لقد كان أبو الفضل عليهالسلام من الطراز الأوّل في قوّة بأسه ، وصلابة إرادته ، فانضمّ إلى معسكر الحقّ ، ولم يهن ولم ينكُل ، وبرز على مسرح التاريخ كأعظم قائد فذّ ، ولو لم يتّصف بهذه الظاهرة لما كتب له الفخر والخلود على امتداد الأيّام .
وأترعت نفس أبي الفضل بالرأفة والرحمة على المحرومين والمضطهدين ، وقد تجلّت هذه الظاهرة بأروع صورها في كربلاء حينما احتلّت جيوش الأمويّين حوض الفرات لحرمان أهل البيت عليهمالسلام من الماء حتّى يموتوا أو يستسلموا لهم ، ولمّا رأى العباس عليهالسلام أطفال أخيه ، وسائر الصبية من أبناء إخوته ، وقد ذبلت شفاهم ، وتغيّرت ألوانهم من شدّة الظمأ ذاب قلبه حناناً وعطفاً عليهم ، فاقتحم الفرات ، وحمل الماء إليهم وسقاهم ، وفي اليوم العاشر من المحرّم سمع الأطفال ينادون العطش العطش ، فتفتّت كبده رحمة ورأفة عليهم ، فأخذ القربة ، والتحم مع أعداء الله حتّى كشفهم عن نهر الفرات ، فغرف منه غرفة ليروي ظمأه ، فأبت رحمته أن يشرب قبل أخيه وأطفاله ، فرمى الماء من يده .
فتّشوا في تاريخ الاُمم والشعوب فهل تجدون مثل هذه الرأفة والرحمة ، التي تحلّى بها قمر بني هاشم وفخر عدنان .
هذه بعض عناصر أبي الفضل وصفاته ، وقد ارتقى بها إلى قمّة المجد التي ارتقى إليها أبوه .