المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

فضل بن الحسن الطبرسي

المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف - ج ١

المؤلف:

فضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣
الجزء ١ الجزء ٢

مسألة ـ ٦٤ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا كان تمضمض للصلاة ، نافلة كانت أو فرضا ، فسبق الماء الى حلقه لم يفطر ، وان تمضمض ليتبرد أفطر.

وقال ( ـ ش ـ ) : إذا تمضمض ذاكرا للصوم فبالغ أفطر إذا وصل الى حلقه ، وان سبق الماء الى حلقه من المضمضة ، أو الى رأسه من الاستنشاق ومن غيرهما ففيه قولان (١) ، قال في القديم والام : يفطر ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، والمزني.

وقال في البويطي والإملاء : لا يفطر ، وهو الأصح ، وبه قال ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

وقال النخعي : ان كان لنافلة أفطر ، وان كان لفريضة لم يفطر ، وبه قال ابن عباس.

مسألة ـ ٦٥ ـ ( ـ « ج » ـ ) : يكره القبلة للشاب إذا كان صائما ولا يكره للشيخ ، وبه قال ابن عمر ، وابن عباس.

وقال ( ـ ش ـ ) : يكره لهما إذا حركت الشهوة وان لم تحرك لا يكره. وقال ( ـ ك ـ ) : يكره على كل حال. وقال ابن مسعود : لا يكره على كل حال.

مسألة ـ ٦٦ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا وطئ فيما دون الفرج ، أو باشرها أو قبلها بشهوة فانزل ، كان عليه القضاء والكفارة ، وبه قال ( ـ ك ـ ). وقال ( ـ ش ـ ) : لا كفارة عليه ويلزمه القضاء.

مسألة ـ ٦٧ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا كرر النظر فأنزل أثم ولا قضاء عليه ولا كفارة ، وان فاجأته النظر لم يأثم ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ك ـ ) : ان كرر أفطر وعليه القضاء.

مسألة ـ ٦٨ ـ ( ـ « ج » ـ ) : الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وتصدقتا بمدين أو مد من الطعام وعليهما القضاء ، واليه ذهب ( ـ ش ـ ) في القديم والجديد ، وبه قال مجاهد و ( ـ د ـ ). وقال في البويطي : على المرضع القضاء والكفارة وعلى الحامل القضاء دون الكفارة ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ع ـ ). وقال الزهري ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، والمزني : عليهما

__________________

(١) ح : فيه فقولان.

٣٤١

القضاء ولا كفارة وقال ابن عباس وابن عمر : عليهما الكفارة دون القضاء ، كالشيخ الهم يكفر ولا يقضي.

مسألة ـ ٦٩ ـ ( ـ « ج » ـ ) : كل سفر يجب فيه التقصير في الصلاة يجب فيه الإفطار وقد بينا فيما تقدم الخلاف فيه ، ولا يجوز للمسافر أن يصوم ، فان صام كان عليه القضاء وبه قال أبو هريرة ، وستة من الصحابة.

وقال داود : هو بالخيار بين أن يصوم ويقضي ، أو يفطر ويقضي. وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ش ـ ) و ( ـ ك ـ ) ، وعامة الفقهاء : هو بالخيار بين أن يصوم ولا يقضي ، وبين أن يفطر ويقضي ، وبه قال ابن عباس. وقال ابن عمر : يكره أن يصوم ، فان صامه فلا قضاء عليه.

دليلنا ـ مضافا الى إجماع الفرقة ـ قوله تعالى « فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ » (١) فأوجب القضاء بنفس السفر وليس في الظاهر ذكر الإفطار ، وروى جابر أن النبي عليه‌السلام قال : ليس من البر الصيام في السفر (٢) وروى عنه عليه‌السلام قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. وروى جابر أن النبي عليه‌السلام بلغه أن ناسا صاموا ، فقال : أولئك العصاة (٣).

مسألة ـ ٧٠ ـ ( ـ « ج » ـ ) : القادم من سفره وكان قد أفطر والمريض إذا برئ والحائض إذا طهرت والنفساء إذا انقطع دمها ، يمسكون بقية النهار تأديبا وكان عليهم القضاء.

وقال ( ـ ح ـ ) : عليهم أن يمسكوا بقية النهار على كل حال. وقال ( ـ ش ـ ) : ليس عليهم الإمساك وان أمسكوا كان أحب الي.

مسألة ـ ٧١ ـ : إذا نذر صوم يوم بعينه وجب عليه صومه ولا يجوز له تقديمه

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨١.

(٢) د : السفن في الموضعين.

(٣) م : فقال هم العصاة.

٣٤٢

وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز له أن يقدمه.

مسألة ـ ٧٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا برء وقد أفطروا أول النهار ، أمسكوا بقية النهار تأديبا ، ولا يجب ذلك بحال ، فان كان الصبي نوى الصوم من أوله وجب عليه الإمساك ، والمريض ان كان نوى ذلك لم يصح ، لان صوم المريض لا يصح عندنا. وأما المسافر ، فان كان نوى الصوم لعلمه بدخوله الى بلد ، وجب عليه الإمساك بقية النهار ويعتد به.

و ( ـ للش ـ ) في هذه المسائل قولان ، أحدهما : لا يجب أن يمسك ، وعليه أصحابه والأخر : عليه أن يمسك. وقال أبو إسحاق : ان كان الصبي والمسافر تلبسا (١) بالصوم وجب عليهما إمساك بقيته. وقال الباقون : لا يجب ذلك.

مسألة ـ ٧٣ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا نوى الصوم قبل الفجر ، ثمَّ سافر في النهار لم يجز له الإفطار ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ د ـ ) والمزني : له الإفطار.

مسألة ـ ٧٤ ـ ( ـ « ج » ـ ) : من فاته رمضان بعذر من مرض وغيره فعليه قضاؤه ، ووقت القضاء ما بين الرمضان الذي تركه والذي بعده ، فإن أخر القضاء الى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فاته ، وان كان تأخره بعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفارة عليه ، وان تركه مع القدرة كفر عن كل يوم بمد من طعام ، وبه قال الزهري و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ ر ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) وأصحابه : يقضي ولا كفارة. وقال الكرخي : وقت القضاء ما بين رمضانين. وقال أصحابه : ليس للقضاء وقت مخصوص.

مسألة ـ ٧٥ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا أفطر رمضان ولم يقضه ثمَّ مات ، فان كان تأخيره لعذر مثل استمرار مرض أو سفر لم يجب القضاء عنه ولا الكفارة ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال قتادة : يطعم عنه.

__________________

(١) د : تلبسان.

٣٤٣

مسألة ـ ٧٦ ـ ( ـ « ج » ـ ) : فإن أخر قضاءه (١) لغير عذر ولم يصم ثمَّ مات فإنه يصام عنه. وقال ( ـ ش ـ ) في القديم والجديد : يطعم عنه ولا يصام عنه ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) وأصحابه.

وقال ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) : ان كان صومه نذرا صام عنه وليه ، وان لم يكن نذرا أطعم عنه وليه. وقال أبو ثور : يصوم عنه نذرا كان أو غيره. وقال أصحاب ( ـ ش ـ ) : هذا قول ثان ( ـ للش ـ ) ، وهو أنه يصام عنه.

ويدل على مذهبنا ـ مضافا الى إجماع الفرقة ـ ما رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جاء رجل الى النبي عليه‌السلام ، فقال : يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضية عنها قال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى. وهذا الحديث في الصحيح.

مسألة ـ ٧٧ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا أخر قضاءه (٢) لغير عذر حتى يلحقه رمضان آخر ثمَّ مات ، قضى عنه وليه الصوم وأطعم عنه لكل يوم مدين.

وقال ( ـ ش ـ ) : ان مات قبل أن يدركه آخر يصدق عنه بمد ، وان مات بعد رمضان آخر بمدين. وقال ( ـ ح ـ ) : يطعم مدين من بر أو صاعا من شعير أو تمر.

مسألة ـ ٧٨ ـ ( ـ « ج » ـ ) : حكم ما زاد على عام (٣) واحد في تأخير القضاء حكم العام الواحد ، وبه قال أكثر أصحاب ( ـ ش ـ ). وقال بعضهم : عليه عن كل عام كفارة.

مسألة ـ ٧٩ ـ ( ـ « ج » ـ ) : يجوز أن يقضي فوائت رمضان متفرقا ، والتتابع أفضل ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، وقال داود وأهل الظاهر : المتابعة واجبة ، ورووا

__________________

(١) ح ، م : قضاة.

(٢) ح ، م : قضاة.

(٣) د : علم في الموارد.

٣٤٤

ذلك عن علي عليه‌السلام وعائشة والنخعي.

مسألة ـ ٨٠ ـ : « ج » ـ ) : لا ينعقد صيام يوم العيدين ، فان نذره لم ينعقد نذره ولم يصح ولا يلزمه قضاؤه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : ينعقد النذر ، فان صام أجزأه ، وان لم يصمه كان عليه قضاؤه.

مسألة ـ ٨١ ـ : من لم يجد الهدي لا يجوز أن يصوم أيام التشريق ، بدلالة الأخبار المروية في ذلك ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) في الجديد. وقال في القديم : يجوز وهو الأظهر ، وبه قال ( ـ ك ـ ).

مسألة ـ ٨٢ ـ : « ج » ـ ) : إذا أفاق المجنون في أثناء الشهر صام ما أدركه ولم يلزمه قضاء ما فاته في حال جنونه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : متى أفاق وبقي من الشهر جزء لزمه صوم جميعه.

مسألة ـ ٨٣ ـ : « ج » ـ ) : إذا وطئ في أول النهار ، ثمَّ مرض أو جن في آخره لزمته الكفارة ولم يسقط عنه. و ( ـ للش ـ ) (١) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه ، والأخر : لا كفارة عليه ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

مسألة ـ ٨٤ ـ : « ج » ـ ) : إذا تلبس بالصوم أول النهار ثمَّ سافر آخر النهار ، لم يكن له الإفطار ، وبه قال جميع الفقهاء الا ( ـ د ـ ) فإنه قال : يجوز أن يفطر.

مسألة ـ ٨٥ ـ : أن وطئ هذا المسافر لزمته الكفارة ، لعموم (٢) الأخبار الواردة في وجوب الكفارة على المفطر ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : لا يلزمه.

مسألة ـ ٨٦ ـ : إذا تلبس بصوم تطوع ، كان بالخيار بين إتمامه والإفطار ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، غير أن عندنا إذا كان بعد الزوال كره له الإفطار.

وقال ( ـ ح ـ ) وأصحابه : متى خرج فعليه قضاؤه ، وهل يلزمه بالدخول فيه؟ فعلى

__________________

(١) د : وقال ( ـ للش ـ ).

(٢) د : بعموم.

٣٤٥

قولين ، المعروف من مذهبهم أنه يلزمه وعليه المناظرة ، وقد يرتكبون أنه لا يلزمه.

مسألة ـ ٨٧ ـ : « ج » ـ ) : من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال لزمه قضاؤه وكان عليه الكفارة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

مسألة ـ ٨٨ ـ : ج ـ ) : من كان عليه شهران متتابعان ، فصام شهرا ويوما ثمَّ أفطر لغير عذر بنى عليه ، ولا يجب عليه استئنافه ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وكذلك إذا نذر صوم شهر متتابعا فصام خمسة عشر يوما ، ثمَّ أفطر بنى ، وخالفوا في ذلك ، وقالوا (١) : استأنف (٢) في الموضعين.

__________________

(١) د : وقال.

(٢) م : يستأنف.

٣٤٦

كتاب الاعتكاف

مسألة ـ ١ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا ينعقد الاعتكاف لأحد ، رجلا كان أو امرأة إلا في أحد المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد النبي ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة.

وقال ( ـ ش ـ ) و ( ـ ح ـ ) : المستحب أن يعتكف في الجامع ، ويصح أن يعتكف في سائر المساجد. وقال في الجديد : لا ينعقد اعتكاف المرأة إلا في المسجد ، وقال في القديم والجديد معا : يكره لها أن يعتكف في غير مسجد بيتها ، وهو الموضع المنفرد في المنازل للصلاة ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وقال الزهري : لا يصح الاعتكاف إلا في جامع أي جامع كان ، وبه قالت عائشة.

مسألة ـ ٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا يصح الاعتكاف الا بصوم أي صوم كان عن نذر أو رمضان أو تطوعا ، ولا يصح أن يفرد الليل به ولا العيدين ولا أيام التشريق ، وبه قال ( ـ ح ـ ) وأصحابه ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ع ـ ) ، وجماعة من الصحابة والتابعين.

وقال ( ـ ش ـ ) : يصح الاعتكاف بغير صوم ، ويصح أن يفرد الليل والعيدين وأيام التشريق بالاعتكاف ، وبه قال ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

مسألة ـ ٣ ـ : إذا باشرا مرأة في حال اعتكافه فيما دون الفرج أو لمس

٣٤٧

ظاهرها بطل اعتكافه ، أنزل أو لم ينزل ، لقوله تعالى « وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ » (١) وهذا عام في كل مباشرة ، وبه قال ( ـ ش ـ ) في الإملاء. وقال في الأم : لا يبطل اعتكافه ، أنزل أو لم ينزل.

وقال ( ـ ح ـ ) : ان أنزل بطل ، وان لم ينزل لم يبطل.

مسألة ـ ٤ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا وطى المعتكف ناسيا لم يبطل اعتكافه ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يبطل.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا قال : لله علي أن أعتكف شهرا ، كان بالخيار بين أن يعتكف متفرقا أو متتابعا ، والمستحب المتابعة ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولم يذكر المتابعة في اللفظ فيلزمه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) : عليه المتابعة ، الا أن ينوي اعتكاف نهار شهر ، فإنه لا يلزمه المتابعة.

مسألة ـ ٦ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا نذر اعتكاف يومين لا ينعقد نذره ، لإجماع الفرقة على أنه لا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام.

وقال ( ـ ش ـ ) : يلزمه يومان وليلة. وقال محمد : يلزمه يومان وليلتان ، وحكي هذا عن أبي حنيفة.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة لزمه الوفاء به ، ولا يصح منه اعتكافها إلا في أحد المساجد الأربعة التي قدمنا ذكرها ، فيصح منه أداء الجمعة فيها.

وقال ( ـ ش ـ ) : إذا اعتكف عشرة أيام متتابعة ، فاعتكف في غير الجامع خرج يوم الجمعة وبطل اعتكافه. وقال ( ـ ح ـ ) : لا يبطل ويكون كأنه (٢) استثناه لفظا إذا كان

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٣.

(٢) د : ويكون كانوا استثناه.

٣٤٨

خروجه بمقدار ما يصلى فيه أربعا قبل الجمعة وأربعا بعدها ، وقيل : ستا قبلها وأربعا بعدها ثمَّ يوافي موضعه ويبني.

دليلنا : أنا بينا أن الاعتكاف لا يصح الا في المساجد الأربعة بإجماع الفرقة على ذلك ويكون الاعتكاف صحيحا فيها بلا خلاف ، وعدم الدليل على صحته في غيرها ، فاذا ثبت ذلك سقط عنا هذا التفريع.

مسألة ـ ٨ ـ : « ج » ـ ) : لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام وليلتين ، ومن وافقنا في اعتبار الصوم فيه قال : أقله يوم وليلة ، ومن لم يعتبر الصوم من ( ـ ش ـ ) وغيره قال : أقله ساعة ولحظة ، وقال في سنن حرملة : المستحب أن لا ينقص من يوم وليلة.

مسألة ـ ٩ ـ : إذا أذن لزوجته أو أمته في الاعتكاف عشرة أيام لم يكن له منعها بعد ذلك ، لان جواز المنع بعد ثبوت الاعتكاف يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليه في الشرع ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، في الزوجة ، فأما الأمة فقال : لا يلزمه. وقال ( ـ ش ـ ) : له منعهما من ذلك.

مسألة ـ ١٠ ـ : ان نذر أن يعتكف شهر رمضان لزمه ذلك ، فان فاته قضا شهرا آخر يصوم فيه ، وان أخره إلى رمضان آخر واعتكف فيه أجزأه.

وقال ( ـ ش ـ ) : إذا فاته قضاه بغير صوم ، وان شاء أخره إلى رمضان آخر.

وقال ( ـ ح ـ ) : ان فاته فعليه قضاء اعتكاف شهر يصوم ، فإن أراد أن يعتكف الرمضان الثاني عما تركه لم يجزه.

دليلنا : أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه يجزيه ، ومن قال : يجزيه بلا صوم أو قال : ان الرمضان الثاني لا يجزيه ، فعليه الدلالة.

مسألة ـ ١١ ـ : من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان لنذر أو

٣٤٩

غيره ينبغي أن يدخل فيه ليلة احدى (١) وعشرين منه مع غروب الشمس ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، و ( ـ ر ـ ).

وقال ( ـ ع ـ ) و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) وأبو ثور : وقت الدخول فيه أول النهار الحادي والعشرين وطريقة الاحتياط تقتضي ما ذكرناه.

مسألة ـ ١٢ ـ : إذا نذر أن يصلي في مسجد معين لزمه الوفاء به والرحيل اليه ، سواء كان المسجد الحرام ، أو المسجد الأقصى ، أو مسجد الرسول ، أو غيرها من المساجد. وإذا نذر الاعتكاف في المساجد الأربعة ، لزمه الوفاء به ولا ينعقد نذره في غيرها.

وقال ( ـ ش ـ ) : ان كان المسجد الحرام مثل ما قلناه ووجب عليه أن يخرج حاجا أو معتمرا ، وان كان غيره صلى واعتكف حيث شاء وفي مسجد الرسول ومسجد الأقصى قولان.

دليلنا : أن ذمته اشتغلت باليقين ، فوجب أن لا تبرء ذمته الا بيقين ، وما قلناه مقطوع على براءة الذمة به ، وما قالوه ليس عليه دليل.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا خرج لقضاء حاجة ضرورية من المسجد لا يجوز له أن يأكل في منزله ولا في موضع آخر ، ويجوز أن يأكل في طريقه ماشيا ، وانما قلنا ذلك لأنه لا خلاف في جوازه ، و ( ـ للش ـ ) قولان.

وقال أبو العباس : ليس له أن يأكل في منزله بل له أن يأكل ماشيا ، وقال أبو إسحاق : يجوز له ذلك ، وبه قال المزني.

مسألة ـ ١٤ ـ : يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة مريض ، أو زيارة الوالدين والصلاة على الأموات ، وهو مذهب الحسن بن صالح ، لان ذلك مانع منه.

وقال ( ـ ش ـ ) : ليس له ذلك ، فان فعل بطل اعتكافه ، وبه قال باقي الفقهاء.

__________________

(١) م ، د : احد.

٣٥٠

مسألة ـ ١٥ ـ : يجوز للمعتكف أن يخرج ويؤذن في منارة خارجة الجامع لعموم الاخبار في الحث على الأذان. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١٦ ـ : من خرج لإقامة الشهادة ولم يتعين عليه إقامتها لم يبطل اعتكافه ، لأن الأصل جواز ذلك. وقال ( ـ ش ـ ) : يبطل اعتكافه ، وان تعين عليه الأداء دون التحمل فعليه أن يخرج ويقيم الشهادة ولا يبطل اعتكافه. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١٧ ـ : من نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة فخرج لغير حاجة بطل اعتكافه ، لأنه ليس على صحته دليل ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ف ـ ) و ( ـ م ـ ) : ان خرج أكثر النهار بطل اعتكافه ، وان خرج أقله لم يبطل.

مسألة ـ ١٨ ـ : إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة ، لزمه أن يفي به ويصوم فيها وان لم يذكر الصوم ، وان ذكر الصوم كان أبلغ ، فمتى أفطر يوما فيها استأنف الصوم والاعتكاف ، لأنه ليس ينفصل الاعتكاف عن الصوم.

وقال ( ـ ش ـ ) : إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام ويصوم فأفطر ، قال أصحابه : على وجهين ، أحدهما : استأنف الصوم دون الاعتكاف ، والأخر يستأنفهما.

مسألة ـ ١٩ ـ ( ـ « ج » ـ ) : المعتكف إذا وطئ في الفرج نهارا أو استمنى بأي شي‌ء كان لزمته كفارتان ، وان فعل ذلك ليلا لزمته كفارة واحدة وبطل اعتكافه.

وقال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، وسائر الفقهاء : يبطل اعتكافه ولا كفارة عليه. وقال الزهري والحسن البصري : عليه الكفارة ولم يفصلوا الليل من النهار.

مسألة ـ ٢٠ ـ : إذا قال : لله علي أن أعتكف يوما لم ينعقد نذره ، لأنه لا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام على ما بيناه ، فان نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه الدخول فيه قبل طلوع الفجر من أول يوم الى غروب الشمس من اليوم الثالث ، لان الصوم لا ينعقد الا من عند طلوع الفجر الثاني الى بعد الغروب.

وقال ( ـ ش ـ ) : إذا قال : لله علي أن أعتكف يوما وجب عليه ذلك ، وهل يجوز

٣٥١

له التفريق أم لا؟ على قولين ، أحدهما أن له أن يبتدئ به قبل طلوع الفجر الى بعد الغروب ، وان دخل فيه نصف النهار اعتكف الى مثل وقته من الغد. والقول الأخر وعليه أصحابه أن عليه أن يتابع ويدخل فيه قبل طلوع الشمس الى بعد الغروب لان اليوم عبارة عن ذلك.

مسألة ـ ٢١ ـ : إذا قال : لله علي أن اعتكف ثلاثة أيام ، فإن قال متتابعا لزمه بينهما ليلتان ، وان لم يشرط المتابعة جاز أن يعتكف نهارا ثلاثة أيام بلا لياليهن ، لأن الأصل براءة الذمة ، والذي وجب عليه بالنذر اعتكاف ثلاثة أيام ، واليوم عبارة عما بين طلوع الفجر الى غروب الشمس والليل لم يجر له ذكر ، فوجب أن لا يلزمه.

ولأصحاب ( ـ ش ـ ) وجهان ، أحدهما يلزمه ثلاثة أيام بينهما ليلتان ، والأخر يلزمه صيام ثلاثة أيام فحسب وعليه أصحابه وقال محمد بن الحسن : يلزمه ثلاثة أيام بلياليها.

مسألة ـ ٢٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا يجوز للمعتكف استعمال شي‌ء من الطيب. وقال ( ـ ش ـ ) : يجوز ذلك.

٣٥٢

كتاب الحج

مسألة ـ ١ ـ : ليس من شرط وجوب الحج الإسلام ، لأن الكافر عندنا يجب عليه جميع العبادات وقال ( ـ ش ـ ) الإسلام من شرط وجوبه دليلنا قوله تعالى « وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » (١) ولم يفرق.

مسألة ـ ٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : من شرط وجوب الحج الرجوع الى كفاية زائدا على الزاد والراحلة ، ولم يعتبر ذلك أحد من الفقهاء ، الا ما حكي عن ابن سريج أنه قال : لو كان له بضاعة يتجر فيها ويربح قدر كفايته اعتبرنا الزاد والراحلة في الفاضل عنها ولا يحج ببضاعته (٢).

مسألة ـ ٣ ـ ( ـ « ج » ـ ) : من لم يجد الزاد والراحلة لا يجب عليه الحج ، فان حج لم يجزه وعليه الإعادة إذا وجدها. وقال باقي الفقهاء : أجزأه.

مسألة ـ ٤ ـ : المستطيع ببدنه الذي يلزمه فعل الحج بنفسه أن يكون قادرا على الكون على الراحلة ولا يلحقه مشقة غير محتملة في الكون عليها ، فاذا كانت هذه صورته فلا يجب عليه فرض الحج الا بوجود الزاد والراحلة ، فإن وجد أحدهما

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩١.

(٢) د : ببضاعة.

٣٥٣

لا يجب عليه فرض الحج ، وان كان مستطيعا للمشي قادرا عليه ، وبه قال في الصحابة ابن عباس ، وابن عمر ، وفي التابعين الحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وفي الفقهاء ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : إذا كان قادرا على المشي لم تكن الراحلة شرطا في حقه ، بل من شرطه أن يكون قادرا على الزاد والقدرة على الزاد يختلف ، فان كان مالكا له لزمه ، وان لم يكن مالكا له وكان ذا صناعة ، كالتجارة والخياطة والحجامة وما يكتسب به الزاد في طريقه لزمه ، وان لم يكن ذا صناعة لكن من عادته مسألة الناس فهو واجد ، فعنده القدرة على المشي كالراحلة والقدرة على كسب الزاد بصنعة ، أو مسألة الناس كوجود الزاد ، وبمثله قال ابن الزبير والضحاك.

مسألة ـ ٥ ـ : إذا وجد الزاد والراحلة ولزمه فرض الحج ولا زوجة له بدء بالحج دون النكاح ، سواء خشي العنت أو لم يخش ، لأنه لا يجوز العدول عن الفرض الى النفل الا بدليل.

وقال ( ـ ع ـ ) : ان خاف العنت فالنكاح أولى ، وان لم يخف العنت فالحج أولى وقال أصحاب ( ـ ش ـ ) : ليس لنا فيه نص ، غير أن الذي قاله ( ـ « ع » ـ ) قريب.

مسألة ـ ٦ ـ ( ـ « ج » ـ ) : الذي لا يستطيع الحج بنفسه وأيس من ذلك : اما بأن لا يقدر على الكون على الراحلة ، أو يكون به سبب لا يرجى زواله ، وهو العضب (١) والضعف الشديد من الكبر أو ضعف الخلقة بأن يكون ضعيف الخلقة في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب يلزمه فرض الحج في ماله بأن يكتري من يحج عنه فاذا فعل ذلك سقط الفرض عنه ، وبه قال ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، و ( ـ ش ـ ) ، وابن المبارك ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) : فرض الحج لا يتوجه على من لا يقدر عليه بنفسه ، فاذا كان معضوبا لم يجب الحج عليه ، ولا يجوز أن يكتري من يحج عنه ، فإن أوصى أن يحج

__________________

(١) عضبه المرض : أقعده عن الحركة.

٣٥٤

عنه حج عنه من الثلث وحكي عنه أنه قال : لو عضب بعد وجوب الحج عليه سقط عنه فرضه.

يدل على مذهبنا ـ مضافا الى إجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط ـ ما روي عن علي عليه‌السلام أنه قال لشيخ كبير لم يحج : ان شئت فجهز رجلا يحج عنك.

وروى سفيان بن عيينة عن الزهري ، عن سليمان بن يسار ، عن ابن عباس ان امرأة من خثعم سألت رسول الله ، فقالت : ان فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخنا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته ، فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

وفي رواية عمر بن دينار عن الزهري مثله ، وزاد فقالت : يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال : نعم ، كما لو كان عليه دين فتقضيه ينفعه.

مسألة ـ ٧ ـ : إذا استطاع بمن يطيعه بالحج عنه لا يلزمه فرض الحج إذا لم يكن مستطيعا بنفسه ولا ماله ، لأن الأصل براءة الذمة ، وليس في الشرع ما يدل على ذلك ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ح ـ ). وقال ( ـ ش ـ ) : يلزمه فرض الحج.

مسألة ـ ٨ ـ : إذا كان لولده مال روى أصحابنا أنه يجب عليه الحج ويأخذ منه قدر كفايته ويحج به ، وليس للابن الامتناع منه ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

مسألة ـ ٩ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا بذل له الاستطاعة لزمه فرض الحج ، و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١٠ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا كان به علة يرجى زوالها مثل الحمى وغيرها فأحج رجلا عن نفسه ثمَّ مات ، أجزاء عن حجة الإسلام. و ( ـ للش ـ ) فيه قولان.

مسألة ـ ١١ ـ : المعضوب الذي لا يرجى زواله ، مثل أن يكون خلق نضوا ، يجب أن يحج رجلا عن نفسه ، فاذا فعل ذلك ، ثمَّ برئ وجب عليه أن يحج

٣٥٥

بنفسه حجة الإسلام ، لقوله تعالى « وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » وهذا قد استطاع ، فوجب أن يحج عن نفسه ، وما فعله أولا كان لزمه في ماله ، واجزاؤه عما يجب عليه في بدنه يحتاج الى دليل. و ( ـ للش ـ ) قولان مثل العليل الذي يرجى زواله.

مسألة ـ ١٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : إذا أوصى المريض بحجة تطوع ، أو استأجر من يحج عنه تطوعا ، فإنه جائز ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) في أحد قوليه. والقول الأخر لا يجزئ ولا الوصية به.

مسألة ـ ١٣ ـ : إذا أحرم بالحج عن غيره نيابة ، ثمَّ نقل النية إلى نفسه لا يصح فعلها ، فإذا أتم حجه لم يسقط أجره على من كان استأجره ، لأن الأجرة استحقها بنفس العقد ، وبالدخول في الإحرام انعقد الحج عن المستأجر ونيته ما أثرت في النقل ، فوجب أن يكون استحقاق الأجرة ثابتا ، لأن إسقاطه يحتاج الى دليل.

و ( ـ للش ـ ) فيه قولان ، أحدهما ما قلناه ، والأخر : لا شي‌ء له ، وهو الذي يختارونه.

مسألة ـ ١٤ ـ : إذا استأجر الصحيح من يحج عنه الحجة الواجبة لا يجزيه بلا خلاف ، وان استأجر من يحج عنه تطوعا أجزأه ، وبه قال ( ـ ح ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : لا يجوز أن يستأجر لا نفلا ولا فرضا.

مسألة ـ ١٥ ـ : الاعمى يتوجه عليه فرض الحج إذا كان له من يقوده (١) ويهديه ووجد الزاد والراحلة لنفسه ولمن يقوده ، لعموم الآية ولا يجب عليه الجمعة.

وقال ( ـ ش ـ ) : يجب عليه الجمعة والحج معا. وقال ( ـ ح ـ ) : لا يجب عليه الحج.

مسألة ـ ١٦ ـ ( ـ « ج » ـ ) : من استقر عليه وجوب الحج ، فلم يفعل ومات ،

__________________

(١) د : يقوله.

٣٥٦

وجب أن يحج عنه من صلب ماله مثل الدين ، ولم يسقط بوفاته. هذا إذا خلف مالا ، فان لم يخلف شيئا ، كان وليه بالخيار في القضاء عنه ، وبه قال ( ـ ش ـ ) وعطاء ، وطاوس.

وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ك ـ ) : يسقط بوفاته ، بمعنى أنه لا يفعل عنه بعد وفاته وحسابه على الله يلقاه والحج في ذمته ، وان كان أوصى حج عنه من ثلثه ، ويكون تطوعا لا يسقط الفرض به عنه. وهكذا يقول في الزكوات والكفارات وجزاء الصيد كلها يسقط بوفاته ، فلا يفعل عنه بوجه.

مسألة ـ ١٧ ـ : سكان الجزائر والسواحل الذين لا طريق لهم غير البحر يلزمهم ركوبه الى الحج ، إذا غلب في ظنهم السلامة ، وان غلب في ظنهم العطب لا يجب عليهم ذلك ، لان الأصل براءة الذمة ، ومع غلبة الظن قد حصلت التخلية ، فإن القطع على السلامة غير حاصل في موضع ، ولم يقم دليل على وجوبه مع ظن الهلاك.

واختلف قول ( ـ ش ـ ) في ذلك ، واختلف أصحابه على طريقتين ، منهم من قال : إذا كان الغالب الهلكة لم يلزمه ، كالبر إذا كان مخوفا. وإذا كان الغالب السلامة يلزمه ، ومنهم من قال : إذا غلب في ظنه الهلكة لم يجب قولا واحدا ، وان غلب في ظنه السّلامة فعلى قولين.

مسألة ـ ١٨ ـ : من مات وقد وجب عليه الحج وعليه دين ، نظر : فان كانت التركة يكفي للجميع أخرج عنه الحج ويقضي الدين من صلب المال ، لأنهما دينان ليس أحدهما أولى من صاحبه ، فوجب أن يقسم فيهما ، وان لم يسع المال قسم بالسوية ، فالحج يجب إخراجه من الميقات دون بلد الميت.

و ( ـ للش ـ ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها ـ مثل ما قلناه ، والثاني : أنه يقدم دين الادميين والثالث : يقدم دين الله تعالى.

مسألة ـ ١٩ ـ ( ـ « ج » ـ ) : من قدر على الحج عن نفسه ، لا يجوز أن يحج عن

٣٥٧

غيره. وان كان عاجزا عن أن يحج عن نفسه لفقد الاستطاعة ، جاز له أن يحج عن غيره ، وبه قال ( ـ ر ـ ).

وقال ( ـ ك ـ ) و ( ـ ح ـ ) : يجوز له أن يحج عن غيره على كل حال ، وكذلك يجوز له أن يتطوع به وعليه فرض نفسه ، وبه نقول.

وقال ( ـ ش ـ ) : كل من لم يحج حجة الإسلام ، لا يصح أن يحج عن غيره ، فان حج عن غيره أو تطوع بالحج انعقد إحرامه عما يجب عليه ، سواء كانت حجة الإسلام أو واجبا عليه بالنذر ، وان كان عليه حجة الإسلام فنذر حجة فأحرم بالنذر انعقد عن حجة الإسلام ، وبه قال ابن عباس ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

مسألة ـ ٢٠ ـ : من نذر أن يحج ولم يحج حجة الإسلام وحج بنية النذر ، أجزء عن حجة الإسلام ، على ما ورد به بعض الروايات ، وفي بعض الاخبار أن ذلك لا يجزيه عن حجة الإسلام ، وهو الأقوى عندي ، لأنهما فرضان فاجزاء أحدهما عن الأخر يحتاج الى دليل ولا دليل عليه.

وقال ( ـ ش ـ ) : لا يقع الا عن حجة الإسلام.

مسألة ـ ٢١ ـ : يجوز للعبد أن يحج عن غيره من الأحرار إذا أذن له مولاه لأنه لا مانع منه. وقال ( ـ ش ـ ) : لا يجوز.

مسألة ـ ٢٢ ـ ( ـ « ج » ـ ) : الحج وجوبه على الفور دون التراخي ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ف ـ ) ، والمزني ، وليس لح فيه نص. وقال أصحابه : يجي‌ء على قوله أنه على الفور ، كقول ( ـ ف ـ ).

وقال ( ـ ش ـ ) : وجوبه على التراخي ، ومعناه أنه بالخيار ان شاء قدم ، وان شاء أخر ، والتقديم أفضل ، وبه قال ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ م ـ ).

مسألة ـ ٢٣ ـ ( ـ « ج » ـ ) : أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، فاذا طلع فقد انقضت أشهر الحج ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، وابن

٣٥٨

مسعود ، وابن الزبير.

وقال ( ـ ح ـ ) : شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة ، فجعل يوم النحر آخرها ، فاذا غربت الشمس منه فقد خرجت أشهر الحج ، وقد روى ذلك أصحابنا.

وقال ( ـ ك ـ ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ثلاثة أشهر كاملة ، وقد روي ذلك في بعض رواياتنا ، وعن ابن عمر وابن عباس روايتان كقولنا وقول ( ـ ك ـ ).

ويدل على ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة على أن أشهر الحج يصح أن يقع فيها الإحرام بالحج ، ولا يصح الإحرام بالحج إلا في المدة التي ذكرناها ، لأنه إذا طلع الفجر في يوم النحر فقد فات وقت الإحرام بالحج وبهذا رجحنا هذه الرواية على الروايات الباقية.

مسألة ـ ٢٤ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا ينعقد الإحرام بالحج ولا العمرة التي يتمتع بها الى الحج إلا في أشهر الحج ، فإن أحرم في غيرها انعقد إحرامه بالعمرة ، وبه قال جابر ، وابن عباس ، وعطاء ، وعكرمة ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).

وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ر ـ ) : ينعقد (١) في غيرها الا أن الإحرام فيها أفضل وهو المسنون فإذا أحرم في غيرها أساء وانعقد إحرامه.

[ دليلنا : ان الإحرام بالحج ينعقد في الأشهر التي قدمنا ذكرها ، وليس على قول من قال بانعقادها في غيرها دليل ] (٢).

مسألة ـ ٢٥ ـ ( ـ « ج » ـ ) : جميع السنة وقت العمرة المبتولة ، ولا يكره في شي‌ء منها ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) : يكره في خمسة أيام ، وهي أيام أفعال الحج عرفة والنحر والتشريق. وقال ( ـ ف ـ ) : يكره يوم النحر والتشويق.

مسألة ـ ٢٦ ـ ( ـ « ج » ـ ) : يجوز أن يعتمر في كل شهر بل في كل عشرة أيام.

__________________

(١) د : انعقد.

(٢) هذه العبارة تختص بنسخة م.

٣٥٩

وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ش ـ ) : يجوز له أن يعتمر ما شاء. وقال ( ـ ك ـ ) : لا يجوز إلا مرة ، وبه قال سعيد بن جبير ، والنخعي ، وابن سيرين.

مسألة ـ ٢٧ ـ ( ـ « ج » ـ ) : لا يجوز إدخال العمرة على الحج ، ولا إدخال الحج على العمرة ، بل كل واحد منهما له حكم نفسه ، فإن أحرم بالعمرة التي يتمتع بها الى الحج ، فضاق عليه الوقت ، أو حاضت المرأة ، جعلها حجة مفردة. وان أحرم بالحج مفردا ، ثمَّ أراد التمتع ، جاز له أن يتحلل ، ثمَّ ينشئ الإحرام بعد ذلك بالحج فيصير متمتعا. فأما أن يحرم بالحج قبل أن يفرغ من مناسك العمرة أو بالعمرة قبل أن يفرغ من مناسك الحج ، فلا يجوز على حال.

وقال جميع الفقهاء : يجوز إدخال الحج على العمرة بلا خلاف بينهم ، وأما إدخال العمرة على الحج إذا أحرم بالحج وحده ( ـ فللش ـ ) فيه قولان ، قال في القديم يجوز ، وبه قال ( ـ ح ـ ). وقال في الجديد : لا يجوز وهو الأصح عندهم.

مسألة ـ ٢٨ ـ ( ـ « ج » ـ ) : العمرة فريضة مثل الحج ، وبه قال ( ـ ش ـ ) في الأم ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسائر الصحابة ، ومن التابعين سعيد بن جبير ، وابن المسيب وعطاء وفي الفقهاء ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).

وقال في القديم : سنة مؤكدة ، وما علمت أحدا رخص في تركها ، وبه قال ابن مسعود من الصحابة ، وهو قول الشعبي ، و ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ح ـ ).

مسألة ـ ٢٩ ـ ( ـ « ج » ـ ) : القارن مثل المفرد سواء ، الا أنه يقرن بإحرامه سياق الهدي ، فلذلك سمي قارنا ، ولا يجوز أن يجمع بين الحج والعمرة في حالة واحدة ، ولا يدخل أفعال العمرة قط في أفعال الحج ، وخالفوا في ذلك فقالوا (١) : ان القارن من قرن بين الحج والعمرة في إحرامه ، فيدخل أفعال العمرة في أفعال الحج.

__________________

(١) ح ، د : فقال.

٣٦٠