موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ٥

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ٥

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-05-8
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٦٦٩

في الحقيقة أنا أحاور في كُلّ الأُمور ومع الجميع ، حيث أحاور الشيعة على التمسّك بخطّهم ، وخصوصاً من له ميل للعلمانية ، وحوار مثل هؤلاء أشدّ من غيرهم ، وأحاور أهل السنّة لأثبت لهم أنّ منهج الحقّ ليس منهجهم ، كما وأحاور النصارى ، وأنا دارس جيّد لكتابهم بعهديه القديم والجديد ، كما وأحاور غيرهم ، وبأساليب مختلفة ، كُلّ حسب طريقته أو الطريقة التي تنفع معه.

سادتي الكرام ، يقول تعالى ـ وهو يتحدّث عن الحوار مع إبليس اللعين ـ : ( قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) ، وقد وعده الله سبحانه بذلك.

وحسب علمي البسيط أنّ يوم البعث بعد الممات ، أي يوم القيامة ، ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) (٢) ، ونحن نعلم من الروايات بأنّه يوم القيامة ـ أي يوم البعث ـ يكون بعد أن يموت الكُلّ ، ولا يبقى إلاّ وجهه الكريم ، ومن بعد ذلك أوّل من يحيه الله إسرافيل عليه‌السلام حيث ينفخ في الصور.

ما استشكل عليّ هو :

أ ـ أمّا بقاء إبليس اللعين إلى يوم البعث حسب ظاهر الآية ، وبالتالي يبقى هو مع الله ، ونحن نعلم بعد البعث الحساب والكتاب والخلود ، إمّا في الجنّة أو في النار ، ومعنى ذلك أنّ إبليس اللعين سيكون من الخالدين ، ولم يمر بمرحلة الموت! وهذا مخالف لما نؤمن به.

ب ـ وأمّا أن يبقى إلى يوم البعث ثمّ يموت بمفرده ، كخصوصية له حيث لا موت بعد البعث ، وقد أعطاه الله ما وعده ، وبالتالي يكون قد انتهى كمخلوق! وهنا استشكال أكبر حيث سوف لن يعاقب ولن يكون في جهنّم خالداً فيها ، كما خبّرنا بذلك.

سادتي الكرام : قد يكون الموضوع ليس موضوع ابتلاء ، ولكن قد ابتلاني الله بحبّ المعرفة ، والتأكّد من كُلّ شيء لأزداد علماً.

__________________

١ ـ الأعراف : ١٤.

٢ ـ المؤمنون : ١٦.

٢٦١

أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم ، هذا وتقبّلوا فائق التقدير والاحترام.

ج : إنّ السؤال ذو جهتين : أصل الإمهال ، وغاية الإمهال ، أي أنّ الشيطان كان يريد الحياة إلى يوم القيامة ، ولكن الله تعالى ووفقاً لحكمته أجابه على أصل الإمهال ، ولم يجبه من جهة غايته ، إذ قال تعالى في جوابه : ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (١) ، والوقت المعلوم ـ كما في بعض الأحاديث ـ يوم ظهور القائم عليه‌السلام ، أو رجعة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام.

وبهذا التفسير يندفع كافّة الإشكالات المذكورة كما هو واضح.

وهناك بعض الروايات تشير إلى أنّ إبليس يموت في النفخة الأُولى ، وفي بعضها الآخر أنّ موته بين النفختين الأُولى والثانية ؛ فحتّى على هذين الاحتمالين يذوق الموت لا محالة.

والأصل في هذا المقام ونظائره هو : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (٢) فلا يشذّ من هذه القاعدة أحد من الإنس والجنّ والملائكة.

( مؤيّد الشمّري ـ العراق ـ ٢٦ سنة ـ بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

نوع الأكل يوم الحشر :

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

ورد في الروايات : إنّ الخلائق يوم الحشر يبعثون عراة ، ينتظرون الحساب ـ وبفرض الانتظار أكثر من يوم ـ فعلى ماذا يتغذّون هناك؟ وإذا قلنا بالأكل هناك ، كيف يكون توابع الأكل من التخلّي وغيره؟ نسأل الله أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

__________________

١ ـ ص : ٧٩ ـ ٨٠.

٢ ـ العنكبوت : ٥٧.

٢٦٢

ج : سأل زرارة الإمام الباقر عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) (١) قال : « تبدّل خبزة نقية يأكل منها الناس حتّى يفرغوا من الحساب » (٢) ، ويمكن أن يكون ذلك الطعام على نحوٍ لا يحوجهم إلى توابع الأكل ـ من التخلّي وغيره ـ على نحو ما نشاهده في الجنين في بطن أُمّه ، وورد ذلك في أهل الجنّة أيضاً.

( حبيب عباس راضي ـ البحرين ـ ١٤ سنة ـ طالب إعدادية )

حساب عرب الجاهلية :

س : كان العرب أيّام الجاهلية لا يعرفون الإسلام ، بل يعبدون الأصنام ، فهل يخلّدون في النار رغم أنّهم كانوا لا يعرفون النار؟

ج : إنّ الله سبحانه لا يعذّب قوماً حتّى يقيم الحجّة عليهم ، كما قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (٣) ، وقد وردت بعض الروايات التي تفيد بأنّ الكفّار القاصرين الذين لم تصل إليهم الأدلّة ـ أي أدلّة التوحيد ومعرفة الله وما يجب عليهم القيام به من تكاليف في زمانهم ، إذ لكُلّ زمان نبي وشريعة كما نعرف من الروايات ـ فإنّ هؤلاء موكولون في الحكم عليهم في الآخرة إلى الله سبحانه ، وعبّرت عنهم هذه الروايات بالمستضعفين والمرجوّين لشمول رحمة الباري لهم.

ومن هنا علينا أن نعرف حال أهل الجاهلية ، فلا يمكن أن نجزم بأنّهم لم يعرفوا الجنّة ولا النار ، ولا الحساب ولا العقاب ، كيف وقد كان فيهم من الموحّدين من آباء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين كانوا على الإبراهيمية أو الحنفية ، الأمر

__________________

١ ـ إبراهيم : ٤٨.

٢ ـ الكافي ٦ / ٢٨٦.

٣ ـ الإسراء : ١٥.

٢٦٣

الذي يجعلنا نشكّ في عدم معرفتهم وجهلهم بأحكام التوحيد ، وعلى أيّة حال فالتفصيل السابق الذي أوردناه هو الجواب لهذا السؤال.

( عيسى سلمان ـ البحرين ـ ٣٦ سنة ـ خرّيج ثانوية )

حشر الوحوش فيه :

س : كيف الوحوش تحشر يوم القيامة؟

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) (١) : « الوحوش جمع وحش ، وهو من الحيوان ما لا يتأنس بالإنسان كالسباع وغيرها.

وظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة ، أنّ الوحوش محشورة كالإنسان ، ويؤيّده قوله تعالى : ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (٢).

وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ، ولا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك ، نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام : ( أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ) ، وقوله : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) بعض ما يتّضح به الحال في الجملة ، لا يخفى على الناقد المتدبّر ، وربما قيل : إنّ حشر الوحوش من أشراط الساعة لا ممّا يقع يوم القيامة ، والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها » (٣).

وقال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : « قال عكرمة : حشرها موتها ، وغيره قال : معناه تغيّرت الأُمور ، بأن صارت الوحوش التي تشرد في البلاد تجتمع مع الناس ، وذلك أنّ الله تعالى يحشر

__________________

١ ـ التكوير : ٥.

٢ ـ الأنعام : ٣٨.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ٢٠ / ٢١٣.

٢٦٤

الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي دخلت عليها ، وينتصف لبعضها من بعض ، فإذا عوّضها الله تعالى ، فمن قال : العوض دائم ، قال تبقى منعّمة على الأبد ، ومن قال : العوض يستحق منقطعاً ، اختلفوا فمنهم من قال : يديمها الله تفضّلاً لئلا يدخل على العوض غم بانقطاعه ، ومنهم من قال : إذا فعل بها ما تستحقه من الأعواض جعلها تراباً » (١) ، والله العالم بحقائق الأُمور.

__________________

١ ـ التبيان ١٠ / ٢٨١.

٢٦٥
٢٦٦

معاوية بن أبي سفيان :

( محمّد علي ـ أمريكا ـ .... )

بعض مثالبه :

س : جزاكم الله خيراً على مجهودكم هذا ، وبارك الله فيكم.

إذا أمكن ذكر بعض الشيء حول معاوية ، من الأحاديث والروايات من كتب أهل السنّة ، التي تبيّن بعض حقائق كاتب الوحي هذا؟ ونسألكم الدعاء.

ج : نذكر بعض الروايات الواردة في كتب أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : جئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثمّ قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا أشبع الله بطنه » (١).

٢ ـ عن ابن عباس قال : سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوت رجلين يغنّيان ... فسأل عنهما ، فقيل : معاوية وعمرو بن العاص ، فقال : « اللهم أركسهما في الفتنة ركساً ، ودعهما إلى النار دعّاً » (٢).

٣ ـ عن الإمام الحسن عليه‌السلام قال : « بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لعن الله السائق والراكب ، أحدهما فلان » ـ أي معاوية ـ قالا : اللهم نعم بلى (٣).

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧ ، مسند أبي داود : ٣٥٩.

٢ ـ المعجم الكبير ١١ / ٣٢.

٣ ـ المصدر السابق ٣ / ٧٢ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٤٧.

٢٦٧

هذا مضافاً إلى ما ورد من أخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، وأنّ عمّار تقتله الفئة الباغية.

( أسد ـ أمريكا ـ سنّي )

كان يسبّ علياً :

س : ما هو دليلكم على أنّ معاوية كان يشتم علياً ( كرّم الله وجهه )؟

ج : إنّ مصادر التاريخ والسير مليئة بإثبات هذا المطلب ، حتّى كادت أن تكون متواترة ، ولا ينكر هذا المطلب إلاّ مكابر ، ونحن هنا نقتصر على ذكر روايتين ، علّنا في المستقبل نوفّق لأن نذكر بحثاً مختصراً يجمع أهم مصادر هذا البحث :

١ ـ عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلن أسبه ... » (١).

٢ ـ عن سهل بن سعد قال : « استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، قال : فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب ... » (٢).

( منتظر ـ ... ـ ..... )

من الطائفة الباغية :

س : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، أفضل الصلاة وأزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين ، محمّد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم أجمعين ، إلى قيام يوم الدين.

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٠١ ، المستدرك ٣ / ١٠٨ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١١١ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٥ ، الإصابة ٤ / ٤٦٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٧٦.

٢ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٢٣.

٢٦٨

إخوتي الأعزاء : لقد وقع نقاش بيني وبين أحد الوهّابيين فقلت له : ارجع إلى حديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله الخاصّ بالصحابي الجليل عمّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية » (١) ، وهذا ما حصل في معركة صفّين.

فقال لي : ارجع إلى كتاب الله ما معنى البغي : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (٢).

ومن هنا يكتشف لدينا : أنّ معاوية وأصحابه من المؤمنين ، واستدلّ بقول الإمام علي عليه‌السلام : ( إخواننا بغوا علينا ) ، ما هو الردّ على هذا الإشكال؟ مع الشكر.

ج : نود توضيح بعض النقاط تتوقّف إجابة السؤال عليها :

١ ـ إنّ صفة المؤمنين مفهوم كُلّي ينطبق على مصاديق وأفراد كثيرة ، ولا يندرج فرداً أو مصداقاً تحت هذا المفهوم إلاّ بدليل قطعي ، ولا يكفي في دخوله مجرّد الشكّ ، وعليه فلابدّ من وجود دليل على كون معاوية وبعض من حوله من المؤمنين ، حتّى يدخل تحت هذه الآية ، ولا يكفي الشكّ في كونهم مؤمنين ، وهذا واضح.

٢ ـ إذا ادّعى مدّعٍ : أنّ معاوية قد أسلم ظاهراً ، وهذا يكفي لإطلاق صفة الإيمان عليه ، نقول : إنّ الإسلام غير الإيمان ، فلا يخرج إثبات إيمانه عن احتياجه لدليل ، بل الأدلّة الكثيرة قائمة على عدم إيمانه ونفاقه ، وهي لا تخفى عليكم ، حيث أنّ الإيمان عمل قلبي لا يعرفه إلاّ الله والشخص المعني ، وإنّما نستدلّ عليه من تطابق أعمال الفرد مع المعايير الإسلامية ، ومعاوية بعيد عنها كُلّ البعد ، والأمثلة كثيرة.

٣ ـ قد نثبت لمعاوية الإسلام الظاهري مع النفاق فهو منافق ، فيمكن أن يدخل في الآية من هذه الجهة ، لأنّ القرآن سمّى أُناساً كانوا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ١٦١ و ٣ / ٥ و ٥ / ٣٠٦ و ٦ / ٣٠٠ و ٣١١ ، صحيح مسلم ٨ / ١٨٦ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٣٣.

٢ ـ الحجرات : ٩.

٢٦٩

مؤمنين ، مع أنّ أفعالهم أفعال المنافقين ، فهذا الإطلاق في القرآن إطلاق عام يشمل المؤمنين حقيقة والمنافقين ، قال تعالى : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) (١).

قال الشيخ الطوسي : « وهذه صفة المنافقين بلا خلاف » (٢).

٤ ـ يجب التنبيه هنا على شيء مهمّ ، وهو التفريق في الكلام بين معاوية بخصوصه مع بعض من اتبعه ـ كمروان وعمرو بن العاص ـ وبين جماعة أهل الشام الذين معه ، فإنّ الغالبية العظمى من أتباعه جهّال خدعوا وهم مسلمون ، قد يكون منهم مخلصون في الدفاع عن الإسلام ، ولكن داءهم الجهل ، وهذا أمر عرفي واضح.

فإذا كان الكلام عن الجماعة ككل ، فلا مانع من أن تصفهم بأنّهم مسلمون ، أو مؤمنون بالمعنى العام المشار إليه ، أو حتّى مؤمنون جهّال وغير منافقين ، إذ كانوا يظنّون أنّهم يمثّلون الإسلام الحقيقي ، بما مارسه معاوية عليهم من كذب وإشاعات.

فإذا كان الكلام بخصوص معاوية وهؤلاء البعض من أعوانه ، فإنّ الأمر يختلف ، إذ أنّا يمكن أن ننسب إليهم النفاق والكفر بالمعنى الخاصّ ـ المقابل للإيمان ـ وإن كانوا غير كافرين بالمعنى العام ـ أي مجاهرين بالكفر ـ إذ هم مسلمون على الظاهر.

وهذا أمر واضح ، فإنّ الجماعة ـ كجماعة ـ يمكن أن تضم بينها المسلم والمؤمن والمنافق ، ولكن عند الخطاب يطلق عليها الصفة التي تنطبق عليها بالظاهر العام ، ولا تنفي هذه الصفة حقيقة الفرد المنضوي تحتها ، وهذا الأمر أيضاً ينطبق على جيش أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّ فيهم الخوارج والمنافقين ، وهذا أمر واضح.

__________________

١ ـ الأنفال : ٥ ـ ٦.

٢ ـ المبسوط للشيخ الطوسي ٧ / ٢٦٢.

٢٧٠

فيجب التفريق في الكلام على الجماعة بما هم جماعة ، وعلى الأفراد بما هم أفراد ، ومن هنا نفهم كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إخواننا بغوا علينا » (١) ، نعم هم إخوان بالإسلام بما هم جماعة ككل ، وأحكامهم تختلف عن الكفّار المجاهرين بالكفر.

٥ ـ إنّ الآية قد أطلقت صفة المؤمنين بالمعنى العام السابق على الطائفتين ، ثمّ قالت : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى ) ، وقد حدّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الطائفة الباغية ، التي تأمرنا الآية بقتالها.

فالمقتول في طائفة الحقّ في الجنّة كعمّار ، والمقتول في طائفة البغي في النار ، فعند حدوث البغي حصل التفريق بين الطائفتين وبين موقفيهما ، وهو واضح من الآية ، فما معنى إطلاق لفظة المؤمنين على البغاة بعد ذلك؟ إذ النزاع ليس لفظي ، مع أنّه يخالف المفهوم من الآية ، وجهة المقابلة الموجودة فيها بين الطائفتين.

ثمّ إنّ هذه المفاهيم ـ كالإسلام والإيمان ـ وضعت واستعملت للإشارة إلى حقائق أُخروية ، ونحن نستعملها كذلك ، فعندما نطلق على شخص أنّه مؤمن ، أي أنّه مصنّف في الناجين يوم القيامة ، فإذا ثبت لنا أنّه في النار ، فلا يكون إطلاق صفة الإيمان عليه إلاّ سفسطة.

ونزاعنا مع القوم ليس بالألفاظ ، وإنّما في المآل الأخروي الذي تدلّ عليه الألفاظ ، وإلاّ فما فائدة أن نطلق عليه مؤمن وهو في النار؟ إلاّ التلاعب بالألفاظ.

٦ ـ ليكن من الواضح : أنّا عندما نطلق على معاوية أنّه كافر ، نريد به إمّا أنّه كافر بالمعنى الخاصّ المقابل للإيمان الخاصّ ، الذي هو الإيمان بالإمامة ، وهو غير الكافر بالمعنى العام ، أي المجاهر بالكفر المقابل للمسلم ، أو نريد به المنافق ، بل الأصح أنّا نريد به المنافق الذي يعامل معاملة المظهر للإسلام باللسان ، فهو كافر بالباطن.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٧٣.

٢٧١

أمّا الفئة العظمى من جيشه ، فإنّا نطلق عليهم مسلمين غير مؤمنين بالإمامة ، فهم ليسوا كفّاراً مجاهرين ، ولكن إذا أُطلق عليهم الكفر يراد به الكافر الخاصّ ، المقابل للإيمان الخاصّ ، ويمكن أن يطلق عليهم مؤمنين بالمعنى العام المشار إليه سابقاً ، الذي يساوي الإسلام العام.

٧ ـ إنّ اختلاف جماعتين ربما يكون في شيء لا يخرج عن الإيمان أو الإسلام ، وربما يختلفان في شيء يخرج عنهما ، والآية عامّة شاملة لكلا الحالين.

ويبقى علينا التشخيص في تحديد الأمر المختلف عليه ، إذ بعد وقوع القتال وحصول التمايز بينهما بالبغي وعدمه ، نرجع في تحديد صفة كُلّ طائفة بما تعتقد به ، وتخالف الأُخرى عليه ، فإذا كانت طائفة تقاتل وتخالف الأُخرى على شيء يخرج عن الإسلام أو الإيمان ، نسبنا تلك الطائفة بما يناسبها من ذلك ، وهو ما حصل بين طائفة علي عليه‌السلام وطائفة معاوية ، فالخروج على إمام الزمان موبقة تخرج عن الإسلام أو الإيمان على الخلاف ، فلاحظ.

( الموسوي ـ العراق ـ ٢٠ سنة ـ طالب )

مسلم في الظاهر :

س : قد طرح عليّ هذا السؤال : هل معاوية كان مؤمناً قبل الفتنة على الأقل في نظرك أنت؟ أُريد الجواب للتأصيل فقط لا غير ، وبعدها أنا سأكمل ، فأجبته : بنعم ، فأجابني الزميل المخالف بهذا ج : سيّدنا علي رضي‌الله‌عنه يقول : نعم ، حتّى في وقت الحرب ، وكما وعدتك ... من كتبك.

الأوّل : عن جعفر عن أبيه أنّ علياً عليه‌السلام كان يقول لأهل حربه : « إنّا لم نقاتلهم على التكفير لهم ، ولم نقاتلهم على التكفير لنا ، ولكنّا رأينا أنّا على حقّ ، ورأوا أنّهم على حقّ » (١).

__________________

١ ـ قرب الإسناد : ٩٣.

٢٧٢

الثاني : قال علي عليه‌السلام : « وكان بدء أمرنا أنّا التقينا بالقوم من أهل الشام ، والظاهر أنّ ربّنا واحد ، ونبيّنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، ونحن منه براء » (١).

الثالث : عن جعفر عن أبيه : « أنّ علياً عليه‌السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنّه كان يقول : هم إخواننا بغوا علينا » (٢).

الرابع : قال علي عليه‌السلام : « إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم : اللهم أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ... » (٣).

أذكرك بقوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (٤).

وبالإضافة للآية ... يكفيك الأحاديث المذكورة ، فما ردّي؟ هل هذه حجّة علينا أنّ الإمام علي عليه‌السلام شهد لمعاوية عليه من الله ما يستحق بأنّه مسلم ، فسؤالي هل معاوية كان مسلماً؟

أرجو الإفادة والمساعدة ، بارك الله بكم ، وجزاكم الله ألف خير في الدفاع عن هذا الإسلام المحمّدي الأصيل.

الجواب : الإسلام الظاهري لا ننفيه عن أيّ أحد يدّعي الإسلام ، ويتشهّد الشهادتين ، إلاّ أن يأتي بكفر بواح ، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة عناداً للحقّ ، وتكذيباً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فنحن لا ننفي إسلام معاوية أو غيره في هذه الدنيا ، وإنّما نعتقد بأنّ من يخالف الحقّ ، ولم يتولّ أهل البيت عليهم‌السلام فهو ليس بمؤمن بالمعنى الأخص في

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٤١.

٢ ـ قرب الإسناد : ٩٤.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢١.

٤ ـ الحجرات : ٩.

٢٧٣

الدنيا ، وليس بمسلم حقيقي عند الله في الواقع ، وهو يستحقّ النار في الآخرة.

ودليلنا على ذلك حديث الافتراق ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة » (١) ، فبيّن النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ جميع الفرق هي أُمّته الإسلامية ، وتنتسب ظاهراً ـ وفي هذه الدنيا ـ إلى الإسلام ، ولكن الفرقة الناجية منها هي واحدة فقط ، فهي المسلمة حقّاً ، وهي المتبعة للحقّ وتستحقّ الجنّة.

فهؤلاء المحاربين لأمير المؤمنين عليه‌السلام لا نخرجهم عن الإسلام في هذه الدنيا ، فنجري عليهم حكم الإسلام والمسلمين ، ودليلنا ما ورد من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله » (٢) ، وقال عن إسناده ابن حجر : « ورجاله رجال الصحيح » (٣).

وأمّا ما أوردت من نصوص عن أئمّتنا عليهم‌السلام فهي تدلّ على ما قدّمنا من إثبات إسلامهم الظاهري ، ولكن لم يثبت نجاتهم في الآخرة أبداً.

وأمّا الأحاديث والآية التي ذكرتها لإثبات إسلامهم ، فقد أثبتنا نحن أيضاً الإسلام الظاهر ، ولا تدلّ على أكثر من ذلك ، وكذلك وصف الإمام عليه‌السلام لهم بأنّهم إخواننا بغوا علينا ، أو أنّهم رأوا أنّهم على حقّ ، فهذه الأوصاف ليست كُلّية ، وتشمل كُلّ فرد فرد ، وإنّما فيهم المنافق وفيهم الفاسق ، وفيهم المعاند وفيهم الجاهل الخ.

وخصوصاً قول الإمام عليه‌السلام : « والظاهر أنّ ربّنا واحد » ، فإنّ الإمام عليه‌السلام يبيّن أيضاً بأنّهم مسلمون ظاهراً ، بل هي تدلّ على بغيهم ، ولو تأمّلت بالآية الكريمة

__________________

١ ـ سنن الدارمي ٢ / ٢٤١ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢٢ ، سنن أبي داود ٢ / ٣٩٠ ، الجامع الكبير ٤ / ١٣٥ ، المستدرك ١ / ١٢٨ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٧٣.

٢ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٣ و ٨٢ ، المستدرك ٣ / ١٢٣ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦ و ٦ / ٢٤٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥٤ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٣١ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٨٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٥١ ، أُسد الغابة ٤ / ٣٢.

٣ ـ مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦.

٢٧٤

لما وجدتها تثبت ذلك لهم بعد البغي ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) ، فالآية غير متعرّضة بالمرّة لمن لا يفئ إلى أمر الله ، فلا تستطيع إثبات الإيمان لمن أصرّ وبقي على بغيه من خلال هذه الآية ، فهي عليك لا لك.

ويكفينا لحكمنا هذا بالتفريق بين حالهم في الدنيا وحالهم في الآخرة ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّار ـ في أوّل أيّام الهجرة النبوية الشريفة ، عندما كانوا يبنون المسجد النبوي الشريف ـ : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النار » (١).

فانظر يا أخي هداك الله كيف تجهد نفسك ، وتجعلها في صفّ مَن يدعو إلى النار وتتولاّه ، وتدافع عنه بهذه القوّة ، وتأتي بأحاديث وتقول : وكما وعدتك ... من كتبك ....

اتق الله يا أخي ، ودافع وجاهد عن الحقّ ، وعن الدعاة إلى الجنّة ، وكن معهم ، وجاهد وعاند الدعاة إلى النار ، وكن ضدّهم وتبرأ منهم.

( عيسى الشيباني ـ الإمارات ـ ٢٦ سنة ـ الثانوية العامّة )

لم يبك على علي عند شهادته :

س : عداء معاوية لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام كان معروفاً من عدّة روايات من كلا الفريقين , فأهل السنّة يقولون حين جاء خبر مقتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام لمعاوية بكى ، فكيف لنا أن نوافق ما بين العداء الذي كان يحمله معاوية للإمام , والبكاء الذي ذرف من عينيه بعد سماعه مقتله؟

كيف لنا أن نقيم الحجّة على القوم؟ وخاصّة في حال وجود التضارب في الأقوال في مثل هذه الحالة؟ مع المتيقّن منه العداء للإمام ، فما مدى صحّة القول الثاني؟

__________________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ٩١ ، صحيح البخاري ١ / ١١٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٥٥٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٣٠١ ، صحيح مسلم ٨ / ١٨٦.

٢٧٥

ج : الخبر المذكور نقله ابن عساكر بسند متّصل إلى مغيرة ، ومغيرة هذا هو ابن مقسم الضبي ، وهو بعيد بكثير عن حادثة شهادة الإمام علي عليه‌السلام ، فالخبر إذاً مقطوع السند ، ثمّ أنّ هناك كلام في المغيرة ، فمنهم من وثّقة ، ومنهم من قال : أنّه يدلّس (١).

والخبر الذي نقله هو : « جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية ، وهو نائم مع امرأته فاخته بنت قرظة ، فقعد باكياً مسترجعاً ، فقالت له فاخته : أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه ، فقال : ويحك أنا أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه » (٢).

ولو غضضنا النظر عن السند ، وبحثنا في دلالته لتوصّلنا إلى ما يأتي :

١ ـ اعتراف معاوية للإمام علي عليه‌السلام بالحلم والعلم.

٢ ـ استنكار امرأة معاوية من التناقض في سلوك معاوية من قتاله والبكاء عليه ، ومعنى كلامها أنّ عدائك للإمام عليه عليه‌السلام شديد ، حتّى وصل إلى القتال ، فما معنى بكاءك؟ فيردّ عليها : أنّ الذي عند الإمام علي عليه‌السلام من الحلم والعلم يجعل الأعداء تبكي عليه.

٣ ـ احتياج الناس إلى الإمام عليه‌السلام ، وافتقارهم له عند موته.

٤ ـ إقرار معاوية بقتاله لعلي عليه‌السلام.

٥ ـ بكاء معاوية كان إشفاقاً على الناس لفقدهم الإمام عليه‌السلام حسب تعليله هو.

وبملاحظة هذه الأُمور ، فإنّ هذا الخبر لا يعطي أيّ دلالة على عدم وجود العداء بين الإمام عليه‌السلام ومعاوية ، بل على العكس من ذلك ، فهو يؤكّد وجود ذلك العداء ، ويظهر فضائل الإمام عليه‌السلام ، ويؤكّد الحجّة على معاوية.

__________________

١ ـ الثقات : ٤٦٤ ، التبيين لأسماء المدلّسين : ٥٦.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٨٢.

٢٧٦

( أُمّ محمّد ـ الكويت ـ ٤٠ سنة ـ خرّيجة جامعة )

وصيته ليزيد إن ظفر بالحسين :

س : ورد في رواياتنا وصية معاوية لابنه يزيد ، وكان فيها إشارة إلى معرفة معاوية لحقّ الحسين عليه‌السلام : « وأمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول الله , وهو من لحم رسول الله ودمه , وقد علمت لا محالة أنّ أهل العراق سيخرجونه إليهم ، ثمّ يخذلونه ويضيّعونه , فإن ظفرت به فاعرف حقّه ومنزلته من رسول الله , ولا تؤاخذه بفعله , ومع ذلك فإنّ لنا به خلطة ورحماً , وإيّاك أن تناله بسوء , أو يرى منك مكروهاً ».

فهل يعقل ذلك أم في الروايات مآخذ؟

ج : الحديث نقله من أصحابنا الشيخ الصدوق قدس‌سره (١) ، وفي السند الذي ذكره أفراد مجهولون ، فلهذا لا يمكن الوثوق بصحّة مثل هكذا حديث.

ولو سلّمنا بصحّة السند ، فهو يدلّ على مدى الوقاحة لدى يزيد أن أقدم على قتل الحسين عليه‌السلام ، وهو عارف بحقّه ، ويدلّ أيضاً على مدى الدهاء الذي يتمتّع به معاوية الغاصب للخلافة ، والمحارب لأبي الحسين عليهما‌السلام ، العارف بحقّهما وقربهما من رسول الله ، والذي يجيز لابنه الظفر بالحسين عليه‌السلام ، ولا يجيز له أن يناله مكروه ، لأنّه يعلم أنّ إلحاق الأذى بالحسين عليه‌السلام سوف يزلزل ملك ابنه ، فهو معلّم لابنه أُسلوباً من أساليب الدهاء ، التي لم يجد الابن ممارستها.

وبالتمحيص في شخصية معاوية لا يبدو غريباً أن يصدر منه مثل هكذا وصيّه ، فقد عُرف بالمكر والخداع والدهاء ، وصدور مثل هكذا وصيّة من معاوية لا يعدّ فضيلة له ، بل فيها أكبر إدانة له ، حيث يعلّم ابنه الأساليب المناسبة للتسلّط على المسلمين ، وكبح جماح المعارضين ، وفي تسلّط يزيد

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٢١٦.

٢٧٧

الفاسق الفاجر على المسلمين أكبر ظلامة وقعت على الإسلام والمسلمين ، والتي يتحمّل جزءً كبيراً منها معاوية ، وذلك بتمهيد الطريق أمام ابنه للتسلّط على رقاب المسلمين ، وهذا ما ذكره معاوية في تلك الوصية في غير تلك الأسطر التي ذكرتها.

٢٧٨

المعجزة :

( السيّد علي ـ البحرين ـ .... )

شروطها :

س : ما هي شروط المعجزة؟

ج : ننقل لك نصّ عبارة الشيخ الطوسي قدس‌سره حول شروط المعجز : « والمعجز يدلّ على ما قلناه بشروط : أوّلها : أن يكون خارقاً للعادة ، والثاني : أن يكون من فعل الله تعالى أو جارياً مجرى فعله ، والثالث : أن يتعذّر على الخلق جنسه أو صفته المخصوصة ، والرابع : أن يتعلّق بالمدّعي على وجه التصديق لدعواه.

وإّنما اعتبرنا كونه خارقاً للعادة لأنّه لو لم يكن كذلك لم يعلم أنّه فعل للتصديق دون أن يكون فعل بمجرى العادة ، ألا ترى أنّه لا يمكن أن يستدلّ بطلوع الشمس من مشرقها على صدق الصادق ، ويمكن بطلوعها من مغربها وذلك لما فيه من خارق العادة.

واعتبرنا كونه من فعل الله لأنّ المدّعي إذا ادّعى أنّ الله يصدّقه بما يفعله ، فيجب أن يكون الفعل الذي قام مقام التصديق من فعل من طلب منه التصديق ، وإلاّ لم يكن دالاً عليه ، وفعل المدّعي كفعل غيره من العباد ، لأنّه لا يدلّ على التصديق ، وإنّما يدلّ فعل من أدّعى عليه التصديق ....

وإنّما اعتبرنا أن يكون متعذّراً في جنسه أو صفته ، لأنّا متى لم نعلمه كذلك لم نأمن أن يكون من فعل غير الله ، وقد بيّنا لابدّ أن يكون من فعله ... » (١).

__________________

١ ـ الاقتصاد : ١٥٥.

٢٧٩

( عبد الله ـ أمريكا ـ .... )

التمييز بين معجزة النبيّ وغيره :

س : كيف نفرّق بين معاجز الأنبياء وبين بعض الظواهر الغريبة الصادرة من السحرة ، والمرتاضين ، وأصحاب التنويم المغناطيسي؟

ج : يمكننا تمييز النبيّ بمعجزته عن غيره ـ من الذين تظهر منهم بعض الظواهر الخارقة للعادة ـ بعدّة نقاط :

الأُولى : أنّ النبيّ لا يحتاج في إظهار معجزته إلى تعليم أو تمرين ، بينما يحتاج غيره إلى ذلك ، حتّى يظهر ما هو خارق للعادة.

الثانية : ظاهرة المعجزة لا يمكن لغير النبيّ من الإتيان بمثلها ، بينما ظاهرة السحر والشعوذة ، والتنويم المغناطيسي ، ورياضة المرتاض يسهل على الغير تكرارها.

فبإمكان كُلّ إنسان أن يحوّل من الحبال أشكالاً وهمية تشبه الأفاعي ، حينما يسحر أعين الناس ، إلاّ أنّه يعجز عن أن يلقي عصاه ـ كما فعل النبيّ موسى عليه‌السلام ـ لتكون أفعى تلقف ما يؤفك من السحر.

الثالثة : ليس من عادة غير الأنبياء إعلان تحدّيهم للغير في الإتيان بمثل ما أتوا به ، بينما نلاحظ الأنبياء قد قرنوا معجزتهم بالتحدّي على الإتيان بمثل ما أتوا به ، كما تحدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المشركين حينما أظهر معجزة القرآن : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (١).

الرابعة : أنّ الساحر والمشعوذ والمرتاض وغيرهم يكون ما يظهر على أيديهم محدّداً بحدود خاصّة ـ تبعاً لطريقة التمرين والرياضة التي تعلّموها ـ بينما كان الأنبياء يلبّون طلب الناس في إظهار أيّ معجزة ، ومن دون سابق إعلان في تحديد

__________________

١ ـ الإسراء : ٨٨.

٢٨٠