الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ، لان حدبة الارض مانعة لرؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربية لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال ولده فخر المحققين قدس‌سرهما في الايضاح : الاقرب أن الارض كروية ، لان الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية ، وكذا في الغروب ، فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة.

وانما عرفنا ذلك بارصاد الكسوفات القمرية ، حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية ، فعرفنا أن غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا.

ولو كانت الارض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد ، ولان السائر على خط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس (١).

أقول : فيختلف بذلك ، أي : باختلاف البلدان في طلوع الكواكب وغروبها اختلافها في انتصاف الليل ، فرب بلد انتصف فيه الليل وهو في بلد آخر لا ينتصف الا بعد مضي ساعة أو ساعتين وهكذا.

فصيحة هذا الديك الاعظم تكون في أي نصف من تلك الانصاف؟ وبالنسبة الى أهل أي بلد من تلك البلدان؟ حتى تتبعه هذه الديوك في الصحيحة ويعلم منها انتصاف الليل.

ومع قطع النظر عن ذلك ، فتلك الصحيحة من تلك الديكة لا تدل على انتصاف

__________________

(١) الايضاح ١ / ٢٥٢.

٢٢١

الليل بخصوصه ، لاحتمال أن تكون في أول الثلث الثاني وهو قبل انتصافه على أن قوله من آخر الليل مما لا يتصور له معنى صحيح ظاهراً ، فكيف يصح الاستدلال بها على معرفة انتصافه والاعتماد عليه؟ وهو ضعيف سنداً ومتناً.

وأما التجربة فعلى تقدير كونها حجة شرعية في معرفة الاوقات ليست عملا بالرواية ، ولا اختصاص لها بصحيحة الديكة ، بل قد تحصل بغيرها ، كوقت الساعة والكتابة ونحوها من الصناعات.

والعجب من مولانا الفاضل أنه ـ مع غزارة علمه وثقوب فهمه ـ لم يتفطن بهذا ولم يشر اليه ولا الى دفعه أصلا ، بل اقتصر على مجرد جواز الاعتماد على هذه الصحيحة في معرفة انتصاف الليل وجعلها حقاً على تقدير عدم وجدان دليل أقوى منها.

ويمكن دفعه بأن يقال : ان هذا الترديد ليس من الراوي ، بل هو من الامام عليه‌السلام ، وهو اشارة الى أن هذه الصيحة من هذا الديك الاعظم بالنسبة الى بعض البلدان تكون في نصف الليل ، وبالنسبة الى آخر في الثلث الثاني من آخر الليل ، وله عرض عريض يختلف باختلاف البلدان ، فبالنسبة الى بعضها تقع تلك الصيحة في الجزء الاول من ذلك الثلث الثاني ، وبالنسبة الى آخر في الجزء الثاني منه وهكذا ، فتأمل فيه.

ومثله يرد فيما روي في معرفة الزوال ، وان كان بعضه حسن السند بل صحيحة كرواية الحسين بن المختار عن الصادق عليه‌السلام أنه قال قلت له : اني مؤذن ، فاذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت ، فقال له : اذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاءاً فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة (١).

وفي رواية أبي عبد الله الفراء عنه عليه‌السلام أنه قال له رجل من أصحابنا : انه

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ١٢٤ ، ح ٢.

٢٢٢

ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم ، فقال : تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك ، فقال : نعم ، فقال : اذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فعند ذلك فصل (١).

ويمكن دفعه بأن ديوك كل بلد من تلك البلدان تصيح على النحو المذكور عند زوال الشمس في ذلك البلد ، ولا تصيح كذلك عند زوالها في بلد آخر ، فيجوز الاعتماد على صيحتها في معرفة الزوال فتأمل.

وقال الفاضل التقي المتقي قدس‌سره في شرحه بعد كلام : وعلى ما فهمه الصدوق وغيره أنه اذا حصل له الظن بدخول الوقت أيضاً يصلي ، ويحمل على عدم امكان تحصيل العلم أو خوف خروج الوقت بالتأخير ، والا فتحصيل العلم بدخوله واجب لاجل الصلاة ، ولا يمكنه نية الوجوب ولا الصلاة بدون العلم ، وهو الاحوط (٢).

وفيه أن الشارع لما جعل ظن المكلف بدخول الوقت حجة عليه كما عليه الاكثر على ما ظهر من كلامهم المنقول صحت له نية الوجوب بعد حصول ذلك الظن وصحت صلاته به كما في جهة القبلة ، فانه يكفي فيها الظن ، والاحتياط ليس بحجة شرعية يعتمد عليها ، وخاصة اذا خاف خروج وقت الفضيلة والنافلة والاعمال الموقتة بذلك الوقت ، وسيما اذا وجب عليه بطريق النذر وشبهه ، فان الواجب عليه حينئذ هو العمل بمقتضى ذلك الظن.

ويؤيد جواز العمل به ما روي عن سيدنا أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : لئن أصلي بعد ما مضى الوقت أحب الي من أن أصلي وأنا في شك من الوقت وقبل

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ١٢٥ ، ح ٥.

(٢) روضة المتقين ٢ / ٧٥.

٢٢٣

الوقت (١).

فانه يفهم من عدم صحة الصلاة في صورة الشك في دخول الوقت وقبله صحتها في صورة الظن بدخوله ، والا فلا وجه لتخصيص هاتين الصورتين بالذكر وارادة خلاف اليقين من الشك ، فيشمل الظن أيضاً خلاف ما عليه أهل الشرع ، فانهم يريدون بالشك ما يتساوى طرفاه ، وبالظن ما هو الراجح من الطرفين ، وعليه مبنى أكثر مسائلهم.

ثم قال قدس‌سره بعد نقل رواية أبي عبد الله الفراء والحسين بن المختار : هذا يدل على أنه يجوز العمل بصوت الديوك مع الاشتباه اذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت أو صاحت ثلاثة أصوات ولاءاً ، أو هما معاً ، ويمكن العمل به مع التجربة بصدقها ، والمشهور عدم العمل به خصوصاً مع تجربة عدم الصدق ، فانا جربناها أنها تكذب غالباً والاحتياط في الصبر حتى يحصل العلم بدخول الوقت (٢).

وفيه ما عرفته.

ثم مورد النص هو يوم غيم يشتبه فيه الوقت ، ولعلها في ذلك اليوم لا تكذب كما أخبر عنه الامام عليه‌السلام وأمر أصحابه بالعمل به ، والسند صحيح ، فاذا جاز العمل بصحيح الخبر فليجز العمل بذلك أيضاً.

والحق أن المكلف ان أمكنه تحصيل العلم بدخول الوقت وجب عليه تحصيله على كل حال ، والا فيكفيه الظن بدخوله بامارات كانت هناك ، كأذان مؤذن ، وصيحة ديكة ، ووقت ساعة ، ونحوها مع تجربة صدقها ، فان بقي ظنه على حاله ولم يظهر خلافه ، والا أعاد الصلاة وقضى الصوم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ١٢٤ ، ح ١١.

(٢) روضة المتقين ٢ / ٧٥.

٢٢٤

أقول : ومثل ما سبق في الاشكال بل أشكل منه ما ورد من ركود الشمس عند الزوال ، فان زوال كل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر عن زوال الشرقي بساعة واحدة ، كما يلزم مما أفاده فخر المحققين ، وقد سبق نقله.

فيلزم أن يكون لها ركود متعدد بحسب تعدد البلدان الشرقية والغربية وبعد بعضها عن بعض ، فتكون في أكثر أوقات النهار راكدة ، وتخصيصه ببعض البلدان دون بعض غير معلوم ولا مفهوم من الاخبار ، فان المذكور فيها أنها تركد ساعة من قبل أن تزول ولا يكون لها يوم الجمعة ركود.

روي عن حريز بن عبد الله أنه قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجل فقال له : جعلت فداك ان الشمس تنقض ثم تركد ساعة من قبل أن تزول ، فقال انها تؤامر أتزول أو لا تزول (١).

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام وسئل عن الشمس كيف تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود ، قال : لان الله عزوجل جعل يوم الجمعة أضيق الايام ، فقيل له : ولم جعله أضيق الايام؟ قال : لانه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم لحرمته عنده (٢).

وأنا الى الان لم أجد أحداً تعرض له ولدفعه.

وأما ما أفاده الفاضل التقي المتقي في شرحه بقوله : ولا استبعاد في أن يحصل ركود ولا نعلم ولا نفهمه باعتبار قصور وقت الركود ولا يحصل يوم الجمعة (٣).

ففيه أن هذا الركود الواقع قبل الزوال في زوال أي بلد يحصل؟ وهل هو واحد مخصوص بزوال بلد معين أو متعدد بتعدد زوال تلك البلدان الشرقية

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، ح ٦٧٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٢٥ ، ح ٦٧٦.

(٣) روضة المتقين ٢ / ٨٤.

٢٢٥

والغربية؟

وبالجملة لا اشكال في أصل الركود على قواعد الاسلام ، انما الاشكال في ان هذا الركود بالنسبة الى زوال أي بلد يحصل ، فرب بلد شرقي زالت فيه الشمس وهي في بلد غربي بعد عنه لا تزول الا بعد انقضاء ساعة أو أكثر ، فتأمل.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٣) محرم سنة (١٤١١) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٢٢٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(١٦)

رسالة

فى حكم الاستيجار للحج من غير بلد الميت

للعلامة المحقق العارف

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيد مهدى الرجائى

٢٢٧
٢٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

في التهذيب عن حريز بن عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة ، فحج عنه من البصرة ، قال : لا بأس اذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه (١).

هذا خبر صحيح صريح في صحة حج الاجير من غير بلد استوجر فيه أن يحج عنه منه وهو يعلم بلد الموت وغيره ، ومن المعلوم صحة حجه عنه من البلد.

فيظهر منه أن النائب له أن يحج عن المنوب من بلده ومن موضع موته ومن غيرهما ، ولا يتعين عليه موضع دون موضع وان عينه عليه المستأجر.

اذ لا شبهة في أن مناط السؤال انما هو مخالفة الاجير ما عين عليه المستأجر من البلد ليحج عنه منه ، فأجاب عليه‌السلام بأن تلك المخالفة لا يقدح في صحة حجه واستحقاقه الاجرة.

وهذا موافق لما قيل من أن الاقوى القضاء عنه من الميقات خاصة ، لاصالة البراءة من الزائد ، ولان الواجب الحج ، والطريق لا دخل لها في حقيقته ، كما يستفاد من هذا الخبر ، ووجوب سلوكها من باب المقدمة ، وتوقف الحج على

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤١٥ ، ح ٩١.

٢٢٩

مئونة ، فتجب قضاء المقدمة عنه.

يندفع بأن مقدمة الواجب اذا لم تكن مقصودة بالذات لا تجب وهو هنا كذلك ، ومن ثم لو سافر الى الحج لا بنيته أو بنية غيره ، ثم بدا له بعد الوصول الى الميقات الحج أجزأ ، وكذلك لو سافر ذاهلا أو مجنوناً ثم كمل قبل الاحرام أو آجر نفسه في الطريق لغيره ، أو حج متسكعاً بدون الغرامة ، أو في نفقة غيره أو غير ذلك من الصوارف عن جعل الطريق مقدمة للواجب.

وكثير من الاخبار ورد مطلقاً في وجوب الحج عنه ، وهو لا يقتضي زيادة على أفعاله المخصوصة ، كما يفيده ظاهر هذا الخبر.

فان المفهوم منه أن القدر المعتبر في صحة حج الاجير هو قضاء جميع المناسك من أي بلد حج عنه ، ولا يتعين عليه بلد بخصوصه ، بل يستفاد منه أن المستأجر اذا شرط عليه أن يحج عنه من موضع معين وان تعلق به غرض جاز له مخالفته ، ولا يقدح ذلك في صحة حجه واستحقاقه الاجرة كملا.

وذلك لان احتمال كون قوله « من الكوفة » صفة لرجل كما قيل بعيد. أما أولا ، فلان قوله « من البصرة » لا شك أنه متعلق بقوله « فحج » وصلة له ، فهذا قرينة على أن قوله « من الكوفة » متعلق بقوله « يحج » وصلة له لا صفة لرجل.

وأما ثانياً ، فلاحتياجه الى القول بحذف المضاف ومتعلق الظرف ، أي : عن رجل يكون من أهل الكوفة ، والاصل عدمه ، فهو مخالف له يرتكب من غير ضرورة.

وأما ثالثاً ، فلان الامر لو كان كذلك لكان الظاهر أن يقول عن رجل من الكوفة أعطى رجلا ، لان هذا مع سلامته عن توهم خلاف المقصود سالم عن الفصل بالاجنبي بين الصفة والموصوف وهو قوله « يحج عنه ».

ومدار الاستدلال من السلف الى الخلف بالايات والروايات على الظاهر

٢٣٠

المتبادر ، لا على الاحتمالات البعيدة عن الاذهان ، كما هو المقرر في أصول الاعيان.

فقول سيدنا في المدارك : وهي لا تدل صريحاً على جواز المخالفة لاحتمال أن يكون قوله « من الكوفة » صفة لرجل لا صلة ليحج كما ترى.

وبالجملة يستفاد منه أن النائب له أن يحج عن المنوب من بلد استطاعته ، ومن مسقط رأسه ، ومن موضع موته ، ومن غيرها من المواضع والبلدان.

ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن يكون قوله « من الكوفة » صفة لرجل ، أو صلة ليحج ، بل يستفاد منه أن شرط المستأجر وان تعلق به غرض يجوز مخالفته ومع ذلك يستحق الاجير الاجرة المسماة ، لانه عليه‌السلام لم يحكم برد شي‌ء من الحجة ، بل قال : ان حجه الذي آجر نفسه لقضاه قد تم ، فيستحق به الاجرة.

وظاهر الكليني يفيد أنه يعمل بمضمون هذا الخبر ، لانه أورده في باب من يعطى حجة فيخرج من غير الموضع الذي يشترط (١). ولم يأوله مع ما سبق منه في صدر الكتاب من أنه لا يورد فيه الا ما يعمل به ، فتأمل.

وقال الشهيد في الدروس : ولو شرط سلوك طريق معين وجب مع الفائدة ، فلو سلك غيره رجع عليه بالتفاوت ، وقال الشيخ : لا يرجع لاطلاق رواية حريز في من استوجر للحج من الكوفة فحج من البصرة ، قال : لا بأس. وفيها دليل على أنه لا يتعين المسير من نفس بلد الميت (٢) انتهى كلامه رفع مقامه.

فقول الشيخ ابن ادريس بوجوب القضاء من عين البلد وفسر ببلد الموت مما لا دليل له عليه ، وان ادعى تواتر الاخبار عليه ، بل هذا الخبر حجة عليه.

وأما ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن عبد الله قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحج ، من أين يحج عنه؟ قال :

__________________

(١) فروع الكافى ٤ / ٣٠٧ ، ح ٢.

(٢) الدروس ص ٨٨ ـ ٨٩.

٢٣١

على قدر ماله ان وسعه ماله فمن منزله ، وان لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة ، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة (١).

فمع أنه غير نقي السند ، لان محمد بن عبد الله غير معروف ، وتوسطه بين ابن أبي نصر وأبي الحسن الرضا عليه‌السلام غير معهود ، بل المعهود عدم الواسطة ، محمول : اما على الاستحباب ، أو على ما اذا عين قدراً يسع من منزله.

ومع ذلك فالقول بوجوب القضاء من عين البلد محل نظر ، لانه خلاف ما دلت عليه صحيحة حريز ، حيث أن الرجل قد أعطى قدراً وسع الحج من الكوفة وهو لم يحج عنه منها بل حج من البصرة ، وهو عليه‌السلام قد نفى عنه البأس وحكم بكونه تاماً بشرط قضاء جميع المناسك ، فتأمل.

قيل : ان الخلاف فيما لو أطلق الوصية ، أو علم أن عليه حجة الاسلام ولم يوص بها ، وأما اذا عين قدراً وسع الحج من منزله ولم يكن الزائد عن أجرته من الميقات زائداً عن ثلث التركة ، فتعين الوفاء به اجماعاً فيقضي من بلده ، فان ثبت الاجماع فهو المتبع والا ففيه ما مر.

تم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٣) محرم سنة (١٤١١) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) فروع الكافى ٤ / ٣٠٨ ، ح ٣.

٢٣٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(١٧)

رسالة

في حكم الاسراج عند الميت ان مات ليلا

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

٢٣٣
٢٣٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

قال سيدنا في المدارك بعد نقل قول المصنف قدس‌سرهما « ويكون عنده مصباح ان مات ليلا » : ذكره الشيخان (١) واستدل عليه في التهذيب بما روي أنه لما قبض أبو جعفر عليه‌السلام أمر أبو عبد الله عليه‌السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام (٢).

واعترض المحقق الشيخ علي بأن ما دل عليه الحديث غير المدعى ، قال : الا أن اشتهار الحكم بينهم كاف في ثبوته للتسامح في أدلة السنن (٣).

وقد يقال : ان ما تضمنه الحديث يندرج فيه المدعى. أو يقال : ان استحباب ذلك يقتضي استحباب الاسراج عند الميت بطريق أولى ، فالدلالة واضحة لكن السند ضعيف جداً (٤).

أقول : ولا يخفى أن لفظة « كان يسكنه » تفيد أن أمره عليه‌السلام بالسراج في هذا

__________________

(١) المقنعة ص ١١ ، والنهاية ص ٣٠.

(٢) تهذيب الاحكام ١ / ٢٨٩ ، ح ٨٤٣.

(٣) جامع المقاصد ١ / ٤٨.

(٤) مدارك الاحكام ٢ / ٥٧.

٢٣٥

البيت انما وقع في ليلة دفنه عليه‌السلام وما بعدها لا ليلة قبضه والمدعى هو هذا لا الاول ولهذا قال المحقق الثاني : ما دل عليه الحديث غير المدعى ، فالقول بأن ما تضمنه الحديث يندرج فيه المدعى محل نظر.

وكيف يندرج فيه ولا يفهم منه أن أبا جعفر عليه‌السلام قبض ليلا أم نهاراً ، وعلى الاول لا يفهم منه أنه كان عنده مصباح في تلك الليلة أم لا. والمذكور في الدروس أنه عليه‌السلام قبض بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربع عشر ومائة (١).

وعليه فلا وجه لهذا القول ولا لاندراج المدعى فيما تضمنه الحديث ، وهو ظاهر.

وأما ما ادعاه من الاولوية فممنوعة ، اذ لعل في الاول حكمة خفية لا تصل اليها عقولنا الناقصة ليست في الثاني ، والا فيرد عليه أن هذا اسراف محض ليس فيه غرض صحيح بحسب ما تدركه عقولنا ، بل هو عين اضاعة المال المنهي عنها عقلا ونقلا.

لان ظاهر الحديث يفيد أن هذا الاسراج في هذا البيت كان لمجرد أنه عليه‌السلام كان يسكنه ، لا لانه كان يسكنه بعد قبضه انسان ، بل يظهر منه أن هذا البيت لم يسكنه بعده عليه‌السلام أحد حتى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام ، والا لكان الاسراج فيه له لا لانه كان يسكنه ، وظاهر الحديث خلافه.

وهذا أيضاً مما لا وجه له ظاهراً ، بل هو تعطيل محض يحكم العقل بخلافه الا أن يقال : ان هذا وأمثاله مما يعد احتراماً عرفاً.

فاني حين ما أردت أن أحرم لزيارة الكاظمين عليهما‌السلام ودخلت حماماً كان في تلك البقعة الشريفة لغسل الزيارة ، وجدت في المسلخ صفة خالية ، فأردتها لنزع الثياب فمنعني الحمامي وزبرني ، فسألته عن وجهه ، فقال : ان الشاه عباس أنار الله برهانه

__________________

(١) الدروس ص ١٥٣.

٢٣٦

لما وصل الى تلك البقعة ودخل هذا الحمام نزع ثيابه في هذه الصفة ، فهي الى الان كما ترى خالية لا ينزع فيها أحد ثيابه احتراماً للشاه.

ويظهر منه أن أمثال ذلك مما يعده أهل العرف احتراماً ، ولذلك فعل أبو ـ عبد الله عليه‌السلام ما فعل احتراماً لابيه عليهما‌السلام.

ومن غريب ما رأيناه في بعض بلاد الشيعة أن أهله يسرجون عند قبور موتاهم في مقبرتهم ليالي لها شرف ومزية ، كليالي الجمعات والاعياد ونحوها ، ولعلهم أخذوه مما نقل اليهم من فعل الصادق عليه‌السلام.

ومما قررناه ظهر أن ما يفهم من الحديث من احترام المؤمن بالاسراج عنده ان مات ليلا من قبيل القياس المستنبطة علته والامامية لا يقولون به ، لاحتمال أن تكون له علة أخرى ونحن لا نعلمها.

ولذلك جعل المحقق الثاني الدليل عليه الشهرة بينهم ، ولم يعتبر الاقتضاء المذكور ومنع دلالة الخبر عليه ، فاستدلال الشيخ به عليه غريب.

وأغرب منه ما أفاده السيد في مقام نصرته بقوله « فالدلالة واضحة » فتأمل.

تم استنساخ وتصحيح الرسالة في (١٢) محرم سنة (١٤١١) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٢٣٧
٢٣٨

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(١٨)

رسالة

في شرح حديث توضؤوا مما غيرت النار

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهديّ الرّجائي

٢٣٩
٢٤٠