الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

على صادعها وآله السلام.

وأما قولهم « ان الروايات وخاصة رواية ابن أبي يعفور لا تبقى له قوة » ففيه ما عرفته ، وحينئذ فمخالفة الأصحاب الى ما أدى اليه الدليل هو الصواب ، والحق لا يعرف بالرجال ، بل الرجال يعرفون بالحق فالحق أحق أن يتبع ، فاستمع القول واتبع الحق ولا تكن من الغافلين.

ثم الذي يستفاد لنا من التوفيق بين الأخبار المروية عن الائمة الاطهار عليهم‌السلام ما بقيت الليل والنهار ، أن الشارع جعل اليمين حاسمة مادة الدعوى في صورة عدم البينة ، ولم يجعلها مسقطة لحق في الدنيا مطلقا فإذا كان الحق باقياً في ذمته فلصاحب الحق أن يأخذه من ماله إذا ظفر له بمال لا يكون أمانة ، بعد أن يقول الكلمات السالفة ، الى أن يقوم عليه دليل يمنعه عنه ولم يقم ، فمن يدعيه فعليه البيان ، ومن الله الهداية وعليه التكلان ، والصلاة على رسوله وآله صواحب العدل والاحسان وجوامع علوم القرآن بالهام الله الملك المنان.

سودتها في أوان وزمان كنت مختل الحال ، مشوي البال ، مضيق المجال ، مضطرباً اضطراب الارشية في ديار بعيدة أعماقها ، لشدة الفتن وكثرة المحن من جور سلطان الزمان ، وعدم مساعدة الدهر الخوان ، والى الله المشتكى ثم الى رسوله المصطفى وآله الائمة الهدى.

فان عثرتم فيها على زلل واضح أو خلل فاضح ، فاصفحوا الصفح الجميل وجاوزوا عما فيها من الكثير والقليل ، تجاوز الله عنا وعنكم انه جواد كريم غفور رحيم.

قال سيدنا امام المشارق والمغارب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه اسلام :

عجبت لجازع باك مصاب

بأهل أو حميم ذي اكتئاب

٤٠١

يشق الجيب يدعو الويل جهلا

كأن الموت بالشي‌ء العجاب

وساوى الله فيه الخلق حتى

نبي الله منه لم يحاب

له ملك ينادي كل يوم

لدوا للموت وابنوا للخراب (١)

الغرض منه نهي المصاب عن جزعه في مصيبة الاهل والاولاد ، وشقه الجيب في موت الاقارب والاحفاد وقوله « وا ويلا » وقت فنائهم وزوالهم ، فان عاقبتهم الموت والفناء.

فينبغي للعاقل أن لا يجزع على فنائهم ، فانه أمر ضروري لا بد من وقوعه ، ومع هذا أمر لا يختص بشخص دون شخص ، بل كل نفس ذائقة الموت ، حتى الانبياء ولا سيما من لاجله خلق الانسان والسماء ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٢) وقد تقرر أن البلية إذا عمت طابت ، فاذن لا وجه للجزع والبكاء والكآبة وقوله وا ويلا.

فان قلت : هذا النداء من الملك المنادي انما يتصور فائدته على تقدير سماعهم منه ، وأكثرهم لا يسمعونه منه.

قلت : ليس السماع الا الاطلاع الحضوري ، وهذا كما يحصل بغير واسطة وهو الاكثر ، فقد يحصل بها ، ولذلك يقال : سمعت منه بواسطة ، فالانبياء والاوصياء وغيرهم من الكاملين والاولياء لتعلقهم بعالم المثال ، وتصرفهم في أبدانهم المثالية حال تعلقهم بعالم الملك ، وتصرفهم في هذه الابدان الجسمية أيضاً يسمعونه من الملك المنادي بغير واسطة ، وغيرهم يسمعونه بواسطتهم.

وذلك أن تلك الابدان المثالية كالابدان الجسمية لها جميع الحواس والمشاعر الظاهرة والباطنة ، والمدرك فيهما النفس ، الا أنها تدرك في هذا العالم بآلات جسمانية ، وفي عالم المثال بآلات سبحانية ، فسماعهم عليهم‌السلام له كان باعتبار وجود

__________________

(١) ديوان الامام على عليه‌السلام ص ١٦.

(٢) سورة الزمر : ٣٠.

٤٠٢

المثالي السبحاني ، لا باعتباره الوجود الحسي الجسماني ، ولذلك لم يكن يسمع ما سمعوه من له أذن سامعة على تقدير كونه قريباً منهم ، ولعله من هذا القبيل كان سماع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صوت عذاب الميت في القبر دون غيره.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة عن النسخة المخطوطة المغلوطة جداً في (١١) ربيع الثاني سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٤٠٣
٤٠٤

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(٢٦)

رسالة

في وجوب الزكاة بعد اخراج المئونة

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

٤٠٥
٤٠٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم

سبحان من زكى من زكى ، قد أفلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى ، على نبيه خير الورى ، وعترته مصابيح الدجى ، صلاة زاكية تترى ، ثم ان هذا النور الهدي يجلي العمى عما أبهم على أمته من أولي النهى من معضلات تعم بها البلوى من ايضاحها ربنا الأعلى أحببت به من صدق بالحسنى ، وان الآخرة خير وأبقى.

فصل

[ الاستدلال على وجوب الزكاة بعد اخراج المئونة ]

المعروف من مذهب علمائنا الإماميين أن الزكاة انما تجب في الغلاة الأربع على ما يحصل في أيدي أربابها من النماء والفائدة ، بعد وضع جميع المئونات واخراج حق السلطان ، وقد أطبق عليه السلف ، وممن ذهب اليه المفيد والمرتضى وابن بابويه والفاضلان وابن ادريس والشهيد وغيرهم شكر الله تعالى مساعيهم.

قال في المعتبر : زكاة الزرع بعد المئونة ، كاجرة السقي والعمارة والحافظ

٤٠٧

والمساعد في حصاد وجذاذ ، وبه قال الشيخان وابن بابويه وأكثر الأصحاب ، وهو مذهب عطا (١).

وأسنده العلامة في المنتهى أيضا الى الأكثر (٢). ونصره من المتأخرين المحقق الأردبيلي قدس‌سره (٣).

ورجحه بعض من عاصرناه من الفضلاء ، فقال : والأظهر عندي الاستثناء ، وهو مختار الشيخ في النهاية والمصباح والاقتصاد والإستبصار ، وارتضاه في التهذيب.

وقال في المبسوط : النصاب ما بلغ خمسة أو ساق بعد اخراج حق السلطان والمؤن كلها (٤).

وفي موضع آخر منه : على المتقبل بعد اخراج مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصة العشر أو نصف العشر. وقال أيضاً : كان على المتقبل بعد اخراج حق القبالة ومئونة الأرض اذا أبقى معه النصاب العشر ونصف العشر (٥).

وخلافه في الخلاف ضعيف كغيره ، ولم يدع عليه اجماع الفرقة المحقة على ما توهم ، وحكاية الخلاف عن المبسوط مردودة ، كما ستعرفه إن شاء الله سبحانه ، والأقوى ما هو المشهور الجاري مجرى المجمع عليه.

ولنا عليه وجوه : منها : قوله تبارك ذكره في سورة محمد ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ) (٦) فانه صريح في أنه

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٥٤١.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٥٠٠.

(٣) مجمع الفائدة ٤ / ١٠٨.

(٤) المبسوط ١ / ٢١٤.

(٥) المبسوط ١ / ٢١٨.

(٦) سورة محمد : ٣٧.

٤٠٨

لم يقع التكليف ببذل عامة الأموال وان الاحفاء والمبالغة فيه يفضي الى تعذر الامتثال وانتفاء الانقياد ، فمقتضى الحكمة الاقتصار على جزء يسير منها ، كالعشر ونصف العشر وربع العشر ، على ما اختاره جماعة من المفسرين وغيرهم من العامة والخاصة.

قال في مجمع البيان : ان يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا ، ويظهر بغضكم وعداوتكم لله ولرسوله ، ولكنه فرض عليكم ربع العشر (١).

وفي جوامع الجامع : أي لا يسألكم جميعها في الصدقة ، وان أوجب عليكم الزكاة في بعضها واقتصر منه على القليل (٢).

وقال في الكشاف : الاحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شي‌ء ، يقال : أحفاء في المسألة اذا لم يترك شيئاً من الإلحاح ، وأحفى شاربه اذا استأصله (٣).

فيدل على نفي احتساب المئونات على أرباب الأموال اذا أدى الى اجحاف واحفاء ، كما وقع في ما تكثر مئوناته من السقي بالقنوات مع ايجاب العشر فيه ، واذا انتفى في بعض الصور ثبت مطلقا ، اذ لا قائل بالفرق.

وبوجه آخر لطيف : لو قلنا بعدم استثناء المؤن مطلقا لزم احتسابها عليهم وان أجحف بجميع المال أو أكثره ، وهو مناف لما نطق به الكتاب العزيز ، فيكون باطلا فيبطل ملزومه. وعلى هذا لا حاجة الى تجشم مئونة انتفاء القول بالفصل.

وبطريق ثالث : هو أن الظاهر منه عدم تعلق الطلب بالأموال مطلقا ، فيقتصر على ما يقطع بوقوع التكليف به ، وهو العشر أو نصفه فيما يبقى ، ويتوقف الزائد

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ١٠٨.

(٢) جوامع الجامع ص ٤٥١.

(٣) الكشاف ٣ / ٥٣٩.

٤٠٩

عليه على دليل.

قال السيد المرتضى في الإنتصار : المعنى أنه لا يوجب حقوقاً في أموالكم ، لانه تعالى لا يسألنا أموالنا الا على هذا الوجه ، وهذا الظاهر يمنع من وجوب حق في الأموال ، فما أخرجناه عنه فهو بالدليل القاطع (١).

وفي الناصريات : ظاهر هذه الآية يقتضي أنه لا حق في المال على العموم وانما أوجبنا ما أوجبناه من ذلك بدليل اضطررنا الى تخصيص العموم (٢) ، هذا كلامه طاب ثراه. وستعرف أن عمومات ايجاب العشر ونصف العشر غير وافية به إن شاء الله تعالى.

وهاهنا تقرير رابع : هو أنه يستفاد منه بمعونة المقام أنه لا يطلب الا النذر اليسير ، وهو ينافي نفي الاستثناء. ويمكن أن يقال : مطلق احتساب المئونة على المالك احفاء واجحاف به ، كما قال في المختلف : ان المئونة تخرج وسطاً ، ثم يزكي الباقي والا لزم الضرر.

وبعبارة أخرى أوردها في المعتبر هي أن الزام المالك من دون الشركاء حيف عليه واضرار به ، فيكون منفياً لقوله تعالى ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) (٣).

وحاصله أنه يفهم منه نفي الإضرار في التكليف المالي المحض بخصوصه ، فيترتب عليه الحكم بصحة الاستثناء ، وعليه يحمل أيضاً ما تمسك به في المنتهى من أن الزام المالك بالمئونة كلها حيف عليه واضرار به ، فيكون منفياً على معنى أن الاجحاف في طلب الأموال بالحيف على المالك منفي بهذه الآية وما يجري مجراها أو بأن الإضرار في خصوص الزكاة منفي ، الا أن مبناها على المسامحة ، فانها مؤاساة

__________________

(١) الإنتصار ص ٧٥.

(٢) الناصريات ص ٢٤٠ مسألة ١١٧.

(٣) المعتبر ٢ / ٥٤١.

٤١٠

فلا تتعقب الضرر كما صرح به.

فاندفع ما أجاب به عنه صاحب المدارك وحكاه في الذخيرة ، من أن مثل هذه الإضرار غير ملتفت اليه في نظر الشرع ، والا سقطت التكاليف كلها ، فانه ان أراد بهذا الإضرار خصوص الإضرار المالي المحض ، فالالتفات الى مثله لا يوجب سقوط التكاليف البدنية ، كالطهارة والصلاة والصيام ، لا ما يشوبه المال كالحج والجهاد مما ينفق فيه على أربابه ، ويجعل ذريعة لتحصيله ولا يتكرر كل عام.

وأما الخمس ، فمثل هذا الإضرار فيه منتف أيضاً ، لانه بعد المئونة. واذا أريد نفي الإضرار في خصوص الزكاة فأظهر ، وان أراد به الاعم من المالي فلا نقض ، اذ الاستدلال خاص ، على أنه لا ينتقض بالتكاليف وان احتج بالعام حيث أطلق ، بمعنى أن مطلق الإضرار منفي بما ثبت في الشريعة السمحة السهلة من انتفاء العسر والحرج والضيق والضرر ، لانه يعتبر في الضرر المنفي كونه بحيث لا يتحمله الجمهور عادة ، وظاهر أنه لا يجزئ في سائر التكاليف ، بخلاف الاجحاف في الأموال المؤدي الى البغضاء ، وكراهة الدين المنجر الى الانكار.

قال في الكشاف في تفسير قوله تعالى ( وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ) أي : تضطغنون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتضيق صدوركم لذلك ، وأظهرتم كراهتكم ومقتكم لدين يذهب بأموالكم (١).

وقال قتادة : علم الله أن في مسألة الأموال خروج الاضغان وهي الاحقاد التي في القلوب والعداوة الباطنة ، كذا في المجمع (٢).

وفيه تنبيه على أن مقتضى اللطف وهو ما يقرب الى الطاعة ويبعد عن المعصية الاعراض عن هذا التكليف المقتضي للعصيان ، والا اختل أمر الفلاحة كما هو

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٥٣٩.

(٢) مجمع البيان ٥ / ١٠٨.

٤١١

المشاهد ، فلا يصدر من اللطيف الرءوف العليم ما يؤدي الى اختلال نظم المعاش والمعاد. ألا يرى أنه جل سلطانه سامح أرباب الأموال وأمر بالعفو والتخفيف وتفويض الامر اليهم ، وعلى المصدق أن يصدقهم في مواضع شتى ، فكيف يشدد عليهم بايجاب ما يذهب بها.

لا يقال : قد حكى الطبرسي رحمه‌الله عن أبي مسلم تفسير الاحفاء باللطف ، قال : أي فيلطف في السؤال بأن يعد عليه الثواب الجزيل. وعن بعضهم أن المعنى لا يسألكم الرسول على أداء الرسالة أموالكم. وفسره آخر بأنه لا يسألكم أموالكم لان الأموال كلها له ، فهو أملك بها وهو المنعم باعطائها.

لانا نقول : يستفاد منها نفي طلب جميع الأموال على كل حال ، قضية للجمع المضاف ، كما في قوله عزوجل ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (١) فالمعنى أنه لا يسأل جميع أمواله التي عندكم ، ومن ثم سماها أموالهم وان سألها مع اللطف ووعد الثواب الجزيل ، كما قال عز من قائل ( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) (٢) بخلتم بها وأظهرتم الحقد فكيف بدونه.

وبالجملة فجميعها غير مسئول ، سواء كان على أداء الرسالة أو مطلقا ، وانما المسئول والمأخوذ والمأمور باتيانه واعطائه البعض ، كما أفاده « من » التبعيضية أيضاً ، على أن تلك التفاسير كلها خلاف الظاهر ، كالقول بأن المعنى أن الله جل سلطانه لا يسألكم أموالكم ، وانما يوجب عليكم ايتاء بعضكم بعضاً ، مع أنه لا يلائم ذلك ما بعده ، ولهذا لم يرتضها المحققون ، كالطبرسي وعلم الهدى والمحقق وصاحب الصافي والزمخشري والبيضاوي والجبائي وغيرهم.

ومنها : ما رواه الصدوق في المقنع بحذف الاسناد ، فقال : ليس على الحنطة

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٣.

(٢) سورة النور : ٣٣.

٤١٢

والشعير شي‌ء حتى يبلغ خمسة أو ساق ، فاذا بلغ ذلك وحصل بعد اخراج السلطان ومئونة القرية أخرج منه العشر ، ان كان سقي بماء المطر أو كان سيحاً ، وان سقي بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر (١).

وقد قال في أول هذا الكتاب : وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يمل قاريه ، اذا كان ما أثبته فيه في الكتب الأصولية مثبتاً عن المشائخ العلماء والفقهاء الثقات رحمهم‌الله (٢).

وأورد في من لا يحضره الفقيه (٣) أن العشر ونصف العشر بعد اخراج السلطان ومئونة القرية. مع أنه ذكر في أوله أنه قصد ايراد ما يفتي به ويحكم بصحته ويعتقد فيه أنه حجة فيما بينه وبين ربه تقدس ذكره وتعالت قدرته ، وقال : ان جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع ، وادعى أنه بالغ في ذلك جهده (٤) ، فاياك أن تتهم الصدوق ، وتنكر وجود النص على استثناء المؤن.

ولهذا ذكر شيخنا البهائي طاب ثراه أن الاعتماد على مراسيله ينبغي أن لا يقصر عن الاعتماد على مسانيده ، حيث حكم بصحة الكل. وناهيك بالشهادة على استخراج الجميع بصيغة التأكيد ، ودعوى بذل الجهد على وجود هذا الخبر في الكتب المعتبرة.

وتصديق ذلك ما في فقه الرضا عليه‌السلام من أن الحنطة والشعير اذا بلغ النصاب وحصل بغير اخراج السلطان ومئونة العمارة ومئونة للقرية ، أخرج منه العشر

__________________

(١) المقنع ص ٤٨.

(٢) المقنع ص ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٥.

(٤) الفقيه ١ / ٣ ـ ٤.

٤١٣

ان كان سقى بماء المطر أو كان بعلا ، وان كان سقى بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر (١).

قال الفاضل التقي (٢) المتقي روح الله تعالى روحه : ان السيد الثقة الفاضل المعظم القاضي مير حسين طاب ثراه كان مجاوراً في مكة المعظمة سنين ، وبعد ذلك جاء الى اصفهان ، وذكر لي اني جئت بهدية نفيسة اليك ، وهو الكتاب الذي كان عند القميين وجاءوا به الي عند ما كنت مجاوراً ، وكان على ظهره أنه يسمى بالفقه الرضوي ، وكان فيه بعد الحمد والثناء أما بعد خطه صلوات الله وسلامه عليه ، وذكر القاضي أن كان عنده هذا الكتاب من تصنيف الإمام صلوات الله عليه ، وكانت نسخة قديمة مصححة.

وفي ذلك اشعار بتواتر انتسابه اليه صلوات الله وسلامه عليه ، ولا أقل من الاستفاضة ، وبذلك يخرج عن حيز الوجادة ويدخل في حد الحسان من المسانيد برواية من مدحهم القاضي من الشيعة القميين وان جهل حالهم بالتفصيل.

وفي بحار الانوار : ان كتاب فقه الرضا عليه‌السلام أخبرني به السيد العالم الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعد ما ورد اصفهان ، قال : قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجين وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا عليه‌السلام ، وسمعت الوالد رحمه‌الله أنه قال : سمعت السيد يقول : كان عليه خطه صلوات الله عليه ، وكان عليه اجازات جماعة كثيرة من الفضلاء. وقال السيد : حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمام عليه‌السلام ، وأكثر عباراته موافق لما يذكره أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير سند ، وما يذكره والده في رسالته اليه ، وكثير من الأحكام

__________________

(١) فقه الرضا ص ١٩٧.

(٢) في كتابه اللوامع.

٤١٤

التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكور فيه (١).

وقد عرفت مطابقة ما في المقنع لذلك الكتاب الشريف ، وهي أيضاً من القرائن على صحته ، مع ما سمعت من شهادة الصدوق على وجود ما فيه في كتب الأصول ، واذا انضم الى ما في الفقيه واعتضد بسائر الاخبار مما اشتهر العمل به في الاعصار ، قوي الاعتماد عليه ، سيما اذا وافق ظاهر التنزيل الحكيم ، وخالف ما اتفق عليه الفقهاء الأربعة ، فيزول عند هذا الشك والارتياب ، فان في خلافهم الرشد والصواب ، ولا يفتقر الى اليقين بصحة الانتساب ، والله تعالى كبرياؤه هو العالم في كل باب.

ومنها : ما أورده الشيخ في كتاب الاخبار لبيان أن الزكاة بعد اخراج المئونة ومئونة السلطان ، في الحسن كالصحيح عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال : كل أرض دفعها اليك سلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج الله منها العشر ، انما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك (٢).

ولا يخفى أن المعهود اعتبار المقاسمة بعد وضع البذر وسائر ما يعرفه الحارث على الغلة ، والمعتاد فيما عهدناه اخراج كثير من المئونات من أعيان الغلاة قبل وقوعها في الكيل ودخولها في الوزن ، كأجرة الحصاد وما شاكلها ، ودعوى اختلاف العادات في ذلك لا يخلو عن مكابرة ، والمقاسمة انما تكون بعد التصفية والتذرئة ، واخراج ما يتعلق بذلك من المؤن ، ويلزم من ذلك أن يكون العشر بعد اخراج مئونات كثيرة.

وفي قوله عليه‌السلام « فيما يحصل في يدك » تنبيه على أنها تتعلق بالنماء والفائدة

__________________

(١) بحار الانوار ١ / ١١ ـ ١٢.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٥ ، ح ١ ، التهذيب ٤ / ٣٧ ، ح ٥.

٤١٥

الحاصلة في يد الزارع وما حصل في يد الغير ليس من ذلك في شي‌ء ، كما يتعلق الخمس بالارباح وغيرها بعد وضع المئونة.

وبهذا الاعتبار تمسك بها الشيخ على ما ذكره ، أو باعتبار عدم القول بالفرق بين ما يتأخر المقاسمة عنه وغيره.

قال المحقق الاردبيلي قدس‌سره : هذه مع اعتبار سندها صريحة في عدم وجوب الزكاة في الخراج ، وظاهرة في عدم حسابه بل سائر المؤن أيضاً من النصاب ، فتأمل (١) هذا كلامه طاب ثراه.

وسيأتي منه التنصيص على صراحتها في عدم تعلق الزكاة بالمؤن كله كالخراج ونحوه فترصد.

والعجب من بعض الفضلاء حيث قال : هذه الرواية لا دلالة لها على ما ذكره الشيخ ، من أن الزكاة انما تجب بعد اخراج المئونة ، بل هي دالة على خلافه ، والمستفاد من قوله عليه‌السلام « انما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك » وجوب الزكاة في كل ما يحفظ في يد المالك بعد المقاسمة ، فلا يكون ما قبل المئونة مستثنى من ذلك.

وهو من الضعف بمكان ، ومن أنى له أن ما قابل المئونة يحصل في يد المالك بعد المقاسمة ، مع أنها متأخرة عن المئونة ومترتبة عليها غالباً ، بل لا يستقيم المقاسمة قبل اخراج المؤن ، لما فيه من الضرر والاجحاف. ويبعد القول بتأخر كل المئونات عنها ، كما يبعد اثبات تأخر الجميع عن المقاسمة ، فلا محالة تكون المقاسمة بعد ذلك ، ولا نعرف بخلافه قائلا ، فلا يحمل الخبر عليه.

وبذلك يضعف ما في المدارك أيضاً ، من أن هذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شي‌ء مما يخرج من الأرض سوى المقاسمة ، اذ المقام مقام بيان ، واستثني

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ / ١١٢.

٤١٦

ما عسى أن يتوهم اندراجه في العموم ، وذلك لما عرفت من أن استثناء حصة المقاسمة يقتضي استثناء المئونات كلها ، ولا أقل من المتقدمة عليها عادة ، وهو ملزوم لاستثناء ما يفرض تأخره عنها من المؤن ، لعدم القائل بالفصل ، ولعله ترك التصريح بذلك مع اغناء الاعتياد عنه وعدم سوق الكلام له مراعاة للتقية ونحوها من المصالح. وأمثال ذلك كثيرة في روايات الأصحاب ، وهو ظاهر للمتدرب من أولي الألباب.

وكيف كان ينتفى معه القول بنفي استثناء شي‌ء من المؤن واحتسابها جميعاً على أرباب الأموال ، فلا يكون ذلك من الاحتياط في شي‌ء ، على أنه لا يبعد أن يراد بالاخراج الافادة والأرباح ، لما فيه من الاظهار والابرار.

قال في مجمع البحرين : الخرج والخراج بفتح المعجمة فيها ما يحصل من غلة الأرض ، أي فائدتها (١).

قال في القاموس : الغلة الدخل من كراء دار وأجر غلام وفائدة أرض (٢).

والمعنى : فعليك فيما أفاد الله منها ، وأربح ، أي : أخرج وأظهر من النماء والفائدة بعد المقاسمة العشر أو نصفه ، كما يقال : يخرج من العمل الفلاني ألف درهم ، ومن المعاملة الفلانية ألف دينار ، والمراد أنه يربح ويحصل منه ذلك ، فيفهم منه أن المقاسمة بعد وضع المؤن ثم العشر ، على ما نبهناك عليه فلا تغفل.

ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي ، قال ذكرت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام الخراج وما ساربه أهل بيته ، فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ / ٢٩٤.

(٢) القاموس ٤ / ٢٦.

٤١٧

يعمره وكان للمسلمين ، وليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق وما أخذ بالسيف ، فذلك للإمام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل اذا كان البياض أكثر من السواد وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر (١).

وروى الكليني عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أحمد بن أشيم عن صفوان بن يحيى والبزنطي قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته ، فقال : من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار ، ونصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها وما لم يعمروه منها ، أخذ الإمام فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين ، وعلى المتقلبين في حصصهم العشر أو نصف العشر ، الى أن قال : وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم (٢).

قال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله : هذه فيها علي بن أحمد بن أشيم المجهول مع كونها مضمرة ، فسندها غير جيد ، الا أنها مؤيدة للعمومات الخاصة المتقدمة (٣) يعني بها ما تقدم من حسنة أبي بصير ومحمد بن مسلم ، وقد عرفت أنها في التهذيب مسندة الى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وسندها فيه صحيح ، وفي الكافي يمكن أن يكون البزنطي عطفاً على ابن أحمد ، كما هو المعروف من رواية أحمد عن أحمد على ما وقع في التهذيب (٤) ، كما جوزه التقي المتقي طاب ثراه.

وعلى أي حال فسندها جيد جداً ، وافادته للمقصود ظاهرة ، فان الحصة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ / ١١٩ ، ح ٢.

(٢) فروع الكافي ٣ / ٥١٢ ـ ٥١٣.

(٣) مجمع الفائدة ٤ / ١١٣.

(٤) تهذيب الأحكام ٤ / ١١٨ ـ ١١٩.

٤١٨

لا تتعين ولا تتحصص الا بعد التصفية واخراج مؤن كثيرة ، واضافة الحصص اليهم يعطي اختصاصها بمنع من تناولها لحصص الحارث والساقي والحارس والحاصد وغيرهم. ويلزم من ذلك أن يختص العشر بما يبقى في أيديهم من حصصهم بعد وضع المئونات وحصة السلطان ، وذلك ما أردناه.

وقد عرفت أنه لا وجه لحمل الرواية على استثناء خصوص حصة القبالة ، والا لزم أن يعتبر قبل وضع ما غرمه المتقبلون على الغلة من البذر وغيره ، وهو خلاف المعهود.

ومنها : ما رواه الكليني والشيخ في الحسن كالصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التمر والزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ فقال : خمسة أوسق ويترك معا فارة وأم جعرور لا يزكيان وان كثرا ، ويترك للحارس العذق والعذقان والحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله (١).

وفي الكافي عنه عليه‌السلام في زكاة التمر والزبيب ، الى أن قال : للحارس العذق والعذقان والحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله (٢).

قال في المنتهى : واذا اثبت ذلك في الحارس يثبت في غيره ، ضرورة عدم القائل بالفرق (٣). وكذلك ثبوته في التمر والزبيب يستلزم ثبوته في الحنطة والشعير.

وفي الحسن كالصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : يترك للحارس أجراً معلوماً ، ويترك من النخل معا فارة وأم جعرور ، ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه اياه (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ / ١٨ ، ح ١٤.

(٢) فروع الكافي ٣ / ٥١٤ ، ح ٧.

(٣) المنتهى ١ / ٥٠٠.

(٤) تهذيب الأحكام ٤ / ١٠٦ ، ح ٣٧.

٤١٩

وهذا الخبر صريح في أن ذلك أجرة للحارس وليس مجاناً ، وان لم تكن الجملة الثانية بياناً للاولى. وظاهر في أن المراد ترك النخلة والنخلتين والثلاث ، أو ما هو بمنزلة ذلك ، اذ الكباسة والكباستان من نخلة واحدة والقتو والقتوان منها ليس يعد أجراً معلوماً ، بناءً على ما هو الظاهر من أن الجملة الأخيرة بيان للاولى ، على ما اعترف به في روضة المتقين (١).

فاندفع ما يقال من أنه لا يظهر من الخبر أنه أجرته أو مجاناً ، كما لا يظهر أن المتروك له كل ثمرة النخلة من النخلتين أو الكباسة والكباستين ، اذ العذق بالفتح النخلة بحملها ، وبالكسر الكباسة وهي بمنزلة العنقود من العنب ، مع أنه يظهر من التذكرة أن الرواية بالفتح ، حيث قال : العذق والعذقين والثلاثة لحفيظه له ، أي : لمن يحافظه لاجل الحفظ وبازاء أجرته ، كما في قوله عليه‌السلام « لحفظه اياه » فانه نص في كونه لاجل الحفظ.

والظاهر أنه الأجرة مستثناة ، سواء كانت نخلة أو نخلات أو كباسة وكباستين من كل نخلة أو من نخلة واحدة. واذا ثبت استثناء تلك الأجرة من المئونة ثبت مطلقاً ، اذ لم يفرق بينها وبين غيرها أحد من علمائنا وغيرهم.

قال في المدارك : الرواية نقول بموجبها ونمنع التعدي من غير المنصوص ، وقوله « انه لا قائل بالفرق » غير جيد ، فان ذلك ثابت عند الجميع ، وقد صرح به من لا يعتبر المئونة ، كما حكاه في التذكرة والمنتهى ، ويتوجه عليه أنه ان اريد التصريح بذلك ممن لا يعتبر المئونة من الخاصة ، فهو خلاف الواقع ، لانه منحصر في الشيخ في الخلاف والفاضل يحيى بن سعيد ، والفرق غير محكي عنهما لا في التذكرة والمنتهى ولا في غيرهما ، وكذا ان أريد من لا يعتبرها من الفريقين يجديه نفعاً ، مع أن ما حكاه في التذكرة عن الشافعي في القديم من أنه

__________________

(١) روضة المتقين ٣ / ٩٨.

٤٢٠