الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

أو اثنين ، حتى قال أبو الصلاح من سئل عن ابراز مثال لذلك أعياه طلبه.

ولا شك أن الاحوط في مثل هذا الزمان هو العمل بما عليه الصدوق ، لان مثل هذا التكلف لا يجري في مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : لا تقرأ في الركعتين الاخيرتين من الاربع الركعات المفروضات شيئاً اماماً كنت أو غير امام ، قلت : فما أقول فيهما؟ قال : ان كنت اماماً أو وحدك فقل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله ثلاث مرات تكمل تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع (١).

الا أن يحمل النهي فيه على التنزيهي ، ومع ذلك فما نحن بصدد اثباته وهو مرجوحية القراءة وراجحية التسبيح في الاخيرتين من الاربع وثالثة المغرب ثابت ، وهو ظاهر.

فصل

خبر محمد بن عمران ، وكذا الفضل بن شاذان معلل ، والخبر المعلل مقدم على غيره ، كما تقرر في الاصول ، فيلزم اطراح روايتي ابن حنظلة ومحمد بن حكيم ، حيث لا يمكن التوفيق بينهما وبينهما.

ومنه يظهر وهن القول بأفضلية القراءة والمساواة.

وأما القول بالتفصيل ، فان رجح على القول بأفضلية التسبيح مطلقا ، بأن العمل بالدليلين والتوفيق بينهما يقتضي حمل رواية أفضلية القراءة على الامام وأفضلية التسبيح على المنفرد ، رجح القول بأفضلية التسبيح مطلقا.

بما في الفقيه والتهذيب والاستبصار عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب الصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرك أول صلاته ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٢.

٢٦١

ان أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء الركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الامام في نفسه بام الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب.

فاذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لان الصلاة ، انما يقرأ فيها في الاولتين في كل ركعة بام الكتاب وسورة ، وفي الاخيرتين لا يقرأ فيهما ، انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، فان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الامام فاذا سلم الامام قام فقرأ أم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ، ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة (١).

فانه حديث صحيح صريح في عدم جواز القراءة ، أو مرجوحيتها في الاخيرتين مطلقاً للامام وللمنفرد.

فان قلت : المشهور أنه مخير في الاخيرتين بين التسبيح والقراءة ، بل ادعى العلامة في المختلف اجماع علمائنا عليه ، وهذا يفيد أن القراءة فيهما لا كراهة فيها.

قلت : ليس كذلك الامر ، لان التخيير بين الافضل والمفضول جائز ، كالتخيير بين الجمعة والظهر على القول به ، مع كون الاولى أفضل الواجبين ، فتكون الثانية مكروهة ، بمعنى أنها أقل ثواباً كما فيما نحن فيه ، فان التسبيح أفضل من القراءة مطلقاً ، كما دل عليه كثير من الاخبار ، فتكون القراءة مكروهة بهذا المعنى.

وأما قول بعض (٢) الافاضل المتأخرين ان القراءة للامام أفضل ، لاحتمال لحوق بعض المأمومين ، والامام في الحقيقة يقرأ بدل المأموم ، فاذا قرأ فاتحة الكتاب

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٣ ، تهذيب الاحكام ٣ / ٤٥ ، الاستبصار ١ / ٤٣٦.

(٢) المراد بهذا البعض آخوندنا التقى المتقى قدس‌سره « منه ».

٢٦٢

فكأنه قرأ المأموم ، ولو لم يقرء فكأنما لم يقرأ المأموم الفاتحة ولا صلاة الا بها وان كانت قراءة الامام في الاولتين قائمة مقام قراءة المأموم مطلقاً ، لكنه ان قرأ في الاخيرتين أيضاً كان أتم وأظهر.

وما ورد من نفي القراءة أو النهي عنها فيهما ، فمحمول على عدم وجوب العيني أو التنزيهي بالنسبة الى المنفرد ، وبالنسبة الى الامام على عدم وجوب العيني.

فهو مع أنه مأخوذ من كلام ابن الجنيد وقد سبق محل نظر ، لان خلو صلاة المأموم عن قراءته مما لا محذور فيه ولا مانع منه ، بل هو كذلك بالنسبة الى من أدرك أول الصلاة فضلا عن غيره.

وأما قوله عليه‌السلام « لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » (١) فانما هو في صورة الانفراد ، وبالنظر الى القادر عليها لا في الجماعة ، مع أن قراءة الامام لما كانت قائمة مقام قراءة المأموم ، صدق أن صلاته أيضاً مقرونة بقراءة الفاتحة ، فالحديث على عمومه ، فتأمل.

ولعله قدس‌سره رام بآخر كلامه أن يجمع بين الاخبار الواردة في المسألة (٢) فتكلف بما ترى ، ودون جمعه خرط القتاد ، كما أشار اليه زين المحققين في شرحه على اللمعة بعد الايماء الى الروايات الدالة بعضها على أولوية الحمد من التسبيح مطلقاً ، وبعضها على أفضلية التسبيح مطلقاً ، وبعضها على أفضليته لغير الامام ، وبعضها على تساويهما.

ثم قال : وبحسبها اختلفت الاقوال واختلف اختيار المصنف رحمه‌الله ، فهنا رجح القراءة مطلقا ، وفي الدروس للامام والتسبيح للمنفرد ، وفي البيان

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ١٩٦ و ٢ / ٢١٨ و ٣ / ٨٢.

(٢) اشارة الى خروج العاجز عن القراءة ، فلا بد من التخصيص.

٢٦٣

جعلهما له سواء ، وتردد (١) في الذكرى بقوله : والجمع بين الاخبار هنا لا يخلو من تعسف (٢).

وهو كذلك بل لا بد من رد بعضها وقبول بعض آخر ، كما أشرنا اليه ، فتأمل فيه حقه.

فصل

[ ما يدل من الاخبار على رجحان التسبيح ]

ومما يدل على رجحان التسبيح خبر رجاء الذي كان مع أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في طريق خراسان ، قال : وكان يسبح في الاخراوين ، يقول : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ثلاث مرات (٣).

وحكم الصدوق (٤) بصحته ، فان مداومته عليه‌السلام عليه في الاخراوين دليل على رجحانه ، ولعله عليه‌السلام كان يجهر به ، ولذلك سمعه منه الراوي وعد عدده ، فهو يؤيد القول بعدم وجوب الاخفات فيه.

قال في الذكرى : هل يجب الاخفات فيه؟ الاقرب نعم تسوية بينه وبين المبدل ونفاه ابن ادريس للاصل وعدم النص. قلنا : عموم الاخفات في الفريضة كالنص مع اعتضاده بالاحتياط (٥).

__________________

(١) انما حكم بتردد في الذكرى لانه ذكر فيه الاخبار والاقوال الواردة في المسألة ولم يرجح واحداً منها ، فعلم أنه متوقف فيه « منه ».

(٢) شرح اللمعة ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٣) وسائل الشيعة ٤ / ٧٨٢ ، ح ٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٠٨.

(٥) الذكرى ص ١٨٩.

٢٦٤

وفيه أن التسوية بينهما غير لازمة ، ولذلك جوزوا الجهر في صلاة الاحتياط وهي بدل عما يجب فيه الاخفات. وأما أن عموم الاخفات في الفريضة كالنص ، فغير واضح ، والاحتياط ليس بدليل شرعي فكيف يعضده؟ بخلاف الاصل فانه دليل شرعي وحجة بالاتفاق.

ويدل على رجحانه أيضاً مع جواز الجهر فيه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام اذا صلى يقرأ في الاوليين من صلاة الظهر سراً ويسبح في الاخيرتين على نحو من صلاته العشاء ، وكان يقرأ في الاوليين من صلاة العصر سراً ويسبح في الاخيرتين على نحو من صلاته العشاء ، وكان يقول : أول صلاة أحدكم الركوع (١). والتقريب ما مر.

وقال التقي المتقي في شرحه : الظاهر أن المماثلة في الجهر ، فيدل على جواز الجهر في التسبيح ، كما ذهب اليه جماعة.

أقول : ويدل على رجحان التسبيح أيضاً صحيحة عبيد الله بن علي الحلبى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا قمت في الركعتين لا تقرأ فيهما ، فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر (٢).

ويظهر منه عدم وجوب الترتيب وجواز الاكتفاء بثلاث تسبيحات ، والاول استقر به صاحب المعتبر للاصل ، واختلاف الرواية في تعيينه.

وقيل : يجب فيه الترتيب ، كما صوره في رواية (٣) زرارة أخذاً بالمتيقن ، وما في المعتبر لا يخلو من اعتبار ، وان كان الترتيب على ما ورد به النقل بخصوصه أحوط.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٩٧ ، ح ١٣٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٢ / ٩٩ ، ح ١٤٠.

(٣) قد مرت تلك الرواية « منه ».

٢٦٥

وصحيحة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الاخيرتين من الظهر ، قال : تسبح وتحمد وتستغفر لذنبك ، وان شئت فاتحة الكتاب فانها تحميد ودعاء (١).

فانها أيضاً تدل على رجحان التسبيح ، وجواز الاكتفاء به وبالتحميد والاستغفار كما يدل عليه وعلى جواز الاكتفاء بتسبيحة واحدة ما رواه العامة عن سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : اقرأ في الاولتين وسبح في الاخيرتين (٢). وهذه الاخبار يعم الامام والمنفرد ، فلا تغفل.

فصل

[ ما يجزي من التسبيح فى الركعتين الاخيرتين ]

اتفقوا على أنه يجزئ التسبيح بدل الحمد في ثالثة المغرب والاخيرتين من الظهرين والعشاء الآخرة ، واختلفوا في قدره :

فالمفيد في المقنعة (٣) أربع تسبيحات ، لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام يجزي‌ء في الركعتين الاخيرتين أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر وتكبر وتركع (٤).

والشيخ في النهاية (٥) والاقتصاد (٦) يكرر ذلك ثلاثاً ، فيكون اثنتا عشرة

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٩٨ ، ح ١٣٦.

(٢) وسائل الشيعة ٤ / ٧٩٢ ، ح ٥.

(٣) المقنعة ص ١١٣.

(٤) تهذيب الاحكام ٢ / ٩٨ ، ح ١٣٥.

(٥) النهاية ص ٧٦.

(٦) الاقتصاد ص ٢٦١.

٢٦٦

تسبيحة. والظاهر أن مستنده خبر رجاء الذي حكم الصدوق بصحته ، وقد سبق في أول الفصل السابق.

فقول السيد في المدارك : ولم نقف على مستند لهذا القول (١) لا يقدح فيه ، لان عدم وقوفه عليه ولعله كان لقصوره في التتبع لا يدل على عدم وجوده.

نعم ليس للقول بالعشرة باسقاط التكبير في غير الثالثة مستند صريح ، ولعله كان له عليه مستند ولم يصل الينا ، لتصادم الدول الباطلة وتباين الاهواء العاطلة واندراس بعض الاصول ، فان من المستبعد أن يحكم بحكم فقيه من فقهائنا عادل ولم يكن له عليه دليل شرعي يعتمد عليه ، أو تركن نفسه اليه ، فان عدالته مانعة من ذلك.

هذا وقال ابن بابويه وأبو الصلاح : انه تسع تسبيحات ، لصحيحة زرارة وقد سبقت.

وقال ابن أبي عقيل : يقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر سبعاً أو خمساً ، وأدناه ثلاث في كل ركعة ، ولم نجد له عليه مستنداً.

ولكن ذكر في الذكرى أنه لا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر الله تعالى ، ولعل الوجه فيه ما أومأنا اليه ، والا فالعبادات توقيفية لا بد وأن تكون متلقاة من الشارع ، ولا يكفي فيها مجرد اتباع الشيخ وان كان عظيم الشأن ، الا أن يكون له على ما ذهب اليه مستند شرعي.

وعلى أي حال فالاجود هو الاتيان بالاثني عشر تسبيحة على قصد الوجوب ، وان انضم اليه الاستغفار ، لصحيحة عبيد عن الصادق عليه‌السلام : وتستغفر لذنبك (٢). كان أجمل.

__________________

(١) المدارك ص ١٩٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٢ / ٩٨ ، ح ١٣٦.

٢٦٧

وبالجملة الواجب هنا أمر كلي يتأدى بالفرد الاضعف والاقوى ، اذ قد تقرر في مقره أن وجود الكلي في الخارج وتحققه في ضمن جزئياته لا يلزم أن يكون على وجه واحد ، بل قد يتفاوت بالقوة والضعف.

وأقوى الافراد هنا الاثنا عشرة ، ثم العشرة ، ثم التسعة ، ثم الاربعة ، بل يظهر من الاخبار أن مطلق التسبيح كاف ، وانه يجوز الاكتفاء بالتسبيح والتحميد والاستغفار ، بل ثلاث تسبيحات ، بل تسبيحه واحدة ، الا أن الاحوط هو التسبيحات الاربع مع الاستغفار ، وان أتى بالتسع مع الاستغفار كان أتم ، وأكمل منه الاثنا عشرة مع الاستغفار ، والعلم عند الله وعند أهله المصطفين الاخيار صلوات الله عليهم ما بقيت الليل والنهار.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٢٦) محرم الحرام سنة (١٤١١) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٢٦٨

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(٢١)

رسالة

في تحقيق وجوب غسل مس الميت

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

٢٦٩
٢٧٠

بسم الله الرحمن الرحيم

قال صاحب المدارك فيه بعد نقل قول المصنف قدس‌سرهما « والواجب من الغسل ما كان لصلاة واجبة ، أو طواف ، أو لمس كتابة القرآن ان وجب ، أو لدخول المساجد ، أو لقراءة العزائم ان وجبا » : ربما ظهر من اطلاق العبارة وجوب الغسل لهذه الامور الخمسة في جميع الاحداث الموجبة له ، وهو مشكل.

ثم فصل المسألة الى أن قال : وأما غسل المس ، فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في شي‌ء من العبادات ، ولا مانع من أن يكون واجباً لنفسه ، كغسل الجمعة والاحرام عند من أوجبهما. نعم ان ثبت كون المس ناقضاً للوضوء اتجه وجوبه للامور الثلاثة المتقدمة ، الا أنه غير واضح.

وقد استدل عليه بعموم قوله عليه‌السلام : كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة.

وهو مع عدم صحة سنده غير صريح في الوجوب ، كما اعترف به جماعة من الاصحاب ومعارض بما هو أصح منه (١).

أقول : على القول (٢) بوجوب غسل المس ، كما هو ظاهر غير واحد من

__________________

(١) مدارك الاحكام ١ / ١٦.

(٢) اشارة الى خلاف السيد فانه لم يقل بوجوبه « منه ».

٢٧١

الاخبار ، فكما يحتمل أن يكون واجباً لنفسه ، يحتمل أن يكون واجباً لغيره من العبادات التي منها الصلاة.

والاحتمالان هنا متكافئان ، لعدم ما يدل على خصوص أحدهما ، فكما لا مانع من أن يكون واجباً لنفسه لا مانع من أن يكون واجباً لغيره.

فاذا توضأ المكلف وضوء الصلاة ، ثم اغتسل غسل المس ، ثم صلى ما وجب عليه من الصلاة مثلا ، فقد حصل اليقين ببراءة الذمة والخروج عن عهدة التكليف على قول جميع الاصحاب ، بخلاف ما اذا لم يفعل واحداً منهما ، فانه حينئذ ليس على يقين منهما ، وهو مكلف بتحصيل البراءة اليقينية اذا كان قادراً عليه ، فيشبه أن يكون هذا منظور المحقق من اطلاق عبارته ، ولا شك أنه الاحوط ، فخذ الحائط لدينك لتكون في العمل على يقينك.

وقال في الدروس : ولا يمنع هذا الحدث من الصوم ولا من دخول المساجد على الاقرب ، نعم لو لم يغسل العضو اللامس وخيف سريان النجاسة الى المسجد حرم الدخول والا فلا (١).

ويظهر منه أنه يمنع من الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ومن قراءة العزائم.

وفيه أنه ان كان كالحدث الاصغر ، فكما لا يمنع من دخول المساجد ، لا يمنع من قراءة العزائم أيضاً وان كان كالحدث الاكبر ، فكما يمنع من قراءة العزائم يمنع من دخول المساجد أيضاً ، ولعل المراد أنه لا يمنع من الاجتياز فيها ، وان كان يمنع من اللبث فيها.

ولكن ظاهر قوله « ولا يمنع من الصوم » يفيد أنه كالحدث الاصغر ، فلا يمنع من اللبث في المساجد ومن قراءة العزائم ، كما أشار اليه صاحب الرسالة

__________________

(١) الدروس ص ١٤.

٢٧٢

الجعفرية بقوله : والواجب من الغسل ما كان لواجب الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ، أو لدخول المساجد مع اللبث في غير المسجدين ، أو قراءة العزائم ان وجبا إلا غسل المس.

قال الشارح : ولما كان مس الميت لا يمنع من دخول المساجد وقراءة العزائم استثني غسل المس من الحكم المذكور ، لانه كالحدث الاصغر ، فكل عبادة غير مشروطة بالوضوء فهي تقع من الماس ويجوز له الاتيان بها انتهى.

ويظهر منه أن مس الميت ينقض الوضوء ويوجب الغسل ، وان الماس لا يجوز له الاتيان بأحد الامور الثلاثة الاولة الا بعد الاتيان بغسل المس.

وقال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع : ووجوب الغسل لدخول المساجد ثابت في جميع الاحداث الموجبة له عدا مس الميت ، فانه لا يمنع دخول المسجد قبل الغسل ، ومقتضاه أنه يمنع من دخول الصلاة والطواف ومن مس كتابة القرآن وقراءة العزائم قبل الغسل ، وهو صريح في كونه واجباً لغيره ، كما هو أحد احتمالي الاخبار الدالة على وجوبه.

كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال قلت : الرجل يغمض الميت أعليه غسل؟ قال : اذا مسه بجرارته فلا ، ولكن اذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل قلت : فالذي يغسله يغتسل؟ قال : نعم (١).

وصحيحة عاصم بن حميد قال : سألته عن الميت اذا مسه الانسان أفيه غسل؟ قال فقال : اذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل (٢).

وصحيحة اسماعيل بن جابر قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام حين مات

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ، ح ٩.

(٢) تهذيب الاحكام ١ / ٤٢٩ ، ح ١٠.

٢٧٣

ابنه اسماعيل الاكبر (١) ، فجعل يقبله وهو ميت ، قلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال : أما بحرارته فلا بأس انما ذاك اذا برد (٢).

وصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام من غسل ميتاً فليغتسل ، قلت : فان مسه قال : فليغتسل ، قلت : ان أدخله القبر ، قال : لا غسل عليه (٣).

وصحيحة معاوية عنه عليه‌السلام الذي يغسل الميت عليه غسل؟ قال : نعم ، قلت : فاذا مسه وهو سخن ، قال : لا غسل عليه فاذا برد فعليه الغسل ، قلت : البهائم والطير اذا مسها عليه غسل؟ قال : لا ليس هذا كالانسان (٤).

وصحيحة محمد بن الحسن الصفار كتب اليه رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي بلى جلده قبل أن يغسل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع اذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل (٥) فان هذا الوجوب كما يحتمل أن يكون لنفسه يحتمل أن يكون لغيره ، مع أن الاول لا ينافي الثاني فقد يجتمع الوجوبان كما في الوضوء عند من قال بوجوبه لنفسه ، فانه وان كان واجباً في نفسه موسعاً لا يتضيق الا بظن الوفاة ، أو ضيق العبادة المشروط فيها.

الا أنه قد يعرض له الوجوب حين ارادة الصلاة باعتبار التوصل به اليها

__________________

(١) الاكبر صفة للابن لا لاسماعيل ، فلا يتوهم أنه كان له عليه‌السلام ابنان مسميان باسماعيل الاكبر والاصغر « منه ».

(٢) تهذيب الاحكام ١ / ٤٢٩ ، ح ١١.

(٣) تهذيب الاحكام ١ / ١٠٨ ، ح ١٥.

(٤) تهذيب الاحكام ١ / ٤٢٩ ، ح ١٢.

(٥) تهذيب الاحكام ١ / ٤٢٩ ، ح ١٣.

٢٧٤

وكونه من مصالحها ، كما هو ظاهر الآية (١) ، فان من البين أن هذا القائل لا ينفي عنه هذا الوجوب ، فليكن الامر فيما نحن فيه كذلك.

بل نقول : لا يبعد أن يستفاد من قوله عليه‌السلام « فقد يجب عليك الغسل » وجوبه لغيره ، اذ لو كان وجوبه لنفسه لم يدخل عليه قد وقد ، بأن يكون واجباً في وقت دون وقت ، وانما ذلك اذا كان واجباً لغيره.

لان مسه في غير وقت العبادة المشروط فيها لا يوجب الغسل في ذلك الوقت وانما يوجبه اذا كان في وقتها ، أو دخل عليه الوقت ولما يغتسل ، فان المس قبل دخول الوقت كالحدث قبله ، وهو وان كان من أسباب الغسل الا أنه لا يجب الا بعد دخوله.

والحاصل أنه عليه‌السلام أشار بـ « قد » الدالة على التقليل في هذا المحل الى أن غسل المس انما يجب وقت وجوب العبادة المشروط فيها ، ومقتضاه أنه لو قدمه على ذلك الوقت لا يكون واجباً لتلك العبادة ، فان كانت الذمة بريئة مع ذلك من عبادة اخرى واجبة نوى الندب ، وبذلك يثبت ما عليه جل الاصحاب بل كلهم من وجوب غسل المس لغيره ، فتأمل.

والاحوط أن يكتفي المغتسل هذا في نيته اذا وقع الغسل خارج وقت العبادة المشروط فيها بالقربة (٢) ، ليكون صحيحاً على المذهبين ، فتأمل.

__________________

(١) يظهر من بعض الاخبار وظاهر الآية الوجوب لغيره ، ومن بعضها الوجوب لنفسه ، ولا منافاة بين أن يكون واجباً لنفسه ، وباعتبار اشتراط الصلاة به يكون واجباً لغيره « منه ».

(٢) الاحتياط في هذا الغسل قبل الوقت اذا لم تكن الذمة مشغولة أن ينوى القربة بدون نية الوجوب والندب ، بل الاظهر هو الاكتفاء بها مطلقاً « منه ».

٢٧٥

تتمة مهمة

المشهور بين الاصحاب وجوب غسل المس ، وهو الظاهر من الاخبار المذكورة وغيرها ، فانها واضحة الدلالات على وجوبه ، وخاصة قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن الحسن الصفار « فقد يجب عليك الغسل » فانه صريح في وجوبه.

فهذا مع قطع النظر عن الاوامر المذكورة في تلك الاخبار وما في معناها من قولهم عليهم‌السلام فعليه الغسل ونحوه كاف في اثبات الوجوب ، فان حمل لفظ الوجوب على خلاف ظاهره كتأكد الاستحباب من غير قرينة واضحة ولا ضرورة داعية ، تكلف صرف ، وتعسف بحت ، وخروج عن القاعدة المقررة عندهم ، فان مدار الاستدلال بالايات والروايات من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر.

قالوا : والقول بأنهم عليهم‌السلام قد يحكمون حكماً ظاهرياً وهم لا يريدونه قول المرجئة ، فانهم يجوزون أن يعني من النصوص خلاف الظاهر من غير بيان ، ومذهبهم قريب من مذهب الحشوية ، وهم طائفة يجوزون أن يخاطبنا الله بالمهمل ، لان اللفظ بالنسبة الى خلاف الظاهر من غير بيان مهمل ، كما تقرر في مقرره ، وصرح به السيد في حواشيه على الكشاف.

فقول بعض (١) الافاضل المتأخرين في مقام نصرة مذهب السيد المرتضى ، حيث ذهب الى استحباب هذا الغسل بعد أن نقل نبذة من تلك الاخبار ، ولا يخفى أن الامر وما في معناه في أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب.

فالاستناد الى هذه الاخبار في اثبات الوجوب لا يخلو عن اشكال الا أن يصار الى ما قيل من أن اطلاق الواجب على المستحب والنهي على المكروه والحرام

__________________

(١) المراد بهذا البعض صاحب الذخيرة قدس‌سره فيه « منه ».

٢٧٦

عليه ، والمكروه على الحرام ، واستعمال ينبغي في الواجب ، ولا يجوز في المكروه في الاخبار واقع ، والاستبعاد باعتبار الانس باصطلاح الفقهاء والاصوليين ولكل قوم اصطلاح ، وفيه أيضاً اشكال ، فتأمل فيه ليرفع عنك الاشكال ويظهر لك الاشكال.

كتبه بيمناه الجانية الفانية العبد الجاني محمد بن الحسين المشتهر باسماعيل المازندراني عفى الله عنهما.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٢٧) محرم الحرام سنة (١٤١١) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد الفقير السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٢٧٧
٢٧٨

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(٢٢)

رسالة

في حكم شراء ما يعتبر فيه التذكية

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

 المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

٢٧٩
٢٨٠