الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

فكان جابر يأتيه طرفي النهار ، وكان أهل المدينة يقولون : وا عجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين عليهما‌السلام فكان محمد بن علي عليهما‌السلام يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فجلس فحدثهم عن أبيه عليهما‌السلام فقال أهل المدينة : ما رأينا أحداً قط أجرأ من ذا ، قال : فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فقال أهل المدينة : ما رأينا أحداً قط أكذب من ذا يحدث عمن لم يره ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه وكان جابر والله يأتيه يتعلم منه (١).

فصل

[ حكم نظر المملوك والخصى إلى المرأة ]

ان قيل : ما معنى قول أصحابنا « ان المرأة لا يجوز أن ينظر إليها مملوكها » وقد قال الله عزوجل ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (٢) فإن كانوا يتأولون الى الإماء ففيه إشكال ، لأن الإماء بل النساء على الإطلاق حرائرهن وإمائهن يجوز لبعضهن النظر الى بعض ، فأية فائدة في الآية على قولهم. وما معنى قوله « ( أَوْ نِسائِهِنَّ ) مع جواز نظر النساء بعضهن الى بعض مطلقاً؟

قلنا : كلام الشيخ رحمه‌الله في التبيان (٣) يدل على أن المراد بما ملكت أيمانهن الأمة ، وحمل قوله « أو نسائهن » على نساء المؤمنين. وقال الجبائي : أراد بما

__________________

(١) مجمع الرجال ٢ / ٣ ـ ٤.

(٢) سورة النور : ٣١.

(٣) التبيان ٧ / ٣٨٠.

٦١

ملكت أيمانهن مملوكاً لم يبلغ مبلغ الرجال.

وقال في المبسوط : ان الخصي لا يجوز له النظر الى مالكته ، ونقل عن أصحابنا أن المراد بالاية الإماء (١).

وقال محمد بن مكي في اللمعة : وفي جواز نظر المرأة إلى الخصي المملوك لها أو بالعكس خلاف. قال الشارح : منشؤه ظاهر قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) المتناول بعمومه لموضع النزاع. وما قيل من اختصاصه بالإماء جمعاً بينه وبين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج مطلقاً ، ولا يرد دخولهن في نسائهن لاختصاصهن بالمسلمات وعموم ملك اليمين بالكافرات. ولا يخفى أن هذا كله خلاف ظاهر الآية من غير وجه للتخصيص ظاهراً (٢).

وفي الفقيه والكافي عن محمد بن إسحاق قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام قلت يكون للرجل الخصي يدخل على نسائه يناولهن الوضوء فيرى من شعورهن قال : لا (٣).

وفي الكافي عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب جميعاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي‌ء من جسدها الا الى شعرها غير متعمد لذلك.

وفي رواية أخرى : لا بأس أن ينظر الى شعرها إذا كان مأمونا (٤).

والأحوط عندي التحريم مطلقاً ، وتخصيص نسائهن بما قاله الشيخ في التبيان (٥)

__________________

(١) المبسوط ٤ / ١٦١.

(٢) شرح اللمعة ٥ / ٩٩ ـ ١٠١.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٦٩ ، فروع الكافي ٥ / ٥٣٢ ، ح ٢.

(٤) فروع الكافي ٥ / ٥٣١ ، ح ٤.

(٥) التبيان ٧ / ٣٨٠.

٦٢

من أنه لا يجوز أن ينظر نساء المشركين إلى المرأة المسلمة حتى الوجه والكفين ، ويجب عليها أن تستر وجهها وكفيها وجميع بدنها عن نظرهن ، كما يجب عليها سترها من الأجانب.

لما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن (١).

ونقل في الكشاف عن ابن عباس أنه هن المؤمنات ، لأن ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية. ثم قال : والظاهر أنه عنى بنسائهن وما ملكت أيمانهن من في صحبتهن وخدمتهن من الحرائر والإماء والنساء ، كلهن سواء في حل نظر بعضهم الى بعض وقيل : أو ما ملكت أيمانهن هم الذكور والإناث جميعاً. وعن عائشة أنها أباحت النظر إليها لعبدها. ثم قال : المراد بها الإماء ، وهذا هو الصحيح ، لان عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها ، خصياً كان أو فحلاً (٢).

هذا هو المشهور والصحيح عندنا أيضاً.

قال سيدنا الداماد في رسالته الفارسية المسماة بشارع النجاة : الأصح أن الخصي مطلقا مجبوباً كان أو ممسوحاً لا يجوز له أن ينظر الى مالكته ، ولا لمالكته أن تنظر اليه ، ثم قال : فلا يجوز له أن يدخل الحمام مع مالكته وان كانا مستوري العورية (٣) انتهى.

ولكن في بعض الاخبار ما يدل على خلاف ذلك ، مثل ما روى في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك يرى شعر مولاته ، قال : لا بأس (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٦١.

(٢) الكشاف ٣ / ٦٢.

(٣) شارع النجاة ص ١٢٨ ـ ١٢٩ ، المطبوع في اثنى عشر رسالة للمؤلف.

(٤) فروع الكافي ٥ / ٥٣١ ، ح ١.

٦٣

وما روى عن معاوية بن عمار قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام نحواً من ثلاثين رجلا إذ دخل أبي ، فرحب أبو عبد الله عليه‌السلام وأجلسه الى جنبه فأقبل عليه طويلا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان لأبي معاوية حاجة فلم خففتم ، فقمنا جميعاً فقال لي أبي : ارجع يا معاوية ، فرجعت فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هذا ابنك؟ قال : نعم وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئاً لا يحل لهم ، قال : وما هو؟ قلت : ان المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعيها على عنقه.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا بني أما تقرأ القرآن؟ قلت : بلى. قال : اقرأ هذه الآية ( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ ) ـ حتى بلغ ـ ( وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (١).

ثم قال : يا بني لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق (٢).

وما روي عنه أيضاً قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يرى شعر مولاته وساقها ، قال : لا بأس (٣).

وما روي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قناع الحرائر من الخصيان ، قال : كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن عليه‌السلام ولا يتقنعن ، قلت : فكانوا أحراراً؟ قال : لا ، قلت : فالأحرار يتقنع منهم؟ قال : لا (٤).

وهذه الاخبار بعضها غير نقي الرجال ، فان من رجالها محمد بن إسماعيل ، وهو مشترك بين أربعة عشر رجلا ، بعضهم موثق وبعضهم لا وثوق به ، ومع الاحتمال فالجرح مقدم على التعديل كما لا يخفى.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٥.

(٢) فروع الكافي ٥ / ٥٣١ ، ح ٢.

(٣) فروع الكافي ٥ / ٥٣١ ، ح ٣.

(٤) فروع الكافي ٥ / ٥٣٢ ، ح ٣.

٦٤

ومع ذلك فكلها محمولة على التقية ، لميل خلفاء بني العباس (١) وسائر سلاطين الجور وحكامهم وقضاتهم الى ذلك ، كما هو المعمول والمتداول بينهم الان أيضاً ، فتأمل.

فائدة

قال سيدنا الداماد قدس الله روحه في الرسالة المذكورة : الخنثى المشكل لا يجوز له أن ينظر إلى أجنبي ولا إلى أجنبية ، وكذلك لا يجوز لهما أن ينظر إليه إجماعاً ، ثم قال : فلا يجوز له أن يجتمع في الحمام مع الأجانب ولا الأجنبيات (٢) انتهى.

والوجه في ذلك مع قطع النظر عن الإجماع ظاهر مكشوف فتأمل.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٥) ذي الحجة سنة (١٤١٠) هـ ـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) وكذلك خلفاء بنى أمية ، لما نقل في الكشاف عن ميسون بنت بحدل الكلابية أن معاوية دخل عليها ومعه خصي ، فتقنعت منه ، فقال : هو خصي ، فقالت : يا معاوية أترى أن المثلة به تحلل ما حرم الله. وأما ما روى في طريق العامة من أنه أهدى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصي فقبله ، فعلى تقدير صحته ، فلعله قبله ليعتقه أو لسبب من الأسباب وكان أبو حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم وقال في الكشاف لم ينقل لأحد من السلف امساكهم « منه ».

(٢) شارع النجاة ص ١٢٨.

٦٥
٦٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(١٢)

رسالة خمسية

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهديّ الرّجائي

٦٧
٦٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل إخراج الخمس مفتاحاً للرزق ، وتمحيصاً للذنوب ، والصلاة على رسوله الذي أكرمه وقبيله به محمد محبوب القلوب ، وعلى آله الطيبين الطاهرين من دنس الخطايا والعيوب.

وبعد : فلما كانت مسألة الخمس وحكمه حال غيبة الإمام عليه‌السلام من المطالب الجليلة ، ومن مهمات المسائل الفقهية ، وقد اختلف فيها كلام الأصحاب ، فذهب كل فريق منهم الى مذهب :

فمنهم : من ذهب الى سقوط فرضه ، لما ورد من الرخص فيه ، فزعم عمومه أنواعاً وأزماناً ، الا أنه يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب.

وذهب بعضهم الى ثبوته ووجوب دفنه ، وعليه نزل خبراً ورد أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الامام (١). وأنه عليه‌السلام إذا قام دله الله تعالى على الكنوز فيأخذه من كل مكان (٢).

__________________

(١) رواه العلامة المجلسي عن الاحتجاج في البحار ٥٢ / ٢٨٠ ، ح ٦ وص ٣٢٣ ح ٣١.

(٢) رواه العلامة المجلسي عن الإرشاد في البحار ٥٢ / ٣٣٧.

٦٩

ومنهم : من ذهب الى وجوب حفظه ، ثم الوصية به حين ظهور امارة الموت وهكذا وصية بعد وصية الى أن يصل الحق إلى مستحقه ، واحتج عليه : بأنه حق وجب لصاحب لم يرسم فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء اليه ، فوجب حفظه عليه الى وقت إيابه والتمكن من إيصاله اليه ، أو وجود من انتقل الحق إليه.

قال : ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها ، فلا يجب عند عدم ذلك سقوطها ، ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الاملاك ويجب حفظها بالنفس أو الوصية بها الى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف ، وهذا قياس معه فارق سيأتي.

ولعل هؤلاء ذهبوا الى أن الخمس كله حق الامام عليه‌السلام ، ولم يدروا أن خصوص خمس الأرباح حقه ، كما يشعر به بعض أخبار يأتي إن شاء الله تعالى ذكره.

ومنهم : من ذهب الى وجوب صرف نصفه إلى الأصناف وحفظ ما يختص به عليه‌السلام بالوصاية أو الدفن.

واليه أشار العلامة في المختلف بقوله : والقول بإبقاء الجميع الى من يوثق به عند إدراك المنية لا يخلو من ضعف ، لما فيه من منع الهاشميين من نصيبهم مع شدة حاجتهم وكثرة فاقتهم ، وعدم ما يتعوضون به من الخمس ، والأقرب قسمة الخمس نصفين ، فالمختص باليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد يفرق فيهم على حسب حاجتهم ، والمختص بالإمام عليه‌السلام يحفظ له الى أن يظهر فيسلم اليه : اما بإدراكه ، أو بايصاء من ثقة إلى ثقة الى أن يصل اليه عليه‌السلام ، الى هنا كلامه.

والذي عليه المتأخرون صرف الكل إلى الأصناف الموجودين مع احتياجهم

٧٠

إليه ، لرواية مرفوعة ، واخرى مرسلة وردتا بوجوب إتمام كفايتهم عليه عليه‌السلام.

حيث قال في الأولى : فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فان فضل شي‌ء فهو له ، وان نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك [ يلزمه ] (١) النقصان (٢).

وقال في الثانية : ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته : سهم لأيتامهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم ، فان فضل عنهم شي‌ء [ يستغنون عنه ] (٣) فهو للوالي ، وان عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وانما صار عليه أن يمونهم لان له ما فضل عنهم (٤).

قالوا : وإذا كان هذا ، أي : وجوب إتمام المحتاجين اليه من حصته مع ظهوره لازماً له حال حضوره ، كان لازماً له حال غيبته ، لأن الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك ، ويتولاه المأذون له على سبيل العموم ، وهو الفقيه المأمون من فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام.

وهذا القول لما كان مبنياً على أصل غير ثابت لما في سنده من الضعف فهو ضعيف ، كيف لا؟ ومستنده خبران مرسلان ، وخبر الواحد لو كان مسنداً لكان في كونه حجة خلاف ، فكيف إذا كان مرسلا ، فإنه ليس حجة قطعاً.

وذهب صاحب المدارك فيه الى إباحة حصة الامام وما يختص به عليه‌السلام ، وتبعه في ذلك صاحب مفاتيح الشرائع (٥) فيه ، وسيأتي مفصلا إن شاء الله العزيز.

__________________

(١) الزيادة من التهذيب.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٧.

(٣) الزيادة من التهذيب.

(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ / ٢٢٩.

٧١

أردت (١) الإشارة الى ما هو الأظهر والأقوى عندي.

فأقول وأنا أحوج العباد إلى رحمة ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر بإسماعيل عفى الله عن جرائمهم بمحمد وآله وقائمهم : هذه رسالة خمسية محتوية على مقدمة وفصول أربعة وخاتمة :

أما المقدمة ، ففي تعريف الخمس ، ومنه يتبين من يستحقه.

وأما الفصل الأول ، ففي إثبات وجوب الخمس في هذا الزمان فيما يوجد عند الشيعة من أرباح تجاراتهم ومكاسبهم ومعادنهم وما يستفيدونه من الفوائد.

وأما الفصل الثاني ، ففي بيان أن القول بسقوط الخمس مطلقاً أو سقوط خصوص حق الامام عليه‌السلام ضعيف.

وأما الفصل الثالث ، ففي بيان أن القول بوجوب الوصية به وبدفنه أيضاً ضعيف.

وأما الفصل الرابع ، ففي تعيين من له الولاية في تقسيم الخمس في المحاويج وأما الخاتمة ، ففي بيان ضعف القول بتحريم تفريقه مطلقا على المحتاجين وغيره.

المقدمة

[ تعريف الخمس ]

قال الشيخ الجليل صاحب كنز العرفان فيه : الخمس اسم لحق يجب في المال يستحقه بنو هاشم (٢).

__________________

(١) جواب « لما » « منه ».

(٢) كنز العرفان ١ / ٢٤٨.

٧٢

وهو غير مانع لصدقه على ما لو نذر لهم ناذر مالا مثلا ، فإنه حق يجب في المال يستحقه بنو هاشم ولا يسمى خمساً ، وان لاحظ فيه الناذر كونه عوضاً عن الزكاة التي لا تحل لهم. فلا بد لإخراجه من قيد بالأصالة.

كما في الدروس : الخمس حق يثبت في الغنائم لبني هاشم بالأصالة عوضاً عن الزكاة (١).

وشرح الشرائع : هو حق مالي يثبت لبني هاشم في مال مخصوص بالأصالة عوضاً عن الزكاة.

فالحق بمنزلة الجنس يشمل الزكاة وغيرها ، وخرج بـ « المال » غيره كالولاية الثابتة للإمام على رعيته ، وفيه أنه مستدرك لا حاجة إليه في إخراجها ، لأنها ليست حقاً يثبت في مال مخصوص عوضاً عن الزكاة ، فذكرهما مغن عن ذكره ، ولعله لذلك لم يذكره في الدروس.

وبالجملة فهذا القيد ان كان محتاجاً إليه في التعريف ، فما في الدروس مختل ، والا فهو مستدرك ، نعم لو لا قوله « في مال مخصوص » كما في المدارك : الخمس حق مالي يثبت لبني هاشم بالأصل عوض الزكاة لاحتاج إليه في إخراجها وليس فليس.

وخرج بـ « بني هاشم » حق الزكاة وخرج بنو المطلب ، فقد قيل باستحقاقهم له ، منهم ابن الجنيد والمفيد في الرسالة الغرية : بنو المطلب يعطون من الخمس.

والأكثر على منعه ، وهو الأقوى ، كما أشار بقيد العوضية الى أن الله سبحانه فرض الخمس للرسول وقبيلة إكراماً لهم وتعويضاً عن الزكاة التي هي أوساخ الناس.

وظهر مما ذكرناه أن تعريف المدارك أجود من غيره. أما من الأول والثالث

__________________

(١) الدروس ص ٦٧.

٧٣

فظاهر. وأما من الثاني فلان الغنيمة مشتركة بين معان : منها الفائدة والنفل هذا أصلها ، وفي اصطلاح جماعة : المأخوذ من الكفار ان كان من غير قتال فهو في‌ء ، وان كان معه فهو غنيمة (١) ، وهو مذهب أصحابنا والشافعي ومروي عن الباقرين عليهما‌السلام وقيل : هما بمعنى.

ثم ان أصحابنا عمموا موضعها بأنه جميع ما يستفاد من أرباح التجارات ، والزراعات ، والصناعات زائداً عن مئونة السنة ، والكنوز ، والمعادن ، والغوص والحلال المختلط بالحرام ولا يتميز المالك ولا القدر من الحرام ، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم وما يغنم من دار الحرب.

وعند فقهاء العامة : الغنيمة ما أخذ من دار الحرب لا غير.

ومن المقرر ترك استعمال الألفاظ المشتركة والمجازية في التعريف ، وارادة المعنى اللغوي الأعم من غنائم دار الحرب وغيرها لا قرينة عليها واضحة.

وإذ قد عرفت هذا فنقول : لا خلاف في من أبوه هاشمي وان كانت أمه غير هاشمية أنه يستحق الخمس وتحرم عليه الزكاة.

إنما الخلاف في من أمه هاشمية وأبوه غير هاشمي ، فاختار الشيخ في المبسوط (٢) والنهاية (٣) المنع من الخمس وجوز له أن يأخذ الزكاة ، واختاره ابن إدريس (٤) وابن حمزة (٥).

__________________

(١) الفي‌ء للإمام خاصة ، وأما الغنيمة فيخرج منها الخمس والباقي بعد المئونة للمقاتلين ومن حضر « منه ».

(٢) المبسوط ١ / ٢٦٢.

(٣) النهاية ص ١٩٩.

(٤) السرائر ص ٤٩٦.

(٥) الوسيلة ص ١٣٧.

٧٤

وذهب السيد المرتضى الى أن ابن البنت ابن حقيقة (١) ، ومن أوصى بمال لولد فاطمة دخل فيه أولاد بنيها وأولاد بناتها حقيقة. وكذا لو وقف على ولدها دخل فيه ولد البنت ، لدخول البنت تحت الولد.

واحتج عليه بأنه لا خلاف بين الأمة في أن بظاهر قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (٢) حرم علينا بنات أولادنا ، فلو لم تكن بنت البنت بنتاً على الحقيقة لما دخلت تحت هذه الآية.

وهو احتجاج متين لا يتوجه عليه ما قيل من أن الاستعمال كما يوجد في الحقيقة كذا يوجد مع المجاز ، فلا دلالة له على أحدهما بخصوصه ، وقولهم « ان الأصل في الاستعمال الحقيقة » انما هو إذا لم يستلزم ذلك الاشتراك ، والا فالمجاز خير منه.

لان حاصل الاحتجاج أن ولد الولد لو لم يكن ولداً حقيقة بل كان ولداً مجازاً لما اقتضت الآية تحريم بنت البنت على جدها ، لان الولد المجازي ليس بولد حتى يكون حراماً ، وهو خلاف إجماع الأمة ، فالقول بأن إطلاق اسم الولد على ولد الولد ليس على الحقيقة بل هو مجاز ، مخالف لما دل عليه ظاهر الآية وإجماع الأمة وقد جاء في أخبار كثيرة « فقلت يا بن رسول الله ».

__________________

(١) في فروع الكافي [ ٣ / ٤٨٧ ، ح ٣ ] في باب النوادر عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن جميل بن دراج عن عائذ الأحمسي ، قال : دخلت على أبى عبد الله عليه‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل ، فقلت : السلام عليك يا بن رسول الله ، فقال : وعليك السلام اى والله انا لولده وما نحن بذوي قرابته ثلاث مرات قالها ، الحديث وهو كما ترى يدل على ما ذهب اليه السيد الأجل المرتضى من أن ولد البنت كولد الابن ، وان حكمه حكمه في الأحكام ، كأخذ الخمس وحرمة الزكاة وأمثالهما « منه ».

(٢) سورة النساء : ٢٣.

٧٥

قال بعض الأفاضل : ظاهره أن ولد البنت ولد حقيقة ، لأنه إنما يقال في مقام المدح والتعظيم والتفضيل ، ولا فضيلة ولا تعظيم ولا مدح في وصف مجاز مستعار ، كوصف زيد بحسن غلامه وغنا جاره ، وجالس السفينة بحركتها.

وبالجملة مذهب السيد سديد جديد متين مكين عليه من الشواهد والآيات والروايات كثيرة ، قد ذكرنا طرفاً صالحاً منها في رسالة (١) لنا مفردة في ترجيح مذهبه ، فمن أراده فليطلبه من هناك.

وأما مذهب الشيخ فلا دليل عليه غير ما رواه حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن العبد الصالح أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : ومن كانت امه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش ، فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شي‌ء ، لأن الله يقول ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (٢).

وهو كما ترى مرسلة ، والمراسيل مطلقاً وان كانت من مراسيل محمد بن أبي عمير لا يسوغ العمل بها ، كما فصله الشهيد الثاني في دراية الحديث (٣) ، فهي لا تقاوم الأخبار الكثيرة الدالة على أن ابن البنت ابن حقيقة ، خصوصاً خبر موسى بن جعفر وابنه الرضا عليهم‌السلام واستدلالهما بالآيات.

ومنها : ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب في الروضة عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن الحسن بن طريف عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود.

وابنا طريف وبشير موثقان ، وأما أبو الجارود فقال ابن الغضائري : حديثه في أصحابنا أكثر منه في الزيدية ، وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه

__________________

(١) وهي رسالة الفوائد في فضيلة الفاطميين.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٩.

(٣) الرعاية في علم الدراية ص ١٣٨.

٧٦

ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الارجني (١).

ويظهر منه أن زياد بن المنذر أبا الجارود في نفسه معتمد عليه عند الأصحاب ، وانما لا يعتمدون على بعض أحاديثه باعتبار من رواه عنه ، وهو ابن سنان بناءً على المشهور من ضعفه.

والحق أنه ثقة صحيح لا بأس برواياته إذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته ، كما صرح به بعض أرباب الرجال ، وفصلناه في بعض رسائلنا على أن ضعفه لا يضر هنا ، إذ ليس هو من رجال السند.

ومنه يظهر أن الراوي عن أبي الجارود غير منحصر في محمدين المذكورين كما يفيده ظاهر كلام ابن الغضائري. نعم في أحمد بن خالد البرقي كلام كما سيأتي.

قال أبو الجارود قال أبو جعفر عليه‌السلام : يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين؟ قلت : ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله ، قال : فأي شي‌ء احتججتم عليهم؟ قلت : احتججنا عليهم بقول الله عزوجل في عيسى بن مريم ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى ) (٢) جعل عيسى بن مريم من ذرية نوح عليه‌السلام.

أقول : نظير هذا الاحتجاج احتجاج السيد السند المرتضى بقوله : ولا خلاف بين الأمة في أن عيسى من بني آدم وولده ، وانما ينسب إليه بالأم دون الأب. وهذا أيضاً احتجاج متين ، إذ لا معنى للقول بأن عيسى ليس من بني آدم حقيقة بل هو من بنيه مجازاً ، والخطاب في قوله تعالى( يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ

__________________

(١) الخلاصة عنه ص ٢٢٣.

(٢) سورة الانعام : ٨٤ ـ ٨٥.

٧٧

الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) (١) يعم عيسى وغيره ، فكما أنهم من بني آدم وولده فكذلك هو.

ولنرجع الى نقل تتمة الحديث ، قال : فأي شي‌ء قالوا لكم؟ قلت : قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال : فأي شي‌ء احتججتم عليهم؟ قلت : احتججنا بقول الله تعالى لرسول الله ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٢) قال : فأي شي‌ء قالوا؟ قلت قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول أبناؤنا.

قال فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله عزوجل انهما من صلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يردهما الا كافر ، قلت : وأين ذلك جعلت فداك؟ قال : من حيث قال الله عزوجل ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ) الآية الى أن ينتهي إلى قوله تبارك وتعالى ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (٣) فاسألهم يا أبا الجارود هل يحل لرسول الله نكاح حليلتهما ، فان قالوا نعم كذبوا وان قالوا لا ، فهما ابناه لصلبه (٤). انتهى الحديث.

وهو مما يدل على أن ولد البنت ولد حقيقة. وبمعناه من الأحاديث كثير ، وهو غير بعيد.

وقال بعض الأفاضل : لا بعد في كون ولد الولد ولداً حقيقة لغة وان خالفه العرف ، فما يقع في الوقف وغيره مما هو بلفظ « ولدي » لا يتناول ولد الولد حكمه ، إذ العرف يحكم في مثله دون اللغة.

__________________

(١) سورة النساء : ١.

(٢) سورة آل عمران : ٦١.

(٣) سورة النساء : ٢٣.

(٤) الروضة من الكافي ٨ / ٣١٧ ـ ٣١٨.

٧٨

أقول : لا حاجة بنا الى هذا وأمثاله فإنا نقول : بعد ما ثبت بالآيات والروايات الكثيرة أن ولد البنت ولد حقيقة ويكون ابناً لصلبه ، فمن أمه هاشمية فهو هاشمي وان لم يكن أبوه هاشمياً ، لانه ولد جده الأمي لصلبه وهو هاشمي ، فهو أيضاً هاشمي لأن ولد الهاشمي من صلبه هاشمي بلا شبهة ، وكل هاشمي يستحق الخمس وتحرم عليه الزكاة سمي هاشمياً عرفاً أم لا ، لان الشرع مقدم على العرف ، كما أن العرف مقدم على اللغة ، فإذا ثبت أنه هاشمي شرعاً فهو هاشمي يحل له الخمس ويترتب عليه سائر أحكام الهاشميين.

وانما ألحق في ذلك بالأم دون الأب ، لأن الولد تابع لا شرف أبويه ، كما يقال في العرف شاه‌زاده لمن تكون امه من الشاة وان لم يكن أبوه منه.

ولما ذكره الأطباء ان قلنا ان مني الذكر لا يصير جزءاً من الجنين ، فحينئذ يكون بدن المولود متكوناً بكليته من مني الام ودم الطمث ، وان قلنا انه يصير جزءاً منه الا أنه يكون كالإنفحة ومني الام يكون كاللبن ، فلا شك أن مادة الأم أكثر ، ثم ذلك المتكون انما ينمي بالدم الذي ينفصل عن الام ، فعلى جميع التقادير أكثر الأجزاء التي منها يتولد الجنين منفصلة عن الام ، وذلك يقتضي أن تكون مشابهة الولد للأم أكثر من مشابهته للأب.

ولهذا قال عليه‌السلام : تخيروا لنطفكم فان الولد أكثر ما يشبه من الأخوال (١).

ثم انهم اتفقوا على أن مني الذكر فيه قوة عاقدة ، واختلفوا في أنه هل فيه قوة منعقدة حتى يصير جزءاً من بدن الجنين أو لا حتى لا يصير جزءاً منه؟ فالحكماء أنكروه مستدلين عليه بأن مني الرجل فيه قوة عاقدة ، فلا يكون فاعلا وقابلا ، كذا في شرح القطبي.

وبما قررناه سابقاً يندفع ما احتجوا به على إثبات مذهب الشيخ من أن

__________________

(١) روى نحوه في الكافي ٥ / ٣٣٢ ، ح ٢.

٧٩

الانتساب حقيقة إنما يصدق إذا كان من جهة الأب عرفاً ، فلا يقال تميمي إلا لمن انتسب الى تميم بالأب ، ثم أيدوه بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

مع أن بني أبنائهم ليسوا ببنيهم حقيقة على زعمهم ، وما الكلام الا فيها.

وذلك أن المفيد وابن البراج وأبا الصلاح لما قالوا بشمول اسم الولد لولد الصلب وولد الولد ، بدليل قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (١) فإن أولاد الأولاد داخلون قطعاً ، وكذا قوله تعالى ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) وكذا قوله ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (٢) الى غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة منعوه بأن الولد حقيقة في ولد الصلب المتكون من النطفة المتولد منها ومجاز في ولد الولد ، بدليل أنه يصح سلبه ، فيقال انه ليس بولدي بل ولد ولدي ، وصحة النفي دليل المجاز ، ولظاهر قوله تعالى ( وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) (٣) في قراءة من نصب.

ولا يرد أنه من عطف الخاص على العام ، لان الكلام إذا دار بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس خير.

وضعفوه أيضاً بأنهم إن ادعوا شمول هذه لولد الولد بطريق الحقيقة ، فهو مردود بما بيناه من صحة السلب ، ولانه لو كان حقيقة في هذا المعنى أيضاً لزم الاشتراك والمجاز خير منه. وان أرادوا أنه بطريق المجاز لم يثبت مدعاهم.

أقول : فكيف أيدوه بقول الشاعر؟ وهو صريح في أن ولد الولد ولد ، إلا

__________________

(١) سورة النساء : ١١.

(٢) سورة النساء : ٢٣.

(٣) سورة البقرة : ١٣٢.

٨٠