهما على حسب ما شرطاه بينهما.

٥٨٩

ويدل على بطلانه أنه لا دلالة في الشرع عليه والعقود الشرعية يحتاج إلى أدلة شرعية.

مسألة ـ ٨ ـ : لا فرق بين أن يتفق المالان في المقدار أو يختلفا ، فيخرج أحدهما أكثر مما أخرجه الأخر ، فإنه لا دلالة على بطلان هذه الشركة والأصل جوازها وبه قال أكثر أصحاب ( ـ ش ـ ). وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابه : إذا اختلف مقدار المالين بطلت الشركة.

مسألة ـ ٩ ـ : لا يجوز أن يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال ، ولا أن يتساويا فيه مع التفاضل في المال ، ومتى شرطا خلاف ذلك كانت الشركة باطلة ، لأنه لا دلالة على جوازه ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز ذلك.

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة ثمَّ أصابا به عيبا ، فأراد أحدهما الرد والأخر الإمساك كان لهما ذلك ، لان الأصل جوازه ولا مانع يمنع منه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : إذا امتنع أحدهما من الرد لم يكن للآخر أن يرده.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا باع أحد الشريكين عبدا بألف ، فأقر البائع على شريكه بالقبض وادعى ذلك المشتري وأنكره الشريك الأخر الذي لم يبع لم يبرئ المشتري من الثمن ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وله في إقرار الوكيل على موكله بقبض ما وكله فيه قولان : أحدهما يقبل ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ م ـ ). والأخر لا يقبل.

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ م ـ ) : ان إقرار الشريك مقبول على شريكه ، بناء منهما على أن إقرار الوكيل مقبول على موكله بقبض ما وكله فيه.

دليلنا على ذلك أن الخمسمائة التي للبائع لا يبرئ منها ، لأنه يقول : ما أعطيتني ولا أعطيت من وكلته في قبضها ، وانما أعطيت أجنبيا ولا تبرء من حقي بذلك. وأما الخمسمائة التي للذي لم يبع فلا يبرئ منها أيضا ، لأنه يزعم أنها على المشتري لم

٥٩٠

يقبضها بعد ، وانما البائع هو الذي يقر بقبضه وهو وكيل الذي لم يبع في قبض حقه.

والوكيل إذا أقر على موكله بقبض الحق الذي وكله في استيفائه لم يقبل قوله عليه ، الا أنه ان شهد مع البائع شاهد آخر أو امرأتان أو يمين المشتري ، فإنه يحكم على الشريك الذي لم يبع بقبض حقه وان لم يكن ذلك توجهت عليه اليمين لا غير.

مسألة ـ ١٢ ـ : إذا كان مال بين شريكين ، فغصب غاصب أحد الشريكين نصيبه وباع مع ما لشريكه ، مضى العقد فيما للشريك ، ويبطل فيما للغاصب ، لقوله تعالى « وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ » وهذا بيع صادف ملكا.

ولأصحاب ( ـ ش ـ ) فيه طريقان ، منهم من قال : المسألة مبنية على تفريق الصفقة فيبطل البيع في القدر المغصوب ، وهل يبطل في حصة الشريك البائع؟ فعلى قولين إذا قال : لا تفرق الصفقة بطل في الجميع. وإذا قال : تفرق يصح في حصة الشريك البائع ويبطل في الثاني. ومنهم من قال : المسألة على قول واحد ، كما قال ( ـ ش ـ ) ، لان هذا البيع صفقتان ، لأن في طرفيه عاقدين ، فاذا جمع بين الصفقتين في العقد ، فبطلت إحداهما لم يبطل الأخرى ، وانما يبنى المسألة على تفريق الصفقة إذا كانت الصفقة واحدة ، وهو الصحيح عندهم.

فأما إذا غصب أحد الشريكين من الأخر وباع الجميع ، بطل في نصيب شريكه ، وفي نصيبه قولان إذا (١) وكل الشريك الذي لم يغصب الغاصب في بيع حصته فباع الغاصب جميع المال وأطلق البيع ، بطل في القدر المغصوب ، وهل يبطل في حصته الموكل فيه؟ قولان بناء على تفريق الصفقة.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما عبد بانفراده ، فباعاهما من رجل واحد بثمن واحد لا يصح البيع ، لان هذا العقد بمنزلة العقدين

__________________

(١) م : وإذا وكل.

٥٩١

لأنه لعاقدين (١) وثمن كل واحد منهما مجهول ، لان ثمنها يتقسط على قدر قيمتهما وذلك مجهول ، والثمن إذا كان مجهولا بطل العقد ، ولا يلزم إذا كانا جميعا لواحد فباعهما بثمن معلوم ، لان ذلك يكون عقدا واحدا ، وانما يبطل الأول من حيث كانا عقدين. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : الأصح عندهم أنه لا يصح.

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا عقدا شركة فاسدة : اما بأن يتفاضل المالان ويتساوى الربح ، أو يتساوى المالان ويتفاضل الربح وتصرفا وارتفع الربح ثمَّ تفاضلا ، كان الربح بينهما على قدر المالين ، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله بعد إسقاط القدر الذي يقابل عمله في ماله ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : لا يرجع واحد منهما على صاحبه بأجرة عمله (٢) ، لان هذه الأجرة لما لم يثبت في الشركة الصحيحة ، فكذلك في الفاسدة.

دليلنا أن كل واحد منهما قد شرط في مقابلة عمله جزءا من الربح ، ولم يسلم له لفساد العقد ، وقد تعذر له الرجوع الى المبدل ، فكان له الرجوع الى قيمته ، كما لو باع منه سلعة بيعا فاسدا وتلفت في يد المشتري رجع عليه بقيمتها ، لان المسمى لم يسلم له وقد تعذر عليه الرجوع في السلعة بتلفها ، فكان له الرجوع في قيمتها ، ويفارق ذلك الشركة الصحيحة ، لأن المسمى قد سلم له فيها ، وفي الفاسدة لم يسلم له المسمى ، وقد تعذر عليه الرجوع الى المبدل ، فيرجع الى عوض المثل.

مسألة ـ ١٥ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا كان بينهما شي‌ء ، فباعاه بثمن معلوم ، كان لكل واحد منهما أن يطالب المشتري بحقه ، فإذا أخذ قدر حقه شاركه فيه صاحبه. وهذه المسألة منصوصة لأصحابنا وعليه إجماعهم. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : الأظهر عندهم أنه لا يشاركه فيه.

__________________

(١) ح : بعاقدين.

(٢) م : باحرة مثل عمله.

٥٩٢

كتاب الوكالة

مسألة ـ ١ ـ : يجوز وكالة الحاضر ويلزم الخصم مخاصمة الوكيل ، وله أن يوكل أيضا ذلك ، بدلالة عموم الأخبار الواردة في جواز التوكيل في الحاضر والغائب ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وابن أبي ليلى ، و ( ـ ف ـ ) ، و ( ـ م ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : وكالة الحاضر يصح غير أنها لا يلزم خصمه الا أن يرضى بها ، ومتى أبى ذلك كان على خصمه أن يخاصمه بنفسه وأجبر على ذلك ان امتنع.

مسألة ـ ٢ ـ : ليس من شرط سماع البينة على الوكالة من الوكيل إحضار خصم من خصومة أو غريم من غرمائه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : من شرطه ذلك ، فإذا أحضره وادعى حق الموكل (١) على خصمه أو غريمه ويتوجه الجواب على المدعى عليه ، فحينئذ يسمع الحاكم بينة الوكيل ، فجوز سماع الدعوى قبل ثبوت الوكالة ، وألزم الخصم الجواب ، وجعل تقديم الدعوى (٢) شرطا في سماع البينة ، بناء على أصله ، لأن عنده لا يلزم وكالة الحاضر الا برضى الخصم ، ولا يجوز القضاء على الغائب. وهذا عندنا جائز على ما بيناه

__________________

(١) د : الوكيل.

(٢) م : تقدم الدعي.

٥٩٣

لأنا لا نعتبر رضى الخصم ويجوز القضاء على الغائب.

مسألة ـ ٣ ـ : إذا عزل الموكل وكيله عن الوكالة في غيبة من الوكيل ، فلأصحابنا فيه روايتان : إحداها أنه ينعزل في الحال وان لم يعلم الوكيل ، وكل تصرف للوكيل بعد ذلك يكون باطلا ، وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ). والثانية : أنه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك وكل ما يتصرف فيه يكون واقعا موقعه الى أن يعلم ، وهو قول ( ـ ش ـ ) الأخر ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

ويدل على صحة هذا القول أن النهي لا يتعلق به حكم في حق المنهي إلا بعد حصول العلم منه به ، ولهذا لما بلغ أهل قبا أن القبلة قد حولت إلى الكعبة وهم في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة ، وهذا القول أقوى (١).

مسألة ـ ٤ ـ : إذا وكل رجلا في الخصومة عنه ولم يأذن له في الإقرار ، فأقر على موكله بقبض الحق الذي وكل في المخاصمة فيه ، لم يلزمه إقراره عليه بذلك ، سواء كان في مجلس الحكم أو في غيره ، لأنه لا دلالة عليه ، والأصل براءة الذمة ، وهو مذهب ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، وابن أبي ليلى ، وزفر.

وقال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ م ـ ) : يصح [ إقراره على موكله في مجلس الحكم ولا يصح في غيره. وقال ( ـ ف ـ ) : يصح في مجلس الحكم وغيره.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا أذن له في الإقرار عنه صح ] (٢) إقراره ويلزم الموكل ما أقر به ، فاذا كان معلوما لزمه ذلك ، لأنه لا مانع منه والأصل جوازه. وان كان مجهولا رجع في تفسيره الى الموكل دون الوكيل. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان : أحدهما ما قلناه ، والأخر لا يصح من الوكيل الإقرار عن الموكل بحال ، ولا يصح الوكالة في ذلك.

__________________

(١) م : قوى.

(٢) سقط من ، م ، بين المعقوفتين.

٥٩٤

مسألة ـ ٦ ـ : إذا وكل رجلا في تثبيت حد القذف أو القصاص عند الحاكم واقامة البينة عليه ، فالتوكيل صحيح فيه ، بدلالة عموم الاخبار في جواز التوكيل والأصل أيضا جوازه ، وبه قال جميع الفقهاء ، الا ( ـ ف ـ ) فإنه قال : لا يصح التوكيل في تثبيت الحد بحال.

مسألة ـ ٧ ـ : يصح التوكيل في استيفاء الحدود التي في الادميين وان لم يحضر الموكل ، لأن الأصل جوازه ولا مانع منه.

ولأصحاب ( ـ ش ـ ) ثلاث طرق : فذهب أبو إسحاق المروزي الى أن الصحيح ما ذكره في كتاب الجنايات من أن التوكيل صحيح مع غيبة الموكل. ومنهم من قال : الصحيح ما ذكره هاهنا من أنه يعتبر حضور الموكل. ومنهم من قال : المسألة على قولين.

وقال ( ـ ح ـ ) : لا يجوز استيفاؤها مع غيبة الموكل. واستدل من اعتبر حضور الموكل بقوله عليه‌السلام « ادرؤوا الحدود بالشبهات » وقال : في استيفاء هذا الحد شبهة ، لأنه لا يدري الوكيل هل عفى عن هذا القصاص الموكل أو لم يعف؟

مسألة ـ ٨ ـ : إذا وكله في تصرف شي‌ء سماه له ، ثمَّ قال : وقد أذنت لك أن تصنع ما شئت ، كان ذلك إذنا في التوكيل ، لان ذلك من جملة ما يشاء. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ٩ ـ : جميع من بيع مال غيره ، وهم ستة أنفس : الأب ، والجد ووصيهما ، والحاكم ، وأمين الحاكم ، والوكيل ، لا يصح لأحد منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه الا اثنين الجد والأب ، ولا يصح لغيرهما ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ع ـ ) : يجوز ذلك للجميع. وقال زفر : لا يجوز لأحد منهم أن يبيع من نفسه شيئا. وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز للأب والجد والوصي الا أنه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة ، مثل أن يشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر ، فان اشتراه

٥٩٥

بزيادة درهم لم يمض البيع قاله استحسانا.

ويدل على مذهبنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، أنه يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه الصغير على نفسه ويستبيح وطئها بعد ذلك وأيضا روي أن رجلا أوصى الى رجل في بيع فرس ، فاشتراه الوصي لنفسه فاستفتي عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له. ولا يعرف له مخالف.

مسألة ـ ١٠ ـ : إذا أطلق الوكالة في البيع ، فإطلاقها يقتضي أن يبيع بنقد ذلك البلد بثمن المثل حالا ، لأنه إذا باع على ما وصفناه فلا خلاف في صحة بيعه ، فان خالف ذلك كان البيع باطلا ، لأنه لا دلالة على جوازه ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : لا يقتضي الإطلاق الحلول ولا نقد البلد ولا عوض المثل ، فاذا باعه بخلاف ذلك صح ، حتى قال : لو أن السلعة يساوي ألوفا فباعها بدانق إلى أجل صح بيعه.

مسألة ـ ١١ ـ : إذا اختلف الخياط وصاحب الثوب ، فقال صاحب الثوب (١) أذنت لك في قطعه قميصا. وقال الخياط : أذنت لي في قطعه قباء وقد فعلت ، فالقول قول الخياط ، لان صاحب الثوب مدع بذلك أرش القطع على الخياط ، فعليه البينة والا فعلى الخياط اليمين ، وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ). والأخر القول قول صاحب الثوب ، وبه قال ابن أبي ليلى.

مسألة ـ ١٢ ـ : إذا كان لرجل على غيره دين ، فجاء آخر فادعى أنه وكيله في المطالبة ، وأنكر ذلك الذي عليه الدين ، فان كان عند الوكيل بينة أقامها وحكم له بها ، وان لم يكن له بينة وطالب من عليه الدين باليمين لا يجب عليه ، فان ادعى عليه علمه بذلك لم يلزمه أيضا اليمين ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

__________________

(١) د : سقط « فقال صاحب الثوب ».

٥٩٦

وقال ( ـ ح ـ ) : يلزمه اليمين بناء على أصله أنه لو صدقه أجبر (١) على التسليم اليه. ونحن نبني على أصلنا أنه لو صدقه لما أجبر على التسليم إليه.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا صدقه من عليه الدين في توكيله ، لم يجبر على التسليم إليه ، لأنه لا دليل على ذلك ، ولان ذمته مرتهنة ولا يقطع على براءتها بالدفع الى الوكيل وتصديقه إياه ، لأن لصاحبه أن يكذبهما ، فينبغي أن لا يجب عليه التسليم ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ).

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا وكل رجلا في كل قليل وكثير لم يصح ذلك ، لان في ذلك غررا ، ولأنه لا دلالة على صحة هذه الوكالة في الشرع ، وبه قال جميع الفقهاء الا ابن أبي ليلى ، فإنه قال : يصح ذلك.

مسألة ـ ١٥ ـ ( ـ « ج » ـ ) : يكره أن يتوكل مسلم لكافر على مسلم ، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء.

مسألة ـ ١٦ ـ : إذا وكل رجلا في بيع ماله فباعه ، كان للوكيل والموكل المطالبة بالثمن ، لأنه قد ثبت أن الثمن للموكل دون الوكيل ، ويدخل في ملكه في مقابلة المبيع ، فينبغي أن يكون له المطالبة ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : للوكيل المطالبة دون الموكل.

مسألة ـ ١٧ ـ : لا يصح إبراء الوكيل من دون الموكل من الثمن الذي على المشتري ، لأن الإبراء تابع للملك ، والوكيل لا يملك الثمن ، لأنه لا يملك هبته بلا خلاف ، فلا يصح منه الإبراء ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يصح إبراء الوكيل بغير اذن موكله.

مسألة ـ ١٨ ـ : إذا وكل رجلا في اشتراء سلعة ، فاشتراها بثمن مثلها ، فان ملكها يقع للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل ، بدلالة انه لو وكله في

__________________

(١) م : لما اجبر. لم اجبر.

٥٩٧

شراء من ينعتق عليه لم يعتق عليه ، ولو كان يدخل في ملك الوكيل لوجب أن ينعتق عليه ، وقد أجمعنا أنه لا ينعتق على الوكيل ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يدخل أولا في ملك الوكيل ، ثمَّ ينتقل الملك الى الموكل.

مسألة ـ ١٩ ـ : إذا وكل مسلم ذميا في شراء خمر لم يصح الوكالة ، فإن ابتاع الذمي له لم يصح البيع ، لما قلناه في المسألة الاولى ان شراء الوكيل يقع لموكله ، ولأنه لا دليل في الشرع على صحته ، فوجب أن يكون باطلا ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يصح التوكيل ويصح البيع ، وعنده أن المسلم لا يملك الخمر إذا تولى الشراء بنفسه ، ولا يصح ذلك ويملكه بشراء وكيله الذمي.

مسألة ـ ٢٠ ـ : إذا وكله في بيع فاسد ، مثل أن يوكله في البيع والشراء إلى أجل مجهول ، مثل قدوم الحاج وادراك الثمار ، لم يملك بذلك التوكيل البيع الصحيح ، لأنه لم يوكله في هذا العقد ، وانما وكله في غيره ، فيجب أن لا يصح ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يملك بذلك البيع الصحيح ، فاذا باع واشترى الى أجل معلوم صح البيع والشراء.

مسألة ـ ٢١ ـ : إذا وكل صبيا في بيع أو شراء أو غيرهما لم يصح التوكيل ، وان تصرف لم يصح تصرفه ، لأنه لا دلالة على صحة هذه الوكالة ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : يصح توكيله ، وإذا تصرف صح تصرفه إذا كان يعقل ما يقول ، ولا يفتقر ذلك الى اذن وليه.

مسألة ـ ٢٢ ـ : إذا وكله في شراء شاة بدينار وأعطاه ، فاشترى به شاتين يساوي كل واحد منهما دينارا ، فان الشراء يلزم الموكل ويكون الشاتان له ،

٥٩٨

لما روي عن النبي عليه‌السلام أنه عرض له جلب (١) فأعطى عروة البارقي دينارا ليشتري به شاة للأضحية ، فاشترى به شاتين ، ثمَّ باع إحداهما بدينار فجاء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشاة ودينار ، فقال : هذه الشاة وهذا ديناركم ، فقال له النبي عليه‌السلام كيف صنعت فذكر له ما صنع ، فقال النبي عليه‌السلام : بارك الله لك في صفقة يمينك.

وبه قال أكثر أصحاب ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) في كتاب الإجارات : أن إحداهما يلزمه بنصف دينار ، وهو بالخيار في الأخرى ان شاء أمسكها بالنصف الأخر ، وان شاء ردها ، ويرجع على الوكيل بنصف دينار. قال الطبري : والمذهب الصحيح الأول.

وقال ( ـ ح ـ ) : يلزم الموكل البيع في إحدى الشاتين بنصف دينار ويلزم الوكيل في الأخرى نصف دينار ، ويرجع الموكل عليه بنصف دينار.

مسألة ـ ٢٣ ـ : إذا قال ان قدم الحاج أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك في البيع ، فان ذلك لا يصح ، لأنه لا دليل على صحته ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يصح.

__________________

(١) الجلب ج اجلاب : ما تجلبه من بلد الى بلد.

٥٩٩

كتاب الإقرار

مسألة ـ ١ ـ : إذا قال له عندي مال جليل ، أو عظيم ، أو نفيس ، أو خطير ، لم يتقدر ذلك بمقدار (١) ، واي مقدار فسره به كان مقبولا ، قليلا كان أو كثيرا ، لأنه لا دليل على مقدار مقطوع به ، والأصل براءة الذمة ، وما يفسره به مقطوع به ، فوجب الرجوع اليه ، وهو مذهب ( ـ ش ـ ).

وان قال له عندي مال كثير ، فإنه يكون إقرارا بثمانين على الرواية التي تضمنت بأن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين ، ولم يعرف هذا التفسير أحد من الفقهاء.

واختلف أصحاب ( ـ ح ـ ) في الألفاظ الأولة ، فمنهم من قال : لا يقبل منه بأقل من عشرة دراهم ، وهي مقدار نصاب القطع عندهم. ومنهم من قال : لا يقبل منه أقل من مائتي درهم مقدار نصاب الزكاة. وقال أبو عبد الله الجرجاني نص ( ـ ح ـ ) على ذلك ، وقال : إذا أقر بأموال عظيمة يلزمه ستمائة درهم.

وقال ( ـ ك ـ ) : يقبل منه ثلاثة دراهم فما فوقها ، وهو نصاب القطع عنده. وقال الليث بن سعد : يلزمه اثنان وسبعون درهما. واستدل بقوله تعالى

__________________

(١) د : بذلك مقدار.

٦٠٠