الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

أنه فرق بين ولد الابن والبنت ، فجعل الأول من الأولاد دون الثاني ، وهو فرق بارد ، إذ كما يصح في الثاني سلبه ، فيقال : انه ليس بولدي بل ولد ولدي فكذا في الأول ، وكما أن الثاني حاصل من الولد ومن غيره ، فكذا الأول من غير فرق ، على أن من يقول بأن ولد الولد ولد حقيقة لا يسلم صحة السلب. والقول بأنه ليس بولدي فإن ولد الولد ولد عنده حقيقة ويكون لصلبه ، فلا يصح النفي عنده حتى يكون دليل المجاز.

قيل : ويمكن الاستدلال على كون الإطلاق هنا على سبيل الحقيقة شرعاً أو لغة بما رواه الشيخ في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله عزوجل ( ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) (١) حرم على الحسن والحسين عليهما‌السلام لقوله عزوجل ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) (٣).

دلت الرواية على أن أب الأم أب حقيقة ، إذ لو لا ذلك لما اقتضت الآية تحريم زوجة الجد على ولد البنت ، فيكون ولد البنت ولداً حقيقة للتضايف بينهما كما هو واضح ، مع أنك قد عرفت في حديث أبي الجارود من استدلال الباقر عليه‌السلام أن ولد الولد ولد لصلبه فيكون ولداً حقيقة ، فلا يصح سلبه ولا يلزم الاشتراك.

واعلم أن القراءة المشهورة هي رفع يعقوب عطفاً على إبراهيم يعني أنه أيضاً وصى بها بنيه ، وهو الظاهر. على أن المشهور بين الطلبة أنه إذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال. هذا وان شئت مزيد معرفة بذلك ، فعليك بما فصلناه في الرسالة (٤) ،

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٢) سورة النساء : ٢٢.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٨١ ، ح ٢٦.

(٤) أي رسالة الفوائد ، طبع في مجموعة آثاره الاعتقادية

٨١

والله الموفق والمعين.

الفصل الأول

[ إثبات وجوب الخمس في هذا الزمان مطلقا ]

قال صاحب مفاتيح الشرائع فيه : المستفاد من الاخبار الواردة في باب الخمس أنهم عليهم‌السلام جعلوا شيعتهم منه في حل (١).

ونقل عن ابن الجنيد أنه قال : لا يصح التحليل الا لصاحب الحق في زمانه ، إذ لا يسوغ تحليله ما يملكه غيره.

وقال المحقق في المعتبر : وهذا ليس بشي‌ء لأن الإمام لا يحل الا ما يعلم أن له الولاية في تحليله ، ولو لم يكن له ذلك لاقتصر في التحليل على زمانه ولم يقيده بالدوام (٢).

أقول : ظاهر كلام ابن الجنيد يفيد الرد على الفريقين : من قال بإباحة الخمس كله في هذا الزمان ، ومن قال بإباحة نصيب الامام عليه‌السلام.

وهو الظاهر مما نقله العلامة في المختلف بقوله وقال ابن الجنيد : وتحليل ما لا يملك جميعه عندي غير مبرئ من وجب عليه حق منه لغير المحلل ، لان التحليل انما هو مما يملكه المحلل لا مما لا ملك له ، وانما إليه ولاية قبضه وتفريقه في الذين سماه الله لهم.

أقول : وهذا يدل على أن الامام عليه‌السلام لا يصح له تحليل نصيب الأصناف الذين في زمانه أيضاً فضلا عن غيرهم والأئمة من بعده عليهم‌السلام ، لاشتراك الكل في الدليل ،

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ / ٢٢٩.

(٢) المعتبر ٢ / ٦٣٧.

٨٢

كما أشار إليه بقوله : واحتج ابن الجنيد بأن التحليل انما يكون بما يختص بالمحلل ، إذ لا يسوغ تحليل ما ليس بمملوك له ، إذ هو تصرف في ملك الغير بغير اذنه.

وأجاب عنه العلامة بأن الامام عندنا معصوم ، وقد ثبت إباحة ما أباحوه مطلقا ، وهو لا يفعل غير السائغ ، فوجب أن يكون سائغاً ، ولا نسلم أن باقي الأصناف يملكون النصيب من الخمس ملكاً مستقراً ، وانما الآية سيقت لبيان المصرف ، فله التصرف فيه بحسب ما يراه من المصالح.

أقول : لا شك أن الأئمة من بعد المحلل يملكون نصيبهم من الخمس كهو ، لعدم الفرق في ذلك بينهما ، فوجب أن لا يسوغ له تحليل نصيبهم بغير إذنهم.

ثم أية مصلحة في تحليل نصيب الشركاء الهاشميين لغيرهم مع شدة حاجتهم وكثرة فاقتهم وعدم ما يتعوضون به من الخمس؟ وقد سبق أن الله سبحانه فرض الخمس للرسول وقبيلة إكراماً لهم وتعويضاً عن الزكاة التي هي أوساخ الناس.

ثم ظاهر الآية يفيد أنهم يملكون نصيبهم ملكاً مستقراً ، وكونه لبيان المصرف خلاف الظاهر فلا يصار اليه ، وانما صير إليه في آية الزكاة للدليل ، وهو هنا منتف ، ولا كلام في أن الامام معصوم لا يفعل غير السائغ.

وانما الكلام في أنه هل فعل ذلك ـ أي : إباحة كله ، أو خصوص نصيب من بعده من الأئمة ـ كلا أو بعضاً؟ الظاهر لا إلا في شي‌ء أو شيئين ، لدلالة الأخبار الكثيرة عليه كما تأتي.

وليس فيها فيما علمناه ما يدل على دوام التحليل ، الا خبر عمر بن يزيد عن أبي سيار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم منه محللون يحل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا. وهذا ورد في خصوص الأرض والمدعى

٨٣

أعم من ذلك (١).

ومثله رواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال (٢) ، وفيه كلام يأتي ، فإنها وان صرح فيها بتحليل ما فيها الى يوم القيامة الا أنها دلت على إباحة أن نتصرف في أرباح تجارات المخالفين وعطيتهم وفي مهر الزوجة والميراث ، وعلى إباحة جارية نشتريها ممن لا يرى وجوب الخمس ، وهذا كله خارج عما نحن بصدده من وجوب الخمس فيما يوجد عند الشيعة من أرباح تجاراتهم ومكاسبهم ومعادنهم وما يستفيدونه من الفوائد.

ومما يدل بظاهره على أن التحليل مقصور على زمان المحلل موثقة يونس ابن يعقوب (٣) وستأتي.

قال الفاضل العلامة في المختلف : هذه رواية موثقة.

قال الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد : وليست بظاهرة لوجود محمد بن سنان أو محمد بن سالم على اختلاف النسخ ، والأصح الأول (٤).

أقول : محمد بن سنان وان كان على المشهور ضعيفاً الا أنه على ما تقرر عندنا وصرح به بعض الأفاضل وله قدم صدق في الرجال ثقة إمامي.

والسند في التهذيب هكذا : سعد عن أبي جعفر عن محمد بن سالم ، وفي نسخة سنان عن يونس بن يعقوب (٥).

وفي مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه عن يونس بن يعقوب ، فقد رويته عن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٤ ، ح ٢٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٣٧ ، ح ٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٣٨ ، ح ١١.

(٤) مجمع الفائدة ٤ / ٣٥٢.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ١٣٨ ، ح ١١ وفيه محمد بن سنان.

٨٤

أبي رضي‌الله‌عنه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين عن يونس بن يعقوب البجلي (١).

قال ملا عناية الله القهبائي في مجمع الرجال بعد نقله السند : موثق (٢).

والظاهر أن نظر الفاضل في المختلف كان على ما في الفقيه ، وذهل عنه الفاضل الأردبيلي ، أو كان ابن سنان عنده موثقاً ، كما يظهر من نقله في الخلاصة عن الشيخ المفيد أنه ثقة (٣) فالسند عنده على الكتابين موثق.

هذا على تقدير وجود ابن سنان في طريق التهذيب ، وأما على نسخة ابن سالم فالسند موثق بالاتفاق ، لانه وان كان فطحياً كيونس بن يعقوب الا أنه من أجلة العلماء والفقهاء والعدول.

نعم في أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو المراد بأبي جعفر المذكور في طريق التهذيب ، كما صرح به ملا ميرزا محمد في الأوسط في الفائدة الثانية بقوله : ذكر الشيخ وغيره في كثير من الاخبار سعد بن عبد الله عن أبي جعفر ، والمراد بأبي جعفر هذا هو أحمد بن محمد بن عيسى كلام ، وسيأتي إليه إشارة إجمالية.

ولكن عدم كونه موثقاً في التهذيب لا يضر ، لكونه موثقاً في الفقيه كما صرح به ، وذلك أن ابن مسكين المكفوف صاحب أصل وكتب رواهما عنه جماعة من الثقات ، وهو من أصحاب سيدنا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام وروى عنه جماعة.

وقد تقرر أن الرجل إذا كان صاحب أصل أو كتاب أو راوياً عن أحد منهم عليهم‌السلام أو عن معتبر ، أو يروي عنه المعتبر مع عدم التصريح بذم فيه ، فهو معتبر ممدوح وقد جمع كل ذلك في ابن المسكين ، فيكون ممدوحاً مدحاً كلياً معتبراً عندهم

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٥٢.

(٢) مجمع الرجال ٧ / ٢٨٨.

(٣) الخلاصة ص ٢٥١.

٨٥

ولذلك حكم صاحب مجمع الرجال بكون السند المذكور موثقاً.

وقال ملا مراد التفرشي قدس‌سره في تعليقاته على مشيخة التهذيب : وظني أن من تحقق كونه من أهل المعرفة ولم يقدح فيه أحد وأكثر العلماء الرواية عنه يظن صدقه في الرواية ظناً غالبا ، وأنه لا يكذب على الأئمة عليهم‌السلام ، وهذا القدر كاف في وجوب العمل بروايته ، ولا يحتاج الى أن يظن عدالته ، بل يكفى أن لا يظن فسقه ، لاستلزامه ظن وجوب التثبت في خبره.

لا يقال فحينئذ يشك في عدم فسقه ، وهو شرط العمل بقوله ، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.

لأنا نقول : المستفاد من الآية الشريفة أن الفسق شرط التثبت والتوقف في العمل ، وعدم الشرط لا يجب أن يكون شرطاً لعدم المشروط وان فرضنا استلزامه له.

ثم ان شرط وجوب التثبت حقيقة هو اعتقاد الفسق دون الفسق في نفس الأمر أو احتماله ، فإذا ارتفع اعتقاد الفسق لم يبق سبب لوجوب التثبت بالأصل ، والمقتضي لوجوب العمل به متحقق ، وهو صدقه المستلزم للظن بالحكم. الى هنا كلامه.

وفيه نظر فصلناه في رسالة عدلية لنا فليطلب من هناك.

قال يونس بن يعقوب : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل من القماطين ، فقال : جعلت فداك يقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت وانا عن ذلك مقصرون ، فقال : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم (١).

أي : ما عملنا معكم بالعدل ان كلفناكم ذلك ، أي : إعطاء حقنا إيانا اليوم الذي أنتم في التقية وأيدي الظلمة.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٣٨ ، ح ١١ ، من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٤.

٨٦

فإنه يدل على اختصاص التحليل بهذه الأزمان والأيام ، إذ لو كان تحليله لهم على الدوام لزم منه لغوية تقييده بقوله « اليوم » وانما أسقط تكليف ذلك عنهم في ذلك اليوم ، لأن هؤلاء الظلمة كانوا يأخذون منهم الخمس والزكاة قهراً.

كما يدل عليه ما في الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله أو خمس غنيمته ، أو خمس ما يخرج من المعادن ، أيحسب ذلك له في زكاته وخمسه؟ فقال : نعم (١).

فلو كلفوا عليهم‌السلام إياهم مرة أخرى بالزكاة والخمس كان ذلك على خلاف العدل والانصاف ، فحسبوا لهم ذلك من خمسهم وزكاتهم ترحماً عليهم ، ولان ذلك كان بمنزلة أخذ مال الغير عنهم بالجبر بل نفسه ، فكان محسوباً عنهم.

وعلى هذا فهذا الحديث بمفهومه يدل على وجوب الخمس في أرباح التجارات والمكاسب في زماننا هذا ، كما يظهر عند التأمل.

وأقوى منه رواية الريان بن الصلت الثقة من أصحاب الرضا والهادي عليهما‌السلام قال : كتبت الى أبي محمد ـ والمراد به هنا الحسن بن علي الزكي العسكري عليهما‌السلام ـ ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي (٢) وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب : يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى (٣).

فلو لم تكن الإباحة مقصورة على زمان المبيح بل كانت مقيدة بالدوام لما وجب عليه فيه الخمس ، وقد أباحه له قبل من له الولاية في الإباحة ، لأن إباحته له مع وجوبه عليه متنافيان متناقضان.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٣ ، برقم : ١٦٥٦.

(٢) البردي نبات معروف يقال له بالفارسية پيزر « منه ».

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٣٩ ، ح ١٦.

٨٧

هذا والظاهر أن هذا الحديث المذكور في التهذيب بحذف السند نقله شيخ الطائفة عن كتاب ابن الصلت ، وطريقه إليه في الفهرست صحيح ، حيث قال فيه : الريان بن الصلت له كتاب ، أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه وحمزة بن محمد ومحمد بن علي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الريان بن الصلت (١).

والظاهر أنه رحمه‌الله لذلك لم يذكر في مشيخة التهذيب طريقه اليه على ما يشهد له قوله في آخر الأسانيد من المشيخة : قد أوردت حملا من الطرق الى هذه المصنفات والأصول ، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنفة في هذا الباب للشيوخ من أراده أخذه من هناك ، ونحن قد ذكرناه مستوفى في كتاب فهرست الشيعة (٢).

وقوله في أوائل المشيخة واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه ، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله (٣).

وعلى هذا فلا يضر ضعف الطريق الى صاحب الكتاب أو الأصل ، لاشتهارهما عند نقله عنهما ، نعم لا بد من صحة طريق الكتاب والأصل الى الامام عليه‌السلام. وهنا صاحب الكتاب هو ابن الصلت البغدادي الصدوق الثقة ، وقد كاتب أبا محمد عليه‌السلام بما سبق ، وأجيب بوجوب الخمس عليه فيه.

__________________

(١) الفهرست ص ٧١.

(٢) تهذيب الأحكام ١٠ / ٨٨ ، المشيخة.

(٣) تهذيب الأحكام ١٠ / ٤ ، المشيخة.

٨٨

ومثله صحيحة (١) علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه‌السلام في كتاب له الى بعض مواليه نأخذ منه محل الحاجة قال عليه‌السلام : وانما أوجب (٢) عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها ، تخفيفاً مني على موالي ومناً مني عليهم ، لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذواتهم.

وأما الغنائم والفوائد ، فهي واجبة عليهم في كل عام ، والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفوائد يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم (٣) فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب ، ومن ضرب ما صار الى قوم من موالي من أموال الخرمية (٤) الفسقة ، فقد علمت ان أموالا عظاماً صارت الى قوم من موالي ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمل (٥) لإيصاله ولو بعد حين ، فإن نية المؤمن خير من عمله.

فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام ، فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف

__________________

(١) هذا الحديث يدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح من أن الميراث والهبة والهدية فيه الخمس وأنكره ابن إدريس بناءً على أصله « منه ».

(٢) في التهذيب : أوجبت.

(٣) اصطلمه : استأصله « منه ».

(٤) الخرمية : هم أصحاب التناسخ والإباحة ، وتخرم أي دان بدين الخرمية « منه ».

(٥) في التهذيب : فليتعمد.

٨٩

سدس ولا غير ذلك (١).

فإنها صريحة في وجوب الخمس وبقائه إلى زمان الجواد عليه‌السلام وعدم إباحته للشيعة إلا ما أباحه لهم في سنته ووقته تخفيفاً منه ومناً عليهم ، وذلك لان سلاطين الجور كانوا يأخذون من أموالهم ، فخففوا ذلك عنهم ترحماً منهم عليهم.

فلو كان تحليل السابقين من آبائه عليهم‌السلام محللا له مطلقاً إلى الأبد والدوام بحيث كان ساقطاً عنهم بالكلية أو بقدر حصة الإمام ، لما جاز للجواد عليه‌السلام أن يوجب شيئاً منه عليهم ، لسقوطه عنهم بتحليل آبائه عليهم‌السلام ، وصريح الخبر الصحيح ينفيه.

فلا بد في التوفيق بين الاخبار : اما من قصر الإباحة على زمان المبيح ، أو من تخصيصها بالمناكح ونحوها ، أو بما ينتقل إلينا ممن لا يرى وجوب الخمس الى غير ذلك.

كما أشار إليه ملا عبد الله قدس‌سره في بعض حواشيه على التهذيب بقوله ولا يبعد أن يقال في الجمع بحمل ما دل على الإباحة على إباحة حق المبيح في الأيام التي يبيحه ، وحمل ما دل على التحريم على تحريم حق المحرم ، فان حقهم عليهم‌السلام ينتقل من بعضهم الى بعض بسبب انتقال الإمامة.

أو يقال : ان المراد ما أبيح لنا ، وهو الأشياء التي تنتقل إلينا ممن لا يرى الخمس ، أو نعرف انه لا يخرجه كالمخالفين مثلا بأن نشتري منهم الجواري ، أو نتصرف في أرباح تجاراتهم ، أو نشتري من المعادن التي لا تحصل الا من عندهم وانا نعرف أنهم لا يرون وجوب الخمس فيها ، لا الأشياء التي توجد عند الشيعة فيجب في معادنهم الخمس ، وكذا في أرباح تجاراتهم ، وفيما يغنمونه من الغنائم والفوائد.

أو يقال : بإباحة ما يحصل ممن لا يرى الخمس دائماً ، وتخصيص غيره في

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤١ ـ ١٤٢.

٩٠

حق المبيح ، وهو أظهر لعموم ما دل على الإباحة والتحريم ، فينبغي ملاحظة العموم على قدر الإمكان. وبما قلناه يشعر بعض الأحاديث فتنبه.

وقال الشيخ في الاستبصار : الوجه في الجمع بين الروايات الدالة على التحريم والروايات الدالة على الحل ما كان يذهب اليه شيخنا رحمه‌الله ، وهو أن ما ورد من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه انما ورد في المناكح خاصة لتطيب ولادة شيعتهم ، ولم برد في الأموال ، وما ورد من التشدد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال (١).

أقول : ويؤيده صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم ، قلت : جعلت فداك ما أول النعم؟ قال : طيب الولادة. ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين لفاطمة عليها‌السلام : أحلي نصيبك من الفي‌ء لإباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : انا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا (٢).

وموثقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : اني لأخذ من أحدكم الدرهم واني لمن أكثر أهل المدينة مالا ، ما أريد بذلك الا أن تطهروا (٣).

وهذه فيها عموم المأخوذ منه ، فيعم التجارات والزراعات والصناعات والكنوز والمعادن والغوص والحلال المختلط بالحرام وأرض الذمي وما يغنم من دار الحرب ، إذ لو كان قد أباح لهم الخمس كله وحلله لهم على الدوام ما كان ليأخذ منهم الدرهم ارادة تطهيرهم أنفسهم ، أو تطهير أموالهم ، وقد سبقه في ذلك التحليل والده الماجد.

__________________

(١) الاستبصار ٢ / ٦٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٣ ، ح ٢٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٤ ، برقم : ١٦٥٨.

٩١

فيظهر من ذلك أن المحلل لهم : اما المناكح خاصة دون الأموال ، كما أفاده المفيد رحمه‌الله ، أو هي مع المتاجر والمساكن ، كما عليه الشيخ الطوسي. ويستفاد من هذا الحديث الفرق بينه وبين فريقه في الخمس ، إذ لا يعتبر فيه الفقر بخلافهم.

ثم أقول : ولو كان الامام عليه‌السلام لا يحل الا ما يعلم أن له الولاية في تحليله وقد أحله على الدوام كما ظنوه ، لزم منه عدم حله لإمام بعده ، لسقوط حقه بتحليل من كان قبله وقد كانت له الولاية في تحليله ، والا فلا معنى لتحليله ، فلا يسوغ لمن بعده أن يطالبه ، أو يأخذه من حيث أنه خمسه ومن حقوقه اللازمة على من عليه الخمس ، واللازم كما تشهد له الاخبار باطل ، فالملزوم مثله.

روى في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل (١).

فهذا حديث صحيح صريح بعدم سقوط حقه عليه‌السلام بتحليل من كان قبله ، والا فأي حق له بعد الإباحة حتى يصح له أن يحله لمن أعوزه شي‌ء من حقه ، بل كان عليه أن يكتب في الجواب مالي في الخمس من حق ، بل هو حلال لشيعتنا بتحليل آبائي لهم ذلك ، وقد كانت لهم الولاية في التحليل.

فيظهر من أمثاله أن ما دل على الإباحة محمول على إباحة حق المبيح في الإمام التي يبيحه ، ويؤيده قوله « من حقي » حيث أضاف الحق إلى نفسه ، ولم يقل من أعوزه شي‌ء من الخمس فهو في حل منه ، مع أنه انما أحل حقه لمن عجز عن أداء حقه لا مطلقا ، لان العوز بالفتح العدم وسوء الحال ، كما في نهاية

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٣ ، ح ٢٢.

٩٢

ابن الأثير (١).

وفي الصحاح : أعوزه الشي‌ء إذا احتاج اليه فلم يقدر عليه (٢).

ولعل معنى الإعواز هنا الاحتياج الشديدة ، أي : أحوجه شي‌ء من حقي اليه ، فالإسناد مجازي.

واعلم أن هذا الحديث كما أنه صحيح في التهذيب كذلك في الفقيه (٣) ، لان للصدوق الى علي بن مهزيار الأهوازي ثلاث طرق ، أحدها مجهول والآخران صحيحان ، وهما روايته عن أبيه عن سعد بن عبد الله والحميري جميعاً عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار. وروايته عن محمد بن الحسن عن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار.

وفي الكافي والتهذيب : عن محمد بن زيد (٤) الطبري ، أصله كوفي لا قدح فيه ولا مدح ، غير أنه من أصحاب الرضا عليه‌السلام قال : كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله الاذن في الخمس.

فكتب اليه : بسم الله الرحمن الرحيم ان الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب ، وعلى الخلاف العقاب (٥) ، لا يحل مال الا من وجه أحله الله ، ان الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا ، وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه ، فان إخراجه مفتاح رزقكم ، وتمحيص ذنوبكم ، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم ، والمسلم من يفي لله بما عاهد عليه الله ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ٣ / ٣٢٠.

(٢) صحاح اللغة ٢ / ٨٨٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٤ ، برقم : ١٦٦٠.

(٤) في التهذيب : يزيد.

(٥) في الكافي : وعلى الضيق الهم

٩٣

بالقلب والسلام (١).

أقول : معنى الإباحة والتحليل عدم وجوبه عليهم وسقوط تكليفه عنهم ، فلو كان يفيد الاستمرار والدوام بحيث يعم جميع الأزمنة والأيام ، لما كان لمن بعد المحلل من الأئمة عليهم‌السلام أن يكلفهم بذلك ، مع ذلك الوعد والوعيد وذلك التأكيد والتشديد ، ويقول : إخراجه ثواب وخلافه عقاب ، ولا يحل مال الا من وجه أحله الله ، وليس هذا منه فلا تزووه عنا ، ثم يقول في آخر كتابه : ومن لم يخرجه فليس بمسلم ، بل هو منافق حيث أجاب باللسان وخالف بالقلب.

فلو كان حقه عليه‌السلام محللا لهم بتحليل من له الولاية في تحليله وقد أحله لهم كما ظن ، لما كان لهذا الحديث وأمثاله معنى. وحمله على غير الشيعة ، أو غير محل الضرورة ، أو رده بعدم الصحة ، محل نظر.

كيف لا؟ وفي الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم ، فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حل ، فإني أنفقتها ، فقال : أنت في حل.

فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم ، فيأخذه ثم يجي‌ء فيقول اجعلني في حل ، أتراه ظن أني أقول لا أفعل ، والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثاً (٢).

وهذا السند صحيح على مذهب الراد أيضاً ، كما صرح به في آيات أحكامه ، حيث قال في كتاب الصوم بعد ما روى عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٥٤٧ ـ ٥٤٨ ، تهذيب الأحكام ٤ / ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٢) أصول الكافي ١ / ٥٤٨ ، ح ٢٧.

٩٤

عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم : انه حسن لوجود أبي علي إبراهيم بن هاشم. وكذا سماه في المختلف والمنتهى. وقال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع : ولصحيحة محمد بن مسلم. وما وجدت في كتب الاخبار غير ما ذكرته عن محمد بن مسلم ، فالظاهر أنه انما عنى ذلك ، فاشتبه عليه الأمر ، أو تعمد وثبت توثيقه عنده. والظاهر أنه يفهم توثيقه من بعض الضوابط (١).

وهو منه رحمه‌الله إشارة الى أن اعتبار مشايخ القميين له وأخذ الحديث عنه ونشر الرواية منه ، على ما في الفهرست (٢) والنجاشي (٣) يعطي أنه ثقة عندهم في الرواية والنقل ، لأن أهل قم كانوا يخرجون الراوي منه ويؤذونه لمجرد توهم شائبة ما فيه ، فكيف يجتمعون عليه ويقبلون حديثه لو لا وثوقهم به واعتمادهم عليه ، فيصير حديثه صحيحاً لذلك.

والظاهر أنه رحمه‌الله انما حكم بعدم صحته في شرح الإرشاد (٤) ، لأن نظره وقتئذ كان على ما في الاستبصار (٥) وهو فيه مجهول ، والدليل عليه أنه نقل متن الحديث في الشرح هكذا قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحدهم يثب على أموال محمد (٦) وأيتامهم. وهو متن مختل موافق لما في الاستبصار مخالف لما في الكافي.

ويحتمل أن يكون الوجه في الحكم بعدم الصحة أن توثيقه وقت كتابة الشرح لم يثبت عنده ، وانما ثبت وقت كتابة آيات الاحكام ومؤخر عنه زماناً.

__________________

(١) زبدة البيان في أحكام القرآن للمحقق الأردبيلي ص ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٢) الفهرست ص ٤.

(٣) رجال النجاشي ص ١٦.

(٤) مجمع الفائدة ٤ / ٣٥٥.

(٥) الاستبصار ٢ / ٦٠ ، ح ١١.

(٦) في المجمع والاستبصار : آل محمد

٩٥

ثم الظاهر أنه لفظة « آل » قد سقط من الإستبصار. اما من الشيخ ، أو من الناسخ ، لان قوله « على أيتامهم » بضمير الجمع لا يستقيم الا به ، ولعله رحمه‌الله حمله على حذف المضاف وأرجع الضمير اليه ، وهو الظاهر من كلامه كما سيأتي نقله.

والسند في الاستبصار هكذا : وروى إبراهيم بن سهل بن هاشم (١). وهذا الرجل مجهول غير مذكور في الرجال.

وفي التهذيب هكذا : روى إبراهيم بن راشد (٢). وهو وان كان مجهولا غير مذكور في الرجال أيضاً ، الا أن نظر الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله وقت كتابة الشرح ما كان عليه ، لأن الآل في قوله « يثب على أموال آل محمد » مذكور في التهذيب كما في الكافي ، والشارح لم ينقله في الشرح كما هو كذلك في الاستبصار فيظهر منه أن نظره وقتئذ كان عليه لا على ما في الكتابين.

أقول : ومما قررناه وضح لك أن هذا حديث صحيح قريب الاسناد صريح في صحة ما أفاده ابن الجنيد ، وفساد ما أراده المحقق بقوله ان الامام وهو الباقر والصادق عليهما‌السلام مثلا لا يحل الا ما يعلم أن له الولاية في تحليله من إثبات إباحة الخمس مطلقا من زمان المبيح الى يوم القيامة.

ولذلك قال : ولو لم يكن له ذلك لاقتصر في التحليل على زمانه ولم يقيده بالدوام ، إذ لو كان له ذلك وقد أحله لشيعته بقيد الدوام على ما ظنه لكانت تلك العشرة الآلاف حلالا مباحاً لصالح بن محمد من غير حاجة له الى تحليل الجواد عليه‌السلام إذ قد أباحها من كان قبله وقد كانت له الولاية في إباحتها له.

وصريح الخبر ناطق بخلافه وبقاء حق الجواد عليه‌السلام من الخمس ، ولذلك قال : أنت في حل ، فلو لم يكن له فيه حق لما صح له ذلك ، ولا أن يقول أحدهم

__________________

(١) الاستبصار ٢ / ٦٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٠ ، ح ١٩ وفيه : وروى إبراهيم بن هاشم.

٩٦

يثب على أموال حق آل محمد ، كيف؟ وأموالهم هذه قد صارت حلالا لهم بتحليل من له الولاية في تحليلها.

ثم كيف يصح لله تعالى أن يسألهم يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثاً وهم لم يتصرفوا الا فيما أحل لهم وأبيح. وهل يكون في تناول المباحات وإنفاقها سؤال وعقاب في الآخرة ومذمة وتوبيخ في الأولى؟

فهذا الحديث مع صحته وصراحته بثبوت حقه عليه‌السلام من الخمس صريح في حرمته على الشيعة واحتياجهم في التصرف فيه الى الاذن منه عليه‌السلام ولذلك استحله منه صالح بن محمد بن سهل وكان من شيعته ، والا لم يجعله متولياً على الوقف.

وهو وان كان كذاباً وضاعاً غالياً قائلا في أبي عبد الله عليه‌السلام بالربوبية الا أنه أدرك صحبة أبي جعفر الأول وبقي إلى زمان أبي جعفر الثاني عليهما‌السلام فأحل له ، وبعد خروجه من عنده ذمه بما ترى ، ولعله لذلك وما سبق عده شيخ الطائفة في كتاب الغيبة (١) من المذمومين.

فقول الفاضل الأردبيلي رحمه لله في شرح الإرشاد ، وهذه الرواية مع كونها في الوقف ومال آل محمد ليست بصريحة في منع الشيعة (٢). محل تأمل ، لأن الظاهر أن هذه الأموال كانت من الخمس من الموقوفات كما ظنه.

والدليل على كون هذه الرواية في الخمس دون الوقف ان أبا الصلاح الحلبي لما منع من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه مطلقاً حتى من المناكح والمتاجر والمساكن استدل عليه بهذه الرواية ، فدل هذا منه على كونها في الخمس وفي منع الشيعة منه.

ولم يقل أحد من العلماء في جوابها أنها في الوقف ، أو ليست بصريحة في

__________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي ص ٢١٣.

(٢) مجمع الفائدة ٤ / ٣٥٥.

٩٧

منع الشيعة ، أو هي ضعيفة السند الى غير ذلك ، بل أجابوا عنه بحملها على غير صورة النزاع ، وهي المناكح على قول ، والمناكح والمتاجر والمساكن على قول ، جمعاً (١) بين الأدلة.

وقال المولى الفاضل الصالح المازندراني قدس‌سره في شرح هذا الحديث دل ذلك ظاهراً على ان الخمس كله حق الامام عليه‌السلام الا أنه يصرف بعضه في الوجوه المذكورة.

ثم قال : ويحتمل أن يكون بعضه حقاً للأصناف المذكورة الا أن الامام أولى بهم من أنفسهم ، فلذلك كان له أن يحل المتصرف في حقوقهم أيضاً (٢).

أقول : ويؤيد الاحتمال الأول ما يشعر به بعض الاخبار ، من أن اختصاص خمس الأرباح كله بالإمام عليه‌السلام مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال قال لي أبو علي بن راشد قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ، فقال لي بعضهم : وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه ، فقال : يجب عليهم الخمس.

فقلت : ففي أي شي‌ء؟ فقال : في أمتعتهم وضياعهم ، قال : والتاجر عليه والصانع بيده وذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم. وفي بعض النسخ فقلت : فالتاجر عليه والصانع بيده ، فقال : ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم (٣).

فهذا حديث صحيح صريح في وجوب الخمس على الأرباح والمكاسب.

أما الثاني فظاهر ، لأن الضيعة العقار والأرض المغلة وحرفة الرجل وصناعته

__________________

(١) الأول قول المفيد والثاني قول الطوسي « منه ».

(٢) شرح الكافي للمحقق المازندراني ٧ / ٤١٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٣ ، ح ١٠.

٩٨

وتجارته ، كذا في القاموس (١). ومنه يظهر أن حمل ما دل على وجوب الخمس وعدم سقوطه على غير الشيعة ، كما حمله عليه شارح الإرشاد مولانا أحمد ، وقد سبق ، مما لا مساغ له ، كيف؟

وهذا حديث صحيح صريح في وجوبه عليهم ، لقوله عليه‌السلام بعد قول ابن راشد أمرتني بأخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك ، فقيل : ما حقه يجب عليهم؟ أي : على موالي الخمس ، فإنه صريح في وجوبه على الشيعة وعدم سقوطه عنهم ، فكيف يحمل ما دل على وجوبه على غيرهم.

وغريب منه رحمه‌الله أنه مع نقله هذا الحديث في الشرح كما غفل عن دلالته على الوجوب عليهم مع صراحته فيه ، حتى حمله في مقام التوفيق بين الاخبار على غيرهم ، فنعوذ بالله من سنة الغفلة.

وأما الأول ، فقال ميرزا محمد في الأوسط (٢) : الحسن بن راشد أبو علي بغدادي « دي » مولى مهلب ثقة ، روى عن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام « صه » « جخ ».

ونقل صاحب مجمع الرجال فيه عن الكشي انه قال : الحسن بن راشد يكنى أبا علي من أصحاب الرضا عليه‌السلام وساق الكلام الى أن قال : انه من أصحاب الجواد والهادي عليهما‌السلام بغدادي ثقة (٣).

وفي ترجمة ابن بند : ان أبا الحسن الثالث عليه‌السلام كتب في جواب محمد بن الفرج عن سؤاله عن ابن بند هكذا : وأما ابن راشد رحمه‌الله فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً (٤) وهذا من الامام عليه‌السلام تصريح بما فوق التوثيق.

__________________

(١) القاموس ٣ / ٥٨.

(٢) كتاب الأوسط في الرجال ـ مخطوط.

(٣) مجمع الرجال ٢ / ١٠٨.

(٤) مجمع الرجال ٧ / ١٦٠.

٩٩

فقول الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد : ابن راشد غير مصرح بتوثيقه ، بل قيل : انه وكيل مشكور وكأنه لذلك ما سميت بالصحة ولكن كونها حسنة فتأمل (١). محل تأمل كما أمر به ، وكأن نظره رحمه‌الله وقتئذ كان على ما ذكروه في الكنى ، ولم يراجع الى ما هو المذكور في ذيل اسمه ، فلما رأى ان العلامة في المختلف لم يصرح بصحة هذا السند جزم بعدمها ، وهو مع ذلك منه رحمه‌الله غريب.

وفي الخلاصة في باب الكنى : أبو علي بن راشد اسمه الحسن ، وقد تقدم كان وكيلا مقام الحسين بن عبد ربه مع ثناء وشكر له (٢).

وقال الشيخ في كتاب الغيبة من الممدوحين أبو علي ابن راشد (٣).

هذا وأنت خبير بأن حمل ما دل على وجوب الخمس وعدم سقوطه على غير محل الضرورة ، بأن لا يكون المخمس مضطراً اليه ، كما حمله رحمه‌الله عليه لا ينافي وجوبه في أرباح التجارات والزراعات والصناعات ، فإنه انما يجب فيها بعد مئونة السنة ، فإذا وضعت فلا ضرورة لمن عليه الخمس اليه فيجب عليه.

أقول : وإذا كان هذا حال مولانا أحمد رحمه‌الله مع عدله وتقواه واحتياطه في فتواه ، فما ظنك بمن دونه ، وحينئذ فالانكال على فتاويهم والاعتماد على دعاويهم مشكل ، الا أن تكون مطابقة لمقتضى النظر الصحيح ، وحينئذ فالاعتماد عليه لا عليها.

وليس الغرض من هذا الكلام القدح فيه أو فيهم ، كلا وحاشا ، ثم كلا وحاشا

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ / ٣١٣.

(٢) الخلاصة ص ١٩٠.

(٣) الغيبة للشيخ الطوسي ص ٢١٢.

١٠٠